فصول الغروية في الأصول الفقهية

محمد حسین عبدالرحیم حائري

نسخه متنی -صفحه : 448/ 271
نمايش فراداده

لازما لآحادها مع عدم العلم بصدق شئ منها فغير واضح وقد نزل على ذلك كلام العضدي في التواتر المعنوي وعبارته صالحة للتنزيل على غير ذلك كما لا يخفى على من لاحظها

تنبيه

قال الفاضل المعاصر قد يشتبه ما يحصل العلم فيه بالتسامع والتظافر وعدم المخالف بالتواتر فمثل علمنا بالهند والصين وحاتم ليس من جهة التواتر لأنا لم نسمع ذلك إلا من أهل عصرنا ولم يرووا لنا عن سلفهم أصلا فضلا عن عدد يحصل به التواتر وذلك وإن لم يستلزم عدم حصول التواتر في نفس الامر إلا أن علمنا لم يحصل من جهته بل الظاهر أنه من إجماع أهل العصر وعدم نقل مخالف عن سلف وذلك نظير الاجماع على المسألة الشرعية وأكثر الأمثلة التي تذكر في الباب من هذا القبيل وليس من باب التواتر وكم من فرق بينهما والمثال المناسب لهذا العصر نقل زلزلة تتفق في بلد ويتظافر المشاهدون لها في الاخبار عنها حتى يحصل القطع بها انتهى ملخصا أقول تحقق التواتر في الأمثلة التي ذكرها ونظائرها مما لا مجال لانكاره ودعوى استناد العلم فيها إلى مجرد الاتفاق مما لا إشكال في فساده ومنشأ هذا الوهم عدم الفرق بين نفس التواتر وبين الطريق الموصل إليه وتحقيق المقام أن التواتر على ما عرفت هو إخبار جماعة يمنع كثرتهم تواطأهم على الكذب ولا ريب أن وجود التواتر في الخارج بمجرده لا يوجب العلم بالواقعة بل لا بد من العلم به والطريق إليه أمور منها الوقوف عليه بسماع الخبر من العدد الذي يحصل التواتر بخبرهم وهذا لا يجري إلا حيث يتحد فيه الطبقة و ما ذكره من مثال الزلزلة من هذا القبيل وكذا مثال وجود الهند بالنسبة إلى كثير من الناس ومنها أن يعلم به بتواتر الاخبار به كإخبار كل مخبر في الطبقة الأولى عن كل مخبر في الطبقة الثانية وهكذا أو إخبار كل مخبر عن مخبر مغاير لمخبر الاخر ولا يلزم حينئذ أن يزيد الطبقة العالية على عدد التواتر ليحصل العلم بإخبار عدد يحصل به التواتر في تلك الطبقة بل يكفي تنزيل كل سلسلة منزل خبر واحد فإذا امتنع اتفاق الجميع على الكذب لكثرتها كان تواترا ومن هذا الباب حديث الغدير الذي ترويه الخاصة والعامة بطرق متكثرة ومنها أن يعلم به خبر الواحد المحفوف بالقرائن الصدق ومنه إخبار المعصوم به ومنها طريق الحدس وهو الغالب في العلم بحصول التواتر في الطبقة العالية بيانه أنا إذا وجدنا أهل زماننا متفقين على الاخبار صريحا أو التزاما بوقوع واقعة مثلا في سالف الزمان فقد نقطع بملاحظة العادة في تلك الواقعة أن اتفاقهم على ذلك لا يكون إلا عن اتفاق مثله على الاخبار بذلك إلى أن ينتهي السلسلة إلى الشاهدين اللذين نقطع بمقتضى العادة في تلك الواقعة بلوغهم درجة التواتر فيكون علمنا بالواقعة مستندا إلى التواتر المتأخر الكاشف عن التواتر المتقدم المعلوم لنا بطريق الحدس و ما ذكرنا من مثال وجود حاتم من هذا القبيل وقد يستكشف بإخبار جماعة عن إخبار جماعة أخرى يحصل عدد التواتر بخبر مجموعهم فاتضح أن ما زعمه من أن أكثر أمثلة الباب من باب الاتفاق دون التواتر مما لا وجه له فتفطن ولا تغفل

فصل اتفق أهل العقل على إمكان التواتر ووقوعه

وحصول العلم به وخالف في ذلك السمينة والبراهمة ولهم على ذلك شكوك واهية منها أنه كاجتماع الخلق الكثير على طعام وأنه ممتنع وجوابه منع المشابهة إن أريد به الطعام الواحد بالشخص لامكان الاجتماع وتوفر الدواعي غالبا هنا دون ما ذكروا إن أريد به الواحد بالجنس أو بالنوع فامتناعه ممنوع لا سيما الأخير وسند العيان مغن عن سند البيان ومنها أن كل واحد من المخبرين يجوز عليه الكذب وذلك يستلزم تجويز الكذب على الجميع لأنه نفس الآحاد و جوابه منع الملازمة بدليل أن آحاد العسكر لا يقومون بفتح البلاد بخلاف الجميع مع أنه نفس الآحاد وأن الجماعة الكثيرة يقومون برفع الحجر العظيم بخلاف آحادهم إلى غير ذلك من النظائر ومنها أنه يقتضي العلم بالمتناقضين إذا وقع التواتر فيهما وجوابه المنع من جواز وقوع مثل ذلك عادة ولو سلم فهو ممتنع بالنسبة إلى شخص واحد في زمن واحد نعم يصح وقوعه بالنسبة إلى شخصين أو شخص واحد في زمانين لكنه لا يوجب محالا كما في سائر الأدلة القطعية المتعارضة ومنها أنه يوجب تصديق اليهود والنصارى فيما نقلوه عن موسى وعيسى عليه السلام من أنه لا نبي بعدهما وذلك ينافي نبوة محمد صلى الله عليه وآله وهذا منهم دليل إلزامي وجوابه منع ثبوت الخبر المذكور عندهم بطريق الآحاد فضلا عن تواتره عندنا كيف والمذكور في التوراة والإنجيل خلاف ذلك ومجرد الدعوى غير مسموعة وقد يقال إن بخت النصر قد استأصل اليهود و لم يبق منهم عدد يحصل التواتر بخبرهم ومنها أنه لو حصل به العلم الضروري لكان كسائر الضروريات وليس كذلك لأنا إذا راجعنا وجداننا فرقنا بين علمنا بوجود إسكندر وعلمنا بأن الواحد نصف الاثنين والجواب أن الضروريات قد تختلف وضوحا وخفاء ولزوم التساوي فيها ممنوع والوجدان أوضح سند على ذلك ومنها أن الضروري يستلزم الوفاق وقد خالفناكم والجواب منع الملازمة لجواز العناد والمباهتة واعلم أن هذه الشكوك لو تمت لدل الأول منها على استحالة وقوع التواتر والشكوك الثلاثة التي بعدها تدل على عدم حصول العلم منه بالنسبة إلى من تفطن لها والتزم بصحتها والشك الذي بعدها يقتضي أن لا يكون العلم الحاصل منه ضروريات والشك الأخير يقتضي أن لا يكون العلم بكونه مفيدا للعلم ضروريا

فصل اختلفوا في العلم المستفاد من التواتر

فالأكثرون على أنه ضروري وذهب قوم إلى أنه نظري وفصل بعضهم فجعل بعض أنواعه ضروريا وبعضها نظريا وعن الغزالي أنه جعله قسما ثالثا فقال في بعض مصنفاته على ما نقل عنه العلم الحاصل بالتواتر ضروري بمعنى أنه لا يحتاج إلى الشعور بتوسط واسطة مفضية إليه مع أن الواسطة حاضرة في الذهن وليس ضروريا بمعنى أنه حاصل من غير واسطة قال التفتازاني يريد أنه ليس بديهيا أوليا ولا كسبيا بل من الضروريات التي قياساتها معها كقولنا العشرة نصف العشرين وقد ينزل كلامه على أنه من النظريات التي يشترك فيها الخواص