تفسير ابن عربي (جزء 2)

محمد بن علی ابن عربی؛ محقق: عبد الوارث محمد علی

نسخه متنی -صفحه : 400/ 40
نمايش فراداده

وقهرها (قالوا سمعنا فتى) كاملا في الفتوة والشجاعة على قهر ما سوى الله من الأغيار والسخاوة ببذل النفس والمال (بذكرهم) بنفي القدرة والكمال عنهم ونسبة العدم والفناء إليهم (فأتوا به) أي: استحضروه وأحضروه معاينا لجميع النفوس (لعلهم يشهدون) كماله وفضيلته فيستفيدون منه.

(أأنت فعلت هذا) صورة إنكار لما لم يعرفوا من كماله إذ كل ما يمكن للنفوس معرفته فهو دون كمال العقول التي هي معشوقاتها وهي محجوبة عن كماله الإلهي الذي هو به أشرف منها (قال بل فعله كبيرهم) أي: ما فعلته بأنائيتي التي أنا بها أحسن منها، بل بحقيقتي وهويتي التي هي أشرف وأكبر منها (فاسألوهم إن كانوا ينطقون) بالاستقلال، أي: لا نطق لهم ولا علم ولا وجود بأنفسهم بل بالله الذي لا إله إلا هو.

(فرجعوا إلى أنفسهم) بالإقرار والإذعان معترفين بأن الممكن لا وجود له بنفسه فكيف كماله (فقالوا إنكم أنتم الظالمون) بنسبة الوجود والكمال إلى الغير لا هو (ثم نكسوا على رؤوسهم) حياء من كماله ونقصهم وخضوعا وانفعالا منه (لقد علمت) بالعلم اللدني الحقاني فناءهم فنفيت النطق عنهم، وأما نحن فلا نعلم إلا ما علمنا الله فاعترفوا بنقصهم كما اعترفوا به عند معرفتهم لآدم بعد الإنكار، فقالوا: (لا علم لنا إلا ما علمتنا) [البقرة، الآية: 32].

(أفتعبدون من دون الله) وتعظمون غيره مما لا ينفع ولا يضر، إذ هو النافع الضار لا غير (أف لكم) أتضجر بوجودكم ووجود معبوداتكم ووجود كل ما سواه تعالى (أفلا تعقلون) أن لا مؤثر ولا معبود إلا الله.

تفسير سورة الأنبياء من آية 68 - 73

(حرقوه) أي: اتركوه يحترق بنار العشق التي أنتم أوقدتموها أولا بإلقاء الحقائق والمعارف إليه التي هي حطب تلك النار عند رؤيته ملكوت السماوات والأرض بإراءة الله إياه، كما قال: (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض) [الأنعام، الآية: 75] وإشراق الأنوار الصفاتية والأسمائية عند تجليات الجمال والجلال عليه من وراء أستار أعيانكم التي هي منشأ اتقاد تلك النار (وانصروا آلهتكم) أي: معشوقاتكم ومعبوداتكم في الإمداد بتلك الأنواع وإيقاد تلك النار (إن كنتم فاعلين) بأمر الحق.