حیاة البرزخیة

جعفر سبحانی

نسخه متنی -صفحه : 105/ 2
نمايش فراداده

مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فيهِ أُخرى فإذا هُمْ قِيامٌ يَنظُرُون)(1). وعلى ما ذكرنا فكل من الإحياءَين لا صلة له بالدنيا، بل يتحقّقان بعد الانتقال من الدنيا، أحدهما في البرزخ بعد الإماتة في الدنيا، والآخر يوم البعث بعد الإماتة بنفخ الصور الأوّل. وعندئذ تتضح دلالة الآية على الحياة البرزخية بوضوح. نعم لم يتعرض القائلون بالحياة الدنيوية ولم يقولوا (وأحييتَنا ثلاثاً) وإن كانت إحياء لكونها واقعة بعد الموت الذي هو حال عدم ولوج الروح، ولعلّ الوجه هو أنّ الغرض تعلّق بذكر الإحياء الذي يعدّ سبباً للإيقان بالمعاد ومورِّثاً للإيمان وهو الإحياء في البرزخ ثم يوم القيامة، وأمّا الحياة الدنيوية، فإنّها وإن كانت إحياء بلا شكّ لكنّها لا توجب بنفسها يقيناً بالمعاد، فقد كانوا مرتابين في المعاد وهم أحياء في الدنيا(2). إنّ بعض المفسّرين فسّروا الآية بالنحو التالي: الإماتة الأُولى: حال النطفة قبل ولوج الروح. الإحياء الأوّل: حال الإنسان بعد ولوجها فيها. الإماتة الثانية: إماتته في الدنيا. والإحياء الثاني: إحياؤه يوم القيامة للحساب. وعندئذ تنطبق الآية على قوله سبحانه (كَيفَ تَكفُرونَ باللهِ وكُنتُمْ أمواتاً فَأحياكُمْ ثُمّ يُميتُكُم ثمَّ يُحْيِيكُمْ ثمَّ إليه تُرجَعون)(3). ولكنّه تفسير خاطئ وقياس باطل. أمّا كونه خاطئاً، فلأنّ الحالة الأُولى للإنسان أي حالته قبل ولوج الروح في جسده لا تصدق عليها الإماتة، لأنّه فرع سبق الحياة، والمفروض عدمه. وأمّا كونه قياساً باطلا، فلأنّ الآيتين مختلفتان موضوعاً، إذ المأخوذ والوارد فيالآية

(1) الزمر: 68. (2) تفسير الميزان 17: 313. (3) البقرة: 28، أنظر تفسير الكشاف 3 : 363 طـ دار المعرفة ـ بيروت.