إلى الأم العذراء مريم أم المسيح....
فهي: ممثلة العذرية الجوهرية..
وقد اختيرت لإنجاب من يفوق: الإعجاز والتخييل.. على نية بعث النفوس العذارى، بكل مستويات الحياة، أنوي كلماتي نذوراً وقرباناً...
كلُّ أنثى من النساءِ
وعذراءُ تلقَّت من الإله
اختياراً..
أيباحُ وأدُ العذارىَ في عصور ما بعد الإسلام؟ وكيف يُبعثَن بطهر الفطرة الأصيلة؟!
منذ أربعين عاماً.. على ضفافِ نهر العاصي: تشاجرت "غواني وجيه البارودي".. و"عذارى عمر موسى"..
واستطاعت الغواني: أن تقيِّدَ العذارى وأن تحجبَها في مثل عملية الوأدِ.. فعزلت من مجتمع الأدب.. وكتبت بصورة موجعة..
يظهر هذا الوجع في رسالة كتبها صاحب "عذارى" بعد أربعين عاماً؛ منها قوله:
كان ديواني "عذارى" القطاف البكر.. لكن بعض الشعراء الأعلام، آنذاك، وقفوا منه موقفهم من كلِّ جديد مستحدث، وعدُّوه بدعة وضلالةً..
وروي عن الشاعر وجيه البارودي، أو نسب إليه قوله فيه:
"وكان عجبي كبيراً، حين رأيتُ من يتصدَّى للفتى الشاعر في أول المعاناة الشعرية بهذا النقد العنيف؛ فقد كان صدمة لي: جعلتني أضع بيني وبين الشعر حجازاً استمر هذه الأعوام الطوال.." (1/12/1984).
وفي الرسالة: يشير إلى نصيحة سليمان العيسى بعدم نشره ثانية؛ "لأن التجربة لم يكتب لها الاستمرار، وحسبها: أنها تمثل صاحبَها في إطار نشاطه الثقافي"...
لكنه لم يأخذ بالنصيحة هذه المرة، إذا اعتبرنا تهكم وجيه البارودي سبباً رادعاً عن الشعر خلال أربعين سنة خلت من تاريخ نشر "عذارى" أول مرة.. وشجعه على بعث "عذارى": دارس "سربوني" يعد الدكتوراة عن أدباء سورية..
من جهتي: أذكِّر صديقنا الجمهوري، سليمان العيسى، بأنَّ من قصائد "عذارى" ما كتب دون العشرين.. وهو يُعلِّم الأطفالَ والشبابَ التمرُّدَ.. ويأسى لأطفالنا الذين يهرمون في العاشرة.. وأرى في قصيدة كتبها عمر في 30/3/1943؛ أي كان عمره: سبعة عشر عاماً.. ما يلخص الأفكار السليمانية في مناحي منها، كقوله:
وهذه القصيدة: تمثل صاحبها؛ فقد كتبها بسبعة عشر مقطعاً، وصوَّر بها تجربة المواجهة مع المنية.. ومن مقاطعها قوله:
اذكريني إلهتي.. أنت ذكرى
تنعش الروح برهةً في السَّماء
حيث أني أرى المنية سكرى
تتمشى في مهجتي كالدماء...
ذاك يومٌ يسوغ فيه التملِّي
هو حسن مقدَّسٌ في الوجود
نورزوني بسحر فيض التجلِّي
منه سفري مسطَّرٌ في الخلود..
إذا قورن مثلُ هذا الشعر بشعر وجيه البارودي في ديوانه "بيني وبين الغواني": تختلف النظرة؛ فالطبيب الشاعر يقول:
لقد انتصرت "غواني" وجيه المحاربات.. وهزمت "عذارى" عمر؛ ولأسباب أعمق من السخرية الشعرية؛ منها: مجتمعية.. ومنها: غريزية...
وجيه: ابن البارودي في حماة.. وعمر: يومذاك، من طبقة لا بارود لها.. هذه واحدة..
والثانية: ما تثيره كل من "العذارى والغواني".. من معاني: العذرية والعفة والطهارة.. ومن معاني الشهوة ورؤوسها الإخطبوطية..
مجتمعياً: تنتصر الشهوة كما تؤكد الوقائع..
فنيَّاً: تكون العفة أقوى على الإلهام..
يكفي لمعرفة انتصار الشهوة والغواني: أن تقرأ للعقاد، مقالته: "الإصلاح الأدبي"؛ ففيها عجَبٌ من التأكيد على شهوية المشاهير في هذا العصر، فعالمهم، كما يقول: "لا يختلف عن عالم الحمير.. عالم العلف والمزود والقيد واللجام والأتان.." (ص261 مراجعات في الآداب والفنون).
ويكفي الاستئناس بمثل "علم الجمال، لكروتشه": للتأكد من دور العفة في الإلهام..