تفسير ابن عربي (جزء 2)

محمد بن علی ابن عربی؛ محقق: عبد الوارث محمد علی

نسخه متنی -صفحه : 400/ 312
نمايش فراداده

تفسير سورة الحاقة من آية 16 إلى الآية 24

(وانشقت) سماء النفس الحيوانية وانقشعت لزهوق الروح بانفلاقها عنه (فهي يومئذ واهية) لا تقدر على الفعل ولا تقوى على التحريك والإدراك حالة الموت.

(والملك) أي: القوى التي تمدها وتأوي إليها وتعتمد عليها في الإدراك وتجتمع مدركاتها عندها أو تدرك بواسطتها أو تظهر بها مدركاتها (على أرجائها) أي: جوانبها من الروح والقلب والعقل والجسم، فافترقت عنها وتشعبت إلى جهاتها الناشئة منها أولا (ويحمل عرش ربك) أي: القلب الإنساني (فوقهم يومئذ ثمانية) منهم هي الأنوار القاهرة أرباب الأصنام العنصرية من الصور النوعية تحمله بالاجتماع من الطرفين العلوي والسفلي الفاعل والحامل عند البعث والنشور من كل طرف أربعة.

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: '' هم اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة آخرين فيكونون ثمانية ''، ولكن تلك الأملاك مختلفة الحقائق بحسب اختلاف أصنافها العنصرية قال بعضهم: إنها مختلفة الصور ولكونها مستولية مستعلية على تلك الأجرام شبهت بالأوعال، وقيل: هم على صور الأوعال تشبيها لأجرامها بالجبال ولكونها شاملة لتلك الأجرام بالغة إلى أقصاها حيث ما بلغت. قال بعضهم: ثمانية أملاك أرجلهم في تخوم الأرض السابعة والعرش فوق رؤوسهم وهم مطرقون مسبحون والله أعلم بحقائق الأمور.

(يومئذ تعرضون) على الله بما في أنفسكم من هيئات الأعمال وصور الأفعال (لا تخفى منكم خافية فأما من أوتي كتابه) أي: اللوح البدني الذي فيه صور أعماله (بيمينه) أي: جانبه الأقوى الإلهي الذي هو العقل فيفرح به ويحب الاطلاع على أحواله من الهيئات الحسنة وآثار السعادة وهو معنى قوله: (هاؤم اقرؤوا كتابيه إني ظننت) إني تيقنت (أني ملاق حسابيه) لإيماني بالبعث والنشور والحساب والجزاء (فهو في عيشة راضية) أي: حياة حقيقية أبدية سرمدية (في جنة) من جنان القلب والروح (عالية قطوفها) من مدركات القلب والروح من المعاني والحقائق (دانية) كلما شاؤوا نالوها.