يعد جان جاك روسو رسول الإبداعية الأول، وقد دعي بأبيها البار فهو الذي وضع الغريزة مكان العقل، وفي ذلك يقول الكاتب (أبي بولوني Abbé Bolongne) (الإنسان ليس عقلاً فحسب، ولكنه خيال وشعور). ولهذا الاعتبار الجريء كان روسو في كتابه (هيلوييز الجديدة Nouvelle Héloise) يعد المؤسس الأول، إذ وصف لنا الطبيعة الكئيبة، والإحساس المضطرب والحب اليائس، وكل ذلك قد استوحاه من بحيرة ليمان في سويسرا، هناك في رياض هذه البحيرة الشاعرة... بين ضفافها الريانة... وبين أشجارها الفينانة... كان يجلس روسو ويتمتع بجمال الطبيعة الخالد ليسطر لنا بعض رسائله. يقول الكاتب أندري موكلون André Moglond : (إن مؤلف هيلوييز الجديدة لم تكن لـه شهرة تخلده إلا بأثره هذا بعد موته). وإذا ما تصفحنا كتابه (الاعترافات Les confessions) الذي يعد بحق إنجيل الإبداعية الثائرة، وفي كتابه (أحلام متنزه منعزل Peveries du Promeneur Sobtaire )، ونجد فيها القلب الذي لا يحب إلا الطبيعة، ولا يشعر إلا بما يفيض من نفسه. فالحب والطبيعة هما اللذان يعيشان وحدهما في وجدانه، تلك هي الديانة التي بشر بها روسو فاعتنقها كثير من كتاب العصر، ولا بد لنا قبل أن نوضح هذه الديانة الجديدة في الأدب أن نذكر لمحة عن أوهام النفوس، التي كانت أشبه ما تكون بداء دفين.