شیعة فی الإسلام

السید محمد حسین الطباطبائی

نسخه متنی -صفحه : 8/ 2
نمايش فراداده

تاليف : العلا مة الكبير السيد محمد حسين الطباطبائي .

الشيعة في الاسلام .

مقدمة المترجم . تعريف بالكتاب :. قـد يـتـسـال بـعضهم , من هم الشيعة ؟ وما هو التشيع ؟ متى وجد؟ وكيف نشا؟ والى آخر ذلك من الاسئلة .

فـقـال بـعـض انهم فرقة استحدثت وتشعبت من الاسلام , وقال آخرون انهم غلاة ليسوا بمسلمين , وذهب جماعة الى انهم فرقة ضالة مضلة لايربطهم بالاسلام رابط, وماالى ذلك من الاقوال كـتـاب ((الشيعة في الاسلام )) تحقيق جاد في تعريف الشسيعة من جميع جوانبهم ,لمن لم يتعرف عـلـى الفكر الشيعي فهو يجيب على جميع تلك التساؤلات ويرد على الشبهات التي طالما تمسك بها الاعدا فجعلوها ذريعة , للحط من شان الشيعة ومقامهم .

لـقـد عالج المؤلف هذا الهدف دون تعرض لاهل السنة , في حين يقف مدافعا عن اصالة الشيعة , ويبين عـلـل نـشـوئهـم , وقد حاول المؤلف ان يعرض التشيع , وهو جانب من الاسلام الاصيل , بعيدا عن التفرقة والانشقاق في صفوف المسلمين .

جا الكتاب مبسطا وبلغة يفهما الجميع , لا يستغني عنه الشيعة ذاتهم وخاصة الشباب .

لـقـد قـسـم الـمـؤلف قدس سره بحثه القيم هذا الى ثلاثة فصول , استعرض خلالهاتاريخ الشيعة ومعتقداتهم وعلومهم .

فـبـحث في الفصل الاول , كيفية نشؤ الشيعة وانقساماتها, وموجزا عن تاريخ الشيعة الاثنى عشرية واسـتعرض في الفصل الثاني , الفكر الشيعي , والطرق التي ينتهجهافي الاحتجاج , من ظواهر دينية او بـحـوث عـقلية وتناول في الفصل الثالث , اصول الدين وفروعه من وجهة نظر الشيعة , في اللّه سـبـحـانه وصفاته , وفي معرفة النبي (ص ) والوحي ,وفي المعاد, وفي الامامة , والفرق بين النبي والامـام ومـوجـز عن تاريخ الائمة الاثنى عشر (ع ) ومبحث في ظهور المهدي ـ عجل اللّه تعالى فرجه الشريف ـ.

تعريف بالكاتب :. ولـد المؤلف العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي في بيت علم وفضل , في بيت له تاريخ طويل في خدمة شريعة الاسلام ومنهج الرسول واهل بيته , اذ ان اربعة عشر من اجداد المؤلف كانوا من العلما المبرزين في مدينة تبريز الايرانية .ولـد سنة 1321 للهجرة , فتابع دراسته الاولية هناك , ثم رحل الى النجف الاشرف سنة 1344 ه, ومـكـث هناك , مدة لا تقل عن عشرة سنوات , اكتسب خلالهامختلف العلوم الاسلامية , فدرس الفقه والاصول , والفلسفة والرياضيات والاخلاق , ثم رجع الى موطنه سنة 1354 ه.

لـم يـكـتـف بـدراسة الفقه والاصول بشكلها المبسط, وانما تعمق في دراسة هذين العلمين , وتناول دراسـة عـلـم الـنحو والصرف ايضا, ودراسة الادب العربي , وتطرق الى دراسة علم الرياضيات الـقـديـم كـ((اصـول )) اقـليدس و((المجسطي )) لبطليموس , و الفلسفة وعلم الكلام والعرفان والتفسير ايضا.

ذاعت شهرته في ايران , بعد ان هاجر من مسقط راسه الى مدينة قم , اثرالحوادث السياسية للحرب الـعـالمية الثانية , فاقام فيها سنة 1365 ه, وشرع بتدريس الفسير والحكمة والمعارف الاسلامية , ولم يتوان في مناقشة ومحاججة المخالفين ,فارشد العديد منهم الى طريق الحق والصواب .

كـان لـمحاضراته في الحوزة العلمية , اثر بليغ في طلابها, بل شملت المثقفين ايضا فكانت لقااته مع الاسـتـاذ ((هنري كربن )) مستمرة في كل خريف , يحضرها جمع من الفضلا والعلما, تطرح فيها المسائل الدينية والفلسفية , فكانت لها نتائجها المثمرة .ومـن الـجـدير بالذكر ان تلك اللقاات والمباحثات لم يكن لها نظير في العالم الاسلامي , منذ القرون الوسطى حين كان التلاقح الفكري بين الاسلام والمسيحية .

احـيـا العلامة الطباطبائي , العلوم العقلية وتفسير القرآن , فاهتم بتدريس الحكمه ,فشرع بتدريس كتاب ((الشفا)) و((الاسفار)).

كان يمتاز بد ماثة الخلق , فكان عاملا رئيسيا في شد الطلاب الى محاضراته القيمة , اذ كان يحضرها المئات , فنال الكثير منهم درجة الاجتهاد في الحكمة , واصبحوااساتذة قادرين على تدريسها.

كـان الـعـلامة يحرص على الاخلاق وتزكية النفس فضلا عن اهتمامه بالحكمة والعرفان , ويمكن الـقـول بـانـه اسس مدرسة جديدة في التربية وعلم الاخلاق , فقدم للمجتمع نماذج تتصف باخلاق اسـلامـيـة عـالية , وكان يؤكد كثيرا على ضرورة تلازم التعاليم الاسلامية مع التربية المدرسية ويـعتبرها من المسائل الاساسية في المعارف الاسلامية , الا انه من المؤسف لم يراع هذا الامر في المدارس الحديثة ببلاد المسلمين .

مؤلفاته :.

1) تفسير الميزان فى (20) جزا باللغة العربية , وترجم الى الفارسية والانجليزية .

2) مبادي الفلسفة وطريقة المثالية , مع شرح وهوامش للعلامة الفيلسوف مرتضى مطهري .

3) شرح الاسفار لصدرالدين الشيرازي , في ستة مجلدات .

4) حوار مع الاستاذ ((هنري كربن )) في مجلدين .

5) رسالة في الحكومة الاسلامية , طبعت بالعربية والفارسية والالمانية .

6) حاشية الكفاية .

7) رسالة في القوة والفعل .

8) رسالة في اثبات الذات .

9) رسالة في الصفات .

10) رسالة في الافعال .

11) رسالة في الوسائط.

12) الانسان قبل الدنيا.

13) الانسان في الدنيا.

14) الانسان بعد الدنيا.

15) رسالة في النبوة .

16) رسالة في الولاية .

17) رسالة في المشتقات .

18) رسالة في البرهان .

19) رسالة في المغالطة .

20) رسالة في التحليل .

21) رسالة في التركيب .

22) رسالة في الاعتبارات .

23) رسالة في النبوة والمنامات .

24) منظومة في رسم خط النستعليق .

25) علي والفلسفة الالهية .

26) القرآن في الاسلام .

27) الشيعة في الاسلام , (الكتاب الحاضر).

هذا فضلا عن المقالات المتعددة التي كانت تنشر في المجلات العلمية آنذاك .

لـعـل مـن اهم آثار العلامة ومؤلفاته هو كتابه ((الميزان في تفسير القرآن )) ويعتبرمن التفاسير الـقـيمة لهذا العصر, فقد خدم هذا التفسير المجتمع الاسلامي , كما خدمت التفاسير القيمة القديمة المسلمين , بتناسبها وتلازمها مع العلوم والفلسفة حينئذ, لفهم معاني القرآن في العصور السالفة .

لقد اتخذ العلامة نهجا خاصا في تفسيره هذا, اذ يبتني على نص الحديث , وهوتفسير القرآن بالقرآن .

لـقـد قـضـى العلامة عمرا في خدمة الدين الحنيف , والمجتمع الاسلامي , فكان ـولايزال - منارا لـرواد الـفـضيلة والعلم , فقد انار الطريق للعديد ممن قراوا مصنفاته ,وحضروا مجلسه , فمنحهم روحا علمية خالصة واتجاها فكريا سليما, حفظه اللّه تعالى ,وايده , ومنحه الصحة والعافية .

مقدمة المؤلف :. الـكتاب الذي بين ايدينا ((الشيعة في الاسلام )) يعرب عن حقيقة مذهب التشيع وماهيته , وهو احد المذهبين الاسلاميين الرئيسيين ((الشيعي والسني )).

يـسـتـعـرض الـكـتاب كيفية نشؤ المذهب الشيعي واسلوب التفكير الديني لدى الشيعة والمعارف الاسلامية من وجهة نظرهم .

الدين : لا شك فى ان اي انسان يميل في حياته الى ابنا جنسه , ولا تخلو اعماله التي يقوم بها في بيئته , مـن صـلـة بعضها ببعضها الاخر, كالاكل والشرب , والسكون والحركة , والنوم واليقظة في الوقت الذي تنفصل كل من هذه الافعال والحركات عن الاخرى , تكون مرتبطة بعضها ببعض ارتباطا وثيقا.

على هذا الاساس , فان الاعمال التي يقوم بها الانسان في حياته , تتحقق في حدود نظام لا يتعداه وتنبع من نظرة معينة , الا وهي ان الانسان يريد ان يحيى حياة سعيدة , يظفر بماله وامنياته وبعبارة اخرى , يـطـمـح الانسان قدر استطاعته الى تحقيق متطلباته بصورة اكمل وما ذلك الا للحفاظ على وجوده وبقائه .وانـطلاقا من هذه النظرة , بات الانسان ينظم اعماله وفق قوانين واحكام , وضعهابميله , او اقتبسها من آخرين وبالتالي نجده يتخذ اسلوبا خاصا في حياته فهويكدويسعى من اجل اعداد متطلبات حياته , لانه يعتبرها من الاسس والمقو مات لها.

فـهـو يـبـادر الـى تـنـاول الما والطعام , ليسد بهما عطشه وجوعه , لان الاكل والشرب , حاجتان ضروريتان لاستمرار الحياة .

ان هـذه الـقـوانـيـن التي تحكم حياة الانسان تبتنى على اعتقاد اساسي والانسان يعتمد عليها في بنا عـلاقـاته , وهو تصوره عن الحياة والكون , والذي هو جز منه ,وتاملاته عن حقيقتها, ويتضح هذا الموضوع بالتامل في الارا المختلفة التي يرتايهاالناس في حقيقة العالم .

فالذين يحصرون الوجود في هذا العالم المادي المحسوس , ويعدون الانسان كائنا ماديا محضا (يحيى بـتدفق الحياة في جسمه , ويفنى بالموت ) فان نظرتهم هذه الى الحياة نظرة مادية بحتة , فهم يسعون الـى تـحقيق متطلباتهم المادية , ويبذلون في هذاالسبيل قصارى جهودهم لتذليل الظروف والعوامل الطبيعية لاغراضهم ومصالحهم الخاصة .وامـا الـذين يعتقدون بان عالم الطبيعة من صنع خالق اعلى شانا من الطبيعة , مثل عبدة الاوثان , فانهم يـذهبون الى ان العالم مخلوق , وخاصة الانسان وقد اسبغ الخالق نعمه عليه , كي ينعم بخيراتها, فهم يـنـسـقـون برامج حياتهم وفقا لرضى الخالق , مبتعدين عن سخطه وغضبه , فاذا ما استطاعوا جلب رضاه , فنعمه موفورة مغدقة عليهم , واذازالت انعم فدليل سخطه عليهم .وهناك من يعتقد باللّه سبحانه وحده , ويرى ان حياة الانسان خالدة , وهومسؤول عن اعماله خيرها وشـرها ويقر بيوم الجزا (القيامة ) كالمجوس واليهودوالنصارى والمسلمين , فهم يسلكون طريقا فى حياتهم , مراعين فيه هذا الاصل الاعتقادي , كي يحصلوا على سعادة الدارين الدنيا والاخرة .

ان مـجـمـوع هـذه الـمعتقدات والاسس (الاعتقاد بحقيقة الانسان والكون ) ومايلازمها من احكام وانـظمة متناسقة , والتي تدخل في نطاق عملهم في الحياة ب((المذهب ))مثل مذهب التسنن والتشيع في الاسلام , او مذهب الملكاني والنسطوري في المسيحية .وبـنـا عـلى ماتقدم يستحيل على الانسان ـ وان كان منكرا لوجود اللّه تعالى ـ ان يكون في غنى عن الدين (دستور الحياة الذى بني على اصل اعتقادي ) فالدين اذن طريقة الحياة التي لا تنفك عنها.والقرآن الكريم , يشير الى ان الانسان لابد ان ينتهج الدين طريقا له ومسلكا,وهذا الطريق قد جعله اللّه تعالى للبشر كافة وبانتهاجه يصل الى اللّه جل وعلا.ولكن الامر يختلف بالنسبة الى الافراد, فاما الذين سلكوا الدين الحق وهوالاسلام فقد سلكوا طريق الصواب واما الذين مالوا عن هذا الطريق فقد ضلوا ضلالامبينا.

الاسلام : الاسلام لغة , هو الانقياد لامر الامر ونهيه بلا اعتراض , وقد اطلق القرآن الكريم , كلمة الاسلام على هذه الدعوة , واطاره العام هو تسليم الانسان امام رب العالمين والا يعبد الا اللّه الواحد الاحد, والا يتبع الا اوامره .والـقـرآن الكريم يخبرنا ان ابراهيم الخليل ـ عليه السلام ـ هو اول من سمى هذاالدين بالاسلام , ومتبعيه بالمسلمين .

الشيعة : يراد بها الاتباع وتطلق على الذين يرون ان الخلافة بعد النبى (ص )منحصرة في اهل بيته والمراد منها في المعارف الاسلامية التابعون لاهل البيت ـ عليهم السلام ـ.

الفصل الاول :.

كيفية نشؤ الشيعة وتطورهم . 1 . بداية نشؤ الشيعة . يـجـب ان نعلم ان بداية نشؤ الشيعة , والتي سميت لاول مرة بشيعة علي (اول امام من ائمة اهل البيت (ع ) وعـرفـت بـهذا الاسم كانت في زمن النبي الاكرم (ص ), فظهورالدعوة الاسلامية وتقدمها وانـتـشـارهـا خلال ثلاث وعشرين سنة , زمن البعثة النبوية ,ادت الى ظهور مثل هذه الطائفة بين طحابة النبي الاكرم (ص ):.

الف ) وفي الايام الاولى من بعثته (ص ) امر بنص من القرآن الكريم ان يدعوعشيرته الاقربين , و صـرح فـي جـمعهم ان اول من يبايعني على هذا الامر سيكون خليفتي ووصيي من بعدي , فكان علي (ع ) اول مـن تـقدم , وقبل الاسلام , والنبي قبل ايمانه , وتعهد بكل ما وعده به , ويستحيل عادة على قـائد نـهـضة , وفي ايامها الاولى ان يعين احد اصحابه وزيرا وخليفة له على الاخرين , ولا يعرفه لـلـخـلص من اصحابه واعوانه , او ان يكتفي بهذا الامتياز ليعرفه وليعرفه , ولا يطلعه على مهمته طـوال حـيـاتـه ودعـوته , او ان يجعله بعيدا عن مسؤوليات الوزارة والخلافة ويغض النظر عن مقام الخلافة وما يجب ان يبدي لها من احترام وتقدير, ولا يفرق بينه وبين الاخرين .

ب ) ان الـنـبي الاكرم (ص ) وفقا للروايات المستفيضة والمتواترة عن طريق اهل السنة والشيعة , والتي يصرح فيها ان عليا عليه السلام مصون من الخطا والمعصية في اقواله وافعاله , وكل ما يقوم به فهو مطابق للدعوة وللرسالة , وهو اعلم الناس بالعلوم الاسلامية وشريعة السما.

ج ) قام الامام علي (ع ) بخدمات جمة للرسالة وتضحيات مدهشة , كمنامه في فراش النبي (ص ) ليلة الـهجرة فلو لم يكن الامام علي (ع ) مشاركا في احدى الغزوات (بدر واحد والخندق وخيبر), لما حقق الاسلام ولا المسلمون انتصارا في احداها وكان القتل والفشل حليفهم .

د) مـوضـوع غـدير خم , والذي اعلن فيه النبي الاكرم (ص ) الولاية العامة لعلي (ع ) فجعله على المسلمين ما كان له عليهم .

مـن الـطـبـيعي , ان هذه الخصائص والفضائل التي انفرد بها الامام علي (ع ), والتي هي مورد اتفاق الجميع , والعلاقة الخاصة , التي كان يبديها النبي الاكرم (ص ) جعلت له مؤيدين محبين مخلصين , من صحابة النبي وانصاره , كما اثارت لدى بعضهم الاخرالحقد والحسد.وفـضلا عن هذا كله , فان كلمة ((شيعة علي )) و ((شيعة اهل البيت )) قد جات في كثير من اقوال النبي (ص ).

2 . سبب انفصال الاقلية الشيعية عن اكثرية السنة , وظهور الاختلافات . كـان شيعة علي (ع ) واصحابه يعتقدون اعتقادا راسخا ان الخلافة ستكون لعلي (ع ) بعد وفاة النبي (ص ) وذلـك لـمـا كـان يـتسم به (ع ) من مقام ومنزلة لدى الرسول (ص ) والصحابة والمسلمين , وظواهر الامور والحوادث تؤيد ذلك : عدا ما حدث في ايام مرضه (ص ).ولـكـن ما حدث هو غير ما كان يتوقعونه , ففي الوقت الذي التحق النبي (ص )بالرفيق الاعلى , ولم يـغسل جسده الطاهر, ولم يدفن بعد, وحينما كان اهل البيت وعددمن الصحابة منصرفين في العزا, واجـرا الـمقدمات اللازمة , اذ وصلهم نبا انصراف جماعة قليلة لتعيين الخليفة بعد الرسول (ص ), وهـذه الـقـلة التي غلبت الكثرة , قد بادرت بهذا الامر عجالة , دون ان يستشيروا اهل البيت , واقربا النبي (ص ) وعشيرته وصحابته الا ان يروا انفسهم قبال امر واقع , وبعد ان فرغ الامام علي (ع ), ومن معه من الصحابة (كابن عباس والزبير وسلمان وابي ذر والمقداد وعمار) من دفن النبي (ص ) اعـلـمـوا بـالـذي حـدث , رفـعوا علم المعارضة , فانتقدوا القائمين بهذا الامر, وابدوا اعتراضهم لـلخلافة الانتخابية , باقامتهم جلسات متعددة , والجواب الذي سمعوه هو ان صلاح المسلمين كان في الذي حدث .

فـالانـتـقاد هذا والاعتراف اديا الى انفصال الاقلية عن الاكثرية , واشتهر اصحاب الامام علي (ع ) باسم ((شيعة علي )) فالقائمون بامور الخلافة , كانوا يسعون وفقا للسياسة آنذاك , الا يشتهر هؤلا الاقـلـيـة بـهذا الاسم , والا ينقسم المجتمع الى اقلية واكثرية ,فكانوا يعتبرون الخلافة اجماعا, ويـطـلـق عـلى المعارض لها, متخلفا عن البيعة , ومتخلفاعن جماعة المسلمين , واحيانا كان يوصف بصفات بذيئة اخرى .وفـي الـحقيقة ان الشيعة قد حكم عليها بالتخلف منذ الايام الاولى , ولم تستطع ان تكسب شيئا منذ ان ابـدت مـعـارضـتها, والامام علي (ع ) لم يعلنها ثورة وحربا, رعاية لمصلحة الاسلام والمسلمين , ولفقدانه للاشياع بالقدر المطلوب , الا ان هؤلاالمعارضين لم يستسلموا للاكثرية من حيث العقيدة , وكـانـوا يـرون ان الخلافة والمرجعية العلمية هي حق مطلق للامام علي (ع ), فكان رجوعهم في القضايا العلمية والمعنوية اليه وحده , وكانوا يدعون الى هذا الامر.

3 . موضوعا الخلافة والمرجعية العلمية . كان الشيعة يعتقدون ان ما يهم المجتمع اولا وقبل كل شي هو وضوح وتبيان التعاليم الاسلامية ومن ثـم نـشـرهـا فـي المجتمع , وبعبارة اخرى هي نظرة المجتمع الى العالم والانسان نظرة واقعية , والوقوف على الواجبات والوظائف الانسانية (بالشكل الذى يكون فيه الصلاح الواقعي ) والقيام بها, وان كانت مخالفة لاهوائهم وميولهم .

هـذا مـن جـهـة ومـن جـهـة اخرى , فان قيام حكومة دينية ما هو الا لتنفيذ الاحكام الاسلامية في الـمـجتمع , والحفاظ عليه , بحيث لا يعبد الناس الا اللّه جل وعلا, وان يحظوا بحرية تامة وعدالة فردية واجتماعية , وهاتان المهمتان يجب ان تناط الى شخص يتسم بالعصمة والصيانة الالهية , اذ من المحتمل ان يتعهد هذه المسؤولية اناس لم يسلموا من الانحراف الفكري والعقائدي , ولم ينزهوا من الخيانة وتتحول العدالة التي تمنح الحرية الاسلامية الى ملوكية موروثة مستبدة , كملوكية كسرى وقيصر, وتتعرض التعاليم الاسلامية المنزهة الى تحريف , كتعاليم الاديان السماوية الاخرى , ولا تـكون بمامن من العلما الذين قد ركبوا اهواهم فالشخص الوحيد الذي قد نهج نهج الرسول (ص ) في اعـمـاله وافعاله , وكان سديدا في سيرته , متبعا لكتاب اللّه تعالى وسنة نبيه (ص ) اتباعا كاملا هو الامام علي (ع ).واذا كانت الاكثرية تدعي ان قريشا تعارض حكومة علي (ع ) الحقة وخلافته ,كان لزاما عليهم ان يوجهوا المخالفين التوجيه الحسن , وان يرشدوهم الى طريق الحق والصواب , كما صنعوا مع ممتنعي الزكاة , فحاربوهم , ولم يتوانوا عن اخذ الزكاة منهم , لا ان يدحضوا الحق خوفا من مخالفة قريش .

نـعم , ان الدافع الذي دفع الشيعة للمعارضة امام الخلافة الانتخابية , هو الخوف من عواقبه الوخيمة الا وهـو فـسـاد وسقم الطريقة التي ستتخذها الحكومة الاسلامية , ومايلازمها من انهدام الاسس العالية للدين وقد اوضحت الحوادث المتتالية صحة هذه العقيدة بمرور الزمان والايام , اكثر فاكثر, مـمـا ادى بالشيعة الى ان تكون ثابتة في عقيدتها, مؤمنة باهدافها علما بانها قد كانت اقلية الا ان هذه الاقـلـيـة قد ذابت في الاكثرية ظاهرا, ولكنها بقيت تستلهم التعاليم الاسلامية من اهل البيت باطنا, وكـانـت مـتفانية في نهجها وطريقها وفي الوقت ذاته كانت تسعى في التقدم والرقي , والحفاظ على قـدرة الاسـلام وعـظـمته , فلم تبد مخالفتها علنا وجهارا وكانت الشيعة تذهب الى الجهاد سيرامع الاكثرية , ولم تتدخل في الامور العامة , والامام علي (ع ) كان يرشد الاكثرية لما فيه نفع الاسلام , ومصلحة المسلمين .

4 . الطريقة السياسية للخلافة الانتخابية , ومخالفتها للفكر الشيعي . كـان الشيعة يعتقدون ان شريعة الاسلام السماوية التي قد تعينت مضامينها في كتاب اللّه وسنة نبيه (ص ) ستبقى خالدة الى يوم القيامة دون ان يصيبها تغيير او تحريف .والحكومة الاسلامية لا يحق لها باي عذر ان تتهاون في اجرا الاحكام اجراكاملا فواجب الحكومة الاسـلامـيـة هـو ان تـتخذ الشورى في نطاق الشريعة ووفقاللمصلحة آنذاك , ما يجب اتخاذه من قرارات , ولكن ما حدث من واقعة البيعة السياسية ,وكذا حادث الدواة والقرطاس , والذي حدث في اخـريات ايام مرض النبي الاكرم (ص )لدليل واضح على ان المدافعين عن الخلافة الانتخابية كانوا يعتقدون ان كتاب اللّه وحده يجب ان يحفظ ويحتفظ به كقانون , اما السنة واقوال النبي الكريم (ص ) فـلـيـس لـهـاذلـك الاعتبار, وهم على اعتقاد ان الحكومة الاسلامية تستطيع ان تضع السنة جانبا اذااقتضت المصلحة ذلك .وهـذه الـعـقـيـدة يؤيدها الكثير من الروايات التي نقلت في خصوص الصحابة بعدئذ (الصحابة ذو اجـتـهاد, فاذا ما اصابوا في اجتهادهم فانهم ماجورون واذا ما اخطاوافهم معذورون ), وخير دليل عـلـى ذلـك مـا حـدث لـخـالد بن الوليد, وهو احد القوادللخليفة , اذ دخل ضيفا على احد مشاهير الـمـسـلمين (مالك بن نويرة ) ليلا وتربص له فقتله , ووضع راسه في التنور واحرقه , وفي الليلة ذاتـهـا واقع زوجة مالك وبعد هذه الجناية التي تعرق لها الجباه , لم يجر الخليفة الحد عليه , متذرعا بعذر: الا وهو ان حكومته بحاجة اليه .وكـذا الامـتـناع من اعطا الخمس لاهل البيت واقربا النبي الاكرم (ص ) ومنع كتابة احاديث النبي الـكـريـم منعا باتا, واذا ما عثر على حديث مكتوب عند شخص كان يحرق وكانت هذه السنة قائمة طـوال خـلافـة الـخـلـفـا الـراشدين , وحتى زمن خلافة (عمربن عبدالعزيز) الخليفة الاموي (99-102) وقد تجلت هذه السياسة في خلافة الخليفة الثاني (13-25) للهجرة .

اذ الـغـى بـعـض احـكام الشريعة مثل : حج التمتع ونكاح المتعة , وذكر (حي على خير العمل ) في الاذان , وجـعل الطلاق الثالث نافذ الحكم وغيرها, وفي زمن خلافته كان بيت المال يوزع بين الناس مـع تباين والذي ادى الى ظهور طبقات مختلفة من المسلمين , تثير الدهشة والقلق , وكان من نتائجها وقـوع حـوادث دامـية مفزعة , وفي زمنه كان معاوية في الشام يتمتع بسلطان لا يختلف عن سلطنة كسرى وقيصر, وقد اسماه الخليفة بكسرى العرب , ولم يتعرض له بقول , ولم يردعه عن اعماله .وبـعـد ان قـتل الخليفة الثاني على يد غلام فارسي , ووفقا لاكثرية آرا الشورى البالغ عددهم ستة اعـضـا والـذي تـم تشكيله بامر من الخليفة , عين الخليفة الثالث , فعين اقرباه الامويين ولاة وامرا, فجعل منهم الولاة في كل من الحجاز والعراق ومصروسائر البلدان الاسلامية , فكانوا جائرين في حـكـمـهـم , عـرفـوا بشقاوتهم وظلمهم وفسقهم وفجورهم , نقضوا القوانين الاسلامية الجارية , فـالـشـكـاوى كانت تنهال على دار الخلافة ,ولكن الخليفة الثالث كان متاثرا لما تربطهم به من صلة الـقـربـى , وخاصة مروان بن الحكم ولم يهتم بشكاوى الناس , وكان احيانا يعاقب الشكاة فثار الناس عليه سنة 35 للهجرة ,وبعد محاصرة منزله , وصراع شديد قتلوه .

كان الخليفة يؤيد واليه على الشام تاييدا مطلقا وهو احد اقاربه الامويين (معاوية ) وكان يدعم موقفه بـتاييده المستمر له وفي الحقيقة كان ثقل الخلافة في الشام ,ولم يكن مركز الخلافة (المدينة ) الا شكل ظاهر.

فـخلافة الخليفة الاول قد استقرت بانتخاب اكثرية الصحابة والخليفة الثاني عى ن من قبل الخليفة الاول , والخليفة الثالث انتخب من الاعضا الستة للشورى الذين عينهم الخليفة الثانى .

فـاكـنـت سـيـاسـة هؤلا الخلفا الثلاثة في الامور وشؤون الناس ان ينفذوا القوانين الاسلامية في المجتمع وفقا للاجتهاد والمصلحة آنذاك , ووفقا لما يرتايه مقام الخلافة ,فالقرآن يقرا دون تفسير او تـدبـر واقـوال الـرسول العظيم (الحديث ) تروى دون ان تكتب على قرطاس , ولا تتجاوز حد الاذن واللسان فكانت الكتابة مختصة بالقرآن الكريم ,والحديث لا يكتب على الاطلاق .وبـعـد مـعـركـة اليمامة والتى انتهت في سنة 12 للهجرة بمقتل جمع من الصحابة كانوا من حفظة الـقـرآن , يـقـتـرح عمر بن الخطاب على الخليفة الاول ان يجمع القرآن في مصحف , ويبين الهدف والغرض في اقتراحه بقوله : اذا ما حدثت معركة اخرى , واشترك فيها بقية حملة القرآن وحفظته , فسوف يذهب القرآن من بين اظهرنا, اذن يستلزم جمع آيات القرآن في مصحف , تكتب آياته , فنفذوا هذا الاقتراح بالنسبة للقرآن الكريم .ومع ان الاحاديث النبوية هي التالية للقرآن , وكانت تواجه نفس الخطر, ولم تكن بمامن من خطر نقل الحديث معنى , دون الالتفات الى النص , وكذا الزيادة والنقصان , والتحريف والنسيان , وما الى ذلك من الاخـطـار الـتـي كـان يواجهه الحديث ,فلم توجه عناية او رعاية لحفظه وصيانته , بل كانت كتابة الحديث ممنوعا, واذا ماحصلوا على شي منه فكان يلقى في النار.ولم تمض فترة من الزمن حتى ظهر التضاد في المسائل الاسلامية الضرورية كالصلاة , ولم يطرا تـقـدم في بقية الفروع العلمية في هذه الفترة , في حين نرى القرآن الكريم يشجع المشتغلين بالعلم , واحاديث النبي الكريم تؤيد ذلك , فلم ير لتلك الايات والاحاديث مصداقا فى الخارج , وانصرف اكثر الـناس بالفتوحات المتعاقبة , واعجبوابالغنائم المتزايدة , والتي كانت تتدفق الى الجزيرة العربية من كـل صـوب وحـدب , ولـم يكن هناك اهتمام بعلوم سلالة الرسالة ومعدن الوحي , وفي مقدمتهم علي عليه السلام والنبي (ص ) قد صرح معلنا ان عليا اعرف الناس بالعلوم الاسلامية , والمفاهيم القرآنية , ولـم يـسـمحوا له بالمشاركة في جمع القرآن (وهم على علم من ان عليا بعد وفاة النبي (ص ) كان جليس داره يجمع القرآن ) ولم يذكر اسمه في انديتهم واجتماعاتهم .

فـان هـذه الامـور ونظائرها, ادت بشيعة علي الى ان يقفوا موقفا اكثر وعيا وارسخ عقيدة , واشد نشاطا, ولما كان علي (ع ) بعيدا عن ذلك المقام الذي يجعله مشرفا على التربية العامة للناس , انصرف الى تربية الخاصة من شيعته وانصاره .

5 . انتها الخلافة الى اميرالمؤمنين (ع ) وسيرته . بـدات خـلافـة علي (ع ) في اواخر سنة خمس وثلاثين للهجرة , واستمرت حوالي اربع سنوات وتـسعة اشهر, وكان في سيرته مماثلا لسيرة النبي الاكرم (ص ), اعادمعظم المسائل التي وجدت في زمن الخلفا السابقين الى حالتها الاولى , وعزل الولاة غير الكفوئين وفي الحقيقة , احدث انتفاضة ثورية , كانت تنطوي على مشاكل متعددة .والامام علي (ع ) في الايام الاولى من خلافته وقف مخاطبا الناس قائلا:((الاوان بلى تكم قد عادت كهيئتها يوم بعث اللّه نبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة , ولتغربلن غربلة ولـتـسـلـطن سوط القدر, حتى يعود اسفلكم اعلاكم ,وليسبقن سابقون كانوا قصروا, وليقصرون سباقون كانوا سبقوا)).

اسـتـمر الامام علي (ع ) في حكومته الثورية , فرفعت اعلام المعارضة من قبل المخالفين , كما هي طبيعة الحال لكل ثورة , اذ لابد من مناوئين , يرون مصالحهم في خطر, فاشعلوا حربا داخلية دامية , بـحجة الاخذ بثار دم عثمان والتي استمرت طوال خلافة الامام علي (ع ) تقريبا ويعتقد الشيعة ان الـمـسـبـبـيـن لهذه الحروب لم يريدوا سوى منافعهم الخاصة , ولم يكن الثار بدم عثمان الا ذريعة يـتـمـسـكـون بـهـا, ليحرضوا عوام الناس للمعارضة والنهوض امام امام الامة وخليفتها, اذ ان هذه المعارضة لم تحدث عن سؤتفاهم .وما الاسباب والدوافع التي خلقت معركة الجمل الا غائلة الاختلاف الطبقي ,والتي وجدت في زمن الـخـليفة الثاني اثر توزيع الاموال من بيت المال بطرق متباينة ,وبعد خلافة علي (ع ) كانت الاموال تـوزع بـيـن الـنـاس بـالسوية , كما كان يفعله النبي (ص )في حياته , والطريقة هذه اثارت غضب ((الزبير)) و ((طلحة )) فمردا على النفاق , فخرجامن المدينة الى مكة بحجة الحج , فاتفقا مع ام الـمؤمنين (عائشة ) والتي كانت في مكة ,ولم يكن بينها وبين علي صفا ومودة , اتفقوا ان يطالبوا بدم عثمان , فاضرموا نار الحرب .

علما بان ((طلحة )) و ((الزبير)) كانا في المدينة عندما حوصرت دار الخليفة الثالث , فلم يدافعا عـنـه , ولـم يـنـصـراه , وبعد مقتله , كانا من الاوائل الذين بايعوا عليا اصالة عن انفسهم ونيابة عن المهاجرين .وامـا ام الـمـؤمنين ((عائشة )) فقد كانت ممن حرضوا الناس لقتل الخليفة الثالث ,وعندما سمعت نبا مـقـتـلـه لاول مـرة , قلت : بعدا وسحقا, وفي الحقيقة ان المسببين الاصليين لمقتل الخليفة كانوا من الصحابة , اذ ارسلوا الرسائل الى البلدان لغرض اثارة الناس على الخليفة .وامـا الـسـبـب الـذي احدث حرب صفين , والتي استمرت سنة ونصف السنة , فهوطمع معاوية في الـخـلافـة , فـاجج نارها متذرعا بدم عثمان , فاريقت الدما, وقتل مايقارب من مائة الف , وكان موقف معاوية من هذه الحرب موقف المهاجم , وليس موقف المدافع , الا ان الثار يكون دفاعا.وكـان شعار هذه الحرب , المطالبة بدم عثمان , علما بان الخليفة الثالث قد طلب المساعدة والعون من مـعـاوية لرد الهجوم , وتحرك جيش معاوية من الشام متجها الى المدينة , ولكنه تباطا في سيره حتى قتل عثمان , وعندئذ رجع الى الشام يطالب بدم عثمان .وبـعد ان استشهد الامام علي (ع ), تناسى معاوية قتلة الخليفة , ولم يعاقبهم وبعدحرب ((صفين )) اندلعت نار حرب ((النهروان )) فثار جمع من الناس وفيهم بعض الصحابة بايعاز من معاوية ممن كان في حرب صفين , فثاروا على علي (ع ), فرحلوا الى البلدان الاسلامية , فقتلوا كل من كان يدافع عن علي (ع ), وفتكوا بالنسا الحوامل , ومثلوابهن وباجن تهن .والامام علي (ع ) قد اخمد هذه الغائلة , ولكن بعد فترة استشهد في مسجدالكوفة اثنا الصلاة على يد الخوارج .

6 . ما حصل عليه الشيعة طوال خلافة الامام علي (ع ) في خمس سنوات . الامـام عـلـي (ع ) طـوال خـلافـته لاربع سنوات وتسعة اشهر, وان لم يوفق في اعادة الاوضاع المضطربة الى حالتها الطبيعية , الا انه قد وفق من ثلاث جهات اسياسية :.

1) استطاع ان يظهر شخصية النبي الكريم (ص ) المضيئة بسيرته العادلة للناس ,وخاصة الشباب , فـقـد كان يواسي افقر الناس في عيشه , امام تلك الابهة التي كان يتصف بها معاوية , اذ كان لايقل عن كسرى وقيصر, فالامام علي (ع ) لم يقدم احدا من اصدقائه واقربائه وعشيرته على الاخرين , ولم يرجح الغني على الفقير, ولا القوي على الضعيف .

2) مع كثرة المشاكل المنهكة للقوى , فقد استطاع ان يضع في متناول ايدي المسلمين الذخائر القيمة من المعارف الالهية والعلوم الاسلامية الحقة .واما ما يقوله المخالفون لعلي (ع ): انه كان رجلا شجاعا, ليس له علم بالسياسة ,اذ كان يستطيع في بداية خلافته ان يرضي مخالفيه مؤقتا عن طريق المداهنة , وبعد ان يستتب له الامر كان باستطاعته ان يحاربهم ويقضي عليهم .ولـكن هؤلا قد غفلوا عن ملاحظة مهمة وهي ان خلافة علي كانت نهضة ثورية ,وجدير بالنهضات الـثـوريـة , ان تـكون بعيدة كل البعد عن المداهنة والريا, وقد حدث مثيله في زمن النبي (ص ) في اوائل بعثته , فطلب الكفار والمشركون منه الصلح عدة مرات وطلبوا منه الا يتعرض لالهتهم , وهم مـلـزمـون بـعـدم التعرض لدعوته ايضا, ولكن النبي (ص ) رفض هذا الاقتراح , في حين انه كان يـسـتـطـيـع ان يـقـيم معهم الصلح , ويحكم موقفه ثم ينهض بوجه اعدائه وفي الحقيقة ان الدعوة الاسلامية لن تسمح باضاعة حق لاقامة حق آخر, او ان تزيل باطلا بباطل آخر وفي القرآن آيات كثيرة في هذاالخصوص .

علما بان اعدا علي (ع ) ومخالفيه , لم يرتدعوا عن القيام باي جرم وجناية ونقض للقوانين الاسلامية الـصـريـحـة (دون استثنا) بغية الوصول الى اهدافهم , فكانوايبررون مواقفهم واعمالهم بانهم من صحابة النبي (ص ) ومن مجتهدي الامة , ولكن الامام علي (ع ) كان ملتزما بالاحكام الاسلامية .ويـروى عن علي (ع ) ما يقارب من احدى عشر الف كلمة قصيرة في المسائل العقلية والاجتماعية والـدينية وخطبه وكلماته البليغة مليئة بالمعارف الاسلامية , وهوالذي اسس قواعد اللغة العربية , ووضـع الاسـس والـمـقـومات للادب العربي , وهو اول من تبحر في الفلسفة الالهية , وتكلم وفقا لـطريقة الاستدلال الحر والبرهان المنطقي ,وتعرض لمسائل فلسفية لم يتعرض لها فلاسفة العالم حتى ذلك الوقت , فاهتم بهذاالشان اهتماما بالغا, وحتى في احرج ساعات الحرب .

3) هذب وربى العديد من رجال الدين وعلما الاسلام وكان من بينهم جمع من الزهاد واهل المعرفة مـثـل :((اويس القرني )) و ((كميل بن زياد)) و ((ميثم التمار)) و ((رشيدالهجري )) ويعتبر هـؤلا مـن الـمـنـابع الاصيلة للعرفان من بين االعرفانيين الاسلاميين ,ويعتبر بعض منهم المصادر الرئيسية والاولية لعلم الفقه والكلام والتفسير وقراة القرآن وغيرها.

7 . انتقال الخلافة الى معاوية وتحولها الى ملوكية موروثة . بعد استشهاد اميرالمؤمنين علي عليه السلام , تصدى لمنصب الامامة الحسن بن علي (ع ) وذلك وفقا لوصية الامام علي (ع ) ومبايعة الناس له , ويعتبر الامام الثاني للشيعة الاثنى عشرية , ولكن معاوية لم يستقر ويهدا لهذا الامر, فجهز جيشه واتجه به الى العراق مقر الخلافة , معلنا الحرب على الحسن بن علي (ع ).

افسد معاوية راي اصحاب الحسن (ع ) بمختلف الطرق والدسائس , ومنح الاموال الطائلة لهم واجبر الامـام الحسن (ع ) على الصلح معه , وان تصير الخلافة اليه ,على شرط ان تكون للحسن (ع ) بعد وفاة معاوية , والا يتعرض الى شيعته , فصارت الخلافة لمعاوية وفقا لشروط.

اسـتـولى معاوية على الخلافة (سنة 40 للهجرة ), فاتجه الى العراق , فخطب فيهم قائلا:((يا اهل الـكوفة اترونني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج ولكني قاتلتكم لاتامر عليكم وقد آتاني اللّه ذلك , وانتم كارهون )).وقال ايضا:((الا ان كل دم اصيب في هذه مطلول , وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين )).ومـعاوية بكلماته هذه يشير الى انه يريد ان يفصل السياسة عن الدين , فهو لايريد الزام احد باحكام الدين , وانما كان اهتمامه بالحكومة فحسب , واستحكام مقوماتها, وبديهي ان مثل هذه الحكومة ملوكية ولـيست خلافة واستخلافا لمنصب الرسول الكريم (ص ) وقد حضر بعض الناس مجلسه , فسلموا عـلـيـه بـسلام الملوك وكان يعبر في بعض مجالسه الخاصة , عن حكومته بالملوكية علما بانه كان يـعرف نفسه خليفة في خطبه و الملوكية التي تقام على القوة تتبعها الوراثة وفي النتيجة كان الامر كـما ارادونوى فاستخلف ابنه يزيد وجعله خليفة له من بعده وكان شابا لا يتصف بشخصية دينية اذ قام باعمال وجرائم يندى لها الجبين .

فـمـعاوية مع بيانه السالف , كان يعني انه لم يرغب في ان يصل الحسن (ع ) الى الخلافة بعده اي انه كـان يـفـكر في موضوع الخلافة بشي آخر وهودس السم الى الحسن (ع ) فهو بهذا الامر قد مهد الـسبيل الى ابنه يزيد ومع الغائه معاهدة الصلح كان يهدف الى اضطهاد الشيعة , ولن يسمح لهم بالحياة المطمئنة او ان يستمروا كما في السابق في نشاطهم الديني ووفق في هذا المضمار ايضا.وصـرح مـعـاوية في خصوص مناقب اهل البيت , بان كل ناقل لحديث في هذاالشان لم يكن بمامن في حياته وماله وعرضه , وامر ان تعطى الهدايا والجوائز لكل من ياتي بحديث في مناقب سائر الصحابة والخلفا, وكانت النتيجة ان توضع اخبار كثيرة في مناقب الصحابة , وامر ان يسب الامام علي (ع ) في جـمـيـع الاقـطـار الاسلامية على المنابر (وهذا الامر كان ساريا حتى زمن عمر بن عبدالعزيز الخليفة الاموي سنة99 -110ه).

فقتل جماعة من خاصة شيعة علي (ع ) بمساعدة عماله , وكان بعضهم من الصحابة , ورفعت رؤوسهم عـلى الرماح , تنقل من بلد لاخر, وكلف عامة الشيعة بسب علي (ع ), والتبر ي منه , فكان القتل حليف من خالف وابى .

8 . الايام العصيبة التي مرت بالشيعة . مـن اشـد الايام التي مرت بها الشيعة قساوة , هو زمن حكومة معاوية بن ابي سفيان , والتي استمرت زهـا عشرين عاما, لم تكن الشيعة بمامن , وكان اغلب رجال الشيعة يشار اليهم بالبنان ـ ولم تكن لدى الـحسن والحسين عليهما السلام , اللذين عاصرا معاوية , ادنى الوسائل تمكنهم من القيام والقضا على الاوضـاع الـمؤلمة والامام الحسين (ع ) عندما نهض في الاشهر الاولى من حكومة يزيد, استشهد ومن كان معه من اولاد واصحاب , علما بانه لم يجرا على القيام طوال السنوات العشر التي عاشها في زمن معاوية .

فـبـعـض اخواننا اهل السنة يذهبون الى التوجيه والتاويل في سفك الدما هذه ,وما شابهها من اعمال اجـرامـيـة , كان يقوم بها بعض الصحابة , وخاصة معاوية , مبررين اعمالهم ومواقفهم هذه , بانهم من صحابة الرسول (ص ) ووفقا للاحاديث المروية عنه (ص ), ان الصحابة مجتهدون معذورون , وان اللّه جل وعلا راض عنهم , لكن الشيعة ترفض هذا بادلة :.

اولا: يستحيل على قائد كالنبي (ص ) الذي نهض لا حيا الحق والحرية والعدالة الاجتماعية , واتبعه جمع من الناس , فضحوا بما لديهم في سبيل تحقق هذاالهدف المنشود, وعند تحققه , يترك العنان لهم , ويـمنحهم الحرية المطلقة , امام الاحكام المقدسة , كي يقوموا باي عمل شاؤوا, وهذا يعني ان ينهار البنا الشامخ بتلك الايدي التي ساهمت في اقامته وتشييده .