الكتور علي أبو زيد
يسعدني السعادة كلها أن أقف مرة أخرى للمشاركة في تكريم أحد أساتذتي وأعلام الحركة العلمية في هذا الزمن.
فمنذ أسابيع كرمت دار الفكر بدمشق أستاذنا د. مازن المبارك وطبعت مشكورة مجموعة أبحاث كنا أهديناها أستاذنا بمناسبة بلوغه السبعين، وكان لي شرف المشاركة والتنظيم والحديث باسم طلابه وأصدقائه.
واليوم يحتفي اتحاد الكتاب العرب بدمشق بتكريم علم من أعلامه، وواحد ممن نذروا أنفسهم لخدمة الأمة تراثها ولغتها، الأستاذ الدكتور عمر موسى باشا. وإنه لواجب، وسنة حسنة نأمل ألا تتوقف.
والأستاذ الدكتور عمر أفنى أزيد من نصف قرن من عمره الذي نرجو الله أن يبارك لـه فيه؛ في خدمة هذه الأمة وتراثها.
وإذ أقف عند جانب واحد من جوانب شخصيته (وهو آثاره) فإنني معترف لـه بفضله وتقدمه في غير هذا الجانب، ومقر سلفاً بأنني لن أٍستطيع الوفاء بعرض كل آثاره العلمية، والتفصيل في الحديث عنها، فأنا أخاف العجز وقلة الحيلة، وأُخوّف بالوقت المحدد لوقفتي هذه.
وليس خفياً على كل ذي بصر وبصيرة ما لهذه الأمة من تراث علمي في شتى الميادين، وما قدمته للحضارة الإنسانية على مدى قرون طويلة؛ مما كان لـه الأثر الأكبر في تقدم العالم ورقيه، وقد اقترن عطاؤها بقيم وأخلاق نبيلة يشهد بها العدو المعاند قبل الصديق المؤيد. وإن ترجلت هذه الأمة عن صهوتها، وألقت عصا التسيار قليلاً، فإنها لم يستقر بها النوى، لأن من خلَفها على قيادة الحضارة قدم علماً وتخلى عن الأخلاق وجوهر الإنسان- ولن يكتب لحضارة البقاء والديمومة إما تخلت عن القيم النبيلة والأخلاق الحميدة- ولأنه ما زال في هذه الأمة بقية تحمل الراية التي ثبتت أركانها في جذور التاريخ، وتسامقت فروعها حتى أعجزت المتطلع إلى قممها.
وما زالت هذه الأمة تنجب الغُيُر المبدعين العالمين. وها نحن أولاء نراهم في كل زمان ومكان يتبارون في حمل الراية، ويبذلون الغالي والنفيس في سبيلها، لا يدفعهم طمع، ولا يثنيهم فزع.
ولو وقفنا نعد هؤلاء لأعجزنا الحصر، كلٌّ في ميدانه، والأمل كبير. ومن هؤلاء من نحن في مناسبة تكريمه وشكر أياديه البيض، نعترف لـه بفضله، ونشكر لـه سعيه، وندعو لـه بطول العمر والمزيد من العطاء.
فقد أثرى المكتبة العربية بزاد علمي لا يستهان به، وفاض قلمه بذوب روحه وعلمه، فكانت لـه آثار مختلفة الألوان، طيبة الثمار دانية قطوفها.