تفسیر قمی

علی بن ابراهیم القمی

نسخه متنی
نمايش فراداده

تفسير قمي سوره يس

36 سورة يس مكية آياتها ثلاث و ثمانون 83

بسم الله الرحمن الرحيم يس و القرآن الحكيم قال الصادق (عليه‏السلام‏) يس اسم رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و الدليل عليه قوله : إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم قال : على الطريق الواضح تنزيل العزيز الرحيم قال : القرآن لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون إلى قوله على أكثرهم يعني نزل به العذاب فهم

تفسير القمي ج : 2ص :212

لا يؤمنون و قوله : إنا جلعنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان إلى قوله فهم مقمحون قال : قد رفعوا رءوسهم و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه‏السلام‏) في قوله : و جعلنا من بين أيديهم سدا و من خلفهم سدا فأغشيناهم يقول : فأعميناهم فهم لا يبصرون الهدى أخذ الله سمعهم و أبصارهم و قلوبهم فأعماهم عن الهدى ، نزلت في أبي جهل بن هشام و نفر من أهل بيته ، و ذلك أن النبي (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) قام يصلي ، و قد حلف أبو جهل لئن رآه يصلي ليدمغنه ، فجاء و معه حجر و النبي قائم يصلي ، فجعل كلما رفع الحجر ليرميه أثبت الله يده إلى عنقه و لا يدور الحجر بيده ، فلما رجع إلى أصحابه سقط الحجر من يده ، ثم قام رجل آخر و هو من رهطه أيضا فقال أنا أقتله فلما دنا منه فجعل يسمع قراءة رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) فأرعب فرجع إلى أصحابه فقال : حال بيني و بينه كهيئة العجل يخطر بذنبه فخفت أن أتقدم ، و قوله : سواء عليهم ء أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون فلم يؤمن من أولئك الرهط من بني مخزوم أحد يعني ابن المغيرة .

و قال علي بن إبراهيم في قوله : و سواء عليهم ء أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون إلى قوله و كل شي‏ء أحصيناه في إمام مبين أي في كتاب مبين و هو محكم و ذكر ابن عباس عن أمير المؤمنين (عليه‏السلام‏) أنه قال أنا و الله الإمام المبين أبين للحق من الباطل و ورثته من رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) و هو محكم .

و قوله : و اضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قال : فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن مالك بن عطية عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه‏السلام‏)

تفسير القمي ج : 2ص :213

قال سألته عن تفسير هذه الآية فقال : بعث الله رجلين إلى أهل مدينة أنطاكية فجاءهم بما لا يعرفون فغلظوا عليهما فأخذوهما و حبسوهما في بيت الأصنام ، فبعث الله الثالث فدخل المدينة فقال : أرشدوني إلى باب الملك قال : فلما وقف على باب الملك قال : أنا رجل كنت أتعبد في فلاة من الأرض و قد أحببت أن أعبد إله الملك فأبلغوا كلامه الملك ، فقال : أدخلوه إلى بيت الآلهة فأدخلوه فمكث سنة مع صاحبيه ، فقال بهذا ينقل قوم من دين إلى دين بالحذق [ بالحرف ] أ فلا رفقتما ثم قال لهما : لا تقران بمعرفتي ثم أدخل على الملك ، فقال له الملك بلغني أنك كنت تعبد إلهي فلم أزل و أنت أخي فاسألني حاجتك ! قال : ما لي حاجة أيها الملك و لكن رأيت رجلين في بيت الآلهة فما بالهما ؟

قال الملك : هذان رجلان أتياني ببطلان ديني و يدعواني إلى إله سماوي ، فقال أيها الملك فمناظرة جميلة فإن يكن الحق لهما اتبعناهما و إن يكن الحق لنا دخلا معنا في ديننا ، فكان لهما ما لنا و ما عليهما ما علينا قال فبعث الملك إليهما فلما دخلا إليه قال لهما صاحبهما ما الذي جئتما به ؟ قالا جئنا ندعو إلى عبادة الله الذي خلق السماوات و الأرض و يخلق في الأرحام ما يشاء و يصور كيف يشاء و أنبت الأشجار و الأثمار و أنزل القطر من السماء . قال فقال لهما أ إلهكما هذا الذي تدعوان إليه و إلى عبادته إن جئنا بأعمى يقدر أن يرده صحيحا قالا إن سألناه أن يفعل فعل إن شاء ، قال أيها الملك علي بأعمى لم يبصر قط قال فأتي به ، فقال لهما ادعوا إلهكما أن يرد بصر هذا ، فقاما و صليا ركعتين فإذا عيناه مفتوحتان و هو ينظر إلى السماء ، فقال أيها الملك علي بأعمى آخر ، قال فأتي به قال فسجد سجدة ثم رفع رأسه فإذا الأعمى الآخر بصير ، فقال أيها الملك حجة بحجة علي بمقعد ، فأتي به فقال لهما مثل ذلك فصليا و دعوا الله فإذا المقعد قد أطلقت رجلاه و قام يمشي ، فقال أيها الملك علي بمقعد آخر فأتي به فصنع به كما صنع أول مرة فانطلق المقعد ، فقال أيها الملك قد أوتينا

تفسير القمي ج : 2ص :214

بحجتين و أتينا بمثله و لكن بقي شي‏ء واحد فإن هما فعلاه دخلت معهما في دينهما ثم قال : أيها الملك بلغني أنه كان للملك ابن واحد و مات فإن أحياه إلههما دخلت معهما في دينهما ، فقال له الملك : و أنا أيضا معك ، ثم قال لهما قد بقيت هذه الخصلة الواحدة قد مات ابن الملك فادعوا إلهكما فيحييه ، قال فخرا إلى الأرض ساجدين لله و أطالا السجود ثم رفعا رأسيهما و قالا للملك ابعث إلى قبر ابنك تجده قد قام من قبره إن شاء الله ، قال فخرج الناس ينظرون فوجدوه قد خرج من قبره ينفض رأسه من التراب ، قال فأتي به الملك فعرف أنه ابنه ، فقال له ما حالك يا بني ؟

قال كنت ميتا فرأيت رجلين من بين يدي ربي الساعة ساجدين يسألانه أن يحييني فأحياني ، قال تعرفهما إذا رأيتهما قال نعم ، قال : فأخرج الناس جملة إلى الصحراء فكان يمر عليه رجل رجل فيقول له أبوه انظر فيقول لا لا ثم مروا عليه بأحدهما بعد جمع كثير ، فقال هذا أحدهما و أشار بيده إليه ثم مروا أيضا بقوم كثيرين حتى رأى صاحبه الآخر فقال و هذا الآخر ، قال فقال النبي صاحب الرجلين أما أنا فقد آمنت بإلهكما و علمت أن ما جئتما به هو الحق قال فقال الملك و أنا أيضا آمنت بإلهكما ذلك و آمن أهل مملكته كلهم و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه‏السلام‏) في قوله لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر و لا الليل سابق النهار و كل في فلك يسبحون يقول الشمس سلطان النهار و القمر سلطان الليل لا ينبغي للشمس أن تكون مع ضوء القمر بالليل و لا يسبق الليل النهار يقول لا يذهب الليل حتى يدركه النهار« و كل في فلك يسبحون » يقول يجي‏ء [ يجري ] وراء الفلك الاستدارة و قوله إنا تطيرنا بكم قال بأسمائكم و قوله و جاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين قال نزلت في حبيب النجار إلى قوله و جعلني من المكرمين و قوله إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون أي ميتون .

تفسير القمي ج : 2ص :215

و قوله : سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض و من أنفسهم و مما لا يعلمون قال فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‏السلام‏) قال إن النطفة تقع من السماء إلى الأرض على النبات و التمر و الشجر فتأكل الناس منه و البهائم فتجري فيهم و قوله : و آية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلون أي نخرج و قوله و الشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم إلى قوله كالعرجون القديم قال : العرجون طلع النخل و هو مثل الهلال في أول طلوعه .

قال : و حدثني أبي عن داود بن محمد الفهدي قال دخل أبو سعيد المكاري على أبي الحسن الرضا (عليه‏السلام‏) فقال له أبلغ من قدرك أن تدعي ما ادعى أبوك ؟ فقال له الرضا (عليه‏السلام‏) ما لك أطفأ الله نورك و أدخل الفقر بيتك أ ما علمت أن الله أوحى إلى عمران أني واهب لك ذكرا فوهب له مريم و وهب لمريم عيسى فعيسى بن مريم من مريم و مريم من عيسى و مريم و عيسى شي‏ء واحد و أنا من أبي و أبي مني و أنا و أبي شي‏ء واحد ، فقال له أبو سعيد فأسألك عن مسألة ! قال : سل و لا أخالك تقبل مني و لست من غنمي و لكن هاتها ، فقال له ما تقول في رجل قال عند موته كل مملوك له قديم فهو حر لوجه الله قال نعم ، ما كان له ستة أشهر فهو قديم و هو حر ، لأن الله يقول و القمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم فما كان لستة أشهر فهو قديم حر ، قال : فخرج من عنده و افتقر و ذهب بصره ثم مات لعنه الله و ليس عنده مبيت ليلة و قوله : و آية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون قال السفن الملية و خلقنا لهم من مثله ما يركبون يعني الدواب و الأنعام و قوله و يقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم و هم يخصمون قال ذلك في آخر الزمان يصاح فيهم صيحة و هم في أسواقهم يتخاصمون فيموتون كلهم في مكانهم لا يرجع أحد منهم إلى منزله و لا يوصي بوصية و ذلك قوله فلا يستطيعون توصية و لا إلى أهلهم يرجعون و قوله و نفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون قال من القبور .

تفسير القمي ج : 2ص :216

و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه‏السلام‏) في قوله يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا فإن القوم كانوا في القبور فلما قاموا حسبوا أنهم كانوا نياما قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا قالت الملائكة هذا ما وعد الرحمن و صدق المرسلون .

قال علي بن إبراهيم ثم ذكر النفخة الثانية فقال إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون و قوله إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون قال في افتضاض العذارى فاكهون ، قال يفاكهون النساء و يلاعبونهن و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه‏السلام‏) في قوله : في ظلال على الأرائك متكئون الأرائك السرر عليها الحجال ، و قال علي بن إبراهيم في قوله سلام قولا من رب رحيم قال السلام منه تعالى هو الأمان و قوله و امتازوا اليوم أيها المجرمون قال إذا جمع الله الخلق يوم القيامة بقوا قياما على أقدامهم حتى يلجمهم العرق فينادوا يا رب حاسبنا و لو إلى النار فيبعث الله رياحا فتضرب بينهم و ينادي مناد و امتازوا اليوم أيها المجرمون فيميز بينهم فصار المجرمون إلى النار و من كان في قلبه إيمان صار إلى الجنة و قوله و لقد أضل منكم جبلا كثيرا يعني خلقا كثيرا قد هلك و قوله : اليوم نختم على أفواههم إلى قوله بما كانوا يكسبون قال : إذا جمع الله الخلق يوم القيامة دفع إلى كل إنسان كتابه فينظرون فيه فينكرون أنهم عملوا من ذلك شيئا فتشهد عليهم الملائكة فيقولون يا رب ملائكتك يشهدون لك ثم يحلفون أنهم لم يعملوا من ذلك شيئا و هو قوله« يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم » فإذا فعلوا ذلك ختم الله على ألسنتهم و تنطق جوارحهم بما كانوا يكسبون و قوله و لو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون يقول كيف يبصرون و لو نشاء لمسخناهم

تفسير القمي ج : 2ص :217

على مكانتهم يعني في الدنيا فما استطاعوا مضيا و لا يرجعون و قوله و من نعمره ننكسه في الخلق أ فلا يعقلون فإنه رد على الزنادقة الذين يبطلون التوحيد و يقولون إن الرجل إذا نكح المرأة و صارت النطفة في رحمها تلقته الأشكال من الغذاء و دار عليه الفلك و مر عليه الليل و النهار فيولد الإنسان بالطبائع من الغذاء و مرور الليل و النهار فنقض الله عليهم قولهم في حرف واحد فقال : و من نعمره ننكسه في الخلق أ فلا يعقلون قال لو كان هذا كما يقولون لكان ينبغي أن يزيد الإنسان أبدا ما دامت الأشكال قائمة و الليل و النهار قائمين و الفلك يدور فكيف صار يرجع إلى النقصان كلما ازداد في الكبر إلى حد الطفولية و نقصان السمع و البصر و القوة و العلم و المنطق حتى ينتكس و لكن ذلك من خلق العزيز العليم و تقديره .

و قوله : و ما علمناه الشعر و ما ينبغي له قال : كانت قريش تقول إن هذا الذي يقول محمد شعر فرد الله عليهم فقال و ما علمناه الشعر و ما ينبغي له إن هو إلا ذكر و قرآن مبين و لم يقل رسول الله (صلى‏الله‏عليه‏وآله‏وسلّم‏) شعرا قط و قوله : لينذر من كان حيا يعني مؤمنا حي القلب و قوله : و يحق القول على الكافرين يعني العذاب و قوله : أ و لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما أي خلقناها بقوتنا و قوله و ذللناها لهم يعني الإبل مع قوتها و عظمها يسوقها الطفل و قوله و لهم فيها منافع و مشارب أ فلا يشكرون يعني ما يكسبون بها و ما يركبونها و قوله و مشارب يعني ألبانها و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه‏السلام‏) في قوله و اتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم و هم لهم جند محضرون يقول لا يستطيعون الآلهة لهم نصرا و هم لهم أي للآلهة جند محضرون .

تفسير القمي ج : 2ص :218

و قال علي بن إبراهيم : ثم خاطب الله نبيه فقال فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون و ما يعلنون و قوله فإذا هو خصيم مبين أي ناطق عالم بليغ و قوله : و ضرب لنا مثلا و نسي خلقه قال من يحيي العظام و هي رميم فقال الله عز و جل قل يا محمد يحييها الذي أنشأها أول مرة و هو بكل خلق عليم .

قال فلو أن الإنسان تفكر في خلقة نفسه لدله ذلك على خالقه لأنه يعلم كل إنسان أنه ليس بقديم لأنه يرى نفسه و غيره مخلوقا محدثا و يعلم أنه لم يخلق نفسه لأن كل خالق قبل خلقه و لو خلق نفسه لدفع عنها الآفات و الأوجاع و الأمراض و الموت فيثبت عند ذلك أن لها خالقا مدبرا هو الله الواحد القهار قوله الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون و هو المرخ و العفار و يكون في ناحية بلاد الغرب فإذا أرادوا أن يستوقدوا أخذوا من ذلك الشجر ثم أخذوا عودا فحركوه فيه فيستوقدون منه النار ثم قال عز و جل أ و ليس الذي خلق السموات و الأرض بقادر إلى قوله كن فيكون قال خزائنه في كاف و نون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شي‏ء و إليه ترجعون .