أوراق مشاکسة

أحمد یوسف داود

نسخه متنی -صفحه : 236/ 205
نمايش فراداده

(أتصور لو أن المرأة هي التي حكمت مسيرة الحضارة فربما كنا الآن متخلفين تقنياً وعلمياً عما هو راهن بنحو من ألف عام، ولكن نعمة انتفاء الحروب، ونعمة المساواة في العلاقات بين الناس والدول والشعوب، والحكمة التي تحل بها المشكلات العالقة كانت ستبدو متقدمة بآلاف الأعوام عن أفضل ما ندعيه الآن).

وأول ما يخطر على البال هنا هو أن يهتف المرء ولو في قلبه:

-يا إلهي. لماذا لم تكن الأنثى هي التي حكمت مسيرة الحضارة؟! أفلا يمكن لها أن تبادر إلى ذلك الآن، ما دام الأمر الواقع بالسوء الذي هو عليه؟!

حقاً، لماذا لا تبادر إلى ذلك، وتحققه أيضاً.؟!

يقول علم النفس -التحليل النفسي وعلم النفس التحليلي لكل من فرويد ويونغ على التوالي، ثم المدارس الناشئة عن كل منهما أو عنهما معاً- بإجماع واضح مؤداه:

-إن الذكورة تتحقق في "الخارج" كاختراق هو تعبير العدوانية، بينما تتحقق الأنوثة في "الداخل" كحكمة هي تعبير الحفاظ على الحياة وتجددها الدائم.

الذكورة في الخارج تمارس عدوانيتها وتمشي نحو عدوانية جديدة كي تضمن الشعور باستمرار تحققها، وهي في ذلك تشتط فتدمر، وتخلق -بالقوة- ما يناسب شططها وتدميريتها من أحوال ومفاهيم ومعايير. أما الأنوثة فتمارس حكمة الطبيعة الرحمية التي تريد أن تهب الحياة، مجددة، ضد التشويه والتدمير.

أهو جدل الأضداد الأساس في تكوين العالم؟!… لعل الإجابة "بنعم" هي الإجابة الصحيحة، ولكن… لماذا كان الأمر هكذا؟! ولماذا تولد عن هذا الديالكتيك الحيوي كل ما عرفه تاريخ البشرية من مآسٍ؟! ولماذا لا يكون لهذا الديالكتيك توجه جديد تقوم فيه الأنثى بنفي التشويه العدواني الذكوري على الطبيعة والبشرية والحضارة معاً، بعد أن قارب هذا التشويه أعلى ذراه، وبإصلاح الوضع البشري إصلاحاً شاملاً قائماً على حكمة الأنوثة؟!

لعلها أسئلة تثير الاستخفاف والضحك الهازئين. ففي أساس التشويه الذكوري للوجود البشري تمّ تشويه الأنثى أولاً، وطُبِعَ على روحها الحلم الدائم بأن تكون ذكراً، وانغرس هذا في قرارة لا شعورها… حتى إن مطالبتها بالمساواة، أو ما يقال عن المساواة والتكافؤ بين الجنسين -على حد تعبيرات المنظمة المعنية في الأمم المتحدة ذاتها- لا تزيد عن كونها قبولاً ذكورياً لها "في وضعِ ذكورة مشوهة"، واللعب معها على قاعدة أن وضعها الذكوري المشوه المغروس فيها لا شعورياً بالقوة هو وضع صحيح، أي أن الأنوثة ذكورة مستحيلة ولكنها يجب أن تكون هكذا لأنها "مصلحة الأنثى" النهائية والحقيقية!! ترى، هل سيلعب الديالكتيك الحيوي المشار إليه قبلاً لعبته وفق قوانينه التي صارت الآن لا تعني أحداً تقريباً؟! ربما. وإن يكن في السؤال أمل يدعو إلى الضحك المر أو إلى السخرية من انتظار الأنثى لإصلاح الحضارة.

كلمة ختامية بشأن كتاب الأستاذ الغذامي:

-قد يكون دخول الأنثى إلى الكتابة بقوة أمراً طيباً أو مقدمة جيدة لمساواة حقيقية في إصلاح اللغة والتاريخ… ولكن، كيف يمكن اعتبار الأمر كذلك ما دامت تدخل من أبواب التشويه الذكوري وبالأدوات الذكورية ذاتها؟!