عقائد الإسلامیة

السید محمد شیرازی

نسخه متنی -صفحه : 52/ 29
نمايش فراداده

الفصل الثالث ـ النبوة

النبي صلى الله عليه وآله وسلم

أرأيت الأنظمة الفاسدة التي تدير دفتها الحكومات؟ أرأيت الحروب الطاحنة والأغلال التي على الناس من جراء القوانين المدنية؟ هل فكرت يوماً في أن إنساناً واحداً كم تضغط عليه العائلة والبيئة والحكومة وكم سلبت راحته العادة والعرف؟ هل فكرت إن الإنسان وهو حر مغلول يداه مقيد رجلاه مطوق عنقه على كل من لسانه وعينه وأذنه رقباء وثم لا ترجع المنفعة إليه وإنما قيدته بهذه القيود الجهل والاستعباد والاستغلال، الإنسان مسكين وأي مسكين..

انه ينشأ في ظلمات الرحم ثم يقيد بالمهد فإذا شب وزعم انه تخلص من السجون فإذا بكابوس الجهل والفقر وضغوط المرض والأنظمة الفاسدة تحيط به من الجهات الست.

فهو من سجن إلى سجن إلى سجن إلى أن يقبر.

إن الله خلق العالم بميزان عادل وقسطاس مستقيم فجعل لكل شيء صلاحاً ولكل حركة وسكون نظاماً فلو حاد عن ذلك النظام وزاغ عن القانون العام لكر فاسداً مفسداً، ولا يعرف هذا النظام إلا هو أو من جعل أزمته بيده وعرّفه مفاتيحه وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو(1).

والأنبياء هم وحدهم يعرفون سنة الله في الخلق فهم يعرفون الصلاح والفساد والرقي والانحطاط والتقدم والتأخر والذهاب والتقهقر، وأما من سواهم فلا يعرفون عن النظام الصالح شيئاً فلو كفلوا وضع الأنظمة وتقنين القوانين فسدوا وأفسدوا وساد الهرج وعم الفوضى والظلم ونجمت الحروب وانتثر عقد الاجتماع.

لو فرضنا أفراد الإنسان كأجهزة الماكنة الواحدة قلنا كما أن آلات الماكنة المتبددة لا يتمكن من تركيبها على نحو الصلاح ومقتضى الصنعة الأولية لها إلا المهندس الخبير العارف بكيفية التركيب والنصب حتى لو تكفل جاهل ذلك مهما أوتي من مال وسلطان لم يرجع إلا بإيقاف الماكنة وشلها عن الحركة والإنتاج ولو أخذنا أنه تمكن من تركيبها تركيباً ناقصاً عاد الأمر إلى خراب الآلات وضئالة الإنتاج، كذلك أفراد البشر هم كأجزاء تلك الماكنة يلزم وضع كل موضعه وتوجيه كل إلى ما فيه صلاح المجموعة البشرية وتحت نظام دقيق وميزان عادل فيلزم أولاً صوغ الفرد في قالب الكمال حيث يصلح أن يكون عضواً في المجتمع ثم تنظيم العائلة تنظيماً صحيحاً يعود كل فرد منهم جزءاً بناءاً للعائلة ثم تكوين الدولة التي تضم تحت جناحها شتيت العوائل بسن قوانين الخير والصلاح والرقي والهيمنة على المذاهب البشرية حتى يجري كل حسب المتوخى من العدل والإحسان.

والمنظم لمثل هذه الأمور لا يكون إلا الخالق الذي يعرف الخير والشر والحسن والقبيح والصلاح والفساد والعدل والجور لأنه هو الذي خلق وربى وأبدع وعلم بما في الضمائر من الغرائز والصفات والنزعات والإمكانيات، والمبلغ عن الله ليس إلا النبي الذي يوحى إليه أو خلفاؤه المهديون وأوصياؤه المؤتمنون.

وقد رأينا في تاريخ الإنسان الطويل أن كل جيل أخذوا بهدي الأنبياء وسلكوا الطريق المستن لهم بنور الوحي قلّ بل عدم فيهم الشرور وعاشوا في رفاه ودعة، وكل أمة رفضت الرضوخ لحكم المرسلين وثنت عطفها عن متابعة الأنبياء تاهت في فيافي الظلم والاعتساف والفوضى والهرج وكان عاقبة أمرها خسراً.

ويكفي دليلاً على المطلب مثال واحد.

إن المسلمين الذين أخذوا ببعض تعاليم الإسلام رأيناهم وقد حلّقوا إلى المستوى الرفيع وسادوا العالم في أقل من نصف قرن وصلح أمرهم واجتمع شملهم وارتفع قدرهم وظهر عزهم وبانت شوكتهم واستراحوا من أكثر الأغلال الاجتماعية التي كانت عليهم فحلقوا والغرب تئن تحت نير الاضطهادات في ظلم وقسوة وهمجية يستغيثون فلا يغاثون ويستجيرون فلا يجارون يسود فيهم الفوضى والطغيان ويحكمهم طواغيت الأرض ويسفك دماءهم جراثيم الأمم ويستذلهم طغمة الملوك حتى أخذوا قبل قرن بشيء من تعاليم الإسلام من حيث يشعرون أو لا يشعرون فاستراحوا وأراحوا وانتظم نوعاً ما أمرهم وساد فيهم الصلاح والعدل قدر ما أخذوا من التعاليم.

ولست أنا أقول هذا إن جورج جرداق وهو نصراني لا يدين بدين الإسلام يذكر في كتابه صوت العـــدالة الإنسانيـــة، إن عــليـــاً عليه السلام وهو عبد من عبيد محمد صلى الله عليه وآله وسلم على حد تعبير الإمام نفسه سبق مفكري فرنسا أم الحضارات في وضع وثيقة حقوق الإنسان باثني عشر قرناً تقريباً بل فضل عليهم في جودة القانون وإتقان النظام.

ثم نرى فرنسا هذه حيث تحيد عن قانون الحق التي تدعي إنها وضعت صيغتها فقبل قرن تغلب عليها الوحشية