فصول الغروية في الأصول الفقهية

محمد حسین عبدالرحیم حائري

نسخه متنی -صفحه : 448/ 412
نمايش فراداده

العبادات وسائر مسائل العقود والايقاعات فلو عقد أو أوقع بصيغة يرى صحتها ثم رجع بنى على صحتها واستصحب أحكامها من بقاء الملكية والزوجية والبينونة والحرية وغير ذلك ومن هذا الباب حكم الحاكم والظاهر أن عدم انتقاضه بالرجوع موضع وفاق ولا فرق بين بقاء حكم فتواه التي فرع عليه الحكم وعدمه فمن الأول ما لو ترافع إليه المتعاقدان بالفارسية في النكاح فحكم بالزوجية أو في البيع فحكم بالنقل والملكية فإن حكم فتواه التي يتفرع عليها الحكم وهي صحة ذلك العقد يبقى بعد الرجوع ومن الثاني ما لو اشترى أحد المتعاقدين لحم حيوان بقول الحاكم بحليته فترافعا إليه فحكم بصحة العقد وانتقال الثمن إلى المشتري ثم رجع إلى القول بالتحريم فإن الحكم بصحة العقد وانتقال الثمن إلى البائع يبقى بحاله ولا يبقى الحكم بحليته في حق المشتري بحاله وهكذا وقد يتخيل أن الحاكم إذا حكم بطهارة ماء قليل لاقاه بنجاسة أو ما أشبه ذلك ثم رجع لم ينتقض حكمه بالطهارة بالنسبة إلى ذلك الماء للاجماع على أن الحكم لا ينتقض بالرجوع وهو غير جيد لان المراد بالحكم هناك ما يتعلق بالدعاوي والمرافعات ولهذا لا يلزم متابعته في الحكم بالطهارة ولو كانت الواقعة مما لا يتعين أخذها بمقتضى الفتوى فالظاهر تغير الحكم بتغير الاجتهاد كما لو بنى على حلية حيوان فذكاه ثم رجع بنى على تحريم المذكى منه وغيره أو على طهارة شئ كعرق الجنب من الحرام فلاقاه ثم رجع بنى على نجاسته ونجاسة ملاقيه قبل الرجوع وبعده أو على عدم تحريم الرضعات العشر فتزوج من أرضعته ذلك ثم رجع بنى على تحريمها لان ذلك كله رجوع عن حكم الموضوع وهو لا يثبت بالاجتهاد على الاطلاق بل ما دام باقيا على اجتهاده فإذا رجع ارتفع كما يظهر من تنظير ذلك بالنسخ وأما الافعال المتعلقة بالموضوع المتفرعة على الاجتهاد السابق فهي في الحقيقة إما من مشخصات عنوان الموضوع كالملاقاة أو من المتفرعات على حكم الموضوع كالتذكية والعقد فلا أثر لها في بقاء حكم الموضوع وربما أمكن التمسك في بقاء الحكم في هذه الصور بلزوم الحرج وارتفاع الوثوق في العمل إلا أن ذلك مع انتقاضه بصورة الجهل والنسيان والتعويل على الظواهر التي ينتقض حكمها عند ظهور الخلاف لا يصلح بمجرده دليلا أما الأول فلان الحرج المقتضي لسقوط التكليف قد يكون شخصيا فيدور سقوط التكليف به مدار ثبوته وقد يكون نوعيا وهذا وإن لم يكن سقوط التكليف به دائرا مدار ثبوته لكن يعتبر تحققه في النوع غالبا وإلا فما من تكليف إلا ويتحقق الحرج على بعض تقاديره وانتفاء الغلبة في المقام معلوم وأما الثاني فوجه استحساني لا ينهض دليلا وإنما تمسكنا بذلك في المقام السابق على وجه التأييد لا الاستدلال ومما قررنا يتضح الحال فيما لو بنى في الفروض السابقة على التحريم أو النجاسة ثم رجع فإنه يبني على مقتضى رجوعه لكن لا يبعد القول ببقاء حكم عمله السابق حينئذ إذا كان مما يعتبر في وقوعه الاخذ بالاجتهاد كما لو بنى على تحريم حيوان فذكاه ثم رجع أمكن القول بتحريمه لا من جهة بقاء حكم الموضوع بل من جهة أن التذكية صدرت منه حال عدم الاعتداد بها في فتواه في التحليل فلا يعتد بها بعد الرجوع للأصل وكذا لو عقد على من يحرم عليه في مذهبه ثم رجع فلا يستحلها بذلك العقد وأما لو بنى على الفتوى ولكن لم يبن عليها في خصوص الواقعة إما لعدم علمه بها أو لعدم تذكره فيها للفتوى كما لو تزوج بمن أرضعته عشر رضعات وهو يقول فيها بنشر الحرمة أو بعدمه ولم يعلم بالواقعة أو لم يتذكر لفتواه فيها إلا بعد الرجوع ففي البناء على مقتضى الفتوى السابقة وعدمه وجهان مبنيان على أن الاحكام المستندة إلى الاجتهاد هل يثبت في حق صاحبه مطلقا أو مع بنائه في مواردها عليها فيعتبر علمه بها مع تذكره لفتواه فيها والثاني أقرب اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع اليقين ومما يؤيده أو يدل عليه أن الاحكام الثابتة بالاجتهاد أحكام ظاهرية وهي لا تثبت إلا مع الجهل والغفلة ومما قررنا يظهر حكم التقليد بالمقايسة فإن المقلد إذا رجع مجتهده عن الفتوى أو عدل إلى من يخالفه حيث يسوغ له العدول أو بلغ درجة الاجتهاد وأدى نظره إلى الخلاف فإنه يتصور في حقه الصور المذكورة ويجري فيه الكلام المذكور تتمة إذا أفتى المفتي لمقلديه بحكم ثم رجع ففي وجوب إعلامه إياهم بذلك وجهان بل قولان يدل على الوجوب ظاهر قوله تعالى ولينذروا قومهم وقوله تعالى إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى وأن في ترك إعلامهم إغراء لهم بالجهل و ترك لهم فيما هو باطل عنده ويدل على نفيه الأصل واستناد المقلد في عمله إلى طريق شرعي وهو استصحاب عدم الرجوع فلا يجب ردعه كما لو قلد مجتهدا آخر يخالفه في المذهب وجريان طريقة السلف على الظاهر على خلاف ذلك وتعذره غالبا لانتشار المقلدين ولو قيل بالفرق بين ما لو قطع بالبطلان فيجب الاعلام بقدر الامكان وبين ما إذا لم يقطع به فلا يجب كان قريبا ثم ما يقع من المقلد بين رجوع المفتي وبين علمه برجوعه مما يأتي به على وجه التقليد السابق هل يلحق بما لو وقع منه قبل الرجوع أو لا وجهان وقضية الأدلة التي قررناها في المبحث السابق تعيين الأول ولو سها المجتهد في تعيين مؤدى نظره فعمل بغيره لم يعتد به مطلقا قضاء لحكم الأصل من بقاء الحكم الثابت في حقه بالاجتهاد ولعدم كون السهو من الطرق المعتبرة وكذا لو سها المقلد في الحكم الثابت في حقه بالتقليد ومثله ما لو سها في أصل الاجتهاد أو التقليد ولا يتعين على المقلد حينئذ أن يأخذ بقول من يوافق زعمه السابق للأصل القول في التقليد