فصول الغروية في الأصول الفقهية

محمد حسین عبدالرحیم حائري

نسخه متنی -صفحه : 448/ 353
نمايش فراداده

هذا الطريق على ثبوت حجية ظنون المجتهد بعد انسداد باب العلم فيندرج فيها لكن يشكل الثاني بأن حجية ظن المجتهد لا مدخل لها في الأدلة الشرعية التي هي موضوع هذا الفن بل هو يشبه المسائل الكلامية ففيه نظر من وجوه أما أولا فلانه إن أراد بالإباحة الظاهرية منها كما هو المختار فقد عرفت أن العقل يستقل بالقطع بها قبل ملاحظة الأحكام الشرعية وبعدها لاستقلاله بقبح التكليف بدون البيان مطلقا وهو يستلزمها وإن أراد الإباحة الواقعية كما صرح به سابقا فلا خفاء في أنه لا قطع بها لا قبل الملاحظة المذكورة ولا بعدها بل قد لا يكون له ظن بها أيضا لا سيما بعد الملاحظة المذكورة وقد نبهنا على ذلك سابقا وأما ثانيا فلان الاستناد إلى العمل بأصل الإباحة إلى دفع الضرر المظنون بظاهره ظاهر الفساد لان الإباحة المظنونة لا يشتمل على ظن ضرر لا في الفعل ولا في الترك حتى يلتزم في دفعه بالبناء عليها وإنما يستقيم ذلك في ظن الوجوب أو التحريم نعم يمكن دعوى ظن الضرر في ترك الحكم بالإباحة المظنونة بناء على دلالة دليل ظني على وجوب الحكم بها لكن مساق عبارته لا يساعد على ذلك كما لا يخفى على المتأمل فيها وأما ثالثا فلان ما ذكره من أن حجية ظن المجتهد مما لا مدخل له في الأدلة الشرعية غير صحيح كيف وكثير من الأدلة إنما يبتني حجيتها عنده على إثبات ذلك كحجية خبر الواحد والكتاب والاجماع المنقول والشهرة وغير ذلك فإنه إنما يقول بحجيتها من حيث قيام الحجة على حجية ظن المجتهد فإذا صح ذلك عنده في الأدلة النقلية فما المانع من صحته في الأدلة العقلية وأما ما استند إليه في ذلك من أن مسألة حجية ظن المجتهد ليست من مسائل الفن فإن موضوعه أدلة الفقه وموضوعها ظن المجتهد ففيه أن موضوع الفن ليس أدلة الفقه خاصة بل هي مع الاجتهاد بل التعادل والتراجيح أيضا كما مر والبحث عن حجية ظن المجتهد راجع إلى البحث عن الاجتهاد ولو سلم أن موضوع الفن أدلة الفقه خاصة فلا بد من إرجاع مباحث الاجتهاد إلى البحث عن الأدلة كما مر التنبيه عليه في بيان الموضوع فلا يخرج عن مباحث الفن ولو سلم فابتناء بعض مسائله عليه مما لا إشكال فيه إذ لم يذهب وهم إلى اشتراط دخول مبادي كل علم فيه فلا يستقيم دعواه نفي المدخلية إلا أن يريد نفي الدخول في مسائل علم الأصول لا نفي الابتناء ثم فرقه بين الجوابين حيث أورد الاشكال على الثاني دون الأول مما لم أقف فيه على محصل

فصل ومما دل عليه العقل والنقل أصل البراءة

والمراد بها الخلو والفراغ من مطلق التكليف المشكوك فيه فيتمسك فيه على نفي الوجوب والتحريم وأخويهما حيث يشك في الجميع أو البعض فيثبت به الإباحة في غير العبادة وانتفاء الأقوى حيث يشك بينه وبين الضعيف وخصه الفاضل المعاصر بنفي الأولين معللا بأن المراد البراءة من التكليف ولا يطلق التكليف إلا عليهما ولعله ناظر إلى ما قيل من أن التكليف مأخوذ من الكلفة ومعناه الالقاء في المشقة ولا يصدق على غيرهما وضعفه ظاهر لان ذلك معنى التكليف لغة وأما في الاصطلاح فهو الأعم من ذلك قطعا لأنه يتناول الوجوب والحرمة بأنواعهما قولا واحدا ومن الواضح أنه لا يكون كلفة فيهما وكان المتداول في كلامهم استعمال أصل البراءة في نفي الوجوب وأصل الإباحة في نفي التحريم والكراهة والتعميم أولى بالمقام لصلوح اللفظ له بالمعنى الذي ذكرناه مع اشتراك الجميع في الأدلة فهذه الأحكام الأربعة كلها مخالفة للأصل وإن كان مخالفة الوجوب والحرمة له باعتبارين ومخالفة الندب والكراهة له باعتبار واحد ولهذا يرجح الندب على الوجوب والكراهة على التحريم عند دوران الامر بينهما وسننبه على ذلك إن شاء الله ولنحرر أولا محل البحث فنقول الأصل يطلق في عرفهم غالبا على معان أربعة القاعدة و الدليل والاستصحاب والراجح والمراد به هنا هو المعنى الأول أعني القاعدة فالمعنى القاعدة المحررة في البراءة أو للبراءة دون الدليل لعدم ملائمته للمقام فإن البحث هنا عن مدلوله لا عن نفسه و دون الاستصحاب وإن كان من جملة أدلته لاختلاف مدارك المسألتين وأقوالهم فيهما ودون الراجح لان المراد به المظنون إذ المقطوع به لا يسمى أصلا في عرفهم ولا خفاء في أن البراءة إن قيست إلى الواقع فقد لا يكون ظن بها وإن قيست إلى الظاهر فهي مقطوع بها ولئن سلم أن معناه الأعم فإنما يصح على الظاهر اعتباره في التركيب الحملي كما ذكره الشهيد الثاني دون الإضافي كما زعمه الفاضل المعاصر في محل البحث ثم الفرق بين هذا الأصل و أصل الإباحة أن أصل الإباحة أخص منه بحسب المورد لجريان أصل البراءة فيما يحتمل الإباحة وفيما لا يحتمله سواء كان عدم احتماله لها في نفسه كما في العبادة أو لقيام دليل على نفيها بالخصوص كما في الدخول على سوم المؤمن بخلاف أصل الإباحة فإنه لا يجري إلا حيث يحتمل الإباحة والفرق بينه وبين الأصل الاخر المعروف بينهم من أن عدم الدليل دليل العدم هو أن الثاني أعم باعتبار جريانه في الحكم الوضعي دون الأول كما أن الأول أعم باعتبار جريانه في الموضوعات دون الثاني فالنسبة بينهما عموم من وجه وإن خصصنا أصل البراءة بنفي الوجوب والتحريم أو بنفي الأول فالفرق أظهر وجعل الشهيد في الذكرى مرجع الثاني إلى الأول وهو غير واضح واستظهر بعض المتأخرين في الفرق بينهما أن المقصود بالأول نفي الحكم الظاهري و بالثاني نفي الحكم الواقعي وضعفه ظاهر فإن مقتضى الأصلين في نفسهما ليس إلا النفي في الظاهر وذكر الفاضل المعاصر في الفرق بينهما أن الأصل الثاني لنفي الحكم عن الموضوعات العامة و الأول لنفيه عن الموضوعات الخاصة يعني لنفي تعلقه بخصوص ذمة آحاد المكلفين وفيه نظر يعرف مما قررنا إذا تحقق عندك هذا فاعلم أن أصل البراءة قد يستعمل في مقام الاشتباه في الحكم فتارة حيث لا يعلم