فصول الغروية في الأصول الفقهية

محمد حسین عبدالرحیم حائري

نسخه متنی -صفحه : 448/ 414
نمايش فراداده

وثوق العامي بنظر المجتهد واستنباطه أقوى من وثوقه بنظره غالبا فعدوله عنه إليه عدول عن أقوى الامارتين إلى ضعفهما وأما المجتهد فلا يجوز له تقليد غيره في المسائل الشرعية التي اجتهد فيها إجماعا على ما حكاه بعضهم ويشكل بما ذهب إليه كثير من حجية الاجماع المنقول من حيث نقل المنكشف وما ذهب إليه قوم من حجية الشهرة وما ذهب إليه بعض من الاكتفاء في إثبات السنن بالفتوى وإن اتحد المفتي من حيث النص لا من حيث الاحتياط فإن ذلك كله بحسب الظاهر تقليد إذ لا نعني به إلا الاخذ بفتوى الغير من غير حجية قطعية كانت الفتوى أو ظنية اتحد المفتي أو تعدد وإن كان الاخذ لحجة وهي الأدلة الدالة على جواز التمسك بالمذكورات وأما الاخذ بالاجماع المحصل على الطريق المعتبر عندنا فليس منه لأنه أخذ بالمنكشف لا بالكاشف وبالجملة فحال المجتهد في أخذه بقول غيره في هذه الموارد كحال العامي في أخذه بفتوى مجتهده في كونه أخذا للحكم من غير دليل عليه وإن كان له دليل على الاخذ ولعل القائلين بحجية المذكورات غفلوا عن كونها مندرجة تحت عنوان التقليد فيمكن إبطال قولهم بها بالاجماع إن تم مع احتمال أن يكون الغفلة من ناقل الاجماع في المقام حيث أطلق الدعوى ولا سبيل إلى الفرق بأن تعويل المجتهد في المذكورات على الظن الحاصل منها و لهذا يبحث عن المعارض ويلاحظ في العمل بها عدمه بخلاف أخذ العامي بقول المفتي فإنه من حيث إنه قوله بدليل جعله من باب التعبد لان بعض القائلين بحجيتها ربما يعول عليها من حيث التعبد للنص كما يرشد إليه بعض أدلتهم وبعضهم يجعل حجية التقليد من حيث الظن لا التعبد نعم يمكن التفصي عن ذلك في نقل الاجماع بأن التعويل عليه باعتبار حكاية الناقل لقول المعصوم لا باعتبار إفتائه به كما في الرواية فإن الاخذ بها أخذ بنقله لا بقوله ومذهبه ويمكن الجواب بأن ما دل على حجية تلك الأوامر دل على أن مؤداها هو الحكم الظاهري في حق المجتهد وهو يأخذ بما قامت الحجة عليه مع قطع النظر عن الاخذ ولهذا يلزمه مقتضاه وإن لم يعمل به بخلاف فتوى المفتي فإنها إنما تثبت في حق المقلد بعد أخذه به لا مطلقا ولهذا لو عصى و لم يأخذ به ثم وجد مفت آخر جاز له الرجوع إليه بل قد يتعين وأما المسائل التي لم يجتهد فيها وتمكن من الاجتهاد فيها فالحق عدم جواز التقليد فيها أيضا وإن كان قد قلد فيها قبل الاجتهاد ولا أظن أحدا من أصحابنا يخالف في ذلك نعم نقل الخلاف فيه عن بعض أهل الخلاف وربما كان مستندهم أصالة بقاء جواز العمل بالتقليد و إطلاق الأدلة السمعية الدالة عليه والكل ضعيف في مقابلة الشهرة العظيمة إن لم يثبت إجماع مع انصراف الأخير إلى غير المتمكن فيبقى أصالة بقاء الاشتغال بالعمل بالأحكام مستدعيا للفراغ اليقيني وهو إنما يحصل بالاجتهاد على أن العدول عن الاجتهاد إلى التقليد عدول عن أقوى الامارتين إلى أضعفهما وهو بعيد عن الاعتبار ولو عجز المجتهد عن الاجتهاد في مسألة لضيق وقت أو عدم كتاب أو عدم تمكن من مراجعته تعين عليه التقليد في موضع الحاجة ويستمر ذلك باستمرارها إلى أن يتمكن من الاجتهاد ويمضي على مقتضى التقليد فيما أوقعه على وجهه وإن أدى نظره بعد ذلك إلى خلافه ما لم يقطع به كما في العامي ولو قلد ثم تمكن من الاجتهاد سقط عنه التقليد لانتفاء موجبه فلو اعتراه المانع بعد ذلك واضطر إلى التقليد جاز له تقليد غير من قلده سابقا وإن منعنا من العدول لأنه تقليد ابتدائي ولو اضطر إلى التقليد في مسألتين ثم تمكن من الاجتهاد في إحداهما على البدلية ففي سقوط حكم التقليد فيهما فيجوز له العدول بعد التعذر وعدمه وجهان وأما المسائل التي يتردد فيها فإن كان تردده لعدم إمعان النظر في أدلتها فحكمه كما مر من عدم جواز التقليد مع التمكن مع إمعان النظر وجوازه مع عدم إمكانه وإن كان بعد إمعان النظر وتكافؤ الأدلة في نظره فحكمه التخيير في العمل بأيهما شاء أو طرحها والرجوع إلى الأصول الظاهرية على خلاف يأتي في بحث التعادل ولا سبيل له حينئذ إلى التقليد ويجوز له التقليد في المسائل التي لا سبيل له إلى الاجتهاد فيها كمباحث اللغة لكن جواز التقليد فيها من حيث الظن لا التعبد هذا كله في المجتهد المطلق وأما المتجزي بناء على جوازه فلا يبعد إلحاقه بالمجتهد المطلق بالنسبة إلى المسائل التي يتمكن من الاجتهاد فيها لا سيما مع عدم سبق التقليد فيها مع احتمال التخيير بين ذلك وبين التقليد وكيف كان فالحكم يدور مدار نظره أو نظر من يرجع إليه في ذلك وأما أصول الدين فقد اختلفوا في التقليد فيها فقيل بتحريمه ووجوب النظر وقيل بجوازه وقيل بوجوبه و تحريم النظر والمراد بالتقليد هنا معناه المعروف أعني الاخذ بقول الغير من غير حجة أي من غير حجة على القول كما نبهنا عليه في بيان الحد ومعنى الاخذ بقوله هنا الالتزام به إذا كان مفيدا للاعتقاد فيرجع النزاع إلى أن طريق تحصيل الاعتقاد المعتبر في الأصول هل هو منحصر في النظر فلا يجوز الاعتماد على الاعتقاد الحاصل عن التقليد أو منحصر في التقليد فيجب الاعتماد على الاعتقاد الحاصل منه ولا يجوز النظر أو لا ينحصر في أحدهما بل يتخير بينهما وإنما اعتبرنا حصول الاعتقاد بالتقليد في محل النزاع للاجماع على أن الايمان لا يتحقق بدون الاذعان ولم تعتبر خصوص القطع ليتم على القول بكفاية الظن ولا ريب أن كلا من النظر والتقليد طريق في نفسه إلى تحصيل الاعتقاد وإن اعتبر بلوغه مرتبة القطع ولهذا تراهم يعتبرون الثبات في تعريف العلم بعد اعتبار الجزم احترازا عن الجزم