وبعبارة أُخرى: طلب الشفاعة إنّما يُعَدُّ عبادة للشفيع إذا كان مقروناً بالاعتقاد بإلوهيته وربوبيته، وأنّه مالك لمقام الشفاعة أو مفوَّض إليه، يتصرّف فيها كيف يشاء، وأمّا إذا كان الطلب مقروناً باعتقاد أنّه عبدٌ من عباد الله الصالحين يتصرف بإذنه سبحانه للشفاعة، وارتضائه للمشفوع له، فلا يُعَدُّ عبادة للمدعوّ، بل يكون وزانه وزان سائر الطلبات من المخلوقين، فلا يعدُّ عبادة بل طلباً محضاً، غاية الأمر لو كان المدعو قادراً على المطلوب يكون الدعاء ـ عقلا ـ أمراً صحيحاً، وإلا فيكون لغواً.
فلو تردّى إنسان وسقط في قعر بئر وطلب العون من الواقف عند البئر القادر على نجاته وإنقاذه، يُعَدّ الطلب أمراً صحيحاً، ولو طلبه من الأحجار المنضودة حول البئر يكون الدعاء والطلب منها لغواً مع كون الدعاء والطلب هذا في الصورتين غير مقترن بشيء من الإلوهية والربوبية في حق الواقف عند البئر، ولا الأحجار المنضودة حولها.
إنّ الآية تحدّد الدعوة التي تُعَد عبادة بجعل المخلوق في رتبة الخالق سبحانه كما يفصح عنه قوله: ( مع الله )(1) وعلى ذلك فالمنهيُّ هو دعوة الغير، وجعله مع الله، لا ما إذا دعا الغيرَ معتقداً بأنّه عبدٌ من عباده لا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً ولا حياةً ولا بعثاً ولا نشوراً إلاّ بما يتفضل عليه بإذنه ويقدر عليه بمشيئته، فعند ذاك فالطلب منه بهذا الوصف يرجع إلى الله سبحانه.
وبذلك يبدو أنّ ما تدل عليه الآيات القرآنية من أنّ طلب الحاجة من الأصنام كان شركاً في العبادة، إنّما هو لأجل أنّ المدعوّ عند الداعي كان إلهاً أو ربّاً مستقلا في التصرف في شأن من شؤُون وجوده أو فعله. قال سبحانه:
(الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ)(2)
(1) النمل: 60 وغيرها. (2) الأعراف: 197.