* مصطفى حسن ( العراق )
الانفاس نشوى بروح تكبُر فيها رُؤى الحياةِ ، وتَنشدُّ أحلاُمهاالبيضاءُ إلى أُفق مَهيب يَزهو بخمائِل الفجرِ ، وتعبَقُ أبعادُه بنسائمِ الفتحِ . أنفاسٌ يملاُها وَعيُ الاباءِ لرُكامِ الزَّبَدِ والغُثاءِ ، ولا تَزيدها حشرجةُ الرِّئاتِ الصّدِئةِ إلاّ عروجاً في رِحابِ القُدسِ ، وانصهاراً بين خَلَجاتِ الشعورِ بوَهجِ البصيرةِ .
لم تكنْ « لا أرى الموتَ إلاّ سعادةً » إلاّ نَبضةَ أمل نديّ في زحمةِ ذلك البعدِ المختنقِ برماد القلوبِ ، وومضَةَ عِشق ورديّ للقاءِ (نُور السمواتِ والارضِ).
المساراتُ حُبلى بألوانِ الطيفِ ، وهيَ تنثرُ خُطاها نحو شاطىءِ الرِّضوانِ ، مُفعةً بهَمَساتِ الفَناء في عوالمِ التسبيحِ والتحميدِ والتهليلِ ، ورِحابُ الافئِدَةِ الولهى إلى (الموت) تحتضنُ بينَ جفونها شَمَمَ الحقِّ ، وإيثارَ الشمسِ ، ومَنَعةَ اليقينِ .
سرى لَهَبُ « وأنا أحقُّ مَن غيَّر » في أوصالِ ذلك المدى الموبوءِ رِعدةً خضراءَ ، لملمتْ نُثارَ عينيه ، وغرستْ بين شَفَتيه تراتيل الشَّفَق ، وصَلصَلةَ الجِراح .
ها هوَ هجيرُ (عاشوراءَ) يَصطبغُ بحرِّ تلك (الانفاس) ، وتختالُ نَسَماتُه زَهْواً بمناجاةِ ظِلالِها . إنّها لوحةٌ ثَرّة يمتزجُ فيها عَبَقُ الهُدى بخُضرَةِ الدّمِ ، وسموُّ الطِّينِ بدِفءِ الرّضا والتسليم .
« هيهاتَ منّا الذِّلّةُ » كانتْ هيَ المنعطفَ الثّائرَ في خُمودِ الضّميرِ ، وهَجْعةِ إخلادِه إلى الارضِ ، ورِسالةَ الرّفْضِ الساخنِ لوَضَر الليلِ ، واستِعلاءِ الزّيفِ والخَواءِ .
(الطَّيفُ) مُخضَّباً بزُرقةِ السماء يَرتقي مَعارجَ الوُصولِ بـ « أنُوف حميّة ، ونُفوس أبيّة » ، معانقاً بينَ مَطاويْ جِبِلّتِهِ وَجهَ الحقيقةِ الابَديّةِ ، وبَهجةَ وَعيِها ، وشُفوفَ جَمالِها ، لم يُعطِ الرُّغاءَ بيَدِه « إعطاءَ الذّليلِ » ، ولم يفِرّ في مَغاني عُلاهُ « فِرارَ العبيدِ » .
ذلك هو النهارُ الشهيدُ ، وقد لفَّعَ بدمهِ الحاني عُرْيَ الخريف :
ليُورقَ في مُقلَتيهِ الرَّجاءُ وتخضَلَّ بالنّورِ منهُ رُؤاهْ