أئمة من أهل البیت(ع) و حرصهم علی مصلحة الأمة و الوحدة الإسلامیة

شهاب الدین الحسینی

نسخه متنی -صفحه : 20/ 18
نمايش فراداده

سيرة الإمام(عليه السلام) بعد الفتنة

بعد ستّة أعوام من خلافة عثمان بدأت بوادر المعارضة له ولسيرته من قبل بعض الصحابة ، ومن قبل بقيّة المسلمين في بعض الأمصار كالكوفة والبصرة ومصر ، وقد خلقت هذه المعارضة جوّاً من الاضطراب والتخلخل في تماسك ووحدة الكيان الإسلامي ، وفي ظلّ هذه الأجواء لم يقف الإمام علي(عليه السلام) موقف الحياد أو الانعزال عن الأحداث وعن الميدان ، وإنّما قام بواجبه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حفاظاً على تماسك الكيان الإسلامي وحفاظاً على سلامة تطبيق المنهج الإسلامي من قبل الخليفة والولاة والأمّة ، وكان يحاول تهدئة الأوضاع والعلاقات المتشنجة; لكي لا تحدث الفتنة وتتوسّع ولكي لا يتمزّق الكيان الإسلامي .

وكان أوّل موقف له(عليه السلام) أن حذّره من بعض الولاة الذين سبّبوا إثارة المعارضين; لأنّهم يدّعون أنّ مواقفهم وأعمالهم كانت بأمر من عثمان52 .

وكان ينصحه كثيراً كلّما خلي به ، وكان يقول له : «أمّا الفرقة فمعاذ الله أن أفتح لها باباً، واسهّل إليها سبيلا، ولكنّي أنهاك عمّاينهاك الله ورسوله عنه ، وأهديك إلى رشدك . ألا تنهي سفهاء بني أمية عن أعراض المسلمين وأبشارهم وأموالهم ، والله لوظلم عامل من عمّالك حيث تغرب الشمس لكان إثمه مشتركاً بينه وبينك»53 .

وكان يحذّره من مروان بن الحكم ومن الأخذ برأيه فيقول : «فلا تكوننّ لمروان سيقة يسوقك حيث شاء»54 .

وكان الوسيط بينه وبين المعارضين ، وكان عثمان يدعوه أحياناً للتدخّل من أجل تهدئة الأوضاع ، قال له في أحد المواقف : « . . . ارددهم عنّي فانّي أعطيهم ما يريدون من الحقّ من نفسي ومن غيري» .

فقال له الإمام(عليه السلام) : «إنّ الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك وانّهم لا يرضون إلاّ بالرضا ، وقد كنت أعطيتهم من قبل عهداً فلم تفِ به ، فلا تغرر في هذه المرّة ، فإنّي معطيهم عنك الحقّ» .

قال : اعطهم فوالله لأفينَّ لهم .

فخرج الإمام(عليه السلام) إلى المعارضين فقال : «إنّكم إنّما تطلبون الحقّ وقد أعطيتموه وإنّه منصفكم من نفسه» .

وكتب عثمان بينه وبين المعارضين كتاباً على ردّ كلّ مظلمة ، وعزل كلّ عامل كرهوه ، فكفّوا عنه55 .

إلاّ أنّ مروان بن الحكم اعتبر ذلك ضعفاً وأنّه سيجرئهم عليه فخطب في المعارضين وقبّحهم دون علم عثمان ، فتأزّمت الأوضاع ، وتدخّل الإمام مرّة أخرى فأرجع المعارضين وحذّره من مروان قائلا : «والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه ، وأيم الله إنّي لأراه سيوردك ثمّ لا يصدرك» .

وبعد رجوعهم إلى بلدانهم أمسكوا بغلام عثمان ، وبيده كتاب يختمه يأمر والي مصر بقتلهم ، فاقتنعوا أنّه مكتوب من قبل مروان ، فطالبوا عثمان بتسليمه إليهم فأبى فحدث الحصار56 .