تفسير البغوي (جزء 3)

حسین بن مسعود بغوی؛ محقق: خالد عبد الرحمان عک

نسخه متنی -صفحه : 574/ 259
نمايش فراداده

نظر إلي فيرحمني ولا دنا مني ولا أدناني فأدلي بعذري وأتكلم ببراءتي وأخاصم عن نفسي فلما قال ذلك أيوب وأصحابه عنده أظله غمام حتى ظن أصحابه أنه عذاب أليم ثم نودي يا أيوب إن الله عز وجل يقول ها أنا قد دنوت منك ولم أزل منك قريبا قم فادل بعذرك وتكلم ببراءتك وخاصم عن نفسك واشدد أزارك وقم مقام جبار يخاصم جبار إن استطعت فإنه لا ينبغي أن يخاصمني إلا جبار مثلي ولا شبه لي لقدمنتك نفسك يا أيوب أمرا ما تبلغه بمثل قوتك أين أنت مني يوم خلقت الأرض فوضعتها على أساسها هل كنت معي تمد بأطرافها وهل علمت بأي مقدار قدرتها أم على شيء وضعت أكنافها أبطاعتك حمل الماء الأرض أم بحكمتك كانت الأرض للماء غطاء أين كنت مني يوم رفعت السماء سقفا في الهواء لا تعلق بسبب من فوقها ولا تقلها وعم من تحتها حتى تبلغ من حكمتك أن تجري نورها أو تسير نجومها أو يختلف بأمرك ليلها ونهارها أين أنت مني يوم نبعث الأنهار وسكرت البحار أبسلطانك حبست أمواج البحار على حدودها أم بقدرتك فتحت الأرحام حين بلغت مدتها أين أنت مني يوم صببت الماء على التراب ونصبت شوامخ الجبال هل تدري على أي شيء أرسيتها أو بأي مثقال وزنتها أم هل لك من ذراع تطيق حملها وهل تدري من أين الماء الذي أنزلت من السماء أم هل تدري من أي شيء أنشيء السحاب أم هل تدري أين خزائن الثلج أم أين جبال البرد أم أين خزانة الليل بالنهار وخزانة النهار بالليل وأين خزائن الريح وبأي لغة تتكلم الأشجار ومن جعل العقول في أجواف الرجال ومن شق الأسماع والأبصار ومن ذلت الملائكة لملكه وقهر الجبارين بجبروته وقسم الأرزاق بحكمته في كلام كثير من أثار قدرته ذكرها لأيوب فقال أيوب صغر شأني وكل لساني وعقلي ورائي وضعفت قوتي عن هذا الأمر الذي تعرض علي يا إلهي قد علمت أن كل الذي ذكرت صنيع يديك وتدبير حكمتك وأعم من ذلك وأعجب لو شئت عملت لا يعجزك شيء ولا يخفي عليك خافية إذ لقيتني البلايا إلهي فتكلمت ولم أملك لساني وكان البلاء هو الذي نطقني فليت الأرض انشقت لي فذهبت فيها ولم أتكلم بشيء يسخط ربي أو ليتني مت بغمي في أشد بلائي قبل ذلك إنما تكلمت حين تكلمت لتعذرني وسكت حين سكت لترحمني كلمة زلت مني فلن أعود وقد وضعت يدي على فمي وعضضت على لساني وألصقت بالتراب خدي أعوذ بك اليوم منك وأستجيرك من جهد البلاء فأجرين وأستغيث بك من عقابك فأغثني وأستعين بك على أمري فأعني وأتوكل عليك فاكفني وأعتصم بك فاعصمني وأستغفرك فاغفر لي فلن أعود لشيء تكرهه مني قال الله تعالى يا أيوب نفذ فيك علمي وسبقت رحمتي غضبي فقد غفرت لك ورددت عليك أهلك ومالك ومثلهم معهم لتكون لمن خلقت آية وتكون عبرة لأهل البلاء وعزا للصابرين فاركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فيه شفاؤك وقرب عن أصحابك قربانا فاستغفر لهم فإنهم قد عصوني فيك فركض برجله فانفجرت له عين فدخل فيها فاغتسل فأذهب الله عنه كل ما كان به من البلاء ثم خرج فجلس فأقبلت امرأته تلتمسه في مضجعه فلم تجده فقامت كالوالهة مترددة ثم قالت يا عبد الله هل لك علم بالرجل المبتلي الذي كان هاهنا قال لها هل تعرفينه