وهذه الغريزة هي التي دفعت وتدفع الفكر الإنساني ـ منذ البداية ـ إلى البحث وإلى دراسة المسائل والمشاكل والسعي لاكتشاف المجهولات وفك الرموز واستكناه الحقائق...، وهي الغريزة التي نشأت في ظلها العلوم والصناعات وتوّسعت المعارف وتطوّرت وتقدّمت...، وهي الغريزة التي ساعدت المكتشفين والمخترعين منذ القدم وكانت عوناً ومشجعاً لهم، على مواصلة البحث المضني لاكتشاف ألغاز الطبيعة وأسرار الحياة وكشف القناع عنها وإزاحة الستار عن الحقائق المجهولة، وتحمّل كلّ الصعوبات والمتاعب في ذلك الطريق الوعر والشائك.
وهي منشأ ظهور الأخلاق، ومعتمد الفضائل والسجايا الإنسانية والصفات النفسانية المتعالية. وهي الغريزة التي تدفع الإنسان إلى أن يحب بني نوعه ويطلب العدل، والحقّ، والسلام. وهي التي توجد في المرء نوعاً من الميل الفطري الباطني إلى الأخلاق النبيلة والسجايا الحميدة،ونفوراً من الرذائل والصفات الذميمة.
وهي منشأ الفنون الجميلة قديماً وحديثاً، وسبب ظهور الأعمال الفنّية في شتّى مجالات الحياة.
وتعني أنّ كلّ فرد من أبناء الإنسان يميل بنحو ذاتي وفطري، وبحكم غريزته إلى (اللّه) ويميل إلى التديّن، وينجذب عفوياً إلى معرفة ماوراء الطبيعة والقوّة الحاكمة على هذا الكون الذي يعيش ضمنه ويكون وجود الإنسان فرعاً من وجوده وجزءاً من أجزائه.(1)
1 . منشور جاويد:2/50ـ 53.