الأستاذ سامي غانم
نكرم اليوم علماً من أعلام الأدب العربي المعاصر المتصل بمنبع أصالة التراث العربي الذي لا ينضب.
من خلال هذا التواصل المتآلف بين القديم والحديث، قدم لنا د. عمر موسى باشا قطوفاً دانية من مؤلفاته التي انتظمتها المكتبات الأمريكية والبريطانية في فهارس زادت على مائتين وخمسين بطاقة. وفي هذا إشارة واضحة إلى أهمية ما كتبه وأهمية العصر الذي كتب عنه. ولا أعرف بين الباحثين والدارسين من حظي بمثل هذا الاهتمام الكبير في المكتبات العالمية.
وإنه ليسعدني جداً أن أسهم في تكريم هذا العلم من أعلام الأدب العربي ابن مدينة أبي الفداء التي ما بخلتْ يوماً على الوطن الغالي بالعطاء الفكري والأدبي. هذا إلى جانب ما عُرف عن حماة من تضحية وجهاد في سبيل الوطن. فهم على سبيل المثال: الشاعر عمر يحيى، والدكتور وجيه البارودي وبدر الدين الحامد شاعر العاصي المعروف الذي كان مرآة عصره، وشعره يمثل التضحية والنضال في تاريخ وطننا الغالي.
إن تكريم الدكتور عمر موسى باشا هو تكريم للوطن. وما أجملَ أن نكرم هؤلاء الأدباء والمفكرين المبدعين، في حياتهم قبل أن تطويهم المنية.
وأذكر أنني سمعت مثلاً شعبياً مضمونه كما يقوله الناس: "أحييني وأنا حي قبل أن تكرمني وقد هيلَ التراب عليَّ" وهذا هو نهج اتحاد كتاب العرب منذ عدة سنوات في تكريم الأدباء اعترافاً وعرفاناً بعطاءاتهم، وهو عمل يستحق عليه الثناء الاتحاد ممثلاً في شخص رئيسه الدكتور علي عقلة عرسان.
وأود أن أشير إلى أن الدكتور عمر موسى باشا أصدر ديواناً شعرياً أسماه (عذارى). والغريب حقاً أن يتصدى لهذا الشاب اليافع، شاعر معروف، كالشاعر وجيه البارودي، وهجاه بقصيدة مطلعها:
وغريب أن يتصدى شاعر معروف لشاعر صغير السن وجديد التجربة، فوأد الديوان وحرقه المتعصبون على مشهد من الشاعر نفسه.
كما هاجم بعض المتعصبين الشاعر لأنه ذكر آلهة في السماء غير الله عزّ وجل، ذلك أنه قد وضع مسرحية بعنوان: (غرام الآلهة)، وقد قدم لها بقوله:
دلفتُ إلى هيكل الشمس فركعتُ أمام معبد "زيوس الأكبر"
وصليتُ في هيكل فينوس ونهلتُ من دنان باخوس
فثملت بين هذه الأطلال الخالدة وتمثلت فيها أطياف الآلهة
تحيط بها ربات الوحي وهن عازفات على أوتارهن
وكأنهن كن يرددن نشيد الآلهة.
والمسرحية هذه مؤلفة من ستة عشر مقطعاً في كل مقطع خمسة أبيات.
وبناء على ما حصل هجر الشاب عمر موسى باشا الشعر نهائياً.
إن تكريم جمعية البحوث والدراسات للدكتور الباشا، إنما هو إقرار بإبداعه وتميزه.
ولا بد لي من الوقوف عند بداياته وهي نقطة البدء، وفي البدء كانت الكلمة، والكلمة هنا هي ذلك الديوان الشعري (عذارى) الذي أصدره الدكتور الباشا قبل أكثر من نصف قرن، هذا وقد قدمه بهذه الأبيات:
إلى كل من يهوى الشعر والطبيعة والجمال
إلى كل من تاه في بيداء الحب الطاهر
إلى كل قلب مضنى صوحته صروف الحياة
إلى كل نفس تحترق لتنير طريق الناس
إلى كل عذراء تجهمت في وجهها الخطوب
أقدم إليهم جميعاً هذه الأناشيد العذارى
وقبل أن أختم، أختار من هذه الأبيات التي يخاطب فيها نجوم السماء، قائلاً:
يا نجوماً هل شجاك اليوم شعري ونشيدي
لا تراعي ذاك فجر لاح في الليل المديدِ
هو سحر هو فيض النور في هذا الوجود
بددي آلام نفسي واعزفي لحن الخلود
وسلي من كنت أهوى هكذا أضحى نصيبي
إن شعر عمر موسى باشا تعبير عن نفسه المرهفة المحبة للطبيعة والحياة والجمال. وهذا دليل أصالته وشفافيته.
وحرصي على إبراز تلك الفترة المجهولة من حياة المكرم، يعود إلى أهميتها في حياته لأنها نقطة البدء في مسيرة بناء حياته، ومن يعرف الدكتور الباشا يدرك جيداً أنه مستمع جيد ومصغ متمكن، يقدم العون والمساعدة لكل من يحتاج إليه.
إنه يحترم الرأي الآخر ولو كان معارضاً له، كما أنه يؤمن بالحوار، لأن الحوار يغني ولا يضعف، كما أنه يجذر ولا ينسف.
ويؤمن بالمعرفة، والمعرفة لا يصنعها عقل واحد، إنه النهر الكبير الذي يضم كل الجداول المتدفقة إليه لتصب في بحره الهادر.
والدكتور الباشا، لا يعرف الحقد والعداوة والبغضاء، وهي شيمة العلماء الكبار مع محاوريهم.
إن تكريم الدكتور هو تكريم الوطن لأبنائه في ظل قيادة الرئيس القائد الواعد بشار الأسد، وسنستمر تحت قيادته كما كنا من قبل في عهد والده الراحل الخالد الرئيس القائد حافظ الأسد.