نويسنده: آية اللّه السيد محسن الخرازي
من الواضح أنّ علم الفلك ـ والذي يسمي أيضا بعلم الهيئة وعلم النجوم ـ من جملة العلوم القديمة ذات التأريخ العريق ؛ حيث نجد آثار ذلك في الاُمم السابقة ، إلاّ أنّ الملاحظ أنّ هذا العلم لم يتحرّك في حدود دائرته كعلم مبتنٍ علي معادلات رياضية وحسابية وقواعد خاصّة به ، بل دخلت عليه عدّة عناصر غريبة عن ذات العلم ، فامتزج بجملة من الحدسيات والتخمينات والرجم بالغيب ، فصار أقرب ما يكون إلي الكهانة والخرافة ؛ من قبيل الإخبار بالمغيبات نتيجة لأوضاع فلكيّة معيّنة . وأيضا صار علم الفلك آنذاك مشوبا بعدّة اعتقادات باطلة خارجة عن مسؤولية هذا العلم ؛ من قبيل الاعتقاد بكون الأفلاك والنجوم هي الخالقة والمؤثّرة في الكون علي نحو الاستقلال أو الاشتراك مع اللّه سبحانه وتعالي .
من هنا ، إذا أردنا أن نحلّل موقف الشريعة ـ نصوصا وفتاوي ـ تجاه هذا العلم ، لابدّ أن نأخذ تلك الاُمور بنظر الاعتبار ، ونفصل بين الموقف تجاه العلم نفسه وبين ما عرض عليه من شوائب لا تمتّ إليه بصلة ؛ فإنّ النهي والتحريم ناظران إلي تلك الحيثيات الخارجة عن ذات العلم ، فلو خلا عن المحاذير الطارئة عليه ـ كما هو المتعارف اليوم ـ فإنّ الشريعة لا تنهي عنه . فهذا الموقف السلبي للإسلام إنّما هو من أجل الوقوف أمام الخرافات ، والحيلولة دون تفشّيها في المجتمع ، وعدم السماح بنشر الاعتقادات الباطلة فيه .
وقد قام الكاتب الموقّر ـ دام ظله ـ في هذه الدراسة بالكشف عن هذه الحقيقة وبيانها ، حيث أزاح الستار عن بعض التوهّمات وعالج النصوص الشرعية معالجة أثبت فيها عدم معارضة الشريعة مع علم النجوم في حدّ ذاته . فليس من الصحيح إذا فهم النصوص الناهية علي أساس الرفض لعلم النجوم ، بل إنّ النهي منصبّ علي الحيثيّات الدخيلة عليه ؛ فلم يقف الإسلام في وجه هذا العلم في يوم من الأيّام ، بل إنّ كلّ من يراجع التأريخ يري أنّ عدّة من روّاد هذا العلم كانوا من علماء المسلمين من مختلف المذاهب الإسلامية ومن أصحاب الأئمة عليهمالسلام والفقهاء والمحدّثين والمفكرين الإسلاميين : كمحمد بن أبي عمير ، وبني نوبخت ، وأحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، وأحمد بن محمّد بن طلحة ، والجلودي البصري ، ومحمّد بن مسعود العياشي ، والفضل بن أبي سهل ، وعلي بن الحسن العلوي ـ المعروف بابن الأعلم ـ وأبي الحسن النقيب باقيزاط ، وعلي بن الحسين المسعودي ـ صاحب كتاب مروج الذهب ـ وأبي القاسم بن نافع ، وابراهيم الفزاري ، وأبي خالد السجستاني وغيرهم .
وهذا العلم قد يطلق عليه لفظ ( التنجيم ) ، وفي نظر البعض أنّه يختلف عن علم النجوم . وكيف كان فالمهم هو بيان الحكم الشرعي لكل حالة من الحالات .
في هذا البحث نتعرّض إلي الصور المختلفة للإخبار استنادا إلي النجوم والأوضاع الفلكية :
1 ـ الإخبار عن الأوضاع الفلكية المبتنية علي سير الكواكب :
ليس ثمّة دليل علي حرمة الإخبار عن الأوضاع الفلكية المبتنية علي سير الكواكب ؛ كالخسوف الناشئ عن حيلولة الأرض بين النيّرين ، والكسوف الناشئ عن حيلولة القمر أو غيره بين الأرض والشمس .
قال الشيخ الأعظم قدسسره : « يجوز الإخبار بذلك إمّا جزما إذا استند إلي ما يعتقده برهانا ، أو ظنا إذا استند إلي الأمارات » ( 1 ) .
فإذا لم يكن الإخبار عن ذلك محرّما ، فالنظر فيها والاعتقاد بها أيضا ليس محرّما ؛ إذ لا دليل لدعوي الحرمة فيها ، فعدم الدليل كما يقتضي عدم الحرمة في الإخبار كذلك يقتضي عدمها في النظر والاعتقاد ؛ ولذلك قال الفاضل الإيرواني قدسسره : « والظاهر أنّ كل الأفعال الثلاثة جائزة لا بأس بها ؛ ليست بكفر ولا فسق ؛ لعدم الدليل علي المنع عنها » ( 2 ) .
فمقتضي الأصل والقاعدة هو جواز النظر فيها والإذعان بها والإخبار عنها . فالتنجيم بهذا المعني جائز ، ولا إشكال فيه .
وربما قيل : إنّه خارج عن التنجيم ؛ لاختصاصه بمعرفة آثار الكواكب في الحوادث الأرضية ، أو ارتباط بعض الحوادث السفلية بالأجرام العلوية ، بل هو داخل في علم الهيئة .
وفيه : أنّ التنجيم أعمّ ؛ لأنّه معرفة مواقيت النجوم وسيرها في طلوعها وغروبها ، وهو يشمل أوضاعها . قال في تاج العروس : « والمنجِّم ـ كَمُحَدِّث ـ والمتنجِّم والنَّجّام ـ كَشَدّاد ـ : مَن ينظر في النجوم بحسب مواقيتها وسيرها في طلوعها وغروبها » ( 3 ) .
وكيف كان ، فالمحكي عن السيد المرتضي والكراجكي ـ وغيرهم ممن أنكر التنجيم ـ الاعتراف بجواز هذا النوع ، حيث قالا : « إنّ الكسوفات واقتران الكواكب وانفصالها من باب الحساب وسير الكواكب ، وله اُصول صحيحة وقواعد سديدة ، وليس كذلك ما يدّعونه من تأثير الكواكب في الخير والشر والنفع والضرر » .
وقد أشار إلي جواز ذلك في جامع المقاصد مؤيداً ذلك بما ورد من كراهة السفر والزواج في برج العقرب ، كما حكاه الشيخ الأعظم قدسسره . ولعل وجه التأييد أنّ ما ورد في كراهة السفر راجع إلي الفلكيات ، فلا يرتبط بالمقام إلاّ بالأولوية .
ويدل علي جواز ذلك : ما رواه في البحار عن كتاب النجوم للسيد ابن طاووس قال : « رويت بعدة طرق إلي يونس بن عبد الرحمان في جامعه الصغير بإسناده قال : قلت لأبي عبد اللّه عليهالسلام : جعلت فداك ! أخبرني عن علم النجوم ما هو ؟ فقال : « هو علم من علم الأنبياء » . قال : فقلت : كان علي بن أبي طالب يعلمه ؟ فقال : « كان أعلم الناس به » » ( 4 ) . وظاهره تصحيح أصل علم النجوم .
ويؤيده خبر عبد اللّه بن سيّابة قال : قلت لأبي عبد اللّه عليهالسلام : جعلت لك الفداء ! إنّ الناس يقولون : إنّ النجوم لا يحل النظر فيها ، وهي تعجبني ؛ فإن كانت تضرّ بديني فلا حاجة لي في شيء يضرّ بديني ، وإن كانت لا تضرّ بديني فواللّه إنّي لأشتهيها وأشتهي النظر فيها . فقال : « ليس كما يقولون ؛ لا تضرّ بدينك ـ ثم قال : ـ إنّكم تنظرون في شيء منها كثيرُه لا يدرَك ، وقليله لا ينتفع به . . . » ( 5 ) الحديث .
وهو وإن كان قد ورد في جواز المعرفة بالآثار ، ولكن يدل علي المقام بالأولوية .
قال السيد ابن طاووس : « روي هذا الحديث أصحابنا في المصنفات والاُصول » ( 6 ) .
وخبر محمد بن يحيي الخثعمي قال : سألت أبا عبد اللّه عليهالسلام عن النجوم حقٌّ هي ؟ قال : « نعم » . فقلت له : وفي الأرض من يعلمها ؟ قال : « نعم ، وفي الأرض من يعلمها » ( 7 ) .
وخبر الكراجكي عن مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام أنه قال : « العلوم أربعة : الفقه للأديان ، والطب للأبدان ، والنحو للّسان ، والنجوم للأزمان » ( 8 ) .
وخبر هشام الخفاف قال : قال لي أبو عبد اللّه عليهالسلام : « كيف بصرك بالنجوم ؟ » قال : قلت : ما خلّفت بالعراق أبصر بالنجوم منّي . قال : « كيف دوران الفلك عندكم ؟ ـ إلي أن قال : ـ ما بال العسكرين يلتقيان ؛ في هذا حاسب وفي هذا حاسب ، فيحسب هذا لصاحبه بالظفر ، ويحسب هذا لصاحبه بالظفر ، فيهزم أحدهما الآخر ؟ ! فأين كانت النحوس ؟ ! » . قال : فقلت : لا واللّه ما أعلم ذلك قال : فقال : « صدقت ، إنّ أصل الحساب حق ، ولكن لا يعلم ذلك إلاّ من علم مواليد الخلق كلّهم » ( 9 ) .
وخبر حفص بن البختري قال : ذكرت النجوم عند أبي عبد اللّه عليهالسلام ، فقال : « ما يعلمها إلاّ أهل بيت بالهند وأهل بيت من العرب » ( 10 ) .
وخبر محمد وهارون ابني سهل وكتبا إلي أبي عبد اللّه عليهالسلام : إنّ أبانا وجدّنا كان ينظر ( 11 ) في النجوم ، فهل يحلّ النظر فيها ؟ قال : « نعم » ( 12 ) .
وفي إكمال الدين أنّهما كتبا إليه عليهالسلام : نحن ولد بني نوبخت المنجّم [ وقد كتبنا إليك : هل يحلّ النظر في علم النجوم ؟ فكتبت : « نعم » والمنجّمون [ يختلفون في صفة الفلك ـ إلي أن قال : ـ فكتب عليهالسلام : « نعم ، ما لم يخرج من التوحيد » ( 13 ) .
وفي جامع الأحاديث نقلاً عن كتاب نزهة الكرام وبستان العوام ( 14 ) : « روي أنّ هارون الرشيد بعث إلي موسي بن جعفر عليهماالسلام فأحضره ، فلمّا حضر عنده قال [ لـه ] : إنّ الناس ينسبونكم ـ يا بني فاطمة ـ إلي علم النجوم ، وإنّ معرفتكم بها معرفة جيّدة ، وفقهاء العامة يقولون : إنّ رسول اللّه صلياللهعليهوآلهوسلم قال : « إذا ذكروا ( ذكر ) في أصحابي فاسكتوا ، وإذا ذكروا القدر فاسكتوا ، وإذا ذكر النجوم فاسكتوا » . وأمير المؤمنين عليهالسلام كان أعلم الخلائق بعلم النجوم ، وأولاده وذرّيته ـ الذين تقول الشيعة بإمامتهم ـ كانوا عارفين بها .
فقال له الكاظم عليهالسلام : « هذا حديث ضعيف ، وإسناده مطعون فيه . واللّه ـ تبارك وتعالي ـ قد مدح النجوم ، ولولا أنّ النجوم صحيحة ما مدحها اللّه عزّوجل ، والأنبياء كانوا عالمين بها . وقد قال اللّه ـ تبارك وتعالي ـ في حق إبراهيم خليل الرحمان ـ صلوات اللّه عليه ـ : « وكَذلِكَ نُرِي إبراهيمَ مَلَكوتَ السّمواتِ والأرضِ ولِيَكونَ مِنَ المُوقِنِينَ » ، وقال في موضع آخر : « فَنَظرَ نَظْرَةً في النُّجومِ فَقالَ إنّي سَقِيمٌ » ؛ فلو لم يكن عالما بعلم النجوم ما نظر فيها وما قال : إنّي سقيم . وإدريس عليهالسلام كان أعلم أهل زمانه بالنجوم . واللّه ـ تبارك وتعالي ـ قد أقسم بها فقال : « ولا اُقسِمُ بِمواقِعِ النُّجُومِ وإنَّهُ لَقَسَمٌ لَو تَعلمونَ عَظيمٌ » ، وقال في موضع آخر : « والنّازِعاتِ غَرْقا ـ إلي قوله : ـ فالمُدبِّراتِ أمراً » ؛ ويعني بذلك : اثني عشر برجا وسبعة سيّارات . والذي يظهر بالليل والنهار بأمر اللّه عزّوجلّ بعد علم القرآن ما يكون أشرف من علم النجوم . وهو علم الأنبياء والأوصياء وورثة الأنبياء الذين قال اللّه عزّوجلّ [ فيهم ] : « وعَلاماتٍ وبالنَّجمِ هم يَهْتَدونَ » . ونحن نعرف هذا العلم وما نذكره » .
فقال له هارون : باللّه عليك يا موسي ! لا تظهروه عند الجهّال وعوام الناس حتي لا يشنعوا عليك ـ إلي أن قال : ـ أخبرني : أنت تموت قبلي أو أنا أموت قبلك ؛ لأنّك تعرف هذا من علم النجوم ؟ فقال له موسي عليهالسلام : « آمنّي حتي اُخبرك » . فقال : لك الأمان . فقال : « أنا أموت قبلك ، وما كذبت ولا أكذب ، ووفاتي قريب » » ( 15 ) .
وخبر محمد بن بسام عن أبي عبد اللّه عليهالسلام : « قوم يقولون : النجوم أصحّ من الرؤيا ، وذلك هو كانت صحيحة حين لم تُرَدّ الشمس علي يوشع بن نون وعلي أمير المؤمنين عليهالسلام ، فلمّا ردّ اللّه عزّوجلّ الشمس عليهما ضلّ فيها علماء النجوم ؛ فمنهم مصيب ومخطئ » ( 16 ) .
وروي عن ابن أبي عمير أنّه قال : كنت أنظر في النجوم وأعرفها وأعرف الطالع ، فيدخلني من ذلك شيء ، فشكوت ذلك إلي أبي الحسن موسي بن جعفر عليهماالسلام ، فقال : « إذا وقع في نفسك شيء فتصدّق علي أوّل مسكين ثم امضِ ؛ فإنّ اللّه يدفع عنك » ( 17 ) .
قال العلاّمة المجلسي في مرآة العقول : روي الصدوق في الفقيه بسند صحيح عن أبي عمير . . . وذكر الحديث ( 18 ) . ولكن في صحة السند تأمل .
وفي قبال تلك الروايات المجوّزة هناك روايات تدل علي مذموميّة علم النجوم ، وتشبِّه المنجّم بالكاهن والساحر ، منها : موثقة نصر بن قابوس المروية في الخصال : حدّثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضياللهعنه قال : حدّثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن إسحاق بن إبراهيم ، عن نصر بن قابوس قال : سمعت أبا عبد اللّه عليهالسلام يقول : « المنجّم ملعون ، والكاهن ملعون ، والساحر ملعون ، والمغنّية ملعونة ، ومن آواها وأكل كسبها ملعون » . وقال عليهالسلام : « المنجّم كالكاهن ، والكاهن كالساحر ، والساحر كالكافر ، والكافر في النار » ( 19 ) .
وغير ذلك مما يدل علي ذمّ المنجّم وتشبيهه بالكاهن .
يمكن أن يقال : إنّها لا إطلاق لها بعد كونها في مقام عدّ الملعونين وتشبيههم ، فلا تنافي جواز ما مرّ من الإخبار عن الأوضاع الفلكية المبتنية علي سير الكواكب كالكسوف والخسوف ونحوهما .
هذا مضافا إلي وجود شواهد في الروايات تدل علي أنّ المراد من المنجّم : من اعتقد وآمن بتأثير النجوم ، وكذّب القدر وقضاء اللّه سبحانه وتعالي ( 20 ) .
ومن ضادّ اللّه في علمه بزعمه أنّه يردّ قضاء اللّه عن خلقه ( 21 ) .
ومن أخبر جزما وبتّا بوقوع الحوادث بحيث لا مجال للاستعانة باللّه تعالي .
ولذا قال علي عليهالسلام ـ بعدما منعه بعضٌ ، من طريق النجوم ، عن السير ـ : « أتزعم أنّك تهدي إلي الساعة التي من سار فيها صُرِف عنه السوء وتُخوِّفُ مِن الساعة التي من سار فيها حاق به الضرّ ؟ ! فمن صدّقك بهذا فقد كذّب القرآن واستغني عن الاستعانة باللّه في نيل المحبوب ودفع المكروه ـ إلي أن قال عليهالسلام ـ : أيّها الناس ، إيّاكم وتعلّم النجوم ! إلاّ ما يهتدي به في برّ أو بحر ؛ فإنّها تدعو إلي الكهانة ، والمنجّم كالكاهن ، والكاهن كالساحر ، والساحر كالكافر ، والكافر في النار ، سيروا علي اسم اللّه » ( 22 ) .
ولعله من ذلك الباب أيضاً ما رواه في مرآة العقول عن الصدوق في الفقيه بسندٍ حسن عن عبد الملك بن أعين قال : قلت لأبي عبد اللّه عليهالسلام : إنّي قد ابتُليت بهذا العلم ، فاُريد الحاجة ، فإذا نظرت إلي الطالع ورأيت الطالع الشرّ جلست ولم أذهب فيها ، وإذا رأيت الطالع الخير ذهبت في الحاجة ؟ فقال لي : « تقضي ؟ » قلت : نعم . قال : « اِحرق كتبك » ( 23 ) .
قال العلاّمة المجلسي في شرح الخبر : « قوله : « تقضي ؟ » أي : تحكم للناس بأمثال ذلك وتخبرهم بأحكام النجوم وسعودها ونحوسها ؟ أو بالمجهول أي : إذا أذهبت في الطالع الخير تُقضي حاجتك وتعتقد ذلك ؟ وعلي التقديرين يدل علي عدم جواز النظر في النجوم والإخبار بأحكامها ومراعاتها . وتأويله بأنّ المراد : الحكم بأن للنجوم تأثيرا ، بعيدٌ » ( 24 ) .
ولا يخفي أنّ العبارة في الفقيه هكذا : « وروي عن عبد الملك بن أعين » ( 25 ) . ومقتضاها أنّ الرواية مرسلة لا حسنة .
وكيف كان ، فالخبر يدل علي جواز النظر فيها من دون القضاء والاعتقاد ، وعدم جوازه مع القضاء والاعتقاد بالتأثير علي التقديرين . وحمله علي مطلق النظر والإخبار من دون القضاء والاعتقاد ، بعيد .
فتحصّل ممّا مرّ : أنّ الإخبار عن الأوضاع الفلكية والنظر فيها والاعتقاد بها ـ من الكسوف والخسوف وغيرهما ـ لا مانع فيه ؛ لانصراف الأخبار عن هذه الصورة ، أو لقيام شواهد في الأخبار تدل علي أنّ الموضوع المنهي عنه غير هذه الصورة ، ولا أقلّ من الشك في شمول الأدلّة الناهية لمثل ذلك ، فمقتضي القاعدة هو الجواز .
قال الصدوق ـ بعد نقل قوله صلياللهعليهوآلهوسلم : « المنجم كالكاهن . . . » ـ : « المنجّم الملعون هو الذي يقول بقِدم الفلك ولا يقول بمُفلكه وخالقه تعالي » ( 26 ) .
وقال الشيخ البهائي : « ما يدّعيه المنجّمون من ارتباط بعض الحوادث السفلية بالأجرام العلوية ، إن زعموا أنّ تلك الأجرام هي العلّة المؤثرة في تلك الحوادث بالاستقلال أو أنّها شريكة في التأثير فهذا لا يحلّ للمسلم اعتقاده ، وعلم النجوم المبتني علي هذا كفر ـ والعياذ باللّه ـ وعلي هذا حمل ما ورد في الحديث من التحذير عن علم النجوم والنهي عن اعتقاده صحته » ( 27 ) .
وأمّا جواز الاعتماد علي إخباره فقد فصّل الشيخ الأعظم قدسسره بين إخباره في البديهي فيجوز ، وبين غيره فلا يجوز ، حيث قال : « إنّ خطأهم في الحساب في غاية الكثرة ؛ ولذلك لا يجوز الاعتماد في ذلك علي عدولهم ، فضلاً عن فسّاقهم ؛ لأنّ حسابهم مبتنٍ ( 28 ) علي اُمور نظرية مبتنية علي نظريات اُخر ، إلاّ فيما هو كالبديهي ؛ مثل إخبارهم بكون القمر في هذا اليوم في برج العقرب ، وانتقال الشمس من برج إلي برج في هذا اليوم ، وإن كان يقع الاختلاف بينهم فيما يرجع إلي تفاوت يسير . ويمكن الاعتماد في مثل ذلك علي شهادة عدلين منهم إذا احتاج الحاكم لتعيين أجَلِ دينٍ أو نحوه » ( 29 ) .
وفيـه : أوّلاً : أنّ الظاهر من عبارته أنّه جعله من باب الشهادة ، مع أن الشهادة مبتنية علي الحسّ ، والنجوم مبتنية علي المحاسبات .
وثانياً : أنّ اعتبار التعدد في الشهادة علي الموضوعات محل بحث ؛ لعدم الدليل عليه ، مع قيام بناء العقلاء علي جواز الاكتفاء بقول ثقةٍ واحد . نعم ورد في خبر مسعدة بن صدقة ـ في مورد ما شكّ في حرمته ـ أنّ الأشياء كلّها علي الحلّية ما لم تستبن حرمتها أو تقوم بها البينة ، وهو ردع للبناء المذكور ، بناءً علي أنّ المراد من البينة هو البينة الاصطلاحية التي هي شهادة عدلين . ولكن لا يخلو سنده ودلالته عن كلام . نعم مقتضي الاحتياط هو التعدد .
وثالثاً : أنّ قول المنجّم يمكن اعتباره من باب كونه من أهل الخبرة ، فلا بأس بالاعتماد عليه ما لم يرد نهي في مورد بخصوصه ؛ كقولهم عليهمالسلام : « صم للرؤية وأفطر للرؤية » ، من دون فرق بين كون إخباره في البديهي أو غيره . وأمّا عروض الخطأ فلا يختص بهذا العلم ، بل هو شائع في العلوم ، وإنّما الاختلاف في القلة والكثرة ، فما لم تكن الكثرة بحدّ لا يعتني العقلاء بقوله فلا بأس بالاعتماد عليه . ولذا احتمل في البلغة جواز الرجوع إلي المنجم من باب كونه من أهل الخبرة ( 30 ) .
وأمّا النهي عن تصديق المنجم فسيأتي في الفروع الآتية اختصاصه بغير المقام ، فانتظر .
2 ـ الإخبار عمّا يقع في المستقبل استنادا إلي الأوضاع الفلكية مع عدم اعتقاد تأثيرها :
قال الشيخ الأعظم قدسسره : « يجوز الإخبار بحدوث الأحكام عند الاتصالات والحركات المذكورة ؛ بأن يحكم بوجود كذا في المستقبل مستندا إلي الوضع المعيّن من القرب والبعد والمقابلة والاقتران بين الكوكبين ، إذا كان علي وجه الظن المستند إلي تجربة محصّلة أو منقولة في وقوع تلك الحادثة بإرادة اللّه عند الوضع الخاص من دون اعتقاد ربط ( أي السببية والعلّية ) بينهما أصلاً ، بل الظاهر حينئذٍ جواز الإخبار علي وجه القطع إذا استند إلي تجربة قطعية ؛ إذ لا حرج علي من حكم قطعا بالمطر في هذه الليلة نظرا إلي ما جرّبه من نزول كلبه عن السطح إلي داخل البيت مثلاً ـ إلي أن قال : ـ ثم إنّ ما سيجيء في عدم جواز تصديق المنجّم يراد به غير هذا ، أو ينصرف إلي غيره ؛ لما عرفت من معني التنجيم » ( 31 ) .
بل الظاهر أنّ القول والاعتقاد بربط الحركات بالحوادث كربط الكاشف والمكشوف لم يقل أحد بكونه كفرا ، كما صرح به الشيخ ، وحكي عن الشيخ البهائي قدسسره قوله : « إن قالوا : إنّ اتصالات تلك الأجرام وما يعرض لها من الأوضاع علاماتٌ علي بعض حوادث هذا العالم ممّا يوجده اللّه سبحانه بقدرته وإرادته . . . فهذا لا مانع منه ولا حرج في اعتقاده ، وما روي في صحة علم النجوم وجواز تعلّمه محمول علي هذا المعني » ( 32 ) .
ويظهر من محكي العلاّمة قدسسره أيضا أنّ المقام خارج عن مورد طعن العلماء علي المنجّمين حيث قال : « إنّ المنجّمين بين قائل بحياة الكواكب وكونها فاعلة مختارة ، وبين من قال إنّها موجبة » ( 33 ) .
ويؤيده ما ذكره السيد المرتضي ـ علي ما حكاه الشيخ الأعظم عنه ـ من أنّه ما في المنجّمين أحد يذهب إلي أنّ اللّه تعالي أجري العادة بأن يفعل عند قرب بعضها من بعض أو بعده أفعالاً من غير أن يكون للكواكب بأنفسها تأثير في ذلك ، قال : « ومن ادّعي منهم هذا المذهب الآن فهو قائل بخلاف ما ذهب إليه القدماء ، ومتجمل بهذا المذهب عند أهل الإسلام » ( 34 ) .
فتحصّل : أن الإخبار والاعتقاد بحدوث الحوادث عن الاتصالات عند كذا وكذا ـ من دون اعتقاد بالربط والسببية بل بإرادته تعالي ـ لا إشكال فيه ، ولا يكون تنجيما اصطلاحيا ، وإن صدق عليه التنجيم لغةً .
واُورد عليه : بأنّ الحكم القطعي بنزول المطر في هذه الليلة داخل في التنجيم المنكر في الأخبار ( 35 ) .
وفيه : أنّ الإخبارَ المذكور ولو كان قطعيا من دون اعتقاد ربط وسببية وعلّية بين الفلكيات والسفليات ومن دون نفي تأثير الدعاء والصدقات ، مشكوكُ الدخول في الأخبار المانعة ، واللازم هو الاقتصار علي المتيقن منها : من اعتقاد العلّية والسببية الاستقلالية والاشتراكية ، أو الإخبار عن مكتوم الاُمور الذي لا يبتني علي المحاسبات والتجارب بل يعدّ من المغيّبات ؛ كإخبارات الكهنة عن الاُمور الغيبية كما يقتضيه تشبيه المنجّم بالكاهن . ولذا حمل الشهيد قدسسره قوله صلياللهعليهوآلهوسلم في خبر زيد بن خالد الجهني : « إنّ ربكم يقول : من عبادي مؤمن بي وكافر بالكواكب ، وكافر بي ومؤمن بالكواكب ؛ فمن قال : مطرنا بفضل اللّه ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب ، ومن قال : مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب » علي اعتقاد مدخليتها في التأثير ، ـ قال الشهيد ـ والنوء : سقوط كوكب في المغرب وطلوع رقيبه في المشرق ( 36 ) .
وقد مر المنع من الإيمان بالكواكب والكفر باللّه تعالي ، وأنّ التنجيم الممنوع هو ما يؤدي إلي المضادّة مع اللّه تعالي في الفعل والإخبارات الغيبية . وهذه الاُمور لا تأتي في المقام ، ولا إطلاق للأدلّة الناهية أو الذامّة حتي يشمل المقام ، هذا مضافا إلي ضعف كثير منها .
نعم ، لو أخبر جزما علي نحوٍ يوجب الاستغناء عن الاستعانة باللّه تعالي بحيث لا يكون للدعاء والصدقات ونحوهما أيّ تأثير فهو كفر من جهة المخالفة مع واضحات الإسلام . ولكنه ليس بمراد في المقام ؛ لأنّ الإخبار القطعي المبتني علي التجارب لا ينافي التغيير الحاصل بالدعاء وإرادةِ اللّه سبحانه وتعالي ، وإن كان ينبغي له الاجتناب عن الحكم القطعي وأن يحكم علي سبيل التقريب ؛ لكثرة وقوع الخطأ في حساب المنجّمين ، وعدم الإحاطة بالموانع والروادع ، كما تدل عليه الأخبار ؛ كخبر الريان بن الصلت عن الرضا عليهالسلام ـ في جواب سؤاله عن علم النجوم ـ : « هو علم في أصل [ أصله ـ ظ ]صحيح . . . فلم يستدرك المنجّمون الدقيقة [ الدقيق ] منها ، فشابوا الحق بالكذب » ( 37 ) . وغير ذلك من الأخبار الكثيرة .
ولذلك قال شيخنا الأعظم قدسسره : « إنّ مجرد كون النجوم دلالات وعلامات لا يجدي مع عدم الإحاطة بتلك العلامات ومعارضاتها ، والحكم مع عدم الإحاطة لا يكون قطعيا بل ولا ظنيا ـ ثمّ قال في آخر العبارة : ـ فالأولي التجنب عن الحكم بها ، ومع الارتكاب فالأولي الحكم علي سبيل التقريب وأنّه لا يبعد أن يقع كذا عند كذا ، واللّه المسدّد » ( 38 ) .
فتحصّل : أنّ التنجيم بالمعني الثاني أيضا لا إشكال فيه .
3 ـ الإخبار عن الحوادث والحكم بها مع الاعتقاد بحياة الأفلاك وعدم استقلاليتها في التأثير :
لو كان الإخبار عن الحوادث والحكم بها مستندا إلي تأثير الاتصالات المذكورة ، ووجود الربط بين العلويات والسفليات ، وكون العلويات ذات حياة ؛ بأن يعتقد أن العلويات تفعل الآثار المنسوبة إليها ولكن اللّه هو المؤثّر الأعظم ، سواء يقال إنّها حية مختارة أو إنّها موجبة ، فهل يعدّ ذلك كفرا ؟
قال الشيخ الأعظم قدسسره : « ظاهر أكثر العبارات أنّه كفر ، ولعل وجهه أن نسبة الأفعال ـ التي دلت ضرورة الدين علي استنادها إلي اللّه تعالي كالخلق والرزق والإحياء والإماتة وغيرها ـ إلي غيره تعالي مخالف لضرورة الدين .
ـ ثم أورد عليه بأن : ـ ظاهر شيخنا الشهيد في القواعد عدم الكفر ، فإنّه قال : « وإن اعتقد أنّها تفعل الآثار المنسوبة إليها واللّه سبحانه هو المؤثر الأعظم فهو مخطئ ؛ إذ لا حياة لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلي ولا نقلي » .
ـ ثم قال الشيخ الأعظم : ـ وظاهره أن عدم القول بذلك لعدم المقتضي له وهو الدليل ، لا لوجود المانع منه وهو انعقاد الضرورة علي خلافه ؛ فهو ممكن غير معلوم الوقوع .
ولعل وجهه أن الضروري عدم نسبة تلك الأفعال إلي فاعل مختار باختيارٍ مستقل مغاير لاختيار اللّه ، كما هو ظاهر قول المفوّضة ، أمّا استنادها إلي الفاعل بإرادة اللّه المختار بعين مشيّته واختياره حتي يكون كالآلة بزيادة الشعور وقيام الاختيار به بحيث يصدق أنّه فعله وفعل اللّه ، فلا ؛ إذ المخالف للضرورة إنكار نسبة الفعل إلي اللّه تعالي علي وجه الحقيقة ، لا إثباته لغيره أيضاً بحيث يصدق أنّه فعله .
نعم ، ما ذكره الشهيد من عدم الدليل عليه حق ، فالقول به تخرّص ، ونسبة فعل اللّه إلي غيره بلا دليل ، وهو قبيح . وما ذكره قدسسره مأخذه ما في الاحتجاج عن هشام بن الحكم قال : سأل الزنديق أبا عبد اللّه عليهالسلام فقال : ما تقول فيمن يزعم أن هذا التدبير الذي يظهر في هذا العالم تدبير النجوم السبعة ؟ قال عليهالسلام : « يحتاجون إلي دليل أنّ هذا العالم الأكبر والعالم الأصغر من تدبير النجوم التي تسبح في الفلك وتدور حيث دارت منقّبة لا تفتر وسائرة لا تقف ـ ثم قال : ـ وأن لكل نجم منها موكّل مدبّر ، فهي بمنزلة العبيد المأمورين المنهيّين ؛ فلو كانت قديمة أزلية لم تتغيّر من حال إلي حال . . . » ( 39 ) ، الخبر .
والظاهر أن قوله : « بمنزلة العبيد المأمورين المنهيّين » يعني في حركاتهم ، لا أنّهم مأمورون بتدبير العالم بحركاتهم ؛ فهي مدبّرة باختياره المنبعث عن أمر اللّه تعالي .
ـ ثمّ قال : ـ وبالجملة ، فكفر المعتقد بالربط علي هذا الوجه لم يظهر من الأخبار ، ومخالفته لضرورة الدين لم تثبت أيضا ؛ إذ ليس المراد العلّية التامة » ( 40 ) .
ثم إنّ الفرق بين الثالث والثاني واضح ؛ لعدم فرض أي ربط في الثاني دون الثالث كما عرفت ، فالاعتقاد بالربط المذكور لا يوجب الكفر ، ولكنه لا دليل عليه . كما أنّ الإخبار به لا مانع منه إذا كان مستندا إلي المحاسبات ، سواء كانت تلك المحاسبات ظنية أو قطعية ، نعم يلزم أن يكون الإخبار علي نحوٍ لا ينافي تأثير الدعاء والصدقات ونحوهما ، وإلاّ لكان مخالفا لضروريّ الدين . وأمّا الإخبار بنحو لا يستند إلي المحاسبات بل كان بنحو يشبه إخبار الكهنة فلعله لا يجوز ؛ لما مر من دخوله في أخبار تشبيه المنجّم بالكاهن .
لو كان إخباره بحيث أسند الحوادث إلي العلويات ، واعتقد بوجود الربط بينها وبين السفليات من دون استقلال في التأثير أو الاشتراك ، ومن دون وجود حياة في العلويات ، كما يستند الإحراق إلي النار ، فهل يجوز ذلك أم لا ؟
والفرق بين الرابع والثالث واضح من جهة اعتبار الحياة في الثالث دون الرابع .
أقـول : إن الاستناد محتاج إلي الدليل ، واستناد بعض الأشياء إلي العلويات ـ كبعض الاُمور التكوينية ـ لا يشهد علي أنّ الاُمور الاُخر أيضا مستندة إليها .
وكيف كان ، فإنّ من اعتقد بوجود الربط بينهما ـ كربط بعض الأشياء في السفليات إلي بعض ـ فهو غير معتقد بما يوجب الكفر إن اعتقد بأنّ المؤثر الأعظم هو اللّه سبحانه وتعالي ، وأنّ الربط ربما يتغيّر بسبب الدعاء والتوكل والصدقات ، فلا إشكال في الاعتقاد المذكور والإخبار به .
قال شيخنا الأعظم قدسسره : « ظاهر كلمات كثير ممن تقدم كون هذا الاعتقاد كفراً .
ـ ثم أورد عليه بأنّه : ـ قال شيخنا الشهيد في القواعد : « وأمّا ما يقال : من استناد الأفعال إليها كاستناد الإحراق إلي النار وغيرها من العاديّات ـ بمعني أن اللّه تعالي أجري عادته أنها إذا كانت علي شكل مخصوص أو وضع مخصوص يفعل ما ينسب إليها ، ويكون ربط المسببات بها كربط مسببات الأدوية والأغذية بها مجازا باعتبار الربط العادي لا الربط العقلي الحقيقي ـ فهذا لا يكفّر معتقده ، لكنه مخطئ وإن كان أقل خطأً من الأوّل ؛ لأنّ وقوع هذه الآثار عندها ليس بدائم ولا أكثر » . انتهي .
ـ ثم قال شيخنا الأعظم قدسسره : ـ وغرض الشهيد من التعليل المذكور ـ أعني قوله : « لأنّ وقوع هذه الآثار . . . » إلخ ـ هو الإشارة إلي عدم ثبوت الربط العادي ؛ لعدم ثبوته بالحسّ ـ كالحرارة الحاصلة بسبب النار والشمس ، وبرودة القمر ـ ولا بالعادة الدائمة ولا الغالبة ؛ لعدم العلم بتكرر الدفعات كثيرا حتي يحصل العلم أو الظن ، ثم علي تقديره فليس فيه دلالة علي تأثير تلك الحركات في الحوادث ، فلعل الأمر بالعكس أو كلتاهما مستندتان إلي مؤثر ثالث ، فيكونان من المتلازمين في الوجود . وبالجملة ، فمقتضي ما ورد من أنّه أبي اللّه أن يجري الأشياء إلاّ بأسبابها : كون كل حادث مسبّبا ، وأمّا أن السبب هي الحركة الفلكية أو غيرها فلم يثبت .
هذا ، مضافا إلي أنّه لو سلّم ذلك لم يثبت أيضاً كونه مخالفا لضرورة الدين ، مع ما في بعض الأخبار من ظهور تأثير الكواكب ؛ كقول أبي عبد اللّه عليهالسلام لليماني المنجّم : « . . . فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الإبل ؟ » فقال اليماني : لا أدري . قال أبو عبد اللّه عليهالسلام : « صدقت » فقال : « فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت البقر ؟ » فقال اليماني : لا أدري . فقال له أبو عبد اللّه عليهالسلام : « صدقت . فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الكلاب ؟ » فقال اليماني : لا أدري . فقال أبو عبد اللّه عليهالسلام : « صدقت في قولك : لا أدري . . . » الحديث ( 41 ) . وغير ذلك من الأخبار » ( 42 ) .
هذا تمام الكلام في نقل كلام الشيخ مع تلخيص وتوضيح ما في العبارة .
ولا يخفي عليك أن إنكار التأثير في الأدوية والأغذية ونحوها من السفليات حقيقةً كما تري ، بل لا مجال لإنكار التأثير في العلويات في الجملة ؛ كتأثير الكواكب والقمر في بعض الحوادث ، كالجزر والمدّ ، وتلوين الفواكه ، ونموّ الأشجار ، وتقوية التربة ، وغيرها .
وبالجملة ، لا فرق بين تأثير الأجرام العلوية وتأثير الجواهر السفلية ؛ فكما أن الثاني لا ينافي الاعتقادات ولا الضروريات فكذلك الأوّل .
والقول : بأنّ تأثير الفلكيات في السفليات يوجب المخالفة مع ضروريّ الدين من تأثير الدعاء والصدقة والتوكل .
مندفـع : أوّلاً : بأنّ ضروريّ الدين ـ كما أفاد المحقق الإيرواني ـ هو تأثير الدعاء والصدقة في الجملة لا في كل مقام ؛ ولذا نري التخلّف كثيرا ما ، فليكن هذا من موارد التخلّف ، فكان اعتقاد التخلّف في مقام غير منافٍ لضروريّ الدين ، وكما يحصل هذا الاعتقاد بعد حصول التخلّف فليحصل في مقامٍ قبله ( 43 ) .
وثانيـاً : أنه لو أخبر علي سبيل القطع بوقوع شيء من دون احتمال التخلّف بالدعاء والصدقة في جميع الموارد لكان مخالفا لضروريّ الدين ، مضافا إلي أنّه لا مجال لدعوي القطع مع احتمال التخلّف بالدعاء والصدقة باختلاف الأسباب الظاهرية ومحكوميتها بالأسباب الباطنية ؛ ولذا يأتي احتمال البداء في الاُمور لو لم يخبر اللّه تعالي بحيثية وقوع الشيء ، كما هو واضح .
وعليه ، فالإخبار عمّا تقتضيه العلويات بنحو الإخبار عمّا تقتضيه السفليات لا يدخل في الأخبار الناهية إذا استند إلي المحاسبات ولم يكن قصد المخبر الإخبار بما يشبه المغيبات ؛ وإلاّ فلعله يدخل في أخبار تشبيه المنجّم بالكاهن . فمجرد الاعتقاد بتأثير العلويات مع كون المؤثر الأصلي هو اللّه ـ سبحانه وتعالي ـ والإخبار به من دون نفي احتمال تأثير الدعاء ، لا يوجب الكفر ولا يكون حراما .
هل يجوز الإخبار عن الحوادث والحكم بها مع إسناد ذلك إلي تأثير الاتصالات ـ المذكورة ـ فيها بالاستقلال أو بالمدخلية بحيث ينافي الاعتقاد بالمبدأ المتعال أو ينافي الوحدانية ؟
قال شيخنا الأعظم قدسسره : « . . . وهو المصطلح عليه بالتنجيم ، فظاهر الفتاوي والنصوص حرمته مؤكدة ـ وأشار إلي جملة منها بقوله : ـ
« قال السيد المرتضي ـ فيما حكي عنه ـ : وكيف يشتبه علي مسلم بطلان أحكام النجوم وقد أجمع المسلمون قديما وحديثا علي تكذيب المنجّمين والشهادة بفساد مذهبهم وبطلان أحكامهم ؟ ! ومعلوم من دين الرسول صلياللهعليهوآلهوسلم ضرورة تكذيب ما يدعيه المنجّمون والإزراء عليهم والتعجيز لهم ، وفي الروايات عنه صلياللهعليهوآلهوسلم ما لا يحصي كثرة ، وكذا عن علماء أهل بيته وخيار أصحابه ، فما زالوا يبرؤون من مذاهب المنجّمين ويعدّونها ضلالاً ومحالاً . وما اشتهر هذه الشهرة في دين الإسلام كيف يصرّ بخلافه منتسب إلي الملة ومصلٍّ إلي القبلة ؟ ! » انتهي ( 44 ) .
وقال العلاّمة في المنتهي ـ بعدما أفتي بتحريم التنجيم وتعلّم النجوم مع اعتقاد أنّها مؤثرة أو أنّ لها مدخلاً في التأثير في الضرّ والنفع ـ قال : « وبالجملة ، كل من اعتقد ربط الحركات النفسانية والطبيعية بالحركات الفلكية والاتصالات الكوكبية ، كافر » . انتهي ( 45 ) .
وقال الشهيد في قواعده : « كل من اعتقد في الكواكب أنّها مدبّرة لهذا العالم وموجدة له فلا ريب أنّه كافر » ( 46 ) .
وقال في جامع المقاصد : « واعلم أنّ التنجيم مع اعتقاد أنّ للنجوم تأثيرا في الموجودات السفلية ولو علي جهة المدخلية ، حرام . وكذا تعلّم النجوم علي هذا الوجه ، بل هذا الاعتقاد كفر في نفسه ، ونعوذ باللّه » ( 47 ) . انتهي .
وقال شيخنا البهائي : « ما يدّعيه المنجّمون من ارتباط بعض الحوادث السفلية بالأجرام العلوية إن زعموا أنها هي العلة المؤثرة في تلك الحوادث بالاستقلال أو أنّها شريكة في التأثير فهذا لا يحلّ للمسلم اعتقاده ، وعلم النجوم المبتني علي هذا كفر والعياذ باللّه . وعلي هذا حمل ما ورد من التحذير عن علم النجوم والنهي عن اعتقاد صحته » . انتهي ( 48 ) .
وقال في البحار : « لا نزاع بين الاُمّة في أن من اعتقد أن الكواكب هي المدبّرة لهذا العالم وهي الخالقة لما فيه من الحوادث والخيرات والشرور ، فإنّه يكون كافراً علي الإطلاق » . انتهي .
وعنه في موضع آخر أن « القول بأنّها علة فاعلية بالإرادة والاختيار وإن توقف تأثيرها علي شرائط اُخر ، كفر » . انتهي ( 49 ) .
بل ظاهر الوسائل نسبة دعوي ضرورة الدين علي بطلان التنجيم والقول بكفر معتقده إلي جميع علمائنا ؛ حيث قال : « قد صرح علماؤنا بتحريم علم النجوم والعمل بها ، وبكفر من اعتقد تأثيرها أو مدخليتها في التأثير ، وذكروا أن بطلان ذلك من ضروريات الدين » ( 50 ) . انتهي .
بل يظهر من المحكي عن ابن أبي الحديد أنّ الحكم كذلك عند علماء العامة أيضاً ، حيث قال في شرح نهج البلاغة : إنّ المعلوم ضرورةً من الدين إبطال حكم النجوم ، وتحريم الاعتقاد بها ، والنهي والزجر عن تصديق المنجّمين . وهذا معني قول أمير المؤمنين عليهالسلام : « فمن صدّقك بهذا فقد كذّب بالقرآن واستغني عن الاستعانة باللّه » ( 51 ) . انتهي » ( 52 ) .
ولا إشكال في كفر من اعتقد باستقلال العلويات أو اشتراكها في التأثير بحيث ينافي الاعتقاد بالمبدأ المتعال أو وحدانيّته ، والإخبار بذلك إظهار للكفر ، وهو غير جائز بلا كلام .
ثم إنّ المستفاد من ظاهر بعض العبائر المذكورة شمول الاعتقاد بالتأثير ولو لم يكن بنحوٍ استقلالي أو اشتراكي في التأثير ، بل يكون مؤثّرا كتأثير السفليات في الأشياء ؛ في طول تأثير اللّه سبحانه وتعالي .
ولكن لا يخفي ما فيه ؛ حيث إنّ هذا الاعتقاد ليس اعتقادا بمحال ، وليس بكفر في نفسه ؛ إذ هو في طول علّية الباري تعالي . نعم ، دعوي لزوم الكفر من ناحية كيفية الإخبار بنحو يستدعي انتفاء فاعلية الدعاء ويلزم منه الاستغناء عن الاستعانة باللّه في جلب الخير ودفع الشر ، غير مجازفة مع الالتفات إلي ذلك وعدمه علي اختلاف المباني ؛ لأنّ ذلك منافٍ لضروريّ الدين من تأثير الدعاء في الجملة .
فلا وجه للحكم بكفرِ مطلقِ من اعتقد بتأثير الكواكب ، بل الكافر هو من اعتقد بالتأثير بنحوٍ ينكر الصانع ـ جلّ جلاله ـ أو من اعتقد بقدم الأجرام العلوية وتأثيرها ، أو من اعتقد بحدوثها وتفويض التدبير إليها وصيرورة يده تعالي مغلولة . ولا إشكال في ذلك ؛ لأنّ إنكار المبدأ المتعال كفر كما أنّ الاعتقاد بتعدّد القدماء شرك ، بل الاعتقاد بالتفويض واستقلال المخلوقات في البقاء أيضاً شرك ؛ لرجوعه إلي الاعتقاد بعدم حاجتها في البقاء إلي المبدأ المتعال . دون من لم يقل بإحدي الصور الثلاث ، بل يعتقد بأنّ حركة الأفلاك تابعة لإرادة اللّه ، فهي مظاهر لإرادة الخالق تعالي ومجبولة علي الحركة علي طبق اختيار الصانع ـ جلّ ذكره ـ أو بزيادة أنّها مختارة باختيارٍ هو عين اختياره تعالي ؛ فإنّه لِم لا يلزم منه إنكار المبدأ المتعال أو الشرك ؟ ! كما لا يخفي .
ولعل ظاهر قول السيد المرتضي قدسسره : « فما زالوا يبرؤون من مذاهب المنجّمين ويعدّونها ضلالاً ومحالاً » هو اختصاص ذلك بالصور الثلاث ، وعليه فإطلاق المنع في كلمات القدماء ممنوع ؛ لانحصار المحال في الصور المذكورة . بل يحمل كلام العلاّمة والشهيد عليه ؛ بقرينة سائر كلماتهما ، وهكذا قول المحقق الثاني : « بل هذا الاعتقاد في نفسه كفر » قرينةٌ علي أنّ مراده هو الصور الثلاث ؛ لأنّها تكون في نفسها كفرا .
وكيف كان ، فلم يثبت الإجماع علي حرمة اعتقاد تأثير الفلكيات علي نحوٍ يشمل غير الصور الثلاث ، كما إذا اعتقد بتأثيرها بإرادة اللّه تعالي سواء كانت الفلكيات مختارة أو مجبولة . نعم استشكل الشيخ الأعظم قدسسره في غير الصور الثلاث من جهة الجواز حيث قال : « إنّ ظاهر ما تقدم في بعض الأخبار ـ من أنّ المنجّم بمنزلة الكاهن الذي هو بمنزلة الساحر الذي هو بمنزلة الكافر ـ مَن عدا الفرق الثلاث الاُول ؛ إذ الظاهر عدم الإشكال في كون الفرق الثلاث من أكفر الكفّار لا بمنزلتهم » ( 53 ) .
وظاهره عدم جواز الاعتقاد باقتضاء العلويات للحوادث السفلية وإن لم يستلزم الكفر بأحد الوجوه ؛ لدخوله تحت تنزيله وتشبيهه بالكاهن .
ويمكن أن يقال : إنّ مقتضي تشبيه المنجّم بالكاهن واشتراكهما في وجه من الوجوه أن يكون المقصود هو الإخبار بالمغيّبات كالكهنة ، لا مجرد الإخبار عمّا تقتضيه العلويات مستندا إلي المحاسبات ، وإنّما الفرق بينهما : أنّ الكهنة استندوا في إخباراتهم إلي الجنّ ، والمنجّمين استندوا إلي العلويات والطوالع ، فهذا الأمر وإن لم يكن كفرا في نفسه ، ولكنه منزّل بمنزلة الكهانة ومحرّم ، ولا أقلّ من الشك ، وعليه فلا تشمل الرواية مجرد الاعتقاد بما تقتضيه العلويات مستندا إلي المحاسبات بالنسبة إلي التكوينيات ونحوها علي وجه لا يشابه إخبارات الكهنة .
نعم ، لا يجوز الحكم بوقوع المقتضَيات بتّا وجزما ؛ للمنع عن ذلك في بعض الأخبار من جهة منافاته لضرورة تأثير الدعاء والتوكل والصدقات في الجملة ، ولزوم الاستغناء عن اللّه تعالي . ومما ذكر يظهر ما في الجواهر أيضاً حيث اقتصر في الاستثناء من مورد النهي علي صورة كون الأوضاع الفلكية أمارة دالة علي ما جرت العادة من فعل اللّه له في هذا العالم ، وإن جاز تغييرها بالصدقة والدعاء . . . إلخ ( 54 ) .
مع أنّه لا وجه له ؛ لعدم الفرق بين هذه الصورة وما إذا اعتقد التأثير علي نحو لا ينافي التغيير بالصدقة والدعاء .
فتحصل : أن مجرد الاعتقاد أو الإخبار لا يوجب الكفر ، فالواجب هو الرجوع فيما يعتقده المنجّم إلي ملاحظة مطابقته لأحد موجبات الكفر ؛ كإنكار الصانع ، أو إنكار وحدانيّته ، أو إنكار تدبيره بقاءً ، أو استلزام إخباره إنكار ضروريٍّ من الدين مع الالتفات إلي ذلك ؛ فإن كان اعتقاده مطابقا لأحد هذه الاُمور أو أخبر بما يوجب إنكار الضروري عن التفات يُحكم بكفره ، وإلاّ فلا دليل علي كفره وإن كان إخباره محرما ؛ كما إذا أخبر علي نحو إخبار الكهنة بالمغيبات ، سواء لم يعتقد بالربط أو اعتقد به علي نحو لا يلزم منه إنكار الصانع أو وحدانيّته أو تدبيره . بل يجوز النظر والاعتقاد والإخبار فيما إذا لم يخبر علي نحو إخبار الكهنة أو علي نحو البتّ والجزم حتي ينافي تأثير الدعاء بالكل .
لا يقال : مقتضي إطلاق النهي عن النظر في النجوم هو الحرمة ، كما في خبر القاسم بن عبد الرحمان أنّ النبي صلياللهعليهوآلهوسلم نهي عن خصالٍ منها مهر البغي ، ومنها النظر في النجوم ( 55 ) ، وكما في خبر نصر بن قابوس : « المنجّم ملعون ، والكاهن ملعون ، والساحر ملعون » ( 56 ) .
لأنّا نقول : إنّ ذلك محمول علي الصور الموجبة للكفر في نفسه ، أو المستلزمة لإنكار ضروريّ من الدين ، أو التي يتشابه الإخبار فيها مع إخبار الكهنة ، وأمّا غيرها فيجوز جمعا بينها وبين أخبار تدل علي جواز النظر في النجوم فيما إذا لم تكن الاُمور المذكورة . هذا ، مضافا إلي منع الإطلاق في خبري القاسم بن عبد الرحمان ونصر بن قابوس ؛ فإنّ الأوّل في مقام ذكر الخصال المذمومة ، والثاني في صدد عدّ الملعونين ، فلا إطلاق لهما .
وبالجملة ، فالأخبار الناهية عن النجوم إمّا أن ترجع إلي الاُمور الموجبة للكفر ـ كالإيمان بالنجوم وتكذيب القدر ( 57 ) ، وكزعم المنجّم أنّه يردّ قضاء اللّه عن خلقه بعلمه ويضادّه ( 58 ) ، فضلاً عمّا إذا أنكر المبدأ المتعال أو وحدانيّته أو تدبيره ـ أو ترجع إلي إنكار تأثير الدعاء والإخبار القطعي بالمغيبات بنحو إخبار الكهنة ؛ كقول الصادق عليهالسلام : « المنجّم كالكاهن . . . » الحديث ( 59 ) .
والكاهن ـ كما في القواعد ونسبه إلي المشهور في التنقيح ـ هو الذي له رائد من الجن يأتيه بالأخبار ( 60 ) .
قال في المفاتيح : « من المعاصي المنصوص عليها الإخبار عن الغائبات علي البتّ لغير نبيّ أو وصي نبيّ ، سواء كان بالتنجيم أو الكهانة أو القيافة أو غير ذلك » ( 61 ) .
وكقول مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام : « أيها الناس ، إيّاكم وتعلّم النجوم ! إلاّ ما يهتدي به في برّ أو بحر ؛ فإنّها تدعو إلي الكهانة ، والكاهن كالساحر ، والساحر كالكافر ، والكافر في النار » ( 62 ) .
وكقول الصادق عليهالسلام : « إنّ الحكم بالنجوم خطأ » ( 63 ) .
وكقوله أيضاً ـ لمن نظر إلي الطالع الشر فجلس ، وإلي الطالع الخير فذهب ، ثمّ سأل عن حكمه ـ : « تقضي ؟ » قال : نعم . فقال : « احرق كتبك » ( 64 ) .
فموضوع النواهي مختص بالمذكورات ، فلا مانع من النظر والتعلّم والتعليم والإخبار عما تقتضيه العلويات بإذنه تعالي لا علي وجه القطع والبتّ ، سواء اعتقد أنّ العلويات أمارات أو مؤثرات ؛ لأنّه خارج عن موضوع النواهي .
هذا ، مضافا إلي أخبار الجواز : كقول أبي عبد اللّه عليهالسلام ـ في جواب عبد الرحمان بن سيابة القائل : إنّ الناس يقولون : إنّ النجوم لا يحلّ النظر فيها ، وهي تعجبني ، فإن كانت تضرّ بديني فلا حاجة لي في شيء يضرّ بديني ، وإن كانت لا تضرّ بديني فواللّه إنّي لأشتهيها وأشتهي النظر فيها ـ : « ليس كما يقولون : لا تضر بدينك ـ ثم قال : ـ إنّكم تنظرون في شيء منها كثيره لا يدرك وقليله لا ينتفع به » ( 65 ) .
ومن المعلوم أن عبد الرحمان بن سيابة الذي كان مضطربا من جهة كونه مضرا بدينه لم يعتقد بتأثير النجوم علي نحو الاستقلال أو الاشتراك علي نحو يخالف الاعتقاد بالمبدأ المتعال ووحدانيّته ، ولم يمكنه الإخبار القطعي مع ما أفاده الإمام عليهالسلام من أن كثيره لا يدرك .
وكقول ابن أبي عمير : إني كنت أنظر في النجوم وأعرفها وأعرف الطالع ، فيدخلني من ذلك شيء ، فشكوت ذلك إلي أبي الحسن موسي بن جعفر عليهماالسلام فقال : « إذا وقع في نفسك شيء فتصدّق علي أوّل مسكين ثم امضِ ؛ فإنّ اللّه يدفع عنك » ( 66 ) .
ومن المعلوم أنّ ابن أبي عمير لم يعتقد بما يوجب الكفر ، ولم يحكم بالقطع والبتّ ، ولم يخبر بنحو إخبار الكهنة الذين يخبرون إخبارات قطعية غيبية ، ولم ينكر تأثير الصدقات ؛ ولذا أمره عليهالسلام بالتصدّق ولم يمنعه من النظر في النجوم .
علي أنّ هنا روايات كثيرة تدل علي أنّ علم النجوم في نفسه حقٌّ ، وأنّ تأثير النجوم في السفليات حقّ ، ولكن لا يكون بحيث يعلمه الناس ؛ إذ كثيرا ما يخطئون . وإليك بعض الأخبار :
قال الصادق عليهالسلام : « إنّ أصل الحساب حق ، ولكن لا يعلم ذلك إلاّ من علم مواليد الخلق كلّهم » ( 67 ) .
وقال أيضاً : « قوم يقولون : النجوم أصح من الرؤيا ، وذلك هو كانت صحيحة حين لم تُردّ الشمس علي يوشع بن نون وعلي أمير المؤمنين عليهماالسلام ، فلما ردّ اللّه عزّوجلّ الشمس عليهما ضلّ فيها علماء النجوم ؛ فمنهم مصيب ومخطئ » ( 68 ) .
ومن المعلوم أنّ الظاهر منها أنّه لا يجوز الاعتقاد والإخبار البتّي والقطعي بتأثير النجوم ؛ لعدم مطابقتهما مع الواقع ، وأكثر المحذورات من لوازم البتّ والقطع ، فإذا علم بكثرة الخطأ فعليه ألاّ يعتقد ولا يخبر عنه بالبتّ والقطع .
قال في الجواهر : « والتحقيق ما عرفت من أنّه لا بأس بالنظر في هذا العلم ، وتعلّمه وتعليمه ، والإخبار عما يقتضيه مما وصل إليه من قواعده ، لا علي جهة الجزم بل علي معني جريان عادة اللّه تعالي بفعله كذا عند كذا » ( 69 ) .
بل مقتضي ما عرفت ـ من أنّ الاعتقاد بالتأثير لا علي جهة الجزم بل بمعني أن العلويات مؤثّرات بإذنه تعالي ـ لا دليل علي منعه .
وقال في البلغة : « وأمّا إخبار المنجّم عما يترتب عليه من الآثار فلا إشكال فيه أيضاً إن كان علي سبيل الظن مع احتمال الخلاف ، بل وإن كان علي سبيل الجزم مع إظهار اعتقاد أنّ اللّه تعالي يمحو ما يشاء ويثبت وعنده علم الكتاب .
نعم ، لو كان علي سبيل الجزم وأنّه لا يحتمل الخلاف فهو سحر وكهانة وتنجيم ، علي الوجه المحرم الذي اُشير إليه في الأخبار السابقة من أنّه تكذيب للقرآن وللنبي محمّد صلياللهعليهوآلهوسلم » ( 70 ) .
الأوّل : هل يجوز تصديق المنجّم وترتيب الأثر علي قوله أم لا يجوز ؟
لا إشكال في عدم جوازه إذا أخبر عن اُمور تكون كفرا ؛ كاستقلال العلويات أو اشتراكها في التأثير أو تفويض التأثير إليها بعد خلقها . بل التصديق الجناني في أمثال ذلك مساوق للكفر .
وهكذا لا يجوز تصديقه فيما إذا أخبر بتّا وجزما عن تأثيرها مع الاعتقاد بكونها مخلوقة للباري تعالي وأنّه هو المؤثر الأعلي ؛ لأنّ الإخبار البتّي والجزمي ينافي الضروري من الدين من تأثير الدعاء والصدقات ونحوهما ، بل لو التفت إلي أنّ ذلك يؤدي إلي إنكار ضروريّ من الضروريات كان التصديق المذكور موجبا للكفر .
وأيضا إذا أخبر عن اُمور مع تأثير العلويات أو بدونه عند صيرورة الأفلاك في أوضاع خاصة ـ كإخبار الكهنة بالمغيبات ـ لا يجوز تصديقه ولو عملاً ؛ للمنع عنه في الأخبار التي منها : ما رواه في الأمالي بإسناده عن عبد اللّه بن عوف بن الأحمر قال : لمّا أراد أمير المؤمنين عليهالسلام المسير إلي أهل النهروان أتاه منجّم فقال : يا أمير المؤمنين ، لا تسر في هذه الساعة وسر في ثلاث ساعات يمضين من النهار ، فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : « ولِم ؟ » . قال : لأنّك إن سرت في هذه الساعة أصابك وأصاب أصحابك أذيً وضرّ شديد ، وإن سرت في الساعة التي أمرتك ظفرت وظهرت وأصبت كلّ ما طلبت . فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : « تدري ما في بطن هذه الدابة أذَكَر أم اُنثي ؟ » قال : إن حسبت علمت . فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : « من صدّقك علي هذا القول فقد كذّب بالقرآن : « إنّ اللّه عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأيّ أرضٍ تموت إنّ اللّه عليم خبير »( 71 ) . ما كان محمّد صلياللهعليهوآلهوسلم يدّعي ما ادّعيت ، أتزعم أنّك تهدي إلي الساعة التي من صار فيها صرف عنه السوء والساعة التي من صار فيها حاق به الضرّ ؟ ! من صدّقك بهذا استغني بقولك عن الاستعانة باللّه في ذلك الوجه ، وأحوج إلي الرغبة إليك في دفع المكروه عنه ، وينبغي أن يوليك الحمد دون ربّه عزّوجلّ ، فمن آمن لك بهذا فقد اتّخذك من دون اللّه ضدّا وندّا ـ ثم قال : ـ اللهم لا طير إلاّ طيرك ، ولا ضير إلاّ ضيرك ، ولا خير إلاّ خيرك ، ولا إله غيرك ـ ثم التفت إلي المنجّم وقال : ـ بل نكذّبك ونسير في الساعة التي نهيت عنها » ( 72 ) .
وظاهره هو المنع عن تصديق المنجّم فيما أخبر عنه بالإخبار القطعي ، سواء كان التصديق جنانيا أو عمليا ، هذا مضافا إلي أنّه لا دليل علي اعتبار قولهم ، فلا وجه للاعتماد عليهم .
ويؤيد ما ذكر : موثقة محمد بن قيس المروية في الفقيه عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « كان أمير المؤمنين عليهالسلام يقول : لا تأخذ بقول عرّاف ولا قائف ولا لصّ . ولا أقبل شهادة فاسق إلاّ علي نفسه » ( 73 ) ، بناءً علي أنّ المراد من العرّاف هو المنجّم ، وأمّا بناءً علي أن المراد منه هو الكاهن فلا تدل إلاّ بضميمة أن المنجّم كالكاهن ، ولكنه منوط بعموم التنزيل .
وكيف كان ، فالمراد من النهي عن الأخذ هو النهي عن التصديق العملي بقول المنجّم ، فلا يجوز التصديق العملي بقول المنجّم الذي أخبر عن اُمور بالإخبار القطعي ، بل اللازم هو العمل بالقواعد والاُصول الشرعية .
وخبر الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عن النبي صلياللهعليهوآلهوسلم في حديث المناهي قال : « ونهي عن إتيان العرّاف وقال : من أتاه وصدّقه فقد برئ مما أنزل اللّه علي محمد صلياللهعليهوآلهوسلم » ( 74 ) .
وخبر يعقوب بن شعيب قال : سألت أبا عبد اللّه عليهالسلام عن قوله تعالي : « وما يؤمن أكثرهم باللّه إلاّ وهم مشركون »( 75 ) ؟ قال : « كانوا يقولون : يمطر نوء كذا ، ونوء كذا لا يمطر ، ومنها أنّهم كانوا يأتون العرفاء فيصدّقونهم بما يقولون » ( 76 ) .
ومرسلة المعتبر حيث قال : « ولا يجوز التعويل علي قوله ( أي المنجّم ) ؛ لقول النبي صلياللهعليهوآلهوسلم : « من صدّق كاهنا أو منجّما فهو كافر بما اُنزل علي محمد صلياللهعليهوآلهوسلم » ( 77 ) .
ولا يخفي أنّ المستفاد من هذه الأخبار هو النهي عن تصديق المنجّم الذي أخبر بتّا وجزما بحيث يوجب استغناء المخاطب عن اللّه تعالي ، أو الذي اعتقد أن العلويات مستقلات أو مشتركات في التأثير ، أو غير ذات حاجة إلي المبدأ المتعال بقاءً في الوجود والتأثير ، كما يشير إليه إطلاق المشرك عليه وأنّه كافر بما اُنزل علي محمّد صلياللهعليهوآلهوسلم .
ولا يشمل ما إذا لم يكن كذلك ؛ كما إذا أخبر بأنّ اقتضاءها بإذن اللّه تعالي كذا وكذا بحيث لا يستغني المخاطب عن اللّه تعالي ، ولا يوجب الشرك ، ولا يستلزم الكفر بما اُنزل علي محمّد صلياللهعليهوآلهوسلم ، ولا يكون إخباره شبيها بإخبار الكاهن ، فضلاً عما إذا لم يعتقد باقتضائها أصلاً ، فالتصديق الجناني بالنسبة إليه لا يوجب المحذور ؛ وأمّا التصديق العملي فلا يجوز ما لم يوجب قوله الاطمئنان .
لا يقال : إنّ قوله : « من صدّق منجّما أو كاهنا فقد كفر بما اُنزل علي محمّد صلياللهعليهوآلهوسلم » يدل علي أن تصديق المنجّم تكذيب للشارع المكذّب له ، ويدل علي ذلك عطف الكاهن عليه ، كما أفاده شيخنا الأعظم قدسسره ( 78 ) .
لأنّا نقول : أوّلاً : إن الخبر مرسل .
وثانيـاً : إن الظاهر من الرواية هو الكفر من جهة لزوم إنكار ما أنزل اللّه لا تكذيب الشارع في تكذيبه للمنجّم ، ولعل وجه الإنكار هو الإخبار القطعي والبتّي الذي يؤول إلي الاستغناء عن اللّه تعالي ، وهو كفر لو التفت إليه ، والمفروض غيره ، فتدبر جيداً .
وثالثـاً : إنّه لا دليل علي تكذيب الشارع لمطلق المنجّم .
فتحصّل : أن التصديق الجناني بالنسبة إلي المنجّم فيما كان يعتقده كفرا وإنكارا للضروري من الدين غير جائز ، دون ما لم يكن كذلك فإنّه جائز . بخلاف التصديق العملي فإنه لا يجوز إلاّ إذا حصل الاطمئنان من قوله .
الثاني : هل يجوز تعلّم علم النجوم وتعليمه أم لا ؟
يمكن أن يقال : لا دليل علي حرمته لو لم يكن المقصود منه هو ترتيب الأثر أو الإخبار بمقتضاه علي جهة الجزم .
قال في الجواهر ـ في الكهانة ـ : « قد يقال بعدم الحرمة في العلم والتعلّم والتعليم لا للعمل ؛ للأصل وغيره بعد انصراف الكهانة والكاهن للعمل والعامل . اللهم إلاّ أن يقال بعدم انفكاك العلم عن العمل هنا ، وفيه منع » ( 79 ) .
فإذا كان الأمر في الكاهن هكذا ففي المنجّم الذي شُبّه به أوضح .
وأمّا الأخبار الدالة علي كثرة الخطأ في علم النجوم فهي لا تدل علي النهي عن ذلك ، بل غايتها أن كثرة الخطأ مانعة من الحكم البتّي والقطعي في الحوادث .
قال في الجواهر : « لكن الإحاطة بتمام دقائق هذا العلم مما لا يتيسر إلاّ لخزّان علم اللّه دون غيرهم الذين قد يتخيّلون دلالة القِران المخصوص علي النحس وهو سعد وبالعكس ، كما اتفق للمنجّم مع أمير المؤمنين عليهالسلام ؛ لعدم الإحاطة بتمام اقتراناتها وأحوالها ، لكن ذلك لا يمنع من النظر فيما دوّنوه من بعض أحوالها الجارية مجري الغالب ، ولا من العمل بما يقوله أهلها علي وجه الاحتياط . وعلي ذلك يحمل تعلّم جماعة من الشيعة وغيرهم وفيهم العلماء والمحدثون وغيرهم من الشيعة ؛ كالحسن بن موسي النوبختي ، وموسي بن الحسن وغيره من بني نوبخت ، وأحمد بن محمد بن خالد البرقي ، وأحمد بن محمد بن طلحة ، والجلودي البصري ، ومحمد بن أبي عمير ، ومحمد بن مسعود العياشي ، والفضل بن أبي سهل الذي أخبر المأمون بخطأ المنجّمين في الساعة التي اختاروها لولاية العهد للرضا عليهالسلام ، فزجره المأمون ونهاه أن يخبر بذلك أحدا ، فعلم أنّه تعمّده ـ إلي أن قال : ـ وغيرهم ممن وقفنا لهم علي أشياء يقطع الإنسان بأنّها ليست محض اتفاق ـ علي ما زعمه المرتضي ـ كما لا يخفي علي من تتبع أحوالهم ، ووقف علي جملة مما نقل من إخباراتهم » ( 80 ) .
ولقد أفاد وأجاد ، ولكن لا وجه لقصر الجواز علي التعلّم والتعليم والعمل علي وجه الاحتياط ؛ لما عرفت من جواز الإخبار لا علي جهة الجزم . وعليه فلا مانع من جوازهما للإخبار من دون جزم وقطع ، فافهم .
وذهب السيد ابن طاووس ـ علي ما حكي عنه ـ إلي جواز التعليم والتعلّم والنظر في النجوم مع اعتقاد كونها علامات ودلالات علي ما يحدث من الحوادث والكائنات أكثر ، لكن بحيث يجوز للقادر الحكيم أن يغيّرها ويبدّلها لأسباب ودواعٍ علي وفق إرادته وحكمته ( 81 ) .
وقد عرفت أن الأمر كذلك مع اعتقاد كونها مؤثرات بإذن اللّه بحيث يجوز للقادر الحكيم التغيير والتبديل ، بل يجوز الإخبار من دون بتّ وحكم وقطع . وعليه فالمحرم في التنجيم هو الاعتقاد بكون العلويات مؤثرات استقلالاً أو اشتراكا ، أو مفوّضات في التأثير ، أو مؤثرات من دون إمكان التغيير والتبديل ، أو الإخبار البتّي والقطعي علي نحو ينافي الضروري من الدين من تأثير الدعاء والصدقات ، أو علي نحو الإخبار الغيبي كإخبارات الكهنة ، فلا تغفل .
الثالث : هل يكون الكلام في الرمل والفأل وغيرهما كذلك أم لا ؟
قال في الجواهر : « وكذا الكلام في الرمل والفأل ونحوهما من العلوم التي يستكشف بها علم الغيب ، فإنها تحرم مع اعتقاد المطابقة لا مع عدمه ، وقد كان رسول اللّه صلياللهعليهوآلهوسلم يحبّ الفأل ويكره الطيرة ، بل ورد عنهم ـ صلوات اللّه وسلامه عليهم ـ اُمور كثيرة كالاستخارة وبعض الحسابات وغيرهما مما يستفاد منه كثير من المغيبات ، لكن لا علي وجه الجزم واليقين ، ولعل ذلك كله من فضل اللّه علي عباده وهدايته بهم ، نحو ما جاء عنهم في الرُّقي أنها تدفع القدر ، فقال : إنها من القدر . وإن هذا الباب باب عظيم ليس المقام مقام ذكره ، خصوصا ما يتعلق في الحروز والطلسمات وخواص الحروف وبعض الأشياء وغيرها وما يتولد منها من المصالح والمفاسد ، ولكن ينبغي تجنّب ما فيه ضرر علي الناس ، واستعمال ما فيه نفع لهم مما هو ليس بسحر ، واللّه العالم » ( 82 ) .
والظاهر منه أن الإخبار عن الغائبات علي سبيل الجزم محرم من أي طريق كان ، ويدل عليه صحيحة حسن بن محبوب عن الهيثم قال : قلت لأبي عبد اللّه عليهالسلام : إنّ عندنا بالجزيرة رجلاً ربما أخبر من يأتيه يسأله عن الشيء يُسرق أو شبه ذلك فنسأله ؟ فقال : « قال رسول اللّه صلياللهعليهوآلهوسلم : من مشي إلي ساحر أو كاهن أو كذّاب يصدّقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل اللّه من كتاب . . . » ( 83 ) ، الخبر .
قال الشيخ الأعظم قدسسره : « وظاهر هذه الصحيحة أن الإخبار عن الغائبات علي سبيل الجزم محرّم مطلقا ، سواء كان بالكهانة أو بغيرها ؛ لأنّه عليهالسلام جعل المخبر بالشيء الغائب بين الساحر والكاهن والكذّاب ، وجعل الكل حراما . . . » ( 84 ) .
( 68 ) المصدر السابق 8 : 271 ، ب 14 من آداب السفر إلي الحج ، ح 9 .
( 46 ) المصدر السابق .
( 53 ) المصدر السابق : 26 .
( 41 ) بحار الأنوار 58 : 219 .
( 23 ) من لا يحضره الفقيه 2 : 267 ، ح 2402 .
( 48 ) المصدر السابق : 463 .
( 65 ) المصدر السابق 12 : 102 ، ب 24 من أبواب ما يكتسب به ، ح 1 .
( 67 ) وسائل الشيعة 12 : 102 ، ب 24 من أبواب ما يكتسب به ، ح 2 .
( 6 ) نقل قوله هذا النجفي في جواهر الكلام 22 : 103 .
( 66 ) من لا يحضره الفقيه 2 : 269 .
( 54 ) انظر : جواهر الكلام 22 : 106 .
( 82 ) جواهر الكلام 22 : 109 .
( 10 ) المصدر السابق : 228 .
( 31 ) المكاسب المحرّمة : 25 .
( 16 ) المصدر السابق : 233 .
( 84 ) المكاسب المحرمة : 53 .
( 64 ) المصدر السابق : 268 ، ح 1 .
( 38 ) المكاسب المحرّمة : 28 ـ 29 .
( 74 ) المصدر السابق : 269 .
( 13 ) المصدر السابق .
( 44 ) مرآة العقول 26 : 461 .
( 73 ) المصدر السابق : ح 2 .
( 2 ) التعليقة : 23 .
( 26 ) مرآة العقول 26 : 479 .
( 47 ) المصدر السابق : 463 .
( 34 ) المصدر السابق .
( 83 ) وسائل الشيعة 12 : 108 ، ب 26 من أبواب ما يكتسب به ، ح 3 .
( 49 ) بحار الأنوار 58 : 308 .
( 28 ) في المصدر : « حسابهم مبتنية » ، والصحيح ما أثبتناه ، كما أنّه صحيح أيضا أن يقال : « حساباتهم مبتنية » .
( 62 ) وسائل الشيعة 8 : 271 ، ح 8 .
( 37 ) المصدر السابق : 226 .
( 55 ) انظر : وسائل الشيعة 12 : 103 ، ب 24 من أبواب ما يكتسب به ، ح 5 .
( 57 ) انظر : المصدر السابق 8 : 270 ، ب 14 من آداب السفر إلي الحج ، ح 6 .
( 4 ) بحار الأنوار 58 : 235 .
( 5 ) الروضة : 195 .
( 79 ) جواهر الكلام 22 : 90 .
( 61 ) المصدر السابق : 91 .
( 32 ) المصدر السابق : 28 .
( 58 ) انظر : المصدر السابق 12 : 104 ، ح 10 .
( 7 ) المستدرك 2 : 432 .
( 17 ) من لا يحضره الفقيه 2 : 269 ، ح 2406 .
( 27 ) المصدر السابق : 463 .
( 35 ) إرشاد الطالب 1 : 137 .
( 40 ) انظر : المكاسب المحرمة : 27 .
( 75 ) يوسف : 106 .
( 59 ) المصدر السابق : 104 ، ح 8 .
( 8 ) المستدرك 2 : 433 .
( 9 ) جامع الأحاديث 17 : 225 .
( 45 ) المصدر السابق .
( 72 ) وسائل الشيعة 8 : 269 ، ب 14 من آداب السفر إلي الحج ، ح 4 .
( 1 ) المكاسب : 25 .
( 30 ) بلغة الطالب 1 : 99 ـ 100 .
( 20 ) انظر : المصدر السابق : 221 ، ح 18 .
( 3 ) تاج العروس 9 : 72 .
( 12 ) جامع الأحاديث 17 : 228 .
( 25 ) من لا يحضره الفقيه 2 : 267 ، ح 2402 .
( 39 ) الاحتجاج 2 : 94 .
( 76 ) وسائل الشيعة 8 : 271 ، ب 14 ، ح 7 .
( 19 ) جامع الأحاديث 17 : 195 .
( 22 ) المصدر السابق : 236 عن نهج البلاغة : 168 .
( 33 ) المصدر السابق .
( 43 ) انظر : التعليقة : 24 .
( 29 ) المكاسب المحرمة : 25 .
( 15 ) جامع الأحاديث 17 : 229 .
( 78 ) انظر : المكاسب المحرّمة : 27 .
( 14 ) مؤلّف هذا الكتاب : محمّد بن الحسين بن الحسن الرازي .
( 21 ) انظر : المصدر السابق : 233 ، ح 23 .
( 63 ) المصدر السابق : 270 ، ح 5 .
( 50 ) وسائل الشيعة 12 : 101 ، هامش ب 24 .
( 18 ) مرآة العقول 2 : 478 .
( 52 ) المكاسب المحرمة : 25 ـ 26 .
( 24 ) مرآة العقول 26 : 478 .
( 51 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6 : 212 .
( 36 ) انظر : جامع الأحاديث 17 : 234 ـ 235 .
( 80 ) المصدر السابق : 106 ـ 107 .
( 42 ) انظر : المكاسب المحرّمة : 27 ـ 28 .
( 81 ) انظر : مرآة العقول 26 : 461 .
( 56 ) المصدر السابق : ح 7 .
( 77 ) جامع الأحاديث 17 : 231 .
( 60 ) جواهر الكلام 22 : 89 .
( 69 ) جواهر الكلام 22 : 108 .
( 70 ) بلغة الطالب 1 : 100 .
( 71 ) لقمان : 34 .
( 11 ) كذا ، ولعلّ المناسب أن يقال : « كانا ينظران » .