فصول الغروية في الأصول الفقهية

محمد حسین عبدالرحیم حائري

نسخه متنی -صفحه : 448/ 315
نمايش فراداده

في النقل الذي أسلفناه فإن الظاهر من الذي نسب إليه النقل هو صاحب الرجال المعروف ولو كان هو العاثر عليه لنبه عليه في بعض كتبه أو نبه عليه بعض علماء الذين عاصروه أو تأخروا عنه وأما ما ذكره البعض في محمد بن أحمد من أنه صاحب كتاب الرضا عليه السلام فلا دلالة فيه على أن إجازة هذا الكتاب منتهية إليه لجواز أن يكون المراد به بعض رسائله عليه السلام مما رواها الصدوق في العيون ولو سلم أن المراد به الكتاب المذكور فلا دلالة في كونه صاحبه على أنه كان يرويه بطريق معتبر لجواز أن يكون واجدا له أو راويا بطريق غير معتبر ولا يبعد أن يكون الكتاب المذكور من تصانيف بعض أصحاب الرضا عليه السلام قد أكثر فيه من نقل الاخبار التي سمعها منه عليه السلام بواسطة وبدونها كما يستفاد من قوله روي عن العالم وأروي عن العالم بناء على أن يكون المراد بالعالم هو الرضا عليه السلام ويصح نسبة الكتاب إليه عليه السلام نظرا إلى أن الغالب حكاية كلامه إذ لا يلزم في النسبة أن يكون أصل النسخة بخطه عليه السلام وربما نسب إلى الصدوق وهو بعيد مع احتمال أن يكون موضوعا ولا يقدح فيه موافقة أكثر أحكامه للمذهب إذ قد يتعلق قصد الواضع بدس القليل بل هذا أقرب إلى حصول مطلوبه لكونه أقرب إلى القبول وبالجملة فالتحقيق أنه لا تعويل على الفتاوى المذكورة فيه نعم ما فيه من الروايات فهي حينئذ بحكم الروايات المرسلة لا يجوز التعويل على شئ مما اشتمل عليه إلا بعد الانجبار بما يصلح جابرا لها ولو استظهرنا اعتماد مثل المفيد والصدوقين عليه في جملة من مواضعه فذلك لا يفيد حجيته في حقنا لأنه مبني على نظرهم واجتهادهم وليس وظيفتنا في مثل ذلك اتباعهم وإلا لكانت الاخبار الضعيفة التي عولوا عليها حجة في حقنا فإن ظننا بتعويلهم على جملة من روايات كتاب إذا أفاد حجيته مجموع الكتاب في حقنا لكان علمنا بتعويلهم على رواية معينة مفيدا لحجيتها في حقنا بطريق أولى القول في الفعل والتقرير

فصل اختلفوا في التأسي بفعل النبي صلى الله عليه وآله

فذهبوا فيه إلى مذاهب فقيل بالوجوب وقيل بالاستحباب وقيل بالإباحة وقيل بالوقف وموضع النزاع ما لو فعل في غير مقام البيان و لم يعلم وجهه ولم يكن في نفسه من الافعال العادية كالأكل والشرب والنوم أو كان ولكن أوقعه على وجه غير عادي كمداومة الافطار بالحلو والقيلولة والمختار عندي هو القول بالاستحباب لنا قوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر فإن المستفاد منه حسن التأسي والاقتداء بأفعاله صلى الله عليه وآله وهو يفيد الرجحان المشترك بين الوجوب و الاستحباب ولا سبيل إلى حمله على الوجوب وإن قلنا بأنه الظاهر من إطلاق الطلب لان أكثر أفعاله صلى الله عليه وآله مندوبة في حق الكل وبعض ما وجب عليه مندوب في حقنا فلا يتصور وجوب الاقتداء فيها وتخصيصه بما ثبت عدم وجوبه موجب للتخصيص بالأكثر وهو أبعد من حمل الامر على الاستحباب وحمله على خصوص الأفعال الواجبة في حقه مع التخصيص بالبعض أو في حقنا بعيد عن مساق الآية فتنزيل الطلب المستفاد منه على مطلق الرجحان أولى ويمكن الاستدلال أيضا بالاحتياط وبأن شأنه صلى الله عليه وآله يتعالى عن ارتكاب غير الراجح بل قد يحكى عن بعض الصلحاء تورعه بعد الاستكمال عن ارتكاب غير الواجب والمندوب والنبي صلى الله عليه و آله أولى بذلك منه في جملة عمره ويشكل هذا بأن كون فعله الخاص راجحا لا يوجب أن يكون راجحا لنفسه أو لغيره اللازم ترتبه عليه ليترجح التأسي به مطلقا لجواز أن يكون راجحا لغيره المترتب عليه في خصوص مقام الفعل وإن لم نطلع عليه مع أن خلاف الأولى بل المكروه مما يجوز صدوره عن الأنبياء على وجه الندرة كما يدل عليه قصة آدم وموسى ويونس وداود فصدور المباح أولى فيتسرى الاحتمال إلى نبينا صلى الله عليه وآله مع مساعدة ظاهر آيتي العفو عنه في الاذن والمغفرة لما تقدم من ذنبه وما تأخر عليه ويمكن دفع الثاني بعد تسليمه بما مر من مراعاة الغالب إلا أنه لا دليل على حجيته في مثل المقام احتج القائلون بالوجوب بوجوه منها الآية السابقة وقد عرفت عدم دلالتها على الوجوب بالبيان الذي سلف وقد أجاب عنها العلامة بأن الأسوة عبارة عن الاتيان بفعل الغير لأنه فعله على الوجه الذي فعله فإن كان واجبا تعبدنا بإيقاعه واجبا وإن كان مندوبا تعبدنا بإيقاعه مندوبا وإن كان مباحا تعبدنا باعتقاد إباحته وفيه أنه إذا أتى به على وجه الإباحة لم يكف في صدق الأسوة فيه اعتقاد إباحته مع تركه كما يرشد إليه تفسيره لها فإن ذلك أسوة في الاعتقاد لا في الفعل و من هنا يظهر أن ظاهر الآية نفي وقوع ما عدا الواجب والمندوب منه صلى الله عليه وآله إذ مفاد الامر رجحان المتابعة ولا يعقل رجحان المباح والمكروه إلا أن يدعى أن جهة المتابعة مفيدة لرجحانه في حقنا وإن تجرد عنه حين صدوره منه صلى الله عليه وآله و هو بعيد أو يقال فعل المباح بنية كونه مباحا راجح لما فيه من إظهار الانقياد والتمسك بشعائر العبودية ويدل عليه ظاهر قوله عليه السلام إن الله أحب أن يؤخذ برخصه كما أحب أن يؤخذ بعزائمه بتنزيله على الاخذ برخصه لكونها رخصة لئلا ينافي ثبوت المباح أو رجحان ما أحبه تعالى فلا ينافي الآية فعله صلى الله عليه وآله للمباح بهذا الاعتبار لكونه حينئذ راجحا لكنه لا ينافي الحصر المدعى و التحقيق أن الأسوة عبارة عن مجرد المتابعة فإذا فعل صلى الله عليه و آله فعلا ولم يعلم وجهه وتابعناه فيه بقصد القربة المطلقة كان ذلك تأسيا به لأنه إن كان فعله بقصد القربة المطلقة أيضا فلا كلام وإن كان فعله بنية الوجوب أو الندب لم يقدح في صدق التأسي قصدنا فيه القربة المطلقة لما بيناه في محله من أن نية الوجه غير معتبرة وإن كان على وجه الإباحة مثلا بناء على جواز صدور المباح منه صلى الله عليه وآله فإن قلنا برجحان التأسي فيه أيضا كما هو قضية الوجه الأول من الوجهين المتقدمين أيضا فلا إشكال ولا عبرة بكون الرجحان حينئذ من حيث كونه تأسيا خاصة لا من حيث نفس الفعل أيضا كما في الأولين إذ تعيين هذه الجهات غير لازم في صحة العمل بل القدر اللازم المتابعة بقصد القربة وإلا كان عموم رجحان التأسي مخصوصا به