وهذا كأنه أقرب إلى الظاهر لأنه إذا قيل: أصلح الله فلانا فالأظهر فيه ما يتصل بالدين، واعلم أن قوله: (ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه) يدل على أن الواو لا تفيد الترتيب لأن إصلاح الزوج مقدم على هبة الولد مع أنه تعالى أخره في اللفظ وبين تعالى مصداق ما ذكرناه فقال: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات) وأراد بذلك زكريا وولده وأهله فبين أنه آتاهم ما طلبوه وعضد بعضهم ببعض من حيث كانت طريقتهم أنهم يسارعون في الخيرات، والمسارعة في طاعة الله تعالى من أكبر ما يمدح المرء به لأنه يدل على حرص عظيم على الطاعة.
أما قوله تعالى: (ويدعوننا رغبا ورهبا)
قرىء رغبا ورهبا وهو كقوله: (يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه)
والمعنى أنهم ضموا إلى فعل الطاعات والمسارعة فيها أمرين:
الفزع إلى الله تعالى لمكان الرغبة في ثوابه والرهبة في عقابه.
الخشوع وهو المخافة الثابتة في القلب، فيكون الخاشع هو الحذر الذي لا ينبسط في الأمور خوفا من الإثم.
قوله تعالى (والتى أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنهآ ءاية للعالمين)
اعلم أن التقدير واذكر التي أحصنت فرجها، ثم فيه قولان:
أنها أحصنت فرجها إحصانا كليا من الحلال والحرام جميعا كما قالت:
(ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا) (مريم: 20).
من نفخة جبريل عليه السلام حيث منعته من جيب درعها قبل أن تعرفه والأول أولى لأنه الظاهر من اللفظ.
وأما قوله: (فنفخنا فيها من روحنا)
فلقائل أن يقول: نفخ الروح في الجسد عبارة عن إحيائه قال تعالى:
(فإذا سويته ونفخت فيه من روحي) (الحجر: 29)
أي أحييته وإذا ثبت ذلك كان قوله: (فنفخنا فيها من روحنا)
ظاهر الأشكال لأنه يدل على إحياء مريم عليها السلام. والجواب من وجوه:
معناه فنفخنا الروح في عيسى فيها، أي أحييناه في جوفها كما يقول الزمار نفخت في بيت فلان أي في المزمار في بيته.
فعلنا النفخ في مريم عليها السلام من جهة روحنا وهو جبريل عليه السلام لأنه نفخ في جيب درعها فوصل النفخ إلى جوفها ثم بين تعالى بأخصر الكلام ما خص به مريم وعيسى عليهما السلام من الآيات فقال: (وجعلناها وابنها آية للعالمين) أما مريم فآياتها كثيرة:
ظهور الحبل فيها لا من ذكر فصار ذلك آية ومعجزة خارجة عن العادة.
أن رزقها كان يأتيها به الملائكة من الجنة وهو قوله تعالى: (أنى لك هذا قالت هو من عند الله).
قال الحسن إنها لم تلتقم ثديا يوما قط وتكلمت هي أيضا في صباها كما تكلم عيسى عليه السلام، وأما آيات عيسى عليه السلام فقد تقدم بيانها فبين سبحانه أنه جعلهما آية للناس يتدبرون فيما خصا به من الآيات ويستدلون به على قدرته وحكمته سبحانه وتعالى فإن قيل: