* ولي أمر المسلمين آية اللّه السيدالخامنئي «دام ظلّه»
مقتطفات من كلمة ألقاها سماحته لدى استقباله رؤساء قوافل الحج بتاريخ 9 / ذي الحجة / 1414 هـ ومن ندائه إلى حجاج بيت اللّه الحرام بتاريخ 6 / ذي الحجة / 1414 هـ .
إنَّ المساعي التي تُبذل من أجل إرشاد الناس وتشجيعهم لاداء فريضة الحج بشكلها الصحيح لها قيمة كبيرة وأهمّية بالغة جدّاً.
والحج ـ في الحقيقة ـ من الفرائض الدينية الفريدة من نوعها ولا يوجد لها نظير في جميع التعاليم الاسلامية الاُخرى.
والجانب المعنوي للحج يطغى على الجوانب الاُخرى فيه، فعندما نلاحظ الصلاة مثلاً نرى أنـّها عمل لا يستغرق سوى دقائق يتفرّغ فيها الانسان لذكر ربّه سبحانه وتعالى.
أما الحج فمنذ بدايته وحتى الانتهاء من المناسك لا يوجد فيه إلاّ ذكر اللّه سبحانه وتعالى سواء كان ذلك في البيت الحرام، أو في المسعى الشريف، أو في عرفات، أو المشعر، أو منى، أو في الافاضة من محل لاخر، وفي جميع المواطن الاُخرى لهذه الفريضة المقدّسة.
أما الجانب الاخر ـ المهم ـ من جوانب الحج فهو الجانب المادي والدنيوي فيه، وهو جانب فريد من نوعه أيضاً.
فالحج فريضة لا تخصُّ فرداً دون آخر، أو شعباً دون غيره، بل هي فريضة تخصُّ الاُمة الاسلامية جمعاء.
فاللّه سبحانه وتعالى دعا الناس وفرض عليهم الحج في أيام معلومات; في الوقت الذي كان يمكن أن يكون ذلك على طول أيام السنة بدلاً من تلك الايام المعلومات.
وهذا يعني أنّ هناك نقطة أساسية لابدَّ من الالتفات إليها وهي: أنّ اللّه سبحانه وتعالى لا يريد من توجيه دعوته للناس في أيام الحج مجرد جمعهم في مكان معيّن هو مكّة المكرَّمة; إذ لو كان الهدف هو هذا لامكن أن يكون ذلك على طول أيام السنة وليس في أيام معيَّنة ومعلومة.
إذن ما هو الهدف من جمع المسلمين في مكان واحد وزمان واحد؟
إنَّ الاجابة عن هذا السؤال تكمن في أنَّ الهدف الاساسي من هذا التجمُّع هو أن يشعر المسلمون أنـّهم مع بعضهم البعض، وإلى جانب البعض، ولكي يشعروا بالوحدة والاتّحاد، ويحسّوا بالعظمة والكرامة.
وعلى هذا فما هو الهدف الحقيقي من إرسال كلّ شعب من الشعوب الاسلامية لمجموعة من أفراده ليجتمعوا في مكان واحد وزمان واحد؟
وما هو الهدف الذي من أجله دعا اللّه سبحانه وتعالى الناس أن يجتمعوا في مكان واحد وزمان واحد ويؤدّوا أعمالاً واحدة ويفيضوا سوية (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) ويطوفوا في البيت معاً؟
فهل الهدف من كلّ ذلك أن يذهب المسلمون إلى مكّة ساكتين ويعودوا إلى بلدانهم ساكتين بعد أن أدّوا أعمالاً عباديّة جافة؟ أو هل الهدف هو إبراز الاختلاف بين المذاهب الاسلامية خلال أيّام الحج؟
إنَّ الاجابة عن هذه التساؤلات تكمن في الرجوع إلى القرآن الكريم، وكما قال الامام الصادق(عليه السلام): «يُعرف هذا وأشباهه من كتاب اللّه» حيث يعتبر الحج بهذا الشكل من المفاهيم الاسلامية والقرآنية التي يجب معرفتها على كلّ مسلم.
وإنَّ اجتماع المسلمين في أيّام الحج وتجمّعهم في مكان واحد ليس له إلاّ فائدة واحدة وهدف واحد، وهو البحث والتفكير في مصير الاُمة الاسلامية ومستقبلها، واتّخاذ خطوات عملية لحلّ المشاكل التي يعيشها المسلمون في العالم.
ولابدَّ من استغلال مؤتمر الحج ـ ذلك الاجتماع المهيب للمسلمين في الديار المقدّسة ـ من أجل تشكيل مجلس شورى يتكوَّن من عدَّة آلاف من الاشخاص، يكون أعضاؤه شخصيات بارزة ومنتخبة من مختلف الشعوب الاسلامية.
ويجب على هذا المجلس أن يعرض قراراته التي يتّخذها على الحجاج في موسم الحج; من أجل إقرارها والموافقة عليها، وبعد ذلك يتمّ إبلاغها إلى الحكومات والشعوب الاسلامية كافة.
وهذا هو الوجه الافضل لاستثمار هذا الاجتماع المهيب لمسلمي العالم.
إنَّ واجب المسلمين في الوقت الحاضر هو إبراز حرصهم وتمسُّكهم بمصالح الاسلام السامية، وتركيز الوحدة فيما بينهم، وإظهار براءتهم بشكل صريح من جميع أعداء الاسلام في العالم. وهذه أصغر المسؤوليات الملقاة على عاتق المسلمين في أيـّام الحج المباركة.
إنَّ البراءة من المشركين في أيّام الحج ليست شيئاً مبتدعاً أو أمراً خارجاً عنه، بل هي جزء من الحج وهي روحه ومعناه الواقعي.
إذ كيف يمكن لانسان له معرفة بالاسلام وبآيات الحج في القرآن الكريم وبأهمّية الوحدة بين المسلمين أن لا يعرف بأنَّ الهدف من هذا الاجتماع العظيم هو إحياء المفاهيم السياسية والالهية وتحكيم الوحدة بين المسلمين وحلّ مشاكل العالم الاسلامي؟
فلا يجوز للذين لهم ارتباط بقضية الحج جرّ هذه الفريضة المحبّبة لدى المسلمين إلى المساومة والتناغم مع سياسات القوى الكبرى في العالم. وكلّ من يحاول تحويل الحج إلى قضية سياسية بهذا المعنى فإنـّه خائن لهذه الفريضة الاسلامية المقدَّسة.
ولكن إذا اُفرغ الحج من مضمونه السياسي الاسلامي فأين يستطيع المسلمون طرح قضاياهم ـ ذات الدرجة الاُولى من الاهمّية ـ ويرفعوا أصواتهم ضدّ الظلم والاجحاف الذي يتعرَّضون له في كلّ مكان من العالم؟
وهل يستطيعون القيام بذلك في غير موسم الحج؟ انظروا ما يقوم به الظالمون ضدّ المسلمين في اُوربا.
إنَّ القضية البوسنية ولا سيّما الاحداث الاخيرة في مدينة غوراجده تثير الحزن والاسى في قلب كلِّ إنسان حرٍّ شريف. وإنَّ أيَّ إنسان لا يستطيع ـ وبأيِّ بيان ـ أن يصف حجم تلك المأساة وهول تلك الفاجعة. ومهما بلغ الوصف فهو دون الحقيقة. وإنَّ أقطاب النظام الاستكباري جلسوا يتفرّجون وينتظرون متى يتمّ القضاء على الضحيّة التي تُذبح أمامهم، وتلك الضحيّة هم مسلمو يوغسلافيا السابقة الذين كانت جريمتهم الوحيدة هو تمسُّكهم بالاسلام.
إنَّ ما أغضب الدول الاستكبارية المسيطرة على العالم هو وجود دولة في وسط اُوربا يعتنق شعبها الدين الاسلامي الحنيف.
إنَّ المنظمات الدوليّة ولا سيّما الاُمم المتحدة أدَّت امتحانها بشكل سيّئ ومُخز تجاه الظروف المأساويّة التي يعيشها المسلمون في مختلف أنحاء العالم، ولا سيّما تجاه مأساة البوسنة. وإنَّ السكرتير العام الذي يقف على قمة الهرم للاُمم المتحدة قد سجَّل لنفسه سابقة مُخزية وسيّئة سوف لا يصلحها أيُّ شيء.
إنَّ مسلمي العالم يشاهدون اليوم ما يحدث من مجازر في البوسنة. وقد طلبوا من الاُمم المتحدة السماح لهم بإرسال قوّات إلى هناك لمساعدة المسلمين، إلاّ أنّ الاُمم المتحدة رفضت ذلك بحجّة وجود الحظر التسليحي على جميع أطراف النزاع هناك.
فالصرب يمتلكون في الوقت الحاضر جميع الامكانيات التسليحية لدولة يوغسلافيا السابقة ـ تلك الدولة التي ساندت العراق تسليحياً ولسنوات طويلة في حربه ضدّ الجمهورية الاسلامية ـ بينما يقف المسلمون عزّلاً من كلِّ سلاح.
وإنَّ الاستكبار العالمي يخادع عندما يعلن عن الحظر التسليحي لجميع أطراف النزاع بحجّة الحياد بينها. فمثل هذا الحياد ليس له أيُّ معنى; لانَّ هناك طرفاً يمتلك كلّ أنواع الاسلحة، وطرفاً لا يمتلك أيَّ شيء. فإذا كانت القوى الاستكبارية صادقة في نواياها فإمّا أن تأخذ السلاح من يد المسلَّح أو تُسلِّح الاعزل; حتى يستطيع الدفاع عن نفسه.
إنَّ وصمة العار هذه سوف لن تُمحى من جبين النظام العالمي الجديد الذي يدَّعي إدارة العالم وتدبير شؤونه.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هو واجب المسلمين في مثل هذه الظروف الحسّاسة والمصيريّة؟ وهل هناك طريق غير الحج لابراز مثل هذه الظُلامات؟
إنَّ الشيء الذي يُخيف القوى الاستكبارية ويوقفها عند حدِّها هو اجتماع النّاس واتّحادهم، والحضور الفعّال للشعوب في ساحات المواجهة مع الاستكبار، وليس المؤتمرات التي تعقدها الحكومات وتُتّخذ فيها قرارات لا تقدِّم ولا تؤخِّر.
فكم عدد القرارات التي صدرت ضدّ العدو الصهيوني لحدِّ الان، وماذا كانت نتائجها؟
إنَّ من أروع صور الحضور للمسلمين في ساحات المواجهة مع الاستكبار العالمي هو التجمّع المليوني في موسم الحج فهل من العدل التفريط بمثل هذا الاجتماع وعدم استغلاله في حلِّ مشاكل العالم الاسلامي ورفع الظلم والاجحاف عن المسلمين في كلِّ مكان؟
وهل يعني هذا الامر تسييس الحج بمعناه السلبي، حتى يمكن الاعتراض على الجمهورية الاسلامية بأنـّها جعلت من قضية الحج قضيةً سياسية؟
إنَّ البراءة من المشركين هي جزء من الحج وهي روحه وحقيقته، وهي تعني أنَّ المسلمين يجتمعون في هذا الموسم; ليرفعوا أصواتهم بوجه الوحوش القتلة وحماتهم، ومن يتّخذ القرارات في المنظّمات الدولية لصالحهم.
فهل يمكن فصل الحج عن هذا المفهوم الاسلامي؟
إنّنا سنؤدّي واجبنا وتكليفنا في الحج ولا ننتظر المبادرة من الاخرين ولا يعيقنا تهاونهم عن أداء المسؤولية الملقاة على عاتقنا ـ بعون اللّه ومشيئته ـ .
إن القرآن يطلق على أعمال الحج اسم (الشعائر) وهذا يعني انّها لا تنحصر في أعمال فردية وتكاليف شخصية، بل انّها معالم تثير شعور الانسان، وتفتح معرفته على ما ترمز له تلك المعالم وتدلّ عليه. ووراء هذه المعالم يقف التوحيد، أي رفض كلّ القوى التي تهيمن بشكل من الاشكال على جسم الانسان وروحه، وترسيخ الحاكمية الالهية المطلقة على كل الوجود. وبعبارة واضحة مألوفة: حاكمية النظام الاسلامي والقوانين الاسلامية على الحياة الفردية والاجتماعية للمسلمين.
وفي آيات الحج نرى القرآن يدعو الجميع الى البراءة من أوثان المشركين: (فاجتنبوا الرجس من الاوثان). وهذه الاوثان قد تكون يوماً تلك الاوثان المنتصبة في الكعبة، لكنّها هي اليوم ودائماً دون شكّ تلك القوى التي تمسك ـ دون حق ـ بمقدّرات نظام حياة البشر، وتتجلّى اليوم بوضوح أكثر في هيمنة الاستكبار وهيمنة أميركا الشيطانية وهيمنة ثقافة الغرب والفساد والتحلّل المفروض على البلدان والشعوب المسلمة. واضح أنّ أذناب الحكومات المهزوزة ومأجوريها سيصرّون على انّ الاوثان ليست إلاّ (مناة) و(اللات) و(هبل)... هي نفس الاوثان التي سُحقت وحُطّمت تحت أقدام جيش رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) في الفتح الاسلامي الظافر.
انّ هدف وعّاظ السلاطين هؤلاء أن يفرغوا الحج ـ كما يصرّحون هم أنفسهم بذلك ـ من أي محتوى سياسي..! غافلين أنّ نفس هذا التجمّع المليوني الاسلامي القادم من كلّ حدب وصوب في بقعة معينة وفي زمان معين ينطوي بنفسه على أكبر مضمون سياسي. إنّه استعراض للامة الاسلامية تذوب فيه الاختلافات العنصرية واللغوية والجفرافية والتاريخية، وينبثق من هؤلاء (كلٌّ) واحد.
هؤلاء وأسيادهم يلفّقون كلّ ألوان الاكاذيب والخداع والاباطيل من أجل أن لا يعي المسلمون حقيقة هذا التجمّع الكبير، وأن لا يستشعروا الروح الجماعية فيه.. ولكي يضيّقوا الساحة على الداعين الى الوحدة والمنادين بالبراءة من أئمة الشرك.
إن إيران الاسلام أرادت أن تقوم بما يتناسب مع موضوع الحج وهو دعوة المسلمين الى الاتحاد وإعلان النفور والبراءة من أئمة الشرك والفساد. وكلّ من يضع عقبات أمام هذه الاهداف السامية القيّمة فهو مهما قال فقد قال زوراً. والقرآن يقول: (واجتنبوا قول الزور).
إن (قول الزور) هو ذلك الحديث الباطل الذي يسيء الى الجمهورية الاسلامية، لانّ الجمهورية الاسلامية رفضت سيادة الصهاينة على فلسطين الاسلامية، ورفضت كلّ تسوية يقوم بها حفنة من الفاسدين المطرودين مع الغاصبين، وأدانت التدخّل الاميركي الهيمني في البلدان العربية، واستنكرت خيانة بعض حكام العالم الاسلامي شعوبهم المسلمة إرضاءً لاميركا والصهيونية، ودعت المسلمين الى معرفة قوّتهم الكبرى التي لا تقوى أية قوة كبرى اليوم أن تصمد بوجهها، وقرّرت انّ المعرفة الاسلامية وأحكام الشريعة قادرة على إدارة البلدان الاسلامية، وحذّرت من غزو الثقافة الغربية للبلدان الاسلامية ممثلة في التعرّي والسكر وزلزلة الايمان.. وبعبارة موجزة أصرّت على اتّباع القرآن.
ومن المدهش انّ وعّاظ السلاطين أيضاً في بعض مناطق العالم يحذون في هذا العمل الحرام المعادي للاسلام حذو الابواق الاميركية والصهيونية. طبعاً الاستسلام المطلق أمام حكّام الجور ـ الذي ابتلي به مع الاسف رجال الدين في بعض البلدان الاسلامية ـ لا يدع مجالاً للدهشة والتعجّب.
ها هو ذا الحج ماثل أمامكم، ولابدّ أن يعمّ عطاء هذه النعمة الالهية الكبرى كلّ أبناء الاُمة الاسلامية، فاللّه سبحانه قال: (جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قياماً للناس). فلابدّ أن يستثمروه لاقامة وصلاح دينهم ودنياهم.
إنّ دين المسلمين اليوم معرض للخطر بسبب الغزو الثقافي العدواني وإشاعة الفساد والظلم وزلزلة الايمان والتحلل بين المجتمعات الاسلامية على يد القوى المعادية للاسلام وبمساعدة وسائل إعلامهم.
ورأس هذا الهجوم الشامل على الاسلام طبعاً هو الشيطان الاكبر أي حكومة الولايات المتحدة الاميركية. وكلّ عين بصيرة تستطيع أن ترى يد هذه الحكومة المتربّصة بالاسلام، أو مراميها وراء ما يحلّ بالاسلام والمسلمين من مصائب.
إن أيـّة حكومة أو جماعة رفعت شعار الاسلام وسعت الى تحكيم الاسلام تتعرض دون قيد أو شرط الى إهانة أميركا وتُهمها وتشدّدها وعدائها الخبيث. ومن الامثلة الواضحة: حكومة السودان، والجماعة الاسلامية في الجزائر، وحزب اللّه في لبنان، وحماس والجهاد الاسلامي في فلسطين، والاسلاميون في مصر وأمثالهم.
في كلّ هذه المواضع، تسلك عناصر الاستكبار العالمي وخاصة أميركا سلوكاً متعصبّاً يشبه السلوك القبلي في المجتمع العشائري.
وحديث العداء الاميركي الحاقد تجاه إيران الاسلام حديث ذو شجون.. هذا العداء المليء بالسخط والاجحاف، والخائب بمشيئة اللّه وفضله، لا يخفى على الكثيرين في أرجاء العالم.
بعد كلّ هذا، ألا تتحمّل الاُمة الاسلامية الكبرى وزعماؤها وساستها ومثقّفوها وعلماء الدين في مجتمعاتنا مسؤولية تجاه هذا الوضع المؤلم للمسلمين في جميع أرجاء العالم؟!
وهل يجد اُولئك المؤمنون بكلام رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) حيث يقول: «من أصبح ولم يهتمّ باُمور المسلمين فليس بمسلم». موضعاً لاظهار هذا الاهتمام أفضل من الحج، وزماناً أفضل من الايام المعلومات؟
من المؤكّد أنّه لم يكن اعتباطاً اختيار رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ايام الحج لاعلان البراءة من المشركين، وهو عمل سياسي تماماً في إطار السياسة العامة للنظام الاسلامي والدولة الاسلامية، وإبلاغ النداء القرآني الالهي: (وأذان من اللّه ورسوله الى الناس يوم الحجّ الاكبر انّ اللّه بريء من المشركين ورسوله فإن تبُتُم فهو خير لكم وإن تولّيتم فاعلموا أنّكم غير مُعجزي اللّه وبشّر الذين كفروا بعذاب أليم).
نعم، الحج فريضة يمكن أن تحلّ بها وفيها أهمّ المشاكل السياسية للاُمة المسلمة. وبهذا المعنى فإنّ الحج فريضة سياسية، ويتّضح هذا بجلاء من طبيعة هذه الفريضة وخصائصها. واُولئك الذين ينكرون ذلك ويدعون الى ما يخالفه يعارضون في الواقع حلّ تلك المشاكل. الحج ـ بشكل موجز ـ فريضة اُمة، فريضة وحدة، فريضة اقتدار المسلمين، وفريضة إصلاح الفرد والمجتمع. انّها بعبارة واحدة فريضة الدنيا والاخرة.
اُولئك الذين يرفضون المحتوى السياسي للحج إنّما يستهدفون في الواقع فصل الاسلام عن السياسة، شعار فصل الدين عن السياسة هو ذاته الذي بشّر به أعداء حاكمية الاسلام على المجتمعات الاسلامية منذ عشرات السنوات. واليوم إذ اُقيمت حكومة على أساس الشريعة الاسلامية المقدّسة في إيران، وإذ يتصاعد شوق إقامة الدول الاسلامية في كلّ العالم الاسلامي، فانّ ذلك الشعار يطرح بشكل أكثر حدّة وقلقاً من أي وقت مضى، وأينما توفّرت أرضية تحقّق هذا الهدف فإنّهم ـ إن استطاعوا ـ يدخلون معه في مقارعة خشنة جادّة.
حاكمية الاسلام تتضمّن مقاومة تدخّل المستكبرين في البلدان الاسلامية، وتستلزم كفّ يد أذناب هذه القوى وعبيد الشيطان وشيطان الاستكبار عن إدارة هذه البلدان.
فمن الطبيعي إذن أن يكون الاستكبار وأذنابه والشياطين وأتباعهم ساخطين وغاضبين بهذا القدر على حاكمية الاسلام، وبنفس هذا القدر يجب أن يكون المؤمنون باللّه واليوم الاخر والمعتقدون الحقيقيون بالاسلام ملتزمين بتحقيق هذه الحاكمية ومجاهدين في سبيلها.
وأتقدّم هنا بتوصيات الى جميع الحجاج بمايلي:
1 ـ اغتنموا هذه الفرصة لبناء النفس والانابة والتضرّع، وخذوا منها زادكم المعنوي لجميع عمركم.
2 ـ اسألوا اللّه سبحانه أن يفرّج عن المسلمين مشاكلهم الكبرى، وكرّروا هذا الطلب مرات ومرات في أدعيتكم ومناجاتكم.
3 ـ اغتنموا كلّ فرصة للتعرّف على المسلمين الوافدين من جميع أرجاء العالم واستفيدوا مما في مجريات حياتهم من جوانب سلبية أو إيجابية. وعلى المسلمين غير الايرانيين خاصة أن يسمعوا حقائق وقضايا إيران الاسلام من لسان اخوتهم الايرانيين، ليميّزوا الصحيح عن غير الصحيح مما سمعوه بشأنهم من الاعلام العالمي.
وليسعوا اليوم ودائماً أن يستوعبوا تعاليم الامام الراحل العظيم الامام الخميني (رضوان اللّه تعالى عليه) بشأن ما يرتبط بقضايا المسلمين وأن يتعرّفوا عن قرب وبشكل أفضل على هذا المصلح الكبير في تاريخ الاسلام.
4 ـ انقلوا كلّ معلوماتكم الصحيحة عن وضع الاُمّة الاسلامية أو عن بلدكم الى المسلمين القادمين من البلدان الاُخرى.
5 ـ في حديثكم مع إخوتكم المسلمين من أي صقع كانوا ركّزوا على قضية (الامة الاسلامية) والنظرة الشمولية التوحيدية للعالم الاسلامي، ولتتجاوز أفكاركم وأفكار من تحاورونه إطار الحدود الجغرافية والعنصرية والعقائدية والحزبية وأمثالها وارتفعوا الى مستوى هموم الاسلام والمسلمين.
6 ـ ذكّروا مخاطبيكم دائماً بما أنعم اللّه به على المسلمين من نفوس تزيد على المليار وبلدان تبلغ العشرات ومن ثروات مادّية ومعنوية ضخمة وتراث ثقافي وحضاري وديني وأخلاقي عظيم.
7 ـ حطّموا اسطورة قدرة الغرب التي لا تقهر! وخاصة أميركا. هذه الاسطورة التي يحاول الاستكبار العالمي دائماً أن يلقيها في أذهان المسلمين عن طريق تهويل قوّته. وذكّروا أنفسكم وذكّروا المسلمين الاخرين انّ قوة المعسكر الشيوعي كانت تبدو انّها لا تقهر قد تحطمت منذ قريب أمام أعين هذا الجيل وأصبحت أثراً بعد عين.. القوى المتعملقة الحالية ومنها قوة أميركا هي الاُخرى من الممكن أن تنهار بنفس السهولة وينقطع أثرها.
8 ـ ذكّروا علماء الدين والمثقّفين في البلدان المسلمة بمسؤوليتهم الكبرى الثقيلة دائماً، وذكّروا الاخرين أيضاً بذلك.
9 ـ انطلاقاً من واجب النصيحة لائمة المسلمين ذكّروا زعماء البلدان الاسلامية بمسؤولياتهم تجاه الاُمة المسلمة وتجاه إقامة وحدة المسلمين والابتعاد عن القوى الاستكبارية، ذكّروهم بضرورة التوجّه الى شعوبهم والاعتماد عليها وإقامة العلاقة الحسنة بين الشعوب والحكام، واطلبوا من اللّه سبحانه إصلاح اُمورهم.
10 ـ كونوا متفهِّمين دائماً انّ مسؤولية الزعماء لا تعني رفع المسؤولية عن كلّ فرد من أفراد الشعوب المسلمة، فكلّ أبناء الاُمة يستطيعون أن يكون لهم دور فاعل في كلّ هذه الاهداف الكبرى.