أوضح الدارس الدكتور عمر موسى باشا بشكل دقيق ومفصل شجرة النسب التي ينحدر منها هذا الشاعر، والأماكن التي تنقل فيها، والعلوم التي تفوق بها على أقرانه من الشعراء والفقهاء وما ذكره الدارس عن اسمه ونسبه ولقبه وكنيته قولـه: هو "أبو الوفاء، قطب الدين عمر بن محمد بن محمد (الدمياطي) محتداً، (اليافي) شهرة ومولداً، (الغزي) وطناً، (الحنفي) مذهباً، (الخلوتي) طريقة، (البكري) مشرباً، (الحسيني) نسباً"، ولد الشاعر في مدينة يافا على ساحل بحر الشام سنة (1173هـ/1759م) وكان القرآن مدرسته، ومصدره فقرأه تعلماً، وتلاه تفهماً، وهو دون العاشرة من عمره "تجويداً، وحفظاً، وإتقاناً" وكان أستاذه الأول الذي شجعه على طلب العلم هو الشيخ علي الخالدي، ثم على يد الشيخ نور الدين علي الرشيدي، والشيخ شمس الدين محمد مهيار، والشيخ أبي التقي عبد القادر الطرابلسي، والشيخ شهاب الدين أحمد زائد الغزي، وغيرهم، لاستكمال علومه الدينية، والعلوم العربية، وكان أثر هذه المرحلة كبيراً في حياته.
بعد ذلك ارتحل إلى نابلس، ودعاه طموحه العلمي إلى متابعة رحلته إلى مصر، وقد عرف عنه أنه أخذ عن معظم شيوخها ممن يرتحل إليهم لطلب العلم، وهم كثيرون، ومع ازدياد وعيه الديني وثقافته العامة، بدأ يتوجه توجهاً صوفياً فانكب على قراءة كتب التصوف، وأشعارهم، كما بدأ يؤم مجالسهم، بعد ذلك عاد إلى فلسطين وبالتحديد إلى مدينة "غزة" وكانت عودته هذه نقطة التحول الرئيسة في حياته، وبعد أن استكمل ثقافته العلمية، واستقامت لـه علوم العربية، والمعارف الدينية، وتفتقت فنونه الذاتية، ومواهبه الإبداعية ونضجت عنده السلوكات الصوفية والعرفانية، فانخرط في مذاهبها، انتقل إلى بلاد الشام والحجاز فاستقر في دمشق، واتخذ لـه مكاناً يفيد فيه طلبة العلم، في مسجد بني أمية، عرف بالمشهد اليافي، ما زال حتى يومنا هذا معروفاً باسمه، يقول الشيخ عبد الباسط فاخوري زاده: "ثم استوطن دمشق الشام، ذات الثغر البسام، المملوءة وقتئذ بالأدباء والعلماء والأعلام، واتخذ لـه من جامع بني أمية حجرة كبيرة تعرف إلى الآن بـ (مشهد اليافي) لإفادة المريدين وإقامة الأوراد بكل احترام.
ويقعده المرض في أواخر العقد الستيني من عمره، ويشعر باليأس من الشفاء فيناجي ربه قائلاً:
وعندما يتسرب اليأس إلى نفس الشاعر، ويدرك أنه هالك لا محالة، ولم تعد تجدي نفعاً تلك العقاقير التي يأخذها، يتوجه إلى ذكر الله مقتنعاً أنه هو الدواء الأوحد وفي ذلك يقول:
ولم ينقطع الشاعر من التعبد والزهد وقول الشعر حتى أواخر أيامه، فقد نظم في ساعاته الأخيرة مقطوعة يمدح فيها النبي "ص" وقد توفي في "غُرة" ذي الحجة الحرام سنة (1233هـ/1818م)، ودفن بتربة مرج الدحداح وله قبر يزار، ويتبرك به بكل توقير وإكرام، وقد رثاه مريده الشيخ الشاعر أمين الجندي بمقطوعة رباعية ارتجلها يوم وفاته مخاطباً سحائب الرضوان والغفران:
وقد رثاه بقصيدة طويلة تبلغ واحداً وخمسين بيتاً وصف الشاعر فيها حزنه العظيم وأساه العميق على أستاذه الكبير لقد رحل عمر اليافي مخلفاً وراءه شعراً ضمنه ديوانه الكبير، ونثراً كثيراً جمعهما أحد أحفاده وتم طبع الديوان في محرم الحرام سنة 1312هـ، أي بعد وفاة الشاعر اليافي بتسع وسبعين سنة.. وتؤكد أقوال الحفيد الجامع لديوان جده أنه اعتمد على جماعة من محبيه الصادقين من العلماء والمتصوفة.. أما آثاره النثرية فهي ذات طابعين: طابع عام، وطابع خاص، وقد تبقى لنا منها ثلاثة عشر كتاباً وصلنا منها ستة كتب، وقد اهتم حفيده عبد الكريم جامع الديوان، فعقد الباب الثالث (في الرسائل والمخاطبات) وبلغ عددها سبعاً وخمسين مراسلة ومكاتبة والواقع أن هذه المكاتبات تدلنا على مكانة اليافي الصوفية، ومنزلته الفكرية، يضاف إلى ذلك أنه كان محترماً مسموع الكلمة في المقامات السياسية العليا بدءاً من السلطان العثماني نفسه، والصدر الأعظم كما رأينا ذلك من قبل.