قال: «إنّ الميّت يعذَّب ببكاء أهله» أقول: إنّ ظاهر هذا الحديث يخالف فعل الخليفة في مواطن كثيرة أثبتها التاريخ.
منها: أنّه بكى على النعمان بن مقرن المزني لَمّا جاءه نعيه فخرج و نعاه الى الناس على المنبر و وضع يده على رأسه يبكي (1).
و منها: بكاؤه مع أبي بكر على سعد بن معاذ حتى قالت عائشة: فوالذي نفس محمّد بيده إنّي لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر، و إنّي لفي حجرتي(2).
و منها: بكاؤه على أخيه زيد بن الخطّاب، و كان صحبه رجل من بني عدي بن كعب فرجع إلى المدينة فلمّا رآه عمر دمعت عيناه و قال: و خلّفت زيداً قاضياً وأتيتني(3).
فالبكاء المتكرّر من الخليفة يهدينا إلى أنّ المراد من الحديث ـ لو صحّ سنده ـ معنى آخر، كيف و أنّ ظاهر الحديث لو قلنا به فإنّه يخالف الذكر الحكيم، أعني قوله سبحانه: (و لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخرى)(4). فأىّ معنى لتعذيب الميّت ببكاء غيره عليه!!
قال الشافعي: «و ماروت عائشة عن رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أشبه أن يكون محفوظاً عنه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بدلالة الكتاب و السنّة، فإن قيل: فأين دلالة الكتاب؟ قيل: في قوله عزّوجل (و لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخرى...)و (وَ أنْ لَيسَ لِلاِْنسانِ إلاّ ما سَعى)(5).
1. الاستيعاب: في ترجمة النعمان 1 / 297; العقد الفريد لابن عبد ربّه الاندلسي: 3 / 235.2. تاريخ الطبري: 2 / 253.3. العقد الفريد: ج 3 ص 235. 4. فاطر: 18. 5. النجم: 39.