صحابه ـ الرجعه ـ المتعه

نسخه متنی
نمايش فراداده

الصحابه ـ الرجعه ـ المتعه

مناظره ابن طاووس مع بعض اهل الخلاف


يقول ابن طاووس ـ عليه الرحمه ـ : ولقد جمعني وبعض أهل الخلاف مجلس منفرد فقلت لهم : ما الذي تأخذون على الاِماميه ، عرّفوني به بغير تقيّه لاَذكر ما عندي ، وفيه غلقنا باب الموضع الذي كنّا ساكنيه ؟ فقالوا : نأخذ عليهم تعرضهم بالصحابه، ونأخذ عليهم القول بالرجعه ، والقول بالمتعه، ونأخذ عليهم حديث المهدي عليه السلام وأنّه حي مع تطاول زمان غيبته؟ فقلت لهم : أما ما ذكرتم من تعرض من أشرتم إليه بذم بعض الصحابه، فأنتم تعلمون أن كثيراً من الصحابه استحل بعضهم دماء بعض في حرب طلحه والزبير وعائشه لمولانا علي عليه السلام وفي حرب معاويه له أيضاً ، واستباحوا أعراض بعضهم لبعض حتى لعن بعضهم بعضاً على منابر الاِسلام ، فأولئك هم الذين طرقوا سبيل الناس للطعن عليهم ، وبهم اقتدى من ذمهم ونسب القبيح إليهم، فإن كان لهم عذر في الذي عملوه من استحلال الدماء وإباحه الاَعراض، فالذين اقتدوا بهم أعذر وأبعد من أن تنسبوهم إلى سوء التعصب والاِعراض ، فوافقوا على ذلك . وقلت لهم : وأمّا حديث ما أخذتم عليه من القول بالرجعه ، فأنتم تروون أن النبي صلى الله عليه وآله قال : إنّه يجري في أُمّته ما جرى في الاَُمم السابقه(2)وهذا القرآن يتضمن ( أَلَمْ تَرَ إلى الَّذينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الموتِ فَقالَ لَهم اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أحياهُمْ )(3)فشهد جلّ جلاله أنه قد أحيا الموتى في الدنيا وهي رجعه ، فينبغي أن يكون في هذه الاَُمّه مثل ذلك ، فوافقوا على ذلك. فقلت لهم : وأمّا أخذكم عليهم بالقول بالمتعه فأنتم أحوجتم الشيعه إلى صحّه الحكم بها ، لاَنّكم رويتم في صحاحكم عن جابر(4)بن عبدالله الاَنصاري، وعبدالله بن عباس(5)، وعبدالله بن مسعود(6)، وسلمه بن الاَكوع(7)، وعمران بن الحصين(8) وأنس بن مالك، وهم من أعيان الصحابه(9)أنّ النبي صلى الله عليه وآله مات ولم يحرِّمها ، فلمّا رأت الشيعه أن رجالكم وصحاح كتبكم قد صدقت رجالكم، ورواتهم أخذوا بالمجمع عليه وتركوا ما أنفردتم به ، فوافقوا على ذلك. وقلت لهم : وأمّا ما أخذتم عليهم من طول غيبه المهدي عليه السلام فأنتم تعلمون، أنّه لو حضر رجل وقال : أنا أمشي على الماء ببغداد فإنّه يجتمع لمشاهدته، لعل من يقدر على ذلك منهم فإذا مشى على الماء وتعجب الناس منه فجاء آخر قبل أن يتفرقوا ، وقال أيضاً : أنا أمشي على الماء فإن التعجب منه يكون أقل من ذلك فمشى على الماء فإن بعض الحاضرين ربما يتفرقون ويقل تعجبهم ، فإذا جاء ثالث وقال : أنا أيضاً أمشي على الماء فربّما لا يقف للنظر إليه إلاّ قليل فإذا مشى على الماء سقط التعجب من ذلك ، فإن جاء رابع وذكر أنّه يمشي أيضاً على الماء فربّما لا يبقى أحد ينظر إليه ولا يتعجب منه وهذه حاله المهدي عليه السلام لاَنّكم رويتم أنّ إدريس عليه السلام حي(10)موجود في السماء منذ زمانه إلى الآن، ورويتم أن الخضر عليه السلام حي موجود منذ زمان موسى عليه السلام أو قبله إلى الآن(11)ورويتم أن عيسى حي موجود(12) في السماء وأنّه يرجع إلى الاَرض(13)مع المهدي عليه السلام فهذه ثلاثه نفر من البشر قد طالت أعمارهم ، وسقط التعجب بهم من طول أعمارهم ، فهلا كان لمحمد بن عبدالله ـ صلوات الله عليه وآله ـ أسوه بواحد منهم أن يكون من عترته آيه لله جلّ جلاله في أُمّته بطول عمر واحد من ذريته فقد ذكرتم ورويتم في صفته: أنّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت جوراً وظلماً(14)، ولو فكرتم لعرفتم أن تصديقكم وشهادتكم أنه يملأ الأرض بالعدل شرقاً وغرباً وبعداً وقرباً أعجب من طول بقائه ، وأقرب إلى أن يكون ملحوظاً بكرامات الله(15)جلّ جلاله لاَوليائه ، وقد شهدتم أيضاً له أن عيسى بن مريم النبي المعظم عليهما السلام يصلّي خلفه(16) مقتدياً به في صلواته وتبعاً له ومنصوراً به في حروبه وغزواته ، وهذا أيضاً أعظم مقاماً مما استبعدتموه من طول حياته فوافقوا على ذلك؛ وفي حكايه الكلام زياده فاطلب من الطرائف وغيرها(17). ____________
(1) هو : رضي الدين أبو القاسم علي بن السيد سعد الدين بن موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي عبدالله محمد الطاووس بن إسحاق بن الحسن بن محمد ابن سليمان بن داود بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ، ولد في سنه 589 هـ بالحلّه ونشأ بها وترعرع، ثمّ هاجر إلى بغداد وأقام بها نحواً من خمس عشره سنه ، وأسكنه المستنصر العباسي داراً في الجانب الشرقي من بغداد، ثمّ رجع إلى الحلّه، ثمّ انتقل إلى النجف ثم كربلاء ثمّ عاد إلى بغداد ، ولي نقابه الطالبيين وبقي فيها إلى أن توفّي سنه 664 هـ ، نشأ وسط أسره علميه عريقه، وتتلمذ على أيدي علماء أعلام منهم: الشيخ ورّام والشيخ نجيب الدين محمد بن نما وغيرهم الكثير، وروى عنه الكثير منهم : الاَربلي صاحب كشف الغمّه، وسديد الدين والد العلاّمه الحلّي وغيرهم، ترك ثروه ضخمه من التآليف القيمه منها : أسرار الصلاه، الاِقبال، التحصين، كشف المحجّه إلى ثمره المهجه، اليقين . انظر ترجمته في : مقدّمه اليقين وجمال الاَسبوع، أمل الآمل : ج2 ص205 ترجمه رقم : 622 ، معجم رجال الحديث للسيد الخوئي قدس سره : ج12 ص188 ترجمه رقم : 8532، سفينه البحار : ج2 ص96 . (2) إشاره إلى حديث النبي صلى الله عليه وآله المروي عنه : يكون في هذه الاَُمّه كل ما كان في الاَُمم السالفه حذو النعل بالنعل والقذه بالقذه . والمروي عنه أيضاً : لم يجر في بني إسرئيل شيء إلاّ ويكون في أُمّتي مثله حتى المسخ والخسف والقذف . وقد تقدّمت تخريجاته فيما سبق . (3) سوره البقره : الآيه 243 .
(4) راجع : كنز العمّال : ج16 ص520 ح45719 وح 45720 ، وروي عن جابر من طريق قال : كنا نستمتع بالقبضه من التمر، والدقيق، على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأبي بكر، حتى نهى عمر بن الخطاب، لاَجل عمرو بن حريث لما استمتع . صحيح مسلم : النكاح ب نكاح المتعه: ج2 ص 1023 ح16 ، فتح الباري للعسقلاني : ج 9 ص 141 ، نهج الحقّ وكشف الصدق : ص283 . (5) راجع : صحيح البخاري : ج 6 ص 66 ، كنز العمّال : ج16 ص521 ح45725 ، الدر المنثور للسيوطي : ج2 ص483 ـ 484 . (6) راجع : كنز العمّال : ج16 ص527 ح45748 ، الدر المنثور للسيوطي: ج2 ص485. (7) فتح الباري للعسقلاني : ج 9 ص 141 ، صحيح مسلم : ج 2 ص 1022 ح 13 و 14 ، كنز العمال : ج 16 ص 526 ح 45740 و 45741 . (8) وروي عن عمران بن حصين، قال : نزلت متعه النساء في كتاب الله تعالى ، وعملنا مع النبي صلى الله عليه وآله ولم ينزل القرآن بحرمتها، ولم ينه عنها حتى مات . راجع : صحيح البخاري : ج 2 ص 176 و ج 6 ص 33 ، مسند أحمد بن حنبل : ج4 ص436 ، التفسير الكبير للرازي : ج10 ص49 ـ 50 ، نهج الحق وكشف الصدق: ص283. (9) وهناك الكثير من الصحابه والتابعين (وسوف يأتي ذكرهم تفصيلاً في هامش مناظره ابن عباس مع الزبير) من يرى حليه المتعه راجع : المحلى لابن حزم : ج9 ص519 ، الجامع لاَحكام القرآن للطبري : ج 5 ص 133 ، شرح نهج البلاغه لابن أبي الحديد : ج 12 ص254 ، الغدير للاَميني : ج6 ص220 ـ 222 ، النص والاجتهاد للسيد شرف الدين : ص212 ـ 218، المتعه وأثرها في الاِصلاح الاجتماعي : ص44 و64. (10) راجع : قصص الاَنبياء عليهم السلام ، لابن كثير : ج1 ص101 ـ 102 ، أخبار الدول للقرماني: ص22. (11) راجع : قصص الاَنبياء عليهم السلام ، لابن كثير : ج 2 ص 200 ، أخبار الدول للقرماني:ص44. (12) راجع : قصص الاَنبياء عليهم السلام ، لابن كثير : ج2 ص436 و 442 ، أخبار الدول للقرماني : ص76. (13) راجع : صحيح البخاري : ج 4 ص 205 ، ب نزول عيسى بن مريم عليه السلام ، المصنّف لعبدالرزاق الصنعاني : ج11 ص400 ح20841 ، مسند أحمد : ج2 ص272 ، مصابيح السنه للبغوي : ج3 ص516 ح4261 ، فردوس الاَخبار للديلمي : ج3 ص342 ح4916، جامع الاَُصول لابن الاَثير : ج10 ص327 ح7831 ، معجم أحاديث الامام المهدي عليه السلام . ج1 ص518 ـ 537 . (14) راجع : الكتاب المصنف لابن أبي شيبه : ج15 ص198 ح19494، جامع الاَصول لابن الاَثير : ج 10 ص 330 ح 7833 و 7834 و 7836 و 7837 ، ينابيع الموده : ص448 ، غايه المرام للبحراني : ص704 ح162 ، كنز العمّال : ج14 ص264 ح38665 وص 265 ح 38667 و ص 266 ح 38669 و ح 38670 و ص 267 ح 38675 و 38676، كشف الغمّه للاَربلي : ج2 ص468 ـ 476، معجم أحاديث الامام المهدي7: ج1 ص 104 . (15) جاء في الكتاب المصنّف : ج 15 ص 199 ح 19499 عن النبي صلى الله عليه وآله أن المهدي لا يخرج حتى تُقتل النفس الزكيه ، فإذا قُتلت النفس الزكيه غضب عليهم مَن في السماء ومَن في الاَرض ، فأتى الناس المهدي ، فزفوه كما تُزف العروس إلى زوجها ليله عرسها ، وهو يملأ الاَرض قسطاً وعدلاً ، وتخرج الاَرض نباتها ، وتمطرُ السماء مطرها ، وتنعم أُمتي في ولايته نعمهً لم تنعمها قط. (16) راجع : الكتاب المصنف لابن أبي شيبه : ج15 ص198 ح19495 ، كنز العمّال : ج14 ص266 ح 38673 ، الجامع الصغير للسيوطي : ج 2 ص 546 ح 8262 ، كشف الغمّه للاَربلي : ج2 ص479 ـ 480، معجم أحاديث الاِمام المهدي عليه السلام: ج1 ص 528 . (17) كشف المحجه لابن طاووس : ص54 ـ 56 .