حكم الطلاق ثلاثاً

نسخه متنی
نمايش فراداده

حكم الطلاق ثلاثاً

مناظره الشيخ المفيد مع ابي محمد بن المأمون


ومن كلام الشيخ أدام الله عزّه في الطلاق ، قال الشيخ : حضرت يوماً عند صديقنا أبي الهذيل سبيع بن المنبه المختاري رحمه الله وألحقه بأوليائه الطاهرين عليهم السلام ، وحضر عنده الشيخان أبو طاهر وأبو الحسن الجوهريان ، والشريف أبو محمد بن المأمون ، فقال لي أحد الشيخين : ما تقول في طلاق الحامل إذا وقع الرجل منه ثلاثاً في مجلس واحد ؟ فقال الشيخ أيده الله : فقلت : إذا أوقعه بحضور مسلمين عدلين وقعت منه واحده لا أكثر من ذلك . فسكت الجوهري هنيئه ثم قال : كنت أظن أنكم لا توقعون شيئاً منه بته . فقال أبو محمد بن المأمون للشيخ أدام الله عزّه : أتقولون إنّه يقع منه واحده ؟ فقال الشيخ أيده الله : نعم إذا كان بشرط الشهود .
فأظهر تعجباً من ذلك ، وقال : ما الدليل على أن الذي يقع بها واحده وهو قد تلفظ بالثلاث . قال الشيخ أيده الله : فقلت له الدلاله على ذلك من كتاب الله عز وجلّ ، ومن سنه نبيه صلى الله عليه وآله ، ومن إجماع المسلمين ، ومن قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، ومن قول ابن عباس رحمه الله ، ومن قول عمر بن الخطاب . فازداد الرجل تعجباً لما سمع هذا الكلام ، وقال : أحب أن تفصّل لنا ذلك وتشرحه على البيان . قال الشيخ : أما كتاب الله تعالى فقد تقرر أنه نزل بلسان العرب وعلى مذاهبها في الكلام ، قال الله سبحانه : ( قُرآناً عَرَبياً غَير ذِي عِوَجٍ )(1)، وقال : ( وَمَا أَرسَلنَا مِن رَسُولٍ إلاّ بِلِسَانِ قَومهِ لِيُبيّنَ لَهُم )(2) ، ثم قال سبحانه في آيه الطلاق : ( الطَّلاَق مَرَّتان فإمسَاكُ بِمعروفٍ أو تَسريحٌ بإحسانٍ )(3) ، فكانت الثالثه في قوله : ( أو تسريح بإحسان ) . ووجدنا المطلق إذا قال لامرأته : أنت طالق ، أتى بلفظ واحد يتضمن تطليقه واحده ، فإذا قال عقيب هذا اللفظ ثلاثاً ، لم يخل من أن تكون إشارته إلى طلاق وقع فيما سلف ثلاث مرات ، أو إلى طلاق يكون في المستقبل ثلاثاً ، أو إلى الحال ، فإن كان أخبر عن الماضي فلم يقع الطلاق إذا باللفظ الذي أورده في الحال ، وإنما أخبر عن أمر كان ، وإن كان أخبر عن المستقبل فيجب أن لا يقع بها طلاق حتى يأتي الوقت ، ثم يطلقها ثلاثاً على مفهوم اللفظ والكلام ، وليس هذان القسمان مما جرى الحكم عليهما ولا تضمنهما المقال فلم يبق إلاّ أنه أخبر عن الحال ، وذلك كذب ولغو بلا ارتياب ، لاَن الواحده لا تكون أبداً ثلاثاً ، فلاَجل ذلك حكمنا عليه بتطليقه واحده من حيث تضمنه اللفظ الذي أورده ، وأسقطنا ما لغا فيه ، وأطرحناه إذ كان على مفهوم اللغه التي نطق بها القرآن فاسداً ، وكان مضاداً لاَحكام الكتاب . وأما السنّه فإن النبي صلى الله عليه وآله قال : كلما لم يكن على أمرنا هذا فهو رد(4). وقال صلى الله عليه وآله : ما وافق الكتاب فخذوه وما لم يوافقه فاطرحوه(5) وقد بيّنا أن المره لا تكون مرتين أبداً ، وأن الواحده لا تكون ثلاثاً ، فأوجب السنه إبطال الطلاق الثلاث . وأما إجماع الاُمّه فإنهم مطبقون على أن كل ما خالف الكتاب والسنه فهو باطل ، وقد تقدم وصف خلاف الطلاق الثلاث للكتاب والسنّه ، فحصل الاِجماع على بطلانه . وأما قول أمير المؤمنين عليه السلام : فإنّه قد تظافر عنه بالخبر المستفيض ، أنه قال : إيّاكم والمطلّقات ثلاثاً في مجلس واحد فإنهن ذوات أزواج(6). وأما قول ابن عباس فإنه يقول : ألا تعجبون من قوم يحلون المرأه لرجل وهي تحرم عليه ، ويحرمونها على آخر وهي تحل له ، فقالوا : يا ابن عباس ومن هؤلاء القوم ؟ قال : هم الذين يقولون للمطلق ثلاثاً في مجلس : قد حرمت عليك امرأتك. وأما قول عمر بن الخطاب : فلا خلاف أنه رفع إليه رجل قد طلق امرأته ثلاثاً ، فأوجع رأسه ثم ردّها إليه ، وبعد ذلك رفع إليه رجل وقد طلق كالاَول فأبانها منه ، فقيل له في اختلاف حكمه في الرجلين ! فقال : قد أردت أن أحمله على كتاب الله عزّ اسمه ، ولكنني خشيت أن يتتابع فيه السكران والغيران ، فاعترف بأن المطلقه ثلاثاً ترد إلى زوجها على حكم الكتاب ، لاَنّه إنما أبانها منه بالرأي والاستحسان ، فعلمنا من قوله على ما وافق القرآن ، ورغبنا عما ذهب إليه من جهه الرأي فلم ينطق أحد من الجماعه بحرف ، وأنشأوا حديثاً آخر تشاغلوا به(7). (1) سوره الزمر : الآيه 28 . (2) سوره إبراهيم : الآيه 4 . (3) سوره البقره : الآيه 229 . (4) الفروع من الكافي للكليني : ج6 ص60 ح15 . (5) تهذيب الاَحكام : ج7 ص274 ح5 ، وعنه وسائل الشيعه للحر العاملي : ج14 ص356 ح4 (ب 20 من أبواب ما يحرم بالمصاهره ونحوها) . (6) بحار الاَنوار للمجلسي : ج101 ص140 ح17 و ص152 ح55 ، وسائل الشيعه : ج15 ص317 ح 24 (ب 29 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه) . (7) الفصول المختاره للشيخ المفيد : ص 134 ـ 136 .