(وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا) إلى آخره، يلزم من ترتب مراتب الأرواح أن مقابلة أصفى الاستعدادات وأنورها بأكدرها وأظلمها وأبعدها ولزم منه وجود عدو لكل نبي للتضاد الحقيقي بينهما. وفائدة وجود العدو في مقابلته له أن الكمال الذي قدر له بحسب استعداده لا يظهر عليه إلا بقوة المحبة للاستمداد، وأما القهر فلانكسار نفسه به وبإهانته واستخفافه له، وتثبته عند مقابلته في مقام القلب وتجلده معرضا عن النفس ولذاتها لاشتغاله بالعدو ذاهلا عنها لفرط الحمية والحرص على الفضيلة التي يقهر بها العدو والاحتراز عن الملابس الحيوانية والشيطانية ليبعد بها عن مقامه ومناسبته ولئلا يتطرق له سبيل إلى طعنه وتحقيره وازدرائه بها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: '' ما أوذي نبي قط مثل ما أوذيت ''، إذ لا كمال لأحد مثل كماله فيجب أن يكون سبب إخراجه إلى الفعل أقوى لغاية بعده عن صفات النفس وعاداتها.
(ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة) ولتميل إليه المحجوبون لمناسبتهم (وليرضوه) لمحبتهم إياه، فتقوى غوايتهم ويتظاهرون ويخرج ما فيهم من الشرور إلى الفعل، ويزدادوا طغيانا وتعديا على النبي صلى الله عليه وسلم فتزداد قوة كماله وتهيج أيضا بسببه دواعي المؤمنين، والذين في استعدادهم مناسبة للنبي صلى الله عليه وسلم فتنبعث حميتهم، وتزداد محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ونصرهم إياه، فتظهر عليهم كمالاتهم ويتقوى بهم النبي صلى الله عليه وسلم كما قيل: إن شهرة المشايخ وكثرة مريديهم لا تكون إلا بواسطة المنكرين إياهم.
(وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا) أي: تم قضاؤه في الأزل بما قضى وقدر من إسلام من أسلم وكفر من كفر ومحبة من أحب أحدا، وعداوة من عادى قضاء مبرما وحكما صادقا مطابقا لما يقع عادلا بمناسبة كل قول وكل كمال وحال، لاستعداد من