فصول الغروية في الأصول الفقهية

محمد حسین عبدالرحیم حائري

نسخه متنی -صفحه : 448/ 245
نمايش فراداده

ينتقض باتفاق المعصومين فإنه لا يعد عندنا إجماعا وإلا لكانت جميع الأحكام الشرعية عندنا إجماعية ولو بحسب الواقع فإن قلت المراد باتفاقهم في الفتوى أن يكون كل واحد منهم مفتيا والفتوى كالاجتهاد لا يصدق عرفا في حق المعصوم قلت هذا ممنوع ولو سلم فالمراد بها هنا المعنى الأعم لئلا يفسد الحد إذ الغرض دخول الامام عنده في المتفقين وإن كان الثاني فهو مع عدم انعكاسه على مذهبه غير مطرد لصدقه على ما لو علم بدخول المعصوم فيهم بعينه ولم يكن لقولهم مدخل في الكشف عن قوله فإن ذلك لا يسمى إجماعا عندنا كما سيأتي فالصواب أن يعرف الاجماع على قول من يعتبر دخول المعصوم في المتفقين على وجه لا يعرف نسبه بأنه اتفاق جماعة يعتبر قولهم في الفتاوى الشرعية على حكم ديني بحيث يقطع بدخول المعصوم فيهم لا على التعيين ولو في الجملة أو اتفاقا جماعة على حكم ديني يقطع بأن المعصوم أحدهم لا على التعيين مطلقا فخرج اتفاق المعصومين صلوات الله عليهم لان المعصوم يعرف فيهم بعينه مع أن الظاهر من اعتبار دخول المعصوم في المتفقين أن يكون فيهم غير معصوم والمراد بقولنا في الجملة عدم التعيين بين البعض ومطلقا عدم التعيين بين الكل والكلام في سائر القيود ظاهر مما مر والنسبة بين الحدين عموم من وجه لان الأول يتناول اتفاق جماعة يقطع بأن بعضهم على التعيين غير المعصوم ولا يتناول ما إذا قطع بدخول المعصوم في جماعة لا يعتبر قول من عداه في الفتاوى كالعوام والثاني على العكس والذي يساعد عليه مصطلحهم على ما يظهر من تضاعيف كلماتهم هو الأول والذي يقتضيه في الحجية هو الثاني فإن قلت لعل الوجه أن الواقع منه ليس إلا هذه الصورة وهي ما إذا كان المتفقون ممن يعتبر قولهم في الفتاوى وإن ضم من علم أنه ليس بمعصوم استطرادا قلت الاختصاص في الوقوع لا يوجب التخصيص في الماهية مع أن الظاهر عدم وقوع تلك الصورة أيضا كما سنشير إليه والاستطراد لا يصلح للتعليل لان الكلام فيما هو حجة حقيقة هذا والذي يساعد عليه النظر الصحيح أن مورد الاجماع لا يختص بالصورة المذكورة بل له صور أخرى أيضا كما سيأتي أظهرها أن يتفق جماعة مطلقا أو من أهل الفتوى على قول ديني بحيث يكشف عن موافقة قول المعصوم لهم ولو بمعونة ضميمة خارجية و الوجه في الترديد ما عرفت والطريقة التي تفرد بها الشيخ في الاجماع جارية على هذه الصورة ومن اعتبر في الاجماع دخول المعصوم في المتفقين فله أن يعرف هذه الصورة بأنها اتفاق جماعة يقطع بدخول المعصوم فيهم بعينه قطعا مستندا إلى اتفاق من عداه و يردد بينها وبين ما مر والفرق بين هاتين الصورتين اعتباري و المراد بالقول في هذه الحدود الرأي والمذهب سواء دل عليه بقول أو فعل أو غيرهما فقد تلخص مما حققنا أن الاجماع عبارة عن اتفاق جماعة على حكم ديني يقطع بأن المعصوم أحدهم لا بعينه أو يقطع به فيهم بعينه ويكون القطع بقوله مستندا إلى اتفاق الآخرين ولك أن تجعل الاجماع في الصورة الثانية عبارة عن الاتفاق الكاشف دون المجموع المركب من الكاشف والمستكشف عنه ولو عرف الاجماع بأنه الاتفاق الكاشف عن قول المعصوم على حكم ديني كان أخصر و أجمع

فصل اختلف القائلون بحجية الاجماع في مدركها

فلأصحابنا رضوان الله عليهم طرق ثلاثة الأول ما ذكره العلامة و جماعة وهو أن الأمة إذا قالت بقول فقد قال المعصوم به أيضا لأنه من الأمة بل سيدها ورئيسها والخطأ مأمون عليه وهذا التعليل ناظر إلى تفسير الاجماع باتفاق جميع علماء هذه الأمة فمرادهم باتفاق الأمة هنا اتفاق علمائها بقرينة الحد وكان السر في تخصيص الاجماع و طريقه باتفاق الكل مع عدم اختصاصها عندهم به كما نبهنا عليه هو أنهم تكلموا أولا على الاجماع بالمعنى المتداول عند العامة ثم نبهوا على الصورة التي ليس فيها اتفاق الكل جريا على طريقة الخاصة هذا واعترض على الطريق المذكور بأنه إن علم بوجود قول المعصوم بين الأقوال فالحجة هو قوله ولا مدخل لانضمام قول الآخرين إليه فيلغوا اعتباره وإن لم يعلم بطل دعوى موافقته لهم وأجيب بوجهين الأول ما حكاه بعضهم عن المرتضى رضي الله عنه بأنا لسنا بادئين بالحكم بحجية الاجماع حتى يرد كونه لغوا وإنما بدأ بذلك المخالفون وعرضوه علينا فلم نجد بدا من موافقتهم عليه لعدم تحقق الاجماع الذي هو حجة عندهم في كل عصر إلا بدخول الإمام عليه السلام في المجمعين سواء اعتبر إجماع الأمة أو المؤمنين أو العلماء فوافقناهم في أصل الحكم لكونه حقا في نفسه وإن خالفناهم في علته ودليله هذه عبارته المنقولة عنه ولا يخفى أن مرجع كلامه إلى إنكار كون الاجماع حجة مستقلة ودليلا برأسه يعتد به كما هو المعروف بين أصحابنا حيث إنهم جعلوه أحد الأدلة الأربعة وذكروه في مقابلة العقل والكتاب والسنة وأطالوا البحث عنه فإن ما هذا شأنه لا يكون البدأة بحجيته لغوا كما ذكره الثاني ما وجدته في كلام بعض المعاصرين من الفرق بين العلم الاجمالي والتفصيلي وحاصله أن الاشكال المذكور إنما يراد إذا كان المقصود العلم بأقوال الأمة أو بقول الإمام عليه السلام فيهم على التفصيل والتعيين وليس كذلك بل المقصود العلم بقول الامام في ضمن العلم بقول الأمة إجمالا فإنا إذا علمنا علما إجماليا بأن جميع الأمة متفقة على حكم نحكم بأن ذلك حجة لان الامام من جملتهم فالعلم بقول الامام هنا كالعلم بالمطلوب في كبرى الشكل الأول فإن العلم بجسمية الانسان في قولنا كل حيوان جسم إجمالي لا تفصيلي فلا يتوقف عليه التصديق بقولنا كل حيوان جسم وبه يندفع ما أورده بعض أهل التصوف على أهل النظر من أن الشكل الأول دوري وبقية الاشكال راجعة إليه فيبطل النظر والاستدلال ثم قال وهذا هو السر في اعتبارهم وجود شخص مجهول النسب في المجمعين ليجامع العلم الاجمالي ولو بدلوا ذلك بعدم العلم بأجمعهم تفصيلا لكان أولى ولعلهم يريدون به ذلك أقول يمكن تقرير الاعتراض في المقام بوجهين الأول أن الاتفاق ليس دليلا على الحكم وإنما الدليل عليه قول المعصوم المعلوم في ضمن الاتفاق فلا وجه لعده دليلا الثاني أن قول جميع الأمة ليس دليلا على قول المعصوم لان العلم بقول الجميع يتوقف على العلم بأقوال الآحاد التي من جملتها قول المعصوم فيتوقف على العلم بقوله أيضا فلو توقف العلم