تفسير الرازي (جزء 32)

محمد بن عمر فخر رازی

نسخه متنی -صفحه : 196/ 74
نمايش فراداده

أما قوله تعالى: (فأمه هاوية) ففيه وجوه: أحدها: أن الهاوية من أسماء النار وكأنها النار العميقة يهوى أهل النار فيها مهوى بعيدا، والمعنى فمأواه النار، وقيل: للمأوى أم على سبيل التشبيه بالأم التي لا يقع الفزع من الولد إلا إليها وثانيها: فأم رأسه هاوية في النار ذكره الأخفش، والكلبي، وقتادة قال: لأنهم يهوون في النار على رؤوسهم وثالثها: أنهم إذا دعوا على الرجل بالهلاك قالوا: هوت أمه لأنه إذا هوى أي سقط وهلك فقد هوت أمه حزنا وثكلا، فكأنه قيل: (وأما من خفت موازينه) فقد هلك.

فأمه هاوية * ومآ أدراك ما هيه

ثم قال تعالى: (وما أدراك ماهيه) قال صاحب الكشاف: هيه ضمير الداهية التي دل عليها قوله: (فأمه هاوية) في التفسير الثالث: أو ضمير هاوية: والهاء للسكت فإذا وصل جاز حذفها والاختيار الوقف بالهاء لاتباع المصحف والهاء ثابتة فيه، وذكرنا الكلام في هذه الهاء عند قوله: (لم يتسنه، فبهداهم اقتداه، ما أغنى عني ماليه).

(نار حامية).

ثم قال تعالى: (نار حامية) والمعنى أن سائر النيران بالنسبة إليها كأنها ليست حامية، وهذا القدر كاف في التنبيه على قوة سخونتها، نعوذ بالله منها ومن جميع أنواع العذاب، ونسأله التوفيق وحسن المآب: (ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد).