مزهر في علوم اللغة و انواعها

عبد الرحمان بن ابي بكر سيوطي؛ تحقیق: فؤاد علي منصور

نسخه متنی -صفحه : 928/ 160
نمايش فراداده

ومعرفةُ مثل هذا أنْفع من حفْظ الألفاظ المجرّدة وتقليد اللغة مَنْ لم يكن فقيهاً فيها . وقد يلهج العربُ الفصحاء بالكلمة الشاذّة عن القياس البعيدة من الصواب حتى لا يتكلّموا بغيرها ويَدَعوا المُنْقاس المطَّرد المختار ثم لا يَجبُ لذلك أن يُقالَ : هذا أفصحُ من المتروك .

من ذلك قول عامة العرب : إيش صنعت يريدون أي شيء ولا بشانيك يعنون لا أب لشانيك .

وقولهم : لا تبل أي لا تبالي .

ومثل تركهم استعمال الماضي واسم الفاعل : من : يَذَر ويَدَع واقتصارهم على : تَرَك وتارك وليس ذلك لأن ( تَرك ) أفصحُ من وَدع ووذر وإنما الفصيح ما أَفْصَحَ عن المعنى واستقام لفظهُ على القياس لا ما كثُر استعمالهُ . انتهى .

ثم قال ابن دَرَسْتويه : وليس كُلُّ ما ترك الفصحاءُ استعماله بخطأ فقد يتركون استعمالَ الفصيح لاستغنائهم بفصيحٍ آخر أو لعلَّة غير ذلك . انتهى .

الفصل الثاني في معرفة الفصيح من العرب

أفصحُ الخَلْق على الإطلاقَ سيدُنا ومولانا رسول اللّهحبيب رب العالمين جلَّ وعلا قال رسول اللّه : ( أنا أفصحُ العرب ) وأصحابُ الغريب ورَوَوْه أيضاً بلفظ :


  • أنا أفصَحُ من نَطق بالضاد بَيْدَ أني من قريش

  • بَيْدَ أني من قريش بَيْدَ أني من قريش

وتقدم حديث : ( أن عمر قال : يا رسول اللّه ما لَكَ أفْصحنا ولم تخرج من بين أظْهُرنا . . ) الحديث .

وروى البَيْهَقي في شعب الإيمان عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي : ( أن رجلاً قال : يا رسول اللّه ما أفْصَحَك!فما رأينا الذي هو أعْرَبُ منك . قال : حقّ لي فإنما أُنزل القرآن عليّ بلسانٍ عربيٍّ مبين ) وقال الخطابي : اعلم أن اللّهَ لما وضعَ رسولهموضع البلاغ من وَحْيه ونَصَبه مَنْصب البيان لدينه اختار له من اللغات أعربَها ومن الألْسُن أفصحَها وأبينَها ثم أمدَّه بجوامع الكَلم .

قال : ومنْ فصاحته أنه تكلّم بألفاظ اقْتَضَبَها لم تُسْمَع من العرب قبله ولم توجد في مُتقَدّم كلامها كقوله : ( مات حَتْف أَنْفه ) ( وحَميَ الوطيس ) ( ولا يُلْدَغُ المؤمنُ من جُحر مرَّتين ) في ألفاظ عديدة تَجْري مَجْرى الأمثال .