وهابیة فی المیزان

جعفر السبحانی

نسخه متنی -صفحه : 332/ 256
نمايش فراداده

إنّ طالب الشفاعة من الشفعاء الصالحين ـ الذين أذِن اللّه لهم بالشفاعة ـ إنّما يعتبرهم عباداً للّه، مقرَّبين لديه، وُجَهاء و كُرماء عنده، و ليس هناك أىّ اعتقاد بإلوهيّتهم و رُبوبيّتهم أو كونهم مصدراً مستقلا لأفعال اللّه تعالى أو أنّ الشفاعة و المغفرة قد فُوِّضت إليهم تفويضاً مطلقاً لا يحتاج إلى إذن اللّه سبحانه.

كلاّ، إنّ الشفعاء الصالحين إنّما يشفعون في إِطار «إذن اللّه سبحانه» لمن يستحقّ الشفاعة ويليق بها، بأن تكون علاقاتهم المعنوية متّصلة باللّه، غير مقطوعة مع الشفعاء.

و من الواضح أنّ طلب الشفاعة من الميّت لو كان معناه عبادته، لكان الطلب من الشفيع الحي عبادة له أيضاً.

و قد ذكرنا ـ في فصل سابق ـ أنّ القرآن يدعو المسلمين إلى الحضور عند رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ و طلب الاستغفار لهم من اللّه سبحانه، و ليس هذا الطلب سوى طلب الشفاعة من النبىّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في حياته، و لا يمكن أن يكون هذا العمل شركاً في زمان، و توحيداً في زمان آخر.

كما ذكرنا أيضاً ـ في فصل الاستعانة بأولياء اللّه ـ أنّ الاستشفاع بالولىّ الصالح إذا لم يكن باعتقاد إلوهيَّته و ربوبيَّته فلا يُعتبر شركاً أبداً، فمثلا يقول تعالى:

(...وَ إِيّاكَ نَستَعينُ)(1).

فيحصر الاستعانة بذاته المقدَّسة، ثم يقول سبحانه أيضاً:

(وَ اسْتَعينُوا بالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ...)(2).

1. الفاتحة: 5.2. البقرة: 45.