* عـز الدين سليم ( العـراق )
إن الدراسة الموضوعية لحديث الثقلين تجعلنا نلتقي بالحقائق الاتية:
ورد لفظ العترة بمعان عديدة في قواميس اللغة العربية، نذكر منها ما يلي:
«... والعِتْر ايضاً نبت يتداوى به مثل المرزنجوش، او شجر صغار الواحدة عترة ... والعترة قلادة تعجن بالمسك والافاويه، ونسل الرجل ورهطه وعشيرته الادنون ممن مضى وغبر، ومنه حديث ابي بكر: نحن عترة رسول الله(عليه السلام)وبيضته التي تفقأت عنهم، وكذا في الحديث: خلفت فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي، قيل: عترة النبي بنو عبد المطلب، وقيل: اهل البيت الاقربون، وهم اولاده وعلي واولاده»([1]).
واورد الشيخ الصدوق ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي(رضي الله عنه)معنىً مشابهاً للمعنى السابق نذكره فيما يلي «حكى محمد بن بحر الشيباني، عن محمد بن عبد الواحد صاحب ابي العباس ثعلب في كتابه الذي سماه كتاب الياقوتة أنه قال: حدثني ابو العباس ثعلب، قال: حدثني ابن الاعرابي وقال: العترة قطاع المسك الكبار في النافجة([2]) وتصغيرها عتيرة، والعترة: الريقة العذبة وتصغيرها عتيرة، والعترة شجرة تنبت على باب وجار الضب ـ واحسبه اراد وجار الضبع لان الذي للضب مكو([3]) والضبع وجار ـ ثم قال: واذا خرجت الضب من وجارها تمرغت على تلك الشجرة فهي لذلك لا تنمو ولا تكبر، والعرب تضرب مثلاً للذليل والذلة فيقولون: اذل من عِترة الضب. قال: وتصغيرها عتيرة، والعترة ولد الرجل وذريته من صلبه، فلذلك سميت ذرية محمد(صلى الله عليه وآله)من علي وفاطمة(عليهما السلام)عترة محمد(صلى الله عليه وآله). قال ثعلب: فقلت لابن الاعرابي: فما معنى قول ابي بكر في السقيفة نحن عِترة رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ قال: اراد بلدته وبيضته وعترة محمد(صلى الله عليه وآله)لا محالة ولد فاطمة(عليها السلام)، والدليل على ذلك رد ابي بكر وانفاذ علي(عليه السلام)بسورة براءة وقوله(صلى الله عليه وآله): أمرتُ ألاّ يبلغها عني إلاّ انا أو رجل مني، فأخذها منه ودفعها الى من كان منه دونه، فلو كان ابو بكر من العترة نسباً ـ دون تفسير ابن الاعرابي انه اراد البلدة ـ لكان محالاً اخذه سورة براءة منه ودفعها الى علي(عليه السلام). وقد قيل: إن العِترة الصخرة العظيمة يتخذ الضب عندها جُحراً يأوي اليه، وهذا لقلة هدايته، وقد قيل: إن العِترة اصل الشجرة المقطوعة التي تنبت من اصولها وعروقها، والعترة في (غير)([4]) هذا المعنى قول النبي(صلى الله عليه وآله): لا فرعة ولا عتيرة. قال الاصمعي: كان الرجل في الجاهلية ينذر نذراً على أنه اذا بلغت غنمه مائة أن يذبح رجبيته وعتائره([5])فكان الرجل ربما بخل بشاته فيصيد الظباء ويذبحها عن غنمه عند آلهتهم ليوفي بها نذره، وانشد الحارث بن حلزة:
عنتاً باطلاً وظلماً كما تُعـ ـتر عن حَجرة الربيض الظباء
يعني يأخذونها بذنب غيرها كما يذبح اولئك الظباء عن غنمهم. وقال الاصمعي: والعِترة الريح، والعترة ايضاً شجرة كثيرة اللبن صغيرة تكون نحو القامة([6])ويقال: العتر: الظباء الذكر، عتر يعتر عتراً اذا نعظ، وقال الرياشي: سألت الاصمعي عن العترة: فقال: هو نبت مثل المرزنجوش ينبت متفرقاً.
قال مصنف هذا الكتاب(رضي الله عنه)([7]): والعترة علي بن ابي طالب وذريته من فاطمة وسلالة النبي(صلى الله عليه وآله)، وهم الذين نص الله تبارك وتعالى عليهم بالامامة على لسان نبيه(صلى الله عليه وآله)، وهم اثنا عشر اولهم علي وآخرهم القائم(عليهم السلام) على جميع ما ذهبت اليه العرب من معنى العترة; وذلك أن الائمة(عليهم السلام) من بين جميع بني هاشم ومن بين جميع ولد أبي طالب كقطاع المسك الكبار في النافجة، وعلومهم العذبة عند أهل الحل والعقد([8]) وهم الشجرة التي قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): انا اصلها وامير المؤمنين(عليه السلام)فرعها والائمة من ولده اغصانها وشيعتهم ورقها وعلمهم ثمرها، وهم(عليهم السلام) اصول الاسلام على معنى البلدة والبيضة، وهم(عليهم السلام) الهداة على معنى الصخرة العظيمة التي يتخذ الضب عندها جحراً يأوي اليها لقلة هدايته، وهم اصل الشجرة المقطوعة لانهم وُتِروا وظلموا وجُفوا وقطِعوا ولم يوصلوا فنبتوا من اصولهم وعروقهم ولا يضرهم قطع من قطعهم وادبار من ادبر عنهم; اذ كانوا من قبل الله منصوصاً عليهم على لسان نبيه(صلى الله عليه وآله)، ومن معنى العترة هم المظلومون المأخوذون بما لم يجرموه ولم يذنبوه، ومنافعهم كثيرة وهم ينابيع العلم على معنى الشجرة الكثيرة اللبن، وهم(عليهم السلام) ذكران غير اناث على معنى قول من قال: إن العترة هو الذكر، وهم جند الله عزوجل وحزبه على معنى قول الاصمعي، إن العترة الريح. قال النبي(صلى الله عليه وآله): الريح جند الله الاكبر ـ في حديث مشهور عنه(عليه السلام) ـ والريح عذاب على قوم ورحمة لاخرين وهم(عليهم السلام)كذلك كما في القرآن([9]) المقرون اليهم بقول النبي(صلى الله عليه وآله): إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي. قال الله عزوجل: (وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خساراً)([10])، وقال عزوجل: (واذا ما أُنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه ايماناً فأمّا الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رِجساً الى رجسهم وماتوا وهم كافرون)([11]) وهم(عليهم السلام) المشاهد المتفرقة على معنى الذي ذهب اليه من قال: إن العترة هو نبت مثل المرزنجوش ينبت متفرقاً وبركاتهم منبثة في المشرق والمغرب»([12]).
ومما تجدر الاشارة اليه أن احتمال صرف لفظة العترة عن معناها الحقيقي ـ بسبب تعدد معانيها اللغوية ـ هو الذي جعل النبي الكريم(صلى الله عليه وآله)يشخص في حديثه المدلول الحقيقي الذي يقصده من ذكره للعترة ، حيث قرنها بلفظة «اهل بيتي»; ليقطع الطريق على المتلاعبين ويلقي الحجة على الامة عبر امتدادها التاريخي([13]).
ومن أجل ذلك ذكر عطية العوفي في احدى رواياته للحديث أنه عندما حدثه ابو سعيد الخدري(رضي الله عنه)مرة ولم يذكر لفظة اهل بيتي بعد عترتي «قلت لابي سعيد: من عترته؟ قال: اهل بيته»([14]).
من أجل تحديد المدلول الحقيقي للفظة أهل البيت الواردة في آية التطهير والاحاديث الشريفة، لابد من أن نحدد المراد لغوياً من مصطلح «اهل البيت» الذي حملته الاية الشريفة والاحاديث، كما وردت في كتاب الله العزيز وقواميس اللغة العربية، فإن استعراضاً سريعاً لمجمل الايات القرآنية التي تحمل اللفظين، أي اهل وبيت، اضافة الى قواميس اللغة يقودنا الى جملة من المداليل للفظين المذكورين.
فأهم معاني الاهل في القرآن الكريم واللغة العربية:
1 ـ الزوجة: فقد ورد في كتاب الله العزيز آيات كثيرة تحمل هذا المعنى. قال تعالى:
(فلما قضى موسى الاجلَ وسار بأهله آنس من جانب الطور ناراً قال لاهله امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون)([15]).
فأهل موسى(عليه السلام)المشار اليهم في الاية ليس غير زوجه([16]) التي خرج بها عائداً من مَدْين الى مصر ـ كما هو معلوم ـ وليس يصحبه احد سواها.
وقال عزوجل: ( قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلاّ أن يسجن او عذاب أليم)([17]).
والاهل هنا في الاية الكريمة هي زوج عزيز مصر لا غير، وفي كتاب الله نماذج اخرى من هذا القبيل.
2 ـ الاسرة من الزوجين والاولاد ومتعلقي الرجال، والى هذا المعنى اشارت جملة من آيات الذكر الحكيم.
قال تعالى: (إنا منجّوك وأهلَك إلاّ امرأتَك كانت من الغابرين)([18]).
وقال: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها)([19]).
فلوط النبي(عليه السلام)ـ كما تشير الاية الاولى ـ قد انجاه الله تعالى من العقوبة الدنيوية التي حلت بقومه، ولم ينجُ معه من العذاب غير ابنتيه، حتى امرأته التي خالفت خطه واندمجت في خط قومها نالها العذاب، ولقد عبر القرآن الكريم عن ابنتي لوط(عليه السلام)وزوجه بالاهل، على أنه تعالى استثنى زوجه من النجاة، فكان أهله بنتيه الناجيتين معه.
وفي الاية الثانية توجيه للمؤمنين ـ من خلال مخاطبة النبي(صلى الله عليه وآله)ـ الى حمل اسرهم ومتعلقيهم على الاهتمام بأمر الصلاة اداءً وحفظاً لوقت الاداء.
والمهم أن الاهل في الايتين تعني الاسرة بمعناها العرفي العام، فسمت الذرية أهلاً كما في موضوع لوط(عليه السلام)، ودعت الازواج والذرية ومتعلقي الرجل القاطنين في داره اهلاً كما في الاية الثانية.
3 ـ الاهل تعني اسرة الرجل الذين يندمجون في الخط الفكري الذي يحمل ويتبنى دون سواهم من افراد أسرته، والى هذا المعنى اشار القرآن الكريم.
(ونادى نوح ربه فقال رب إنّ ابني من أهلي وإن وعدَك الحقُّ وانت احكمُ الحاكمين * قال يا نوح إنّه ليس من أهلك إنه عملٌ غيرُ صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إنّي اعظُك أنْ تكونَ من الجاهلين)([20]).
فأهل نوح النبي(عليه السلام)الحقيقيون في مضمون الاية ليسوا كل من عاش في داره وربطتهم معه وشيجة القربى من أبوّة وسواها، وإنّما هم ـ فضلاً عن ذلك ـ السالكون لدربه والمؤمنون برسالته الالهية; ولذا نهاه سبحانه وتعالى أن يعد احد ابنائه ـ وهو منحرف عن الاسلام ـ في زمرة اهله، فكان أهله فحسب من حمل رسالته من زوجه واولاده وزوجات أولاده([21]).
4 ـ الاقارب والعشيرة، وقد ورد الاهل بهذا المعنى في قوله تعالى :
(وإنْ خِفتُم شِقاقَ بينِهما فابعَثوا حَكَماً من أهلهِ وحَكَماً من أهلِها)([22]).
(وشهِد شاهدٌ من أهلِها)([23]).
فقد جاء في توضيح المراد من الاهل في الاية الاولى أنهم اقارب الزوجين([24]).
كما حدد المفسرون المراد من الاهل في الاية الثانية بأقارب امرأة العزيز المصري، وقد قالوا عن الشاهد الذي فند مزاعمها بحكمه إنه ابن اختها او ابن عمها أو رجل غيرهما على اختلاف الروايات([25]).
5 ـ وجاء الاهل في القرآن الكريم بمعنى أبناء الرجل فقط كما يفيده قوله تعالى: (فكشفنا ما به من ضُرّ وآتيناه أهلَه ومثلَهم معهم رحمةً من عندنا وذِكرى للعابدين)([26]).
فالاهل الذين آتاهم الله تعالى ايوب النبي(عليه السلام)ـ بعد كشف الضرعنه ـ هم اولاده فحسب، وقد ضاعف الله تعالى عددهم بفضله، والى هذا المعنى نفسه اشارت آية متقدمة حين اعتبرت ابنتي لوط(عليه السلام) أهلاً له، وذكرت قصة نجاتهم دون امرأته المنحرفة عن سبيل الله تعالى (إنّا منجّوك وأهلَك إلاّ امرأتَك كانت من الغابرين)([27]).
6 ـ ومن معاني الاهل في القرآن الكريم أصحاب الشيء او اصحاب العمل كما تؤكده النصوص الاتية:
(ولا يَحيق المكرُ السيّىءُ إلاّ بأهلِه)([28]) أي اصحابه الذين عملوه. (إنّ اللهَ يأمُركم أنْ تؤدّوا الاماناتِ إلى أهلِها)([29]) يقصد اصحابها. (قال أخرقتَها لتُغرقَ أهلَها)([30]) أي الذين تحملهم من اصحابها وغيرهم من المستأجرين .
وهكذا يتضح جلياً أن كلمة « أهل » حين تطلق تحتمل عدة وجوه ـ كما رأينا ـ فربما تعني الزوجة فقط، أو الاولاد فقط، أو هي وهم معاً، أو الاقارب والعشيرة، أو الحملة لرسالة الرجل من أسرته دون سواهم، أو اصحاب الشيء والامر.
ولم ينفرد القرآن الكريم في طرح هذه المداليل الكثيرة لكلمة الاهل، وإنما شاركته قواميس اللغة العربية المعتمدة في هذا المضمار فقد قال الفيروز آبادي في قاموسه المحيط ما نصه في هذا الباب : «أهل الرجل: عشيرته وذوو قرباه «جمع» أهلون، وأهلان، وأهل يأهل ويأهِل أهولا وتأهل واتهل: اتخذ أهلاً.
وأهل الامر: ولاته، وللبيت سكانه، وللمذهب من يدين به، وللرجل زوجته كأهلته، وللنبي ازواجه وبناته وصهره علي(رضي الله عنه)أو نساؤه، والرجال الذين هم آله، ولكل نبي أمته، ومكان آهل: له أهل، ومأهول: فيه أهله ...»([31]).
وقد أوجز المعجم الوسيط في تعريفه لكلمة أهل فقال: «الاهل: الاقارب والعشيرة والزوجة، واهل الشيء: اصحابه واهل الدار ونحوها: سكانها...»([32]).
اما كلمة «بيت» التي وردت في مواضع عديدة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه فقد حملت مدلولين اثنين فحسب:
1 ـ البيت النَسَبي وهو جماعة من الناس تجمعهم رابطة القربى ويمثلون جزءاً من عشيرة او قبيلة، وقد ورد هذا المعنى في قوله تعالى: (فما وجَدْنا فيها غيرَ بيت من المسلمين)([33])، فالبيت في منطق هذه الاية إنما هو لوط النبي(عليه السلام)وابنتاه([34]).
وقد جاء البيت بمعنى الجزء من القبيلة في حديث لرسول الله(صلى الله عليه وآله)، نذكر منه موضع الحاجة. قال(صلى الله عليه وآله): «إن الله تعالى قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسماً، فذلك قوله تعالى: واصحاب اليمين واصحاب الشمال، فأنا من اصحاب اليمين وانا خير اصحاب اليمين» الى قوله(صلى الله عليه وآله): «فجعلني في خيرها قبيلة وذلك قوله تعالى: (وجعلناكم شعوباً وقبائلَ لتَعارَفوا إنّ اكرمَكم عند اللهِ أتقاكم) وأنا اتقى ولد آدم وأكرمهم على الله تعالى ولا فخر، ثم جعل القبائل بيوتاً فجعلني في خيرها بيتاً، فذلك قوله تعالى: (إنّما يُريدُ اللهُ ليُذهبَ عنكم الرِّجسَ أهلَ البيتِ ويُطهّـِرَكم تطهيراً) أنا واهل بيتي مطهرون من الذنوب»([35]).
2 ـ البيت المادي المعد للسكن او العبادة، وقد وردت آيات عديدة في هذا المعنى:
(وراودته التي هو في بيتها عن نفسه)([36]).
(في بيوت أذِن اللهُ أن تُرفعَ ويُذكَر فيها اسمُه)([37]).
(وإنّ أوهنَ البيوتِ لَبيتُ العنكبوتِ لو كانوا يعلمون)([38]).
ومن نافلة القول أن نذكر أن اللفظين مدار البحث ـ الاهل والبيت ـ ليسا الوحيدين اللذين تعددت مفاهيمهما في القرآن الكريم واللغة العربية، وإنما حفلت الايات الكريمة وقواميس اللغة بالعديد من الكلمات ذات الالفاظ المشتركة من هذا القبيل، كلفظة «أمة» التي وردت في القرآن الكريم بثمانية معان، ومنها:
1 ـ جماعة كما في قوله تعالى: (أُمةً من الناس يسقون)([39]).
2 ـ اتباع الانبياء(عليهم السلام) كقوله: (كنتمْ خيرَ أُمة أُخرجت للناس)([40]).
3 ـ رجل واحد جامع للخير يقتدى به كقوله: (إنّ إبراهيم كان أُمةً قانتاً)([41]).
4 ـ دين وملة كقوله: (إنّا وجدنا آباءنا على أُمة)([42]).
5 ـ حين وزمان كقوله: (إلى أُمّة معدودة)([43]).
6 ـ صنف واحد او على طريقة واحدة كقوله: (كان الناس أُمّةً واحدة)([44]).
بعد استعراضنا السريع للمراد لغوياً من كلمتي «اهل» و «بيت» أيقنا أن كلمة أهل على وجه الخصوص كلمة عامة ومطلقة، فإذا اطلقت يتبادر الى ذهن السامع او القارئ ان المراد منها واحد من المداليل الاتية: الزوجة فقط. الاولاد فقط. هي وهم معاً. العشيرة والارحام. الحَمَلة لملة الرجل من أسرته، وغير ذلك.
وإذا اضيفت كلمه البيت للاهل يتبادر الى الذهن سكان البيت من مالك حقيقي له وأسرته ومن معهم من اماء وخدم، أو أصحاب البيت بالتملك فقط الى غير ذلك، الامر الذي ينطبق على لفظة (اهل البيت) التي وردت ضمن آية التطهير المباركة (إنّما يريد اللهُ ليُذهبَ عنكم الرِّجسَ أهلَ البيتِ ويُطهّرَكم تطهيراً)([45]).
ومن هنا فإن الضرورة تقتضي تخصيص هذا التعميم في كلمة الاهل وتقييد اطلاقها، وذلك يتأتى من خلال قرينة ترافق الاستعمال كأن يشير المتكلم الى من أراد بخطابه، او يرشد السامع بالاخبار المباشر الى من قصد من ذكره للاهل. ومن المقطوع به أن رسول الله(صلى الله عليه وآله)كان مدركاً لطبيعة كلمة (اهل البيت) من ناحية المرونة والاستيعاب، ومن أجل ذلك قيد اطلاقها وخصص عمومها ـ كما سنرى ـ غير أن الاهمال المتعمد للقرينة ـ وسنبين الاسباب ـ اعطى فرصة لصرف الكلمة الى جميع ما تتحمله من معان ومداليل، وقد تمخض عن اهمال القرينة قيام عدة مذاهب كل منها يزعم لنفسه سلامة الاتجاه والمرمى:
1 ـ فمن قائل إن المراد من اهل البيت الوارد ذكرهم في آية التطهيرهم بنو هاشم ـ عشيرة النبي(صلى الله عليه وآله)ـ جميعاً ذكورهم واناثهم، وهذا ما رآه الثعلبي وقال به الحنفية من مذاهب اهل السنة.
2 ـ أنهم مؤمنو بني هاشم وعبد المطلب دون سائر ابنائهما، وهو رأي الشافعية.
3 ـ وقيل: إن اهل البيت المشار اليهم في آية التطهير هم نساء النبي(صلى الله عليه وآله)فحسب، واصحاب هذه الوجهة عكرمة مولى ابن عباس ومقاتل وعروة ومن اندمج في خطهم.
4 ـ ولجأ قوم الى عملية توفيقية فقالوا: إن اهل البيت هم رسول الله وعلي والزهراء والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام ويضاف اليهم ازواج النبي(صلى الله عليه وآله)، واختار هذه الوجهة الالوسي في روح المعاني وابن حجر.
5 ـ وذهب قوم الى أن اهل البيت الذين قصدتهم الاية إنما هم العباس بن عبد المطلب ـ عم النبي(صلى الله عليه وآله)ـ وابناؤه، وقد روى هؤلاء حديثاً نسبوه الى رسول الله(صلى الله عليه وآله)لتبرير مذهبهم، فقالوا إن الرسول(صلى الله عليه وآله) «اشتمل على العباس وبنيه بملاءة ثم قال: يا رب هذا عمي وصنو أبي، وهؤلاء اهل بيتي فاسترهم من النار كستري اياهم بملاءتي هذه، فأمنت اسكفة الباب وحوائط البيت، فقالت: آمين ثلاثاً»([46]).
6 ـ وقالت طائفة من الناس: إن اهل البيت رسول الله وعلي وفاطمة والحسنان وازواج النبي وبناته وارحامه.
7 ـ أن اهل البيت الذين خصوا بالذكر في آية التطهير هم رسول الله وعلي ابن ابي طالب وفاطمة الزهراء والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام دون غيرهم، وإذا كان يلزم ذكر الطرف الذي يتبنى هذا الرأي فإن من المقطوع به أن الذي صدع به هو رسول الله(صلى الله عليه وآله)نفسه، فلقد احصي ما ورد عنه(صلى الله عليه وآله)من أحاديث ـ بهذا الخصوص ـ فنافت على السبعين، روى منها اهل السنة بطرقهم ما يقرب من اربعين حديثاً عن ام سلمة وعائشة وابي سعيد الخدري وسعد وواثلة بن الاسقع وابي الحمراء وابن عباس وثوبان مولى النبي وعبدالله بن جعفر وعلي والحسن بن علي(عليهما السلام).
ورواها الشيعة عن علي والسجاد والباقر والصادق والرضا عليهم الصلاة والسلام وعن أم سلمة وابي ذر وابي ليلى وابي الاسود الدؤلي وعمرو بن ميمون الاودي وسعد بن ابي وقاص في اكثر من ثلاثين طريقاً([47]).
وهذه طائفة من الاحاديث النبوية المحددة للمراد من اهل البيت(عليهم السلام) في آية التطهير، وهي مما اجمعت عليه الامة عبر اجيالها من خلال كتب الاحاديث المعتبرة او كتب التفسير :
أ ـ روى مسلم في صحيحه والحاكم في مستدركه والبيهقي في سننه الكبرى وكل من الطبري وابن كثير والسيوطي في تفسير الاية بتفاسيرهم ـ واللفظ لمسلم ـ عن عائشة قالت: «خرج رسول الله غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: (إنّما يُريدُ اللهُ ليُذهبَ عنكم الرِّجسَ أهلَ البيتِ ويُطهّـِرَكم تطهيراً)»([48]).
ب ـ في تفسير آية التطهير عند ابن كثير والسيوطي وسنن البيهقي وتاريخ بغداد للخطيب ومشكل الاثار للطحاوي ـ واللفظ لابن كثير ـ عن أم سلمة رضي الله عنها([49]) قالت: «في بيتي نزلت (إنّما يريد الله) وفي البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين، فجللهم رسول الله بكساء كان عليه ثم قال: هؤلاء اهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً».
وفي باب فضل فاطمة من صحيح الترمذي والرياض النضرة وتهذيب التهذيب قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً».
وفي مسند احمد قالت ام سلمة: «فأدخلت رأسي في البيت فقلت: وأنا معكم يا رسول الله ؟ قال: انك الى خير انك الى خير».
وفي رواية الحاكم في المستدرك قالت أم سلمة: «يا رسول الله، ما أنا من اهل البيت؟ قال: إنك الى خير. هؤلاء اهل بيتي. اللهم اهل بيتي أحق».
ج ـ في تفسير السيوطي ومشكل الاثار ـ واللفظ للسيوطي ـ قالت ام سلمة: « نزلت هذه الاية في بيتي (إنما يريد الله) وفي البيت سبعة جبريل وميكال وعلي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) وأنا على باب البيت. قلت: يا رسول الله، ألست من أهل البيت؟ قال: إنك الى خير إنك الى خير إنك من ازواج النبي»([50]).
د ـ في تفسير الطبري وذخائر العقبى للمحب الطبري ـ واللفظ للاول ـ عن ابي سعيد الخدري قال: «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): نزلت هذه الاية في خمسة ، فيَّ وفي علي وحسن وحسين وفاطمة (إنّما يُريدُ اللهُ ليُذهبَ عنكم الرّجسَ أهلَ البيتِ ويطهّـِركم تطهيراً)»([51]).
هـ ـ الطبري وابن كثير في تفسيريهما والترمذي في صحيحه والطحاوي في مشكل الاثار ـ واللفظ للطبري ـ عن عمر بن أبي سلمة قال: «نزلت هذه الاية على رسول الله(صلى الله عليه وآله)في بيت ام سلمة (إنّما يُريد اللهُ ليذهبَ عنكم الرّجسَ أهلَ البيتِ ويُطهركم تطهيراً) فدعا حسناً وحسيناً وفاطمة فأجلسهم بين يديه ودعا علياً فأجلسه خلفه فتجلل هو وهم بالكساء ثم قال : هؤلاء بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً»([52]).
و ـ في صحيح الترمذي ومسند احمد ومسند الطيالسي ومستدرك الصحيحين واسد الغابة وتفاسير الطبري وابن كثير والسيوطي ـ واللفظ للترمذي ـ عن أنس بن مالك قال: «إن رسول الله(صلى الله عليه وآله)كان يمر بباب فاطمة ستة اشهر كلما خرج الى صلاة الفجر يقول:الصلاة يا أهل البيت (إنّما يريدُ الله ليذهبَ عنكم الرجسَ أهلَ البيت ويطهّرَكم تطهيراً)»([53]).
ز ـ الاستيعاب واسد الغابة ومجمع الزوائد ومشكل الاثار وتفاسير الطبري وابن كثير والسيوطي عن ابي الحمراء ـ واللفظ للسيوطي ـ قال: «حفظت من رسول الله ثمانية اشهر بالمدينة ليس من مرة يخرج الى صلاة الغداة الا أتى باب علي(رضي الله عنه)فوضع يده على جنبتي الباب ثم قال: الصلاة الصلاة (إنّما يريد الله ليُذهبَ عنكم الرجسَ أهلَ البيت ويطهّرَكم تطهيراً)»([54]).
وفي تفسير السيوطي عن ابن عباس قال: «شهدت رسول الله(صلى الله عليه وآله)تسعة اشهر يأتي كل يوم باب علي بن ابي طالب(رضي الله عنه)عند وقت كل صلاة فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اهل البيت (إنّما يريدُ اللهُ ليذهبَ عنكم الرجسَ أهلَ البيت ويطهّرَكم تطهيراً) كل يوم خمس مرات»([55]).
من متابعة سريعة للبلبلة التي اثيرت حول مدلول اهل البيت(عليهم السلام)، يتبين أن المدلول الحقيقي لهذا المصطلح الجليل قد تعرض لحملة من التزوير والتشويه، قادها رجلان من الموالي يعدان من اكثر المحدثين دجلاً، احدهما من البربر والاخر بلخي خراساني. كان الاول من غلاة الخوارج ويدعى عكرمة، والثاني من غلاة المجسمة ويدعى مقاتلاً ، وكان لهذين الكذابين دور فعال في تفسير مصطلح اهل البيت الوارد في آية التطهير او الاحاديث الشريفة بنساء النبي(صلى الله عليه وآله)بدلاً عن الخمسة المطهرين عليهم الصلاة والسلام.
وهذه نبذة قصيرة عن سيرة كل من الرجلين:
1 ـ عكرمة مولى ابن عباس ( ت 107 هـ ): هو عكرمة بن عبدالله مولى عبدالله ابن العباس. اصله من البربر من بلاد المغرب، وكان مولى لحصين بن النمير العنبري، فوهبه لابن عباس حين ولي البصرة في خلافة امير المؤمنين علي بن ابي طالب(عليه السلام)، اجتهد ابن عباس(رضي الله عنه) في تعليمه القرآن والسنن، وقد حدث عكرمة عن ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة وابي سعيد الخدري وعبدالله بن عمرو بن العاص وعائشة، وكان كثير التنقل من بلد الى بلد.
كان من الوجهة الاعتقادية يرى رأي الخوارج بل رأي غلاتهم، فعن ابن المدائني قال: «كان عكرمة يرى رأي نجدة الحروري، وهو من اشد الخوارج بغضاً لعلي بن ابي طالب(عليه السلام)».
وكان يرى كفر جميع المسلمين من غير الخوارج. ومما يكشف عن موقفه ذلك ما رواه خالد بن عمران قال: «كنا في المغرب وعندنا عكرمة في وقت الموسم، فقال: وددت أن بيدي حربة فأعترض بها من شهد الموسم يميناً وشمالاً».
وعن يعقوب الحضرمي عن جده أنه قال: «وقف عكرمة على باب المسجد فقال: ما فيه إلاّ كافر».
ومن مفاهيمه الاعتقادية ما قاله أيوب محدثاً عنه أنه قال: «إنما انزل الله متشابه القرآن ليُضل به».
اما عن درجة التزامه بالشريعة الاسلامية ومقتضياتها فيحدثنا يحيى بن سعيد حديثاً عن ايوب «إن عكرمة لا يحسن الصلاة». ولقد اشتهر بكذبه ووضعه للحديث على ابن عباس وابن مسعود، فعن عبدالله بن الحارث قال: «دخلت على علي بن عبدالله بن العباس فإذا عكرمة في وثاق فقلت: ألا تتقي الله؟ فقال: إن هذا الخبيث يكذب على أبي»، وشبيه بهذه الرواية رويت عن علي بن عبدالله بن مسعود. وعن ابن المسيب أنه قال لمولاه واسمه برد: «لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس».
واضافة الى ما اتصف به من كذب وافتراء فإنه كان يحب الغناء ويستمعه ويلعب بالنرد.
وقد شهد كثير من أهل العلم من معاصريه بعدم وثاقته.
فطاووس اليماني يقول فيه: «لو أن عند عكرمة مولى ابن عباس تقوى من الله لشدت اليه المطايا».
وعن ابن ذؤيب: «رأيت عكرمة وكان غير ثقة».
وشهد محمد بن سيرين بكذبه.
ووصفه يحيى بن سعيد الانصاري بأنه كذاب([56]).
هذه بعض ملامح شخصية عكرمة مولى ابن عباس كما ذكرتها اوثق كتب الرجال عند المسلمين، أفيصح بعد هذا أن نركن الى الوثوق برأي ارتآه، او حديث رواه؟.
2 ـ مقاتل: هو مقاتل بن سليمان البلخي الازدي الخراساني المتوفى عام 150 هـ . أصله من بلخ. انتقل الى البصرة ثم الى بغداد وعاد الى البصرة([57]) وهلك فيها.
روى عن الضحاك ـ ولم يدركه ـ ومجاهد وعلي بن الجعد. كان مفسراً للقرآن على طريقته الخاصة حتى قال فيه ابن المبارك: «ما أحسن تفسيره لو كان ثقة »([58]).
اما وجهته الاعتقادية فقد أجملها الرجاليون بقولهم: «إنه كان من غلاة المجسمة يشبّه الرب تعالى بالمخلوقين. قال ابو حنيفة: أفرط جهم في نفي التشبيه حتى قال: إنه تعالى ليس بشيء، وأفرط مقاتل في الاثبات حتى جعله مثل خلقه»([59]).
وقال ابن حيان: «كان ـ يعني مقاتلاً ـ يأخذ من اليهود والنصارى من علم القرآن الذي يوافق كتبهم، وكان يشبه الرب بالمخلوقات، وكان يكذب في الحديث »([60]).
و «كان على مذهب المرجئة»([61]).
اما من الناحية الالتزامية، فلم يكن بشيء; إذ كان كذاباً يضع الحديث على رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ويأخذ عن اليهود والنصارى ويغرر بالمسلمين، حتى وصفه الجوزجاني كما في ترجمة مقاتل في ميزان الاعتدال بقوله : «كان مقاتل دجالاً جسوراً. سمعت أبا اليمان يقول : قدم ها هنا فأسند ظهره الى القبلة وقال: سلوني عما دون العرش، وحدث أن قال مثلها بمكة فقام اليه رجل فقال: اخبرني عن النحلة اين امعاؤها؟ فسكت».
وقال النسائي: «والكذابون المعروفون بوضع الحديث: ابن ابي يحيى بالمدينة، والواقدي ببغداد، ومقاتل بن سليمان»([62]).
وفي ترجمة مقاتل في وفيات الاعيان: «قعد مقاتل فقال: سلوني عما دون العرش، فقال له رجل: اخبرني من حلق رأس آدم حين حج ... فبهت».
ومن المناسب أن نذكر أن مقاتلاً كان بحكم كونه من المرجئة ـ المذهب الذي صممته السياسة الاموية ـ عدواً لامير المؤمنين علي بن ابي طالب(عليه السلام)، ولعل في مخاطبته للناس بقوله: سلوني اشارة واضحة لحقده الدفين; لان هذه العبارة كثيراً ما كان يرددها الامام علي(عليه السلام)ويخاطب بها الامة.
هذه لمحة موجزة عن بطلي الافتراء على الله ورسوله واهل بيت النبوة(عليهم السلام)، استوحيناها من اكثر مصادر تأريخ الرجال شيوعاً بين المسلمين.
أفيجوز لمسلم شرعاً أن يدين الله تعالى برأي يتبناه هذان الخبيثان او يدعوان اليه؟
أرأيت كيف يلوّث الدجالون وجه الحقيقة؟
بل كيف يتفنن المفترون لمواجهة الحق؟
فقد يرتدي الدجل ثوب فقيه او مفسر، وقد يتجلبب الافتراء بجلباب رئيس مذهب او ملة ويأتي الناس بدعوى الاصلاح ، بيد أن حبل الكذب قصير .
إن خطر الافتراء لا يدخل في الحسبان إذا بقي حبيساً بين جدران اصحابه، ولكنه يتحول فتنة عمياء اذا وجد من يتخذ منه مبادئ وشعارات واهدافاً .
والا فكيف يجوز لمسلم عاقل أن يطمئن الى رأي يراه عكرمة ومقاتل واضرابهما من خدام السلاطين المنحرفين عن صراط الحق؟ (فإنّها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).
وهكذا نخلص الى القول: إن حديث الثقلين يهدف اساسياً الى بلورة مفهوم ضرورة وجود القيّم الملازم للقرآن الكريم بعد النبي(صلى الله عليه وآله)، لا أمداً محدوداً وإنما حتى قيام الساعة وحين يرث الله الارض ومن عليها: «وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».
هذا ومما تجدر الاشارة اليه أن مجموعة من النصوص الشريفة تعمق هذا المبدأ وترسخه في ضمير الزمن .
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «النجوم أمان لاهل السماء فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لاهل الارض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الارض»([63]).
وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك»، وفي لفظ آخر «ومن تخلف عنها غرق»([64]).
واخرج ابن المغازلي الشافعي بإسناده عن نافع مولى ابن عمر قال: «قلت لابن عمر: من خير الناس بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ قال: ما انت وذاك لا أم لك! ثم قال: استغفر الله. خيرهم بعده من كان يحل له ما يحل له، ويحرم عليه ما يحرم عليه. قلت: من هو؟ قال: علي بن ابي طالب. سد ابواب المسجد وترك باب علي، وقال له: لك في هذا المسجد مالي، وعليك منه ما علي، وأنت وارثي ووصيي. تقضي ديني وتنجز عداتي، وتقتل على سنتي. كذب من زعم أنه يبغضك ويحبني»([65]).
فأهل بيت النبي(صلى الله عليه وآله)مرة امان لاهل الارض، ومرة كسفينة نوح(عليه السلام)التي بها نجا المؤمنون ولم ينج بسواها حتى من اوى الى الجبال، ومرة يكون عميدهم(عليهم السلام) وارثاً للنبي ووصيه والمنجز لعداته.
إن أي مسلم عاقل بعد استيعاب هذه الحيثيات وعيش النصوص التي تتحدث عن مكانة علي بن أبي طالب(عليه السلام)وأولاده ومسؤوليتهم بعد النبي(صلى الله عليه وآله)لا يسعه أن يرى أن هذه النصوص قد دخلت مداليلها حيّز التاريخ الماضي فقط الذي لا يرتبط بواقع المسلمين اليوم; فإن قضية الحكم مجردة قد يصدق عليها هذا التصور ، إلاّ أن وجوب استمداد القيم والاحكام الشرعية ومعارف الحق من أهل البيت(عليهم السلام) من أوضح مسؤوليات الامة تجاههم بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)حتى قيام الساعة ، كما يفيد حديث الثقلين وحديث الغدير وحديث المنزلة والسفينة وآية الولاية وغيرها من نصوص شريفة .
وهكذا فإن اعتقاد البعض بعدم جدوى الحديث حول قضايا تاريخ المسلمين الغابر ومشاكله ، قد يصح اذا كان القصد منه إثارة القضايا التاريخية مجردة عن مدلولها الحضاري فحسب ، أما إذا أدركنا أن النصوص الاسلامية الاصيلة التي استعرضنا بعضها ، كان من مقاصدها المركزية أن تفرض الولاية لعلي وأولاده على الناس بعد ولاية الله تعالى ورسوله(صلى الله عليه وآله)بمعناها الشامل ، من ولاية تدبير الشؤون ، وولاية قيادتهم نحو الحق، وولاية صياغة حياتهم وفق ما أراد الله تعالى وارتضاه لعباده، وما في الولاية الشاملة من أبعاد وحقوق وامتدادات ، أقول : اذا أدركنا ذلك تتضح حينئذ مسؤوليتنا وضوحاً كاملاً تجاه الائمة(عليهم السلام) بعد النبي(صلى الله عليه وآله).
ومن الجدير ذكره ، أننا لو اجرينا دراسة لكتب المناقب الخاصة بآل البيت(عليهم السلام)، لوجدنا أن النصوص الكريمة التي تتناول مناقبهم صلوات الله عليهم أجمعين تنقسم الى محورين:
1 ـ محور يتناول الولاية العامة لاهل البيت(عليهم السلام) كحديث الغدير والثقلين والمنزلة وما الى ذلك.
2 ـ ومحور يتناول ابعاداً محددة من خصائص الولاية العامة كالعلم «أنا مدينة العلم وعلي بابها»، والعدل «كفي وكف علي في العدل سواء»، والاعلمية في القضاء «أقضاكم علي» الى غير ذلك.
وهكذا فإن من الضروري جداً لهذه الامة أن تلتفت الى البعد العام للولاية المناطة بعلي بن ابي طالب وأولاده عليهم الصلاة والسلام ، وأبرز معالمها هو الاستمداد منهم والاندماج بخطهم في الفكر والعمل .
ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم .
([1])
محيط المحيط، بطرس البستاني، ط. مكتبة لبنان
1977م ص574.
([2])
النافجة: الجلدة التي يجتمع فيها المسك.
([3])
في البعض النسخ (هو جحر).
([4])
في بعض النسخ (في هذا المعنى) والظاهر أنه هو
الصحيح.
([5])
عتائر: جمع عتيرة وهي شاة كان العرب يذبحونها
للاصنام في شهر رجب، ويقال لها ايضاً «رجبية».
([6])
في بعض النسخ «بحرتهامة» والظاهر أنه تصحيف.
([7])
يعني الشيخ الصدوق(رضي الله عنه).
([8])
في بعض النسخ (عند اهل الحكمة والعقل).
([9])
في بعض النسخ (كالقرآن) ولعل المثبت هو
الصحيح.
([11])
سورة التوبة: 124 ـ 125.
([12])
معاني الاخبار: 91 ـ 93، ط. قم 1379 هـ .
([13])
لاحظ اقتران لفظة أهل بيتي بلفظ العترة في
مختلف الالفاظ التي ورد بها حديث الثقلين.
راجع صحيح مسلم والترمذي والحافظ السيوطي في
احياء الميت والسمهودي في جواهر العقدين
وكنز العمال وغيرهم.
([16])
راجع تفسير السيد عبدالله شبر: 373، ط 3، 1977 م ،
دار احياء التراث العربي.
([18])
العنكبوت: 33. الغابرين: الباقين. راجع تفسير
عبدالله شبر: 382.
([19])
طه 132. أهلك: اهل بيتك. انظر تفسير شبر: 314.
([21])
لاحظ تفسير الاية في تفسير الجلالين.
([24])
انظر تفسيري الجلالين وشبر.
([25])
لاحظ تفسير شبر، والميزان 12: 142.
([31])
القاموس المحيط، 3 : 331، فصل الهمزة، باب
اللام، ط. مؤسسة الحلبي ـ القاهرة.
([34])
لاحظ مجمع البيان، وتفسير الجلالين.
([35])
اخرجه الحكيم الترمذي والطبراني وابن
مردويه وابو نعيم البيهقي في الدلائل عن ابن
عباس. لاحظ روح المعاني للسيد محمود الالوسي
22 : 13، ط. طهران. كما ذكر الحديث السيوطي في
دره المثور في تفسير آية التطهير.
([44])
البقرة : 213 . يراجع مفردات غريب القرآن
للراغب الاصفهاني .
([46])
روح المعاني 24: 14 ، السيد محمود الالوسي، آية
التطهير ط. طهران.
([47])
لاحظ الميزان في تفسير القرآن، السيد محمد
حسين الطباطبائي 16 : 329، آية التطهير، ط 3، 1396
هـ ـ طهران.
([48])
مستدرك الصحيحين 3: 147 ط. حيدر آباد 1334 هـ ،
وصحيح مسلم: باب فضائل اهل بيت النبي(صلى
الله عليه وآله) ط 2 ، 1972 م دار احياء التراث
العربي ـ بيروت، والبيهقي في سننه الكبرى2: 149
ط. حيدر آباد 1346 هـ ، وتفسير الطبري22: 5 ط .
بولاق 1323 هـ ، وتفسير ابن كثير3: 485 ط .
القاهرة، وتفسير السيوطي 5: 198 ـ 199 ط. القاهرة
1314 هـ .
([49])
سنن البيهقي 2: 150 وابن كثير 3: 483، والسيوطي 5:
198 وعند الحاكم في تفسير الاية 2: 416، وتاريخ
بغداد9 : 126 للخطيب البغدادي ط. القاهرة 1349 هـ
، ومشكل الاثار 1: 334 للطحاوي ط. حيدر آباد 1333
هـ .
([50])
السيوطي في دره المنثور4 : 198 ، ومشكل الاثار 1
: 233.
([51])
الطبري22 : 5، وذخائر العقبى: 24 ط. القاهرة 1356
هـ .
([52])
الطبري22 : 7، وابن كثير 3: 458، وصحيح الترمذي12:
85 ط. القاهرة 1350 هـ ، والطحاوي 1 : 335.
([53])
مستدرك الصحيحين 3: 158، وأسد الغابة 5 : 521 ، ط.
القاهرة 1280 هـ ، ومسند احمد3 : 258 ، والطبري في
تفسيره5 : 22 ، وابن كثير 3 : 483، والسيوطي في دره
المنثور 5: 199 ، ومسند الطيالسي 8 : 274 ، ط. حيدر
آباد 1321 هـ ، والترمذي12: 85 ، وكنز العمال7 : 103،
ط 1.
([54])
الاستيعاب للاشعري2: 598 ط. 2 حيدر آباد 1336 هـ ،
وتفسير الطبري وابن كثير والسيوطي في تفسير
آية التطهير من سورة الاحزاب، وترجمة ابي
الحمراء في اسد الغابة ومجمع الزوائد
للهيثمي 9: 121 و 168 ط. 2 بيروت 1967 م ، ومشكل
الاثار للطحاوي 1: 338.
([55])
السيوطي في الدر المنثور 5: 199.
([56])
الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء، عبد الحسين
شرف الدين (مطبوع بذيل الفصول المهمة في
تأليف الامة للمؤلف قدس سره)، ط. دار النعمان
في النجف الاشرف، وقد نقل ترجمته عن ميزان
الاعتدال للذهبي، وللاستزادة يراجع وفيات
الاعيان 2: 427، التسلسل 394، والمعارف لابن
قتيبة الدينوري وطبقات ابن سعد وغيره.
([57])
الاعلام لخير الدين الزركلي.
([58])
تهذيب تهذيب العمال في اسماء الرجال للحافظ
الخزرجي الانصاري، وميزان الاعتدال للذهبي4:
173، التسلسل 8741 ، دار المعرفة ـ بيروت، ط 1 ،
1967، وغيرهما.
([59])
ميزان الاعتدال للذهبي 4: 173، التسلسل 8741 .
([60])
ميزان الاعتدال للذهبي 4 : 173، التسلسل 8741 .
([61])
الفصل لابن حزم 4: 205، نقلا عن الكلمة الغراء
لشرف الدين: 212.
([62])
ميزان الذهبي 3: 562، ترجمة محمد بن سعيد
المصلوب.
([63])
ينابيع المودة ، الحافظ سليمان بن ابراهيم
القندوزي الحنفي ( ت 1294 هـ ) : 20، نقلاً عن احمد
بن حنبل والحمويني الشافعي بطريقين،
والحاكم في المستدرك بطريقين، وعن الصواعق
المحرقة لابن حجر وعن نوادر الاصول، وقد ورد
الحديث بألفاظ متقاربة واثبتنا هنا لفظ احمد
في مناقبه . هذا وقد روى الحديث السيد ابن
طاووس في الطرائف: 131 ، نقلاً عن ينابيع
المودة وذخائر العقبى للمحب الطبري والعمدة
وغيرها.
([64])
أخرجه الفقيه الحافظ ابن المغازلي ( ت 483 هـ )
في المناقب بعدة طرق عن ابن عباس وابي ذر
وسلمة بن الاكوع، كما اخرجه الحافظ القندوزي
الحنفي في ينابيع المودة: 27 و 28 بطرق عديدة،
نقلاً عن البزار وابن المغازلي والحمويني
الشافعي والطبراني في الاوسط والصغير وابن
حنبل وغيرهم.
([65])
المصدر السابق: 261، ونقل في الهامش احاديث
مشابهة عن البخاري في الصحيح والنسائي في
الخصائص وابن حجر في لسان الميزان والترمذي
في جامعة الصحيح والبيهقي في السنن.