نصوص من الخطاب الذي ألقاه ولي أمر المسلمين آية اللّه العظمى السيد علي الخامنئي «مد ظلّه» ، بمناسبة الذكرى السنوية السابعة لرحيل الامام الخميني(قدس سره) ، وذلك في شهر المحرم الحرام سنة 1417 هـ .
في حركة الامام الخميني(قدس سره)
ثمّة نمطان من النصر : نصر يلمسه الانسان بنفسه ; ومن مصاديقه إقامة الحكومة ، والقضاء على اعداء الثورة ، وهذا ماشاهده الامام الخميني(رضي الله عنه) بأم عينيه ، ونصر آخر يتّسم بالثبات والديمومة ـ وهو اكثر اهمية من النوع الاول ـ أي أن ينتصر الخط والفكر والمنهج ، وهذا هو النصر الذي ناله الانبياء ـ في نهاية الامر ـ مع ما تحمّلوه في حياتهم من مرارة وعذاب .
وهذا النصر عبارة عن غلبة فكر وعقيدة ومنهج إنسان عملاق ومفكّر ، وهذا النصر ناله الامام أيضاً ، وإنّ دوام ذكراه وتجدد انعقاد الاجتماعات لاحيائها في كل عام وبهذه الدرجة من الحماس ، يصبّان في إطار هذا المعنى .
اودّ هنا عرض موضوع بشأن نهضة إمامنا الكبير ، باعتبار أنه كان حامل درس لنا ، وأدعو ذوي الفكر والرأي السياسي واصحاب النظر في المسائل الكبرى أن يدرسوا هذا الموضوع ويشبعوه تحليلاً .
انتم على وعي أن لحركة الامام(رضي الله عنه) اوجه تشابه كثيرة بالنهضة الحسينية ، وتقارب أن تكون صورة مستقاة منها . ومع أنّ الحركة الاصلية ـ أي حركة الامام الحسين(عليه السلام) ـ انتهت باستشهاد جميع رجالها ، فيما آلت هذه إلى انتصار الامام ، لا يعد هذا فارقاً جوهرياً ; لان للحركتين مضموناً واحداً ، وكلتاهما محكومتان بسياق واحد . ولكن أدى تفاوت المقتضيات إلى أن يؤول مصير تلك إلى استشهاد الامام الحسين(عليه السلام) ، بينما ختمت هذه باستلام امامنا لزمام الحكم . وهذا على العموم أمر جلي وواضح .
ومن جملة اوجه التشابة البارزة في كلتا الحركتين هو جانب الاستقامة ، وهذه الكلمة لا ينبغي المرور على مغزاها مرور الكرام ; لانها على نصيب كبير من الاهمية ، إذ كانت تعني بالنسبة للامام الحسين(عليه السلام) العزم على عدم الانصياع ليزيد وحكمه الجائر . ومن هنا انطلقت بوادر التصدي وعدم الاستسلام لحكومة فاسدة حرفت نهج الدين بالكامل . بهذه النيّة سار الامام من المدينة ، لكنه حينما لمس بمكة وجود الناصر قرن مسيرته تلك بالعزم على الثورة ، وإلاّ فالجوهر الاصلي لمقوفه المعارض هو الوقوف بوجه حكومة لا يجوز قبولها أو تحملها وفقاً للموازين الحسينية .
فالامام الحسين(عليه السلام) وقف أول الامر بوجه هذه الحكومة ، في وقت لم تكن المشاكل قد برزت بعد ، ثم إنه صار يواجه المشاكل واحدة تلو أخرى ، فكانت مسألة الاضطرار للخروج من مكة ، ثم اندلاع المعركة في كربلاء وما تلاها من الضغوط التي تعرّض لها في تلك الواقعة .
إن أحد الامور المهمة التي تعترض سبيل المرء في المواقف الكبرى هو العذر الشرعي ، فالفروض أو التكاليف توجب على الانسان أن يؤدّيها ، ولكن حينما يستلزم مثل هذا العمل وقوع إشكال كبير ـ كأن يقتل فيه على سبيل المثال أشخاص كثيرون ـ هنا يشعر المرء أنه لم يعد مكلّفاً .
أنتم على معرفة بالاعذار الشرعية التي برزت متلاحقة للامام الحسين(عليه السلام) ، وكانت كفيلة بصرف أي إنسان سطحي الرؤية عن هذا السبيل ; فهو قد واجه أولاً نكول أهل الكوفة ، ومقتل مسلم بن عقيل ، وهنا كان بإمكان الامام الحسين(عليه السلام) القول بأنّ العذر بات شرعياً وقد سقط التكليف ، فأنا كنت عازماً على عدم البيعة ، ولكن تبيّن لي أنّ موقفاً كهذا لا يمكن الاستمرار عليه في مثل هذه الاوضاع والظروف ، والناس لا طاقة لهم على التحمّل ، إذن فالتكليف ساقط وأنا أبايع مكرها .
المرحلة الثانية هي واقعة كربلاء بذاتها ، حيث كان بميسور الامام الحسين(عليه السلام) عند مواجهة ذلك الموقف أن يتصرف على شاكلة الانسان الذي يتصرف في المواقف الكبرى بمثل هذا المنطق ، ويقول : إنّ هؤلاء النسوة والصبية لا قِبَلَ لهم بتحمل هذه الصحراء المحرقة ، وعلى هذا فالتكليف مرفوع ، فيميل نحو الخنوع ، ويقل بما لم يكن قبِله حتى ذلك الحين ، أو حتى بعد اندلاع القتال في اليوم العاشر واستشهاد ثلة من أصحابه ، فهناك تفاقمت عليه المشاكل ، وبات بإمكانه التذرع بأنَّ القتال لم يعد ممكناً ، ولا بالمقدور الاستمرار ، ولا محيص من التراجع .
أو حينما تكشّف للامام الحسين(عليه السلام) بأنه سيستشهد ، ومن بعد استشهاده ستبقى حُرَم اللّه وحُرَم النبي(صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين(عليهم السلام) بيد الرجال الاجانب ، وهنا يعرض له موضوع الشرف والعرض ، وكان له ـ باعتباره إنساناً ذا غيرة ـ القول بارتفاع التكليف ; لانه إذا واصل هذا الطريق وقُتل فإنَّ النساء من آل الرسول وبنات أمير المؤمنين وأطهر نساء الاسلام ، سيقعن سبايا بيد الاعداء من الرجال الذين لا أصل لهم ولا فصل ، ولا يفقهون شيئاً من معاني الشرف والغيرة ، إذن بالتكليف مرفوع .
هذا الموقف من واقعة كربلاء ينبغي النظر إليه انطلاقاً من هذه الرؤية ، وهو أنّ الامام الحسين(عليه السلام) لو أراد النظر إلى بعض الحوادث الشديدة الالم والمرارة ، كحادثة استشهاد علي الاصغر ، وسبي النساء ، وعطش الصبية ، ومقتل الشبان ، وغيرها من الحوادث الاُخرى المروّعة في كربلاء ، بمنظار المتشرّع العادي ، ويتغاضى عن عظمة دوره ورسالته ، كان بمستطاعه التراجع عند أية خطوة يشاء ، ثم يقول أن لا تكليف عليه ، ولا مناص الان من مبايعة يزيد ، وأنّ « الضرورات تبيح المحظورات » .
إلاّ أنه(عليه السلام) لم يتصرف على هذه الشاكلة . هذه هي استقامة الامام الحسين(عليه السلام) ، وهذا هو معنى الاستقامة .
الاستقامة لا تعني ـ في أية حال ـ تحمّل المشاكل ; لانّ تحمّل المشاكل بالنسبة للانسان الفذ أيسر من تحمل الامور التي تبدو في المقاييس الشرعية والعرفية والعقلية الساذجة خلافاً للمصلحة ، لانّ تحمّلها أصعب من تحمّل المشاكل العصيبة .
قد يقال للمرء تارة : لا تسلك هذا الطريق لانك ربّما تتعرض للتعذيب . فالانسان القوي يقول : إني سالك هذا الطريق ولا ضير في تعرّضي للتعذيب . أو قد يقال لاخر : لا تسلك هذا المسلك فقد تقتل ، إلاّ أننا نرى الانسان الفذ يقول : إنّي سالكه ولا أبالي بالقتل .
ولكن تارة أخرى قد لا يقتصر الحديث على مجرد القتل والتعذيب والحرمان ، بل يقال : لا تذهب هذا المذهب ، فقد يُقتل على إثر موقفك هذا عدد من الناس . وهنا يُعرض على بساط البحث موضوع أرواح الاخرين . فيقال له : لا تَسرِ ، فمن المحتمل أن يواجه الكثير من النساء والرجال والاطفال مصاعب جمّة ، وعنتاً كبيراً من جرّاء مسيرك هذا .
وهنا ترتعد فرائص من يهمه القتل ، أما الذي لا ترتعد فرائصه ، فهو أولاً في أعلى درجة من البصيرة ، وعلى بيّنة من ضخامة العمل الذي يؤدّيه . وثانياً : له من قوة النفس ما لا يتسرب معها إليه الوهن . وهاتان الميزتان تجلّتا عند الامام الحسين في كربلاء ، لذلك كانت واقعة كربلاء كشمس سطعت في دياجي التاريخ ، وهي ما انفكت ساطعة وستبقى كذلك أبد الدهر .
وإمامنا الكبير حذا أولاً في هذه الخاصية حذو الامام الحسين(عليه السلام) تماماً ; لذلك نجح في إيصال الثورة إلى شاطئ النصر ، وكان ثانياً سبباً في ضمان ديمومتها من بعده .
إنّ لانتصار فكر الامام(رضي الله عنه) ونهجه انعكاساً أوسع على مستوى العالم ، ويتمثّل في توجّه الشعوب إلى الاسلام وإلى خط الامام(رضي الله عنه) ، وهذه الانتصارات إنّما هي ثمرة الاستقامة .
في أحد الايام قالوا للامام : إنّك إذا واصلت هذه النهضة فسيغلقون الحوزة العلمية في قم . وهنا لم يقتصر الحديث على القتل لكي يقول الامام : لا أبالي بالقتل ، فالكثيرون على استعداد للتضحية بأنفسهم ، ولكن حينما يقال لاحد إنّ عملك هذا قد ينتهي بإغلاق حوزة قم ، ترتعد فرائص الجميع ، لكن الامام لم ترتعد فرائصه ولم ينثنِ عن مساره بل واصله .
ثم إنّهم قالوا له في يوم آخر : إنّك إذا واصلت هذا الطريق فإنّهم سيثيرون ضدك كبار العلماء والمراجع ، ومعنى هذا إيجاد الاختلاف في العالم الاسلامي .
في مثل هذا الموقف ترتعد فرائص الكثيرين ، إلاّ الامام فلم ترتعد فرائصه واستمر في مسيرته حتّى لحظة انتصار الثورة .
قيل للامام مرّات ومرّات : إنّك تحث الشعب الايراني على الوقوف بوجه النظام البهلوي ، فمن المسؤول عن هذه الدماء التي تُراق ؟ .
وفي عامي 1342 و 1343 (1963 ـ 1964) عرض عليَّ أحد العلماء الكبار هذا الموضوع قائلاً : عندما قام الامام بحركته تلك في الخامس عشر من خرداد وقُتل فيها الكثيرون ـ وكانوا من خيرة شبابنا ـ فمن هو المسؤول عن ذلك ؟ هكذا كان نمط التفكير حينذاك . ولا ريب أنّ هذا التفكير يؤدي إلى إيجاد الضغوط التي قد تصرف أي شخص عن هذا الطريق وعن مواصلة التحرك ، إلاّ أنّ الامام استقام ، وفي أمثال تلك المواقف كان يلاحظ سمو روحه وعظمة بصيرته .
هذا فيما يتعلق بفترة مقاومة النظام الشاهنشاهي . أمّا الذي يُعتبر بمثابة الدرس بالنسبة لنا فهو ما يتعلق بالفترة التالية لذلك ، إذ يجب على الجميع الالتفات إلى هذه النقطة . وكما ذكرت ينبغي للعلماء والمفكرين والمحللين السياسيين ، ومن لديهم القدرة على التحليل ، أن يدرسوا هذه النقطة لانها مهمة حقّاً .
كانت المواجهة حتّى ذلك اليوم مع النظام الشاهنشاهي ، ومن بعد إقامة النظام الاسلامي وايجاد الجمهورية الاسلامية اتسع نطاق المواجهة وتبدلت صيغتها . أمّا اتساع نطاقها فقد ابتدأ منذ أن كشف الاعداء العالميون عن وقوفهم بوجه نظام الجمهورية الاسلامية . ولكن من هم الاعداء العالميون ؟ إنه الاستكبار العالمي الذي يشمل جميع القوى المتغطرسة والمتجبّرة في العالم ، وجميع الوجوه الوقحة المتسلطة على الشعوب . ولكن لماذا بدأوا يواجهون الجمهورية الاسلامية ؟ والجواب على هذا التساؤل مطوّل ، وقد عرض عدّة مرّات ، وخلاصته أنهم رأوا الخطر محدقاً بمصالحهم وتوجّهاتهم التوسعية ، وأنّ الوجود المعنوي والفكري للجمهورية الاسلامية في البلدان الاسلامية يهدد هيمنتهم على تلك البلدان ، وما شابه ذلك من الاسباب .
وعلى كل حال ، فقد بدأوا بمواجهة عنيفة ، ولو أنّ إنساناً ضعيفاً كان بدلاً من الامام(قدس سره) في أية خطوة من خطوات تلك المواجهة ، لبادر إلى ايقاف تلك الحركة انطلاقاً من وجود العذر والمانع ، ولقال : لا يمكن مواجهة الاستكبار وهو على هذه الدرجة من القوة والمقدرة ، وإنه لا مفر لنا من التراجع مكرهين . إلاّ أنّ الامام لم يتراجع .
ولاجل بيان أهمية هذه القضية لابد من الاشارة إلى مسألة مهمة وهي:
الهجوم السياسي الشامل ضد ايران ، فجميع الاجهزة الاعلامية هاجمتنا في فترات متلاحقة ، وفي بعض الاحيان تؤدي الهجمات السياسية على البلدان إلى شلّها وإرهاقها ، وهي غالباً ما تكون مؤثرة . واليوم حيث هيمن الاعلام الاذاعي والتلفازي على العالم بأسره ، بات أمراً تخشاه الدول إلى حد بعيد لما يتركه من تأثير على شعوبها .
وبدأ الاعداء مثل هذا الهجوم ضد نظام الجمهورية الاسلامية من كل جهة ، لكن الامام لم يَقُل : مادام الجميع قد تظافروا ضدنا فعلينا بالتراجع . لم يقل : إنّنا قادرون على مواجهة أميركا فقط ، ولا يمكن لنا مواجهة أميركا وروسيا معاً ، وذلك لانّ العالم كان منقسماً إلى قطبين ، قد تحالفا وتظافرا علينا ، لكن الامام استقام ولم يتراجع عن كلامه وشعاره ونهجه ، ولم يتفوّه بكلمة واحدة ممّا أراده الاعداء .
هذه هي الاستقامة الحسينية ، وهي بمقاييس العصر شبيهة بمواقف الامام الحسين(عليه السلام) .
وحينما اندلعت الحرب المفروضة كان الوضع على هذه الشاكلة أيضاً ، فالشعب الذي ورث كل ذلك الدمار من العهد البائد ، وكان بحاجة إلى العمل والاعمار ، تعرض فجأة لهجوم العدو ، وتعطّل ما كان لديه من منشآت ومشاريع كالسكك الحديدية والمصافي وصادرات النفط ومصانع الحديد . ولا شكّ أنّ كل من يواجه مثل هذا الوضع لا يملك إلاّ أن يستسلم أمامه ، لا سيّما وأنّ الطرف المقابل لم يكن النظام العراقي فحسب ، بل كان ـ كما يعلم الجميع ـ النظام العراقي يدعمه الاتحاد السوفياتي وفرنسا وحلف الناتو والخبراء الاميركيين وغيرهم . ولو أنّ الامام(قدس سره) كان ضعيفاً آنذاك لقال : لقد رفع عنا التكليف ، أو لقال : هؤلاء يريدون ألاّ نطبق أحكام الاسلام ، نعم لا نطبقها ، ويريدون ألاّ نعادي إسرائيل ، فلا نعاديها لان الضغوط قويّة.
لكن الامام لم يقل شيئاً من هذا القبيل ، بل أصر على موقفه . وحتّى قرار وقف إطلاق النار الذي وافق عليه لم يكن الدافع وراءه يكمن في تلك الضغوط ، بل وافق عليه بسبب المشاكل الاقتصادية التي عرضها المسؤولون الاقتصاديون في البلاد آنذاك ، وبيّنوا له أنّ الدولة غير قادرة على الاستمرار بالحرب بكل هذه التكاليف ، فاضطر الامام للموافقة على قرار وقف الحرب .
إذن فقبول القرار لم يكن مردّه هجوم العدو ، أو تهديد اميركا التي كان من المحتمل أن تتدخل في الحرب ، فاميركا كانت تتدخل في الحرب حتّى من قبل هذا ، ولو أنّ العالم تدخل باجمعه في الحرب ، لم يكن الامام (رضوان اللّه عليه) لينثني بتلك السهولة ، فالقضية كانت تتعلق بالوضع الداخلي .
لم يحصل خلال الحياة الشريفة للامام التي امتدت عشر سنوات من بعد انتصار الثورة ، أن تردد لحظة واحدة بسبب ضخامة تهديد العدو ـ في أي بُعد من الابعاد ـ أي إنه كان يتمتع بنفس تلك الروح الحسينية .
فالحرب تقترن عادة بالخسائر ، وكانت حياة الانسان عزيزة على الامام ، فهو يبكي أحياناً على الانسان الذي يعاني ويتألم ، وأحياناً تترقرق الدموع في عينيه ، وهذا ما شاهدناه مرّات ومرّات ، فقد كان إنساناً رحيماً وعطوفاً ، وكان قلبه طافحاً بالانسانية والمحبة ، ولكن هذا القلب الطافح بالمحبة لم يرتعش يوماً أمام التهديد ، ولم يزلّ ولم يتراجع ولم يتنازل .
وطوال مدة العشر سنوات تلك أدرك أعداء الثورة بأجمعهم ولمسوا بالتجربة أنّ الامام لا يمكن إرعابه . إنها لنعمة كبرى أن يشعر العدو بأنَّ هذا الرجل لا يمكن إزاحته من الساحة بالخوف والتهديد . وقد أدرك الجميع من خلال الشخصية الالمعية التي كان يتحلّى بها الامام أنه رجل لا يمكن إخراجه من الساحة ، ولا يمكن تهديده بالضغوط ، والتهديد العملي أيضاً لا يجدي نفعاً في ثنيه عن منهجه ; لذلك اضطروا لمجاراته .
إنّ ما يمكن استنتاجه مما اسلفنا ـ وهذا الاستنتاج طبعاً قابل للتعميم وللتأمل ـ هو أولاً : أنّ من جملة الخطوط البارزة ـ بل هو الخط المميز لثورة عاشوراء ـ هو استقامة الامام الحسين(عليه السلام) . وثانياً : هو أنّ إمامنا الكبير (رضوان اللّه عليه) اتخذ الاستقامة الحسينية منهجاً له في نهضته وفي نمط حياته ، ولذلك استطاع ضمان استمرارية الجمهورية الاسلامية ، وصد العدو عن أسلوب الضغط والتهديد ; لانه بيّن للعدو أن الضغط والتهديد والهجوم لا تجدي نفعاً ، وأنه ليس بالرجل الذي تثنيه مثل هذه الافعال .
من جانب آخر لننظر كيف تأثرت شعوب العالم المختلفة ، وبخاصة الشعوب الاسلامية ، برسالة الامام . وقد أدرك الاستكبار أنه إذا شاء الابقاء على صمت الشعوب ، وصرفها عن الطريق الصحيح ، فليس أمامه سوى أن يقوم بعمل يجعلها ترى أنّ ايران الاسلامية تراجعت عن نهجها ، لكي يوقع الجميع في اليأس ويثنيهم عن عزمهم . وقد أدرك الاستكبار هذه الحقيقة ، وكرّس كل جهوده من أجلها .
اليوم يضغطون على الجمهورية الاسلامية من جميع الجهات ; لاجل إبداء اللين إزاء موضوع إسرائيل ، والتنازل عن رفع الشعارات الاسلامية ، وعدم التحدث بهذا القدر عن الاسلام والقرآن ـ وهما القاسم المشترك بين الشعوب الاسلامية ـ .
فإذا أردنا مواصلة طريق العزة والتقدم والتنمية والبناء والرفاه ، وبلوغ النتيجة المرجوة ـ كما حصل خلال هذه السنوات بحمد اللّه من تقدم ونشاط في القطاعات المختلفة ، بفضل السواعد المقتدرة ، وببركة الخدمة التي تؤدّيها الجمهورية الاسلامية ـ فالسبيل إلى ذلك أنما يتم بالاستقامة والصمود في وجه الاعداء والاستكبار .
لقد حقق الشعب المسلم في ايران خلال هذه السنوات إنجازات كبرى ، وعليه أن يحافظ على هذا الانجازات . فأبناء الشعب ـ وبخاصة مسؤولو الجمهورية الاسلامية ـ ملزمون من خلال دورهم العقلاني وتصرفهم السليم أن يحولوا دون ضياع انجازات الشعب ـ لا سمح اللّه ـ ، سواء الانجازات التي حققتها له الثورة مباشرة ، كالحكومة والدولة ورئيس الجمهورية والنواب وما شابه ذلك ، أو ما يتعلق منها بالثورة ولكنه صار للشعب بشكل غير مباشر ، كحركة البناء التي نشهدها ، والتي يتجسد فيها كل عمل الثورة ومهارتها ، والتي تنجزها العناصر الثورية في الحكومة وفي القطاعات الاخرى . وهذا ما ينبغي لابناء الشعب والمسؤولين صيانته بأسلوب عقلاني وسليم .
إنّ السبيل الوحيد الذي يتيح لشعب ايران المسلم والمسؤولين صيانة هذه الانجازات ، وتقديم المزيد من العطاء ، يكمن في مواصلة النهج الذي اختطه الامام بمسيرته ، وهو نهج الاستقامة والصمود بوجه مطامع الاعداء ، وبوجه الهراء والهذر الذي تتفوه به حفنة أفراد من خلف الحدود ، وتفصح فيه عن مطامعها بهذا الشعب .
ولكن ما هو خط الامام ونهجه الذي يتكرر ذكره ؟ إذا قلنا إنّ خط الامام هو الاسلام والثورة ، فهذا الموضوع يعتبر طرحاً عاماً ، فمن الواضح أنّ خط الامام هو خط الثورة والاسلام ، وما من شخص لديه اعتراض على الاسلام والثورة ، فخط الامام يمكن تلخيصه بكلمة واحدة ، وهي (الاستقامة) ، فالشيء القادر على تحقيق تطلعات هذا الرجل الفذ ـ الذي يعد أباً لهذه الثورة وبانياً لايران الاسلامية ـ هو الاستقامة التي أبداها بسلوكه ، ولم يتنازل أمام الاعداء ولم يَرهبهم ، ولم يتزعزع أمام التهديدات . وليس بوسع أحد اتهام الامام بأنَّ ما فعله كان خلافاً للتدبير السليم ، أبداً ; فلو أنَّ جميع عقلاء العالم دقّقوا وحلّلوا لادركوا أنّ السبيل الصحيح هو السبيل الذي سلكه ذلك الرجل ، وهو السبيل المؤدي إلى أهدافه ، وكل من له هذا الهدف فطريقه هو نفس الطريق الذي سار عليه هذا الشخص العظيم .
كلامي في الذكرى الاليمة لرحيل الامام ، هو أنه يجب على الشعب المسلم في ايران بأسره ، وجميع المسؤولين والقطاعات المختلفة ، اتخاذ صمود الامام بوجه طموحات الاعداء قدوة لهم . وإذا شاءت الشعوب الاخرى بلوغ مرحلة مرموقة فطريقها هو ذلك الطريق ، وإذا أريد لقضية فلسطين أن تحل ، فطريق الحل يكمن في هذه الاستقامة وفي هذا الصمود ، وإذا أريد للقضايا المختلفة الناتجة عن التدخل الاستكباري في منطقتنا أن تحل ، فطريقها هو هذه الاستقامة .
اليوم تقف حكومة الجمهورية الاسلامية ، ونوّاب الشعب ، والسلطة القضائية ، والقوات المسلحة وجميع أبناء الشعب ، كزبر الحديد بوجه أطماع العدو ، ولايهتزون قيد اُنملة أمام تهديداتهم ، وهذا هو طريق العزة والسلامة .
إنّ الاميركيين يطمحون إلى تحقيق أهدافهم بالتهديد ، إلاّ أنّ هذا لا يتسنّى لهم حتّى عن طريق التدخل .
فالشعب الايراني لا يسعه التغاضي عن حق الشعب الفلسطيني . يقولون لنا تغاضوا عن حق شعب فلسطين المسلم وأقرّوا المساومة المفروضة عليه ، ولكن من الواضح أننا لا يسعنا ذلك ، ونرفض هذا الموقف بشدّة ، ونعتبر كل من ينهج هذا النهج خائناً .
اعلموا أنّ رسالة الامام ورسالة هذا الشعب العظيم الثوري قد اجتاحت العالم ـ بحمد اللّه ـ ، وأنّ اسم الامام وذكراه في العالم لن يندثرا . من الطبيعي أنّ إعلام الاعداء يحاول أن يصور رسالة الثورة وكأنها أضحت شيئاً قديماً في العالم ، وهذا الادعاء كاذب ومجاف للواقع ; لانّ هذه الثورة العظيمة لشعبنا ، والمسيرة الظافرة لشخصية قائده الفذة ، مشهودتان اليوم في أقصى نقاط العالم ، حتّى في بعض الارجاء التي لا ذكر فيها للاسلام . وهذا الطريق هو طريق عزة بلادنا ، ورفاه وانتصار وسعادة شعبنا الذي سيواصل بحول اللّه هذا الطريق بكل قوّة ، وهو نفس الطريق الذي ستنتهجه الاجيال القادمة بعونه تعالى .