مقصد الاسنى في شرح معاني اسماء الله الحسنى

محمد بن محمد غزالي

نسخه متنی -صفحه : 63/ 53
نمايش فراداده

هو الموجود الواجب وجوده بذاته ولكنه إذا أضيف في الذهن إلى الاستقبال سمي باقيا وإذا أضيف إلى الماضي سمي قديما والباقي المطلق هو الذي لا ينتهي تقدير وجوده في الاستقبال إلى آخر ويعبر عنه بأنه أبدي والقديم المطلق هو الذي لا ينتهي تمادي وجوده في الماضي إلى أول ويعبر عنه بأنه أزلي وقولك واجب الوجود بذاته متضمن لجميع ذلك وإنما هذه الأسامي بحسب إضافة هذا الوجود في الذهن إلى الماضي والمستقبل وإنما يدخل في الماضي والمستقبل المتغيرات لأنهما عبارتان عن الزمان ولا يدخل في الزمان إلا التغير والحركة إذ الحركة إنما تنقسم إلى ماض ومستقبل والمتغير يدخل في الزمان بواسطة التغير فما جل عن التغير والحركة فليس في زمان فليس فيه ماض ومستقبل فلا ينفصل فيه القدم عن البقاء بل الماضي والمستقبل إنما يكون لنا إذ مضى علينا وفينا أمور وستتجدد أمور ولا بد من أمور تحدث شيئا بعد شيء حتى تنقسم إلى ماض قد انعدم وانقطع وإلى راهن حاضر وإلى ما يتوقع تجدده من بعد فحيث لا تجدد ولا انقضاء فلا زمان وكيف لا والحق سبحانه وتعالى قبل الزمان وحيث خلق الزمان لم يتغير من ذاته شيء وقبل خلق الزمان لم يكن للزمان عليه جريان وبقي بعد خلق الزمان على ما عليه كان ولقد أبعد من قال البقاء صفة زائدة على ذات الباقي وأبعد منه من قال القدم وصف زائد على ذات القديم وناهيك برهانا على فساده ما لزمه من الخبط في بقاء البقاء وبقاء الصفات وقدم القدم وقدم الصفات الوارث هو الذي يرجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك وذلك هو الله سبحانه وتعالى إذ هو الباقي بعد فناء الخلق وإليه مرجع كل شيء ومصيره وهو القائل إذ ذاك لمن الملك اليوم 40 سورة غافر الآية 16 وهو المجيب لله الواحد القهار 40 سورة غافر الآية 16 وهذا بحسب ظن الأكثرين إذ يظنون لأنفسهم ملكا وملكا فينكشف لهم ذلك اليوم حقيقة الحال وهذا النداء عبارة عن حقيقة ما ينكشف لهم في ذلك الوقت فأما أرباب البصائر فإنهم أبدا مشاهدون لمعنى هذا النداء سامعون له من غير صوت ولا حرف موقنون بأن الملك لله الواحد القهار في كل يوم وفي كل ساعة وفي كل لحظة وكذلك كان أزلا وأبدا وهذا إنما يدركه من أدرك حقيقة التوحيد في الفعل وعلم أن المنفرد بالفعل في الملك والملكوت واحد وقد أشرنا إلى ذلك في أول كتاب التوكل من كتاب إحياء علوم الدين فليطلب منه فإن هذا الكتاب لا يحتمله الرشيد هو الذي تنساق تدبيراته إلى غاياتها على سنن السداد من غير إشارة مشير وتسديد مسدد وإرشاد مرشد وهو الله سبحانه وتعالى ورشد كل عبد بقدر هدايته في تدابيره إلى ما يشاكل الصواب من مقاصده ودينه ودنياه الصبور هو الذي لا تحمله العجلة على المسارعة إلى الفعل قبل أوانه بل ينزل الأمور بقدر معلوم ويجريها على سنن محدود لا يؤخرها على آجالها المقدورة لها تأخير متكاسل ولا يقدمها على أوقاتها تقديم مستعجل بل يودع كل شيء في أوانه على الوجه الذي يجب أن يكون وكما ينبغي وكل ذلك من غير مقاساة داع على مضادة الإرادة وأما صبر العبد فلا يخلو عن مقاساة لأن معنى صبره هو ثبات داعي الدين أو العقل في مقابلة داعي الشهوة أو الغضب فإذا تجاذبه داعيان متضادان فدفع الداعي إلى الإقدام والمبادرة ومال إلى باعث التأخير سمي صبورا إذ جعل باعث العجلة مقهورا وباعث العجلة في حق الله سبحانه معدوم فهو أبعد عن العجلة ممن باعثه موجود ولكنه مقهور فهو أحق بهذا الاسم بعد أن أخرجت عن الاعتبار تناقض البواعث ومصابرتها