إلا أ لم تر إلى الذين بدلوا الآيتين .
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الركتَبٌ أَنزَلْنَهُ إِلَيْك لِتُخْرِجَ النَّاس مِنَ الظلُمَتِ إِلى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِرَطِ الْعَزِيزِ الحَْمِيدِ(1) اللَّهِ الَّذِى لَهُ مَا فى السمَوَتِ وَ مَا فى الأَرْضِوَ وَيْلٌ لِّلْكَفِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شدِيدٍ(2) الَّذِينَ يَستَحِبُّونَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا عَلى الاَخِرَةِ وَ يَصدُّونَ عَن سبِيلِ اللَّهِ وَ يَبْغُونهَا عِوَجاًأُولَئك فى ضلَلِ بَعِيدٍ(3) وَ مَا أَرْسلْنَا مِن رَّسولٍ إِلا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَينَ لهَُمْفَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشاءُ وَ يَهْدِى مَن يَشاءُوَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(4)
« بسم الله الرحمن الرحيم الر كتاب» هذا القرآن أو السورة كتاب « أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور» من الضلال إلى الهدى « بإذن ربهم» بأمره « إلى صراط» طريق « العزيز الحميد الله الذي له ما في السموات و ما في الأرض» خلقا و ملكا « و ويل للكافرين من عذاب شديد الذين يستحبون الحيوة الدنيا» يؤثرونها « على الآخرة و يصدون» الناس « عن سبيل الله» دينه « و يبغونها عوجا» يطلبون لها زيغا فحذفت اللام و أوصل الفعل « أولئك في ضلال بعيد» عن الحق « و ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه»
تفسير شبر ص :257
وَ مَا أَرْسلْنَا مِن رَّسولٍ إِلا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَينَ لهَُمْفَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشاءُ وَ يَهْدِى مَن يَشاءُوَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(4) وَ لَقَدْ أَرْسلْنَا مُوسى بِئَايَتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَك مِنَ الظلُمَتِ إِلى النُّورِ وَ ذَكرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِإِنَّ فى ذَلِك لاَيَتٍ لِّكلِّ صبَّارٍ شكُورٍ(5) وَ إِذْ قَالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسومُونَكُمْ سوءَ الْعَذَابِ وَ يُذَبحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَ يَستَحْيُونَ نِساءَكمْوَ فى ذَلِكم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكمْ عَظِيمٌ(6) وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئن شكرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْوَ لَئن كفَرْتمْ إِنَّ عَذَابى لَشدِيدٌ(7) وَ قَالَ مُوسى إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَ مَن فى الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنىٌّ حَمِيدٌ(8) أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِن قَبْلِكمْ قَوْمِ نُوحٍ وَ عَادٍ وَ ثَمُودَوَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْلا يَعْلَمُهُمْ إِلا اللَّهُجَاءَتْهُمْ رُسلُهُم بِالْبَيِّنَتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فى أَفْوَهِهِمْ وَ قَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَ إِنَّا لَفِى شكٍ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ(9) × قَالَت رُسلُهُمْ أَ فى اللَّهِ شكٌّ فَاطِرِ السمَوَتِ وَ الأَرْضِيَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَ يُؤَخِّرَكمْ إِلى أَجَلٍ مُّسمًّىقَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلا بَشرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصدُّونَا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسلْطنٍ مُّبِينٍ(10)
بلغتهم « ليبين لهم» ما أتى به فيفهموه و يفهموه غيرهم « فيضل الله» يخذل « من يشاء» ممن أعرض عنه « و يهدي» بلطفه « من يشاء» ممن تدبر و تعقل « و هو العزيز الحكيم» الغالب المدبر بحكمته « و لقد أرسلنا موسى بآياتنا» المعجزات التسع « أن» أي بأن أو أي « أخرج قومك من الظلمات» الكفر « إلى النور» و الإيمان « و ذكرهم بأيام الله» بنعمه و بلائه في الأيام العظام « إن في ذلك» التذكير « لآيات لكل صبار» على بلائه « شكور» لنعمائه « و إذ» اذكر إذ « قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من ءال فرعون يسومونكم سوء العذاب» بالاستعباد و غيره « و يذبحون أبناءكم و يستحيون نساءكم» يستبقونهن للخدمة « و في ذلكم» الإنجاء أو العذاب « بلاء» نعمة أو ابتلاء « من ربكم عظيم و إذ تأذن» أي أعلم « ربكم لئن شكرتم» نعمي بالإيمان و الطاعة « لأزيدنكم» نعما « و لئن كفرتم» جحدتم النعم بالكفر و المعاصي « إن عذابي لشديد» صرح بالوعد و عرض بالوعيد كما هي عادته تعالى « و قال موسى إن تكفروا أنتم و من في الأرض جميعا» لن تضروا إلا أنفسكم « فإن الله لغني» عن شكركم « حميد» محمود في الملأ الأعلى « أ لم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح و عاد و ثمود و الذين من بعدهم لا يعلمهم» لا يعلم عددهم لكثرتهم « إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات» بالدلائل على صدقهم « فردوا أيديهم في أفواههم» عضوها على الرسل غيظا أو وضعوها عليها أمرا للرسل بالسكوت أو استهزاء بهم كمن غلبه الضحك أو وضعوا أيدي الرسل على أفواههم أو أريد بالأيدي النعم و هي ما نطقت به الرسل من الحجج أو ردوا حججهم من حيث جاءت بأن كتبوها « و قالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به» بزعمكم « و إنا لفي شك مما تدعوننا إليه » من الدين « مريب» موجب للريب « قالت رسلهم أ في الله شك» رفع بالظرف و الهمزة للإنكار « فاطر السموات و الأرض» خالقها « يدعوكم» إلى توحيده « ليغفر لكم من ذنوبكم» بعضها و هو حقه لسقوطه بالإسلام لا المظالم « و يؤخركم» بلا مؤاخذة « إلى أجل مسمى» وقت الموت « قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا» لا تفضلونا بما يوجب إيثاركم علينا « تريدون أن تصدونا عما كان يعبد ءاباؤنا» من الأصنام
تفسير شبر ص :258
قَالَت رُسلُهُمْ أَ فى اللَّهِ شكٌّ فَاطِرِ السمَوَتِ وَ الأَرْضِيَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَ يُؤَخِّرَكمْ إِلى أَجَلٍ مُّسمًّىقَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلا بَشرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصدُّونَا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسلْطنٍ مُّبِينٍ(10) قَالَت لَهُمْ رُسلُهُمْ إِن نحْنُ إِلا بَشرٌ مِّثْلُكمْ وَ لَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَن يَشاءُ مِنْ عِبَادِهِوَ مَا كانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسلْطنٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِوَ عَلى اللَّهِ فَلْيَتَوَكلِ الْمُؤْمِنُونَ(11) وَ مَا لَنَا أَلا نَتَوَكلَ عَلى اللَّهِ وَ قَدْ هَدَانَا سبُلَنَاوَ لَنَصبرَنَّ عَلى مَا ءَاذَيْتُمُونَاوَ عَلى اللَّهِ فَلْيَتَوَكلِ الْمُتَوَكلُونَ(12) وَ قَالَ الَّذِينَ كفَرُوا لِرُسلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فى مِلَّتِنَافَأَوْحَى إِلَيهِمْ رَبهُمْ لَنهْلِكَنَّ الظلِمِينَ(13) وَ لَنُسكنَنَّكُمُ الأَرْض مِن بَعْدِهِمْذَلِك لِمَنْ خَاف مَقَامِى وَ خَاف وَعِيدِ(14) وَ استَفْتَحُوا وَ خَاب كلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ(15) مِّن وَرَائهِ جَهَنَّمُ وَ يُسقَى مِن مَّاءٍ صدِيدٍ(16) يَتَجَرَّعُهُ وَ لا يَكادُ يُسِيغُهُ وَ يَأْتِيهِ الْمَوْت مِن كلِّ مَكانٍ وَ مَا هُوَ بِمَيِّتٍوَ مِن وَرَائهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ(17) مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْأَعْمَلُهُمْ كَرَمَادٍ اشتَدَّت بِهِ الرِّيحُ فى يَوْمٍ عَاصِفٍلا يَقْدِرُونَ مِمَّا كسبُوا عَلى شىْءٍذَلِك هُوَ الضلَلُ الْبَعِيدُ(18) أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السمَوَتِ وَ الأَرْض بِالحَْقِّإِن يَشأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بخَلْقٍ جَدِيدٍ(19) وَ مَا ذَلِك عَلى اللَّهِ بِعَزِيزٍ(20) وَ بَرَزُوا للَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضعَفَؤُا لِلَّذِينَ استَكْبرُوا إِنَّا كنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شىْءٍقَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لهََدَيْنَكمْسوَاءٌ عَلَيْنَا أَ جَزِعْنَا أَمْ صبرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ(21)
« فأتونا بسلطان مبين» حجة واضحة لم يعتدوا بما جاءوا به من المعجزات و اقترحوا غيرها « قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم» كما قلتم « و لكن الله يمن على من يشاء من عباده» بالنبوة « و ما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله» بأمره و ليس ما اقترحتم في وسعنا و إنما هو متعلق بمشيئته تعالى « و على الله فليتوكل المؤمنون» في أمورهم « و ما لنا ألا نتوكل على الله» لا عذر لنا في ذلك « و» الحال أنه « قد هدانا سبلنا» الموصلة أي معرفته « و لنصبرن على ما ءاذيتمونا» فإنه تعالى يكفيناكم « و على الله فليتوكل المتوكلون» فإنه يكفيهم « و قال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا» حلفوا أن يخرجوهم إلا أن يصيروا كفرة مثلهم « فأوحى إليهم» إلى الرسل « ربهم لنهلكن الظالمين» الكافرين « و لنسكننكم الأرض» أرضهم « من بعدهم» في الخبر من آذى جاره أورثه الله داره « ذلك» الموعود به « لمن خاف مقامي» في الحساب أو قيامي عليه رقيبا « و خاف وعيد» أي عقابي و قرىء بالياء وصلا « و استفتحوا» طلب الرسل من الله الفتح على الكفار و الحكم بينهم أو سأله الكفار نصر المحق على المبطل « و خاب كل جبار عنيد» أي فأفلح الرسل و خسر الجبارون « من ورائه جهنم» أي أمامه و هو من الأضداد يصلاها « و يسقى من ماء صديد» ماء يسيل من فروج الزناة في النار من القيح و الدم « يتجرعه» يشربه جرعة جرعة « و لا يكاد يسيغه» لا يقارب أن يزدرده لشؤمه « و يأتيه الموت» أي أسبابه « من كل مكان» من جسده أو من كل جهة « و ما هو بميت» فيستريح « و من ورائه» أمامه « عذاب غليظ» هو الخلود في النار أو من بعدها عذاب أشد منه « مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح» ذرته « في يوم عاصف» شديد الريح « لا يقدرون مما كسبوا» عملوا في الدنيا « على شيء» أي لا ينتفعون به يوم القيامة « ذلك» أي عملهم « هو الضلال البعيد» عن الحق أو عن النفع « أ لم تر» أيها السامع « أن الله خلق السموات و الأرض بالحق» و الحكمة « إن يشأ يذهبكم و يأت بخلق جديد و ما ذلك على الله بعزيز» صعب « و برزوا لله» عبر بالماضي لتحققه أي يبرزون من قبورهم يوم القيامة لحكمه « جميعا» مجتمعين « فقال الضعفاء» الأتباع « للذين استكبروا» عن الإيمان و هم قادتهم المتبوعون لكم تبعا فهل أنتم
تفسير شبر ص :259
وَ بَرَزُوا للَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضعَفَؤُا لِلَّذِينَ استَكْبرُوا إِنَّا كنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شىْءٍقَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لهََدَيْنَكمْسوَاءٌ عَلَيْنَا أَ جَزِعْنَا أَمْ صبرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ(21) وَ قَالَ الشيْطنُ لَمَّا قُضىَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكمْ وَعْدَ الحَْقِّ وَ وَعَدتُّكمْ فَأَخْلَفْتُكمْ وَ مَا كانَ لىَ عَلَيْكُم مِّن سلْطنٍ إِلا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاستَجَبْتُمْ لىفَلا تَلُومُونى وَ لُومُوا أَنفُسكممَّا أَنَا بِمُصرِخِكمْ وَ مَا أَنتُم بِمُصرِخِىَّإِنى كفَرْت بِمَا أَشرَكتُمُونِ مِن قَبْلُإِنَّ الظلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(22) وَ أُدْخِلَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ جَنَّتٍ تجْرِى مِن تحْتهَا الأَنهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْتحِيَّتهُمْ فِيهَا سلَمٌ(23) أَ لَمْ تَرَ كَيْف ضرَب اللَّهُ مَثَلاً كلِمَةً طيِّبَةً كَشجَرَةٍ طيِّبَةٍ أَصلُهَا ثَابِتٌ وَ فَرْعُهَا فى السمَاءِ(24) تُؤْتى أُكلَهَا كلَّ حِينِ بِإِذْنِ رَبِّهَاوَ يَضرِب اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكرُونَ(25) وَ مَثَلُ كلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّت مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ(26) يُثَبِّت اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فى الحَْيَوةِ الدُّنْيَا وَ فى الاَخِرَةِوَ يُضِلُّ اللَّهُ الظلِمِينَوَ يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشاءُ(27) × أَ لَمْ تَرَ إِلى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَت اللَّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ(28)
« إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله» إلى طريق الخلاص من العقاب « لهديناكم سواء علينا أ جزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص» مفر و منجى « و قال الشيطان لما قضي الأمر» فرغ منه و دخل السعداء الجنة و الأشقياء النار « إن الله وعدكم وعد الحق» بالبعث و الجزاء فوفى لكم « و وعدتكم» خلاف ذلك « فأخلفتكم» الوعد « و ما كان لي عليكم من سلطان» تسلط و قهر فأجبركم « إلا أن دعوتكم» لكن دعائي إياكم إليه بالوسوسة « فاستجبتم لي» باختياركم « فلا تلوموني» بدعائي لكم « و لوموا أنفسكم» حيث أجبتم و يدل على الاختيار و فيه رد على الجبرية و الأشاعرة « ما أنا بمصرخكم» بمغيثكم « و ما أنتم بمصرخي» بمغيثي بفتح الياء و كسرها « إني كفرت بما أشركتمون من قبل» بإشراككم إياي مع الله في الدنيا « إن الظالمين لهم عذاب أليم» من قوله أو ابتداء وعيد من الله تعالى « و أدخل الذين ءامنوا و عملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم» بأمره « تحيتهم فيها» من الملائكة أو فيما بينهم « سلام أ لم تر كيف ضرب الله مثلا» كيف بينه جعل « كلمة طيبة» كلمة التوحيد أو ما دعا إلى الحق « كشجرة طيبة» النخلة أو شجرة في الجنة أو شجرة بهذا الوصف و إن لم نشاهدها ، و عن الباقر (عليهالسلام) إنها النبي و فرعها علي و غصنها فاطمة و ثمرها أولادها و ورقها شيعتنا « أصلها ثابت» في الأرض « و فرعها» رأسها « في السماء تؤتي أكلها كل حين» يعطي ثمرها كل ستة أشهر أو كل سنة أو كل وقت « بإذن ربها» بأمره « و يضرب الله الأمثال» يبينها « للناس لعلهم يتذكرون» يتعظون بتدبرها « و مثل كلمة خبيثة» هي كلمة الكفر أو ما دعا إلى الباطل « كشجرة خبيثة» هي الحنظل أو الكشوت أو ما لا ينتفع بها ، و عن الباقر (عليهالسلام) : إنها بنو أمية « اجتثت» اقتلعت جثتها « من فوق الأرض ما لها من قرار» استقرار « يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت» أي بكلمة التوحيد المتمكنة في قلوبهم بالحجة « في الحيوة الدنيا و في الآخرة» أي في القبر أو في الموقف « و يضل الله الظالمين» لا يثبتهم في الدارين بظلمهم و كفرهم « و يفعل الله ما يشاء» من تثبيت المؤمن و تخلية الكافر و كفره « أ لم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله» أي شكرها « كفرا» فوضعوها موضعه أو بدلوا نفسها كفرا أي سلبوها فاعتاضوا عنها بالكفر ، و في الصافي نحن و الله نعمة الله و بنا يفوز من فاز « و أحلوا قومهم» أتباعهم .
تفسير شبر ص :260
أَ لَمْ تَرَ إِلى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَت اللَّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ(28) جَهَنَّمَ يَصلَوْنَهَاوَ بِئْس الْقَرَارُ(29) وَ جَعَلُوا للَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّوا عَن سبِيلِهِقُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكمْ إِلى النَّارِ(30) قُل لِّعِبَادِى الَّذِينَ ءَامَنُوا يُقِيمُوا الصلَوةَ وَ يُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتىَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خِلَلٌ(31) اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السمَوَتِ وَ الأَرْض وَ أَنزَلَ مِنَ السمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَتِ رِزْقاً لَّكُمْوَ سخَّرَ لَكُمُ الْفُلْك لِتَجْرِى فى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِوَ سخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَرَ(32) وَ سخَّرَ لَكُمُ الشمْس وَ الْقَمَرَ دَائبَينِوَ سخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَ النهَارَ(33) وَ ءَاتَاكُم مِّن كلِّ مَا سأَلْتُمُوهُوَ إِن تَعُدُّوا نِعْمَت اللَّهِ لا تحْصوهَاإِنَّ الانسنَ لَظلُومٌ كفَّارٌ(34) وَ إِذْ قَالَ إِبْرَهِيمُ رَب اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ ءَامِناً وَ اجْنُبْنى وَ بَنىَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصنَامَ(35) رَب إِنهُنَّ أَضلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِفَمَن تَبِعَنى فَإِنَّهُ مِنىوَ مَنْ عَصانى فَإِنَّك غَفُورٌ رَّحِيمٌ(36) رَّبَّنَا إِنى أَسكَنت مِن ذُرِّيَّتى بِوَادٍ غَيرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِك الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصلَوةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تهْوِى إِلَيهِمْ وَ ارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَتِ لَعَلَّهُمْ يَشكُرُونَ(37) رَبَّنَا إِنَّك تَعْلَمُ مَا نخْفِى وَ مَا نُعْلِنُوَ مَا يخْفَى عَلى اللَّهِ مِن شىْءٍ فى الأَرْضِ وَ لا فى السمَاءِ(38)
« دار البوار» الهلاك « جهنم يصلونها» يدخلونها « و بئس القرار» المقر هي « و جعلوا لله أندادا» أمثالا « ليضلوا» بفتح الياء و ضمها « عن سبيله» عن دينه « قل تمتعوا» في دياركم أمر تهديد « فإن مصيركم إلى النار» ما لكم إلى الخلود فيها « قل لعبادي الذين ءامنوا» مقول قل محذوف دل عليه جوابه أي قل لهم أقيموا الصلاة و أنفقوا « يقيموا الصلوة و ينفقوا مما رزقناهم سرا و علانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع» لا افتداء « فيه» بمال « و لا خلال» أي صدقة نافعة « الله الذي خلق السموات و الأرض و أنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا» طعاما و لباسا و هو مفعول أخرج « لكم سخر لكم الفلك» السفن « لتجري في البحر بأمره» بإرادته إلى مقاصدكم « و سخر لكم الأنهار» العذبة لانتفاعكم « و سخر لكم الشمس و القمر دائبين» جاريين لا يفتران لمصالحكم « و سخر لكم الليل» لسباتكم « و النهار» لمعاشكم « و ءاتاكم من كل ما سألتموه» شيئا « و إن تعدوا نعمة الله» أي أنعامه « لا تحصوها» لا تطيقوا عدها لعدم تناهيها « إن الإنسان لظلوم» كثير الظلم للنعمة بترك شكرها أو لنفسه بالمعاصي « كفار» شديد الكفران أو ظلوم في الشدة يجزع كفار في النعمة يمنع « و إذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد» مكة « ءامنا» ذا أمن لمن فيه « و اجنبني و بني» عن « أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس» بعبادتهم لهن « فمن تبعني» على ديني « فإنه مني» أي بعضي لشدة اختصاصه بي « و من عصاني فإنك غفور رحيم ربنا إني أسكنت من ذريتي» بعضها و هو إسمعيل و من ولد منه قال الباقر (عليهالسلام) نحن بقية تلك العترة و كانت دعوة إبراهيم لنا « بواد غير ذي زرع» هو وادي مكة « عند بيتك المحرم» الذي حرمت التعرض له أو منعت منه الطوفان « ربنا ليقيموا الصلاة» عند بيتك « فاجعل أفئدة من الناس تهوي» تحن و تميل « إليهم» قيل لو قال أفئدة الناس لازدحمت عليه فارس و الروم و لحجت اليهود و النصارى « و ارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون» لك فأجاب الله دعاءه « ربنا إنك تعلم ما نخفي» ما نسر « و ما نعلن» نظهر « و ما يخفى على الله من شيء في الأرض و لا في السماء» من قول إبراهيم أو تصديق من الله لإبراهيم .
تفسير شبر ص :261
رَبَّنَا إِنَّك تَعْلَمُ مَا نخْفِى وَ مَا نُعْلِنُوَ مَا يخْفَى عَلى اللَّهِ مِن شىْءٍ فى الأَرْضِ وَ لا فى السمَاءِ(38) الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِى وَهَب لى عَلى الْكِبرِ إِسمَعِيلَ وَ إِسحَقَإِنَّ رَبى لَسمِيعُ الدُّعَاءِ(39) رَب اجْعَلْنى مُقِيمَ الصلَوةِ وَ مِن ذُرِّيَّتىرَبَّنَا وَ تَقَبَّلْ دُعَاءِ(40) رَبَّنَا اغْفِرْ لى وَ لِوَلِدَى وَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِساب(41) وَ لا تَحْسبنَّ اللَّهَ غَفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظلِمُونَإِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشخَص فِيهِ الأَبْصرُ(42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيهِمْ طرْفُهُمْوَ أَفْئِدَتهُمْ هَوَاءٌ(43) وَ أَنذِرِ النَّاس يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَاب فَيَقُولُ الَّذِينَ ظلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نجِب دَعْوَتَك وَ نَتَّبِع الرُّسلَأَ وَ لَمْ تَكونُوا أَقْسمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكم مِّن زَوَالٍ(44) وَ سكَنتُمْ فى مَسكنِ الَّذِينَ ظلَمُوا أَنفُسهُمْ وَ تَبَينَ لَكمْ كَيْف فَعَلْنَا بِهِمْ وَ ضرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ(45) وَ قَدْ مَكَرُوا مَكرَهُمْ وَ عِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَ إِن كانَ مَكرُهُمْ لِتزُولَ مِنْهُ الجِْبَالُ(46) فَلا تحْسبنَّ اللَّهَ مخْلِف وَعْدِهِ رُسلَهُإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ(47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْض غَيرَ الأَرْضِ وَ السمَوَتوَ بَرَزُوا للَّهِ الْوَحِدِ الْقَهَّارِ(48) وَ تَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئذٍ مُّقَرَّنِينَ فى الأَصفَادِ(49) سرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَ تَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ(50) لِيَجْزِى اللَّهُ كلَّ نَفْسٍ مَّا كَسبَتإِنَّ اللَّهَ سرِيعُ الْحِسابِ(51)
« الحمد لله الذي وهب لي على الكبر» مع كبر السن و اليأس من الولد « إسمعيل» ولد و له تسع و تسعون سنة « و إسحق» ولد و له مائة و اثنتا عشرة « إن ربي لسميع الدعاء» مجيبه « رب اجعلني» بلطفك « مقيم الصلوة و من ذريتي» اجعل منهم من يقيمها و لم يدع للكل لإعلام الله أن فيهم كفارا « ربنا و تقبل دعاء» بالياء و بدونها « ربنا اغفر لي و لوالدي و للمؤمنين يوم يقوم الحساب» يثبت كالقائم على رجله أي يقوم أهله له « و لا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم» يؤخر عقابهم « ليوم تشخص فيه الأبصار» أبصارهم فلا تستقر أو لا تنطبق للرعب من هول المطلع « مهطعين» مسرعين و ينظرون في ذل و خشوع « مقنعي رءوسهم» رافعيها إلى السماء « لا يرتد إليهم طرفهم» لا يغمضون عيونهم بل هي شاخصة دائما « و أفئدتهم هواء» قلوبهم خالية من العقل للدهشة و الفزع أو خالية من الخير « و أنذر الناس يوم يأتيهم العذاب» هو يوم القيامة أو يوم الموت « فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب» ردنا إلى الدنيا و أمهلنا إلى أمد من الزمان قريب « نجب دعوتك» بالتوحيد « و نتبع الرسل أ و لم تكونوا أقسمتم من قبل» في الدنيا « ما لكم من زوال» عنها إلى الآخرة « و سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم» بالكفر و التكذيب من الأمم الماضية « و تبين لكم» بتواتر أخبارهم و معاينة آثارهم « كيف فعلنا بهم » من صنوف العقوبات « و ضربنا لكم الأمثال» بينا لكم صفات ما فعلوا و فعل بهم « و قد مكروا مكرهم» جهدوا في إبطال أمر الرسل أو أمر محمد و المراد قريش « و عند الله مكرهم» أي عمله أو جزاؤه « و إن كان مكرهم لتزول منه الجبال» إن نافية و اللام لتأكيد النفي أي مكرهم أضعف من أن يزيل ما هو كالجبال الثابتة و هو دين الرسل أو دين محمد (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) أو مخففة أي و إن الشأن كان مكرهم العظيم معدا لذلك و لذا قرىء بفتح اللام و رفع نزول « فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله» قدم ثاني المفعولين ليعلم أنه لا يخلف وعده مطلقا فكيف يخلف رسله « إن الله عزيز» غالب لا يغالب « ذو انتقام» من الكفرة « يوم تبدل الأرض غير الأرض» ظرف للانتقام أو منصوب باذكر مقدرا « و السموات» و تبدل السموات غيرها ، عنهم (عليهمالسلام) تبدل الأرض خبزة نقية يأكل الناس منها حتى يفرغ من الحساب « و برزوا» من قبورهم « لله» لمحاسبته « الواحد» الذي لا نظير له « القهار» لكل ما سواه « و ترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد» في القيود مشدودين مع الشياطين أو يقرن بعضهم ببعض أو يقرن أيديهم و أرجلهم إلى ورائهم « سرابيلهم» قمصهم « من قطران» دهن أسود لزج منتن تشتعل فيه النار بسرعة أو من صفر مذاب متناه حره « و تغشى وجوههم النار» تعلوها خصت بالذكر لأنها أعز الأعضاء و أشرفها فعبر بها عن الكل « ليجزي الله كل نفس» متعلق ببرزوا « ما كسبت» إن خيرا فخير و إن شرا فشر
تفسير شبر ص :262
لِيَجْزِى اللَّهُ كلَّ نَفْسٍ مَّا كَسبَتإِنَّ اللَّهَ سرِيعُ الْحِسابِ(51) هَذَا بَلَغٌ لِّلنَّاسِ وَ لِيُنذَرُوا بِهِ وَ لِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَحِدٌ وَ لِيَذَّكَّرَ أُولُوا الأَلْبَبِ(52)
« إن الله سريع الحساب» إذ لا يشغله شيء عن شيء « هذا» أي القرآن أو السورة « بلاغ» كفاية « للناس» لينصحوا « و لينذروا به» بهذا البلاغ « و ليعلموا» بتأمل دلائله « أنما هو» أي الله « إله واحد و ليذكر» يتذكر أي يتعظ « أولوا الألباب» ذوو العقول .