تفسير القمي ج : 1ص :96
3 سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية 200
بسم الله الرحمن الرحيم الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال سألته عن قول الله تبارك و تعالى الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه و أنزل التورية و الإنجيل من قبل ، هدى للناس و أنزل الفرقان قال الفرقان هو كل أمر محكم و الكتاب هو جملة القرآن الذي يصدقه من كان قبله من الأنبياء و هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء يعني ذكرا أو أنثى و أسود و أبيض و أحمر و صحيحا و سقيما ، و قوله هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات فأما المحكم من القرآن فهو ما تأويله في تنزيله مثل قوله تعالى « يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق و امسحوا برءوسكم و أرجلكم إلى الكعبين » و مثل قوله « حرمت عليكم أمهاتكم و بناتكم و أخواتكم و عماتكم و خالاتكم » إلى آخر الآية و مثله كثير محكم مما تأويله في تنزيله .
و أما المتشابه فما كان في القرآن مما لفظه واحد و معانيه مختلفة مما ذكرنا من الكفر الذي هو على خمسة أوجه و الإيمان على أربعة وجوه و مثل الفتنة و الضلال الذي هو على وجوه و تفسير كل آية نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى و أما قوله فأما الذين في قلوبهم زيغ أي شك و قوله و ما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن يزيد بن معاوية عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال إن رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) أفضل الراسخين في العلم قد علم جميع ما أنزل الله عليه من التنزيل و التأويل و ما كان الله
تفسير القمي ج : 1ص :97
لينزل عليه شيئا لم يعلمه تأويله و أوصياؤه من بعده يعلمونه كله ، قال قلت جعلت فداك إن أبا الخطاب كان يقول فيكم قولا عظيما ، قال و ما كان يقول ؟ قلت إنه يقول إنكم تعلمون علم الحلال و الحرام و القرآن قال علم الحلال و الحرام و القرآن يسير في جنب العلم الذي يحدث في الليل و النهار و قوله ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا أي لا نشك و قوله أولئك هم وقود النار يعني حطب النار كدأب آل فرعون أي فعل آل فرعون .
و قوله قل للذين كفروا ستغلبون و تحشرون إلى جهنم و بئس المهاد فإنها نزلت بعد بدر لما رجع رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) من بدر أتى بني قينقاع و هو يناديهم و كان بها سوق يسمى سوق النبط فأتاهم رسول الله فقال يا معشر اليهود قد علمتم ما نزل بقريش و هم أكثر عددا و سلاحا و كراعا منكم فادخلوا في الإسلام ، فقالوا يا محمد ء إنك تحسب حربنا مثل حرب قومك ؟ و الله لو لقيتنا للقيت رجالا ، فنزل عليه جبرئيل فقال يا محمد قل للذين كفروا ستغلبون و تحشرون إلى جهنم و بئس المهاد قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله يعني فئة المسلمين و فئة الكفار و أخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين أي كانوا مثلي المسلمين و الله يؤيد بنصره من يشاء يعني رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) يوم بدر إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار .
و قوله زين للناس حب الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الخيل المسومة و الأنعام و الحرث قال القناطير جلود الثيران مملوءة ذهبا « و الخيل المسومة » يعني الراعية و الأنعام « و الحرث » يعني الزرع « و الله عنده حسن المآب » أي حسن المرجع إليه قال أ ؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ثم أخبر أن هذا للذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر ذنوبنا و قنا عذاب النار إلى قوله و المستغفرين بالأسحار ثم أخبر أن هؤلاء هم الصابرين و الصادقين و القانتين و المنفقين و المستغفرين بالأسحار و هم الدعاءون و أما قوله و أزواج مطهرة قال في الجنة لا يحضن و لا يحدثن .
تفسير القمي ج : 1ص :98
حدثني أبي عن إسماعيل بن أبان عن عمر [ عمير ] بن عبد الله الثقفي قال أخرج هشام بن عبد الملك أبا جعفر محمد بن علي زين العابدين (عليهالسلام) من المدينة إلى الشام ، و كان ينزله معه فكان يقعد مع الناس في مجالسهم فبينما هو قاعد و عنده جماعة من الناس يسألونه إذ نظر إلى النصارى يدخلون في جبل هناك ، فقال ما لهؤلاء القوم أ لهم عيد اليوم ؟ قالوا لا يا بن رسول الله و لكنهم يأتون عالما لهم في هذا الجبل في كل سنة في مثل هذا اليوم فيخرجونه و يسألونه عما يريدون و عما يكون في عامهم قال أبو جعفر (عليهالسلام) و له علم ؟ فقالوا هو من أعلم الناس قد أدرك أصحاب الحواريين من أصحاب عيسى (عليهالسلام) ، قال لهم نذهب إليه ، فقالوا ذاك إليك يا بن رسول الله ، قال فقنع أبو جعفر رأسه بثوبه و مضى هو و أصحابه فاختلطوا بالناس حتى أتوا الجبل ، قال فقعد أبو جعفر وسط النصارى هو و أصحابه ، فأخرج النصارى بساطا ثم وضعوا الوسائد ثم دخلوا فأخرجوه ثم ربطوا عينيه فقلب عينيه كأنهما عينا أفعى ، ثم قصد أبا جعفر (عليهالسلام) فقال أ منا أنت أم من الأمة المرحومة ؟ فقال أبو جعفر (عليهالسلام) من الأمة المرحومة ، قال فمن علمائهم أنت أم من جهالهم ؟ قال لست من جهالهم ، قال النصراني أسألك أو تسألني ؟
فقال أبو جعفر (عليهالسلام) سلني ، فقال يا معشر النصارى رجل من أمة محمد يقول اسألني إن هذا لعالم بالمسائل ثم قال يا عبد الله أخبرني عن ساعة ما هي من الليل و لا هي من النهار أي ساعة هي ؟ قال أبو جعفر (عليهالسلام) ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، قال النصراني فإذا لم يكن من ساعات الليل و لا من ساعات النهار فمن أي الساعات هي ؟ فقال أبو جعفر (عليهالسلام) من ساعات الجنة و فيها
تفسير القمي ج : 1ص :99
تفيق مرضى ، فقال النصراني أصبت فأسألك أو تسألني ؟ قال أبو جعفر (عليهالسلام) سلني ، قال يا معشر النصارى إن هذا لمليء بالمسائل أخبرني عن أهل الجنة كيف صاروا يأكلون و لا يتغوطون ؟ أعطني مثله في الدنيا ، قال أبو جعفر (عليهالسلام) هذا هو الجنين في بطن أمه يأكل مما تأكل أمه و لا يتغوط ، قال النصراني أصبت أ لم تقل ما أنا من علمائهم ؟ قال أبو جعفر (عليهالسلام) إنما قلت لك ما أنا من جهالهم ، قال النصراني فأسألك أو تسألني قال أبو جعفر (عليهالسلام) سلني قال يا معشر النصارى لأسألنه مسألة يرتطم فيها كما يرتطم الحمار في الوحل ، فقال له سل قال أخبرني عن رجل دنا من امرأته فحملت منه بابنين حملتهما جميعا في ساعة واحدة و وضعتهما في ساعة واحدة و ماتا في ساعة واحدة و دفنا في ساعة واحدة في قبر واحد عاش أحدهما خمسين و مائة سنة و عاش الآخر خمسين سنة من هما ؟ قال أبو جعفر (عليهالسلام) هما عزير و عزرة كانت حملت أمهما على ما وصفت ، و وضعتهما على ما وصفت ، و عاش عزرة و عزير ثلاثين سنة ثم أمات الله عزيرا مائة سنة و بقي عزرة يحيي ثم بعث الله عزيرا فعاش مع عزرة عشرين سنة و ماتا جميعا في ساعة واحدة فدفنا في قبر واحد ، قال النصراني يا معشر النصارى ما رأيت أحدا قط أعلم من هذا الرجل لا تسألوني عن حرف و هذا بالشام ردوني إلى كهفي فردوه إلى كهفه و رجع النصارى مع أبي جعفر (عليهالسلام) .
و قوله شهد الله أنه لا إله إلا هو و الملائكة و أولوا العلم قائما بالقسط قال قائما بالقسط معطوف على قوله شهد الله و القسط العدل إن الدين عند الله الإسلام قال التسليم لله و لأوليائه و هو التصديق ، و قد سمى الله الإيمان تصديقا حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن حمران بن أعين عن أي جعفر (عليهالسلام) قال إن الله فضل الإيمان على الإسلام بدرجة كما فضل الكعبة على المسجد الحرام بدرجة قال و حدثني محمد بن يحيى البغدادي رفع الحديث إلى أمير المؤمنين (عليهالسلام) أنه قال لأنسبن
تفسير القمي ج : 1ص :100
الإسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلي و لا ينسبها أحد بعدي الإسلام هو التسليم ، و التسليم هو اليقين ، و اليقين هو التصديق ، فالتصديق هو الإقرار ، و الإقرار هو الأداء ، و الأداء هو العمل و المؤمن من أخذ دينه عن ربه إن المؤمن يعرف إيمانه في عمله و إن الكافر يعرف كفره بإنكاره ، يا أيها الناس دينكم دينكم فإن السيئة فيه خير من الحسنة في غيره ، و إن السيئة فيه تغفر ، و إن الحسنة في غيره لا تقبل .
و قوله لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين و من يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة فإن هذه الآية رخصة ظاهرها خلاف باطنها يدان بظاهرها و لا يدان بباطنها إلا عند التقية ، إن التقية رخصة للمؤمن أن يراه [ أن يدين بدين ] الكافر فيصلي بصلاته و يصوم بصيامه إذا اتقاه في الظاهر و في الباطن يدين الله بخلاف ذلك ، و قوله قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله الآية ) فحب الله للعباد رحمة منه لهم و حب العباد لله طاعتهم له .
و قوله إن الله اصطفى آدم و نوحا و آل إبراهيم و آل عمران على العالمين ) فلفظ الآية عام و معناه خاص و إنما فضلهم على عالمي زمانهم و قال العالم (عليهالسلام) نزل « و آل عمران و آل محمد على العالمين » فأسقطوا آل محمد من الكتاب .
و قوله إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم فإن الله تبارك و تعالى أوحى إلى عمران أني واهب لك ذكرا يبرىء الأكمه و الأبرص و يحيي الموتى بإذن الله ، فبشر عمران زوجته
تفسير القمي ج : 1ص :101
بذلك فحملت ، فقالت رب إني نذرت لك ما في بطني محررا للمحراب ، و كانوا إذا نذروا نذرا جعلوا ولدهم للمحراب فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى و الله أعلم بما وضعت و ليس الذكر كالأنثى و أنت وعدتني ذكرا و إني سميتها مريم و إني أعيذها بك و ذريتها من الشيطان الرجيم فوهب الله لمريم عيسى (عليهالسلام) قال و حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال إن قلنا لكم في الرجل منا قولا فلم يكن فيه كان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك إن الله أوحى إلى عمران أني واهب لك ذكرا مباركا يبرىء الأكمه و الأبرص و يحيي الموتى بإذني و جاعله رسولا إلى بني إسرائيل فحدث بذلك امرأته حنة و هي أم مريم فلما حملت بها كان حملها عند نفسها غلاما « فلما وضعتها أنثى قالت رب إني وضعتها أنثى و ليس الذكر كالأنثى » لأن البنت لا تكون رسولا يقول الله « و الله أعلم بما وضعت » فلما وهب الله لمريم عيسى (عليهالسلام) كان هو الذي بشر الله به عمران و وعده إياه فإذا قلنا لكم في الرجل منا شيئا فكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك .
فلما بلغت مريم صارت في المحراب و أرخت على نفسها سترا و كان لا يراها أحد و كان يدخل عليها زكريا المحراب فيجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء و فاكهة الشتاء في الصيف ، فكان يقول لها أنى لك هذا ؟ فتقول هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ، هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء فنادته الملائكة و هو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله و سيدا و حصورا و نبيا من الصالحين الحصور الذي لا يأتي النساء قال رب أنى يكون لي غلام و قد بلغني الكبر و امرأتي عاقر و العاقر التي قد يئست من المحيض قال كذلك الله يفعل ما يشاء قال زكريا رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا و ذلك أن زكريا ظن أن الذي بشره
تفسير القمي ج : 1ص :102
هم الشياطين فقال « رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا » فخرس ثلاثة أيام ، و قوله إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفيك و طهرك و اصطفيك على نساء العالمين قال اصطفاها مرتين ، أما الأولى اصطفاها أي اختارها و أما الثانية فإنها حملت من غير فحل فاصطفاها بذلك على نساء العالمين و قوله يا مريم اقنتي لربك و اسجدي و اركعي مع الراكعين و إنما هو اركعي و اسجدي ثم قال الله لنبيه (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك يا محمد و ما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم و ما كنت لديهم إذ يختصمون قال لما ولدت اختصم آل عمران فيها فكلهم قالوا نحن نكفلها فخرجوا و قارعوا بالسهام بينهم فخرج سهم زكريا فتكفلها زكريا .
إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا و الآخرة و من المقربين أي ذا وجه و جاه و نكتب مولده و خبره في سورة مريم و قوله أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير أي أقدر و هو خلق تقدير ، حدثنا أحمد بن محمد الهمداني قال حدثني جعفر بن عبد الله قال حدثنا كثير بن عياش عن زياد بن المنذر عن أبي الجارود عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهماالسلام) في قوله و أنبئكم بما تأكلون و ما تدخرون في بيوتكم فإن عيسى (عليهالسلام) كان يقول لبني إسرائيل إني رسول الله إليكم و أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله و أبرىء الأكمه و الأبرص ، الأكمه هو الأعمى قالوا ما نرى الذي تصنع إلا سحرا فأرنا آية نعلم إنك صادق قال أ رأيتم إن أخبرتكم « بما تأكلون و ما تدخرون » يقول ما أكلتم في بيوتكم قبل أن تخرجوا و ما ذخرتم الليل ، تعلمون أني صادق ؟ قالوا نعم فكان يقول للرجل أكلت كذا و كذا و شربت كذا و كذا و رفعت كذا و كذا فمنهم من يقبل منه فيؤمن و منهم من ينكر فيكفر ، و كان لهم في ذلك آية إن كانوا مؤمنين .
تفسير القمي ج : 1ص :103
و قال علي بن إبراهيم في قوله و لأحل لكم بعض الذي حرم عليكم و هو السبت و الشحوم و الطير الذي حرمه الله على بني إسرائيل قال و روى ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في قول الله تعالى فلما أحس عيسى (عليهالسلام) منهم الكفر أي لما سمع و رأى أنهم يكفرون ، و الحواس الخمس التي قدرها الله في الناس السمع للصوت ، و البصر للألوان و تمييزها ، و الشم لمعرفة الروائح الطيبة و الخبيثة ، و الذوق للطعوم و تمييزها ، و اللمس لمعرفة الحار و البارد و اللين و الخشن . و أما قوله إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك و رافعك إلي و مطهرك من الذين كفروا و جاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل بن صالح عن حمران بن أعين عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال إن عيسى (عليهالسلام) وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه ، فاجتمعوا إليه عند المساء و هم اثنا عشر رجلا فأدخلهم بيتا ثم خرج عليهم من عين في زاوية البيت و هو ينفض رأسه من الماء ، فقال إن الله أوحى إلي أنه رافعي إليه الساعة و مطهري من اليهود فأيكم يلقى عليه شبحي فيقتل و يصلب و يكون معي في درجتي ، فقال شاب منهم أنا يا روح الله قال فأنت هو ذا فقال لهم عيسى (عليهالسلام) أما إن منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة ، فقال له رجل منهم أنا هو يا نبي الله ؟ فقال عيسى إن تحس بذلك في نفسك فلتكن هو ثم قال لهم عيسى (عليهالسلام) أما إنكم ستفترقون بعدي على ثلاث فرق فرقتين مفتريتين على الله في النار و فرقة تتبع شمعون صادقة على الله في الجنة ثم رفع الله عيسى إليه من زاوية البيت و هم ينظرون إليه ، ثم قال أبو جعفر (عليهالسلام) إن اليهود جاءت في طلب عيسى (عليهالسلام) من ليلتهم فأخذوا الرجل الذي قال له عيسى (عليهالسلام) إن منكم لمن يكفر بي من قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة و أخذوا الشاب الذي ألقي عليه شبح عيسى فقتل و صلب و كفر الذي قال له عيسى (عليهالسلام) تكفر قبل أن تصبح اثنتي عشرة كفرة .
تفسير القمي ج : 1ص :104
و أما قوله إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون إلى قوله فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) أن نصارى نجران لما وقدوا على رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و كان سيدهم الأهتم و العاقب و السيد و حضرت صلاتهم فأقبلوا يضربون بالناقوس و صلوا ، فقال أصحاب رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) هذا في مسجدك فقال دعوهم فلما فرغوا دنوا من رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فقالوا إلى ما تدعون ، فقال إلى شهادة « أن لا إله إلا الله و أني رسول الله و أن عيسى عبد مخلوق يأكل و يشرب و يحدث » قالوا فمن أبوه ؟ فنزل الوحي على رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فقال قل لهم ما تقولون في آدم (عليهالسلام) أ كان عبدا مخلوقا يأكل و يشرب و ينكح فسألهم النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فقالوا نعم ، فقال فمن أبوه ؟ فبهتوا فبقوا ساكتين فأنزل الله إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الآية و أما قوله فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم إلى قوله فنجعل لعنة الله على الكاذبين فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فباهلوني فإن كنت صادقا أنزلت اللعنة عليكم و إن كنت كاذبا نزلت علي ، فقالوا أنصفت فتواعدوا للمباهلة ، فلما رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم السيد و العاقب و الأهتم إن باهلنا بقومه باهلناه ، فإنه ليس بنبي و إن باهلنا بأهل بيته خاصة فلا نباهله فإنه لا يقدم على أهل بيته إلا و هو صادق ، فلما أصبحوا جاءوا إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و معه أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهماالسلام) ، فقال النصارى من هؤلاء فقيل لهم هذا ابن عمه و وصيه و ختنه علي بن أبي طالب و هذه بنته فاطمة و هذان ابناه الحسن و الحسين (عليهماالسلام) ، فعرفوا و قالوا لرسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) نعطيك الرضى فاعفنا من المباهلة ، فصالحهم رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) على الجزية و انصرفوا .
تفسير القمي ج : 1ص :105
و قوله يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم و ما أنزلت التورية و الإنجيل إلا من بعده أ فلا تعقلون ثم قال ها أنتم هؤلاء أي أنتم يا هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم يعني بما في التوراة و الإنجيل فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم يعني بما في صحف إبراهيم و الله يعلم و أنتم لا تعلمون ثم قال ما كان إبراهيم يهوديا و لا نصرانيا و لكن كان حنيفا مسلما و ما كان من المشركين ثم وصف الله عز و جل من أولى الناس بإبراهيم يحتج به ، فقال إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه و هذا النبي و الذين آمنوا و الله ولي المؤمنين قال حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن منصور بن يونس عن عمر بن يزيد قال أبو عبد الله (عليهالسلام) أنتم و الله من آل محمد فقلت من أنفسهم جعلت فداك ؟
قال نعم و الله من أنفسهم ثلاثا ثم نظر إلي و نظرت إليه فقال يا عمر إن الله يقول في كتابه « إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه و هذا النبي و الذين آمنوا و الله ولي المؤمنين » و قوله يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل و تكتمون الحق و أنتم تعلمون أي تعلمون ما في التوراة من صفة رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و تكتمونه و قوله و قالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار و اكفروا آخره لعلهم يرجعون قال نزلت في قوم من اليهود قالوا آمنا بالذي جاء به محمد بالغداة و كفرنا به بالعشي و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) إن رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) لما قدم المدينة و هو يصلي نحو بيت المقدس أعجب اليهود من ذلك فلما صرفه الله عن بيت المقدس إلى بيت الحرام وجدت و كان صرف القبلة صلاة الظهر فقالوا صلى محمد الغداة و استقبل قبلتنا فآمنوا بالذي أنزل على محمد وجه النهار و اكفروا آخره ، يعنون القبلة حين استقبل رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) المسجد الحرام لعلهم يرجعون إلى قبلتنا .
تفسير القمي ج : 1ص :106
قال علي بن إبراهيم في قوله و من أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك و منهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل فإن اليهود قالوا يحل لنا أن نأخذ مال الأميين و الأمييون الذين ليس معهم كتاب ، فرد الله عليهم فقال و يقولون على الله الكذب و هم يعلمون و قوله إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمنا قليلا قال يتقربون إلى الناس بأنهم مسلمون فيأخذون منهم و يخونونهم و ما هم بمسلمين على الحقيقة و قوله و إن منهم لفريقا يلون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب و ما هو من الكتاب و يقولون هو من عند الله و ما هو من عند الله قال كان اليهود يقولون شيئا ليس في التوراة و يقولون هو في التوراة فكذبهم الله و قوله ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب و الحكم و النبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله و لكن كونوا ربانيين أي إن عيسى لم يقل للناس إني خلقتكم فكونوا عبادا لي من دون الله و لكن قال لهم كونوا ربانيين أي علماء و قوله و لا يأمركم أن تتخذوا الملائكة و النبيين أربابا قال كان قوم يعبدون الملائكة ، و قوم من النصارى زعموا أن عيسى رب ، و اليهود قالوا عزير ابن الله فقال ، الله و لا يأمركم أن تتخذوا الملائكة و النبيين أربابا .
و أما قوله و إذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب و حكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به و لتنصرنه فإن الله أخذ ميثاق نبيه أي محمد (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) على الأنبياء أن يؤمنوا به و ينصروه و يخبروا أممهم بخبره ، حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال ما بعث الله نبيا من لدن آدم فهلم جرا إلا و يرجع إلى الدنيا و ينصر أمير المؤمنين (عليهالسلام) و هو قوله « لتؤمنن به » يعني رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) « و لتنصرنه » يعني أمير المؤمنين (عليهالسلام) ثم قال لهم في الذر ء أقررتم و أخذتم على ذلكم
تفسير القمي ج : 1ص :107
إصري أي عهدي قالوا أقررنا قال الله للملائكة فاشهدوا و أنا معكم من الشاهدين و هذه مع الآية التي في سورة الأحزاب في قوله « و إذ أخذنا من النبيين ميثاقهم و منك و من نوح الآية » و الآية التي في سورة الأعراف قوله « و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم » قد كتبت هذه الثلاث آيات في ثلاث سور .
ثم قال عز و جل أ فغير دين الله يبغون قال أ غير هذا الذي قلت لكم أن تقروا بمحمد و وصيه و له أسلم من في السموات و الأرض طوعا و كرها أي فرقا من السيف .
ثم أمر نبيه بالإقرار بالأنبياء و الرسل و الكتب فقال قل يا محمد آمنا بالله و ما أنزل علينا و ما أنزل على إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط و ما أوتي موسى و عيسى و ما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم و نحن له مسلمون و قوله و من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه فإنه محكم .
ثم ذكر الله عز و جل الذين ينقضون عهد الله في أمير المؤمنين و كفروا بعد رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فقال كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم و شهدوا أن الرسول حق و جاءهم البينات و الله لا يهدي القوم الظالمين أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب و لا هم ينظرون إن الذين كفروا و ماتوا و هم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا و لو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم و ما لهم من ناصرين فهذه كلها في أعداء آل محمد ثم قال لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون أي لن تنالوا الثواب حتى تردوا على آل محمد حقهم من الخمس و الأنفال و الفيء .
و أما قوله كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التورية قال إن يعقوب كان يصيبه عرق النساء فحرم على نفسه لحم الجمل فقال اليهود إن لحم الجمل محرم في التوراة ، فقال عز و جل لهم فأتوا بالتوريه فاتلوها إن كنتم صادقين إنما حرم هذا إسرائيل على نفسه و لم يحرمه على الناس و هذا حكاية عن اليهود و لفظه لفظ الخبر .
تفسير القمي ج : 1ص :108
و قوله إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة قال معنى بكة إن الناس يبك بعضهم بعضا في الزحام و قوله و من دخله كان آمنا فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في الرجل يجني الجناية في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم قال لا يقام عليه الحد و لا يكلم و لا يسقى و لا يطعم و لا يباع منه ، إذا فعل ذلك به يوشك أن يخرج فيقام عليه الحد و إذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم لأنه لم ير للحرم حرمة ، و قوله و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا و من كفر أي من ترك الحج و هو مستطيع فقد كفر ، و الاستطاعة هي القوة و الزاد و الراحلة ، و قوله اتقوا الله حق تقاته فإنه منسوخ بقوله « اتقوا الله ما استطعتم » و قوله و اعتصموا بحبل الله جميعا قال التوحيد و الولاية و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله و لا تفرقوا قال إن الله تبارك و تعالى علم أنهم سيفترقون بعد نبيهم و يختلفون فنهاهم عن التفرق كما نهى من كان قبلهم فأمرهم أن يجتمعوا على ولاية آل محمد (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و لا يتفرقوا .
و قال علي بن إبراهيم في قوله و اذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فإنها نزلت في الأوس و الخزرج كان الحرب بينهم مائة سنة لا يضعون السلاح بالليل و لا بالنهار حتى ولد عليه الأولاد فلما بعث الله نبيه أصلح بينهم فدخلوا في الإسلام و ذهبت العداوة من قلوبهم برسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و صاروا إخوانا ، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير فهذه الآية لآل محمد (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و من تابعهم يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر .
تفسير القمي ج : 1ص :109
قال علي بن إبراهيم في قوله يوم تبيض وجوه و تسود وجوه إلى قوله ففي رحمة الله هم فيها خالدون فإنه حدثني أبي عن صفوان بن يحيى عن أبي الجارود عن عمران بن هيثم عن مالك بن ضمرة عن أبي ذر رحمة الله عليه قال لما نزلت هذه الآية « يوم تبيض وجوه و تسود وجوه » قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) يرد علي أمتي يوم القيامة على خمس رايات ، فراية مع عجل هذه الأمة فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون أما الأكبر فحرفناه و نبذناه وراء ظهورنا و أما الأصغر فعاديناه و أبغضناه و ظلمناه ، فأقول ردوا النار ظمآء مظمئين مسودة وجوهكم ، ثم يرد علي راية مع فرعون هذه الأمة ، فأقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون أما الأكبر فحرفناه و مزقناه و خالفناه و أما الأصغر فعاديناه و قاتلناه ، فأقول ردوا النار ظمآء مظمئين مسودة وجوهكم ، ثم ترد علي راية مع سامري هذه الأمة فأقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون أما الأكبر فعصيناه و تركناه و أما الأصغر فخذلناه و ضيعناه و صنعنا به كل قبيح فأقول ردوا النار ظمآء مظمئين مسودة وجوهكم ثم ترد علي راية ذي الثدية مع أول الخوارج و آخرهم فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون أما الأكبر ففرقناه [ فمزقناه ] و برئنا منه و أما الأصغر فقاتلناه و قتلناه ، فأقول ردوا النار ظمآء مظمئين مسودة وجوهكم ، ثم ترد علي راية مع إمام المتقين و سيد الوصيين و قائد الغر المحجلين و وصي رسول رب العالمين ، فأقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون أما الأكبر فاتبعناه و أطعناه و أما الأصغر فأحببناه و واليناه و وازرناه و نصرناه حتى أهرقت فيهم دماؤنا ، فأقول ردوا الجنة رواء مرويين مبيضة وجوهكم ثم تلا رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) « يوم تبيض وجوه و تسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أ كفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم
تفسير القمي ج : 1ص :110
تكفرون و أما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون قوله كنتم خير أمة أخرجت للناس و حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن سنان قال قرئت عند أبي عبد الله (عليهالسلام) « كنتم خير أمة أخرجت للناس » فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) « خير أمة » يقتلون أمير المؤمنين و الحسن و الحسين (عليهماالسلام) ؟ فقال القارىء جعلت فداك كيف نزلت ؟ قال نزلت « كنتم خير أئمة أخرجت للناس » أ لا ترى مدح الله لهم « تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله » .
و قوله ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله و حبل من الناس و باءوا بغضب من الله يعني بعهد من الله و عقد من رسول الله و ضربت عليهم المسكنة أي الجوع و قوله و ما يفعلوا من خير فلن يكفروه أي لن تجحدوه ثم ضرب للكفار من أنفق ماله في غير طاعة الله مثلا فقال مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أي برد أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته أي زرعهم و ما ظلمهم الله و لكن كانوا أنفسهم يظلمون و قوله يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم نزلت في اليهود و قوله لا يألونكم خبالا أي عداوة و قوله عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قال أطراف الأصابع و قوله و إذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال و الله سميع عليم فإنه حدثني أبي عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال سبب نزول هذه الآية أن قريشا خرجت من مكة تريد حرب رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فخرج يبغي موضعا للقتال .
و قوله إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا نزلت في عبد الله بن أبي و قوم من أصحابه اتبعوا رأيه في ترك الخروج و القعود عن نصرة رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) قال و كان سبب غزوة أحد أن قريشا لما رجعت من بدر إلى مكة و قد أصابهم ما أصابهم من القتل و الأسر لأنه قتل منهم سبعون و أسر منهم سبعون ، فلما رجعوا
تفسير القمي ج : 1ص :111
إلى مكة قال أبو سفيان يا معشر قريش لا تدعوا النساء تبكي على قتلاكم فإن البكاء و الدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن و الحرقة و العداوة لمحمد و يشمت بنا محمد و أصحابه ، فلما غزوا رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) يوم أحد أذنوا لنسائهم بعد ذلك في البكاء و النوح فلما أرادوا أن يغزوا رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) إلى أحد ساروا في حلفائهم من كنانة و غيرها فجمعوا الجموع و السلاح و خرجوا من مكة في ثلاثة آلاف فارس و ألفي راجل و أخرجوا معهم النساء يذكرنهم و يحثنهم على حرب رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و أخرج أبو سفيان هند بنت عتبة و خرجت معهم عمرة بنت علقمة الحارثية .
فلما بلغ رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) ذلك جمع أصحابه و أخبرهم أن الله قد أخبره أن قريشا قد تجمعت تريد المدينة ، و حث أصحابه على الجهاد و الخروج ، فقال عبد الله بن أبي [ سلول ] و قومه يا رسول الله لا تخرج من المدينة حتى نقاتل في أزقتها ، فيقاتل الرجل الضعيف و المرأة و العبد و الأمة على أفواه السكك و على السطوح فما أرادنا قوم قط فظفروا بنا و نحن في حصوننا و دورنا و ما خرجنا إلى أعدائنا قط إلا كان الظفر لهم ، فقام سعد بن معاذ رحمه الله و غيره من الأوس فقالوا يا رسول الله ما طمع فينا أحد من العرب و نحن مشركون نعبد الأصنام فكيف يطعمون فينا و أنت فينا لا ، حتى نخرج إليهم فنقاتلهم فمن قتل منا كان شهيدا و من نجى منا كان قد جاهد في سبيل الله فقبل رسول الله قوله و خرج مع نفر من أصحابه يبتغون موضع القتال كما قال الله « و إذ غدوت من أهلك تبوء المؤمنين إلى قوله إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا » يعني عبد الله بن أبي و أصحابه ، فضرب رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) معسكره مما يلي من طريق العراق و قعد عبد الله بن أبي و قومه من الخزرج اتبعوا رأيه ، و وافت قريش إلى أحد و كان رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) عد أصحابه و كانوا سبعمائة رجلا ، فوضع عبد الله بن جبير في خمسين من الرماة على باب الشعب و أشفق أن يأتي كمينهم في ذلك المكان فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) لعبد الله
تفسير القمي ج : 1ص :112
بن جبير و أصحابه إن رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تخرجوا من هذا المكان و إن رأيتموهم قد هزمونا حتى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا و الزموا مراكزكم و وضع أبو سفيان خالد بن الوليد في مائتي فارس كمينا ، و قال لهم إذا رأيتمونا قد اختلطنا بهم فاخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا من ورائهم فلما أقبلت الخيل و اصطفوا و عبأ رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) أصحابه دفع الراية إلى أمير المؤمنين (عليهالسلام) فحملت الأنصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة و وقع أصحاب رسول الله في سوادهم و انحط خالد بن الوليد في مائتي فارس ، فلقي عبد الله بن جبير فاستقبلوهم بالسهام فرجعوا و نظر أصحاب عبد الله بن جبير إلى أصحاب رسول الله ينهبون سواد القوم ، قالوا لعبد الله بن جبير تقيمنا هاهنا و قد غنم أصحابنا و نبقى نحن بلا غنيمة ، فقال لهم عبد الله اتقوا الله فإن رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) قد تقدم إلينا أن لا نبرح فلم يقبلوا منه و أقبل ينسل رجل فرجل حتى أخلوا من مركزهم و بقي عبد الله بن جبير في اثني عشر رجلا ، و قد كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العدوي من بني عبد الدار فبرز و نادى يا محمد تزعمون أنكم تجهزونا بأسيافكم إلى النار و نجهزكم بأسيافنا إلى الجنة فمن شاء أن يلحق بجنته فليبرز إلي ، فبرز إليه أمير المؤمنين (عليهالسلام) يقول :
تفسير القمي ج : 1ص :113
فقال طلحة من أنت يا غلام ؟ قال أنا علي بن أبي طالب قال قد علمت يا قضيم أنه لا يجسر علي أحد غيرك ، فشد عليه طلحة فضربه فاتقاه أمير المؤمنين (عليهالسلام) بالجحفة ثم ضربه أمير المؤمنين (عليهالسلام) على فخذيه فقطعهما جميعا فسقط على ظهره ، و سقطت الراية ، فذهب علي (عليهالسلام) ليجهز عليه فحلفه بالرحم فانصرف عنه فقال المسلمون ألا أجهزت عليه قال قد ضربته ضربة لا يعيش منها أبدا ، و أخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحة فقتله علي (عليهالسلام) و سقطت الراية على الأرض ، فأخذها شافع [ مسافع ] بن أبي طلحة فقتله علي (عليهالسلام) فسقطت الراية إلى الأرض فأخذها عثمان بن أبي طلحة فقتله علي (عليهالسلام) فسقط الراية إلى الأرض فأخذها الحارث بن أبي طلحة فقتله علي (عليهالسلام) ، فسقطت الراية إلى الأرض ، و أخذها أبو عذير بن عثمان فقتله علي (عليهالسلام) و سقطت الراية إلى الأرض فأخذها عبد الله بن أبي جميلة بن زهير فقتله علي (عليهالسلام) و سقطت الراية إلى الأرض ، فقتل أمير المؤمنين (عليهالسلام) التاسع من بني عبد الدار ، و هو أرطاة بن شرحبيل مبارزة و سقطت الراية إلى الأرض ، فأخذها مولاهم صواب فضربه أمير المؤمنين (عليهالسلام) على يمينه فقطعها و سقطت الراية إلى الأرض فأخذها بشماله فضربه أمير المؤمنين (عليهالسلام) على شماله فقطعها و سقطت الراية إلى الأرض ، فاحتضنها بيديه المقطوعتين ثم قال يا بني عبد الدار هل أعذرت فيما بيني و بينكم ؟ فضربه أمير المؤمنين (عليهالسلام) على رأسه فقتله ، و سقطت الراية إلى الأرض ، فأخذتها عمرة بنت علقمة الحارثية فقبضتها . و انحط خالد بن الوليد على عبد الله بن جبير و قد فر أصحابه و بقي في نفر قليل فقتلوهم على باب شعب و استعقبوا المسلمين فوضعوا فيهم السيف ، و نظرت قريش في هزيمتها إلى الراية قد رفعت فلاذوا بها و أقبل خالد بن الوليد يقتلهم ، فانهزم
تفسير القمي ج : 1ص :114
أصحاب رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) هزيمة قبيحة و أقبلوا يصعدون في الجبال و في كل وجه ، فلما رأى رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) الهزيمة كشف البيضة عن رأسه و قال : « إني أنا رسول الله إلى أين تفرون عن الله و عن رسوله ؟ » .
و حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد الله (عليهالسلام) أنه سئل عن معنى قول طلحة بن أبي طلحة لما بارزه علي (عليهالسلام) يا قضيم ، قال إن رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) كان بمكة لم يجسر عليه أحد لموضع أبي طالب و اغروا به الصبيان و كانوا إذا خرج رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) يرمونه بالحجارة و التراب فشكى ذلك إلى علي (عليهالسلام) فقال بأبي أنت و أمي يا رسول الله إذا خرجت فأخرجني معك فخرج رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و معه أمير المؤمنين (عليهالسلام) فتعرض الصبيان لرسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) كعادتهم فحمل عليهم أمير المؤمنين (عليهالسلام) و كان يقضمهم في وجوههم و آنافهم و آذانهم فكانوا يرجعون باكين إلى آبائهم و يقولون قضمنا علي قضمنا علي فسمى لذلك « القضيم » .
و روي عن أبي واثلة شقيق بن سلمة قال كنت أماشي فلانا إذ سمعت منه همهمة ، فقلت له مه ، ما ذا يا فلان ؟ قال ويحك أ ما ترى الهزبر القضم بن القضم ، و الضارب بالبهم ، الشديد على من طغى و بغى ، بالسيفين و الراية ، فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب ، فقلت له يا هذا هو علي بن أبي طالب ، فقال ادن مني أحدثك عن شجاعته و بطولته ، بايعنا النبي يوم أحد على أن لا نفر و من فر منا فهو ضال و من قتل منا فهو شهيد و النبي زعيمه ، إذ حمل علينا مائة صنديد تحت كل صنديد مائة رجل أو يزيدون فأزعجونا عن طحونتنا
تفسير القمي ج : 1ص :115
فرأيت عليا كالليث يتقي الذر [ الدر ] و إذ قد حمل كفا من حصى فرمى به في وجوهنا ثم قال شاهت الوجوه و قطت و بطت و لطت ، إلى أين تفرون ، إلى النار ، فلم نرجع ، ثم كر علينا الثانية و بيده صفيحة يقطر منها الموت ، فقال بايعتم ثم نكثتم ، فو الله لأنتم أولى بالقتل ممن قتل ، فنظرت إلى عينيه كأنهما سليطان يتوقدان نارا ، أو كالقدحين المملوين دما ، فما ظننت إلا و يأتي علينا كلنا ، فبادرت أنا إليه من بين أصحابي فقلت يا أبا الحسن الله الله ، فإن العرب تكر و تفر و إن الكرة تنفي الفرة ، فكأنه (عليهالسلام) استحيا فولى بوجهه عني ، فما زلت أسكن روعة فؤادي ، فو الله ما خرج ذلك الرعب من قلبي حتى الساعة » .
و لم يبق مع رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) إلا أبو دجانة الأنصاري ، و سماك بن خرشة و أمير المؤمنين (عليهالسلام) ، فكلما حملت طائفة على رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) استقبلهم أمير المؤمنين فيدفعهم عن رسول الله و يقتلهم حتى انقطع سيفه ، و بقيت مع رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) نسيبة بنت كعب المازنية ، و كانت تخرج مع رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) في غزواته تداوي الجرحى ، و كان ابنها معها فأراد أن ينهزم و يتراجع ، فحملت عليه فقالت يا بني إلى أين تفر عن الله و عن رسوله ؟ فردته ، فحمل عليه رجل فقتله ، فأخذت سيف ابنها فحملت على الرجل فضربته على فخذه فقتلته ، فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) بارك الله عليك يا نسيبة و كانت تقي رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) بصدرها و ثدييها و يديها حتى أصابتها جراحات كثيرة ، و حمل ابن قميتة [ قمية ] على رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فقال أروني محمدا لا نجوت إن نجا محمد ، فضربه على حبل
تفسير القمي ج : 1ص :116
عاتقه ، و نادى قتلت محمدا و اللات و العزى ، و نظر رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) إلى رجل من المهاجرين قد ألقى ترسه خلف ظهره و هو في الهزيمة ، فناداه « يا صاحب الترس ألق ترسك و مر إلى النار » فرمى بترسه ، فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) يا نسيبة خذي الترس فأخذت الترس و كانت تقاتل المشركين ، فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) « لمقام نسيبة أفضل من مقام فلان و فلان » .
فلما انقطع سيف أمير المؤمنين (عليهالسلام) جاء إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فقال يا رسول الله إن الرجل يقاتل بالسلاح و قد انقطع سيفي فدفع إليه رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) سيفه « ذا الفقار » فقال قاتل بهذا ، و لم يكن يحمل على رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) أحد إلا يستقبله أمير المؤمنين (عليهالسلام) ، فإذا رأوه رجعوا فانحاز رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) إلى ناحية أحد ، فوقف و كان القتال من وجه واحد و قد انهزم أصحابه فلم يزل أمير المؤمنين (عليهالسلام) يقاتلهم حتى أصابه في وجهه و رأسه و صدره و بطنه و يديه و رجليه تسعون جراحة فتحاموه ، و سمعوا مناديا ينادي من السماء « لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي » فنزل جبرئيل على رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فقال : « هذه و الله المواساة يا محمد » فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) « لأني منه و هو مني » و قال جبرئيل « و أنا منكما » .
و كانت هند بنت عتبة في وسط العسكر ، فكلما انهزم رجل من قريش رفعت إليه ميلا و مكحلة و قالت إنما أنت امرأة فاكتحل بهذا ، و كان حمزة بن عبد المطلب يحمل على القوم فإذا رأوه انهزموا و لم يثبت له واحد و كانت هند بنت عتبة قد أعطت وحشيا عهدا لإن قتلت محمدا أو عليا أو حمزة لأعطيتك رضاك و كان وحشي عبدا لجبير بن مطعم حبشيا ، فقال وحشي أما محمد فلا أقدر عليه و أما علي فرأيته رجلا حذرا كثير الالتفات فلم أطمع فيه قال فكمنت لحمزة فرأيته يهد الناس هدا فمر بي فوطىء على جرف نهر فسقط ، فأخذت حربتي فهززتها
تفسير القمي ج : 1ص :117
و رميته فوقعت في خاصرته و خرجت من مثانته مغمسة بالدم فسقط فأتيته فشققت بطنه و أخذت كبده و أتيت بها إلى هند فقلت لها هذه كبد حمزة ، فأخذتها في فيها فلاكتها فجعلها الله في فيها مثل الداغصة فلفظتها و رمت بها فبعث الله ملكا فحملها و ردها إلى موضعها ، فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) يأبى الله أن يدخل شيئا من بدن حمزة النار ، فجاءت إليه هند فقطعت مذاكيره و قطعت أذنيه و جعلتهما خرصين و شدتهما في عنقها ، و قطعت يديه و رجليه و تراجعت الناس فصارت قريش على الجبل ، فقال أبو سفيان و هو على الجبل « أعل هبل » فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) لأمير المؤمنين (عليهالسلام) قل له « الله أعلى و أجل » فقال يا علي إنه قد أنعم علينا فقال علي (عليهالسلام) بل الله أنعم علينا ثم قال أبو سفيان يا علي أسألك باللات و العزى هل قتل محمد ؟ فقال له أمير المؤمنين (عليهالسلام) لعنك الله و لعن الله اللات و العزى معك ، و الله ما قتل محمد (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و هو يسمع كلامك ، فقال أنت أصدق ، لعن الله ابن قميئة زعم أنه قتل محمدا .
و كان عمرو بن قيس قد تأخر إسلامه فلما بلغه أن رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) في الحرب أخذ سيفه و ترسه و أقبل كالليث العادي يقول أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ثم خالط القوم فاستشهد فمر به رجل من الأنصار فرآه صريعا بين القتلى فقال يا عمرو أنت على دينك الأول ؟ فقال معاذ الله ، و الله إني أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ثم مات ، فقال رجل من أصحاب رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) يا رسول الله إن عمرو بن قيس قد أسلم فهو شهيد ؟ فقال إي و الله إنه شهيد ، ما رجل لم يصل لله ركعة دخل الجنة غيره .
تفسير القمي ج : 1ص :118
و كان حنظلة بن أبي عامر رجل من الخزرج ، قد تزوج في تلك الليلة التي كان في صبيحتها حرب أحد ، بنت عبد الله بن أبي سلول و دخل بها في تلك الليلة ، و استأذن رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) أن يقيم عندها فأنزل الله : إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله و رسوله و إذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله و رسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم » فأذن له رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) ، فهذه الآية في سورة النور و أخبار أحد في سورة آل عمران فهذا دليل على أن التأليف على خلاف ما أنزله الله ، فدخل حنظلة بأهله و واقع عليها فأصبح و خرج و هو جنب ، فحضر القتال فبعث امرأته إلى أربعة نفر من الأنصار لما أراد حنظلة أن يخرج من عندها و أشهدت عليه أنه قد واقعها فقيل لها لم فعلت ذلك ؟ قالت رأيت في هذه الليلة في نومي كأن السماء قد انفرجت فوقع فيها حنظلة ثم انظمت ، فعلمت أنها الشهادة فكرهت أن لا أشهد عليه ، فحملت منه .
فلما حضر القتال نظر حنظلة إلى أبي سفيان على فرس يجول بين العسكرين فحمل عليه فضرب عرقوب فرسه فاكتسعت الفرس و سقط أبو سفيان إلى الأرض و صاح يا معشر قريش أنا أبو سفيان و هذا حنظلة يريد قتلي و عدا أبو سفيان و مر حنظلة في طلبه فعرض له رجل من المشركين فطعنه فمشى إلى المشرك في طعنه فضربه فقتله ، و سقط حنظلة إلى الأرض بين حمزة و عمرو بن الجموح و عبد الله بن حزام و جماعة من الأنصار ، فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) رأيت الملائكة يغسلون حنظلة بين السماء و الأرض بماء المزن في صحائف من ذهب ، فكان يسمى غسيل الملائكة .
تفسير القمي ج : 1ص :119
و روي أن مغيرة بن العاص كان رجلا أعسر فحمل في طريقه إلى أحد ثلاثة أحجار ، فقال بهذه أقتل محمدا ، فلما حضر القتال نظر إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و بيده السيف فرماه بحجر ، فأصاب به رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فسقط السيف من يده فقال قتلته و اللات و العزى فقال أمير المؤمنين (عليهالسلام) كذب لعنه الله ، فرماه بحجر آخر فأصاب جبهته فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) اللهم حيره ، فلما انكشف الناس تحير فلحقه عمار بن ياسر فقتله ، و سلط الله على ابن قميئة الشجر فكان يمر بالشجرة فيقع وسطها فتأخذ من لحمه فلم يزل كذلك حتى صار مثل الصرر و مات لعنه الله و رجع المنهزمون من أصحاب رسول (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فأنزل الله على رسوله : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يعلم الله الذين جاهدوا منكم يعني و لما يرى لأنه عز و جل قد علم قبل ذلك من يجاهد و من لا يجاهد فأقام العلم مقام الرؤية لأنه يعاقب الناس بفعلهم لا بعلمه .
قوله : و لقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه و أنتم تنظرون و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله : « و لقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه الآية » فإن المؤمنين لما أخبرهم الله بالذي فعل بشهدائهم يوم بدر و منازلهم من الجنة رغبوا في ذلك فقالوا اللهم أرنا القتال نستشهد فيه فأراهم الله إياه في يوم أحد فلم يثبتوا إلا من شاء الله منهم ، فذلك قوله : « و لقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه » و أما قوله : و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أ فإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم فإن رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) لما خرج يوم أحد و عهد العاهد به على تلك الحال فجعل الرجل يقول لمن لقيه إن رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) قد قتل النجاء فلما رجعوا إلى المدينة أنزل الله و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل إلى قوله انقلبتم على أعقابكم يقول إلى الكفر و قوله : و كأين من نبي قاتل معه ربيون كثير
تفسير القمي ج : 1ص :120
يقول كأين من نبي قبل محمد قاتل معه ربيون كثير و الربيون الجموع الكثيرة و الربوة الواحدة عشرة آلاف يقول الله تبارك و تعالى : فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله من قبل نبيهم و ما ضعفوا و ما استكانوا و الله يحب الصابرين و ما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا و إسرافنا في أمرنا يعنون خطاياهم و ثبت أقدامنا و انصرنا على القوم الكافرين قال علي بن إبراهيم في قوله : يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين يعني عبد الله بن أبي حيث خرج مع رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) ثم رجع يجبن أصحابه قال للمؤمنين يوم أحد يوم الهزيمة ارجعوا إلى دينكم عن علي (عليهالسلام) بل الله مولاكم و هو خير الناصرين سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب يعني قريش بما أشركوا بالله قوله : و لقد صدقكم الله وعده يعني إن ينصركم الله عليهم إذ تحسونهم بإذنه إذ تقتلونهم بإذن الله حتى إذا فشلتم و تنازعتم في الأمر و عصيتم من بعد ما أريكم ما تحبون ، منكم من يريد الدنيا يعني أصحاب عبد الله بن جبير الذين تركوا مركزهم و مروا للغنيمة ، قوله و منكم من يريد الآخرة يعني عبد الله بن جبير و أصحابه الذين بقوا حتى قتلوا ثم صرفكم عنهم ليبتليكم أي يختبركم و لقد عفا عنكم و الله ذو فضل على المؤمنين ثم ذكر المنهزمين من أصحاب رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) ، فقال : إذ تصعدون و لا تلون على أحد و الرسول يدعوكم إلى قوله خبير بما تعملون و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله فأثابكم غما بغم فأما الغم الأول فالهزيمة و القتل ، و أما الغم الآخر فإشراف خالد بن الوليد عليهم يقول لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من الغنيمة و لا ما أصابكم يعني قتل إخوانهم فالله خبير بما تعملون ثم أنزل عليكم من بعد الغم قال يعني الهزيمة ، و رجع إلى تفسير علي بن إبراهيم .
تفسير القمي ج : 1ص :121
قال و تراجع أصحاب رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) المجروحون و غيرهم ، فأقبلوا يعتذرون إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فأحب الله أن يعرف رسوله من الصادق منهم و من الكاذب ، فأنزل الله عليهم النعاس في تلك الحالة حتى كانوا يسقطون إلى الأرض و كان المنافقون الذين يكذبون لا يستقرون قد طارت عقولهم و هم يتكلمون بكلام لا يفهم عنهم فأنزل الله نعاسا يغشى طائفة منكم يعني المؤمنين و طائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قال الله لمحمد (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) : قل إن الأمر كله لله ، يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا يقولون لو كنا في بيوتنا ما أصابنا القتل ، قال الله : لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم و ليبتلي الله ما في صدوركم و ليمحص ما في قلوبكم و الله عليم بذات الصدور فأخبر الله رسوله ما في قلوب القوم و من كان منهم مؤمنا و من كان منهم منافقا كاذبا بالنعاس فأنزل الله عليه « ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب » يعني المنافق الكاذب من المؤمن الصادق بالنعاس الذي ميز بينهم ، و قوله : إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان أي خدعهم حتى طلبوا الغنيمة ببعض ما كسبوا قال بذنوبهم و لقد عفا الله عنهم ثم قال : يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا يعني عبد الله بن أبي و أصحابه الذين قعدوا عن الحرب و قالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا و ما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم و الله يحيي و يميت و الله بما تعملون بصير ثم قال لنبيه : فبما رحمة من الله لنت لهم و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك أي انهزموا و لم يقيموا معك ثم قال تأديبا لرسوله فاعف عنهم و استغفر لهم و شاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين إن ينصركم الله فلا غالب لكم و إن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده و على الله فليتوكل
تفسير القمي ج : 1ص :122
المؤمنون و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله : ما كان لنبي أن يغل و من يغلل يأت بما غل يوم القيامة و صدق الله لم يكن الله ليجعل نبيا غالا و من يغلل يأت بما غل يوم القيامة و من غل شيئا رآه يوم القيامة في النار ثم يكلف أن يدخل إليه فيخرجه من النار ثم توفى كل نفس ما كسبت و هم لا يظلمون و أما قوله لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم فهذه الآية لآل محمد (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و أما قوله أ و لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم يقول بمعصيتكم أصابكم ما أصابكم إن الله على كل شيء قدير ، و ما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله و ليعلم المؤمنين و ليعلم الذين نافقوا و قيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله فهم ثلاث مائة منافق رجعوا مع عبد الله بن أبي سلول فقال لهم جابر بن عبد الله أنشدكم الله في نبيكم و دينكم و دياركم فقالوا و الله لا يكون قتال اليوم و لو نعلم أنه يكون قتال اتبعناكم يقول الله هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم و الله أعلم بما يكتمون و في رواية علي بن إبراهيم قوله ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ، و قوله « و لقد نصركم الله ببدر و أنتم أذلة » قال أبو عبد الله (عليهالسلام) ما كانوا أذلة و فيهم رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و إنما نزل « لقد نصركم ببدر و أنتم ضعفاء » .
فلما سكن القتال قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) من له علم بسعد بن الربيع فقال رجل أنا أطلبه فأشار رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) إلى موضع فقال اطلبه هناك فإني قد رأيته في ذلك الموضع قد شرعت حوله اثنا عشر رمحا ، قال فأتيت ذلك الموضع فإذا هو صريع بين القتلى ، فقلت يا سعد ، فلم يجبني ثم قلت يا سعد فلم يجبني فقلت يا سعد إن رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم)
تفسير القمي ج : 1ص :123
قد سأل عنك ، فرفع رأسه فانتعش كما ينتعش الفرخ ثم قال : إن رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) لحي ؟ قلت إي و الله إنه لحي و قد أخبرني أنه رأى حولك اثني عشر رمحا فقال الحمد لله صدق رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) لقد طعنت اثني عشر طعنة كلها قد جأفتني أبلغ قومي الأنصار السلام و قل لهم و الله ما لكم عند الله عذر أن تشوك رسول الله شوكة و فيكم عين تطرف ، ثم تنفس فخرج منه مثل دم الجزور و قد كان اختفى في جوفه و قضى نحبه رحمه الله ثم جئت إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فأخبرته فقال رحم الله سعدا نصرنا حيا و أوصى بنا ميتا .
ثم قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) من له علم بعمي حمزة ، فقال الحرث بن سمية أنا أعرف موضعه فجاء حتى وقف على حمزة فكره أن يرجع إلى رسول الله فيخبره فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) لأمير المؤمنين (عليهالسلام) يا علي اطلب عمك فجاء علي (عليهالسلام) فوقف على حمزة فكره أن يرجع إليه ، فجاء رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) حتى وقف عليه فلما رأى ما فعل به بكى ثم قال و الله ما وقفت موقفا قط أغيظ علي من هذا المكان لإن أمكنني الله من قريش لأمثلن بسبعين رجلا منهم ، فنزل عليه جبرئيل (عليهالسلام) فقال « و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم لهو خير للصابرين » فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) بل أصبر ، فهذه الآية في سورة النحل و كان يجب أن تكون في هذه السورة التي فيها أخبار أحد ، فألقى رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) على حمزة بردة كانت عليه فكانت إذا مدها على رأسه بدت رجلاه و إذا مدها على رجليه بدا رأسه ، فمدها على رأسه و ألقى على رجليه الحشيش و قال لو لا أني أحذر نساء بني عبد المطلب لتركته للعادية و السباع حتى يحشر يوم القيامة من بطون السباع و الطير ، و أمر رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) بالقتلى فجمعوا فصلى عليهم و دفنهم في مضاجعهم
تفسير القمي ج : 1ص :124
و كبر على حمزة سبعين تكبيرة ، قال و صاح إبليس لعنه الله بالمدينة « قتل محمد » فلم يبق أحد من نساء المهاجرين و الأنصار إلا خرجن ، و خرجت فاطمة بنت رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) تعدو على قدميها حتى وافت رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و قعدت بين يديه فكان إذا بكى رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) بكت لبكائه و إذا انتحب انتحبت ، و نادى أبو سفيان موعدنا و موعدكم في عام قابل فتقبل ، فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) لأمير المؤمنين (عليهالسلام) قل نعم ، و ارتحل رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و دخل المدينة و استقبلته النساء يولولن و يبكين فاستقبلته زينب بنت جحش ، فقال لها رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) احتسبي فقالت من يا رسول الله ؟ قال أخاك قالت إنا لله و إنا إليه راجعون هنيئا له الشهادة ، ثم قال لها احتسبي قالت من يا رسول الله ؟ قال حمزة بن عبد المطلب قالت إنا لله و إنا إليه راجعون هنيئا له الشهادة ، ثم قال لها احتسبي قالت من يا رسول الله ؟ قال زوجك مصعب بن عمير ، قالت وا حزناه ، فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) إن للزوج عند المرأة لحدا ما لأحد مثله ، فقيل لها لم قلت ذلك في زوجك ؟ قالت ذكرت يتم ولده .
قال و تآمرت قريش على أن يرجعوا على المدينة فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) من رجل يأتينا بخبر القوم ؟ فلم يجبه أحد ، فقال أمير المؤمنين (عليهالسلام) أنا آتيك بخبرهم ، قال اذهب فإن كانوا ركبوا الخيل و جنبوا الإبل فهم يريدون المدينة و الله لإن أرادوا المدينة لا يأذن الله فيهم ، و إن كانوا ركبوا الإبل و جنبوا الخيل فإنهم يريدون مكة ، فمضى أمير المؤمنين (عليهالسلام) على ما به من الألم و الجراحات حتى كان قريبا من القوم فرآهم قد ركبوا الإبل و جنبوا الخيل فرجع أمير المؤمنين إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فأخبره فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) أرادوا مكة .
فلما دخل رسول الله المدينة نزل عليه جبرئيل فقال يا محمد إن الله يأمرك أن تخرج في أثر القوم و لا يخرج معك إلا من به جراحة ، فأمر رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) مناديا
تفسير القمي ج : 1ص :125
ينادي يا معشر المهاجرين و الأنصار من كانت به جراحة فليخرج و من لم يكن به جراحة فليقم ، فأقبلوا يضمدون جراحاتهم و يداوونها فأنزل الله على نبيه « و لا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون و ترجون من الله ما لا يرجون » و هذه الآية في سورة النساء و يجب أن تكون في هذه السورة قال عز و جل إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله و تلك الأيام نداولها بين الناس و ليعلم الله الذين آمنوا و يتخذ منكم شهداء فخرجوا على ما بهم من الألم و الجراح فلما بلغ رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) بحمراء الأسد و قريش قد نزلت الروحا قال عكرمة بن أبي جهل و الحارث بن هشام و عمرو بن عاص و خالد بن الوليد نرجع فنغير على المدينة فقد قتلنا سراتهم و كبشهم يعني حمزة فوافاهم رجل خرج من المدينة فسألوه الخبر فقال تركت محمدا و أصحابه بحمراء الأسد يطلبونكم جد الطلب فقال أبو سفيان هذا النكد و البغي قد ظفرنا بالقوم و بغينا و الله ما أفلح قوم قط بغوا ، فوافاهم نعيم بن مسعود الأشجعي فقال أبو سفيان أين تريد ؟ قال المدينة لأمتار لأهلي طعاما ، قال هل لك أن تمر بحمراء الأسد و تلقى أصحاب محمد و تعلمهم أن خلفاءنا و موالينا قد وافونا من الأحابيش حتى يرجعوا عنا و لك عندي عشرة قلائص أملؤها تمرا و زبيبا ؟ قال نعم ، فوافا من غد ذلك اليوم حمراء الأسد ، فقال لأصحاب محمد (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) أين تريدون ؟ قالوا قريش ، قال ارجعوا فإن قريشا قد أجنحت إليهم خلفاؤهم و من كان تخلف عنهم و ما أظن إلا و أوائل القوم قد طلعوا عليكم الساعة ، فقالوا حسبنا الله و نعم الوكيل و نزل جبرئيل على رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فقال ارجع يا محمد فإن الله قد أرهب قريشا ، و مروا
تفسير القمي ج : 1ص :126
لا يلوون على شيء و رجع رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) إلى المدينة و أنزل الله الذين استجابوا لله و الرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم و اتقوا أجر عظيم الذين قال لهم الناس يعني نعيم بن مسعود فهذا اللفظ عام و معناه خاص إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوء و اتبعوا رضوان الله و الله ذو فضل عظيم فلما دخلوا المدينة قال أصحاب رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) ما هذا الذي أصابنا ؟ قد كنت تعدنا النصر ، فأنزل الله أ و لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم و ذلك لأن يوم بدر قتل من قريش سبعون و أسر منهم سبعون و كان الحكم في الأسارى القتل ، فقامت الأنصار إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فقالوا يا رسول الله هبهم لنا و لا تقتلهم حتى نفاديهم ، فنزل جبرئيل (عليهالسلام) فقال إن الله قد أباح لهم الفداء أن يأخذوا من هؤلاء و يطلقوهم ، على أن يستشهد منهم في عام قابل بقدر من يأخذوا منه الفداء من هؤلاء ، فأخبرهم رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) بهذا الشرط ، فقالوا قد رضينا به نأخذ العام الفداء من هؤلاء نتقوى به و يقتل منا في عام قابل بعدد ما نأخذ منهم الفداء و ندخل الجنة ، فأخذوا منهم الفداء و أطلقوهم ، فلما كان في هذا اليوم و هو يوم أحد قتل من أصحاب رسول الله سبعون ، فقالوا يا رسول الله ما هذا الذي أصابنا و قد كنت تعدنا بالنصر فأنزل الله « أ و لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم » بما اشترطتم يوم بدر و أما قوله و ما كان لنبي أن يغل و من يغلل يأت بما غل يوم القيامة فإن هذه نزلت في حرب بدر ، و هي مع الآيات التي في الأنفال في أخبار بدر ، و قد كتبت في هذه السورة مع أخبار أحد ، و كان سبب نزولها أنه كان في الغنيمة التي أصابوها يوم بدر قطيفة حمراء ففقدت فقال رجل من أصحاب رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) ما لنا لا نرى القطيفة ما أظن إلا أن رسول الله أخذها ، فأنزل الله في ذلك ، و ما كان لنبي أن يغل ... إلخ .
تفسير القمي ج : 1ص :127
فجاء رجل إلى رسول الله فقال إن فلانا غل قطيفة فأخبأها هنالك ، فأمر رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) بحفر ذلك الموضع فأخرج القطيفة .
و أما قوله : و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال هم و الله شيعتنا إذا دخلوا الجنة و استقبلوا الكرامة من الله استبشروا بمن لم يلحق بهم من إخوانهم من المؤمنين في الدنيا ألا خوف عليهم و لا هم يحزنون و هو رد على من يبطل الثواب و العقاب بعد الموت و أما قوله و لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم قال من بخل و لم ينفق ماله في طاعة الله صار ذلك يوم القيامة طوقا من نار في عنقه و هو قوله سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة و أما قوله : لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير و نحن أغنياء قال و الله ما رأوا الله تعالى فيعلموا أنه فقير و لكنهم رأوا أولياء الله فقراء فقالوا لو كان الله غنيا لأغنى أولياءه و أما قوله الذين قالوا إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار فإن قوما من اليهود قالوا لرسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) لن نؤمن لك حتى تأتينا بقربان تأكله النار و كان عند بني إسرائيل طست كانوا يقربون القربان فيضعونه في الطست فتجيء نار فتقع فيه فتحرقه ، فقالوا لرسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) لن نؤمن لك حتى تأتينا بقربان تأكله النار كما كان لبني إسرائيل فقال الله قل لهم يا محمد قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات و بالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات هي الآيات و الزبر و هي كتب الأنبياء بالنبوة و الكتاب المنير الحلال و الحرام .
تفسير القمي ج : 1ص :128
قال علي بن إبراهيم و أما قوله كل نفس ذائقة الموت و إنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار و أدخل الجنة فقد فاز أي نجى من النار و ما الحيوة الدنيا إلا متاع الغرور حدثني أبي عن سليمان الديلمي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال إذا كان يوم القيامة يدعى محمد (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) فيكسى حلة وردية ثم يقام على يمين العرش ثم يدعى بإبراهيم (عليهالسلام) فيكسى حلة بيضاء فيقام عن يسار العرش ، ثم يدعى بعلي أمير المؤمنين (عليهالسلام) فيكسى حلة وردية فيقام على يمين النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) ثم يدعى بإسماعيل فيكسى حلة بيضاء فيقام على يسار إبراهيم ، ثم يدعى بالحسن (عليهالسلام) فيكسى حلة وردية فيقام على يمين أمير المؤمنين (عليهالسلام) ثم يدعى بالحسين (عليهالسلام) فيكسى حلة وردية فيقام على يمين الحسن (عليهالسلام) ثم يدعى بالأئمة فيكسون حللا وردية و يقام كل واحد على يمين صاحبه ، ثم يدعى بالشيعة فيقومون أمامهم ثم يدعى بفاطمة و نسائها من ذريتها و شيعتها فيدخلون الجنة بغير حساب ، ثم ينادي مناد من بطنان العرش من قبل رب العزة و الأفق الأعلى نعم الأب أبوك يا محمد و هو إبراهيم و نعم الأخ أخوك و هو علي بن أبي طالب (عليهالسلام) و نعم السبطان سبطاك و هما الحسن و الحسين و نعم الجنين جنينك و هو محسن و نعم الأئمة الراشدون من ذريتك و هم فلان و فلان ، و نعم الشيعة شيعتك ألا إن محمدا و وصيه و سبطيه و الأئمة من ذريته هم الفائزون ثم يؤمر بهم إلى الجنة و ذلك قوله : « فمن زحزح عن النار و أدخل الجنة فقد فاز » و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله : و إذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس و لا تكتمونه و ذلك أن الله أخذ ميثاق الذين أوتوا الكتاب في محمد لتبيننه للناس إذا خرج و لا يكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم يقول نبذوا عهد الله وراء ظهورهم و اشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون .
تفسير القمي ج : 1ص :129
قال علي بن إبراهيم في قوله لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا و يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا نزلت في المنافقين الذين يحبون أن يحمدوا على غير فعل ، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) قوله و لا تحسبنهم بمفازة من العذاب يقول ببعيد من العذاب و لهم عذاب أليم .
قال علي بن إبراهيم في قوله الذين يذكرون الله قياما و قعودا و على جنوبهم يعني الصحيح يصلي قائما و المريض يصلي جالسا و على جنوبهم يعني مضطجعا يومىء إيماء إلى قوله ما للظالمين من أنصار فهو محكم ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان يعني رسول الله ينادي إلى الإيمان إلى قوله إنك لا تخلف الميعاد ثم ذكر أمير المؤمنين (عليهالسلام) و أصحابه المؤمنين فقال فالذين هاجروا و أخرجوا من ديارهم يعني أمير المؤمنين و سلمان و أبا ذر حين أخرج و أوذوا في سبيلي و قاتلوا و قتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم و لأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله و الله عنده حسن الثواب ثم قال لنبيه لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأويهم جهنم و بئس المهاد و أما قوله و إن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله و ما أنزل إليكم و ما أنزل إليهم خاشعين لله فهم قوم من اليهود و النصارى دخلوا في الإسلام ، منهم النجاشي و أصحابه ، و أما قوله اصبروا و صابروا و رابطوا فإنه حدثني أبي عن أبي بصير [ ابن أبي عمير ] عن ابن مسكان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال اصبروا على المصائب و صابروا على الفرائض و رابطوا على الأئمة (عليهمالسلام) ، و حدثني أبي عن الحسن [ الحسين ] بن خالد عن الرضا (عليهالسلام) قال إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين الصابرون ؟ فيقوم فئام من الناس ثم ينادي أين المتصبرون ، فيقوم فئام من الناس ، قلت جعلت فداك و ما الصابرون ؟ قال على أداء الفرائض و المتصبرون على اجتناب المحارم .