هذا من جهة، ومن جهة ثانية نحن نعلم أنّ إبادة الكافرين من دون إلقاء الحجة عليهم على خلاف السنّة الإلهية.(1)
ومن المعلوم أنّ كلمة الأرض في قوله تعالى:( ربِّ لا تَذَرْ عَلى الأَرْضِ ... ) لها معنى واسع يشمل جميع العالم، والشاهد الآخر أنّ اللّه تعالى قد أوصى نوحاً أن يحمل في السفينة من كلّ نوع اثنين قال تعالى:
( قُلنا احمل فيها من كُلّ زوجين اثنين )(2)، وما ذلك إلاّ للحفاظ على النسل الحيواني من الانقراض، فلو لم يكن الطوفان عالمياً فما هي الحاجة إلى حمل تلك الحيوانات في السفينة؟
ولكن يمكن القول: إنّ المقصود من الأرض في الآية المباركة هو المحيط الذي كان يعيش فيه نوح مع قومه، وهذا الاستعمال متعارف وغير بعيد، قال سبحانه: ( فَسِيرُوا فِي الأرْضِ ) وأمّا بالنسبة إلى حمل الحيوانات في السفينة يمكن أن يكون الغرض منه حفظ نسلها في ذلك المحيط لا في جميع أرجاء المعمورة، وذلك لأنّ انتقال الحيوانات من نقطة إلى نقطة أُخرى يحتاج إلى مدّة طويلة. ويمكن أن نستظهر من مجموع الآيات أنّ شريعة نوح ـ عليه السَّلام ـ كانت تتعلّق بمنطقة واسعة كان يعيش فيها نوح والقوم الذين بعث فيهم، وأنّ الطوفان قد عمّ تلك المنطقة الواسعة.
والجدير بالذكر أنّه قد ذهب بعض المفسّرين إلى عالمية الطوفان بغضّ النظر عن عالمية رسالة نوح ـ عليه السَّلام ـ ويستدلّون على ذلك ببقايا الحيوانات التي عثر عليها في قمم الجبال حيث يذهبون إلى أنّه لولا طوفان نوح ما كان هناك سبب لوجود تلك الحيوانات على هذه القمم الشاهقة.(3)
1 . ( وما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حتّى يَبْعَثَ في أُمّها رَسولاً )(القصص:59). 2 . هود:40. 3 . منشور جاويد:11/150ـ 152.