يبدو للإنسان ـ في الوهلة الأُولى ـ أنّه مركَّب من الروح و الجَسد معاً، ولكن حقيقة الإنسان هي روحه الّتي تلازم جسده.
نحن الآن لسنا في مقام التحدُّث عن هذا الموضوع من الوجهة الفلسفية، بل إنّ هدفنا هو دراسة الموضوع على ضوء كتاب اللّه الّذي لا ريب فيه.
إنّ التأمّل في الآيات الّتي تتحدّث عن الإنسان، يكشف لنا ـ بكلّ وضوح ـ أنّ حقيقة الإنسان هي روحه، إقرأ هذه الآية:
(قُلْ يَتَوفّاكُمْ مَلَكُ المَوْتِ الَّذي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)(1).
إنّ كلمة «توفّى» لا تعني الإماتة ـ كما هو معروف ـ بل تعني الأخذ و القبض، و لهذا فإنّ قوله تعالى: «يَتَوَفّاكُمْ» معناه: يأخذكم و يقبضكم، و إنّما يكون هذا التعبير صحيحاً إذا كانت الروح هي الوجود الحقيقي للإنسان، فهي الّتي «تُقبَض» و«تُؤخَذ»(2).
أمّا لو كانت الروح تُشكّل جزءاً من شخصية الإنسان و الجزء الثاني هو جسمه، فإنّ هذه العبارة تكون مَجازاً، لأنّ المفروض أنَّ مَلَك الموت يقبض أحد الجزءين ـ و هو الروح ـ و أمّا الجزء الثاني ـ و هو الجسد المادّي ـ فهو يتركه باقياً في الدنيا، ثم يودَع في القبر و لا علاقة لَمَلكِ الموت به.
1. السجدة: 11.2. لقد أجرى المرحوم العلاّمة البلاغي بحثاً قيّماً حول كلمة «توفّى» في مقدمّة تفسير آلاء الرحمن: 34.