تفسير ابن عربي (جزء 2)

محمد بن علی ابن عربی؛ محقق: عبد الوارث محمد علی

نسخه متنی -صفحه : 400/ 251
نمايش فراداده

تفسير سورة النجم من آية 16 إلى الآية 32

(إذا يغشى السدرة) من جلال الله وعظمته (ما يغشى) لأنه صلى الله عليه وسلم كان يراها عند تحققه بالوجود الحقاني بعين الله فرأى الحق متجليا في صورتها، فقد غشي السدرة من التجلي الإلهي ما سترها وأفناها فرآها بعين الفناء لم يحتجب بها وبصورتها ولا بجبريل وحقيقته عن الحق، ولهذا قال: (ما زاغ البصر) بالالتفات إلى الغير ورؤيته (وما طغى) بالنظر إلى نفسه واحتجابه بالأنائية.

(لقد رأى من آيات ربه الكبرى) أي: الصفة الرحمانية الذي يندرج فيها جميع الصفات بتجليه تعالى فيها بل حضرة الاسم الأعظم الذي هو الذات مع جميع الصفات المعبر عنه بلفظة الله في عين جمع الوجود، بحيث لم يحتجب عن الذات بالصفات ولا بالصفات عن الذات.

(وكم من ملك في السماوات) إلى آخر الآية، الشفاعة من الملائكة: هي إفاضة الأنوار والإمداد على المستشفع عند استفاضته بالتوسل بالشفيع الذي هو الوسيلة والواسطة المناسبة بينهما واتصال فعلي، هذا شفاعتهم في حق النفوس البشرية لا تكون إلا إذا كانت مستعدة في الأصل، قابلة لفيض الملكوت. ثم تزكوا عن الهيئات البشرية والغواشي الطبيعية بالتوجه إلى جناب القدس والتجرد عن ملابس الحس ومواد الرجس فتستفيض من نورها وتستمد من فيضها وتتصل بها وتنخرط في سلكها، فتتقرب إلى الله بواسطتها.

فالاستعداد القابل الأصلي هو الإذن في الشفاعة والرضا بها هو الزكاء والصفاء الحاصل بالسعي والاجتهاد، فإذا اجتمعا حصلت الشفاعة وإن لم يكن الاستعداد في الأصل أو كان وقد تغير بالعلائق والغواشي ولم تبق على صفائها فلم يكن اذن ولا رضا من الله فلا شفاعة، فقوله: (لا تغني شفاعتهم شيئا) معناه: عدم الشفاعة لا وجودها، وعدم إغنائها لاستحالة ذلك في عالم الملكوت فهو كقوله: ولا ترى الضب بها ينحجر.