فصول الغروية في الأصول الفقهية

محمد حسین عبدالرحیم حائري

نسخه متنی -صفحه : 448/ 238
نمايش فراداده

للعقل على امتناع تعلق التكليف بهذا المعنى بما لا مصلحة في فعله إذا تعقبه الاعلام برفعه قبل الفعل ويمكن أن ينزل عليه حكاية إبراهيم عليه السلام ويستقيم الدليلان الأخيران على ما وجهناها عليه ثم إن السيد العميد اعترض على الأشاعرة بأنهم قالوا بجواز النسخ قبل وقت العمل مع مصيرهم إلى أن الامر إنما يتوجه إلى المأمور عند مباشرته للفعل وأن الامر السابق على الفعل إخبار بوقوع الامر حال الفعل فإن الأول ينافي قولهم هنا بثبوت الامر قبل وقت الفعل والثاني يستلزم الكذب إذ الفرض انتفاء التكليف حال الفهم أقول ما عزاه إلى الأشاعرة من الامرين المذكورين مما لم أقف له على أثر في كلامهم وقد نقل العضدي الاجماع على ثبوت التكليف قبل الفعل ثم أورد نزاعهم في التكليف حال الفعل نعم ذكر شيخ الأشاعرة أن لا قدرة على الفعل إلا حال وقوعه ولعل ذلك أوهم مصيره إلى أن لا تكليف قبل الفعل إذ لا تكليف بغير المقدور ثم فرع عليه المسألة الثانية لكن أصحابه ألزموه بالقول بجواز التكليف بالمحال وهو المناسب لمصيره إلى أن أفعال العباد اضطرارية ثم لو سلم النقل المذكور فيمكن دفع الاشكال الأول بأن شأنية حصول الحكم عند الفعل حاصلة قبله والنسخ إنما يكون باعتباره والثاني بأن الأخبار المذكورة مقيدة بما إذا لم يطرأ الناسخ ولا يقدح عدم التصريح به لأنه مفهوم ضمنا

فصل اختلفوا في النسخ لا إلى بدل

فذهب الأكثرون إلى الجواز وهو الحق والآخرون إلى المنع ولنحرر أولا محل النزاع فنقول لا ريب في أن النسخ كما يقتضي رفع الحكم المنسوخ كذلك يستلزم ثبوت حكم آخر بناء على امتناع خلو الواقعة عن جميع الأحكام فالبدل المبحوث عنه في المقام ليس مطلق البدل وإنما هو البدل الشرعي أعني الحكم المدلول عليه ببيان شرعي وإن كان إباحة فإنه الذي يمكن انفكاكه عن النسخ حيث يقع بلفظ نسخت وشبهه فإن الإباحة حينئذ إنما تثبت بحكم العقل لا ببيان الشرع والعضدي خص البدل بالبدل التكليفي ولم أقف على ما أخذه وكأن منشأه أن النسخ لا ينفك عن ثبوت بدل ما حكما كان المنسوخ أو تلاوة وهل النزاع في مطلق النسخ فيتعين أن يكون المراد به البدل التكليفي وضعفه ظاهر مما مر أو أن إطلاق البدل ينصرف إلى البدل التكليفي في مثل المقام وهو غير بعيد إلا أنه في محل المنع وهل النزاع في مطلق النسخ حكما كان المنسوخ أو تلاوة أو في نسخ الحكم فقط دون التلاوة وجهان وبعضهم كالعضدي خص النزاع بنسخ الحكم وهو الأظهر ثم المراد بالجواز هنا عدم ما يعين عدمه ولو من الشرع وبعدم الجواز وجود ما يقتضي ذلك فقول العضدي في بعض مناقشاته في الاحتجاج بالآية بأنها إنما تقتضي عدم الوقوع والنزاع في الجواز بعيد إذ لا سبيل إلى إنكار الجواز العقلي بعد البناء على جواز النسخ إذا عرفت هذا فلنا على الجواز عدم ما يقتضي المنع لما سننبه [سنبينه] من ضعف ما تمسك به الخصم و عدم ما يصلح للمنع سواه وأيضا لو لم يجز لما وقع في الشرع وقد وقع كنسخ تقديم صدقات بين يدي النجوى بناء على أنه لم يجعل له بدل كما هو الظاهر ويعاضده الأصل وأما قوله تعالى بعد ذلك فإن لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلا دلالة له على بدلية إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة عنه لثبوتهما قبل نسخه أيضا بل المقصود مزيد تأكيد بفعلهما كما يظهر بالنظر إلى ما يقع من نظائره في المخاطبات العرفية احتج الخصم بقوله ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها وأجيب بوجوه الأول أن المفهوم من نسخ الآية نسخ لفظها لا نسخ حكمها فلا دلالة فيه على المجئ بالبدل في الثاني وما يقال من أن النسخ حقيقة شرعية في نسخ الحكم كما يدل عليه حدودهم المعروفة فحمله على نسخ اللفظ مجاز فلا يصار إليه من غير قرينة فمدفوع بالمنع من ثبوت الحقيقة الشرعية في ذلك لجواز أن يكون باقيا على معناه الأصلي أعني الرفع مع أن دعوى اختصاصه في العرف بنسخ الحكم في محل المنع لامكان دعوى اشتراكه بينه وبين نسخ اللفظ الثاني أن عدم الحكم قد يكون خيرا من ثبوته وقت نسخه فإن المصالح في الافعال مما يجوز أن تختلف باختلاف الأزمان والأحوال فلا يلزم الاتيان ببدل وجودي واعترض عليه أولا بأن العدم شر فلا يكون خيرا وفيه أن هذا الأصل مأخوذ من كلام الفلاسفة وقد نص بعض المتكلمين على أنه مما يساعد عليه وجدان ولم يقم عليه برهان فيمكن القدح فيه بالمنع ولو سلم فلا خفاء في أن من أثبت الحكم المذكور إنما أراد به أن العدم من حيث كونه عدما شر وإن جاز أن يكون من حيث ما يتبعه من اللوازم المقتضية لوجود أمور آخر خيرا كعدم الكفر وعدم الظلم ونحو ذلك فيصح دخول العدم المبحوث عنه في الخير [في الخارج] بهذا الاعتبار فإن الحسن والقبح مما يختلف بالوجوه والاعتبار وثانيا بأن العدم لا يوصف بكونه مأتيا به لأنه لا يحصل بالفاعل وتحقيقه أن العدم أزلي فلا يتعلق به الاتيان والتأثير لان متعلقهما الحوادث أو أن العدم نفي صرف والآتيان و التأثير إنما يتعلقان بالأمور الوجودية وفيه أن الكلام في العدم المضاف إلى فعل المكلف باعتبار كونه مسبوقا بالوجود وهو بهذا الاعتبار حادث وليس بنفي صرف والمراد بالاتيان به أو التأثير فيه تقريره وتثبيته في حق المكلفين ولو برفع نقيضه وهو لا يقتضي أن يكون متعلقه وجوديا وثالثا بأنه لا فائدة في الكلام حينئذ لان كل أحد يعلم أن دفع كل شئ يقتضي تحقق نقيضه وفيه أن المقصود بثبوت نقيضه بأحد الوصفين لا مطلقا ورابعا بأنه رتب الاتيان على رفع الحكم لأنه معنى النسخ فيجب مغايرته له وفيه إنه يكفي كون الجواب أخص فيغايره مغايرة العام للخاص الثالث أن الآية على تقدير تسليم دلالتها عامة فتقبل التخصيص بالمورد الذي ثبت فيه النسخ لا إلى بدل ولا يخفى أن هذا إنما يتم إذا