هو الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي ،ثالث السفراء في الغيبة الصغرى للإمام الحجّة بن الحسن صاحب العصر والزمان (عج) ، مرقده ببغداد جانب الرصافة ، مشهور ومعروف مشيّد عامر ، فوق قبره شبّاك مجلّل ، يزدحم عليه الزائرون والمتعبّدون ، وتقام فيه الصلوات المفروضة جماعة من بعض أئمة علماء الشيعة الإمامية ، وآخر عالم لهذا الجامع ـ عندما كنت في بغداد ـ السيّد جعفر شبّر(قدس سره) . يقع قبره في (النوبختية) في الدرب الذي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذ إلى التلّ والدرب الآخر إلى (قنطرة الشوك) ، بهذا عرفت قديماً ، كما صرّحت به النصوص التاريخية ، وفي عصرنا يعرف موضع قبره في (سوق الشورجة) التجاري ببغداد في زقاق غير نافذ ، ويعدّ مرقده اليوم من المراكز الشيعية الإمامية ببغداد ، وله حرم وضريح في وسط جامع ، عامر بالمصلّين وقبّة كبيرة شاهقة . كان الشيخ أبو القاسم عطّر اللّه مثواه من أوثق الناس وأعظمهم وأدهاهم وأعرفهم بالاُمور ، مبجّل عند الخاصّة والعامّة ، وكانت العامّة تعظّمه وترى فيه الصدق والمعروف ، ولين الجانب ، وعدم المعاندة ، وكان يحسن استعمال مواطن التقيّة ، حتّى اُثر عن العامّة ببغداد ـ في ضمن أحاديث ـ أنّهم كانوا يحملون على من يرميه بالرفض والعناد[1] . استلم السفارة بعد وفاة الشيخ الخلاّني سنة 305 هـ إلى يوم وفاته(رحمه الله)في شهر شعبان من سنة 326 هـ فكانت مدّة سفارته 21 سنة . ولم نجد تحديداً لتاريخ ولادته ، وأوّل ما يعرف كوكيل مفضّل لأبي جعفر محمّد بن عثمان العَمْري ، يلقي إليه بأسراره لرؤساء الشيعة ، وكان خصيصاً به ، حتّى أنّه كان يحدّثه بما يجري بينه وبين جواريه لقربه منه واُنسه به ، فكان قريباً من نفوس الشيعة ، محبّباً إليهم لمعرفتهم باختصاصه بأبي جعفر وتوثيقه عندهم ، وانتشار أخبار فضله ودينه ، وما كان يحتمله من هذا الأمر ، فمُهّدت له الحال في طول حياة أبي جعفر العمري ، إلى أن انتهت الوصيّة بالنصّ عليه في خلافته بالسفارة للناحية المقدّسة ، فلم يختلف في أمره ولم يشكّ فيه أحد[2] . وقد روي أنه قدم بعض الموالين بمال على أبي جعفر العَمْري مقداره أربعمائة دينار للإمام(عليه السلام) ، فأمره بإعطائها إلى الحسين بن روح ، وحين تردّد هذا الشخص في ذلك ، باعتبار عدم وصول السفارة إليه يومئذ ، فأكّد أبو جعفر عليه ذلك ، وأمره مراراً بإعطاء المال لابن روح ، وذكر له أنه ذلك بأمر الإمام المهدي(عليه السلام) ، وكأنّ ذلك تمهيد لتولّيه أمر السفارة في عهد أبي جعفر العَمْري ، سيّما إذا عرفنا أنّ تحويله المال إلى أبي القاسم بن روح قبل موت أبي جعفر بسنتين أو ثلاث[3] . وعندما اشتدّت بأبي جعفر العَمْري حاله ; اجتمع لديه جماعة من وجوه الشيعة ، منهم أبو علي بن همام ، وأبو عبداللّه بن محمّد الكاتب ، وأبو عبداللّه الباقطاني ، وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي ، وأبو عبداللّه بن الوجناء ، وغيرهم من الوجوه والأكابر . فقالوا له : إن حدث أمر ، فمن يكون مكانك ؟ فقال لهم : هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي ، القائم مقامي ، والسفير بينكم وبين صاحب الأمر(عليه السلام)، والوكيل والثقة الأمين ، فارجعوا إليه في اُموركم وعوّلوا عليه في مهمّاتكم ، فبذلك اُمرت ، وقد بلّغت[4] . وروي عن جعفر بن أحمد بن متيل ، وهو من متقدّمي أصحابه وأجلاّئهم، أنه قال: لمّا حضرت أبا جعفر محمّد بن عثمان العمري الوفاة ، كنت جالساً عن رأسه أسأله واُحدّثه ، وأبو القاسم الحسين بن روح عند رجليه ، فالتفت إليّ ثم قال : اُمرت أن اُوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح . قال ابن متيل : فقمت من عند رأسه ، وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني ، وتحوّلت إلى عند رجليه[5] ، إلى غير ذلك من تأكيدات أبي جعفر عليه ، وإعلانه لوكالته . والسبب المهم في هذا التأكيد ، هو كون الحسين بن روح ، لم يكن قد عاش تاريخاً حافلاً بإطراء وتوثيق الأئمة(عليهم السلام) كالسفراء السابقين ، ومن هنا احتاج أبو جعفر العَمْري أن يكرّر الإعراب عن مهمّته في إيكال الأمر إلى الحسين بن روح ، ودفع الأموال إليه في حياته ، لأجل ترسيخ فكرة نقل السفارة إلى الحسين بن روح ، وتوثيقه في نظر قواعده الشعبية الموالية لخطّ الأئمة(عليهم السلام) . وكان لأبي جعفر غير الحسين بن روح بعض الوكلاء في بغداد يصل عددهم إلى عشرة رجال ، وكان إذا احتاج إلى حاجة أو إلى سبب فإنه ينجزه على أيديهم ، ولم تكن للحسين بن روح خصوصيّة دونهم ، ولمّا كان وقت مضيّ أبي جعفر العَمري(رحمه الله) وقع الاختيار على الحسين بن روح، فكانت الوصية إليه[6] ، واُوكلت السفارة إلى الحسين بن روح ، فسلّم به الأصحاب ، وكانوا معه وبين يديه ، كما كانوا مع أبي جعفر(رضي الله عنه) . ولم يزل جعفر بن أحمد بن متيل من جملة أصحاب أبي القاسم بن روح وبين يديه كتصرّفه بين يدي أبي جعفر العمري ، إلى أن مات(رضي الله عنه)فكلّ من طعن على أبي القاسم الحسين بن روح فقد طعن على أبي جعفر العمري ، وطعن على الحجة(عليه السلام)[7] . تولّى الحسين بن روح مهام السفارة عن الإمام المهدي(عليه السلام) بموت أبي جعفر العَمْري سنة 305 هـ إلى أن لحق برضوان ربّه في شعبان 326 هـ ، فتكون مدّة سفارته حوالي 21 سنة . وكان أوّل كتاب تلقّاه الحسين بن روح من الإمام المهدي(عليه السلام) ، كتاب يشتمل على الثناء عليه ، وتعريفه إلى الرأي العام والأصحاب ممّن سار على خطّ الأئمة(عليهم السلام) ، وقد مثّل هذا الكتاب أهمّ وآخر خطوة في هذا الطريق، لكي يبدأ الحسين بن روح بعدها مهمّته بسهولة ويسر ، وقد دعا له الإمام المهدي(عليه السلام) في الكتاب ، وقال : عرّفه اللّه الخبر كلّه ورضوانه ، وأسعده بالتوفيق ، وقفنا على كتابه ، وثقتنا بما هو عليه ، وإنه عندنا بالمنزلة والمحلّ اللذين يسرّانه ، زاد اللّه في إحسانه إليه ، إنّه وليّ قدير ، والحمد للّه لا شريك له ، وصلّى اللّه على رسوله محمد وآله وسلّم تسليماً كثيراً . وقد وردت هذه الرقعة يوم الأحد لستّ خلون من شوّال سنة 305 هـ بعد حوالي الخمسة أشهر من وفاة أبي جعفر العَمْري ، الذي توفي في جمادى الاُولى من نفس العام[8] . وقد اضطلع أبو القاسم منذ ذلك الحين بمهام السفارة ، وقام بها خير قيام ، وتولّى في أيام سفارته الحملة ضدّ ظاهرة الانحراف عن الخطّ ، وادعاء السفارة زوراً ، بتبليغ القواعد الشعبية توجيهات الإمام المهدي(عليه السلام) في ذلك ، وشجبه لهذه الظاهرة بكلّ ما اُوتي من أسباب القوّة . وبقي أبو القاسم مضطلعاً بمهامه العظمى ، حتىّ لحق بالرفيق الأعلى عام 326 هـ ، ودفن في النوبختية في الدار التي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذة إلى التلّ ، أو إلى درب الآخر وإلى قنطرة الشوك(رضي الله عنه) ، وقبره اليوم في بغداد معروف ـ في أهمّ أسواق بغداد المعروف بـ «الشورجة» ـ يقصده الناس للتبرّك والزيارة[9] .
وكلاء الإمام المهدي(عليه السلام)
جاء في كتاب الغيبة وتاريخها أنّ الإمام المهدي(عليه السلام) أختار أربعة رجال خلال الغيبة الصغرى ، وأوكل إليهم مهمّة السفارة ، وعهد إليهم بأن يكونوا واسطة بينه وبين أتباع أهل البيت في مختلف المناطق ، وقد ذكرنا تراجمهم وبعض تواريخهم فيما تقدّم . وجاء أيضاً أنه(عليه السلام) قد أختار خلال فترة الغيبة الصغرى جماعة من ثقات الشيعة ، وأوكل إليهم مهمّة مساندة السفراء الأربعة في بعض مهامهم ، لتذليل الصعوبات التي كانت تعترض تحرّكاتهم بسبب مراقبة الحكّام وأجهزتهم . وكانت مهمّة الوكلاء محدودة بالقياس إلى مهمّة السفير ، ذلك لأن السفير كان يتّصل بالإمام(عليه السلام) مباشرة ، ويأخذ منه التعليمات والتواقيع ، ويقوم بأكثر مسؤولياته حسب التوجيه الذي يتلقاه منه(عليه السلام) ، في حين أنّ مسؤولية الوكيل في الغالب في حدود منطقته ، ولا تتعدّى استلام الأخماس ، وتسهيل اتصال الشيعة بالسفراء ليرفعوا إليهم حوائجهم، وتبليغ الأحكام والتوجيه ونحو ذلك . ومن الوكلاء :
1 ـ جابر بن يزيد ، وجاء فيه عن الحسن بن عبد الحميد أنه قال : شككت في أمر جابر ، فجمعت شيئاً ثمّ صرت إلى سامراء ، فخرج إلينا جواب الإمام(عليه السلام) : ليس فينا شكّ ، ولا فيمن يقوم مقامنا بأمرنا ، ردّ ما معك إلى جابر بن يزيد . 2 ـ ومنهم أبو طاهر محمّد بن علي بن بلال قبل انحرافه مع المنحرفين والمشعوذين ، وقد عبّر عنه الإمام المهدي(عليه السلام) في بعض التوقيعات المنسوبة إليه بالثقة المأمون العارف بما يجب عليه ، وليس ببعيد أن يكون في بداية أمره من الموثّقين ، ولكنّه انحرف بعد ذلك ، كما حدث لغيره ممّن كانوا من الثقات بين أصحاب الأئمة(عليهم السلام) ، ثمّ ظهر منهم ما يدلّ على الانحراف عن الجادّة [10] ، كما سيأتي بيانه . 3 ـ إبراهيم بن مهزيار ، وكان من وكلاء الإمام(عليه السلام) ، وسيأتي بيان ذلك في ذكر ابنه محمّد بن إبراهيم . 4 ـ ومنهم محمّد بن إبراهيم بن مهزيار ، وعدّه ابن طاووس من السفراء والأبواب الذين يختلف الإمامية فيهم ، كما جاء في جامع الرواة ، ولابدّ أن يكون المراد من سفارته ما يشمل الوكالة ، لأن انحصار السفراء الأربعة من المتّفق عليه بين الإمامية من أتباع أهل البيت(عليهم السلام) . وجاء في غيبة الطوسي أن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار كان يقول : شككت عند مضيّ أبي محمد العسكري(عليه السلام) ، وكان قد اجتمع عند أبي مال كثير ، فحمله وركب السفينة ، وخرجت معه مشيّعاً ، فوعك وعكاً شديداً ، فقال : ردّني فهو الموت ، واتّقِ اللّه في هذا المال ، وأوصى إليّ ومات . ومضى يقول : فحملت المال بعد الفراغ من أمره ، وقدمت العراق ، واكتريت داراً على الشطّ ، وبقيت أياماً ، فإذا أنا برسول معه رقعة فيها : يامحمّد ، معك كذا وكذا من المال ، وقصّ عليّ جميع ما تركه أبي من المال، ولم أكن أعرفه على حقيقته ، فسلّمت المال إلى الرسول ، وبقيت أياماً ، فخرج إليّ التوقيع يقول(عليه السلام) فيه : قد أقمناك مقام أبيك فاحمد اللّه[11] . 5 ـ ومنهم أحمد بن إسحاق بن سعد بن مالك الأشعري ، وكان واسطة بين القمّيين والأئمة : الجواد ، والهادي ، والعسكري(عليهم السلام) ، وأدرك شطراً من غيبة الإمام المهدي(عليه السلام) ، وهو الذي عرض عليه الإمام العسكري(عليه السلام)ولده المهدي(عليه السلام) حينما سأله عن خليفته ، وأراه إيّاه ، وحدّثه ببعض ما يكون من أمره خلال غيبته الصغرى والكبرى . وقد خرج التوقيع في مدحه مع جماعة منهم : إبراهيم بن محمّد الهمداني ، وأحمد بن اليسع[12] . 6 ـ ومنهم محمّد بن صالح بن محمّد الهمداني الدهقان ، وجاء في رجال الكشّي أنه ورد في توقيع الإمام المهدي(عليه السلام) إلى إسحاق بن إسماعيل : إذا وردت بغداد فاقرأه على الدهقان وكلينا وثقتنا الذي يقبض من موالينا . 7 ـ ومنهم أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي ، وقد وصفه الإمام المهدي(عليه السلام) بالأمانة والثقة ، وأمر بدفع الأموال إليه ، كما جاء في رواية النجاشي والشيخ في الغيبة ، وخرج التوقيع بحقّه : محمّد بن جعفر العربي ، فليدفع إليه ، فإنه من ثقاتنا ، وفي توقيع آخر : إن أردت أن تعامل أحداً فعليك بأبي الحسين الأسدي بالريّ[13] . 8 ـ ومنهم : القاسم بن العلاء من أذربيجان . 9 ـ ومحمد بن شاذان بن نعيم النيسابوري . 10 ـ والحسين بن علي بن سفيان البزوفري[14] . وغير هؤلاء ممّن أوكل إليهم الإمام(عليه السلام) بعض ما يهمّه من اُمور المسلمين وقبض الأخماس وقضاء الحاجات ، وكانوا يتّصلون بالإمام(عليه السلام) أحياناً عن طريق سفرائه ، الذين اعتمدهم لقضاء الحوائج وحلّ المشاكل ، واُخرى عن طريق المراسلة ، وكان بعض وكلائه وسفرائه(عليه السلام)يتعاطى مهنة التجارة التي تساعده على التجوّل وحريّة الحركة ، لتضليل أجهزة الحكم الذين كانوا يراقبون الإمام وتحرّكات سفرائه ووكلائه . هذا ملخّص ما عثرنا عليه في بعض المصادر المعتبرة ، واللّه وليّ التوفيق .
[1] مراقد المعارف : للشيخ محمّد حرز 1 : 249، طبعة قم 1412 هـ / 1992م . [2] راجع غيبة الطوسي : 227 . [3] راجع غيبة الطوسي : 224 ـ 225 . [4] راجع غيبة الطوسي : 227 . [5] راجع غيبة الطوسي : 226 . [6] راجع غيبة الطوسي : 225 . [7] راجع غيبة الطوسي : 225 . [8] راجع غيبة الطوسي : 228 . [9] الغيبة الصغرى/ محمد الصدر: 406،
المجالس السنيّة 5 :684، في رحاب أئمة أهل البيت (ع) 5 : 19، بحار الأنوار 51 : [10] راجع ترجمته في المجالس السنيّة 5 : 689، في رحاب أئمة أهل البيت(عليهم السلام) 5
: 22، بحار الأنوار 51 : 369 . [11] بحار الأنوار 51 : 364 / 12 . [12] بحار الأنوار 51 : 363 . [13] بحار الأنوار 51 : 362 . [14] راجع سيرة الأئمة الاثني عشر / الحسني 2 : 554 ـ 556 ، المجالس السنيّة 5 : 687،
في رحاب أئمة أهل البيت(عليهم السلام) 5 : 21 .