إمام زین العابدین السجاد

محمدرضا الحسینی الجلالی

نسخه متنی -صفحه : 38/ 2
نمايش فراداده

بِسْمِ اللهِ الْرَحْمنِ الرَحِيْمِ

لقد فاز هذا الكتاب بالمرتبة الأولي في المباراة الفكرية الكتابية عن الإمام زين العابدين السجاد عليه السلام التي اُقيمت في بيروت عام 1414هج بين ( 24 ) كتاباً قُدمَ بالمناسبة.

اقرأ تقريراً عن ذلك في الملحق رقم ( 3 ) في آخر الكتاب] والحمد لله ربّ العالمين

دليل الكتاب

المقدمة :

لماذا هذا الكتاب 9- 14 التمهيد :

وفيه بحثان 15-38 البحث الأول :

الإمامة ومستلزماتها 17-28 البحث الثاني :

إمامة زين العابدين عليه السلام 29-38 الفصل الأول :

أدوار النضال في سيرة الإمام عليه السلام 39-76 الفصل الثاني :

النضال الفكريّ والعلميّ 77-116 الفصل الثالث :

النضال الاجتماعيّ والعمليّ 117-154 الفصل الرابع :

التزامات فذّة في حياة الإمام عليه السلام 155-201 الفصل الخامس :

مواقف حاسمة للإمام عليه السلام 203-241 الخاتمة :

نتائج البحث 243-252 الملاحق 253-304 الفهارس 305-357

المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّد المرسلين محمد الرسول الصادق الأمين ، وعلى الأئمة الأطهار المعصومين من آله الأ كر مين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .

لماذا هذا الكتاب ? كثيرة تلك الكُتُب والمؤلّفات التي كُتِبَت حَولَ الإمام السجاد ، عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، زين العابدين عليه السلام المولود عام ( 38 ) والمتوفّى عام ( 95 ) من الهجرة .

وقد عُني مؤلّفوها بجوانب من حياتِهِ الكريمة لتزويد الأمة بثرواتها من مكارم الأخلاق و الأداب ، والمعارف والعلوم والاثار ، وما في تاريخه من عظاتٍ وعِبَر وجهادٍ وجهودٍ ، ليستنير أمَامَهَا دربُ الحياة ، للوصول إلى السعادة الدنيوية و الأخروية .

ولقد تبارى في هذا الموضوع الرحب مؤلَفون قدماء ، كما شارك في حَلَبته مؤلَفون في عصرنا الحاضر .

وفي المؤلّفين الجُدُد من استهدف تحليل تاريخ الإمام ، ودراسة حوادثه على أساس من المقارنة بين الأسباب والمسبَبات ، ليقتنص حقائق ثابتة ، مدعوما بالأدلّة ، من بطون المصادر والحوادث التاريخية .

ولقد فوجئتُ بأنَ عِدَةً من الدارسين من هذا القبيل ، اتفقوا أو كادوا على مقولة مُعيَنَةٍ في ما يرتبط بواقِعِ الحركة السياسية في حياة الإمام السجاد عليه السلام .

فهم يؤكّدون على إبعاد الإمام عن الجهاد السياسي ويُفرغونَ حياته من كل

أشكال العمل السياسي .

بالرغم من اختلاف اتجاهاتهم الفكرية وانتماءاتهم الدينية :

ففيهم السُنّي ، والعلماني ، والشيعي :

الزيدي ، بل الإمامي الا ثنا عشري.

وهم يحسِبون الإمام قائماً بدور المُعَلم فحسب في تربية الطليعة المثقّفة والواعية ، بعيداً عن الصراع السياسيّ ، ومنصرفاً عن أيّ تحرك معارض للأنظمة الحاكمة ، ويُحدّدون واجباته بالإعداد الثقافي للاُمَة ، والتحصين لها عقائدياً ، وفقط.

وحاول بعضُهم إجراءَ هذا الحكم على الأئمة بعد الإمام السجاد عليه السلام ، وفَرَضَهم سائرين على منهج واحد ، أو يؤدّون دوراً ، بِعَيْنِهِ .

ولنقرأ معاً بعض ما كتبوه في هذا الصدد :

تقول كاتبة جامعية :

افتقدت الشيعة بمصرع الحسين الزعيم الذي يكون محوراً لجماعتهم وتنظيمهم ، والذي يقودهم إلى تحقيق تعاليمهم ومبادئهم ، وانصرف الإمام عليّ زين العابدين عن السياسة إلى الدين ، وعبادة الله عز وجل ، وأصبح للشيعة زعيماً روحيّاً ، ولكنّه لم يكن الثائر السياسي الذي يتزعّم جماعة الشيعة ، حتّى أنّه آثر البقاء في المدينة طوال حياته .

وحاول المختار بن أبي عبيده الثقفي أن ينتزع علياً من حياة التعبيد ، والاشتغال بالعلم إلى ميادين السياسة ، دون جدوى (1 ) ويقول كاتب شيعي :

كانت فاجعة مقتل أبيه التي شاهدها ببصره أقسى من أن تتركه يطلب بعد ذلك شيئاً من إمارة الدنيا ، أو يثق في الناس ، أو يشارك في شأن من شؤون السياسة ، اعتكف على العبادة.

(2) ويقول كاتب سُنّي :

لكن الإقبال على الله واعتزال شؤون العالم .

كان منهجه في حياته الخاصة ، وطابعه الذي طبع به التشيع الاثني عشري ، فاتجه إلى الإمامة

(1) جهاد الشيعة للدكتورة الليثي ( ص29) (2) نظرية الإمامة ، لصبحي ( ص 349 ) عن كاظم جواد الحسيني :

حياة الإمام علي بن الحسين ( ص 320 ) وانظر ثورة زيد لناجي حسن ( ص 30 -31) .

ص11

الروحيّة مبتعداً عن طلب إمامة سياسية (3) .

ويقول كاتب يَمَنيّ :

وفي تاريخ الشيعة كذلك نشأتْ نظرات مُتَخاذلة ، تولّدت من شعور بعض العلويّين وأنصارهم بالهزيمة الداخليّة ، وقلة النصير ، وفجعتهم التضحيات الكبيرة التي قدَموها ، ففضَلوا السلامة .

وقد وطَدتْ معركة كر بلاء من هذا الاتجاه ، إذ كان تأثيرها مباشراً على عليّ بن الحسين الذي ابتعد من هول الفجيعة عن السياسة ، ونأى بنفسه عن العذاب الذي عاناه مَن سَبَقَه ، وعلى قريب من هذا النَهْج سار ابنه محمَد ، وحفيده جعفر(4) وفي أحدث محاولة لتقسيم أدوار الأئمة عليهم السلام ، جُعِلَتْ حصّة الإمام السجاد عليه السلام الدور الثاني وهو الذي امتدَ منذ زمانه حتّى زمان الإمام الباقر، والصادق عليهما السلام ، هو :

بناء الجماعة المنطوية تحت لوائهم .

ويشرح واحد من أنصار هذه المحاولة هذا الدور بقوله :

والمرحلة الثانية التي بدأها الإمام الرابع ، زين العابدين عليه السلام ، تتركّز مهمّة الأئمة عليهم السلام فيها :

على حماية الشريعة ، ومقاومة الانحراف الذي حدث في جسم الأمة على يد العلماء المزيَفين المنحرفين ، .

.

ولذلك نرى حرص الأئمة في المرحلة الثانية على الابتعاد عن الصراع السياسي ، والانصراف إلى بَثّ العلوم ، وتعليم الناس ، وتربية المخلصين ، وتخريج العلماء والفقهاء على أيديهم ، والإشراف على بناء الكتلة الشيعية .

(5) ويقول :

إنّ الإمام أراد أن تكون زعامته للاُمة ، زعامة دينية ، وأن تصطبغ نشاطاته بصبغة روحية علمية ، فكانت زعامته في الأمة تختلف عن زعامة الأئمة قبله ، حيث كانوا يصارعون الدولة ، ويقصدون الإصلاح ، ويقارعون الظالمين .

فكانت الطريقة التي عاش بها الإمام زين العابدين والظواهر التي برزت في حياته لا تسمح بزعامته إلا أنْ تكون دينية وروحية وعلمية ، وأن يكون قدوة صالحة في

(3) نظرية الإمامة ( ص 349 ) وانظر ( 351 ) ، وانظر :

الفكر الشيعي والنزعات الصوفية للشيبي ( ص 17 ) والصلة بين التصوف والتشيع ، له ( ص 104 و 147 ) .

.

(4) معتزلة اليمن ( ص 17 18 ) .

(5) الإمام السجاد ، لحسين باقر ( ص 13- 14 ) .

المجال التربويّ والمعيشة الربانية ، لا في مجالات التضحية والجهاد فكانت حياته بطولات في ميادين الجهاد الأكبر جهاد النفس لا الجهاد الأصغر جهاد الأعداء (6) وزاد في تعميق المفاجأة :

عندما وجدتُ هؤلاء جميعاً قد أغفلوا أمراً واحداً وهو تحديد السياسة التي ادّعوا أنّ الإمام :

ابتعد عنها أو انصرف عنها أو زهد فيها أو لم يشارك فيها أو انعزل عن ساحتها إلى غير ذلك من التعابير المختلفة .

وإذا كانت هي زعامة العباد ، وتدبير أمور البلاد (7) فهي داخلة في معنى الإمامة التي لابد أن نفرضها للإمام أو على الأقل نفرضها له عندما نتحدّث عنه من حيث كونه إماماً .

وإذا كانت الإمامة متضمنّة للسياسة ، فكيف يريد الإمام أن يبتعد عنها ? .

أو يريد الكُتَاب أن يفرضوا فراغ إمامته عنها ? .

أو حصرها بالزعامة الروحية والعلمية ، فقط ? .

وفي خصوص الإمام زين العابدين عليه السلام :

كانت المفاجأة أعمق أثراً ، عندما لاحظتُ أنّ المصادر القديمة والمتكفلة لذكر حياة الإمام عليه السلام تعطي بوضوح نتيجة معاكسة لما شاع عند هؤلاء الكُتَاب ، وهي :

أنّ الإمام عليه السلام قد قام بدور سياسي فعَال ، وكان له تنظيم وتخطيط سياسي دقيق ، يمكن اعتباره من أذكى الخطط السياسية المتاحة لمثل تلك الظروف العصيبة الحالكة

(6) الإمام السجاد ، لحسين باقر ( ص 63 ) وانظر خاصة ( ص 91 93 ) .

ويلاحظ :

أن جهاد النفس ليس من شؤون الإمامة ، ولا الإمام فقط ، بل إنمّا هو واجب عام على كل من آمن بالله ، وأراد الجنة (7) يلاحظ أن التصدي للحكام غير الشرعيين يعتبر داخلا في هذا المعنى للسياسة ، حتّى في العرف المعاصر .

وسيأتي في ( التمهيد ) تحديدنا للسياسة التي ندّعي أنّ للإمام زين العابدين جهاداً وجهوداً في سبيل تحقيقها .

ووقفتُ على شواهد عينية من التأريخ تدل على أن الجهاد السياسي الذي قام به الإمام السجاد عليه السلام من أجل تنفيذ خططه يعد من أدق أشكال العمل السياسي ، وأنجحها .

فكان أنْ قصدتُ إلى تأليف هذا الكتاب ليجمع صُوَراً من تلك الشواهد والعينات .

فمهّدتُ بحثين يعتبران منطلقاً أساسياً لما يلي من بحوث في الكتاب ، وهما :

1- البحث عن الإمامة ، وتعريفها ، وما تستلزمه من شؤون.

2-البحث عن إمامة الإمام زين العابدين عليه السلام وإثباتها .

ثم دخلتُ في الفصول ، وهي :

الفصل الأول :

أدوار النضال في حياة الإمام عليه السلام :

في كر بلاء ، وفي الأسر ، وفي المدينة .

الفصل الثاني :

النضال الفكري والعلمي في مجالات :

القرآن والحديث ، والعقيدة والفكر ، والشريعة والأحكام .

الفصل الثالث :

النضال الاجتماعي والعملي في مجالات :

التربية والأخلاق ، والإصلاح وشؤون الدولة ، ومناهضة الفساد الاجتماعي في أشكال :

العصبية ، والفقر ، والرقّ .

الفصل الرابع :

مظاهر فذَة في حياة الإمام :

الزهد والعبادة ، والبكاء ، والدعاء الفصل الخامس :

مواقف حاسمة في حياة الإمام :

من الظالمين ، ومن أعوان الظالمين ، ومن الحركات السياسية المعاصرة له .

.

وختمته بذكر نتائج البحث .

.

راجياً أن يؤدي دوراً في تصحيح الرؤية التي انطلتْ على أولئك الكُتَاب .

وفي بلورة ما اُريد عرضه على صفحات هذا الكتاب .

ص14

وقد يسّر اللهُ جلّ جلاله لي بفضله ومنّه العملَ في الكتاب منذ فترة تأليفه سنة ( 1413 ) وحتّى صدور هذه الطبعة المزدانة بمزيد من التدقيق ، فراجعتُ المزيد من المصادر والمراجع ، وأخذتُ بنظر الاعتبار ما لوحظ على الكتاب فزاد من الثقة به ، بتلافي ما وقع في الطبعة السابقة ، ومن الله التوفيق .

حُرر في الخامس والعشرين من شهر محرَم الحرام سنة 1417 هج والحمد لله أوّلاً و آخراً وكَتَب السيّد محمّد رضا الحسينيّ الجلاليّ

التمهيد:

وفيه بحثان البحث الأول :

الإمامة ، ومستلزماتها البحث الثاني :

إمامة زين العابدين عليه السلام

ص17

البحث الأول الإمامة ومستلزماتها

الإمامة :

هي رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا (8) والإمام :

هو الذي له هذه الرئاسة (9).

وقال الشيخ المفيد :

الإمامة في التحقيق على موضوع الدين واللسان :

هي التقدم في ما يقتضي طاعة صاحبه و الاقتداء به في ما تقدَم به (10).

وقد عرَفها القاضي الآبي من متكلّمي الإمامية بقوله :

الإمامة :

التقدم لأمر الجماعة (11).

وقال فخر المحقّقين :

الإمام هو الذي له الرئاسة العامّة في اُمور الدين والدنيا ، نيابةً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (12) فإذا كانت الإمامة بهذه السعة في شمول نفوذها ، وهي كذلك عند المسلمين الشيعة ، الذين يعتقدون بإمامة السجاد عليه السلام ، فلا يمكن أن تفرَغ من السياسة فضلا

(8) شرح المواقف ، للجرجاني ( 8 :

345 ) وانظر أنوار التمام لأحمد زبارة المطبوع مع الاعتصام ( 5 :

404 ) .

(9) التعريفات ، للجرجاني ( ص 16 ) .

(10) الإفصاح ، للمفيد ( ص 27 ) .

(11) الحدود والحقائق ( ص 15 رقم 16 ) .

(12) النكت الاعتقاديّة ( ص 53 ) جواب السؤال ( 91 )

عن أن يكون للإمام نفسه التخلّي عنها ، واعتزالها .

خصوصاً إذا لاحظنا رأي الشيعة في الإمامة ، فهم يعدونها من الاصول الاعتقادية ، ويعظّمون شأنها ، فيلتزمون بوجوب النصّ عليها من الله تعالى ، باعتبار أنّ العلم بتحقّق شروطها ، لا يكون إلا ممن يعلم الغيب ويطّلع على السرائر وليس هو إلا الله تعالى (13) ولذلك :

اختصّت الإمامة عند الشيعة بهالة من القدسية ، وبإطار من العظمة ، وبوفرة من الاهتمام ، تجعلها عندهم بمنزلة النبوَة في المسئوليات ، إلا أن النبوّة تمتاز بالوحي المباشر من الله تعالى ، وقد استوحوا هذه المنزلة من قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام :

أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيَ بعدي .

(14) الحديث الذي يُعتبر من أدلة إمامة عليّ عليه السلام .

وقد جاء التعريف الجامع للإمامة على رأي الشيعة الإمامية في حديث الإمام الرضا علي بن موسى بن جعفر عليه السلام ، حيث قال :

.

إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء ، وإرث الأوصياء .

إنّ الإمامة خلافة الله عز ّ و جلّ ، وخلافة الرسول ، ومقام أمير المؤمنين .

إنّ الإمامة زمام الدين ، ونظام المسلمين ، وصلاح الدنيا ، وعزّ المؤمنين .

إنّ الإمامة آس الإسلام النامي ، وفرعه السامي ،.

إلى آخر كلامه في ذكر الإمام

(13) الإفصاح للمفيد ( ص 27 ) وانظر الأحكام للهادي إلى الحق ( 2 :

460 461 ) وإكمال الدين للصدوق ( ص 9 ) .

(14) حديث المنزلة من المتواترات ، قاله الكتاني في نظم المتناثر ( ص 195 رقم 233 ) وأورده من حديث ثلاث عشرة نفساً ، وقال :

وقد تتبع ابن عساكر طرقه في جز ، فبلغ عدد الصحابة فيه نيفاً وعشرين .

وفي ( شرح الرسالة ) للشيخ جسوس :

حديث أنت مني بمنزلة هارون من موسى متواتر جاء عن نيف وعشرين صحابياً .

وقد رواه من أصحاب الكتب :

البخاري في صحيحه ( 4 :

208 ) و ( 5 :

129 ) ومسلم في صحيحه ( 2 :

360 ) وأحمد في مسنده ( 1 :

173 ) وانظر الاعتصام ( 5 :