قوله تعالى: (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب) (الزمر: 21) والمراد كونه منبها على أمر المعاد.
قوله: (ثم أماته فأقبره * ثم إذا شاء أنشره * كلا لما يقض ما أمره * فلينظر الإنسان إلى طعامه) (عبس: 21 - 24)
وقال عليه السلام: " إذا رأيتم الربيع فأكثروا ذكر النشور " ولم تحصل المشابهة بين الربيع وبين النشور إلا من الوجه الذي ذكرناه.
ما يجده كل واحد منا من نفسه من الزيادة والنمو بسبب السمن، ومن النقصان والذبول بسبب الهزال، ثم إنه قد يعود إلى حالته الأولى بالسمن.
وإذا ثبت هذا فنقول: ما جاز تكون بعضه لم يمتنع أيضا تكون كله، ولما ثبت ذلك ظهر أن الإعادة غير ممتنعة، وإليه الإشارة بقوله تعالى: (وننشئكم فيما لا تعلمون) (الواقعة: 61) يعني أنه سبحانه لما كان قادرا على إنشاء ذواتكم أولا ثم على إنشاء أجزائكم حال حياتكم ثانيا شيئا فشيئا من غير أن تكونوا عالمين بوقت حدوثه وبوقت نقصانه. فوجب القطع أيضا بأنه لا يمتنع عليه سبحانه إعادتكم بعد البلى في القبور لحشر يوم القيامة.
أنه تعالى لما كان قادرا على أن يخلقنا ابتداء من غير مثال سبق، فلأن يكون قادرا على إيجادنا مرة أخرى مع سبق الإيجاد الأول كان أولى، وهذا الكلام قرره تعالى في آيات كثيرة، منها في هذه الآية وهو قوله: (أنه يبدأ الخلق ثم يعيده)
قوله تعالى في سورة يس: (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) (يس: 79)
قوله تعالى: (ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون) (الواقعة: 62)
قوله تعالى: (أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد) (ق: 15)
قوله تعالى: (أيحسب الإنسان أن يترك سدى * ألم يك نطفة من مني يمنى) (القيامة: 36، 33)
إلى قوله: (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) (القيامة: 40)
قوله تعالى: (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب) (الحج: 5)
إلى قوله: (ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور) (الحج: 6، 7) فاستشهد تعالى في هذه الآية على صحة الحشر بأمور:
أنه استدل بالخلق الأول على إمكان الخلق الثاني وهو قوله: (إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب) كأنه تعالى يقول: لما حصل الخلق الأول بانتقال هذه الأجسام من أحوال إلى أحوال أخرى فلم لا يجوز أن يحصل الخلق الثاني بعد تغيرات كثيرة، واختلافات متعاقبة؟
أنه تعالى شبهها بإحياء الأرض الميتة.
أنه تعالى هو الحق وإنما يكون كذلك لو كان كامل القدرة تام العلم والحكمة. فهذه هي الوجوه المستنبطة من هذه الآية على إمكان صحة الحشر والنشر.
في هذا الباب قوله تعالى:
(قل كونوا حجارة أو حديدا * أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة)
(الإسراء: 50، 51).