تحفة الأحوذي (جزء 9)
محمد بن عبد الرحمان بن عبد الرحیم بهادر مبارکفوری
نسخه متنی
نمايش فراداده
الكتاب: تحفة الأحوذي
المؤلف: المباركفوري
الجزء: 9
الوفاة: 1282
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 1410 - 1990 م
المطبعة:
الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:
تحفة الأحوذي
بشرح
جامع الترمذي
للامام الحافظ أبي العلا محمد عبد الرحمن
ابن عبد الرحيم المباركفوري
1283 - 1353 ه.
طبعة جديدة مقارنة مع الطبعتين
الهندية والمصرية: مع ملحق خاص
بالأحاديث المستدركة من جامع الترمذي
الجزء التاسع
تتمة أبواب تفسير القرآن أبواب الدعوات.
دار الكتب العلمية. بيروت لبنان
1
الطبعة الأولى 1410 ه. 1990 م
2
(ومن سورة الأنبياء)
مكية وهي مائة وإحدى أو اثنتا عشرة آية
قوله (حدثنا مجاهد بن موسى) الخوارزمي الختلي أو علي نزيل بغداد ثقة من العاشرة
(حدثنا عبد الرحمن بن غزوان) بمعجمة مفتوحة وزاي ساكنة أبو نوح الضبي المعروف بقراد ثقة
له أفراد من التاسعة قوله (أن رجلا قعد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي قدامه (إن لي مملوكين)
بكسر الكاف أي مماليك (يكذبونني) أي يكذبون في إخبارهم لي (ويخونونني) أي في مالي
(ويعصونني) أي في أمري ونهيي (وأشتمهم) بكسر التاء ويضم أي أسبهم (فكيف أنا منهم) أي
كيف يكون حالي من أجلهم وبسببهم عند الله تعالى (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسب بصيغة
المجهول ما خانوك وعصوك وكذبوك أي مقدارها وعقابك عطف على ما خانوك أي ويحسب
أيضا قدر شتمك وضربك إياهم كان أي أمرك كفافا بفتح الكاف في القاموس كفاف الشئ
كسحاب مثله ومن الرزق ما كف عن الناس وأغنى وفي النهاية الكفاف الذي لا يفضل عن
الشئ ويكون بقدر الحاجة إليه لا لك ولا عليك أي ليس لك فيه ثواب ولا عليك فيه عقاب دون ذنوبهم أي أقل منها كان فضلا لك أي عليهم قيل فإن قصدت الثواب تجز به وإلا فلا
3
قاله القاري فوق ذنوبهم أي أكثر منها اقتص لهم بصيغة المجهول أي أخذ بمثله لأجلهم منك
الفضل أي الزيادة فتنحى الرجل أي بعد عن المجلس فجعل يبكي ويهتف بكسر التاء أي
شرع يبكي ويصيح ونضع الموازين القسط أي ذوات العدل ليوم القيامة أي فيه فلا تظلم
نفس شيئا من نقص حسنة أو زيادة سيئة وبقية الآية وإن كان أي العمل مثقال زنة حبة
من خردل أتينا بها أي أحضرناها وكفى بنا حاسبين إذ لا مزيد على علمنا ووعدنا ما أجد لي
ولهم شيئا أي مخلصا والجار والمجرور هو المفعول الثاني (خيرا) صفة لما قبله (من مفارقتهم) أي
من مفارقتي إياهم لأن المحافظة على مراعاة المحاسبة والمطالبة عسر جدا (أشهدك) بصيغة المضارع
المتكلم من الاشهاد (كلهم) بالنصب على التأكيد قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه بن جرير
في تهذيبه والبيهقي (وقد روى أحمد ابن حنبل عن عبد الرحمن بن غزوان هذا الحديث) قال الإمام أحمد
في مسنده حدثنا أبو نوح قراد أنبأنا ليث بن سعد عن مالك بن أنس عن الزهري عن عروة
عن عائشة أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس بين يديه فقال يا رسول الله إن لي مملوكين
الحديث وأبو نوح قراد هو عبد الرحمن بن غزوان
قوله أخبرنا الحسن بن موسى وقع في بعض النسخ الحسين بن موسى بالتصغير وهو غلط
لأنه ليس في شيوخ عبد بن حميد ولا في أصحاب ابن لهيعة من اسمه الحسين بن موسى ولأن
الترمذي قد أخرج في باب صفة قعر جهنم حديث أبي سعيد الصعود جبل من نار يتصعد فيه
الكافر سبعين خريفا ويهوي فيه كذلك أبدا بعين هذا السند وفيه الحسن بن موسى بالتكبير قوله
ويل واد أي اسم واد يهوي أي يسقط قال في مختار الصحاح هوى يهوي كرمى يرمي هويا
بالفتح سقط إلى أسفل أربعين خريفا أي عاما قال الخازن الويل كلمة تقولها العرب لكل
4
من وقع في هلكة وأصلها في اللغة العذاب والهلاك وقال ابن عباس الويل شدة العذاب ثم ذكر
حديث أبي سعيد هذا قلت إن ثبت هذا الحديث فهو مغن عن جميع ما ذكروه في معنى الويل
قوله هذا حديث غريب وأخرجه أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم وأخرجه ابن أبي حاتم
من طريق يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج لا نعرفه مرفوعا
إلا من حديث ابن لهيعة قال الحافظ ابن كثير لم يتفرد به ابن لهيعة بل تابعه عمرو بن الحراث
ولكن الآفة ممن بعده وهذا الحديث به إذا الإسناد مرفوعا منكر انتهى
قوله لم يكذب إبراهيم عليه السلام في شئ قط إلا في ثلاث قوله إني سقيم ولم يكن
سقيما يجر قوله على أنه بدل من ثلاث ويجوز الرفع والنصب وذلك عندما طلبوا منه عليه الصلاة
والسلام أن يخرج معهم إلى عيدهم فأراد أن يتخلف عنهم للأمر الذي هم به فنظر نظرة في النجوم
فقال إني سقيم وفيه إيهام منه أنه استدل بأمارة علم النجوم على أنه سيسقم ليتركوه فيفعل
بالأصنام ما أراد أن يفعل أو سقيم القلب لما فيه من الغيظ باتخاذكم النجوم آلهة أو بعبادتكم
الأصنام وقوله لسارة أختي بالوجوه الثلاثة وذلك أنه قدم أرض جبا ومعه سارة وكانت أحسن
الناس فقال لها من هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك فإن سألك فأخبريه أنك أختي في
الاسلام وقوله بل فعله كبيرهم هذا قال ذلك حين كسر عليه الصلاة والسلام أصنامهم إلا
كبيرها وعلق الفأس في عنقه قال النووي قال الماذري أما الكذب فيما طريقه البلاغ عن الله
تعالى فالأنبياء معصومون منه سواء كثيره وقليله وأما ما لا يتعلق بالبلاغ ويعد من الصغائر
كالكذبة الواحدة في حقير من أمور الدنيا ففي إمكان وقوعه منهم وعصمتهم منه القولان
المشهوران للسلف والخلف قال القاضي عياض الصحيح أن الكذب فيما يتعلق بالبلاغ لا
يتصور وقوعه منهم سواء جوزنا الصغائر منهم وعصمتهم منها أم لا وسواء قل الكذب أم كثر لأن
منصب النبوة يرتفع عنه وتجويزه يرفع الوثوق بأقوالهم وأما قوله صلى الله عليه وسلم ثنتين في ذات الله وواحدة
في شأن سارة فمعناه أن الكذبات المذكورة إنما هي بالنسبة إلى فهم المخاطب والسامع وأما في
نفس الأمر فليست كذبا مذموما لوجهين أحدهما أنه ورى بها فقال في سارة أختي في الاسلام
5
وهو صحيح في باطن الأمور والوجه الثاني أنه لو كان كذبا لا تورية فيه لكان جائزا في دفع
الظالمين قال الماذري وقد تأول بعضهم هذه الكلمات وأخرجها عن كونها كذبا ولا معنى لامتناع
من إطلاق لفظ أطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النووي أما إطلاق لفظ الكذب عليها فلا يمتنع لورود
الحديث به وأما تأويلها فصحيح لا مانع منه وقد جاء ذلك مفسرا في غير مسلم فقال ما فيها كذبة
إلا بها عن الاسلام أي يجادل ويدافع انتهى ملخصا قوله (هذا حديث حسن صحيح)
وأخرجه الشيخان قوله (وأبو داود) هو الطيالسي
إنكم محشورون أي ستبعثون عراة بضم العين جمع عار وهو من لا ستر له
(غرلا) بضم المعجمة وسكون الراء جمع أغرل وهو الأقلف وزنه ومعناه وهو من بقيت غرلته وهي
الجلدة التي يقطعها الخاتن من الذكر كما بدأنا أو خلق نعيده الكاف متعلق بمحذوف دل عليه
نعيده أي نعيد الخلق إعادة مثل الأول والمعنى بدأناهم في بطون أمهاتهم حفاة عراة غرلا
نعيدهم يوم القيامة وبقية الآية وعدا علينا منصوب بوعدنا مقدر قبله وهو مؤكد لمضمون ما قبله
إنا كنا فاعلين أي ما وعدناه قال أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم تقدم الكلام عليه مبسوطا
في باب شأن الحشر من أبواب صفة القيامة وتقدم فيه بقية الكلام على قوله عراة وأنه سيؤتى
برجال من أمتي أي جماعة منهم والتنكير للتقليل فيؤخذ بهم ذات الشمال أي إلى جهة النار فأقول
رب أصحابي خبر مبتدأ محذوف تقديره هؤلاء إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك المراد من
الاحداث الارتداد عن الاسلام كما يدل عليه قوله الآتي فيقال هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم
منذ فارقتهم وفي حديث عن أبي هريرة عند البخاري من طريق عطاء بن يسار عنه أنهم ارتدوا على
أدبارهم القهقرى قال القاضي يريد بهم من ارتد من الأعراب الذين أسلموا في أيامه كأصحاب
مسيلمة والأسود وأضرابهم فإن أصحابه وإن شاع عرفا فيمن يلازمه من المهاجرين والأنصار
شاع استعماله لغة في كل من تبعه مرة وقيل أراد بالارتداد إساءة
6
السيرة أي موجودا فلما توفيتني أي قبضتني بالرفع إلى السماء كنت
أنت الرقيب عليهم الحفيظ لأعمالهم وأنت على كل شئ من قولي وقولهم بعدي وغير ذلك
شهيدا أي مطلع عالم به إن تعذبهم أي من أقام على الكفر منهم فإنهم عبادك أنت مالكهم
تتصرف فيهم كيف شئت لا اعتراض عليك وإن تغفر لهم أي لمن آمن منهم وتمام الآية
فإنك أنت العزيز الغالب على أمره والحكيم في صنعه فيقال هؤلاء لم يزالوا مرتدين على
أعقابهم منذ فارقتهم هذا يؤيد قول من قال إن المراد من الاحداث في قوله إنك لا تدري ما
أحدثوا بعدك هو الارتداد عن الاسلام
باب ومن سورة الحج
مكية إلا ومن الناس من يعبد الله الآيتين أو إلا وهذان خصمان الست آيات
فمدينات وهي أربع أو خمس أو ست أو سبع أو ثمان وسبعون اية
قوله (عن الحسن) هو البصري قوله
7
يا أيها الناس اتقوا ربكم أي احذروا عقابه واعملوا بطاعته إن زلزلة الساعة شئ عظيم الزلزلة شدة الحركة على الحال الهائلة ووصفها
بالعظم ولا شئ أعظم مما عظمه الله تعالى قيل هي من أشراط الساعة قبل قيامها وقال ابن
عباس زلزلة الساعة قيامها فتكون معها واختاره ابن جرير في تفسيره وبعده يوم ترونها أي
الساعة وقيل الزلزلة تذهل قال ابن عباس تشغل وقيل تنسى كل مرضعة عما أرضعت أي كل
امرأة معها ولد ترضعه وتضع كل ذات حمل حملها أي تسقط من هول ذلك اليوم كل حامل
حملها قال الحسن تذهل المرضعة عن ولدها غير فطام وتضع الحامل ما في بطنها غير تمام فعلى
هذا القول تكون الزلزلة في الدنيا لأن بعد البعث لا يكون حبل ومن قال تكون الزلزلة في القيامة
قال هذا على وجه تعظيم الأمر وتهويله لا على حقيقته كما تقول أصابنا أمر يشيب فيه الوليد تريد به
شدته وترى الناس سكارى على التشبيه (وما هم بسكارى) على التحقيق ولكن ما رهقهم من
خوف عذاب الله هو الذي أذهب عقولهم وأزال تمييزهم وقيل سكارى من الخوف وما هم
بسكارى من الشراب ولكن عذاب الله شديد أي فهم يخافونه قال أي عمران بن حصين
وهو في سفر جملة حالية والضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ابعث بعث النار وفي حديث أبي سعيد عند
البخاري أخرج بعث النار وفي حديث أبي هريرة عنده أخرج بعث جهنم من ذريتك قال
الحافظ البعث بمعنى المبعوث وأصلها في السرايا التي يبعثها الأمير إلى جهة من الجهات للحرب
وغيرها ومعناها هنا ميز أهل النار من غيرهم وإنما خص بذلك آدم لكونه والد الجميع ولكونه
كان قد عرف أهل السعادة من أهل الشقاء فقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء وعن يمينه أسودة وعن
شماله أسودة الحديث وما بعث النار الواو عاطفة على شئ محذوف تقديره سمعت وأطعت وما
بعث النار أي وما مقدار مبعوث النار وفي حديث أبي هريرة فيقول يا رب كم أخرج قال تسعمائة
وتسعة وتسعون في النار وواحد إلى الجنة وفي حديث أبي سعيد من كل ألف تسعمائة وتسعة
وتسعون وفي حديث أبي هريرة أخرج من كل مائة تسعة وتسعين فحديث أبي هريرة مخالف
لحديث عمران بن حصين وأبي سعيد مخالفة ظاهرة وأجاب الكرماني بأن مفهوم العدد لا اعتبار
له فالتخصيص بعدد لا يدل على نفي الزائد والمقصود من العددين واحد وهو تقليل عدد المؤمنين
وتكثير عدد الكافرين ال الحافظ ومقتضى كلامه الأول تقديم حديث أبي هريرة على حديث
8
أبي سعيد فإنه يشتمل على زيادة فإن حديث أبي سعيد يدل على أن نصيب أهل الجنة من كل ألف
واحد وحديث أبي هريرة يدل على أنه عشرة فالحكم للزائد ومقتضى كلامه الأخير أن لا ينظر
إلى العدد أصلا بل القدر المشترك بينهما ما ذكره من تقليل العدد قال وقد فتح الله تعالى في ذلك
بأجوبة أخر وهو حمل حديث أبي سعيد ومن وافقه على جميع ذرية آدم فيكون من كل ألف واحد
وحمل حديث أبي هريرة ومن وافقه على من عدا يأجوج ومأجوج فيكون من كل ألف عشرة
ويقرب ذلك أن يأجوج ومأجوج ذكروا في حديث أبي سعيد دون حديث أبي هريرة ويحتمل أن
يكون الأول يتعلق بالخلق أجمعين والثاني بخصوص هذه الأمة ويقربه قوله في حديث أبي هريرة
إذا أخذ منا لكن في حديث ابن عباس وإنما أمتي جزء من ألف ويحتمل أن تقع القسمة
مرتين مرة من جميع الأمم قبل هذه الأمة فقط فيكون من كل ألف واحد ومرة من هذه الأمة فقط
فيكون من كل ألف عشرة ويحتمل أن يكون المراد ببعث النار الكفار ومن يدخلها من العصاة
فيكون من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون كافرا ومن كل مائة تسعة وتسعون عاصيا انتهى فأنشأ
المسلمون يبكون قال في النهاية أنشأ يفعل كذا ويقول كذا أي ابتدأ يفعل ويقول قاربوا أي
اقتصدوا في الأمور كلها واتركوا الغلو فيها والتقصير يقال قارب فلان في أموره إذا اقتصد
وسددوا أي اطلبوا بأعمالكم السداد والاستقامة وهو القصد في الأمر والعدل فيه فإنها لم تكن
نبوة قط قال في القاموس ما رأيته قط ويضم ويخفقان وقط مشددة مجرورة بمعنى الدهر مخصوص
بالماضي أي في ما مضى من الزمان انتهى إلا كان بين يديها جاهلية قال في النهاية الجاهلية هي
الحال التي كانت عليها العرب قبل الاسلام من الجهل بالله ورسوله وشرائع الدين والمفاخرة
بالأنساب والكبر والتجبر وغير ذلك انتهى والمراد بالجاهلية هنا الحال التي كان عليها الناس قبل
بعثة نبيهم فيؤخذ العدد أي عدد بعث النار فإن تمت أي هذه العدة من الجاهلية إلا كمثل
الرقمة في ذراع الدابة قال في النهاية الرقمة هنا الهنة الناتئة في ذراع الدابة من داخل وهما رقمتان في
ذراعيها انتهى وفي القاموس الرقمتان هنتان شبه ظفرين في قوائم الدابة وقال النووي في شرح
مسلم الرقمة بفتح الراء وإسكان القاف قال أهل اللغة الرقمتان في الحمار هما الأثران في باطن
عضديه وقيل هي الدائرة في ذراعيه وقيل هي الهنة الناتئة في ذراع الدابة من داخل انتهى أو
كالشامة أي الخال في الجسد معروفة (فكبروا) تكبيرهم لسرورهم بهذه البشارة العظيمة ولم يقل
9
أولا نصف أهل الجنة لفائدة حسنة وهي أن ذلك أوقع في نفوسهم وأبلغ في إكرامهم فإن إعطاء
الانسان مرة بعد أخرى دليل على الاعتناء به ودوام ملاحظته وفيه فائدة أخرى هي تكرار البشارة
مرة بعد أخرى وفيه أيضا حملهم على تجديد شكر الله تعالى وتكبيرة وحمده على كثرة نعمه ثم إنه
وقع في هذا الحديث نصف أهل الجنة وقد ثبت في حديث بريدة أن أهل الجنة عشرون ومائة
صف ثمانون منها من هذه الأمة وأربعون من سائر الأمم أخرجه الترمذي في باب كم صف أهل
الجنة فهذا دليل على أنهم يكونون ثلثي أهل الجنة فيكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أولا بحديث النصف ثم
تفضل الله سبحانه بالزيادة فأعمله بحديث الصفوف فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ولهذا نظائر
كثيرة في الحديث معروفة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد
قوله (حدثنا يحيى بن سعيد) هو القطان (أخبرنا هشام بن أبي عبد الله) هو الدستوائي
قوله (فتفاوت بين أصحابه في السير) أي وقع التفاوت والبعد (حثوا المطي) أي حضوها والمطى
جمع المطية وهي الدابة تمطو في سيرها أي تجد وتسرع في سيرها (وعرفوا أنه) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم
(عند قول يقوله) أي يريد أن يقول قولا (حتى ما أبدوا بضاحكة) أي ما تبسموا والضواحك
الأسنان التي تظهر عند التبسم (الذي بأصحابه) أي من اليأس وعدم التبسم إنكم لمع خليقتين
10
أي مخلوقين إلا كثرتاه من التكثير يأجوج ومأجوج بدل من خليقتين ويجوز الرفع أي هما
يأجوج ومأجوج ومن مات عطف على يأجوج (فسرى) أي كشف وأزيل يقال سروت الثوب
وسريته إذا خلعته والتشديد فيه المبالغة وأبشروا من باب سمع يسمع أو من باب الأفعال قال
في مختار الصحاح يقال بشره بكذا بالتخفيف فأبشر إبشارا وتقول أبشر بخير بقطع الألف ومنه قوله
تعالى وأبشروا بالجنة وبشر بكذا استبشر به وبابه طرب انتهى قوله هذا حديث حسن
صحيح وأخرجه أحمد والنسائي والحاكم
قوله (حدثنا محمد بن إسماعيل) بن يوسف السلمي أبو إسماعيل الترمذي نزيل بغداد ثقة
حافظ من الحادية عشرة (حدثنا عبد الله بن صالح) هو الجهني أبو صالح المصري كاتب الليث
(حدثني الليث) هو بن سعد (عن عبد الرحمن بن خالد) بن مسافر الفهمي أمير مصر صدوق من
السابعة (عن محمد بن عروة بن الزبير) بن العوام الأسدي صدوق من الرابعة قوله إنما سمي
البيت الذي هو الكعبة (العتيق) بالنصب على أنه مفعول ثان لمسمى لأنه لم يظهر عليه جبار أي
لم يغلب عليه والجبار هو الذي يقتل على الغضب وفي رواية لأن الله أعتقه من الجبابرة فلم يظهر
عليه جبار قط قال المناوي أراد بنفي الظهور نفي الغلبة والاستيلاء من الكفار وقصة الفيل مشهورة
وقال قتادة عن الحسن البصري في قوله وليطوفوا بالبيت العتيق قال لأنه أول بيت وضع
وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وعن عكرمة أنه قال إنما سمي البيت العتيق لأنه أعتق يوم
الغرق زمان نوح وقيل غير ذلك وما في حديث الباب هو المعتمد
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الحاكم في مستدركه والبيهقي في شعب الإيمان
وقال الحاكم على شرط مسلم وأقروه قاله المناوي أذن أي رخص وقرئ على البناء للفاعل أي أذن الله تعالى للذين
11
قوله (ليهلكن) بالبناء المفعول من الاهلاك أو
للفاعل من الهلاك يقاتلون أي يقاتلهم المشركون والمأذون فيه محذوف
لدلالة المذكور عليه فإن مقاتلة المشركين إياهم دالة على مقاتلتهم إياهم دلالة نيرة وقرئ على
صغية المبنى للفاعل أي يريدون أن يقاتلوا المشركين فيما سيأتي ويحرصون عليه فدلالته على
المحذوف أظهر وهي أول اية نزلت في الجهاد بأنهم أي بسبب أنهم ظلموا أي بظلم الكافرين
إياهم وإن الله على نصرهم لقدير أي هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال ولكن هو يريد
من عباده أن يبلوا جهدهم في طاعته قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد والنسائي وابن
جرير وأبن أبي حاتم
باب ومن سورة المؤمنين
مكية وهي مائة وثماني أو تسع عشرة اية
12
قوله (سمع) على بناء المجهول (عند وجهه) أي عند قرب وجهه بحذف المضاف (كدوي
النحل) بفتح الدال وكسر الواو وتشديد الياء أي سمع عند وجهه دوي مثل دوي النحل والدوي
صوت لا يفهم منه شئ وهذا الصوت هو صوت جبريل عليه الصلاة السلام يبلغ إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم الوحي ولا يفهم الحاضرون من صوته شيئا وقال الطيبي رح أي سمع من جانب وجهه
وجهته صوت خفي كأن الوحي كان يؤثر فيهم وينكشف لهم انكشافا غير تام فصاروا كمن يسمع
دوي صوت ولا يفهمه أو أراد لهما سمعوه من غطيطه وشدة تنفسه عند نزول الوحي انتهى وقال
في اللمعات وهذا الدوي إما صوت الوحي أو ما كانوا يسمعونه من النبي صلى الله عليه وسلم من شدة تنفسه من
ثقل الوحي والأول أظهر لأنه قد وصف الوحي بأنه كان تارة مثل صلصلة الجرس انتهى (يوما)
أي نهارا أو وقتا (فمكثنا) بفتح الكاف وضمها أي لبثنا (ساعة) أي زمنا يسيرا ننتظر الكشف عنه
(فسرى) عنه بصيغة المجهول من التسرية وهو الكشف والإزالة أي كشف عنه وأزيل ما اعتراه من
برحاء الوحي وشدته اللهم زدنا أي من الخير والترقي أو كثرنا ولا تنقصنا أي خيرنا ومرتبتنا
وعددنا قال الطيبي رح عطفت هذه النواهي على الأوامر للمبالغة والتأكيد وحذف المفعولات
للتعميم وأكرمنا بقضاء مأربنا في الدنيا ورفع منازلنا في العقبى ولا تهنا من الإهانة أي لا تذلنا
ولا تحرمنا بفتح التاء أي لا تمنعنا أو لا تجعلنا محرومين وآثرنا من الإيثار أي اخترنا برحمتك
وإكرامك وعنايتك لا تؤثر علينا أي غيرنا بلطفك وحمايتك وقيل لا تغلب علينا أعداءنا
وأرضنا من الإرضاء أي بما قضيت لنا أو علينا بإعطاء الصبر وتوفيق الشكر وتحمل الطاعة
والتقنع بما قسمت لنا وأرض علينا أي بالطاعة اليسيرة الحقيرة التي في جهدنا ولا تؤاخذنا بسوء
أعمالنا ثم قال أنزل على أي آنفا من أقامهن أي حافظ وداوم عليهن وعمل بهن دخل الجنة
أي دخولا أوليا
13
قوله (حدثنا محمد بن أبان) هو أبو بكر البلخي (عن يونس بن يزيد) هو ابن أبي النجاد
الأيلي وحديث عمر بن الخطاب هذا أخرجه أيضا أحمد والنسائي وفي سنده يونس بن سليم
الصنعاني قال في الميزان في ترجمته حدث عنه عبد الرزاق وتكلم فيه ولم يعتمد في الرواية ومشاه
غيره وقال العقيلي لا يتابع على حديثه ولا يعرف إلا به انتهى وقال في تهذيب التهذيب قال
النسائي هذا حديث منكر لا نعلم أحدا رواه غييونس ويونس لا نعرفه وذكره ابن حبان في
الثقات
قوله (عن سعيد) ابن أبي عروب (أن الربيع بنت النضر) الأنصارية الخزرجية عمة
أنس بن مالك صحابية (كان أصيب) أي قتل (أصابه سهم غرب) أي لا يعرف راميه أو لا يعرف
من أين أتى أو جاء على غير قصد من راميه قاله الحافظ وقال الطيبي أي لا يعرف راميه وهو بفتح الراء وسكونها وبالإضافة والوصف وقيل
بالسكون إذا أتاه من حيث لا يدري وبالفتح إذا رماه فأصاب غيره انتهى (لئن كان أصاب خيرا
احتسبت وصبرت) وفي رواية البخاري فإن كان في الجنة صبرت (وإن لم يصب الخير اجتهدت في
الدعاء) وفي رواية البخاري وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء قال الخطابي أقرها النبي
صلى الله عليه وسلم هذا أي فيؤخذ منه الجواز قال الحافظ كان ذلك قبل تحريم النوح فلا دلالة فيه فإن
تحريمه كان عقب غزوة أحد وهذه القصة كانت عقب غزوة بدر ووقع في رواية سعيد بن أبي
عروبة اجتهدت في الدعاء بدل قوله في البكاء وهو خطأ ووقع ذلك في بعض النسخ دون بعض
ووقع في رواية حميد الآتية في صفة الجنة من الرقاق وعند النسائي فإن كان في الجنة لم أبك عليه
وهو دال على صحة الرواية بلفظ البكاء
وقال في رواية حميد هذه وإلا فسترى ما أصنع ونحوه في
14
رواية حماد عن ثابت عند أحمد إنها جنان في جنة وفي رواية أبان عند أحمد إنها جنان كثيرة في
جنة وفي رواية حميد إنها جنان كثيرة والضمير في قوله إنها جنان يفسره ما بعده وهو كقولهم هي
العرب تقول ما شاءت والقصد بذلك التفخيم والتعظيم وقال الطيبي ويجوز أن يكون الضمير
للشأن وجنان مبتدأ والتنكير فيه للتعظيم والمراد بالجنان الدرجات فيها لما ورد أن
في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها (والفردوس ربوة
الجنة) أي أرفعها والربوة بالضم والفتح ما ارتفع من الأرض (وأوسطها وأفضلها) المراد
بالأوسط هنا الأعدل والأفضل كقوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا فعطف الأفضل
عليه للتأكيد
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه البخاري والنسائي وابن خزيمة
قوله (عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب) هو عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني الخيراني ثقة
من الرابعة ولم يدرك عائشة قوله والذي يؤتون أي يعطون ما آتوا أي ما أعطوا من
الصدقة والأعمال الصالحة وقلوبهم وجلة أي خائفة أن لا تقبل منهم وبعده أنهم إلى ربهم
راجعون أي لأنهم يوقنون أنهم إلى الله صائرون أولئك الذين يسارعون في الخيرات كذا في هذه
الرواية وفي القرآن أولئك يسارعون أي يبادرون إلى الأعمال الصالحة وهم لها سابقون أي
في علم الله وقيل أي لأجل الخيرات سابقون إلى الجنات أو لأجلها سبقوا الناس وقال ابن
عباس سبقت لهم من الله السعادة وحديث عائشة هذا أخرجه أيضا أحمد وابن أبي حاتم قوله (قد
روى هذا الحديث عن عبد الرحمن ابن سعيد) هو عبد الرحمن بن وهب المذكور في الإسناد
السابق (عن أبي حازم) اسمه سلمان الأشجعي
15
قوله (أ خبرنا عبد الله) هو ابن المبارك
(عن أبي السمح) اسمه دراج كالرأس المشوي على النار قال في القاموس كلح كمنح كلوحا
وكلاحا بضمهما تكشر في عبوس أوله تلفح وجوههم النار أي تحرقها تشويه بفتح أوله من
باب رمى يرمي أي تحرق الكافر (فتقلص) بحذف إحدى التائين أي تنقبض حتى تبلغ أي
تصل شفته وتسترخي أي تسترسل شفته السفلى تأنيث الأسفل كالعليا تأنيث الأعلى حتى
تضرب سرته أي تقرب شفته سرته
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والحاكم وصححه
سورة النور
مدنية وهي ثنتان أو أربع وسبعون اية
قوله (عن عبيد الله بن الأخنس) النخعي كنيته أبو مالك الخزاز صدوق قال ابن حبان
كان يخطئ من السابعة
قوله (كان رجل يقال له مرثد بن أبي المرثد) بفتح الميم وسكون الراء المهملة وفتح الثاء
المثلثة وبعدها دال مهملة الغنوي بفتح الغين المعجمة وبعدها نون مفتوحة صحابي بدري استشهد
16
في عهد النبي سنة ثلاث أو أربع (وكان) أي مرثد (يحمل الأسرى) جمع الأسير (بغى) أي
فاجرة وجمعها البغايا (وكانت صديقة له) أي حبيبة لمرثد (يحمله) أي أن يحمله (في ليلة مقمرة) أي
مضيئة (سواد ظلى) أي شخصه (فلما انتهت إلى) أي بلغت إلى (عرفت) أي عرفتني (فقالت مرثد)
أي أنت مرثد (فقلت مرثد) أي نعم أنا مرثد (هلم) أي تعالى (فبت) أمر من بات يبيت بيتوتة
(حرم الله الزنا) أي فلا يجوز لي أن أبيت عندك (يا أهل الخيام) بكسر الخاء المعجمة جمع الخيمة
(هذا الرجل يحمل أسراءكم) بضم الهمزة وفتح السين جمع أسير والمعنى تنبهوا يا أهل الخيام
وخذوا هذا الرجل الذي يذهب بأساراكم (سلكت الخندمة) بفتح الخاء المعجمة وسكون النون
جبل معروف عند مكة (إلى غار أو كهف) الكهف كالبيت المنقور في الجبل جمعه كهوف أو كالغار
في الجبل إلا أنه واسع فإذا صغر فغار (فظل بولهم على رأسي) أي صار ووقع عليه (وعماهم الله)
من التعمية أي صيرهم عميانا (إلى صاحبي) أي الذي كنت وعدت أن أحمله (حتى انتهيت إلى
الأذخر) وفي رواية النسائي فلما انتهت به إلى الأراك والظاهر أن المراد بالأذخر والأراك هنا مكان
خارج مكة ينبت فيه الأراك والأذخر ويحتمل أن يكون المراد بالأذخر أذاخر وهو موضع قرب مكة
كما في القاموس (ففككت) أي أطلقت (أكبله) جمع قلة للكبل وهو قيد ضخم (ويعيينى) من
الأعياء أي يكلني (أنكح عناقا) بحذف همزة الاستفهام (فأمسك رسول الله) وفي رواية أبي
17
داود فسكت عني (فلا تنكحها) فيه دليل على أنه لا يحل للرجل أن يتزوج بالزواني ويدل على
ذلك الآية المذكورة في الحديث لأن في آخرها وحرم ذلك على المؤمنين فإنه صريح في التحريم
قال ابن القيم وأما نكاح الزانية فقد صرح الله بتحريمه في سورة النور وأخبر أن من نكحها فهو
زان أو مشرك فهو إما أن يلتزم حكمه تعالى ويعتقد وجوبه عليه أو لا فإن لم يعتقده فهو مشرك وإن
التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زان ثم صرح بتحريمه فقال وحرم ذلك على المؤمنين وأما
جعل الإشارة في قوله وحرم ذلك إلى الزنا فضعيف جدا إذ يصير معنى الآية الزاني لا يزني إلا
بزانية أو مشركة والزاني لا يزني بها إلا زان أو مشرك وهذا مما ينبغي أن يصان عنه القران ولا
يعارض ذلك حديث ابن عباس قال جاء رجل إلى رسول الله فقال إن امرأتي لا تمنع يد
لامس قال غربها قال أخاف أن تتبعها نفسي قال فاستمتع بها فإنه في الاستمرار على نكاح الزوجة
الزانية والآية في ابتداء النكاح فيجوز للرجل أن يستمر على نكاح من زنت وهي تحته ويحرم عليه
أن يتزوج بالزانية انتهى
وقال المنذري وللعلماء في الآية خمسة أقوال أحدها أنها منسوخة قاله سعيد بن
المسيب قال الشافعي في الآية القول فيها كما قال سعيد بن المسيب إن شاء الله أنها منسوخة
وقال غيره الناسخ لها وأنكحوا الأيامى منكم فدخلت الزانية في أيامى المسلمين وعلى هذا أكثر
العلماء يقولون من زنى بامرأة فله أن يتزوجها ولغيره أن يتزوجها والثاني أن النكاح ههنا الوطء
والمراد أن الزاني لا يطاوعه على فعله ويشاركه في مراده إلا زانية أو مشركة والثالث أن
الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية مجلودة أو مشركة وكذا الزانية والرابع أن هذا كان في نسوة كان
الرجل يتزوج إحداهن على أن تنفق عليه مما كسبته من الزنا واحتج بأن الآية نزلت في ذلك
والخامس أنه عام في تحريم نكاح الزانية على العفيف والعفيف على الزانية انتهى
قلت هذا القول الخامس هو الظاهر الراجح وبه قال الإمام أحمد وغيره قال الحافظ ابن
كثير قال الإمام أحمد لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك حتى
تستتاب فإن تابت صح العقد عليها وإلا فلا وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل
الفاجر المسافح حتى يتوب توبة صحيحة لقوله تعالى وحرم ذلك على المؤمنين انتهى وقد
بسط صاحب فتح البيان في هذه المسألة وقال في آخر البحث وقد اختلف في جواز تزوج الرجل
بامرأة قد زنى هو بها فقال الشافعي وأبو حنيفة بجواز ذلك وروى عن ابن عباس وعمر وابن
18
مسعود وجابر أنه لا يجوز قال ابن مسعود إذا زنى الرجل بالمرأة ثم نكحها بعد ذلك فهما زانيان
أبدا وبه قال مالك انتهى
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي
وغيرهم
قوله (سئلت عن المتلاعنين في إمارة مصعب بن الزبير أيفرق بينهما إلخ)
19
قوله (حدثنا محمد بن أبي عدي) هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي قوله (إن هلال بن
أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وشدة الياء (قذف امرأته) أي نسبها إلى الزنا البينة بالنصب أي أقم
البينة وإلا أي وإن لم تقم البينة حد في ظهرك أي يثبت حد في ظهرك (أيلتمس البينة) الهمزة
للاستبعاد (إنه) أي هلال وفي بعض النسخ إنه وهو الظاهر وكذلك في رواية البخاري
(الصادق) أي في القذف (ولينزلن) بسكون اللام وضم التحتية وكسر الزاي المخففة وفي آخره
نون مشددة للتأكيد من الإنزال وهو أمر بمعنى الدعاء والضمير يرجع إلى قوله الذي يحتمل أن
يكون بفتح التحتية من النزول وفاعله ما يبرئ وفي رواية البخاري فلينزلن الله (ما يبرئ)
بتشديد الراء المكسورة من التبرئة أي ما يدفع ويمنع (فأرسل) أي النبي (إليهما) أي إلى
هلال بن أمية وزوجته (فشهد) أي لاعن والنبي يقول إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل
منكما تائب ظاهره أن ذلك كان قبل صدور اللعان بينهما (فشهدت) أي لاعنت أن غضب الله
عليها جعل الغضب في جانبها لأن النساء يستعملن اللعن كثير كما ورد الحديث فربما يجترئن على
الإقدام لكثرة جري اللعن على ألسنتهن وسقوط وقوعه عن قلوبهن فذكر الغضب في جانبهن
ليكون رادعا لهن إنها أي الخامسة موجبة أي للعذاب الأليم إن كانت كاذبة (فتلكأت)
بتشديد الكاف أي توقفت يقال تلكأ في الأمر إذا تبطأ عنه وتوقف فيه (ونكست) أي خفضت
رأسها وطأطأت إلى الأرض وفي رواية البخاري نكصت بالصاد المهملة أي رجعت وتأخرت
20
والمعنى أنها سكتت بعد الكلمة الرابعة (أن) مخففة من الثقيلة أي أنها (سترجع) أي عن مقالها في
تكذيب الزوج ودعوى البراءة عما رماها به (سائر اليوم) أي في جميع الأيام وأيد الدهر أو فيما بقي
من الأيام بالأعراض عن اللعان والرجوع إلى تصديق الزوج وأريد اليوم الجنس ولذلك أجراه
مجرى العام والسائر كما يطلق للباقي يطلق للجميع أبصروها بفتح الهمزة وسكون الموحدة
وكسر المهملة من الأبصار أي انظروا وتأملوا فيما تأتي به من ولدها (به) أي بالولد (أكحل العينين)
أي الذي يعلو جفون عينه سواد مثل الكحل من غير اكتحال (وسابغ الأليتين) تثنية الألية بفتح
الهمزة وسكون اللام وهي العجيزة أو ما ركب العجز من شحم أو لحم أي تامهما وعظيمها من
سبوغ النعمة والثوب (خدلج الساقين) بمعجمة ومهملة ولام مشددة مفتوحات وبالجيم أي عظيمها
(فهو) أي الولد (فجاءت به كذلك) قال الطيبي في إتيان الولد على الوصف الذي ذكره صلوات
الله عليه هنا وفي قصة عويمر بأحد الوصفين المذكورين مع جواز أن يكون على خلاف ذلك معجزة
وإخبار بالغيب ولولا ما مضى من كتاب الله من بيان لما أي لولا ما سبق من حكمه بدرء الحد عن
المرأة بلعانها (لكان لنا ولها شأن) أي في إقامة الحد عليها إثر المعنى لولا أن القرآن حكم بعدم الحد
على المتلاعنين وعدم التغرير لفعلت بها ما يكون عبرة للناظرين وتذكرة للسامعين
تنبيه اعلم أن حديث ابن عباس هذا يدل على أن آية اللعان نزلت في قصة هلال بن أمية
وحديث سهل بن سعد الذي أشار إليه الترمذي يدل على أنها نزلت في قصة عويمر العجلاني ولفظه
فجاء عويمر فقال يا رسول الله رجل وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع فقال
رسول الله قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك فأمرهما رسول الله بالملاعنة قال الحافظ قد
اختلف الأئمة في هذا الموضع فمنهم من رجح أنها نزلت في شأن عويمر ومنهم من رجح أنها نزلت
في شأن هلال ومنهم من جمع بينهما بأن أول من وقع له ذلك هلال وصادف مجئ عويمر أيضا
فنزلت في شأنهما معا في وقت واحد وقد جنح النووي إلى هذا وسبقه الخطيب فقال لعلهما اتفق
كونهما جاءا في وقت واحد ولا مانع أن تتعدى القصص ويتحد النزول ويحتمل أن النزول سبق
بسبب هلال فلما جاء عويمر ولم يكن علم بما وقع لهلال أعلمه النبي بالحكم ولهذا قال في قصة
هلال فنزل جبريل وفي قصة عويمر قد أنزل الله فيك فيأول قوله قد أنزل الله فيك أي وفيمن كان
مثلك وبهذا أجاب ابن صباغ في الشامل وجنح القرطي إلى تجويز نزول الآية مرتين قال وهذه
21
الاحتمالات وإن بعدت أولى من تغليط الرواة الحفاظ انتهى كلام الحافظ ملخصا قوله (هذا
حديث حسن غريب) وأخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجة (وهكذا روى عباد بن منصور هذا
الحديث إلخ) أخرجه أحمد وأبو داود
قوله (لما ذكر) بصيغة المجهول (من شأني) بيان مقدم لقوله (الذي ذكر) وهو نائب الفاعل
(وما علمت به) ما نافية والواو للحال (في) بتشديد الياء أي في شأني أشيروا علي من الإشارة
أبنوا أهلي من باب نصر وضرب من الابن بفتحتين وهو التهمة أي اتهموا أهلي ورموا بالقبيح
وأبنوا بمن والله ما علمت عليه من سوء قط هو صفوان بن المعطل السلمي (فقام سعد بن معاذ
فقال ائذن يا رسول الله) استشكل ذكر سعد بن معاذ هنا بأن حديث الإفك كان سنة ست في
غزوة المريسيع وسعد مات من الرمية التي رميها بالخندق سنة أربع وأجيب بأنه اختلف في
المريسيع ففي البخاري عن موسى بن عقبة أنها سنة أربع وكذلك الخندق وقد جزم ابن إسحاق بأن
المريسيع كانت في شعبان والخندق في شوال وإن كانتا في سنة فلا يمتنع أن يشهدها ابن معاذ لكن
الصحيح في النقل عن موسى بن عقبة أن المريسيع سنة خمس فالذي في البخاري حملوه على أنه
سبق قلم والراجح أيضا أن الخندق أيضا سنة خمس فيصبح الجواب (أن تضرب أعناقهم) وفي
رواية البخاري من طريق الزهري إن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من
الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك قال الحافظ في شرح الجملة الأولى إنما قال ذلك سعد لأنه كان سيد
الأوس فجزم بأن حكمه فيهم نافذ (وقام رجل من الخزرج) وفي رواية البخاري فقام سعد بن
عبادة وهو سيد الخزرج (وكانت أم حسان بن ثابت من رهط ذلك الرجل) اسم أم حسان الفريعة
22
بنت خالد بن خنيس وكانت بنت عم سعد بن عباده من فخذه (أما) بالتخفيف للتنبيه (إن لو
كانوا) كلمة إن زائدة (حتى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج شر في المسجد) وفي رواية
البخاري فتشاور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله قائم على المنبر (وما
علمت به) أي بما جرى في المسجد (ومعي أم مسطح) بكسر الميم وسكون السين وفتح الطاء
وبعدها حاء مهملات واسمها سلمى وهي بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف واسم أبي
رهم أنيس (فعثرت) بالفاء والعين والراء المفتوحات من العثرة وهي الزلة يقال عثر في ثوبه يعثر
بالضم عثارا بالكسر وفي رواية البخاري فعثرت أم سطح في مرطها (تعس مسطح) بفتح المثناة
وكسر العين المهملة وبفتحها أيضا بعدها سين مهملة أي لوجهه أو هلك أو لزمه الشر أو
بعد أقوال (أي أم تسبين ابنك) بحذف همزة الاستفهام وفي رواية البخاري أتسبين رجلا
بدرا (فقالت والله ما أسبه إلا فيك) أي إلا لأجلك (فقالت) أي أم مسطح (فبقرت) بفتح الموحدة
والقاف والراء أي فتحت وكشفت وفي رواية البخاري أو لم تسمعي ما قال قلت وما قال قالت
كذا وكذا فأخبرتني بقول أهل الإفك (قلت وقد كان هذا) بحذف همزة الاستفهام وكان تامة
(كأن الذي خرجت له لم أخرج) أي كأن الحاجة التي خرجت لها لم أخرج لها (لا أجد منه قليلا ولا
كثيرا) علة لما قبلها قال العيني معناه إني دهشت بحيث ما عرفت لأي أمر خرجت من البيت
(ووعكت) بصيغة المجهول من الوعك أي صرت محمومة (فقلت لرسول الله) أي لما دخل
علي (فأرسل معي الغلام) قال الحافظ لم أقف على اسم هذا الغلام (فوجدت أم رومان) تعني
أمها قال الكروماني واسمها زينب (في السفل) من البيت وهو بكسر السين وبضمها (فإذا هو)
23
أي الحديث (لم يبلغ منها ما بلغ مني) أي لم يؤثر فيها مثل ما أثر في (خففي عليك الشأن) وفي رواية
البخاري هوني عليك وفي رواية له خفضي بالضاد المعجمة (لها ضرائر) جمع ضرة وقيل
للزوجات ضرائر لأن كل واحدة يحصل لها الضرر من الأخرى بالغيرة (وقيل فيها) أي ما يشينها
(فإذا هي) أي أم رومان (لم يبلغ منها) أي لم يؤثر الحديث فيها (ما بلغ مني) أي مثل ما أثر في
(استعبرت) أي جرى دمعي قال في القاموس العبرة الدمعة واستعبر جرت عبرته وحزن
(الذي ذكر) بالبناء للمفعول (أقسمت عليك يا بنية إلا رجعت إلى بيتك) هذا مثل قولهم نشدتك
بالله إلا فعلت أي ما أطلب منك إلا رجوعك إلى بيت رسول الله (وسأل عني خادمتي) المراد
بها بريرة وفي رواية البخاري فدعا رسول الله بريرة فقال أي بريرة هل رأيت من شئ
يريبك قال القسطلاني واستشكل هنا قوله بريرة بأن قصة الإفك قبل شراء بريرة وعتقها لأنه كان
بعد فتح مكة وهو قبله لأن حديث الإفك كان في سنة ست أو ربع وعتق بريرة كان بعد فتح مكة
في السنة التاسعة أو العاشرة وأجاب الشيخ تقي الدين السبكي بأجوبة أحسنها احتمال أنها كانت
تخدم عائشة قبل شرائها وهذا أولى من دعوى الإدراج وتغليظ الحفاظ انتهى كلامه مختصرا (إلا
أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خميرتها أو عجينتها) شك من الراوي وفي رواية
البخاري إن رأيت عليها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين
أهلها فتأتي الداجن فتأكله وفي رواية مقسم عند أبي عوانة والطبراني ما رأيت مذ كنت عندها إلا
أني عجنت عجينا لي فقلت احفظي هذه العجينة حتى اقتبس نارا لأخبزها فغفلت فجاءت الشاة
فأكلتها (وانتهرها بعض أصحابه) أي زجرها وفي رواية أبي أويس عند أبي عوانة والطبراني أن
النبي قال لعلي شأنك بالجارية فسألها علي وتوعدها فلم تخبره إلا بخير ثم ضربها وسألها
24
فقالت والله ما علمت على عائشة سوءا (حتى أسقطوا لها به) أي سبوها وقالوا لها من سقط الكلام
وهو رديئه بسبب حديث الإفك كذا في النهاية (فقالت) أي الخادمة (سبحان الله) قالتها
استعظاما أو تعجبا (والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر) أي كما لا
يعلم الصائغ من الذهب الأحمر إلا الخلوص من العيب فكذلك أنا لا أعلم منها إلا الخلوص من
العيب والتبر بكسر الفوقية وسكون الموحدة ما كان من الذهب غير مضروب فإذا ضرب دنانير فهو
عين ولا يقال تبر إلا للذهب وبعضهم يقوله للفضة أيضا (فبلغ الأمر) أي أمر الإفك (ذلك
الرجل) وهو صفوان (الذي قيل له) أي عنه من الإفك ما قيل فاللام هنا بمعنى عن كما هي في
قوله تعالى وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه أي عن الذين آمنوا أو
بمعنى في أي قيل فيه فهي كقوله يا ليتني قدمت لحياتي أي في حياتي (والله ما كشفت كنف أنثى
قط) الكنف بفتح الكاف والنون وهو الجانب وأراد به الثوب يعني ما جامعتها في حرام وكان
حصورا (فقتل) أي صفوان (شهيدا في سبيل الله) في غزوة أرمينية سنة تسع عشرة في خلافة عمر
كما قاله ابن إسحاق (أكتنف أبواي) قال في القاموس اكتنفوا فلانا أحاطوا به (إن كنت قارفت
سوءا) من المقارفة أي كسبته أو ظلمت نفسك (فقلت) أي لرسول الله (من هذه المرأة) أي
الأنصارية (أن تذكر شيئا) أي على حسب فهمها لا يليق بجلال حرمتك (فقلت أجبه) أي أجب
رسول الله عني (قالت أقول ماذا) قال ابن مالك فيه شاهد على أن ما الاستفهامية إذا ركبت مع
ذا لا يجب تصديرها فيعمل فيها ما قبلها رفعا ونصبا (إني لم أفعل) أي ما قيل في شأني والله يشهد
25
إني لصادقة) في ما أقول من براءتي (ما ذاك بنافعي) ما
تصفون أي على احتمال ما تصفونه (وإن لأتبين السرور) أي أعرفه (وهو يمسح جبينه) أي من
العرق وأبشري بقطع الهمزة قل أنزل الله براءتك وفي رواية فليح عند البخاري في
الشهادات يا عائشة أحمدي الله فقد برأك الله (فكنت أشد) بالنصب خبر كان (ما كنت غضبا
أي فكنت حين أخبر ببراءتي أقوى ما كنت غضبا) من غضبي قبل ذلك (أما زينب ابنة
جحش) أم المؤمنين (فعصمها الله) أي حفظها ومنعها (بدينها) أي المحافظة على دينها ومجانبة ما
تخشى سوء عاقبته (فلم تقل) أي في (فهلكت فيمن هلك) أي حدت فيمن حد أو أثمت مع من أثم
لخوضها في حديث الإفك لتخفض منزلة عائشة وترفع منزلة أختها زينب (وكان الذي يتكلم فيه)
أي الإفك (وكان يستوشيه) أي يستخرج الحديث بالبحث عنه ثم يفتشه ويشيعه ولا يدعه يخمد
(وهو الذي تولى كبره) أي تحمل معظمه فبدأ بالخوض فيه (ينافق أبدا) أي بعد الذي قال عن عائشة
26
ولا يأتل أي لا يحلف من الألية وهي القسم أولو الفضل منكم أي في الدين وهو أبو
بكر والسعة يعني في المال أن يؤتوا ألا يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل
الله صفات لموصوف واحد وهو مسطح لأنه كان مسكينا مهاجرا بدريا وليعفوا وليصفحوا أي
عن خوض مسطح في أمر عائشة ألا تحبون خطاب لأبي بكر أن يغفر الله لكم على عفوكم
وصفحكم وإحسانكم إلى من أساء إليكم والله غفور رحيم فتخلقوا بأخلاقه تعالى (قال أبو
بكر) أي لما قرأ عليه النبي هذه الآية (وعاد) أي أبو بكر (له) أي لمسطح (لما كان يصنع) أي
إلى مسطح من الإنفاق عليه قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد والبخاري
معلقا وأخرجه مسلم مختصرا (وقد روى يونس بن يزيد ومعمر وغير واحد عن الزهري عن
عروة بن الزبير إلخ) أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي
قوله (عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري قوله (لما نزل عذرى)
أي الآيات الدالة على براءتها شبهتها بالعذر الذي يبرئ المعذور من الجرم (قام رسول الله)
أي خطيبا (فذكر ذلك) أي عذري (وتلا القرآن) تعني قوله تعالى إن الذين جاءوا بالإفك
إلى آخر الآيات (فلما نزل) أي رسول الله من المنبر (أمر برجلين) أي بحدهما أو بإحضارهما
وهما حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة (وامرأة) بالجر عطف على رجلين وهي حمنة بنت جحش
(فضربوا) مبنى للمفعول (حدهم) أي حد القاذفين هو مفعول مطلق أي فحدوا حدهم
27
اعلم أنه لم يذكر عبد الله بن أبي فيمن أقيم عليه الحد في هذا الحديث وكذا لم يذكر في
حديث أبي هريرة عند البزار وبنى على ذلك صاحب الهدى فأبدى الحكمة في ترك الحد على
عبد الله بن أبي وفاته أنه ورد أنه ذكر أيضا فيمن أقيم عليه الحد ووقع ذلك في رواية أبي أويس
وعن حسن بن زيد عن عبد الله بن أبي بكر أخرجه الحاكم في الإكليل وفيه رد على الماوردي
حيث صحح أنه لم يحدهم مستندا إلى أن الحد لا يثبت إلا ببينة أو إقرار ثم قال وقيل إنه حدهم وما
ضعفه هو الصحيح المعتمد قاله الحافظ في الفتح
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة
باب ومن سورة الفرقان
مكية إلا والذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى رحيما فمدني وهي سبع وسبعون آية
قوله (حدثنا سفيان) هو الثوري (عن واصل) بن حيان الأحدب الأسدي الكوفي بياع
السابري ثقة ثبت من السادسة (عن أبي وائل) هو شقيق ابن سلمة (عن عمرو بن شرحبيل) هو
الهمداني (عن عبد الله) هو ابن مسعود قوله (أي الذنب أعظم) وفي رواية البخاري في تفسير
سورة الفرقان أي الذنب عند الله أكبر ندا بكسر النون وتشديد الدال أي مثلا ونظيرا وهو
خلقك الجملة حال من الله أو من فاعل أن تجعل وفيه إشارة إلى ما استحق به تعالى أن تتخذه ربا
وتعبده فإنه خلقك أو إلى ما به امتيازه تعالى عن غيره في كونه إلها أو إلى ضعف الند أي أن تجعل له
ندا وقد خلقك غيره وهو لا يقدر على خلق شئ أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك أي من
جهة
إيثار نفسه عليه عند عدم ما يكفي أو من جهة البخل مع الوجدان أن تزني بحليلة جارك أي
28
بزوجته من حل يحل بالكسر إذ كل منهما حلال للآخر أو من حل يحل بالضم لأنها تحل معه ويحل
معها
قوله (حدثنا عبد الرحمن) هو ابن مهدي قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه
الشيخان
قوله (قال) أي ابن مسعود (وتلا) أي قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقتلون النفس التي
حرم الله إلا بالحق أي لا يقتلون النفس التي هي معصومة في الأصل إلا محقين في قتلها ومن يفعل
ذلك أي واحدا من الثلاثة يلق أثاما قيل معناه جزاء إثمه وهو قول الخليل وسيبويه وأبي عمرو
الشيباني وغيرهم وقيل معناه عقوبة قاله يونس وأبو عبيد وقيل معناه جزاء قاله ابن عباس
والسدي وقال أكثر المفسرين أو كثيرون منهم هو واد في جهنم عافانا الله منها قاله النووي
يضاعف له العذاب أي يكرر عليه ويغلظ ويخلد فيه مهانا حال أي حقيرا ذليلا وفي رواية
البخاري ونزلت هذه الآية تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحافظ هكذا قال ابن مسعود
والقتل والزنا في الآية مطلقان وفي الحديث مقيدان أما القتل فبالولد خشية الأكل معه وأما الزنا
فبزوجة الجار والاستدلال لذلك بالآية سائغ لأنها وإن وردت في مطلق الزنا والقتل لكن قتل هذا
والزنا بهذه أكبر وأفحش قوله (لأنه زاد) أي سفيان وهو أحفظ من شعبة (رجلا) وهو عمرو بن
شرحبيل وأما شعبة فأسقطه ولكن لم يتفرد شعبة بالإسقاط بل تابعه على ذلك غيره كما يظهر من
كلام الحافظ في شرح هذا الحديث في تفسير سورة الفرقان
29
سورة الشعراء
مكية إلا (والشعراء) إلى آخرها فمدني وهي مائتان وسبع وعشرون اية
قوله إني لا أملك لكم من الله شيئا أي لا تتكلوا على قرابتي فإني لا أقدر على دفع مكروه
يريده الله تعالى بكم وسبق هذا الحديث في باب إنذار النبي صلى الله عليه وسلم قومه من كتاب الزهد قوله (هذا
حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم قوله (وفي الباب عن علي وابن عباس) أما
حديث علي فأخرجه أحمد وأما حديث ابن عباس فأخرجه والبخاري ومسلم والترمذي في
تفسير سورة تبت والنسائي
30
قوله (جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا) أي قبائله زاد مسلم فاجتمعوا (فخص وعم) أي في
النداء فقال يا معشر قريش إلخ هذا بيان لقوله خص وعم أنقذوا أنفسكم من الإنقاذ أي
خلصوها فإني لا أملك لكم أي لجميعكم خاصكم وعامكم يا فاطمة بنت محمد يجوز نصب
فاطمة وضمها والنصب أفصح وأشهر وأما بنت فمنصوب لا غير وهذا وإن كان ظاهرا معروفا فلا
بأس بالتنبيه عليه لمن لا يحفظه فإني لا أملك لك ضرا ولا نفعا أي من غير إذنه تعالى قال
ترهيبا وإنذارا وإلا فقد ثبت فضل بعض هؤلاء المذكورين ودخولهم الجنة وشفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل بيته
وللعرب عموما ولأمته عامة وقبول شفاعته فيهم بالأحاديث الصحيحة ويمكن أن يكون ورود
تلك الأحاديث بعد هذه القضية قاله الطيبي إن لك رحما أي قرابة (وسأبلها) أي سأصلها
(ببلالها) بفتح الموحدة وكسرها أي بصلتها وبالإحسان إليها من بله يبله والبلال الماء شبهت
قطيعة الرحم بالحرارة ووصلها بإطفاء الحرارة ببرودة ومنه بلوا أرحامكم أي صلوها قاله
النووي وقاله في النهاية البلال جمع البلل والعرب يطلقون النداوة على الصلة كما يطلق اليبس على
القطيعة لأنهم لما رأوا أن بعض الأشياء يتصل بالنداوة ويحصل بينها التجافي والتفريق باليبس
استعاروا البلل لمعنى الوصل واليبس لمعنى القطيعة والمعنى أصلكم في الدنيا ولا أغني عنكم من الله
شيئا قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد ومسلم ورواه النسائي من حديث
موسى بن طلحة مرسلا ولم يذكر فيه أبا هريرة والموصول هو الصحيح وأخرجاه في الصحيحين من
حديث الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قاله الحافظ ابن
كثير في تفسيره
قوله (حدثنا شعيب بن صفوان) بن الربيع الثقفي أبو يحيى الكوفي الكاتب مقبول من
31
السابعة قوله (بمعناه) أي بمعنى الحديث المذكور
قوله (حدثنا عبد الله بن أبي زياد) القطواني (أخبرنا أبو زيد) اسمه سعيد بن أوس بن
ثابت الأنصاري النحوي البصري صدوق له أوهام ورمى بالقدر من التاسعة (عن عوف) هو
ابن أبي جميلة الأعرابي (حدثني الأشعري) هو أبو موسى قوله يا صباحاه كلمة يعتادونها عند وقوع
أمر عظيم فيقولونها ليجتمعوا ويتأهبوا له قوله (هذا حديث غريب إلخ) وأخرجه ابن جرير
الطبري أيضا موصولا ومرسلا
باب ومن سورة النمل
مكية وهي ثلاث أو أربع أو خمس وتسعون آية
قوله تخرج الدابة قيل من مكة وقيل من غيرها فتجلو وجه المؤمن أي تصقله
وتبيضه وفي رواية ابن ماجة فتجلو وجه المؤمن بالعصا حتى إن أهل الخوان بضم الخاء وكسرها
قال الجزري هو ما يوضع عليه الطعام عند الأكل ومنه حديث الدابة حتى إن أهل الخوان
ليجتمعون فيقول هذا يا مؤمن وهذا يا كافر وجاء في رواية الإخوان بهمزة وهي لغة فية انتهى
32
فيقول هذا أي بعضهم لآخر يا مؤمن أي لجلاء وجهه واستنارته ويقول هذا يا كافر أي
للختم على أنفه قوله (هذا حديث حسن) أخرجه أحمد وابن ماجة وأبو داود الطيالسي قوله
(وفي الباب عن أبي أمامة وحذيفة بن أسيد) أما حديث أبي أمامة فأخرجه أحمد وابن مردويه عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تخرج الدابة فتسم على خراطيمهم ثم يعمرون فيكم حتى يشتري الرجل
الدابة فيقال له ممن اشتريتها فيقول من الرجل المخطم وأما حديث حذيفة بن أسيد فأخرجه
الترمذي في باب الخسف من كتاب الفتن
اعلم أن الترمذي أورد هذا الحديث في تفسير قوله تعالى وإذا وقع القول عليهم
أخرجنا لهم دابة إلخ وهذه الآية مع تفسيرها هكذا إذا وقع القول عليهم يعني إذا وجب عليهم
العذاب وقيل إذا غضب الله عليهم وقيل إذا وجبت الحجة عليهم وذلك أنهم لم يأمروا بالمعروف
ولم ينهوا عن المنكر وقيل المراد من القول متعلقه وهو ما وعدوا به من قيام الساعة ووقوعه حصوله
والمراد مشارفة الساعة وظهور أشراطها أخرجنا لهم دابة من الأرض قال الرازي في تفسيره
تكلم الناس في الدابة من وجوه أحدها في مقدار جسمها وفي الحديث أن طولها ستون ذراعا
وروي أيضا أن رأسها تبلغ السحاب وعن أبي هريرة ما بين قرنيها فرسخ للراكب وثانيها في
كيفية خلقتها فروي لها أربع قوائم وزغب وريش وجناحان وعن ابن جريج في وصفها رأس
ثور وعين خنزير وأذن فيل وقرن أيل وصدر أسد ولون نمر وخاصرة بقر وذنب كبش وخف بعير
وثالثها في كيفية خروجها عن علي عليه السلام أنها تخرج ثلاثة أيام والناس ينظرون فلا يخرج إلا
ثلثها وعن الحسن لا يتم خروجها إلا بعد ثلاثة أيام ورابعها في موضع خروجها سئل النبي
صلى الله عليه وسلم من أين تخرج الدابة فقال من أعظم المساجد حرمة على الله تعالى المسجد الحرام وقيل تخرج
من الصفاء فتكلمهم بالعربية وخامسها في عدد خروجها فروي أنها تخرج ثلاث مرات تخرج بأقصى
اليمن ثم تكمن ثم تخرج بالبادية ثم تكمن دهرا طويلا فبين الناس في أعظم المساجد حرمة
وأكرمها على الله فما يهولهم إلا خروجها من بين الركن حذاء دار بني مخزوم عن يمين الخارج من
المسجد فقوم يهربون وقوم يقفون واعلم أنه لا دلالة في الكتاب على شئ من هذه الأمور فإن
صح الخبر فيه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وإلا لم يلتفت إليه انتهى تكلمهم أي تكلم الموجودين ببطلان
الأديان سوى دين الإسلام وقيل تكلمهم بما يسوءهم وقيل تكلمهم بالعربية بقوله تعالى الآتي
أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون قاله ابن عباس أي بخروجها لأن خروجها من الآيات وقال
33
ابن عباس أيضا تكلمهم تحدثهم قرأ الجمهور تكلمهم من التكليم وتدل عليه قراءة أبي تنبئهم
وقرئ بفتح الفوقية وسكون الكاف من الكلم وهو الجرح قال عكرمة أي تسمهم وسما أن
الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون بكسر إن على الاستئناف وقرئ بفتحها قال الأخفش المعنى على
الفتح بأن الناس وبها قرأ ابن مسعود قال أبو عبيدة أي تخبرهم أن الناس إلخ وعلى هذه فالذي
تكلم الناس به هو قوله إن الناس إلخ وأما على الكسر فالجملة مستأنفة كما قدمنا ولا يكون من
كلام الدابة وقد صرح بذلك جماعة من المفسرين وقال الأخفش إن كسر إن هو على تقدير القول
أي تقول لهم إن الناس فيرجع معنى القراءة الأولى على هذا إلى معنى الثانية والمراد بالناس في الآية
هم الناس على العموم فيدخل في ذلك كل مكلف وقيل المراد الكفار خاصة وقيل كفار مكة
والأول أولى كما صنع جمهور المفسرين والمعنى لا يؤمنون بالقرآن المشتمل على البعث والحساب
والعقاب
29 باب ومن سورة القصص
مكية إلا إن الذي فرض الآية نزلت بالجحفة وإلا الذين اتيناهم الكتاب إلى لا
نبتغي الجاهلين وهي سبع أو ثمان وثمانون اية
قوله (حدثنا يحيى بن سعيد) هو القطان قوله (لعمه) هو أبو طالب أشهد بالجزم على
أنه جواب قبل وبالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف وفي رواية سعيد بن المسيب عن أبيه عند
الشيخين فقال أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله من المحاجة وفي رواية مجاهد
عند الطبري أجادل عنك بها (أن تعيرني) من التعيير أي ينسبوني إلى العار (إنما يحمله عليه
الجزع) بفتح الجيم والزاي هو نقيض الصبر وفي رواية مسلم يقولون إنما حمله على ذلك الجزع
قال النووي هكذا هو في جميع الأصول وجميع روايات المحدثين في مسلم وغيره بالجيم والزاي
وكذا نقله القاضي عياض وغيره عن جميع روايات المحدثين وذهب جماعات من أهل اللغة إلى أنه
الخرع بالخاء المعجمة والراء المفتوحتين أيضا وهو الضعف والخور وقيل هو الدهش انتهى مختصرا
(لأقررت بها عينك) قال النووي أحسن ما يقال فيه ما قاله أبو العباس قال: معنى أقر الله عينه أي
34
بلغة الله أمنيته عينيه فلا تستشرف لشئ وقال الأصمعي معناه أبرد الله
دمعته لأن دمعة الفرح باردة وقيل معناه أراه الله ما يسره فأنزل الله إنك لا تهدي أجمع المفسرون
على أنها نزلت في أبى طالب وهي عامة فإنه لا يهدي ولا يضل إلا الله تعالى (من أحببت) أي
هدايته وقيل أحببته لقرابته
اعلم أن حديث أبي هريرة هذا يدل على أن أبا طالب مات على الكفر وحديث سعيد بن
المسيب عن أبيه عند الشيخين صريح في ذلك ففيه فقال أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك
بها عند الله فقال أبو جهل بن أبي أمية أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول
الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيرانه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم على ملة عبد
المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله
فإن قلت في رواية ابن إسحاق من طريق العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن
ابن عباس قال فلما تقارب من أبي طالب الموت قال نظر العباس إليه يحرك شفتيه قال فأصغى إليه
بأذنه قال فقال يا ابن أخي والله لقد قال أخ الكلمة التي أمرته أن يقولها قال فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لم أسمع قلت في رواية ابن إسحاق هذه مجهول وهو بعض أهل العباس بن عبد الله بن
معبد فهذه الرواية لا تقاوم حديث الصحيحين ثم تفرد بهذه الرواية ابن إسحاق وما تفرد به لا
يقاوم ما في الصحيحين أصلا
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد ومسلم والطبري
باب ومن سورة العنكبوت
مكية وهي تسع وستون اية
35
قوله (عن أبيه سعد) هو ابن أبي وقاص قوله عن أبيه سعد هو ابن أبي وقاص قوله (أنزلت في) بتشديد الياء (فذكر قصة)
روى مسلم هذا الحديث بذكر القصة في باب فضل سعد بن أبي وقاص من كتاب الفضائل
(وقالت أم سعد أليس قد أمر الله بالبر والله لا أطعم طعاما ولا شرابا حتى
أموت أو تكفر) وفي رواية مسلم حلفت أم سعد ألا تكلمه أبدا حتى يكفر بدينه ولا تأكل ولا
تشرب قالت زعمت أن الله وصاك بوالديك فأنا أمك وأنا آمرك بهذا قال مكثت ثلاثا حتى
غشى عليها من الجهد (شجروا فاها) أي فتحوا فمها زاد مسلم بعصا ثم أوجروها قال النووي
أي صبوا فيها الطعام وإنما شجروه بالعصا لئلا تطبقه فيمتنع وصول الطعام جوفها (ووصينا
الإنسان بوالديه حسنا) أي برا وعطفا عليهما وإن جاهداك لتشرك بي الآية ما ليس لك به
علم أي إن طلبا منك وألزماك أن تشرك بي إلها ليس لك علم بكونه إلها فلا تطعهما أي
في الإشراك وعبر بنفي العلم عن نفي الإله لأن ما لم يعلم صحته لا يجوز اتباعه فكيف بما علم
بطلانه وإذا لم تجز طاعة الأبوين في هذا المطلب مع المجاهدة منهما له فعدم جوازها مع مجرد
الطلب بدون مجاهدة منهما أولى ويلحق بطلب الشرك منهما سائر معاصي الله سبحانه فلا طاعة لهما
فيما هو معصية الله إلي مرجعكم فأنبئكم أي فأخبركم بما كنتم تعملون أي بصالح
أعمالكم وسيأتيها أي فأجازيكم عليها قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو
داود والنسائي
قوله (عن حاتم بن أبي صغيرة) هو أبو يونس البصري وأبو صغيرة اسمه مسلم وهو جده
لأمه وقيل زوج أمه ثقة من السادسة قوله وتأتون في ناديكم النادي والندى والمنتدى مجلس
القوم ومتحدثهم ولا يقال للمجلس ناد إلا ما دام فيه أهله المنكر اختلف في المنكر الذي كانوا
يأتونه فيه فقيل كانوا يخذفون الناس بالحصباء ويستخفون بالغريب وقيل كانوا يتضارطون في
مجالسهم قالته عائشة وقيل كانوا يأتون الرجال في مجالسهم وبعضهم يرى بعضا وقيل كانوا
يلعبون بالحمام وقيل كانوا يناقرون بين الديكة ويناطحون بين الكباش وقيل يبزق بعضهم على
بعض ويلعبون بالنرد والشطرنج ويلبسون المصبغات وكان من أخلاقهم مضغ العلك وتطريف
36
الأصابع بالحناء وحل الإزار والصفير، ولا مانع من أنهم كانوا يفعلون جميع هذه المنكرات ذكره
صاحب فتح البيان قلت يؤيد الاحتمال الأول حديث أم هانئ هذا كانوا يخذفون من الخذف مضغ العلك وتطريف الأصابع بالحناء وحل الإزار والصفير ولا مانع
بالخاء والذال المعجمتين وهو رميك بحصاه أو نواة أو نحوهما تأخذ بين سبابتيك وهذا تفسير
لإتيانهم المنكر ويسخرون منهم عطف على يخذفون قال في القاموس سخر منه أي هزئ
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم
31 ومن سورة الروم
مكية وهي ست أو تسع وخمسون اية
قوله (لما كان يوم بدر ظهرت الروم إلخ) تقدم هذا الحديث مع شرحه في أوائل أبواب
القراءات
قوله (عن حبيب بن أبي عمره) القصاب أبي عبد الله الحماني الكوفي ثقة من السادسة
قوله (قال) أي ابن عباس (غلبت) بصيغة المجهول أي الروم أولا (وغلبت) بصيغة المعلوم أي
ثم غلبت وفي رواية ابن جرير فغلب الروم ثم غلبت (أن يظهر) أي يغلب (لأنهم) أي المشركين
37
(فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا) أي من قلائص وفي أثر عبد الله بن مسعود عند ابن جرير قالوا هل
لك أن نقامرك فبايعوه على أربع قلائص ألا جعلته إلى دون قال أراه العشر وفي رواية ابن جريرة
أفلا جعلته إلى دون العشر
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي وابن جرير
قوله (حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي) أبو سعيد المدني قال عثمان الدارمي قلت
لابن معين كيف هو فقال لا أعرفه وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن عدي مجهول كذا في
تهذيب التهذيب قوله (قال لأبي بكر في مناحبة ألم غلبت الروم) المناحبة المراهنة ألا بفتح
الهمزة وشدة اللام حرف التحضيض احتطت من الاحتياط وفي رواية ابن جرير لما نزلت ألم
غلبت الروم في أدنى الأرض الآية ناحب أبو بكر قريشا ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال له إني قد ناحبتهم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هلا احتطت قوله (هذا حديث غريب حسن) وأخرجه ابن جرير
قوله (حدثنا محمد بن إسماعيل) لم يتعين لي أنه هو الإمام البخاري أو هو محمد بن إسماعيل
38
السلمي أبو إسماعيل الترمذي فإنهما من شيوخ أبي عيسى الترمذي ومن أصحاب إسماعيل بن أبي
أويس (عن نيار) بكسر النون وتخفيف التحتانية (بن مكرم) بضم أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه
صحابي عاش إلى أول خلافة معاوية وأنكر ابن سعد أن يكون سمع من النبي صلى الله عليه وسلم فذكره في الطبقة
الأولى من أهل المدينة وقال سمع من أبي بكر وكان ثقة قليل الحديث قوله (يصيح في نواحي
مكة) أي ينادي فيها من الصياح وهو الصوت بأقصى الطاقة (زعم صاحبك) يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم
(وتواضعوا الرهان) أي تواطأوا عليه قوله (هذا حديث صحيح غريب) قال الحافظ ابن كثير
بعد ذكر هذا الحديث وقد روى نحو هذا مرسلا عن جماعة من التابعين مثل عكرمة والشعبي
ومجاهد وقتادة والسدي والزهري وغيرهم انتهى قلت أخرج بن جرير في تفسيره رواية عكرمة
والشعبي ومجاهد وقتادة رحمهم الله تعالى
39
سورة لقمان مكية إلا ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام الآيتين فمدنيتان وهي أربع وثلاثون اية
قوله عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تبيعوا القينات إلخ تقدم هذا الحديث
بإسناده ومتنه في باب كراهية بيع المغنيات من أبواب البيوع وتقدم هناك شرحه
33 باب ومن سورة السجدة
مكية وهي ثلاثون اية
قوله (حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي) بضم الهمزة وفتح الواو وسكون التحتية
مصغرا أبو القاسم المدني ثقة من كبار العاشرة (عن سليمان بن بلال) هو التيمي عن يحيى بن
سعيد هو الأنصاري قوله تتجافى جنوبهم أي ترتفع وتتنحى عن المضاجع أي مواضع
الاضطجاع لصلاتهم (نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة) أي صلاة العشاء وروى أبو
40
داود هذا حديث تتجافى جنوبهم عن المضاجع
يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم وروى أبو من وجه آخر عن أنس بن مالك في هذه الآية ينفقون قال كانوا يتيقظون ما بين المغرب والعشاء
يصلون قال وكان الحسن يقول قيام الليل والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه ابن
مردية عن رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس في هذه الآية قال يصلون ما بين المغرب
والعشاء قال العراقي وإسناده جيد وروى الترمذي في مناقب الحسن والحسين في حديث طويل
عن حذيفة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصليت معه المغرب فصلى حتى صلاة العشاء ثم انفتل قال الحافظ ابن كثير
في تفسيره قال أنس وعكرمة ومحمد بن المنكدر وأبو حازم وقتادة هو الصلاة بين العشاءين وعن
أنس أيضا هو انتظار صلاة العتمة رواه ابن جرير بإسناد جيد انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أبو داود
قوله قال الله أعددت من الإعداد أي هيأت ما لا عين رأت كلمة ما إما موصولة أو
موصوفة وعين وقعت في سياق النفي فأفاد الاستغراق ولا خطر أي وقع على قلب بشر زاد ابن
مسعود في حديثه ولا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل أخرجه ابن أبي حاتم وهو يدفع قول من
قال إنما قيل البشر لأنه يخطر بقلوب الملائكة قال الحافظ والأولى حمل النفي فيه على عمومه
فإنه أعظم في النفس فلا تعلم نفس ما أخفى بصيغة المجهول من الاخفاء أي خبئ قرأ
الجمهور أخفى بالتحريك على البناء للمفعول وقرأ حمزة بالإسكان فعلا مضاعفا مسندا للمتكلم
يؤيده قراءة ابن مسعود نخفى بنون العظمة وقرأها محمد بن كعب أخفى بفتح أوله وفتح الفاء على
البناء للفاعل وهو الله ونحوها قراءة الأعمش أخفيت من قرة أعين ما تقر به أعينه قوله
(هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان
قوله (حدثنا سفيان) هو ابن عيينة قوله وأخذوا أخذاتهم بفتح الهمزة والخاء قال
41
القاضي هو ما أخذوه من كرامة مولاهم وحصلوه أو يكون معناه قصدوا منازلهم قال وذكره ثعلب
بكسر الهمزة فإن لك مثله ومثله ومثله وفي رواية مسلم لك مثله ومثله ومثله ومثله ومثله خمس
مرات فإن لك هذا ما اشتهت نفسك ولذت عينك زاد مسلم قال رب فأعلاهم منزلة قال
أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على
قلب بشر قال ومصداقه في كتاب الله عز وجل فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين الآية
قال النووي معنى أردت اخترت واصطفيت وأما غرست كرامتهم بيدي إلى آخره فمعناه
اصطفيتهم وتوليتهم فلا يتطرق إلى كرامتهم تغيير وفي آخر الكلام حذف للعلم به تقديره ولم
يخطر على قلب بشر ما أكرمتهم به وأعددته لهم
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
34 باب ومن سورة الأحزاب
مدنية وهي ثلاث وسبعون آية
قوله (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) هو الامام الدارمي (أخبرنا صاعد) بن عبيد البجلي
أبو محمد أو أبو سعيد (الحراني) بفتح الحاء المهملة وشدة الراء بالنون مقبول من كبار العاشرة
(أخبرنا زهير) هو ابن معاوية قوله (فخطر خطرة) يريد الوسوسة التي تحصل للإنسان في
42
صلاته قال في النهاية في حديث سجود السهو حتى يخطر الشيطان بين المرء وقلبه يريد الوسوسة ومنه
حديث ابن عباس قام نبي الله يوما يصلي فخطر خطرة فقال المنافقون إن له قلبين انتهى وفي
رواية صلى النبي صلاة فسها فيها فخطرت منه كلمة فسمعها المنافقون فقالوا إن له قلبين
فنزلت (ألا ترى) وفي رواية ألا ترون (أن له قلبين قلبا معكم وقلبا معهم) أي مع أصحابه فأنزل
الله ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه قال ابن جرير اختلف أهل التأويل في المراد من قول
الله ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه فقال بعضهم عني بذلك تكذيب قوم من أهل النفاق
وصفوا نبي الله بأنه ذو قلبين فنفى ذلك عن نبيه وكذبهم ثم ذكر أثر بن عباس هذا ثم قال
وقال آخرون بل عنى بذلك رجل من قريش كان يدعى ذا القلبين من ذهنه ثم ذكر من قال ذلك ثم قال
وقال آخرون بل عنى بذلك زيد بن حارثة من أجل أن رسول الله كان تبناه فضرب الله
بذلك مثلا انتهى وقال ابن كثير في تفسيره يقول تعالى موطئا قبل المقصود المعنوي أمرا معروفا
حسيا وهو أنه كما لا يكون للشخص الواحد قلبان في جوفه ولا تصير زوجته التي يظاهر منها
بقوله أنت علي كظهر أمي أما له كذلك لا يصير الدعي ولدا للرجل إذا تبناه فدعاه ابنا له فقال
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم
كقوله عز وجل ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم الآية وقوله تعالى وما جعل
أدعياءكم أبناءكم هذا هو المقصود بالنفي فإنها نزلت في شأن زيد بن حارثة رضي الله عنه مولى
النبي كان النبي قد تبناه قبل النبوة فكان يقال له زيد بن محمد فأراد الله تعالى أن يقطع
هذا الالحاق وهذه النسبة بقوله تعالى وما جعل أدعياءكم أبناءكم كما قال تعالى في أثناء
السورة ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شئ
عليما وقال ههنا ذالكم قولكم بأفواهكم يعني تبنيكم لهم قول لا يقتضي أن يكون ابنا حقيقيا
فإنه مخلوق من صلب رجل آخر فما يمكن أن يكون له أبواه كما لا يمكن أن يكون للبشر الواحد
قلبان وقد ذكر غير واحد أن هذه الآية نزلت في رجل من قريش كان يقال له ذو القلبين وأنه كان
يزعم أن له قلبين كل منهما بعقل وافر فأنزل الله هذه الآية ردا عليه هكذا روى العوفي عن ابن
عباس وقال به مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة ثم ذكر ابن كثير حديث ابن عباس الذي نحن في
43
شرحه، ثم قال: وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري في قوله ما جعل الله لرجل من
قلبين ثم ذكر ابن كثير حديث ابن عباس الذي نحن في شرحه ثم قال وقال عبد في جوفه قال بلغنا أن ذلك كان في زيد بن حارثة ضرب له مثل يقول ليس ابن رجل آخر
ابنك وكذا قال مجاهد وقتادة وابن زيد إنها نزلت في زيد ابن حارثة رضي الله عنه وهذا يوافق ما قدمناه
من التفسير انتهى قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه وابن جرير وابن أبي حاتم
قوله (حدثنا أحمد بن محمد) هو المعروف بمردويه (أخبرنا سليمان بن المغيرة) القيسي
مولاهم البصري أبو سعيد ثقة قوله (قال قال) أي قال ثابت قال أنس (عمي أنس بن النضر)
مبتدأ وخبره لم يشهد بدرا وقوله سميت به جملة معترضة (فكبر عليه) وفي رواية مسلم فشق عليه
(أول مشهد) أي لأن بدرا أول غزوة خرج فيها النبي بنفسه مقاتلا وقد تقدمها غيرها لكن ما
خرج فيها بنفسه مقاتلا (أما) بالتخفيف للتنبيه (والله لئن أراني الله مشهدا) وفي الرواية الآتية
لئن الله أشهدني قتالا للمشركين (ليرين الله) قال النووي ضبطوه بوجهين أحدهما ليرين بفتح الياء
والراء أي يراه الله واقعا بارزا والثاني ليرين بضم الياء وكسر الراء ومعناه ليرين الله الناس ما
أصنعه ويبرزه الله تعالى لهم (ما أصنع) مفعول لقوله ليرين ومراده أن يبالغ في القتال ولو زهقت
روحه (قال) أي أنس بن مالك (فهاب) أي خشي أنس بن النضر (أن يقول غيرها) أي غير هذه
الكلمة وذلك على سبيل الأدب منه والخوف لئلا يعرض له عارض فلا يفي بما يقول فيصير كمن
وعد فأخلف (فقال) أي أنس بن النضر (يا أبا عمرو) هو كنية سعد بن معاذ (أين) أي أين تذهب
(قال) أي أنس بن النضر ابتدأ في كلامه ولم ينتظر جوابه لغلبته اشتياقه إلى إيفاء ميثاقه وعهده بربه
بقوله ليرين الله ما أصنع (واها لريح الجنة) قال في القاموس واها له ويترك تنوينه كلمة تعجب
من طيب شئ وكلمة تلهف انتهى والمراد هنا هو الأول (أحدها دون أحد) أي عند أحد وفي
44
رواية البخاري في المغازي فقال أين يا سعد إني أجد ريح الجنة دون أحد قال الحافظ يحتمل أن
يكون ذلك على الحقيقة بأن يكون شم رائحة طيبة زائدة عما يعهد فعرف أنها ريح الجنة ويحتمل أن
يكون أطلق ذلك باعتبار ما عنده من اليقين حتى كأن الغائب عنه صار محسوسا عنده والمعنى أن
الموضع الذي أقاتل فيه يؤول بصاحبه إلى الجنة (إلا ببنانه) بفتح الباء والنون جمع بنانة وهي
الأصبع وقيل طرفها رجال صدقوا ما عاهدوا (أجدها دون أحد) أي عند أحد وفي المراد بالمعاهدة المذكورة ما تقدم ذكره من
قوله تعالى ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان ذلك أول ما خرجوا إلى أحد
وهذا قول ابن إسحاق وقيل ما وقع ليلة العقبة من الأنصار (إذ بايعوا النبي أن يؤووه
وينصروه ويمنعوه) والأول أولى فمنهم من قضى نحبه أي مات أو قتل في سبيل الله وأصل
النحب النذر فلما كان كل حي لا بد له من الموت فكأنه نذر لازم له فإذا مات فقد قضاه والمراد
هنا من مات على عهده لمقابلته بمن ينتظر ذلك وأخرج ذلك ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن ابن
عباس كذا في الفتح ومنهم من ينتظر أي ذلك وما تبدلوا تبديلا أي ما غيروا عهد الله ولا
نقضوه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي
قوله (لأن الله أشهدني) أي أحضرني واللام في لئن مفتوحة دخلت على إن الشرطية
لا جزاء له لفظا وحذف فعل الشرط فيه من الواجبات والتقدير لئن أشهدني الله (انكشف
المسلمون) وفي رواية وانهزم الناس (مما جاءوا به هؤلاء) يعني من قتالهم مع رسول الله
(وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء) يعني من فرارهم (ثم تقدم) أي نحو المشركين (فلقيه سعد) أي ابن
معاذ (فقال) أي سعد (فلم أستطيع أن أصنع ما صنع) أي أنس بن النضر وهذا صريح في أنه نفى
45
استطاعة إقدامه الذي صدر منه حتى وقع له ما وقع من الصبر على تلك الأهوال بحيث وجد في
جسده ما وجد فاعترف سعد بأنه لم يستطع أن يقدم إقدامه ولا يصنع صنيعه وفيه رد على ابن
بطال حيث قال يريد ما استطعت أن أصف ما صنع أنس (فوجد فيه) أي في جسده وفي رواية
البخاري قال أنس فوجد نابه
قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه البخاري والنسائي وابن أبي حاتم
قوله (حدثنا عمرو بن عاصم) هو الكلابي القيسي (عن موسى بن طلحة) ابن عبيد الله
التيمي كنيته أبو عيسى أو أبو محمد المدني نزيل الكوفة ثقة جليل من الثانية ويقال إنه ولد في عهد
النبي قوله (دخلت على معاوية) هو ابن أبي سفيان رضي الله عنه طلحة ممن قضى نحبه
طلحة هذا هو والد موسى وهو أحد العشرة المبشرة بالجنة قتل في وقعة الجمل وكان هو مع جماعة
كعثمان بن عفان ومصعب وسعيد وغيرهم نذروا إذا لقوا حربا ثبتوا حتى يستشهدوا وقد ثبت
طلحة يوم أحد وبذل جهده حتى شلت يده وقى بها النبي وأصيب في جسده ببضع وثمانين من
بين طعن وضرب ورمى ويحتمل أن يكون معناه ذاق الموت في الله وإن كان حيا لما ذاق من شدائد
فيه ويدل عليه حديث من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي إلخ وقيل الموت عبارة عن الغيبوبة
عن عالم الشهادة وقد كان هذا حاله من الانجذاب قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن أبي
حاتم وابن جرير
قوله (عن طلحة بن يحيى) بن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني قوله (يوقرونه
46
ويهابونه) جملتان حاليتان من ضمير لا يجترئون هذا يعني طلحة رضي الله عنه قوله (هذا
حديث حسن غريب) وأخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير ويأتي هذا الحديث والذي قبله في مناقب
طلحة بن عبيد الله
قوله (عن يونس بن يزيد) هو ابن أبي النحار الأيلي (عن أبي سلمة) هو ابن عبد
الرحمن بن عوف قوله فلا عليك أن لا تستعجلي أي فلا بأس عليك في التأني وعدم العجلة
حتى تستأمري أبويك أي تشاوري وتطلبي منهما أن يبينا لك رأيهما في ذلك ووقع في حديث
جابر عند مسلم حتى تستشيري أبويك
يا أيها النبي قل لأزواجك وهن تسع وطلبن منه من زينة
الدنيا ما ليس عنده إن كنتن تردن الحياة الدنيا أي السعة في الدنيا وكثرة الأموال وزينتها
فتعالين أي أقبلن بإرادتكن واختياركن وبعده أمتعكن أي متعة الطلاق وأسرحكن سراحا
جميلا أي أطلقكن من غير إضرار وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة أي الجنة فإن
الله أعد للمحسنات منكن أي بإرادة الآخرة أجرا عظيما أي الجنة (في أي هذا) ويروى
ففي أي شئ قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
47
قوله (أخبرنا محمد بن سليمان بن الأصبهاني) في التقريب محمد بن سليمان ابن عبد الله
الكوفي أبو علي بن الأصبهاني صدوق يخطئ من الثامنة (عن يحيى بن عبيد عن عطاء بن أبي
رباح) قال في التقريب يحيى بن عبيد عن عطاء بن أبي رباح يحتمل أن يكون الذي قبله وإلا
فمجهول انتهى والذي قبله هو يحيى بن عبيد المكي مولى بني مخزوم قال الحافظ ثقة من
السادسة قوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس قيل هو الشك وقيل العذاب
وقيل الاثم قال الأزهري الرجس اسم لكل مستقذر من عمل قاله النووي أهل
البيت نصبه على النداء ويطهركم من الأرجاس والأدناس (في بيت أم سلمة) متعلق بنزلت
(فجللهم بكساء) أي غطاهم به من التجليل (فجلله بكساء) أي آخر (قالت أم سلمة وأنا معهم
يا نبي الله) بتقدير حرف الاستفهام أنت على مكانك وأنت على خير يحتمل أن يكون معناه أنت
خير وعلى مكانك من كونك من أهل بيتي ولا حاجة لك في الدخول تحت الكساء كأنه منعها عن
ذلك لمكان علي وأن يكون المعنى أنت على خير وإن لم تكوني من أهل بيتي كذا في اللمعات قلت
الاحتمال الأول هو الراجح بل هو المتعين وقد اختلف أهل العلم في أهل البيت المذكورين في
الآية فقال ابن عباس وعكرمة وعطاء والكلبي ومقاتل وسعيد بن جبير إن أهل البيت المذكورين في
الآية هم زوجات النبي خاصة قالوا والمراد بالبيت بيت النبي ومساكن زوجاته لقوله
واذكرن ما يتلى في بيوتكن وأيضا السياق في الزوجات من قوله يا أيها النبي قل لأزواجك
إلى قوله لطيفا خبيرا وقال أبو سعيد الخدري ومجاهد وقتادة وروي عن الكلبي أن أهل البيت
المذكورين في الآية هم علي وفاطمة والحسن والحسين خاصة ومن حججهم الخطاب في الآية بما
يصلح للذكور لا للإناث وهو قوله عنكم وليطهركم ولو كان للنساء خاصة لقال عنكن
وليطهركن وأجاب الأولون عن هذا بأن التذكير باعتبار لفظ الأهل كما قال سبحانه أتعجبين من
أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت وكما يقول الرجل لصاحبه كيف أهلك يريد زوجته أو
زوجاته فيقول هم بخير وتمسك الأولون أيضا بما أخرجه ابن أبي حاتم وابن عساكر من طريق
48
عكرمة عن ابن عباس في الآية قال نزلت في نساء النبي خاصة وقال عكرمة من شاء بأهلته
أنها نزلت في أزواج النبي وروي هذا عنه بطرق وتمسك الآخرون أيضا بحديث عمر بن أبي
سلمة وحديث أنس المذكورين في الباب وما في معناهما وقد توسطت طائفة ثالثة بين الطائفتين
فجعلت هذه الآية شاملة للزوجات ولعلي وفاطمة والحسن والحسين أما الزوجات فلكونهن
المرادات في سياق هذه الآيات كما قدمنا ولكونهن الساكنات في بيوته النازلات في منازله
ويعضد ذلك ما تقدم عن ابن عباس وغيره وأما دخول علي وفاطمة والحسن والحسين فلكونهن
قرابته وأهل بيته في النسب ويؤيد ذلك ما ورد من الأحاديث المصرحة بأنهم سبب النزول فمن
جعل الآية خاصة بأحد الفريقين أعمل بعض ما يجب إعماله وأهمل ما لا يجوز إهماله وقد رجح
هذا القول جماعة من المحققين منهم القرطبي وابن كثير وغيرهما قوله (هذا حديث غريب)
وأخرجه ابن جرير والطبراني وابن مردويه
قوله (أخبرنا علي بن زيد) هو ابن جدعان قوله الصلاة يا أهل البيت أي حضرت
صلاة الفجر وحانت أو احضروا الصلاة قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وابن
أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه ابن مردويه قوله (وفي الباب عن
أبي الحمراء ومعقل بن يسار وأم سلمة) أما حديث أبي الحمراء فأخرجه ابن جرير وابن مردويه
وفيه قال رأيت رسول الله إذا طلع الفجر جاء إلى باب علي وفاطمة رضي الله عنهما فقال
الصلاة الصلاة إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا وفي نسده أبو
داود الأعمى واسمه نفيع بن الحرث وهو وضاع كذاب وأما حديث معقل بن سيار فلينظر من
أخرجه وأما حديث أم سلمة فأخرجه الترمذي في فضل فاطمة رضي الله عنها وفي الباب أيضا
عن عائشة أخرجه مسلم عنها قالت خرج النبي غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء
الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله
ثم قال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا
49
قوله: (أخبرنا داود الزبرقان) بكسر زاي وسكون موحدة وكسر راء وبقاف الرقاشي
البصري نزيل بغداد متروك وكذبه الأزدي من الثامنة قوله (لكتم هذه الآية وإذ) منصوب باذكر
تقول للذي أنعم الله عليه هو زيد بن حارثة مولى رسول الله (فأعتقته) وكان من سبي
الجاهلية اشتراه رسول الله في الجاهلية وأعتقه وتبناه أمسك عليك زوجك أي لا تطلق زوجك
هي زينب بنت جحش رضي الله عنها ابنة عمة رسول الله وأمها أميمة بنت عبد المطلب واتق
الله أي في أمر طلاقها (وتخفى الواو للحال أي والحال أنك تخفي في نفسك ما الله مبديه أي
مظهره وهو نكاحها إن طلقها زيد وقيل حبها والصحيح المعول عليه عندي هو الأول وتخشى
الناس أي تخاف أن يقول الناس تزوج محمد زوجة ابنه والله أحق أن تخشاه أي في كل شئ
وتزوجكها ولا عليك من قول الناس وبعد هذا فلما قضى زيد منها وطرا أي حاجة وقضاء
الوطر في اللغة بلوغ منتهى ما في النفس من الشئ يقال وطرا منه إذا بلغ ما أراد من حاجته
فيه والمراد هنا أنه قضى وطره منها بنكاحها والدخول بها بحيث لم يبق له فيها حاجة وتقاصرت
عنه همته وطابت عنه نفسه وقيل المراد به الطلاق لأن الرجل إنما يطلق امرأته إذا لم يبق له فيها
حاجة زوجناكها أي لم نحرجك إلى ولي من الخلق يعقد لك عليها تشريفا لك ولها فلما أعلمه
الله بذلك دخل عليها بغير إذن ولا عقد ولا تقدير صداق ولا شئ مما هو معتبر في النكاح في حق
أمته وهذا من خصوصياته التي لا يشاركه فيها أحد بإجماع المسلمين وكان تزوجه بزينب
سنة خمس من الهجرة وقيل سنة ثلاث وهي أول من مات من زوجاته الشريفات المطهرات ماتت
بعده بعشر سنين عن ثلاث وخمسين سنة وقيل المراد به الأمر له بأن يتزوجها والأول أولى وبه
جاءت الأخبار الصحيحة كذا في فتح البيان لكيلا يكون على المؤمنين حرج أي ضيق علة
للتزويج وهو دليل على أن حكمه وحكم الأمة واحد إلا ما خصه الدليل في أزواج أدعيائهم جمع
دعى وهو المتبنى أي في التزويج بأزواج من يجعلونه ابنا كما كان العرب يفعلون فإنهم كانوا يتبنون
من يريدون وكانوا يعتقدون أنه يحرم عليهم نساء من تبنوه كما يحرم عليهم نساء أبنائهم حقيقة
فأخبرهم الله أن نساء الأدعياء حلال لهم إذا قضوا منهن وطرا إذا طلق الأعياء أزواجهم
50
بخلاف ابنا الصلب فإن أمرته تحرم على أبيه بنفس العقد عليها وكان أمر الله مفعولا أي قضاء
الله ماضيا وحكمه نافذا وقد قضى في زينب أن يتزوجها رسول الله (لما تزوجها) أي زينب
(قالوا تزوج حليلة ابنه) أي زوجة ابنه ما كان محمد أبا أحد من رجالكم أي فليس أبا زيد
فلا يحرم عليه التزويج بزوجته زينب ولكن رسول الله أي ولكن كان رسول الله وخاتم النبيين
قرأ الجمهور بكسر التاء وقرئ بفتحها ومعنى الأولى أنه ختمهم أي جاء آخرهم ومعنى الثانية
أنه صار كالخاتم لهم الذي يختمون به ويتزينون بكونه منهم قال أبو عبيدة الوجه الكسر لأن
التأويل أنه ختمهم فهو خاتمهم وأنه قال أنا خاتم النبيين وخاتم الشئ آخره وقال الحسن
الخاتم هو الذي ختم به والمعنى ختم الله به النبوة فلا نبوة بعده ولا معه قال ابن عباس يريد لو لم
أختم به النبيين لجعلت له ابنا يكون بعده نبيا وعنه أن الله لما حكم أن لا نبي بعده لم يعطه ولدا
ذكرا يصير رجلا وعيسى ممن نبئ قبله وحين ينزل ينزل عاملا على شريعة محمد كأنه بعض
أمته أدعوهم لآبائهم للصلب وانسبوهم إليهم ولا تدعوهم إلى غيرهم هو أقسط عند الله
تعليل للأمر بدعاء الأبناء للآباء والضمير راجع إلى مصدر ادعوهم ومعنى أقسط أعدل أي أعدل
من كل كلام يتعلق بذلك فترك الإضافة للعموم كقوله الله أكبر وأعدل من قولكم هو ابن فلان ولم
يكن ابنه لصلبه فإن لم تعلموا آباءهم تنسبونهم إليهم فإخوانكم أي فهم إخوانكم في الدين
ومواليكم فقولوا أخي ومولاي ولا تقولوا ابن فلان حيث لم تعلموا آباءهم على الحقيقة قال
الزجاج مواليكم أي أولياؤكم في الدين وقيل المعنى فإن كانوا محررين ولم يكونوا أحرارا فقولوا
موالي فلان قوله (هذا الحرف لم يرو بطوله) أي روي مقتصرا على هذا القدر فحسب ولم يرو
بطوله مثل الرواية المتقدمة ونقل الحافظ في الفتح حاصل كلام الترمذي هذا بلفظ قال الترمذي
روى عن داود عن الشعبي عن مسروق عن عائشة إلى قوله لكتم هذه الآية ولم يذكر ما بعده ثم
قال الحافظ وهذا القدر أخرجه مسلم كما قال الترمذي وأظن الزائد مدرجا في الخبر فإن الراوي له
51
عن داود لم يكن بالحافظ انتهى قلت والراوي عن داود في الرواية الطويلة المتقدمة هو داود بن
الزبرقان وقد عرفت أنه متروك
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
قوله (حتى نزل القرآن ادعوهم لآبائهم) قال الحافظ ابن كثير هذا أمر ناسخ لما كان في
ابتداء الإسلام من جواز ادعاء الأبناء الأجانب وهم الأدعياء فأمر تبارك وتعالى برد نسبهم إلى
آبائهم في الحقيقة وأن هذا هو العدل والقسط والبر هو أقسط عند الله أي هو أعدل عنده من
قولكم هو ابن فلان ولم يكن ابنه لصلبه ولم أقسط أفعل تفضيل قصد به الزيادة مطلقا من القسط
بمعنى العدل قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (حدثنا مسلمة بن علقمة) المازني أبو محمد البصري صدوق له أوهام من الثامنة
قوله (قال) أي الشعبي (ما كان ليعيش له فيكم ولد ذكر) يعني حتى يبلغ الحلم فإنه ولد له
القاسم والطيب والطاهر من خديجة رضي الله عنها فماتوا صغارا وولد له إبراهيم من مارية
القبطية فمات أيضا رضيعا وكان له من خديجة أربع بنات زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي
الله عنهم أجمعين فماتت في حياته ثلاث وتأخرت فاطمة رضي الله عنها حتى أصيبت به ثم ماتت
بعده لستة أشهر
52
قوله: (حدثنا محمد بن كثير) العبدي البصري (أخبرنا سليمان بن كثير) العبدي أبو داود
ويقال أبو محمد البصري لا بأس به في غير الزهري من السابعة (عن حصين) هو ابن عبد الرحمن
السلمي الكوفي أبو الهذيل (عن أم عمارة) بضم العين وتخفيف الميم يقال اسمها نسيبة بنت
كعب بن عمرو فنزلت هذه الآية إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات) فذكر الله لهن عشر
مراتب مع الرجال فمدحهن بها معهم الأولى الإسلام والثانية الإيمان قال الحافظ ابن كثير
قوله تعالى إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات دليل على أن الإيمان غير الإسلام وهو
أخص منه لقوله تعالى قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في
قلوبكم وفي الصحيحين لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن فيسلبه الإيمان ولا يلزم من ذلك
كفره بإجماع المسلمين فدل على أنه أخص منه انتهى والثالثة القنوت وهو قوله والقانتين
والقانتات أي المطيعين والمطيعات وقيل المداومين على الطاعة والعبادة والباقية ظاهرة
واضحة قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه عبد بن حميد والطبراني
قوله (حدثنا محمد بن الفضل) السدوسي أبو الفضل البصري لقبه عارم ثقة ثبت تغير في
آخر عمره من صغار التاسعة قوله (تقول زوجكن أهلوكن) وفي رواية البخاري زوجكن
أهاليكن والأهلون والأهالي كلاهما جمع أهل والأول على القياس والثاني على غيره وأهل الرجل
امرأته وولده وكل من في عياله وكذا كل أخ أو أخت أو عم أو ابن عم أو صبي أجنبي يعوله في منزله
وعن الأزهري أهل الرجل أخص الناس به ويكنى به عن الزوجة قاله العيني (وزوجني الله من
فوق سبع سماوات) وفي مرسل الشعبي قالت زينب يا رسول الله أنا أعظم نسائك عليك حقا أنا
خيرهن منكحا وأكرمهن سفيرا وأقربهن رحما فزوجنيك الرحمن من فوق عرشه وكان جبريل هو
السفير بذلك وأنا ابنة عمتك وليس لك من نسائك قريبة غيري أخرجه الطبري وأبو القاسم
53
الطحاوي في كتاب الحجة والتبيان له قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري
قوله (عن السدى) اسمه إسماعيل بن عبد الرحمن (عن أبي صالح) اسمه باذام ويقال له
باذان قوله (فاعتذرت إليه فعذرني) قال في الصراح الاعتذار غدر خواستن والعذر بالضم
والسكون معذور داشتن وقال صاحب المشكاة في الإكمال في ترجمة أم هانئ رضي الله عنها كان
رسول الله خطبها في الجاهلية وخطبها هبيرة بن أبي وهب فزوجها أبو طالب من هبيرة وأسلمت
ففرق الإسلام بينها وبين هبيرة وخطبها النبي فقالت والله إن كنت لأحبك في الجاهلية فكيف
في الإسلام ولكني امرأة مصبية فسكت عنها انتهى وقولها إني امرأة مصبية بضم الميم وسكون
الصاد وكسر الموحدة أي ذات صبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن أي مهورهن
وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك أي أباح لك التسري مما أخذت من المغانم وقد ملك صفية
وجويرية فأعتقهما وتزوجهما وملك ريحانة بنت شمعون النضرية ومارية القبطية أم ابنه إبراهيم
عليه السلام وكانتا من السراري رضي الله عنهما وبنات عمك وبنات عماتك
وبنات خالك وبنات
خالاتك اللاتي هاجرن معك أي إلى المدينة فمن لم تهاجر منهن لم يجز له نكاحها (الآية)
54
بقيتها مع تفسيرها هكذا وامرأة مؤمنة أي وأحللنا لك امرأة مصدقة بالتوحيد وهذا يدل على
أن الكافرة لا تحل له قال إمام الحرمين وقد اختلف في تحريم الحرة الكافرة عليه قال بن
العربي والصحيح عندي تحريمها وبهذا يتميز علينا فإنه ما كان في جانب الفضائل والكرامات
فحظه فيه أكثر وما كان من جانب النقائص فجانبه عنها أطهر فجوز لنا نكاح الحرائر الكتابيات
وقصر هو على المؤمنات ولهذا كان لا تحل له الكتابية الكافر لنقصانها بالكفر انتهى إن
وهبت نفسها للنبي إن أراد أي النبي أن يستنكحها أي يطلب نكاحها خالصة لك من دون
المؤمنين لفظ خالصة حال من الضمير في وهبت أو مصدر مؤكد أي خلص لك إحلال ما أحللنا
لك خالصة بمعنى خلوصا والفاعلة في المصادر غير عزيز كالعافية والكاذبة وكان من خصائصه
أن النكاح ينعقد في حقه بمعنى الهبة من غير ولي ولا شهود ولا مهر لقوله خالصة لك من دون
المؤمنين والزيادة على أربع ووجوب تخيير النساء واختلفوا في انعقاد النكاح بلفظ الهبة في حق
الأمة فذهب أكثرهم إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج وهو قول سعيد بن المسيب
والزهري ومجاهد وعطاء وبه قال مالك والشافعي وقال إبراهيم النخعي وأهل الكوفة ينعقد
بلفظ التمليك والهبة ومن قال بالقول الأول اختلفوا في نكاح النبي فذهب قوم إلى أنه كان
ينعقد في حقه بلفظ الهبة لقوله تعالى خالصة لك من دون المؤمنين وذهب آخرون إلى أنه
لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج كما في حق سائر الأمة لقوله تعالى إن أراد النبي أن
يستنكحها وكان اختصاصه في ترك المهر لا في لفظ النكاح (قالت) أي أم هانئ (كنت من
الطلقاء) بضم الطاء المهملة وفتح اللام وبالمد جمع طليق هم الذين أسلموا يوم الفتح ومن عليهم
وخلى عنهم قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه ابن جرير والطبراني وابن أبي حاتم
قوله (نزلت هذه الآية إلخ) قال الحافظ لم تختلف الروايات أنها نزلت في قصة زيد بن
حارثة وزينب بنت جحش (فهم بطلاقها) أي أراد أن يطلقها (فاستأمر) أي استثار
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري
قوله (حدثنا عبد) بن حميد (حدثنا روح) بن عبادة قوله (قال) أي الله تعالى لا
يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بترك إحدى التائين في الأصل بهن من أزواج بأن تطلقهن
أو بعضهن وتنكح بدل من طلقت إلا ما ملكت يمينك من الإماء فتحل لك قال الحافظ ابن
55
كثير ذكر غير واحد من العلماء كابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم أن هذه الآية نزلت مجازاة
لأزواج النبي ورضا عنهن على حسن صنيعهن في اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة لما
خيرهن رسول الله فلما اخترن رسول الله كان جزاؤهن أن الله تعالى قصره عليهن وحرم
عليه أن يتزوج بغيرهن أو يستبدل بهن أزواجا غيرهن ولو أعجبه حسنهن إلا الإماء والسراري فلا
حرج عليه فيهن ثم إنه تعالى رفع عنه الحرج في ذلك ونسخ حكم هذه الآية وأباح له التزوج
ولكن لم يقع منه بعد ذلك تزوج لتكون المنة لرسول الله عليهن ثم ذكر حديث عائشة الآتي
ثم قال وقال آخرون بل معنى الآية لا يحل لك النساء من بعد أي من بعد مذكرنا لك من صفة
النساء اللاتي أحللنا لك من نسائك اللاتي أتيت أجورهن وما ملكت يمينك وبنات العم والعمات
والخال والخالات والواهبة وما سوى ذلك من أصناف النساء فلا يحل لك هذا مروى عن أبي ابن
كعب وعكرمة ومجاهد في رواية عنه والضحاك في رواية وأبي صالح والحسن وغيرهم ثم قال
واختيار ابن جرير رحمه الله أن الآية عامة فيمن ذكر من أصناف النساء وفي النساء اللواتي في
عصمته وكن تسعا وهذا الذي قاله جيد ولعله مراد كثير ممن حكينا عنه من السلف فإن كثيرا
منهم روي عنه هذا وهذا ولا منافاة انتهى (ثم قال) أي ثم قرأ ابن عباس ومن يكفر بالإيمان فقد
حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين يعني ومن يجحد ما أمر الله به من توحيده ونبوة محمد
وما جاء به من عند الله فقد بطل ثواب عمله الذي كان عمله في الدنيا وخاب وخسر في الدنيا
والآخرة وهذه الآية في سورة المائدة والظاهر أن ابن عباس قرأها لبيان وجه تحريم الله على رسول
الله كل ذات دين غير الإسلام
56
قوله (عن عمرو) هو ابن دينار: قوله: (ما مات رسول الله حتى أحل له النساء) وفي
حديث أم سلمة عند ابن أبي حاتم لم يمت رسول الله حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما
شاء إلا ذات محرم وذلك قوله الله تعالى ترجى من تشاء منهن وله الآية قال ابن كثير بعد ذكر هذا
الحديث (فجعلت هذه) أي ترجى من تشاء منهن الآية (ناسخة للتي بعدها في التلاوة) أي
لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت
يمينك (كآبتي عدة الوفاة في البقرة الأولى ناسخة للتي بعدها) انتهى المراد بالآية الأولى والذين
يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا وبالآية الثانية والذين
يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزاوجهم متاعا إلى الحول غير إخراج
قلت اختلف في تفسير قوله تعالى ترجى من تشاء وتؤوي إليك من تشاء فقيل
معناه تعتزل من شئت منهن بغير طلاق وتقسم لغيرها وقال ابن عباس تطلق من تشاء منهن
وتمسك من تشاء وقال الحسن تترك نكاح من شئت وتنكح من شئت من النساء وقيل تقبل من
تشاء من المؤمنات اللاتي يهبن أنفسهن فتؤويها إليك وتترك من تشاء فلا تقبلها فقول من قال إن
هذه الآية ناسخة لقوله تعالى لا يحل لك النساء من بعد إلخ إنما يصح على بعض هذه
الأقوال قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي
قوله (عن بيان) هو ابن بشر قوله (بنى رسول الله بامرأة من نسائه) هي زينب أي
دخل بها قال في النهاية البناء والابتناء الدخول بالزوجة والأصل فيه أن الرجل كان إذا تزوج
امرأة بنى عليها قبة ليدخل بها فيها فيقال بنى الرجل على أهله قال الجوهري ولا يقال بنى بأهله
وفيه نظر فإنه قد جاء في غير موضع من الحديث وغير الحديث وعاد الجوهري استعمله في كتابه
انتهى (إلى الطعام) أي طعام الوليمة (قام رسول الله منطلقا قبل بيت عائشة فرأى رجلين
جالسين) فيه اختصار وإجمال توضحه روايات البخاري ومحصل القصة أن الذين حضروا
الوليمة جلسوا يتحدثون واستحى النبي أن يأمرهم بالخروج فتهيأ للقيام ليفطنوا لمراده
57
فيقوموا بقيامه فلما ألهاهم الحديث عن ذلك قام وخرج فخرجوا بخروجه إلا الثلاثة الذين لم
يفطنوا لذلك لشدة شغل بالهم بما كانوا فيه من الحديث وفي غضون ذلك كان النبي يريد أن
يقوموا من غير مواجهتهم بالأمر بالخروج لشدة حيائه فيطيل الغيبة عنهم بالتشاغل بالسلام على
نسائه وهم في شغل بالهم وكان أحدهم في أثناء ذلك أفاق من غفلة فخرج وبقي الاثنان فلما طال
ذلك ووصل النبي إلى منزله فرأهما فرجع فرأياه لما رجع فحينئذ فطنا فخرجا فدخل النبي
وأنزلت الآية فأرخى الستر بينه وبين أنس خادمه أيضا ولم يكن له عهد بذلك يا أيها الذين آمنوا
لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم أي في الدخول بالدعاء إلى طعام أي فتدخلوا غير
ناظرين أي منتظرين إناه أي نضجه مصدر أنى يأني وبعده ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا
طعمتم أي أكلتم الطعام فانتشروا أي فاخرجوا من منزله ولا مستأنسين لحديث أي لا
تطيلوا الجلوس ليستأنس بعضكم بحديث بعض (إن ذلكم) أي المكث وإطالة الجلوس كان
يؤذي النبي فيستحي منكم أي من إخراجكم والله لا يستحي من الحق أي لا يترك بيانه
قوله (وفي الحديث قصة) أي طول وكلام أكثر من هذا (هذا حديث حسن غريب) وأصله في
الصحيحين (وروى ثابت عن أنس هذا الحديث بطوله) أخرجه مسلم في باب زواج زينب بنت
جحش ونزول الحجاب من كتاب النكاح
قوله (حدثنا أشهل بن حاتم) الجمحي مولاهم أبو عمرو (1) وقيل أبو حاتم بصرى صدوق
يخطئ من التاسعة (قال ابن عون حدثناه عن عمرو بن سعيد) الضمير في قال راجع إلى أشهد
وابن عون مبتدأ وحدثناه خبره أي قال أشهد ابن عون حدثنا هذا الحديث عن عمرو بن سعيد
وابن عون هذا هو عبد الله بن عون وعمرو بن سعيد هو أبو سعيد البصري قوله (عرس بها)
من التعريس أي بنى بها قال في النهاية أعرس الرجل فهو معرس إذا دخل بامرأته عند بنائها ولا
يقال فيه عرس قلت قوله ولا يقال فيه عرس ترده رواية الترمذي هذه وقال في المجمع قيل هو
أي عرس لغة في أعرس (فاحتبس) الحبس المنع واحتبسه حبسه فاحتبس لازم ومتعد كذا
58
القاموس (فنزلت آية الحجاب) وهي قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي
إلخ
قوله (عن الجعد أبي عثمان) قال في التقريب الجعد بن دينار اليشكري أبو عثمان الصيرفي
البصري صاحب الحلى ثقة من الرابعة قوله (فدخل بأهله) هي زينب بنت جحش (فصنعت
أمي أم سليم حيسا) هو الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن وقد يجعل عوض الأقط الدقيق أو
الفتيت (فجعلته في تور) بفتح تاء وسكون واو هو إناء من صفر أو حجارة كالإجانة وقد يتوضأ منه
(قال زهاء ثلاثمائة) بضم الزاي وفتح الهاء وبالمد أي قدر ثلاث مائة من زهوت القوم أي حزرتهم
وهو بالنصب على تقدير كانوا وقيل برفعه أي عددنا مقدار ثلاثمائة هات بكسر التاء أي أعطني
(حتى امتلأت الصفة) بضم صاد وتشديد فاء هو موضع مظلل في مسجد المدينة وأهل الصفة
فقراء المهاجرين ومن لم يكن له منهم منزل يسكنه فكانوا يأوون إليه (ليتحلق) الحلقة بفتح الحاء
وسكون اللام هي الجماعة من الناس مستديرون كحلقة الباب وغيره والتحلق تفعل منها وهو أن
يتعمدوا ذلك ارفع أي الطعام (حين وضعت) أي الطعام قال الحافظ بعد ذكر هذا الحديث عن
59
صحيح مسلم ويجمع بينه وبين رواية حميد (يعني عن أنس قال أولم رسول الله حين بنى بزينب
ابنة جحش فأشبع الناس خبزا ولحما) بأنه أولم عليه باللحم والخبز وأرسلت إليه أم سليم
الحيس انتهى
وقال النووي وفي هذا الحديث أنه يستحب لأصدقاء المتزوج أن يبعثوا إليه بطعام
يساعدونه به على وليمته وفيه الاعتذار إلى المبعوث إليه وقول الإنسان نحو قول أم سليم هذا منا
لك قليل انتهى (وزوجته مولية وجهها) وكذلك في صحيح مسلم وزوجته بالتاء قال النووي
هكذا هو في جميع النسخ بالتاء وهي لغة قليلة تكررت في الحديث والشعر المشهور حذفها
(فثقلوا) بفتح المثلثة وضم القاف (قال أنس أنا أحدث الناس عهدا بهذه الآيات) يعني أول الناس
علما بهذه الآية فعلمتها أولا ثم علمها الناس قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه
مسلم والنسائي وابن أبي حاتم وعلقه البخاري في كتاب النكاح فقال وقال إبراهيم بن طهمان عن
الجعد أبي عثمان عن أنس فذكر نحوه
قوله (عن نعيم بن عبد الله المجمر) كنيته أبو عبد الله المدني مولى آل عمر يعرف بالمجمر
بسكون الجيم وضم الميم الأولى وكسر الثانية وكذا أبوه ثقة من الثالثة (وعبد الله بن زيد الذي كان
60
أدى النداء لبالصلاة) يعني عبد الله بن زيد والد محمد هذا هو الذي أدى النداء بالصلاة وفي رواية
مسلم وعبد الله بن زيد هو الذي كان أدى النداء بالصلاة (عن أبي مسعود الأنصاري) اسمه عقبة
بن عمرو صاحبي بدري جليل قوله (فقال له بشير بن سعد) بن ثعلبة بن جلاس الأنصاري
الخزرجي صحابي جليل بدري استشهد بعين التمر (أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي
عليك) أي أمرنا الله تعالى بقوله صلوا عليه وسلموا تسليما فكيف نلفظ بالصلاة (حتى ظننا)
من الظن وفي رواية مسلم حتى تمنينا من التمني (أنه لم يسأله) قال النووي معناه كرهنا سؤاله مخافة
من أن يكون النبي كره سؤاله وشق عليه وبارك على إبراهيم وعلى محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل
إبراهيم قال العلماء معنى البركة هنا الزيادة من لخير والكرامة وقيل هي بمعنى التطهير والتزكية
قال النووي والسلام كما قد علمتم معناه قد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام علي فأما الصلاة
فهذه صفتها وأما السلام فكما علمتم في التشهد وهو قولهم السلام عليك أيها النبي ورحمة الله
وبركاته وقوله علمتم هو بفتح العين وكسر اللام المخففة ومنهم من رواه بضم العين وتشديد
اللام أي علمتكموه وكلاهما صحيح قوله (وفي الباب عن علي وأبي حميد إلخ) أما حديث علي
فأخرجه النسائي وأما حديث أبي حميد فأخرجه الشيخان وأما حديث كعب بن عجرة فأخرجه
الجماعة وأما حديث طلحة بن عبيد الله فأخرجه النسائي وأما حديث أبي سعيد فأخرجه
البخاري والنسائي وابن ماجة وأما حديث زيد بن خارجة فأخرجه أحمد والنسائي وأما حديث
بريدة فأخرجه أحمد وفي سنده أبو داود الأعمى اسمه نفيع وهو ضعيف جدا ومتهم بالوضع وفي
الباب أحاديث أخرى إن شئت الوقوف على ألفاظ هذه الأحاديث فراجع النيل قوله (هذا
حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
61
قوله (عن عوف) هو ابن أبي جميلة الأعرابي (عن الحسن) هو البصري (ومحمد) هو ابن
سيرين (وخلاس) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام وآخره مهملة هو ابن عمرو الهجري قوله
كان رجلا حييا بفتح الحاء المهملة وكسر التحتانية الخفيفة بعدها أخرى مثقلة بوزن فعيل من
الحياء أي ذا حياء ستيرا بفتح السين بوزن كريم ويقال ستيرا بكسر السين وتشديد الفوقية
المسكورة بوزن سكين أي ذا تستر يستتر في الغسل ما يرى من جلده شئ استحياء منه هذا
يشعر بأن اغتسال بني إسرائيل عراة بمحضر منهم كان جائزا في شرعهم وإنما اغتسل موسى وحده
استحياء فآذاه من آذاه بالمد فيهما من الإيذاء إما برص محركة بياض يظهر في ظاهر البدن
لفساد مزاج وإما أدرة بضم الهمزة وسكون الدال في الخصية يقال رجل آدر بين الأدر بفتح
الهمزة والدال ووقع في رواية ابن مردويه عن عوف الجزم بأنهم قالوا إنه آدر وإن الله أراد أن
يبرئه بتشديد الراء من التبرئة أي ينزهه عن نسبة ذلك العيب وإن موسى خلا يوما وحده أي
انفرد عن الناس يوما حال كونه منفردا عدا بثوبه أي فر ومضى مسرعا ثوبي حجر ثوبي حجر
أي أعطني ثوبي أو رد ثوبي وحجر بالضم على حذف النداء حتى انتهى إلى ملأ أي جماعة
والظاهر أن فيهم المؤذين فرأوه عريانا أي أبصروه حال كونه عريانا وطفق بكسر الفاء
أخذ وشرع بالحجر ضربا يضربه ضربا فالجار متعلق بالفعل المقدر كما في قوله سبحانه فطفق
مسحا بالسوق والأعناق فوالله إن بالحجر لندبا بالتحريك أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد
فشبه به أثر الضرب في الحجر قال الحافظ ظاهره أنه بقية الحديث وقد بين في رواية همام في
الغسل أنه قول أبي هريرة انتهى ولفظ رواية همام عند البخاري في الغسل هكذا قال أبو هريرة
والله إنه لندب بالحجر ستة أو سبعة ضربا بالحجر فذلك قوله يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا
62
كالذين آذوا موسى أي لا تؤذوا نبيكم كما آذى بنو إسرائيل موسى وهو قولهم إنه آدر فبرأه الله مما
قالوا أي فطهره الله مما قالوا فيه وكان عند الله وجيها أي كريما ذا جاه وقدر ومما أوذي به نبينا
أنه قسم قسما فقال رجل هذه قسمة ما أريد بها وجه الله فغضب النبي من ذلك وقال
يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر رواه البخاري
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
35 باب ومن سورة سبأ
مكية إلا ويرى الذين أوتوا العلم الآية
وهي أربع أو خمس وخمسون آية قوله (أخبرنا أبو أسامة) اسمه حماد بن أسامة (عن الحسن بن
الحكم النخعي) كنيته أبو الحكم الكوفي صدوق يخطئ من السادسة (حدثني أبو سبرة النخعي) الكوفي يقال اسمه
عبد الله بن عابس مقبول من الثالثة (عن فروة بن مسيك) بضم الميم وبفتح السين المهملة مصغرا
المرادي ثم الغطيفي صحابي سكن الكوفة يكنى أبا عمير واستعمله عمر قوله (من أدبر) أي
عن الإسلام (بمن أقبل منهم) أي مع من آمن من قومي (في قتالهم) أي في قتال من أدبر من قومي
(وأمرني) أي جعلني أميرا ما فعل الغطيفي يعني فروة بن مسيك (فأخبر) بصيغة المجهول
(فأرسل في أثري) بفتحتين وبكسر الهمزة وسكون المثلثة أي عقبى قال في القاموس خرج في
63
أثره وإثره أي بعده (فردني) أي فأرجعني ادع القوم أي إلى الإسلام فأقبل منه أي فأقبل
الإسلام منه فلا تعجل أي بقتالهم حتى أحدث إليك يعني حتى آمرك بأمر حادث جديد (وأنزل
في سبأ) بفتح السين والموحدة وبالهمزة والمراد بها القبيلة التي هي من أولاد سبأ ابن يشجب بن
يعرب بن قحطان بن هود (ما أنزل) أي من الآيات ولد عشرة بالنصب إذا كان ولد بصيغة
المعلوم وبالرفع إذا كان بصيغة المجهول أي ولد له عشرة وكذلك في رواية أحمد فتيامن منهم ستة
أي أخذوا ناحية اليمن وسكنوا بها وتشاءم منهم أربعة أي قصدوا جهة الشام فلخم بفتح
اللام وسكون الخاء المعجمة وجذام بضم الجيم وبالذال المعجمة بوزن غراب (وغسان) بالغين
المعجمة وتشديد السين المهملة بوزن شداد وعاملة بكسر الميم قال في القاموس بنو عاملة بن سبأ
حي باليمن وأما الذين تيامنوا فالأزد بفتح الهمزة وسكون الزاي وبالدال المهملة (والأشعرون)
قال في القاموس الأشعر أبو قبيلة باليمن منهم أبو موسى الأشعري ويقولون جاءتك الأشعرون
بحذف ياء النسب وحمير بكسر الحاء وسكون الميم بوزن درهم وكندة بكسر الكاف وسكون
النون (ومذحج) بفتح الميم وسكون ذال معجمة وكسر حاء مهملة وبجيم (وأنمار) بفتح الهمزة
وسكون النون (الذين منهم خثعم) بوزن جعفر (وبجيلة) بفتح الموحدة وكسر الجيم كسفينة
قوله (هذا حديث غريب حسن) وأخرجه أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وأخرجه أبو داود
مختصرا في كتاب الحروف والقراءات
قوله (عن عمرو) هو ابن دينار إذا قضى الله في السماء أمرا أي إذا حكم الله عز وجل
بأمر من الأمور ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا بفتحتين من الخضوع وفي رواية بضم أوله
وسكون ثانيه وهو مصدر بمعنى خاضعين قاله الحافظ لقوله أي لقول الله تعالى كأنها أي كلماته
64
المسموعة وفي رواية البخاري كأنه أي القول المسموع سلسلة أي من الحديد على صفوان
هو الحجر الأملس فإذا فزع عن قلوبهم بضم الفاء وتشديد الزاي وبالعين المهملة أي كشف
عنهم الفزع وأزيل قالوا أي سأل بعضهم بعضا قالوا الحق أي قال الله القول الحق قيل
المجيبون هم الملائكة المقربون كجبرئيل وميكائيل وغيرهما قلت ويؤيده حديث ابن مسعود
الآتي وهو العلي الكبير أي ذو العلو والكبرياء وفي حديث ابن مسعود عند أبي داود قال إذا
تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات صلصلة كجر السلسلة على الصفاة فيصعقون فلا يزالون
كذلك حتى يأتيهم جبريل فإذا جاء فزع عن قلوبهم فيقولون يا جبرائيل ماذا قال ربك فيقول الحق
فيقولون الحق والشياطين بعضهم فوق بعض أي لاستراق السمع زاد البخاري فيسمعها
مسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من
تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن
يدركه فيكذب معها مائة كذبة فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا فيصدق بتلك
الكلمة التي من السماء
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجة
قوله (حدثنا عبد الأعلى) هو ابن عبد الأعلى (عن علي بن حسين) بن علي ابن أبي طالب
الهاشمي المدني المعروف بزين العابدين قوله (إذا رمي بنجم) أي قذف به والمعنى انقض كوكب
وهو جواب بينما (فاستنار) أي الجو به ما كنتم تقولون لمثل هذا في الجاهلية إذا رأيتموه ليس
سؤاله صلى الله عليه وسلم للاستعلام لأنه كان عالما بذلك بل لأن يجيبوا عما كانوا يعتقدونه في الجاهلية فيزيله عنهم
ويقلعه عن أصله (يموت عظيم) أي رجل عظيم لا يرمي بصيغة المجهول به أي بالنجم
لموت أحد ولا لحياته أي ولا لحياة أحد آخر تبارك اسمه أي تكاثر خير اسمه حتى يبلغ التسبيح
أي صوته أو نوبته إلى هذه السماء أي السماء الدنيا فيخبرونهم أي أهل السماء السادسة بما قال الله
65
تعالى حتى يبلغ الخبر أي يصل وتختطف الشياطين من
الاختطاف أي تسترق فيرمون بصيغة المجهول أي الشياطين يقذفون بالشهب فيقذونه أي ما
سمعوه من الملائكة إلى أوليائهم من الكهنة والمنجمين فما جاءوا به أي أوليائهم على وجهه
أي من غير تصرف فيه فهو حق أي كائن واقع (ويزيدون) أي يزيدون فيه دائما كذبات أخر
منضمة إليه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد (وقد روى هذا الحديث عن
الزهري عن علي بن حسين عن ابن عباس عن رجال من الأنصار إلخ) أخرجه مسلم
36 باب ومن سورة الملائكة
وتسمى سورة فاطر مكية وهي خمس أو ست وأربعون آية
قوله ثم أورثنا أي أعطينا الكتاب أي القرآن الذين اصطفينا من عبادنا هم أمة
محمد صلى الله عليه وسلم فمنهم ظالم لنفسه بالتقصير في العمل به ومنهم مقتصد يعمل به في أغلب الأوقات
ومنهم سابق بالخيرات يضم إلى العمل به التعليم والإرشاد إلى العمل بإذن الله أي بإرادته
66
(قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء أي الأنواع الثلاثة كلهم بمنزلة واحدة وكلهم في الجنة قال
الحافظ ان كثير في تفسيره معناه أي في أنهم من هذه الأمة وأنهم من أهل الجنة وإن كان بينهم
فرق في المنازل في الجنة وقال قال علي بن طلحة عن ابن عباس فقوله تعالى ثم أورثنا
الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا قال هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله تعالى كل كتاب أنزله
فظالمهم يغفر له ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب وكذا
روي عن غير واحد من السلف أن الظالم لنفسه من هذه الأمة من المصطفين على ما فيه من عوج
وتقصير وقال آخرون بل الظالم لنفسه ليس من هذه الأمة ولا من المصطفين الوارثين للكتاب
والصحيح أن الظالم لنفسه من هذه الأمة وهذا اختيار ابن جرير كما هو ظاهر الآية وكما جاءت به
الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق يشد بعضها بعضا فذكرها ومنها حديث الباب ومنها
حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى ثم أورثنا
الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن
الله فأما الذين سبقوا فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب وأما الذين اقتصدوا فأولئك
الذين يحاسبون حسابا يسيرا وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك الذين يحبسون في طول المحشر ثم
هم الذين تلافاهم الله برحمته فهم الذين يقولون (الحمد لله الذين أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور
شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب رواه أحمد
قوله (هذا حديث غريب حسن) وأخرجه أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وفي أسانيد كلهم من لم
يسم فتحسين الترمذي له لشواهده
67
(سورة يس)
مكية وهي ثلاث وثمانون آية
قوله: (عن أبي نضرة) العبدي الواسطي قوله (كانت بنو سلمة) بكسر اللام بطن من
الأنصار وليس في العرب سلمة بكسر اللام غيرهم (فأرادوا النقلة) بضم النون وسكون القاف أي
الانتقال إنا نحن نحيي الموتى أي يوم القيامة وفيه إشارة إلى أن الله تعالى يحيي قلب من يشاء من
الكفار الذين قد ماتت قلوبهم بالضلالة فيهديهم بعد ذلك إلى الحق ونكتب ما قدموا أي في
حياتهم من خير وشر ليجازوا عليهم وآثارهم فيه قولان أحدهما نكتب أعمالهم التي باشروها
بأنفسهم وآثارهم التي أثروها من بعدهم فيجزيهم على ذلك أيضا إن خيرا فخير وإن شرا فشر
كقوله صلى الله عليه وسلم من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن
ينقص من أجورهم شيئا ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من
بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا رواه مسلم وهذا القول هو اختيار البغوي والقول
الثاني المراد بذلك آثار خطاهم إلى الطاعة أو المعصية قال ابن أبي نجيح وغيره عن مجاهد ما
قدموا أعمالهم وآثارهم قال خطاهم بأرجلهم وكذا قال الحسن وقتادة وآثارهم يعني خطاهم
ويدل على هذا القول الثاني حديث أبي سعيد هذا قال الحافظ ابن كثير وهذا القول الثاني لا
تنافي بينه وبين القول الأول بل في هذا تنبيه ودلالة على ذلك بطريق الأولى والأحرى فإنه إذا
كانت هذه الآثار تكتب فلأن تكتب تلك التي فيها قدوة بهم من خير وشر بطريق الأولى انتهى
إن آثاركم تكتب أي يكتب أجر خطاكم وثواب أقدامكم
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير والبزار
68
قوله (عن أبي ذر قال دخلت المسجد حين غابت الشمس إلخ) تقدم هذا الحديث
بإسناده ومتنه في باب طلوع الشمس من مغربها من أبواب الفتن وتقدم هناك شرحه
38 باب ومن سورة والصافات
مكية وهي مائة واثنتان وثمانون آية
قوله دعا أي أحدا إلى شئ أي من الشرك والمعصية إلا كان أي الداعي لازما له
أي للشئ الذي دعا إليه وظاهر رواية ابن جرير الآتية يدل على أن الضمير المرفوع في كان راجع
إلى المدعو والمجرور في له إلى الداعي فتفكر وتأمل وإن وصلية دعا رجل رجلا أي إلى شئ
وروى ابن جرير هذا الحديث بلفظ أيما رجل دعا رجلا إلى شئ كان موقوفا لازما بغاربه لا
يفارقه ثم قرأ هذه الآية وقفوهم إنهم مسؤولون أي احبسوهم عند الصراط حتى يسألوا عن
أعمالهم وأقوالهم التي صدرت عنهم في الدار الدنيا مالكم لا تناصرون أي يقال لهم تقريعا
وتوبيخا ما لكم لا ينصر بعضكم بعض كحالكم في الدنيا قوله (هذا حديث غريب)
وأخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير وفي سنده ليث بن أبي سليم وكان قد اختلط أخيرا ولم يتميز
69
حديثه فترك وفيه أيضا بشر عن أنس وهو مجهول
قوله وأرسلناه أي يونس عليه وعلى نبينا الصلاة السلام إلى مائة ألف أو يزيدون
قال ابن عباس معناه ويزيدون وقيل معناه بل يزيدون وقيل أو على أصلها والمعنى أو يزيدون في
تقدير الرائي إذا رآهم قال هؤلاء مائة ألف أو يزيدون على ذلك فالشك على المخلوقين قال
الخازن والأصح هو قول ابن عباس الأول وأما الزيادة تقدير فقال ابن عباس كانوا عشرين ألفا
ويعضده ما روي عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه (يعني حديث الباب الذي نحن في
شرحه) وقيل يزيدون بضعا وثلاثين ألفا وقيل سبعين ألفا انتهى (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم
عشرون ألفا وبه قال ابن عباس وفي رواية عنه كانوا مائة وثلاثين ألفا وعنه مائة ألف وبضعة
وأربعين وعنه مائة ألف وبضعة وثلاثين ألفا
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير وفي سنده مجهول
قوله (حدثنا سعيد بن بشير) الأزدي مولاهم أبو عبد الرحمن أو أبو مسلمة الشامي أصله من
البصرة أو واسط ضعيف من الثامنة قوله وجعلنا ذريته أي ذرية نوح عليه وعلى نبينا الصلاة
والسلام هم الباقين أي وحدهم دون غيرهم كما يشعر به ضمير الفصل وذلك لأن الله أهلك
الكفرة بدعائه ولم يبق منهم باقية ومن كان معه في السفينة من المؤمنين ماتوا كما قيل ولم يبق إلا
أولاده (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم حام وسام ويافث قال سعيد بن المسيب ولد نوح عليه السلام
ثلاثة سام ويافث وحام وولد كل واحد من هؤلاء الثلاثة ثلاثة فولد سام العرب وفارس والروم
وولد يافث الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج وولد حام القبط والسودان والبربر وروي عن
وهب بن منبه نحو هذا قوله (بالتاء) أي الفوقية (والثاء) أي المثلثة وبكسر الفاء فيهما (ويقال
يفث) أي بحذف الألف وبالمثلثة قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه بن جريج وابن أبي
70
حاتم وفي سماع الحسن من سمرة كلام معروف وسعيد بن بشير ضعيف كما عرفت قوله
ويافث أبو الروم المراد بالروم ههنا هم الروم الأول وهم اليونان المنسوبون إلى رومي بن
ليطي بن يونان بن نوح عليه السلام قاله ابن كثير وحديث سمرة هذا أخرجه أيضا أحمد وأبو
يعلى وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه
39 باب ومن سورة ص
مكية وهي ست أو ثمان وثمانون آية
قوله (حدثنا أبو أحمد) هو الزبيري (عن يحيى) قال في تهذيب التهذيب يحيى بن عمارة
ويقال ابن عباد وقيل عبادة كوفي روى عن ابن عباس قصة موت أبي طالب وعنه الأعمش ذكره
ابن حبان في الثقات قال الحافظ وجزم بكونه يحيى بن عمارة وكذا البخاري ويعقوب بن شيبة
قوله (مرض أبو طالب فجاءته قريش وجاءه النبي) وفي رواية ابن جرير وغيره لما مرض أبو
طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل فقالوا إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل
ويفعل ويقول ويقول فلو بعثت إليه فنهيته فبعث إليه فجاء النبي فدخل البيت (مجلس رجل)
أي موضع جلوس رجل (كي يمنعه) أي النبي عن الجلوس فيه وفي رواية ابن جرير وغيره
وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس رجل فخشي أبو جهل لعنه الله إن جلس إلى جنب أبي طالب أن
يكون أرق له عليه فوثب فجلس في ذلك المجلس ولم يجد رسول الله مجلسا قرب عمه فجلس
عند الباب (وشكوه إلى أبي طالب) أي قالوا له إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول
71
ويقول كما في رواية ابن جرير (فقال) أي أبو طالب لرسول الله (يا ابن أخي ما تريد من
قومك) وفي رواية ابن جرير فقال له أبو طالب أي ابن أخي ما بال قومك يشكونك ويزعمون أنك
تشتم آلهتهم وتقول وتقول أريد منهم كلمة تدين لهم بها العرب أي تطيعهم وتخضع لهم العرب
بتلك الكلمة وتؤدي إليهم العجم الجزية أي تعطيهم العجم الجزية بسبب تلك الكلمة (قال) أي
أبو طالب كلمة واحدة أي تريد كلمة واحدة (قال) أي النبي (كلمة
واحدة) أي أريد منهم كلمة واحدة (فقالوا إلها واحدا) أي أتجعل الآلهة إلها واحدا ما سمعنا
بهذا أي بالذي تقوله من التوحيد في الملة الآخرة وهي ملة النصرانية فإنها آخر الملل قبل ملة
الإسلام كذا قال محمد بن كعب القرظي وقتادة ومقاتل والكلبي والسدي وبه قال ابن عباس
وقال مجاهد يعنون به ملة قريش أي التي أدركنا عليها آباءنا وعن قتادة مثله إن هذا أي ما هذا
إلا اختلاق أي كذب اختلقه محمد ص والقرآن ذي الذكر إلخ الآيات بتمامها مع تفسيرها
هكذا ص الله أعلم بمراده به والقرآن ذي الذكر أي والقرآن المشتمل على ما فيه ذكر للعباد
ونفع لهم في المعاش والمعاد كقوله تعالى لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أي تذكيركم وقال
ابن عباس رضي الله عنهما ذي الذكر أي ذي الشرف وذي الشأن والمكانة قال ابن كثير ولا
منافاة بين القولين فإنه كتاب شريف مشتمل على التذكير انتهى وجواب هذا القسم محذوف أي
ليس الأمر كما قال كفار مكة من تعدد الآلهة بل الذين كفروا في عزة أي حمية وتكبر عن الإيمان
وشقاق أي خلاف وعداوة للنبي كم أي كثيرا أهلكنا من قبلهم من قرن أي أمة من
الأمم الماضية فنادوا أي بالتوحيد حين تولت الدنيا عنهم وقيل استغاثوا عند نزول العذاب
وحلول النقمة ولات حين مناص أي ليس الحين حين فرار ولات هي لا المشبهة بليس زيدت
عليها تاء التأنيث كما زيدت على رب وثم للتوكيد وتغير بذلك حكمها حيث لم تدخل إلى علي
الأحيان ولم يبرز إلا أحد مقتضييها إما الاسم والخبر وامتنع بروزهما جميعا وهذا مذهب الخليل
وسيبويه وعند الأخفش أنها لا النافية للجنس زيدت عليها التاء وخصت بنفي الأحيان والجملة
حال من فاعل نادوا أي استغاثوا والحال أن لا مهرب لهم ولا منجا وعجبوا أن جاءهم منذر
منهم أي رسول من أنفسهم ينذرهم ويخوفهم بالنار بعد البعث وهو النبي وقال الكافرون
فيه وضع الظاهر موضع المضمر هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا
72
أي أزعم أن المعبود واحد لا إله إلا هو حيث قال لهم قولوا لا إله إلا الله إن هذا لشئ عجاب أي عجيب وانطلق
الملأ منهم أي من مجلس اجتماعهم عند أبي طالب وسماعهم من النبي قولوا لا إله إلا الله أن
امشوا أي يقول بعضهم لبعض امشوا وامضوا على ما كنتم عليه ولا تدخلوا في دينه واصبروا
على آلهتكم أي أثبتوا على عبادتها إن هذا لشئ يراد أي إن هذا الذي يدعونا إليه محمد من
التوحيد لشئ يريد به الشرف عليكم والاستعلاء وأن يكون له منكم ابتاع ولسنا نجيبه إليه ما
سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق تقدم تفسيره قوله (هذا حديث حسن صحيح)
وأخرجه أحمد والنسائي والحاكم والبيهقي في الدلائل وابن جرير وابن المنذر
قوله (وقال) أي الأعمش (يحيى بن عمارة) يحيى بن عمارة هذا هو يحيى ابن عباد المذكور
في الإسناد المتقدم قوله أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة الظاهر أن إتيانه تعالى
كان في المنام يدل على ذلك قول الراوي أحسبه في المنام ويدل على ذلك أيضا حديث معاذ بن جبل
الآتي ففيه فنعست في صلاتي فاستثقلت فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة قال القاري في
المرقاة إذا كان هذا في المنام فلا إشكال فيه إذ الرائي قد يرى غير المتشكل متشكلا والمتشكل بغير
شكله ثم لم يعد ذلك بخلل في الرؤيا ولا في خلد الرائي بل له أسباب أخر تذكر في علم المنام أي
التعبير ولولا تلك الأسباب لما افتقرت رؤيا الأنبياء عليهم السلام إلى تعبير وإن كان في اليقظة
وعليه ظاهر ما روى أحمد بن حنبل فإن فيه فنعست في صلاتي حتى استيقظت فإذا أنا بربي عز
وجل في أحسن صورة الحديث فذهب السلف في أمثال هذا الحديث إذا صح أن يؤمن بظاهره
ولا يفسر بما يفسر به صفات الخلق بل ينفي عنه الكيفية ويوكل علم باطنه إلى الله تعالى فإنه يرى
رسوله ما يشاء من رواه أستار الغيب بما لا سبيل لعقولنا إلى إدراكه لكن ترك التأويل في هذا
الزمان مظنة الفتنة في عقائد الناس لفشو اعتقادات الضلال وإن تأول بما يوافق الشرع على وجه
الاحتمال لا القطع حتى لا يحمل على ما لا يجوز شرعا فله وجه فقوله في أحسن صورة يحتمل أن
يكون معناه رأيت ربي حال كوني في أحسن صورة وصفة من غاية إنعامه ولطفه علي أو حال كون
73
الرب في أحسن صورة وصورة الشئ ما يتميز به عن غيره سواء كان عين ذاته أو جزءه المميز له
عن غيره أو صفته المميزة وكما يطلق ذلك في الجثة يطلق في المعاني يقال في صورة المسألة كذا
وصورة الحال كذا فصورته تعالى والله أعلم ذاته المخصوصة المنزهة عن مماثلة ما عداه من الأشياء
البالغة إلى أقصى مراتب الكمال أو صفته المخصوصة به أي كان ربي أحسن إكراما ولطفا من وقت
آخر كذا نقله الطيبي والتروبشتي انتهى ما في المرقاة
قلت الظاهر الراجح أنه كان في المنام فإن رواية الترمذي الآتية أرجح من رواية أحمد قال
ابن حجر المكي والظاهر أن رواية حتى استيقظت تصحيف فإن المحفوظ من رواية أحمد
والترمذي حتى استثقلت انتهى وقال الحافظ ابن كثير بعد نقل هذا الحديث عن مسند الإمام
أحمد وهو حديث المنام المشهور ومن جعله يقظة فقد غلط انتهى وعلى تقدير كون ذلك في
اليقظة فمذهب السلف في مثل هذا من أحاديث الصفات إمراره كما جاء من غير تكييف ولا تشبيه
ولا تعطيل والإيمان به من غير تأويل له والسكوت عنه وعن أمثاله مع الإعتقاد بأن الله تعالى ليس
كمثله شئ وهو السميع البصير ومذهب السلف هذا هو المتعين ولا حاجة إلى التأويل وأما
القول بأن ترك التأويل في هذا الزمان مظنة الفتنة في عقائد الناس لفشو إعتقادات الضلال فمما لا
التفات إليه أي في أي شئ يختصم أي يبحث الملأ الأعلى أي الملائكة المقربون والملأ
هم الأشراف الذين يملأون المجالس والصدور عظمة وإجلالا ووصفوا بالأعلى إما لعلو مكانهم
وإما لعلو مكانتهم عند الله تعالى واختصامهم إما عبارة عن تبادرهم إلى إثبات تلك الأعمال
والصعود بها إلى السماء وإما عن تقاولهم في فضلها وشرفها وإما عن اغتباطهم الناس بتلك
الفضائل لاختصاصهم بها وتفضلهم على الملائكة بسببها مع تهافتهم في الشهوات وإنما سماه
مخاصمة لأنه ورد مورد سؤال وجواب وذلك يشبه المخاصمة والمناظرة فلهذا السبب حسن إطلاق
لفظ المخاصمة عليه (قال) أي النبي فوضع أي ربي يده أي كفه بين كتفي بتشديد الياء
وهو كناية عن تخصيصه إياه بمزيد الفضل عليه وإيصال الفيض إليه فإن من شأن المتلطف بمن
يحنو عليه أن يضع كفه بين كتفيه تنبيها على أنه يريد بذلك تكريمه وتأييده قاله القاري قلت قد
عرفت مذهب السلف في مثل هذا وهو المعتمد بين ثديي بالتثنية والإضافة إلى ياء المتكلم أي
قلبي أو صدري (أو قال في نحري) شك من الراوي نعم الكفارات أي يختصمون في
74
الكفارات والكفارات مبتدأ وخبره المكث في المسجد إلخ وسميت هذه الخصال الكفارات لأنها
تكفر الذنوب عن فاعلها فهي من باب تسمية الشئ باسم لازمه المكث في القاموس المكث
مثلثا ويحرك أي اللبث (في المسجد) وفي بعض النسخ في المساجد وإسباغ الوضوء أي إكماله في
المكاره أي في شدة البرد ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير قال الله تعالى من عمل
صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا
يعملون وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه أي فيه بفتح يوم قال الطيبي مبني على الفتح
لإضافته إلى الماضي وإذا أضيف إلى المضارع اختلف في بنائه أي كان مبرأ كما كان مبدأ يوم ولدته
أمه إذا صليت أي فرغت من الصلاة فعل الخيرات بكسر الفاء وقيل بفتحها وقيل الأول اسم
والثاني مصدر والخيرات ما عرف من الشرع من الأقوال الحميدة والأفعال السعيدة وترك
المنكرات هي التي لم تعرف من الشرع من الأقوال القبيحة والأفعال السيئة وإذا أردت بعبادك
فتنة أي ضلالة أو عقوبة دنيوية فاقبضني بكسر الموحدة أي توفني غير مفتون أي غير منال أو
غير معاقب (قال) أي النبي والدرجات مبتدأ أي ما ترفع به الدرجات إفشاء السلام أي
بذله على من عرفه ومن لم يعرفه وإنما عدت هذه الأشياء من الدرجات لأنها فضل منه على ما وجب
عليه فلا جرم استحق بها فضلا وهو علو الدرجات والناس نيام جمع نائم والجملة حالية
قوله (حدثني أبي) هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي (عن خالد بن اللجلاج) العامري
ويقال مولى بني زهرة كنيته أبو إبراهيم الحمصي ويقال الدمشقي صدوق فقيه من الثانية قوله
75
فقلت لبيك من التلبية وهي إجابة المنادي أي أجابني لك يا رب وهو مأخوذ من لب بالمكان
وألب إذا أقام به وألب على كذا لم يفارقه ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير أي
إجابة بعد إجابة وهو منصوب على المصدر بعامل لا يظهر كأنك قلت ألب إلبابا بعد إلباب والتلبية
من لبيك كالتهليل من لا إله إلا الله ربي بحذف حرف النداء وسعديك أي ساعدت طاعتك
مساعدة بعد مساعدة وإسعادا بعد إسعاد ولهذا حدثني وهو من المصادر المنصوبة بفعل لا يظهر في
الاستعمال قال الجرمي لم يسمع سعديك مفردا رب بحذف حرف النداء وياء الإضافة
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد ومحمد بن نصر في كتاب
الصلاة قوله (وفي الباب عن معاذ بن جبل وعبد الرحمن بن عائش) أما حديث معاذ فأخرجه
الترمذي بعد هذا وأما حديث عبد الرحمن بن عائش فأخرجه الدارمي والبغوي في شرح
السنة
قوله (حدثنا محمد بن بشار إلخ) لم يقع هذا الحديث في بعض نسخ الترمذي (حدثنا
معاذ بن هانئ أبو هانئ السكري) القيسي ويقال العيشي ويقال اليشكري ويقال البهراني
البصري ثقة من كبار العاشرة (حدثنا جهضم بن عبد الله) بن أبي الطفيل القيسي مولاهم اليماني
وأصله من خراسان صدوق يكثر عن المجاهيل من الثامنة (عن زيد بن سلام) بن أبي سلام ممطور
76
الحبشي (عن أبي سلام) بتشديد اللام اسمه ممطور الأسود الحبشي (عن عبد الرحمن بن عائش)
بتحتانية ومعجمة (الحضرمي) أو السكسي يقال له صحبه وقال أبو حاتم من قال في روايته
سمعت النبي فقد أخطأ قوله (احتبس) بصيغة المعلوم وروي مجهولا (ذات غداة) لفظ
ذات مقحمة أي غداة (من صلاة الصبح) كذا في النسخ الموجودة وفي رواية أحمد وفي المشكاة
عن صلاة الصبح بلفظ عن قال القاري بدل اشتمال بإعادة الجار (حتى كدنا) أي قاربنا
(نتراءى) أي نرى وعدل عنه إلى ذلك لما فيه من كثرة الاعتناء بالفعل وسبب تلك الكثرة خوف
طلوعها المفوت لأداء الصبح (خرج سريعا) أي مسرعا أو خروجا سريعا (فثوب بالصلاة) من
التثويب أي أقيم بها (وتجوز في صلاته) أي خفف فيها واقتصر على خلاف عادته (دعا) أي نادى
على مصافكم أي أثبتوا عليها جمع مصف وهو موضع الصف كما أنتم أي على ما أنتم عليه أو
ثبوتا مثل الثبوت الذي أنتم عليه قبل النداء من غير تغيير وتقديم وتأخير (ثم انفتل إلينا) أي توجه
إلينا وأقبل علينا أما بالتخفيف للتنبيه ما حبسني ما موصولة فنعست من النعاس وهو النوم
الخفيف من باب نصر وفتح فاستثقلت بصيغة المعلوم أو المجهول أي غلب علي النعاس (فإذا)
للمفاجأة قالها ثلاثا أي قال الله تعالى هذه المقولة ثلاثا فتجلى لي أي ظهر وانكشف لي
77
وأسألك حبك قال الطيبي يحتمل أن يكون معناه أسألك حبك إياي أو حبي إياك وعلى هذا
يحمل قوله وحب من يحبك إنها أي هذه الرؤيا حق إذ رؤيا الأنبياء وحي فادرسوها أي
فاحفظوا ألفاظها التي ذكرتها لكم في ضمنها أو أن هذه الروايات حق فادرسوها أي اقرأوها ثم
تعلموها أي معانيها الدالة هي عليها قال الطيبي أي لتعلموها فحذف اللام قوله (هذا
حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والطبراني والحاكم ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة وابن
مردويه قوله (وهذا غير محفوظ) أي كونه من مسند عبد الرحمن بن عايش غير محفوظ والمحفوظ
عن عبد الرحمن بن عايش عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل (وروى بشر) بكسر الموحدة
وسكون المعجمة (بن بكر) التنيسي البجلي دمشقي الأصل ثقة يغرب من التاسعة (عن عبد
الرحمن بن عائش عن النبي) أي بغير لفظ سمعت (وعبد الرحمن بن عايش لم يسمع من النبي)
قال في تهذيب التهذيب في ترجمته وقع عند أبي القاسم البغوي في إسناد حديثه للتصريح
بسماعه من النبي ولكن قال ابن خزيمة قول الوليد بن مسلم في هذا الإسناد عن عبد
الرحمن بن عائش سمعت النبي وهم لأن عبد الرحمن لم يسمع من النبي
تنبيه إعلم أن الترمذي أورد حديث ابن عباس وحديث معاذ بن جبل المذكورين ههنا في
تفسير قوله تعالى ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون لكن الاختصام المذكور في هذه
الآية غير الاختصام المذكور في الحديثين المذكورين قال ابن كثير وليس هذا الاختصام (يعني
المذكور في حديث معاذ بن جبل وحديث ابن عباس) هو الاختصام المذكور في القرآن فإن هذا قد
78
فسر وأما الاختصام الذي في القرآن فقد فسر بعد هذا وهو قوله تعالى (إذ قال ربك للملائكة
إني خالق بشرا من طين) إلخ
40 باب ومن سورة الزمر
مكية إلا قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم الآية فمدنية
وهي خمس وسبعون اية
قوله (عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب) كنيته أبو محمد أو أبو بكر المدني ثقة من
الثالثة قوله ثم إنكم أيها الناس فيما بينكم من المظالم يوم القيامة عند ربكم تختصمون قبله
إنك ميت وإنهم ميتون قال الحافظ بن كثير في تفسيره معنى هذه الآية إنكم ستنقلون من هذه
الدار لا محالة وستجتمعون عند الله تعالى في الدار الآخرة وتختصمون فيما أنتم فيه في الدنيا من
التوحيد والشرك بين يدي الله عز وجل فيفصل بينكم ويفتح بالحق وهو الفتاح العليم فينجي
المؤمنين المخلصين الموحدين ويعذب الكافرين الجاحدين المشركين المكذبين ثم إن هذه الآية
وإن كان سياقها في المؤمنين والكافرين وذكر الخصومة بينهم في الدار الآخرة فإنها شاملة لكل
متنازعين في الدنيا فإنه تعاد عليهم الخصومة في الدار الآخرة قلت الأمر كما قال ابن كثير
ويؤيده حديث الزبير هذا وأحاديث أخرى ذكرها ابن كثير والله تعالى أعلم وقيل يعني المحق
والمبطل وقيل تخاصمهم يا محمد وتحتج عليهم بأنك قد بلغتهم وأنذرتهم وهم يخاصمونك أو
يخاصم المؤمن الكافر والظالم المظلوم (أتكرر) بصيغة المضارع المجهول من التكرير (علينا
الخصومة) أي يوم القيامة عند ربنا
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وابن ماجة وابن أبي حاتم
79
قوله (عن ثابت) هو ابن أسلم البناني يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم أي أفرطوا
عليها وتجاوزوا الحد في كل فعل مذموم لا تقنطوا بفتح النون وبكسرها أي لا تيأسوا من رحمة
الله أي من مغفرته إن الله يغفر الذنوب جميعا قال الحافظ ابن كثير هذه الآية الكريمة دعوة
لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة وإخبار بأن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب
جميعا لمن تاب منها ورجع عنها وإن كانت مهما كانت وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر ولا
يصح حمل هذه على غير توبة لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب منه ثم ذكر حديث ابن عباس رضي
الله عنهما أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا وزنوا وأكثروا فأتوا محمدا فقالوا إن
الذي تقول وتدعو إليه محسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزل والذين لا يدعون مع الله إلها
ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ونزل قل يا عبادي الذين أسرفوا على
أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ثم قال بعد ذكر
أحاديث أخرى ما لفظه فهذه الأحاديث كلها دالة على أن المراد أنه يغفر جميع ذلك مع التوبة
ولا يقنطن عبد من رحمة الله وإن عظمت ذنوبه وكثرت فإن باب الرحمة والتوبة واسع انتهى وقال
صاحب فتح البيان نقلا عن القاضي الشوكاني والحق أن الآية غير مقيدة بالتوبة بل هي على
إطلاقها قال والجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون
ذلك لمن يشاء هو أن كل ذنب كائنا ما كان ما عدا الشرك بالله مغفور لمن شاء الله أن يغفر له
على أنه يمكن أن يقال إن إخباره لنا بأنه يغفر الذنوب جميعا يدل على أنه يشاء غفرانها جميعا وذلك
يستلزم أنه يشاء المغفرة لكل المذنبين من المسلمين فلم يبق بين الآيتين تعارض من هذه الحيثية
انتهى قلت كل محتمل وما قال ابن كثير هو الظاهر عندي والله تعالى أعلم ولا يبالي أي من
أحد فإنه لا يجب على الله وفي رواية أحمد سمعته يقول يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم
لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي إنه هو الغفور الرحيم والظاهر من
هاتين الروايتين أن قوله ولا يبالي كان من القرآن ولذا قال صاحب المدارك تحت هذه الآية وفي
قراءة النبي عليه السلام يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي وقال القاري وهو يحتمل أنه كان من الآية
فنسخ ويحتمل أن يكون زيادة من عنده عليه الصلاة والسلام كالتفسير للآية قوله (هذا حديث
80
حسن غريب) وأخرجه أحمد وابن المنذر والحاكم (لا نعرفه إلا من حديث ثابت عن شهر بن
حوشب) وشهر هذا صدوق كثير الارسال والأوهام
قوله (عن إبراهيم) هو النخعي (عن عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة ابن عمر والسلواني
(عن عبد الله) هو ابن مسعود قوله (جاء يهودي) وفي رواية للشيخين جاء حبر (إن الله يمسك
السماوات) أي يوم القيامة كما في رواية (والخلائق) أي من لم يتقدم له ذكر وفي رواية وسائر الخلق
(حتى بدت نواجذه) جمع بنون وجيم مكسورة ثم ذال معجمة وهو ما يظهر عند الضحك من
الأسنان وقيل هي الأنياب وقيل الأضراس وقيل الدواخل من الأضراس التي في أقصى
الحلق وفي الرواية الآتية فضحك النبي تعجبا وتصديقا وفي رواية للبخاري فضحك
رسول الله تعجبا وتصديقا له وفي رواية مسلم تعجبا مما قال الحبر تصديقا له وفي رواية
جرير عنده وتصديقا له بزيادة واو قال النووي ظاهر الحديث أن النبي صدق الحبر في
قوله إن الله تعالى يقبض السماوات والأرضين والمخلوقات بالأصابع ثم قرأ الآية التي فيها
الإشارة إلى نحو ما يقول قال القاضي وقال بعض المتكلمين ليس ضحكة وتعجبه وتلاوته
الآية تصديقا للحبر بل هو رد لقوله وإنكار وتعجب من سوء اعتقاده فإن مذهب اليهود التجسيم
ففهم منه ذلك وقوله تصديقا له إنما هو من كلام الراوي على ما فهم والأول أظهر انتهى وقال
الئميمي تكلف الخطابي فيه وأتى في معناه ما لم يأت به السلف والصحابة كانوا أعلم بما رووه
وقالوا إنه ضحك تصديقا له وثبت في السنة الصحيحة ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من
أصابع الرحمن انتهى وقد اشتد إنكار ابن خزيمة على من ادعى أن الضحك المذكور كان على
سبيل الإنكار فقال بعد أن أورد هذا الحديث في كتاب التوحيد من صحيحه بطريقة قد أجل
الله تعالى نبيه عن أن يوصف ربه بحضرته بما ليس هو من صفاته فيجعل بدل الانكار
والغضب على الواصف ضحكا بل لا يوصف النبي بهذا الوصف من يؤمن بنبوته انتهى
قلت قول من قال إن الضحك المذكور كان على سبيل الإنكار لا شك عندي أنه يستأهل
81
أن ينكر عليه أشد الإنكار والله تعالى أعلم قال وفي رواية البخاري في التيسير ثم قرأ رسول الله
وما قدروا الله حق قدره أي ما عرفوه حق معرفته أو ما عظموه حق عظمته حين أشركوا به
غيره قال النووي هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيها مذهبان التأويل والإمساك عنه مع
الإيمان بها مع اعتقاد أن الظاهر منها غير مراد فعلى قول المتأولين يتأولون الأصابع هنا على
الاقتدار أي خلقها مع عظمها بلا تعب ولا ملل والناس يذكرون الأصبع في مثل هذا للمبالغة
والاحتقار فيقول أحدهم بإصبعي أقتل زيدا أي لأكلفه على في قتله وقيل يحتمل أن المراد أصابع
بعض مخلوقاته وهذا غير ممتنع والمقصود أن يد الجارحة مستحيلة انتهى
قلت الإمساك عن التأويل وإمرار هذه الأحاديث كما جاءت من غير تكييف ولا تحريف
هو مذهب السلف قال القاري في المرقاة هو أسلم قلت بل هو المتعين والله تعالى أعلم
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان وصححه النسائي في التفسير
قوله (أخبرنا محمد بن الصلت) بن الحجاج الأسدي أبو جعفر الكوفي الأصم ثقة من كبار
العاشرة أخبرنا (أبو كدينة) بكاف ودال مهملة ونون مصغرا اسمه يحيى بن المهلب البجلي الكوفي
صدوق من السابعة (عن أبي الضحى) اسمه مسلم بن صبيح بالتصغير قوله (إذا وضع الله
السماوات على ذه) وفي رواية أحمد يوم يجعل الله سبحانه وتعالى السماء على ذه وأشار بالسبابة
(وأشار محمد بن الصلت أبو جعفر بخنصره أولا ثم تابع حتى بلغ الإبهام) قال الحافظ في الفتح
بعد نقل رواية الترمذي هذه إلى هذه الزيادة ما لفظه ووقع في مرسل مسروق عند الهروي مرفوعا
82
نحو هذه الزيادة قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه أحمد (عن الحسن بن
شجاع) بن رجاء البلخي كنيته أبو علي أحد الحفاظ من الحادية عشرة
قوله (عن مطرف) هو ابن طريف قوله (قال رسول الله كيف أنعم) أي أفرح
وأتنعم وحنى جبهته أي أمالها وهو كناية عن المبالغة في التوجه صغاء السمع وإلقاء الأذن
وأصغى سمعه أي أمال أذنه ليسمع أمر الله وإذنه بالنفخ وقد تقدم هذا الحديث مع شرحه في
باب الصور من أبواب صفة القيامة
قوله (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) هو ابن علية قوله (قال أعرابي يا رسول الله ما
الصور إلخ) قد تقدم هذا الحديث أيضا مع شرحه في الباب المذكور وأورد الترمذي هذا
الحديث والذي قبله ههنا في تفسير قوله تعالى ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في
الأرض إلا من شاء الله إلخ قوله (حدثنا محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي (أخبرنا
أبو سلمة) هو ابن عبد الرحمن قوله (قال يهودي في سوق المدينة لا والذي اصطفى موسى على
83
البشر) وفي رواية للبخاري وكذا لمسلم بينما يهودي يعرض سلعته أعطى بها شيئا كرهه فقال لا
والذي اصطفى موسى على البشر وفي رواية لهما استب وجل من المسلمين ورجل من اليهود فقال
المسلم والذي اصطفى موسى على العالمين لقسم يقسم به فقال اليهودي والذي اصطفى موسى
على العالمين (فصك بها وجه) أي لطم وجه اليهودي قال الحافظ وإنما صنع ذلك لما فهمه من
عموم لفظ العالمين فدخل فيه محمد وقد تقرر عند المسلم أن محمدا أفضل فلطم اليهودي
عقوبة له على كذبه (فقال رسول الله) وفي رواية البخاري ومسلم فذهب اليهودي إلى رسول الله
فقال يا أبا القاسم إن لي ذمة وعهدا فما بال فلان لطم وجهي فقال لم لطمت وجهه وفي
رواية إبراهيم بن سعد فدعا النبي المسلم فسأله عن ذلك فأخبره ونفخ في الصور أي
النفخة الأولى فصعق أي ما ت ثم نفخ فيه أي في الصور أخرى أي مرة أخرى وهي النفخة
الثانية فإذا هم أي جميع الخلائق الموتى قيام أي من قبورهم ينظرون أي ينتظرون ما يفعل
بهم فأكون أول من رفع رأسه وفي رواية الشيخين فأكون أول من يفيق وفي لفظ أول من تنشق
عنه الأرض فلا أدري أرفع رأسه قبلي أم كان ممن استثنى الله وفي رواية الشيخين فلا أدري
وكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله قال الحافظ أي فلم يكن ممن صعق أن فإن
كان أفاق قبلي فهي فضيلة ظاهرة وإن كان ممن استثنى الله فلم يصعق فهي فضيلة أيضا ووقع في
حديث أبي سعيد فلا أدري كان فيمن صعق أي فأفاق قبلي أم حوسب بصعقته الأولى التي
صعقها لما سأل الرؤية وبين ذلك ابن الفضل في روايته بلفظ أحوسب بصعقته يوم الطور
والجمع بينه وبين قوله أو كان ممن استثنى الله أن في رواية ابن الفضل وحديث أبي سعيد بيان
السبب في استثنائه وهو أنه حوسب بصعقته يوم الطور فلم يكلف بصعقة أخرى والمراد بقوله
ممن استثنى الله قوله إلا من شاء الله انتهى كلام الحافظ
قال النووي في شرح مسلم قال القاضي هذا من أشكل الأحاديث لأن موسى قد مات
فكيف تدركه الصعقة وإنما تصعق الأحياء وقوله ممن استثنى الله تعالى يدل على أنه كان حيا ولم
يأت أن موسى رجع إلى الحياة ولا أنه حي كما جاء في عيسى وقد قال لو كنت ثم لأريتكم
قبره إلى جانب الطريق قال القاضي فيحتمل أن هذه الصعقة صعقة فزع بعد البعث حين تنشق
84
السماوات والأرض فتنتظم حينئذ الآيات والأحاديث ويؤيده قوله فأفاق لأنه إنما
أفاق من الغشى وأما الموت فيقال بعث منه وصعقه الطور لم تكن موتا وأما قوله فلا أدري
أفاق قبلي فيحتمل أنه قاله قبل أن يعلم أنه أول من تنشق عنه الأرض إن كان هذا اللفظ على
ظاهره وأن نبينا أول شخص من تنشق عنه الأرض على الإطلاق قال ويجوز أن يكون معناه أنه
من الزمرة الذين هم أول من تنشق عنهم الأرض فيكون موسى من تلك الزمرة وهي والله أعلم زمرة
الأنبياء وصلوات الله وسلامه عليهم إنتهى
قلت هاهنا أبحاث وأنظار ذكرها الحافظ وغيره من شراح البخاري ومسلم ومن قال أنا
خير من يونس بن متى بفتح الميم وتشديد المثناة مقصورا ووقع في تفسير عبد الرزاق أن متى
اسم أمه وهو مردود بحديث ابن عباس عند البخاري ومسلم عن النبي قال ما ينبغي لعبد أن
يقول إني خير من يونس بن متى ونسبه إلى أبيه فقوله ونسبه إلى أبيه صريح في أن متى أبوه لا أمه
فقد كذب لأن الأنبياء كلهم متساوون في مرتبة النبوة وإنما التفاضل باعتبار الدرجات فلفظ أنا
واقع موقع هو ويكون راجعا إلى النبي ويحتمل أن يكون المراد به نفس القائل فحينئذ كذب
بمعنى كفر كنى به عن الكفر لأن هذا الكذب مساو للكفر كذا في المرقاة وقال النووي الضمير
في أنا قيل يعود إلى النبي وقيل يعود إلى القائل أي لا يقول ذلك بعض الجاهلين من المجتهدين
في عبادة أو علم أو غير ذلك من الفضائل فإنه لو بلغ من الفضائل ما بلغ لم يبلغ درجة لنبوة
ويؤيد هذا التأويل الرواية التي قبله وهي قوله لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن
متى انتهى قلت ضمير أنا إذا عاد إلى النبي فالظاهر أنه قال ذلك قبل أن يعلم أنه
أفضل الخلق وأما قول من قال إنه قال ذلك تواضعا إن كان قاله بعد أن أعلم أنه أفضل
الخلق ففيه أنه لا يناسبه قوله فقد كذب كما في رواية الترمذي هذه قيل خص يونس بالذكر لأن
الله تعالى وصفه بأوصاف توهم انحطاط رتبته حيث قال فظن أن لن نقدر عليه إذ أبق إلى الفلك
المشحون قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (أخبرني أبو إسحاق) هو السبيعي قوله ينادي مناد أي في الجنة إن لكم بكسر
85
الهمزة أي قائلا إن لكم أن تحيوا بفتح الياء أي أن تكونوا أحياء دائما أن تصحوا بكسر الصاد
وتشديد الحاء أي تكونوا صحيحي البدن دائما فلا تسقموا من باب سمع أي لا تمرضوا أن
تشبوا بكسر الشين المعجمة وتشديد الموحدة أي تدوموا شبابا فلا تهرموا من باب سمع أي لا
تشيبوا أن تنعموا بفتح العين أي يدوم لكم النعيم فلا تيأسوا بسكون الموحدة فالهمزة المفتوحة
أي لا يصيبكم بأس وهو شدة الحال والبأس والبؤس والبأساء والبؤسى بمعنى قاله النووي وقال
في القاموس بئس كسمع اشتدت حاجته وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون وفي
رواية مسلم ونودوا أن تلكم الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون الآية في سورة الأعراف
وأما الآية التي في الكتاب فهي في سورة الزخرف وكان للترمذي أو يورد هذا الحديث في تفسير
سورة الأعراف أو في تفسير سورة الزخرف وهذا الحديث أخرجه أيضا مسلم في صحيحه
مرفوعا
قوله (عن عنبسة بن سعيد) بن الضريس بضاد معجمة مصغرا الأسدي أبي بكر الكوفي
قاضي الري ثقة من الثامنة قوله والأرض جميعا حال أي السبع قبضته أي مقبوضته وفي
ملكه وتصرفه يتصرف فيه كيف يشاء يوم القيامة والسماوات مطويات أي مجموعات بيمينه
وبعده سبحانه وتعالى عما يشركون أي بنسبة الولد والشريك إليه (قال على جسر جهنم) وقد
روى الترمذي في تفسير سورة إبراهيم من طريق مسروق قال قالت عائشة هذه الآية يوم تبدل
الأرض غير الأرض قالت يا رسول الله فأين يكون الناس قال على الصراط ووقع في حديث
ثوبان عند مسلم يكونون في الظلمة دون الجسر الحديث مع القصة قوله (هذا حديث
86
قصة) لم أقف على من أخرج هذا الحديث مع القصة. قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب)
وأخرجه أحمد وابن جرير
41 باب ومن سورة المؤمن
وتسمى سورة غافر مكية إلا الذين آيات الله والتي بعدها وهي خمس وثمانون
آية
قوله الدعاء هو العبادة تقدم هذا الحديث في تفسير سورة البقرة وتقدم هناك شئ من
شرحه ويأتي في أوائل أبواب الدعوات مع بقية الكلام عليه
42 باب ومن سورة حم السجدة
وتسمى سورة فصلت وهي مكية وهي ثلاث وخمسون اية
قوله (عن أبي معمر) اسمه عبد الله بن سخبرة الأزدي (اختصم عند البيت) أي الكعبة
(قرشيان وثقفي أو ثقفيان وقرشي) الشك من أبي معمر كما يظهر من كلام الحافظ وقد أخرجه عبد
87
الرزاق من طريق وهب بن ربيعة عن ابن مسعود بلفظ ثقفي وختناه قرشيان ولم يشك وأخرج
مسلم من طريق وهب هذه ولم يسق لفظها (قليل) بالتنوين خبر مقدم لقوله (فقه قلوبهم) بإضافة
فقه إلى قلوبهم وقيل بإضافة قليل إلى فقه وقلوبهم بالرفع على أنه المبتدأ أي قلوبهم قليلة الفقه
وكذلك قوله (كثير شحم بطونهم) وفيه إشارة إلى أن الفطنة قلما تكون مع البطنة قال الشافعي ما
رأيت سمينا عاقلا إلا محمد بن الحسن (أترون) بضم الفوقية أي أتظنون (إن كان يسمع إذا
جهرنا فهو يسمع إذا أخفينا) وجه الملازمة فيما قال أن نسبة جميع المسموعات إلى الله على السواء
وأبطل القياس الفاسد في تشبيهه بالخلق في سماع الجهر دون السر وأثبت القياس الصحيح حيث
شبه السر بالجهر لعلة أن الكل إليه سواء وإنما جعل قائله من جملة قليل الفهم لأنه لم يقطع به
وشك فيه وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم وبعده ولا جلودكم أي
أنكم تستترون والحيطان والحجب عند ارتكاب الفواحش وما كان استتاركم ذلك خيفة أن يشهد
عليكم جوارحكم لأنكم كنتم غير عالمين بشهادتها عليكم بل كنتم جاحدين بالبعث والجزاء أصلا
ولكنكم ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما كنتم تعملون أي ولكنكم إنما استترتم لظنكم أن الله لا
يعلم كثيرا مما كنتم تعملون وهو الخفيات من أعمالكم وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم
أي وذلك الظن هو الذين أهلككم وذلكم مبتدأ وظنكم خبر والذي ظننتم بربكم صفته
وأرداكم خبر ثان أو ظنكم بدل من ذلكم وأرداكم الخبر فأصبحتم من الخاسرين أي في مواقف
88
القيامة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (عن عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس النخعي (قال عبد الله) بن مسعود قوله (قرشي
وختناه) تثنية ختن محركة وهو الصهر أو كل ما كان من قبل المرأة كالأب والأخ قوله (هذا
حديث حسن) وأخرجه أحمد
قوله (عن وهب بن ربيعة) الكوفي قال في تهذيب التهذيب في ترجمته روي عن ابن
مسعود حديث إني لمستتر بأستار الكعبة وعنه عمارة بن عمير ذكره ابن حبان في الثقات وقال في
التقريب مقبول من الثالثة انتهى (عن عبد الله نحوه) أخرجه أيضا أحمد ومسلم قوله إن
الذين قالوا ربنا الله وحده لا شريك له ثم استقاموا أي داموا أو ثبتوا على التوحيد ولم يلتفتوا
إلى إله غير الله قال جماعة من الصحابة والتابعين معنى الاستقامة إخلاص العمل لله تعالى وقال
قتادة وابن زيد ثم استقاموا على طاعة الله وقال الحسن استقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته
واجتنبوا معاصيه وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى
ماتوا وقيل غير ذلك قلت قول ابن عباس ومن تبعه هو الظاهر الموافق لحديث أنس الذي
نحن في شرحه (قد قال الناس) وفي رواية أبي يعلى قد قالها أناس (ثم كفر أكثرهم) يعني فليس
هؤلاء الكفرة ممن استقاموا قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه النسائي في التفسير وأبو يعلى
والبزار وابن جرير قوله (سمعت أبا زرعة يقول روى عفان عن عمرو بن علي حديثا) عفان
هذا هو عفان بن مسلم وهو من شيوخ عمرو بن علي الفلاس وروى هو عنه حديثا واحدا كما أن
البخاري من شيوخ الترمذي وروي عنه حديثين كما عرفت في المقدمة
89
(سورة الشورى)
وفى بعض النسخ حم عسق
وهي مكية وهي ثلاث وخمسون اية
قوله (عن عبد الملك بن ميسرة) الهلالي أبي زيد العامري الكوفي الزراد ثقة من الرابعة
قل لا أسألكم عليه وفي بعض النسخ سورة حم عسق وهي أي على تبليغ الرسالة أجرا إلا المودة في القربى أي مظروفة فيها بحيث
تكون القربى موضعا للمودة وظرفا لها لا يخرج شئ من محبتكم عنها والاستثناء متصل أي إلا أن
تودوني لقرابتي بينكم أو تودوا أهل قرابتي ويجوز أن يكون منقطعا قال الزجاج إلا المودة
استثناء ليس من الأول أي إلا أن تودوني لقرابتي فتحفظوني والخطاب لقريش وهذا قول عكرمة
ومجاهد وأبي مالك والشعبي فيكون المعنى على الانقطاع لا أسألكم أجرا قط ولكن أسألكم المودة
في القربى التي بيني وبينكم ارقبوني فيها ولا تعجلوا إلي ودعوني والناس وبه قال قتادة ومقاتل
والسدي والضحاك وابن زيد وغيرهم وهو الثابت عن ابن عباس (فقال سعيد بن جبير قربى آل
محمد) قال الحافظ هذا الذي جزم به سعيد بن جبير قد جاء عنه من روايته عن ابن عباس
مرفوعا فأخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق قيس بن الربيع عن الأعمش عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس قال لما نزلت قالوا يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم الحديث
وإسناده ضعيف وهو ساقط لمخالفته هذا الحديث الصحيح يعني حديث ابن عباس هذا الذي
نحن في شرحه (فقال ابن عباس أعلمت) بهمزة الاستفهام للإنكار وفي رواية البخاري فقال
ابن عباس عجلت قال الحافظ أي أسرعت في التفسير (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من
قريش) البطن ما دون القبيلة وفوق الفخذ (له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم قال إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم
من القرابة فحمل الآية على أن توادوا النبي صلى الله عليه وسلم من أجل القرابة التي بينه وبينكم فهو خاص
90
بقريش ويؤيده أن السورة مكية، وأما حديث ابن عباس أيضا عند ابن أبي حاتم قال لما نزلت
هذه الآية قل لا التي بينه وبينكم فهو خاص بقريش ويؤيده أن السورة مكية وأما حديث أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين أمر
الله بمودتهم قال فاطمة وولدها عليهم السلام فقال ابن كثير إسناده ضعيف فيه منهم لا يعرف
إلا عن شيخ شيعي مخترق وهو حسين الأشقر ولا يقبل خبره في هذا المحل والآية مكية ولم يكن إذ
ذاك لفاطمة أولاد بالكلية فإنها لم تزوج بعلي إلا بعد بدر من السنة الثانية من الهجرة وتفسير الآية
بما فسر به حبر الأمة وترجمان القران ابن عباس أحق وأولى ولا ننكر الوصاة بأهل البيت واحترامهم
وإكرامهم إذ هم من الذرية الطاهرة التي هي أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخرا وحسبا
ونسبا ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة الصحيحة كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه وعلي وآل
بيته وذريته رضي الله عنهم ونفعنا بمحبتهم قاله القسطلاني وقال الحسين بن الفضل ورواه ابن
جرير عن الضحاك أن هذه الآية منسوخة والقول بنسخ هذه الآية غير مرضي لأن مودة النبي صلى الله عليه وسلم
وكف الأذى عنه ومودة أقاربه من فرائض الدين وهو قول السلف فلا يجوز المسير إلى نسخ هذه
الآية وروى أحمد في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قل لا أسألكم على ما
آتيتكم من البينات والهدى أجرا إلا أن توادوا الله تعالى وأن تقربوا إليه بطاعته وهكذا روى قتادة
عن الحسن البصري مثله قال الحافظ ابن كثير وهذا كأنه تفسير بقول ثان كأنه يقول إلا المودة في
القربى أي إلا أن تعملوا بالطاعة التي تقربكم عند الله زلفى انتهى والحاصل أن معنى الآية قل
يا محمد لهؤلاء المشركين من كفار قريش لا أسألكم على هذا البلاغ والنصح لكم ما لا تعطونيه
وإنما أطلب منكم أن تكفوا شركم عني وتذروني أبلغ رسالات ربي إن لم تنصروني فلا تؤذوني لما
بيني وبينكم من القرابة وهذا هو الصحيح في معنى هذه الآية ويدل على ذلك حديث ابن
عباس هذا الذي نحن في شرحه وأما الأقوال الباقية فمرجوحة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري
قوله (أخبرنا عمرو بن عاصم) بن عبيد الله بن الوازع الكلابي القيسي (أخبرنا عبيد الله
بن الوازع) الكلابي البصري مجهول من السابعة قوله (فأخبرت) بصيغة المجهول (عن بلال بن
أبي بردة) بن أبي موسى الأشعري قاضي البصرة كان ظلوما وذكره أبو العرب الصقلي في كتاب
الضعفاء وذكره ابن حبان في الثقات كذا في الخلاصة وتهذيب التهذيب (فقلت إن فيه) أي في
91
بلال بن أبي بردة (لمعتبرا) أي عبرة وذلك لأنه كان قاضيا والآن هو محبوس (قال) أي شيخ بني مرة
المذكور (وإذا) للمفاجأة (منه) أي من بلال بن أبي بردة (في قشاش) قال في القاموس القشيش
كأمير اللقاطة كالقشاش بالضم وقال فيه اللقاطة بالضم ما كان ساقطا مما لا قيمة له (تمسك
بأنفك) أي تكبرا (هات) بكسر التاء أي أعط وحدثني بذلك الحديث (حدثني أبي أبو بردة) أبو
بردة مرفوع على أنه بدل من أبي (أبي موسى) بالجر بدل من أبيه نكبة أي محنة وأذى والتنوين
للتقليل لا للجنس ليصح ترتب ما بعدها عليها بالفاء وهو فما فوقها أي في العظم أو دونها أي في
المقدار إلا بذنب أي يصدر من العبد وما يعفو الله ما موصولة أي الذي يغفره ويمحوه أكثر
أي مما يجازيه (قال) أي أبو موسى (وقرأ) أي النبي صلى الله عليه وسلم (وما أصابكم) خطاب للمؤمنين من
مصيبة أي بلية وشدة (فيما كسبت أيديكم أي كسبتم من الذنوب وعبر بالأيدي لأن أكثر
الأفعال تزاول بها ويعفو عن كثير أي من الذنوب فلا يجازي عليه وهو تعالى أكرم من أن يثنى
الجزاء في الآخرة وأما غير المذنبين فما يصيبهم في الدنيا لرفع درجاتهم في الآخرة
قوله (هذا حديث غريب) في سنده مجهولان كما عرفت
92
44 سورة الزخرف
مكية وهي تسع وثمانون اية
قوله كانوا عليه أي على الهدى إلا أوتوا الجدل أي أعطوه وهو حال وقد مقدرة
والمستثنى منه أعم عام الأحوال وصاحبها الضمير المستتر في خبر كان والمعنى ما كان ضلالتهم
ووقوعهم في الكفر إلا بسبب الجدال وهو الخصومة بالباطل مع نبيهم وطلب المعجزة منه عنادا أو
جحودا وقيل مقابلة الحجة بالحجة وقيل المراد هنا العناد والمراد في القران ضرب بعضه ببعض
لترويج مذاهبهم وآراء مشائخهم من غير أن يكون لهم نصرة على ما هو الحق وذلك محرم لا
المناظرة لغرض صحيح كإظهار الحق فإنه فرض كفاية (ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي استشهادا على
ما قرره ما ضربوه أي هذا المثل لك يا محمد وهو قولهم أآلهتنا خير أم هو أرادوا بالآلهة هنا
الملائكة يعني الملائكة خير أم عيسى يريدون أن الملائكة خير من عيسى فإذا عبدت النصارى عيسى
فنحن نعبد الملائكة أي ما قالوا ذلك القول إلا جدلا أي إلا لمخاصمتك وإذائك بالباطل لا
لطلب إلا الحق كذا قال بعض العلماء قال القاري والأصح في معنى الآية أن ابن الزبعري
جادل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم آلهتنا أي
الأصنام خير عندك أم عيسى فإن كان في النار فلتكن آلهتنا معه وأما الجواب عن هذه الشبهة
فأولا أن ما لغير ذوي العقول فالإشكال نشأ عن الجهل بالقواعد العربية وثانيا أن عيسى
والملائكة خصوا عن هذا بقوله تعالى إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون
انتهى قلت ابن الزبعري بكسر الزاي المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون العين والراء المهملة
والألف المقصورة قال الشهاب ابن الزبعري هو عبد الله الصحابي المشهور وهذه القصة على
تقدير صحتها كانت قبل إسلامه كذا في فتح البيان بل هم أي الكفار قوم خصمون أي كثيرو
93
الخصومة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وابن ماجة والحاكم وابن جرير (إنما
نعرفه من حديث حجاج بن دينار) قال الحافظ ابن كثير بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه كذا
قال الترمذي وقد روي من وجه آخر عن أبي أمامة رضي الله عنه بزيادة فذكره قوله (وأبو غالب
اسمه حزور) بفتح أوله والزاي وتشديد الواو وآخره راء
45 باب ومن سورة الدخان
مكية وقيل إلا إنا كاشفو العذاب الآية وهي ست أو سبع أو تسع وخمسون اية
قوله (أخبرنا عبد الملك بن إبراهيم الجدي) بضم الجيم وتشديد الدال المكي مولى بني
عبد الدار صدوق من التاسعة (أبا الضحى) هو مسلم بن صبيح (إلى عبد الله) هو ابن مسعود (إن
قاصا يقص) وفي رواية للبخاري بينما رجل يحدث في كندة (فيأخذ بمسامع الكفار) جمع مسمع آلة
السمع أو جمع سمع بغير قياس والمسمع بالفتح خرقها وفي رواية للبخاري فيأخذ بأسماع
المنافقين وأبصارهم وفي رواية مسلم فيأخذ بأنفاس الكفار (فغضب) أي عبد الله بن مسعود
(فليقل به) أي بما يعلم (فإن من علم الرجل إلخ) قوله من علم الرجل خبر مقدم لأن واسمها
أن يقول الله أعلم وقوله إذا سئل عما لا يعلم ظرف لقوله علم الرجل وفي رواية البخاري في
تفسير سورة الروم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم لا أعلم قال الحافظ يعني أن تمييز المعلومين
المجهول نوع من العلم وهذا مناسب لما اشتهر من أن لا أدرى نصف العلم ولأن القول فيما لا
يعلم قسم من التكلف (فإن الله قال لنبيه قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين
94
قول ابن مسعود هذا وفيما قبله تعريض بالرجل القاص الذي كان يقول يجئ يوم القيامة كذا
فأنكر ابن مسعود ذلك وقال لا تتكلفوا فيما لا تعلمون وبين قصة الدخان وقال إنه كهيئة إلخ
وذلك قد كان ووقع قال العيني فيه خلاف فإنه روي عن ابن عباس وابن عمر وزيد بن علي
والحسن أنه دخان يجئ قبل قيام الساعة إنتهى وقال الحافظ وهذا الذي أنكره ابن مسعود قد
جاء عن علي فأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم من طريق الحارث عن علي قال آية الدخان لم
تمض بعد يأخذ المؤمن كهيئة الزكام وينفخ الكافر حتى ينفد ويؤيد كون آية الدخان لم تمض ما
أخرجه مسلم من حديث أبي شريحة رفعه لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات طلوع الشمس
من مغربها والدخان والدابة الحديث وروى الطبري من حديث ربعي عن حذيفة مرفوعا في
خروج الآيات والدخان قال حذيفة يا رسول الله وما الدخان فتلا هذه الآية قال أما المؤمن
فيصيبه منه كهيئة الزكمة وأما الكافر فيخرج من منخريه وأذنيه وإسناده ودبره ضعيف وذكر
الحافظ روايات أخرى ضعيفة ثم قال لكن تضافر هذه الأحاديث يدل على أن لذلك أصلا انتهى
قال العيني في العمدة وقال ابن دحية الذي يقتضيه النظر الصحيح حمل أمر الدخان على قضيتين
إحداهما وقعت وكانت والأخرى ستقع أي بقرب القيامة (استعصوا عليه) أي أظهروا العصيان
ولم يتركوا الشرك بسبع أي بسبع سنين فيها جدب وقحط فأخذتهم سنة بفتح السين وهي
الجدب والقحط فأحصت كل شئ أي استأصلته وفي بعض النسخ فحصت كل شئ أي
أذهبته والحص إذهاب الشعر عن الرأس بحلق أو مرض كذا في النهاية (وقال أحدهما) الضمير
راجع إلى الأعمش ومنصور (العظام) روى مسلم هذا الحديث من طريق الأعمش وفيه حتى أكلوا
العظام ورواه من طريق منصور وفيه حتى أكلوا الجلود والميتة (وجعل يخرج من الأرض كهيئة
الدخان) وكذلك في رواية البخاري وفي رواية أخرى له فكان يقوم أحدهم فكان يرى بينه
وبين السماء مثل الدخان من الجهد والجوع قال الحافظ ولا تدافع بينهما لأنه يحمل على أنه كان
مبدأه من الأرض ومنتهاه ما بين السماء والأرض ولا معارضة أيضا بين قوله يخرج من الأرض وبين
قوله كهيئة الدخان لاحتمال وجود الأمرين بأن يخرج من الأرض بخار كهيئة الدخان من شدة
حرارة الأرض ووهجها من عدم الغيث وكانوا يرون بينهم وبين السماء مثل الدخان من فرط
حرارة الجوع أو الذي كان يخرج من الأرض بحسب تخيلهم ذلك من غشاوة أبصارهم من فرط
95
الجوع أو لفظ من الجوع صفة الدخان يرون مثل الدخان الكائن من الجوع (يوم
بدخان مبين) الآية بتمامها مع تسيرها تأتي السماء بدخان مبين الآية بتمامها مع تفسيرها هكذا الجوع أو لفظ من الجوع صفة الدخان أي يرون مثل الدخان الكائن من فارتقب أي انتظر يا محمد عذابهم فحذف مفعول
فارتقب لدلالة ما بعده عليه وهو قوله عذاب أليم وقيل يوم تأتي السماء مفعول فارتقب يقال رقبته
فارتقبته نحو نظرته فانتظرته يوم تأتي السماء بدخان مبين أي ظاهر يغشى الناس أي يحيطهم
هذا عذاب أليم يقول الله ذلك وقيل يقوله الناس ربنا اكشف عنا العذاب قال الله تعالى حكاية عن
المشركين لما أصابهم قحط وجهد قالوا ربنا اكشف عنا العذاب وهو القحط الذي أكلوا فيه
الميتات والجلود إنما مؤمنون أي مصدقون بنبيك أنى لهم الذكرى أي كيف يتذكرون
ويتعظون بهذه الحالة وقد جاءهم رسول مبين معناه وقد جاءهم ما هو أعظم وأدخل في وجوب
الطاعة وهو ما ظهر على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآيات البينات والمعجزات الظاهرات ثم تولوا عنه
أي أعرضوا وقالوا معلم أي يعلمه القرآن بشر مجنون إنا كاشفو العذاب أي الجوع عنكم
قليلا أي زمنا قليلا فكشف عنهم إنكم عائدون أي إلى كفركم فعادوا إليه يوم نبطش
البطشة الكبرى هو يوم بدر والبطش الأخذ بقوة إنا منتقمون أي منهم (فهل يكشف عذاب
الآخرة) وفي رواية مسلم فيكشف بالهمزة قال النووي هذا استفهام إنكار على من يقول إن الدخان يكون
يوم القيامة كما صرح به في الرواية الثانية يعني التي فيها قال يأتي الناس يوم القيامة دخان فيأخذ
بأنفاسهم حتى يأخذهم منه كهيئة الزكام فقال ابن مسعود هذا قول باطل لأن الله تعالى قال إنا
كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون ومعلوم أن كشف العذاب ثم عودهم لا يكون في الآخرة
وإنما هو في الدنيا انتهى (قال) أي ابن مسعود (مضى البطشة واللزام والدخان وقال أحدهم القمر
وقال الآخر الروم) وفي بعض النسخ وقال أحدهما وهو الظاهر وفي رواية البخاري قال عبد الله
خمسة قد مضين الدخان والقمر والروم والبطشة واللزام فسوف يكون لزاما هلاكا قال العيني
قوله خمس) أي خمس علامات قد مضين أي وقعن الأولى الدخان قال تعالى يوم تأتي السماء
بدخان مبين الثانية القمر قال الله تعالى اقتربت الساعة وانشق القمر الثالثة الروم
قال الله تعالى ألم غلبت الروم الرابعة البطشة قال الله تعالى يوم نبطش البطشة
الكبرى وهو القتل الذي وقع يوم بدر الخامسة اللزام فسوف يكون لزاما قيل هو القحط
96
وقيل هو التصاق القتلى بعضهم ببعض في بدر وقيل هو الأسر فيه وقد أسر سبعون قرشيا فيه
(قال أبو عيسى اللزام يوم بدر) اختلف فيه فذكر ابن أبي حاتم في تفسيره أنه القتل الذي أصابهم
ببدر روي ذلك عن ابن مسعود وأبي بن كعب ومجاهد وقتادة والضحاك قال القرطبي فعلى هذا
تكون البطشة واللزام واحدا وعن الحسن اللزام يوم القيامة وعنه أنه الموت وقيل يكون ذنبكم
عذابا لازما لكم كذا في العمدة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان
والنسائي
قوله وله أي مختص به بابان أي من السماء يصعد بفتح الياء ويضم أي يطلع ويرفع
عمله أي الصالح إلى مستقر الأعمال وهو محل كتابتها في السماء بعد كتابتها في الأرض وفي إطلاقه
العمل إشعار بأنه عمله كله صالح ينزل بصيغة الفاعل أو المفعول رزقه أي الحسي أو المعنوي
إلى مستقر الأرزاق من الأرض بكيا أي البابان عليه أي على فراقه لأنه انقطع خيره منهما
بخلاف الكافر فإنهما يتأذيان بشره فلا يبكان عليه قاله ابن الملك وهو ظاهر موافق لمذهب
أهل السنة على ما نقله البغوي أن للأشياء كلها علما بالله ولها تسبيح ولها خشية وغيرها وقيل أي
بكى عليه أهلهما وقال الطيبي انكشاف هذا تمثيل وتخييل مبالغة في فقدان من درج وانقطع
خيره وكذلك ما روي عن ابن عباس من بكاء مصلى المؤمن وآثاره في الأرض ومصاعد عمله
ومهابط رزقه في السماء تمثيل ونفي ذلك في قوله تعالى فما بكت عليهم السماء والأرض تهكم
بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده فيقال فيه بكت عليه السماء والأرض انتهى وهو مخالف
لظاهر الآية والحديث ولا وجه للعدول لمجرد مخالفته ظاهر العقول كذا في المرقاة (فذلك) أي
مفهوم الحديث أو مصداقه (قوله فما بكت عليهم إلخ) أي لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في
أبواب السماء فتبكي على فقدهم ولا لهم في الأرض بقاء عبدوا الله تعالى فيها فقدتهم فلهذا
استحقوا أن لا ينظروا ولا يؤخروا لكفرهم وإجرامهم وعتوهم وعنادهم
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أبو يعلى وابن أبي حاتم
97
46 باب ومن سورة الأحقاف
مكية إلا (قل أرأيتم إن كان من عند الله) الآية وإلا (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل)
وإلا (ووصينا الإنسان بوالديه) الثلاث آيات وهي أربع أو خمس وثلاثون آية
قوله (أخبرنا أبو محياة) اسمه يحيى بن يعلي التيمي (عن ابن أخي عبد الله ابن سلام)
مجهول من الثالثة قوله (لما أريد عثمان) أي أريد قتله (جاء عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام
الصحابي المشهور (أخرج إلى الناس) أي الذين حاصروه (فاطردهم) من الطرد وهو الإبعاد أي
أبعدهم (فإنك خارج خير لي منك داخل) أي كونك خارجا لطردهم خير لي من كونك داخلا
عندي (إنه كان اسمي في الجاهلية فلان) الظاهر أن يكون فلانا بالنصب منونا لأنه خبر كان
وفلان وفلانة يكنى بهما عن العلم الذي مسماه ممن يعقل فلا تدخل ال عليهما وفلانة ممنوعة من الصرف
فيقال جاء فلان ولكن جاءت فلانة ويكنى بهما أيضا عن العلم لغير العاقل فتدخل عليهما ال تقول
ركبت الفلان وحلبت الفلانة وأما الرفع فعلى أن في كان ضمير الشأن واسمي مبتدأ وفلان خبره
والجملة خبر كان وكان اسم عبد الله في الجاهلية الحصين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله أخرجه ابن
ماجة (في) بتشديد الياء وشهد شاهد من بني إسرائيل أي العالمين بما أنزل الله في التوراة وقبله
قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد إلخ (على مثله فآمن) أي على مثل القرآن من
المعاني الموجودة في التوراة المطابقة له من إثبات التوحيد والبعث والنشور وغير ذلك وهذه المثلية
هي باعتبار تطابق المعاني وإن اختلفت الألفاظ قال الجرجاني مثل صلة والمعنى وشهد شاهد عليه
أنه من عند الله وكذا قال الواحدي فآمن الشاهد بالقرآن لما تبين له أنه من كلام الله ومن جنس
98
ما ينزله على رسله وهذا الشاهد من بني إسرائيل هو عبد الله بن سلام كما قال الحسن ومجاهد
وقتادة وغيرهم وفي هذا نظر فإن السورة مكية بالإجماع وعبد الله بن سلام كان إسلامه بعد الهجرة
فيكون المراد بالشاهد رجلا من أهل الكتاب قد آمن بالقرآن في مكة وصدقه واختار هذا ابن
جرير والراجح أنه عبد الله بن سلام وأن هذه الآية مدنية لا مكية وعن ابن عباس قال هو
عبد الله بن سلام وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين وفيه دليل على أن هذه الآية مدنية
فيخصص بها عموم قولهم إن سورة الأحقاف كلها مكية وإياه ذكر الكراشي وكونه إخبارا قبل
الوقوع خلاف الظاهر ولذا قيل لم يذهب أحد أن الآية مكية إذا فسر الشاهد بابن سلام وفيه
بحث لأنه قوله وشهد شاهد معطوف على الشرط الذي يصير به الماضي مستقبلا فلا ضرر في شهادة
الشاهد بعد نزولها وادعاء أنه لم يقل به أحد من السلف مع ذكره في شروح الكشاف لا وجه له إلا
أن يراد من السلف المفسرون قاله الشهاب كذا في فتح البيان
قلت حديث عبد الله بن سلام وهذا صريح في أن هذه الآية نزلت فيه وحديث
عوف بن مالك عند ابن حبان وحديث ابن عباس عند ابن مردويه أيضا يدلان على أن هذه الآية
نزلت في عبد الله بن سلام كما في فتح الباري وهو القول الراجح واستكبرتم أي آمن الشاهد
واستكبرتم أنتم عن الإيمان وجواب الشرط بما يدل عليه ألستم ظالمين دل عليه إن الله لا يهدي
القوم الظالمين فحرمهم الله سبحانه الهداية بظلمهم لأنفسهم بالكفر بعد قيام الحجة الظاهرة على
وجوب الإيمان ومن فقد هداية الله له ضل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم أي على صدقي (ومن
عنده علم الكتاب) قيل هو عبد الله بن سلام وقيل هم مؤمنو أهل الكتاب وهذه الآية في آخر
سورة الرعد (مغمودا) أي مستورا في غلافه (فالله الله) بالنصب فيهما أي اتقوا الله (في هذا الرجل)
أي عثمان رضي الله عنه (أن تقتلوه) بدل اشتمال من هذا الرجل (لتطردن) أي لتبعدن (جيرانكم)
بالنصب على المفعولية (الملائكة) بالنصب على البدلية (ولتسلن) أي لتنتزعن (فلا يغمد) بصيغة
المجهول قال في مختار الصحاح غمد السيف من باب ضرب ونصر جعله في غمده فهو مغمود
وأغمده أيضا فهو مغمد وهما لغتان فصيحتان (اقتلوا اليهودي) أي عبد الله بن سلام قوله
99
(هذا حديث غريب) وأخرجه ابن مردويه وابن جرير مختصرا قوله (عن ابن محمد بن
عبد الله بن سلام) وفي الرواية الآتية في مناقب عبد الله بن سلام وعمر بن محمد بن عبد الله بن
سلام ولم أقف على ترجمة عمر بن محمد هذا
قوله (حدثنا عبد الرحمن بن الأسود) هو ابن المأمون قوله (إذا رأى مخيلة) بفتح الميم
وكسر الخاء المعجمة وسكون التحتية وهي السحابة التي يخال فيها المطر (أقبل وأدبر) زاد
البخاري ودخل وخرج وتغير وجهه أي خوفا أن تصيب أمته عقوبة ذنب العامة كما أصاب الذين
قالوا هذا عارض ممطرنا الآية (فإذا مطرت) أي المخيلة (سرى عنه) بضم المهملة وتشديد الراء
بلفظ المجهول أي كشف عنه ما خالطه من الوجل (فقلت له) أي لم تقبل وتدبر ويتغير وجهك عند
رؤية المخيلة فقال وما أدري لعله أي المذكور من المخيلة فلما رأوه أي ما هو العذاب عارضا
أي سحابا عرض في أفق السماء مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا أي ممطر إيانا بعده
بل هو أي قال تعالى بل هو ما استعجلتم به من العذاب ريح بدل من ما فيها عذاب
أليم أي مؤلم
قال ابن العربي فإن قيل كيف يخشى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعذب القوم وهو فيهم مع قوله تعالى
(وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) والجواب أن الآية نزلت بعد هذه الآية ويتعين الحمل على
ذلك لأن الآية دلت على كرامة له صلى الله عليه وسلم ورفعة فلا يتخيل انحطاط درجته أصلا قال الحافظ يعكر
عليه أن آية الانفعال كانت في المشركين من أهل بدر وفي حديث عائشة إشعار بأنه كان يواظب
على ذلك من صنيعه كان إذا رأى فعل كذا والأولى في الجواب أن يقال إن في آية الأنفال احتمال
التخصيص بالمذكورين له بوقت دون وقت أو مقام الخوف يقتضي غلبته عدم الأمن من مكر الله
وأولى من الجميع أن يقال خشي على من ليس هو فيهم أن يقع بهم العذاب أما المؤمن فشفقته عليه
لإيمانه وأما الكافر فلرجاء إسلامه وهو بعث رحمة للعالمين قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه
البخاري والنسائي
100
قوله (أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم) هو ابن علية (عن داود) هو ابن أبي هند قوله (قال
ما صحبه منا أحد) قال النووي هذا صريح في إبطال الحديث المروي في سنن أبي داود وغيره
المذكور فيه الوضوء بالنبيذ وحضور ابن مسعود معه صلى الله عليه وسلم ليلة الجن فإن هذا الحديث صحيح
وحديث النبيذ ضعيف باتفاق المحدثين ومداره على زيد مولى عمرو بن حريث وهو مجهول انتهى
(افتقدناه) فقده يفقده من باب ضرب أي عدمه وافتقده مثله (وهو بمكة) جملة حالية (اغتيل)
بصيغة المجهول أي قتل سرا من الاغتيال وهو القتل في خفية (استطير) بصيغة المجهول أيضا من
الاستطار أي طارت به الجن (إذا نحن به) أي برسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا للمفاجأة (من قبل) بكسر
القاف وفتح الموحدة (حراء) قال في القاموس حراء ككتاب وكعلي عن عياض ويؤنث ويمنع جبل
بمكة فيه غار تحنث فيه النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشعبي وسألوه الزاد إلخ) قال الدارقطني انتهى حديث
ابن مسعود عند قوله فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وما بعده من قول الشعبي كذا رواه أصحاب
داود الراوي عن الشعبي وابن علية وابن زريع وابن أبي زائدة وابن إدريس وغيرهم هكذا قاله
الدارقطني وغيره ومعنى قوله إنه من كلام الشعبي أنه ليس مرويا عن ابن مسعود بهذا الحديث
وإلا فالشعبي لا يقول هذا الكلام إلا بتوقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم قاله النووي كل عظم لم يذكر اسم
الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان لحما وفي رواية مسلم لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع
في أيديكم أوفر ما يكون لحما وفي هاتين الروايتين تخالف ظاهر أن يجمع بينهما بأن المراد
بقوله ذكر اسم الله عليه أي عند الذبح وبقوله يذكر اسم الله عليه يعني عند الأكل وإلا فما في
الصحيح هو أصح قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم 47
101
سورة محمد
صلى الله عليه وسلم
وتسمى سورة القتال مدنية وهي ثمان أو تسع وثلاثون آية
قوله واستغفر لذنبك أي استغفر الله مما ربما يصدر منك من ترك الأولى وقيل لتستن به
أمته وليقتدوا به في ذلك وقيل غير ذلك كما ستقف وللمؤمنين والمؤمنات فيه إكرام من الله عز
وجل لهذه الأمة حيث أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لذنوبهم وهو الشفيع المجاب فيهم إني لأستغفر الله
وفي رواية البخاري والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه قال الحافظ فيه القسم على الشئ تأكيدا
له وإن لم يكن عند السامع فيه شك وظاهره أنه يطلب المغفرة ويعزم على التوبة ويحتمل أن يكون
المراد يقول هذا اللفظ بعينه ويرجح الثاني ما أخرجه النسائي بسند جيد من طريق مجاهد عن ابن
عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه في المجلس
قبل أن يقوم مائة مرة وله من رواية محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر بلفظ إنا كنا لنعد
لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور مائة مرة (في اليوم
سبعين مرة) وفي رواية البخاري أكثر من سبعين مرة قال الحافظ تحت هذه الرواية ما لفظه
وقع في حديث أنس إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة فيحتمل أن يريد المبالغة ويحتمل أن
يريد العدد بعينه وقوله أكثر مبهم فيحتمل أن يفسر بحديث ابن عمر المذكور وأنه يبلغ المائة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري (ويروى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة إلخ) رواه النسائي كما صرح به الحافظ في الفتح
تنبيه قد استشكل وقوع الاستغفار من النبي صلى الله عليه وسلم وهو معصوم والاستغفار يستدعى وقوع
معصية وأجيب بعدة أجوبة منها أن المراد باستغفاره صلى الله عليه وسلم استغفاره من الغين الذي وقع في حديث
102
الأغر المزني عند مسلم إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة قال عياض المراد من
الغين فترات عن الذكر الذي شأنه أن يداوم عليه فإذا فتر عنه لأمر ما عد ذلك ذنبا فاستغفر
عنه ومنها قول ابن الجوزي هفوات الطباع البشرية لا يسلم منها أحد والأنبياء وإن عصموا من
الكبائر فلم يعصموا من الصغائر كذا قال وهخو مفرع على خلاف المختار والراجح عصمتهم من
الصغائر كذا قال وهو مفرع على خلاف المختار والراجح عصمتهم من الصغائر كذا قال وهو مفرع على خلاف المختار والراجح عصمتهم
من الصغائر أيضا ومنها قول ابن بطال الأنبياء أشد الناس اجتهادا في العبادة لما أعطاهم الله تعالى
من المعرفة فهم دائبون في شكره معترفون له بالتقصير انتهى ومحصل جوابه أن الاستغفار من
التقصير في أداء الحق الذي يجب لله تعالى ويحتمل أن يكون لاشتغاله بالأمور المباحة من أكل أو
شرب أو جماع أو نوم أو راحة أو لمخاطبة الناس والنظر في مصالحهم ومحاربة عدوهم تارة ومداراته
أخرى وتأليف المؤلفة وغير ذلك مما يحجبه عن الاشتغال بذكر الله التضرع إليه ومشاهدته
ومراقبته فيرى ذلك ذنبا بالنسبة إلى المقام العلي وهو الحضور في حظيرة القدس ومنها أن
الاستغفار تشريع لأمته أو من ذنوب الأمة فهو كالشفاعة لهم وقال الغزالي في الإحياء كان صلى الله عليه وسلم
دائم الترقي فإذا ارتقى إلى حال رأى ما قبلها دونها فاستغفر من الحالة السابقة وهذا مفرع على أن
العدد المذكور في استغفاره كان مفرقا بحسب تعدد الأحوال وظاهر ألفاظ الحديث يخالف ذلك
كذا في الفتح
قوله (عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب الحرقي وإن تتولوا أي إن تعرضوا
وتدبروا عن طاعته يستبدل قوما غيركم أي يجعلهم بدلكم (ثم لا يكونوا أمثالكم) أي في التولي
عن طاعته بل مطيعين له عز وجل (قالوا) أي قال بعض الصحابة (على منكب سلمان) أي
الفارسي وفي الرواية الآتية فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذه الظاهر أن
النبي ضرب ومنكبه هذا وقومه هم الفرس
قوله (هذا حديث غريب) في سنده شيخ من أهل المدينة وهو مجهول
103
قوله (استبدلوا بنا) بصيغة المجهول أي يجعلوا بدلنا لو كان الإيمان منوطا أي معلقا
بالثريا بضم المثلثة وفتح الراء وتشديد التحتية هو النجم قال في القاموس امرأة ثروى متمولة
والثريا تصغيرها والنجم لكثرة كواكبه مع ضيق المحل لتناوله أي أخذ الإيمان لتناوله أي أخذ الإيمان رجال من فارس
قال في القاموس فارس والفرس أو بلادهم
إعلم أن هذا الحديث صريح في أن قوله صلى الله عليه وسلم لو كان الإيمان إلخ صدر منه عند نزول هذه
الآية وحديث أبي هريرة الآتي في تفسير سورة الجمعة صريح في أن هذا القول صدر منه عند نزول
قوله تعالى وآخرين منهم لما يلحقوا بهم قال الحافظ في الفتح يحتمل أن يكون ذلك صدر
عند نزول كل من الآيتين ويأتي الكلام مفصلا بما يتعلق بقوله صلى الله عليه وسلم لو كان الإيمان إلخ في تفسير
سورة الجمعة إن شاء الله تعالى (وقد روى علي بن حجر عن عبد الله بن جعفر الكثير) أي من
الأحاديث يعني قد روى علي بن حجر أحاديث كثيرة عن عبد الله بن جعفر بغير واسطة (وحدثنا
علي بهذا الحديث عن إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن جعفر بن نجيح) أي بواسطة
إسماعيل بن جعفر
104
سورة الفتح
مدنية وهي تسع وعشرون آية
قوله (في بعض أسفاره) هو سفر عمرة الحديبية كما في رواية الطبراني وفي رواية البخاري
عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وكان عمر بن الخطاب
رضي الله عنه يسير معه ليلا قال القرطبي وهذا السفر كان ليلا منصرفه صلى الله عليه وسلم من الحديبية لا أعلم
بين أهل العلم في ذلك خلافا (فسكت) وفي رواية البخاري فلم يجبه قال الحافظ يستفاد منه أنه
ليس لكل كلام جواب بل السكوت قد يكون جوابا لبعض الكلام وتكرير عمر السؤال إما
لكونه خشي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمعه أو لأن الأمر الذي كان يسأل عنه كان مهما عنده ولعل النبي صلى الله عليه وسلم
أجابه بعد ذلك وإنما ترك إجابته أولا لشغله بما كان فيه من نزول الوحي (فقلت) أي لنفسي
(ثكلتك أمك) بفتح المثلثة وكسر الكاف من الثكل وهو فقدان المرأة ولدها دعا عمر على نفسه
بسبب ما وقع منه من الإلحاح ويحتمل أن يكون لم يرد الدعاء على نفسه حقيقة وإنما هي من
الألفاظ التي تقال عند الغضب من غير قصد معناها (نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم) بفتح النون وبالزاي
بعدها راء بالتخفيف والتثقيل والتخفيف أشهر أي ألححت عليه (ما أخلقك) صيغة التعجب من
خلق ككرم صار خليقا أي جديرا (فما نشبت) بكسر الشين المعجمة بعدها موحدة ساكنة أي ما
لبثت قال في النهاية لم ينشب أن فعل كذا أي لم يلبث وحقيقته لم يتعلق بشئ غيره ولا استغل
بسواء (صارخا) أي مصوتا ما أحب أن لي بها ما طلعت عليه الشمس أي لما فيها من البشارة
105
بالمغفرة والفتح إنا فتحنا لك فتحا مبينا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وحده واختلف في تعيين هذا الفتح
فقال الأكثر على ما في البخاري هو صلح الحديبية والصلح قد يسمى فتحا قال الفراء والفتح
قد يكون صلحا وقال قوم أنه فتح مكة وقال آخرون إنه فتح خيبر والأول أرجح ويؤيده
حديث أسلم العدوي هذا
قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه أحمد البخاري والنسائي
قوله ليغفر لك الله أي بجهادك ما تقدم من ذنبك وما تأخر أي منه لترغيب أمتك في
الجهاد وهو مأول لعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالدليل العقلي القاطع من الذنوب واللام
للعلة الغائبة فمدخلها مسبب لا سبب قاله الجلال المحلي واختلف في معنى قوله ما تقدم من
ذنبك وما تأخر فقيل ما تقدم من ذنبك قبل الرسالة وما تأخر بعدها قاله مجاهد وسفيان الثوري
وابن جرير والواحدي وغيرهم وفيه أقوال أخرى ضعيفة والظاهر الراجح هذا الذي ذكرناه ويكون
المراد بالذنب بعد الرسالة ترك ما هو الأولى وسمي في حقه ذنب لجلالة قدره وإن لم يكن ذنبا في
حق غيره (مرجعه) أي وقت رجوعه ظرف لقوله أنزلت (فقالوا هنيا مريا يا رسول الله) قال
القسطلاني أي قال أصحابه صلى الله عليه وسلم هنيئا أي لا إثم فيه مريئا أي لا داء فيه ونصبا على المفعول أو
الحال أو صفة لمصدر محذوف أي صادفت أو عش عيشا هنيئا مريئا يا رسول الله غفر الله لك ما
تقدم من ذنبك وما تأخر ليدخل المؤمنين والمؤمنات إلخ اللام متعلق بمحذوف أي أمر بالجهاد
ليدخل إلخ قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان قوله (وفيه عن
مجمع بن جارية) يعني وفي الباب عن مجمع بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الميم المكسورة ابن
جارية بالجيم ابن عامر الأنصاري الأوسي المدني صحابي أحد القراء الذين قرأوا القرآن وأخرج
حديثه أحمد وأبو داود في الجهاد
106
قوله (أن ثمانين هبطوا) أي نزلوا وفي رواية أحمد لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلا من أهل مكة بالسلاح (أن يقتلوه) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأخذوا) بصيغة
المجهول أي الثمانون (فأعتقهم) وفي رواية أحمد فعفا عنهم قوله (هذا حديث حسن صحيح)
وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي في التفسير
قوله (عن أبيه) هو سعيد بن علاقة أبو فاختة قوله وألزمهم أي المؤمنين كلمة
التقوى أي من الشرك وهي لا إله إلا الله وأضيف إلى التقوى لأنها سببها وبه قال الجمهور وزاد
بعضهم محمد رسول الله وزاد بعضهم وحده لا شريك له وقال الزهري هي بسم الله الرحمن
الرحيم وذلك أن الكفار لم يقروا بها وامتنعوا عن كتابتها في كتاب الصلح الذي كان بينهم وبين
رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت ذلك في كتب الحديث والسير فخص الله بهذه الكلمة المؤمنين وألزمهم بها
والأول أولى لأن كلمة التوحيد هي التي يتقي بها الشرك بالله ويدل عليه حديث أبي بن كعب هذا
(قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير كلمة التقوى لا إله إلا الله أي هي لا إله إلا الله قوله (هذا
حديث غريب) وأخرجه أحمد وابن جرير والدارقطني في الأفراد وابن مردويه والبيهقي في الأسماء
والصفات
107
سورة الحجرات
ثماني عشرة اية وهي مدنية
قوله (فقال أبو بكر يا رسول الله استعمله) أي الأقرع (فقال عمر لا تستعمله) وفي رواية
البخاري من طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن الزبير فقال أبو بكر أمر القعقاع بن
معبد وقال عمر بل أمر الأقرع بن حابس ورواية البخاري أثبت من رواية الترمذي هذه لأن
في سندها مؤمل بن إسماعيل وهو صدوق سئ الحفظ (ما أردت إلا خلافي) أي ليس مقصودك إلا
مخالفة قولي (وكان عمر بعد ذلك إذا تكلم عند النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع كلامه حتى يستفهمه) وفي
رواية للبخاري فكان عمر بعد ذلك إذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث حدثه كأخي السرار لم يسمعه
حتى يستفهمه (قال وما ذكر ابن الزبير جده يعني أبا بكر) يعني أن ابن الزبير ذكر عن عمر أنه كان
بعد ذلك إذا تكلم عند النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع كلامه إلخ ولم يذكر هذا عن جده أبي بكر الصديق
رضي الله عنهما وفي رواية البخاري في التفسير ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر قال
القسطلاني يريد جده لأمه أسماء وإطلاق الأب على الجد مشهور انتهى وقال الحافظ في الفتح
وقد أخرج ابن المنذر من طريق محمد بن عمرو بن علقمة أن أبا بكر الصديق قال مثل ذلك للنبي
صلى الله عليه وسلم وهذا مرسل وقد أخرجه الحاكم موصولا من حديث أبي هريرة نحوه وأخرجه ابن مردويه من
108
طريق طارق بن شهاب عن أبي بكر قال لما نزلت لا ترفعوا أصواتكم الآية قال أبو بكر قلت
يا رسول الله آليت ألا أكلمك إلا كأخي السرار انتهى
قوله (هذا حديث غريب حسن) وأصله في البخاري
قوله (فقال يا رسول الله إن حمدي زين وإن ذمي شين) مقصود الرجل من هذا القول
مدح نفسه وإظهار عظمته يعني إن مدحت رجلا فهو محمود ومزين وإن ذممت رجلا فهو مذموم
ومعيب ذاك الله عز وجل أي الذي حمده زين وذمه شين هو الله سبحانه وتعالى وروى الطبري
من طريق معمر عن قتادة مثله مرسلا وزاد فأنزل الله إن الذين ينادونك من رواء الحجرات
الآية ومن طريق الحسن نحوه وروى من طريق موسى بن عقبة عن أبي سلمة قال حدثني
الأقرع بن حابس التميمي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد أخرج إلينا فنزلت (إن الذين ينادونك
من وراء الحجرات) الحديث ورواه أحمد من هذا الطريق بلفظ أنه نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
يا محمد يا محمد وفي رواية يا رسول الله فلم يجبه فقال يا رسول الله إن حمدي لزين وإن ذمي
لشين قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن جرير
قوله (أخبرنا أبو زيد صاحب الهروي) اسمه سعيد بن الربيع العامري الحرشي الهروي
البصري كان يبيع الثياب الهروية ثقة من صغار التاسعة قوله ولا تنابزوا بالألقاب أي لا
يدعو بعضكم بعضا بلقب يكرهه والتنابز التفاعل من النبز بالتسكين وهو المصدر والنبز
بالتحريك اللقب مطلقا أي حسنا كان أو قبيحا خص في العرف بالقبيح والجمع أنباز والألقاب
جمع لقب وهو اسم غير الذي سمي به الإنسان والمراد لقب السوء والتنابز بالألقاب أن يلقب
بعضهم بعضا والتداعي بها قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن
109
ماجة قوله: (وأبو جبرة) بفتح وكسر الموخدة وسكون التحتية وبعدها راء مهملة وتاء
تأنيث لا يعرف له اسم واختلف العلماء في صحبته فقال بعضهم
صحبته
قوله (عن المستمر بن الريان) بالتحتانية المشددة الأيادي الزهراني كنيته أبو عبد الله
البصري ثقة عابد من السادسة قوله واعلموا أن فيكم رسول الله أي اعلموا أن بين أظهركم
رسول الله فعظموه ووقروه وتأدبوا معه وانقادوا لأمره في إنه أعلم بمصالحكم وأشفق عليكم منكم
ورأيه فيكم أتم من رأيكم لأنفسكم ثم بين أن رأيهم سخيف بالنسبة إلى مراعاة مصالحهم فقال
لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم أي لو أطاعكم في جميع ما تختارونه لأدى ذلك إلى عنتكم
وحرجكم والعنت هو التعب والجهد والاثم والهلاك (قال) أي أبو سعيد (وخيار أئمتكم) أي
الصحابة رضي الله عنهم (لو أطاعهم) أي لو أطاع النبي صلى الله عليه وسلم إياهم (لعنتوا) أي خيار أئمتكم مع
كونهم خيار الأئمة (فكيف بكم اليوم) الخطاب فيه وفي ما قبله للتابعين أي كيف يكون حالكم لو
يقتدي بكم ويأخذ بآرائكم ويترك كتاب الله وسنة رسوله قوله إن الله قد أذهب عنكم أي
أزال ورفع عنكم عبية الجاهلية بضم العين بمن اتقى وفاجر أي كأفراد عاص شقي أي غير سعيد هين بفتح الهاء وكسر التحتية
المشددة أي ذليل على الله أي عنده والذليل لا يناسبه التكبر والناس أي كلهم بنو لا أصل لها حقيقة يا أي نوعان رجل
110
بر تقي أي فلا ينبغي له أن يتكبر على أحد لأن مدار الايمان على الخاتمة والله سبحانه وتعالى أعلم
بمن اتقى (وفاجر) أي كافر أو عاص (شقى) أي غير سعيد (هين) بفتح الهاء وكسر التحتية المشددة
أس أي ذليل (على الله) أي عنده والذليل لا يناسبه التكبر والناس أي أولاده (وخلق الله آدم من
التراب) أي فلا يليق يمن أصله التراب النخوة والتجبر أو إذا كان الأصل واحدا فالكل إخوة فلا
وجه للتكبر لأن بقية الأمر عارضة لا أصل لها أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى
أي آدم وحواء وجعلناكم شعوبا جمع شعب بفتح الشين وهو أعلى طبقات النسب وقبائل هي
دون الشعوب وبعدها العمائر ثم البطون ثم الأفخاذ ثم الفصائل آخرها مثاله خزيمة شعب كنانة
قبيلة قريش عمارة بكسر العين قصى بطن هاشم فخذ العباس فصيلة لتعارفوا حذف منه
إحدى التائين أن ليعرف بعضكم بعضا لا لتفاخروا بعلو النسب وإنما الفخر بالتقوى إن أكرمكم
عند الله أتقاكم أي إنما تتفاضلون عند الله تعالى بالتقوى لا بالأحساب إن الله عليم بكم
خبير ببواطنكم قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن أبي حاتم قوله (وفي الباب عن
أبي هريرة وعبد الله بن عباس) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في آخر الكتاب وأما
حديث ابن عباس فأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده والبيهقي في شعب الإيمان
قوله (حدثنا يونس بن محمد) البغدادي المؤدب (عن سلام) بفتح السين وتشديد اللام
(بن أبي مطيع) الخزاعي مولاهم البصري ثقة صاحب سنة في روايته عن قتادة ضعف من السابقة
(عن الحسن) هو البصري قوله الحسب بفتحتين المال أي مال الدنيا الحاصل به الجاه غالبا
111
(والكرم) أي الكرم المعتبر في العقبى المترتب عليه الاكرام بالدرجات العلى التقوى لقوله تعالى
إن أكرمكم عند الله الله أتقاكم قال الطيبي بفتحتين المال أي مال الدنيا الحاصل به الجاه غالبا والكرم الحسب ما يعده من مآثره ومآثر آبائه والكرم الجمع بين
أنواع الخير والشرف والفضائل وهذا بحسب اللغة فردهما صلى الله عليه وسلم إلى ما هو المتعارف بين الناس
وعند الله أي ليس ذكر الحسب عند الناس للفقير حيث لا يوقر ولا يحتفل به بل كل الحسب
عندهم من رزق الثروة ووقر في العيون ومنه حديث عمر رضي الله عنه من حسب الرجل إنقاء
ثوبيه أي إنه يوقر لذلك من حيث أنه دليل الثروة وذو الفضل والشرف عند الناس ولا يعد كريما
عند الله وإنما الكريم عنده من ارتدى برداء التقوى وأنشد
كانت مودة سلمان له نسبا ولم يكن بين نوح وابنه رحم
انتهى وقيل الحسب ما يعده الرجل من مفاخر ابائه والكرم ضد اللؤم فقيل معناه الشئ
الذي يكون به الرجل عظيم القدر عند الناس هو المال والشئ الذي يكون به عظيم القدر عند الله
التقوى والافتخار بالإباء ليس بشئ منهما
قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه أحمد وابن ماجة والحاكم
50 باب ومن سورة ق
مكية إلا ولقد خلقنا السماوات الآية فمدنية
وهي خمس وأربعون اية
قوله (أخبرنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي قوله لا تزال جهنم تقول هل من مزيد)
أي من زيادة وفي رواية الشيخين لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد أي يطرح فيها
من الكفار والفجار حتى يضع فيها رب العزة أي صاحب الغلبة والقوة والقدرة قدمه وفي
حديث أبي هريرة عند الترمذي في باب خلود أهل النار حتى إذا أوعبوا فيها وضع الرحمن قدمه
فيها وقد تقدم الكلام هناك مبسوطا على وضعه تعالى قدمه في النار فتقول قط قط بفتح القاف
112
وسكون الطاء قال الحافظ أي حسبي حسبي وثبت بهذا التفسير عند عبد الرزاق من حديث أبي
هريرة وقط بالتخفيف ساكنا ويجوز الكسر بغير إشباع ووقع في بعض النسخ يعني بعض نسخ
البخاري عن أبي ذر قطي قطي باشباع وقطني بزيادة نون مشبعة ووقع في حديث أبي سعيد
ورواية سليمان التيمي بالدال بدل الطاء وهي لغة أيضا وكلها بمعنى يكفي وقيل قط صوت
جهنم والأول هو الصواب عند الجمهور انتهى (ويزوى) بصيغة المجهول أي يجمع قوله (هذا
حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد والشيخان (وفيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) يعني
وفي الباب عن أبي هريرة أخرج حديثه الترمذي في الباب المذكور
51 باب ومن سورة الذاريات
مكية وهي ستون اية
قوله (حدثنا سفيان) هو ابن عيينة (عن سلام) بفتح السين وتشديد اللام ابن سليمان
المزني كنيته ابن المنذر القاري النحوي البصري نزيل الكوفة صدوق يهم قرأ على عاصم من
السابعة (عن أبي وائل) اسمه شقيق بن سلمة الأسدي (عن رجل من ربيعة) هو الحارث بن يزيد
البكري كما في الرواية الآتية (فذكرت) بضم الذال المعجمة وكسر الكاف بالبناء للمفعول (وافد
عاد) مفعول ثان لذكرت أي ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وافد عاد بحضرتي وعادهم قوم هود (على
الخبير بها سقطت) أي على العارف بقصة وافد عاد وقعت وهو مثل سائر للعرب (لما أقحطت)
بصيغة المجهول يقال أقحط القوم إذا انقطع عنهم المطر (بعثت) أي أرسلت عاد (قيلا) بفتح
القاف وسكون التحتية وباللام قال في القاموس قيل وافد عاد وفي رواية أحمد فبعثوا وافدا لهم
113
يقال له قيل (فنزل على بكر بن معاوية) اسم رجل كان في ذلك الزمان (وغنته الجرادتان) قال
الجزري في النهاية هما مغنيتان كانتا بمكة في الزمن الأول مشهورتان بحسن الصوت والغناء وفي
رواية أحمد فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان
فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مهرة (ثم خرج) أي قيل (يريد جبال مهرة) قال في القاموس
مهرة بن حيدان حي (فاسق عبدك) يريد نفسه مع قومه (سحابات) أي قطعات من السحاب
(خذها رمادا ومردا) قال في النهاية الرمدد بالكسر المتناهي في الاحتراق والدقة كما يقال ليل
أليل ويوم أيوم إذا أرادوا المبالغة (لا تذر من عاد أحدا) أي لا تدعه حيا بل تهلكه وفي رواية أحمد
فمرت به سحابات سود فنودي منها اختر فأومأ إلى سحابة منها سوداء فنودي منها خذها رمادا
رمددا لا تبقى من عاد أحدا (وذكر) أي النبي صلى الله عليه وسلم (ثم قرأ إذ أرسلنا عليهم) الآية مع تفسيرها
هكذا (وفي عاد) أي في إهلاكهم آية إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم هي التي لا خير فيها لأنها
لا تحمل المطر ولا تلقح الشجر وهي الدبور ما تذر من شئ أي نفس أو مال أتت عليه إلا جعلته
كالرميم أي كالمباني المتفتت
قوله (فإذا هو غاص بالناس) أي ممتلئ بهم قال في مختار الصحاح المنزل
غاص بالقوم أي ممتلئ بهم (وإذا رايات) جمع راية وهي العلم (سود) جمع سوداء (تخفق)
بفتح الفوقية وكسر الفاء وضمها قال في القاموس خفقت الراية تخفق وتخفق خفقا
114
وخفقانا محركة اضطربت وتحركت (وجها) أي جانبا قوله (فذكر الحديث بطوله نحوا من
حديث سفيان بن عيينة) أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة (ويقال له الحارث بن حسان) قال
الحافظ في تهذيب التهذيب الحارث بن حسان بن كلدة البكري الذهلي الربعي ويقال العامري
ويقال حريث وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وسكن الكوفة روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعنه أبو وائل وغيره قال
وقع في رواية الترمذي عن رجل من ربيعة ثم علقه من وجه اخر فسماه الحارث بن حسان ثم ساقه
من طريق أخرى فقال الحارث بن يزيد البكري ثم قال ويقال له الحارث بن حسان وصحح ابن
عبد البر أن اسمه حريث وقال البغوي كان يسكن البادية
52 باب ومن سورة الطور
مكية وهي تسع وأربعون اية
قوله (عن أبيه) هو كريب بن أبي مسلم مولى ابن عباس قوله إدبار النجوم بكسر
الهمزة ونصب الراء على الحكاية من قوله تعالى وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل
فسبحه وإدبار النجوم ويجوز الرفع وعلى الوجهين هو مبتدأ خبره الركعتان وفي بعض النسخ
الركعتين بالنصب على أنه بيان لقوله إدبار النجوم على الوجه الأول قبل الفجر أي فرضه
والإدبار والدبور الذهاب يعني عقيب ذهاب النجوم وهو سنة الصبح وإدبار السجود بفتح
الهمزة وكسرها قراءتان متواترتان في قوله تعالى وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل
الغروب ومن الليل فسبحه وإدبار السجود قال الطيبي صلاة إدبار السجود وإدبار نصبه بسبح
في التنزيل أوقعه مضافا في الحديث على الحكاية إنتهى والمراد بالسجود فريضة المغرب قوله
(هذا حديث غريب) وأخرجه الحاكم وصححه ابن مردويه وابن أبي حاتم (ما أقر بهما) صيغة
115
تعجب (ومحمد عندي أرجح) ووافقه أبو حاتم فقال يكتب حديثه وهو أحب إلى من أخيه رشدين
(وسألت عبد الله بن عبد الرحمن) هو الدارمي (قال) أي أبو عيسى الترمذي (ما قال أبو محمد) هو
كنيته عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (وأقدمه) أي أكبره
53 باب ومن سورة النجم مكية
وهي ثنتان وستون اية
قوله (عن مرة) هو ابن شراحيل الهمداني قوله (لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ليلة الإسراء
(سدرة المنتهى) قال الجزري في النهاية السدر شجر النبق وسدرة المنتهى شجرة في أقصى الجنة
إليها ينتهي علم الأولين والآخرين ولا يتعداها قال انتهى ما يعرج من الأرض أي ما
يصعد من الأعمال والأرواح وهذا قول ابن مسعود وضمير قال راجع إليه وفي
رواية مسلم إليها ينتهي ما يعرج به الأرض فيقبض منها وما ينزل من فوق أي من الوحي (فأعطاه الله عندها) أي عند سدرة
المنتهى (خمسا) أي خمس صلوات (وأعطى خواتيم سورة البقرة) أي من قوله تعالى آمن
الرسول إلى آخر السورة قيل معنى قوله أعطى خواتيم سورة البقرة أي أعطى إجابة دعواتها
(وغفر لأمته المقحمات) وفي رواية مسلم وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات قال
116
النووي هو بضم الميم وإسكان القاف وكسر الحاء ومعناه الذنوب العظام الكبائر التي تهلك
أصحابها وتوردهم النار وتقحمهم إياها وتقحم الوقوع في المهالك ومعنى الكلام من مات من هذه
الأمة غير مشرك بالله غفر له المقحمات والمراد والله أعلم بغفرانها أنه لا يخلد في النار بخلاف
المشركين وليس المراد أنه لا يعذب أصلا فقد تقررت نصوص الشرع وإجماع أهل السنة على
إثبات بعض العصاة من الموحدين ويحتمل أن يكون المراد بهذا خصوصا من
الأمة أن يغفر لبعض الأمة المقحمات وهذا يظهر على مذهب من يقول إن لفظة من لا تقتضي العموم مطلقا وعلى
مذهب من يقول لا تقتضيه في الأخبار وإن اقتضته في الأمر والنهي ويمكن تصحيحه على المذهب
المختار وهو كونها للعموم مطلقا لأنه قد قام دليل على إرادة الخصوص وهو ما ذكرناه من النصوص
والإجماع انتهى (قال السدرة في السماء السادسة) قال النووي في شرح مسلم كذا هو في جميع
الأصول السادسة وقد تقدم في الروايات الأخر من حديث أنس أنها فوق السماء السابعة قال
القاضي كونها في السابعة هو الأصح وقول الأكثرين وهو الذي يقتضيه المعنى وتسميتها بالمنتهى
قال النووي ويمكن أن يجمع بينهما فيكون أصلها في السادسة ومعظمها في السابعة فقد علم أنها في
نهاية من العظم (قال سفيان) أي في بيان ما يغشى (فراش) بفتح الفاء الطير الذي يلقى نفسه في
ضوء السراج واحدتها فراشة (فأرعدها) أي حركها لعله حكى تحرك الفراش واضطرابها قوله
(هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
قوله (أخبرنا الشيباني) هو أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان قوله فكان
أي جبرائيل من النبي صلى الله عليه وسلم قاب أي قدر قوسين أو أدنى أي أقرب من ذلك زاد
البخاري في رواية فأوحى إلى عبده ما أوحى (فقال) أي ذر بن حبيش (رأى جبرائيل) أي
في صورته مرتين مرة بالأرض في الأفق الأعلى ومرة في السماء عند سدرة المنتهى
117
قال الحافظ الحاصل أن ابن مسعود كان يذهب في ذلك إلى أن الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم هو جبرائيل كما
ذهبت إلى ذلك عائشة والتقدير على رأيه فأوحى أي جبرائيل إلى عبده أي عبد الله محمد لأنه يرى
أن الذي دنا فتدلى هو جبرائيل وأنه هو الذي أوحى إلى محمد وكلام أكثر المفسرين من السلف
يدل على أن الذي أوحى هو الله أوحى إلى عبده محمد ومنهم من قال إلى جبرائيل إنتهى وقال ابن
القيم في زاد المعاد أما قوله تعالى في سورة النجم ثم دنا فتدلى فهو غير الدنو والتدلي في قصة
الإسراء فإن الذي دنا في سورة النجم هو دنو جبريل وتدليه كما قالت عائشة وابن مسعود والسياق
يدل عليه فإنه قال علمه شديد القوى وهو جبريل ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا
فتدلى فالضمائر كلها راجعة إلى هذا المعلم الشديد القوى وهو ذو المرة أي القوة وهو الذي
استوى بالأفق الأعلى وهو الذي دنا فتدلى فكان من محمد صلى الله عليه وسلم قدر قوسين أو أدنى فأما الدنو
والتدلي الذي في حديث الإسراء فلذلك صريح في أنه دنو الرب تبارك وتعالى وتدليه ولا تعرض في
سورة النجم لذلك بل فيها أنه رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى وهذا هو جبريل رآه محمد صلى الله عليه وسلم على
صورته مرتين مرة في الأرض ومرة عند سدرة المنتهى انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
قوله (حدثنا سفيان) هو ابن عيينة (عن مجالد) هو ابن سعيد (لقي ابن عباس كعبا) هو
كعب بن مانع الحميري أبو إسحاق المعروف بكعب الأحبار ثقة من الثانية مخضرم كان من أهل
اليمن فسكن الشام مات في خلافة عثمان وقد زاد على المائة (فسأله) أي كعبا (فكبر) أي كعب
(حتى جاوبته الجبال) أي كبر تكبيرة مرتفعا بها صوته حتى جاوبته الجبال بالصدى كأنه استعظم ما
سأل عنه فكبر لذلك ولعل ذلك السؤال رؤية الله تعالى كما سئلت عائشة رضي الله عنها فقف
لذلك شعرها قاله الطيبي (إنا بنو هاشم) قال الطيبي هذا بعث له على التسكين من ذلك الغيظ
والتفكر في الجواب يعني نحن أهل علم ومعرفة فلا نسأل عما يستبعد هذا الاستبعاد ولذلك فكر
فأجاب بقوله إن الله قسم إلى آخره (فكلم) أي الله سبحانه وتعالى (مرتين) أي في الميقاتين (ورآه
محمد) أي في المعراج (مرتين) كما يدل عليه قوله سبحان وتعالى ولقد رآه نزلة أخرى فهذا يدل
على أن مذهب كعب أن الضمير في رآه إلى الله لا إلى جبريل بخلاف قول عائشة (فدخلت على
118
عائشة) ظاهره أنه كان حاضرا في مجلس كعب وابن عباس رضي الله عنهما وسمع ما جرى بينهما
(قف له شعري) أي قام من الفزع لما حصل عندها من عظمة الله وهيبته واعتقدته من تنزيهه
واستحالة وقوع ذلك قال النضر بن شميل القف بفتح القاف وتشديد الفاء كالقشعريرة وأصله
التقبض والاجتماع لأن الجلد ينقبض عند الفزع فيقوم الشعر كذلك (قلت رويدا) أي امهلي
ولا تعجلي (ثم قرأت لقد رأى من آيات ربه الكبرى) قال الطيبي أي قرأت الآيات التي
خاتمتها هذه الآية كما تشهد له الرواية الأخرى أعني قوله قلت لعائشة فأين قوله ثم دنا انتهى
قلت في الرواية التي أخرجها الترمذي في تفسير سورة الأنعام فقلت يا أم المؤمنين انظريني
ولا تعجليني أليس الله تعالى يقول ولقد رآه نزلة أخرى وقد رآه بالأفق المبين فالأمر
كما قال الطيبي (أين يذهب بك) بالبناء للمفعول أو بالبناء للفاعل أي أين يذهب بك قوله تعالى
الذي قرأت وفي المشكاة أين تذهب بك قال الطيبي أي أخطأت فيما فهمت من معنى الآية
وذهبت إليه فإسناد الإذهاب إلى الآية مجاز (إنما هو) أي الآية الكبرى وذكر الضمير باعتبار
الخبر (فقد أعظم الفرية) بكسر الفاء أي الكذب (في جياد) موضع بأسفل مكة قاله في
المجمع ووقع في المشكاة في أجياد بفتح الهمزة وسكون الجيم قال في النهاية أجياد موضع
بأسفل مكة معروف من شعابها (قد سد الأفق) أي ملأ أطراف السماء وحديث عائشة هذا
أخرجه الشيخان مع زيادة واختلاف وفي روايتهما قال قلت لعائشة فأين قوله ثم دنا فتدلى
فكان قاب قوسين أو أدنى قالت ذاك جبريل عليه السلام كان يأتيه في صورة الرجل وأنه
أتاه بهذه المرة في صورته التي
هي صورته فسد الأفق (وقد روى داود بن أبي هند عن الشعبي
عن مسروق عن عائشة إلخ) أخرج هذه الرواية الترمذي في تفسير سورة الأنعام وتقدم الكلام
هناك مبسوطا في أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة الإسراء أم لا
119
قوله (أخبرنا سلم بن جعفر) بفتح السين وسكون اللام البكراوي أبو جعفر الأعمى
قال ابن المديني من أهل اليمن صدوق تكلم فيه الأزدي بغير حجة من الثامنة (عن الحكم بن
أبان) العدني أبي عيسى صدوق عابد له أوهام من السادسة قوله (رأى محمد ربه) كذا أطلق
الرؤية في هذه الرواية وفي الرواية الآتية رآه بقلبه (ويحك) قال في النهاية ويح كلمة ترحم وتوجع
تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها وقد يقال بمعنى المدح والتعجب وهي منصوبة على المصدر وقد
ترفع وتضاف ولا تضاف يقال ويح زيد وويحا له وويح له (ذاك) أي عدم إدراك الأبصار إياه
سبحانه وتعالى ليس مطلقا بل (إذا تجلى) أي ظهر (بنوره الذي هو نوره) فحينئذ لا تدركه
الأبصار وحاصله أن المراد بالآية نفي الإحاطة به عند رؤياه لا نفي أصل رؤياه والظاهر أن ابن
عباس أخذ هذا من قوله تعالى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا قوله (أخبرنا
محمد بن عمرو) هو ابن علقمة (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف قوله (عن ابن عباس
في قول الله ولقد رآه نزلة أخرى إلى قوله قال ابن عباس قد رآه النبي صلى الله عليه وسلم) كذا روى الترمذي هذا
الحديث بهذا اللفظ ورواه ابن جرير في تفسيره بعين سند الترمذي هكذا عن ابن عباس في قول الله
ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى قال دنا ربه فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى
عبده ما أوحى قال قال ابن عباس قد رآه النبي صلى الله عليه وسلم قوله (قال رآه بقلبه) أي قال ابن عباس
رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه قال الواحدي وكذا قال أبو ذر وإبراهيم التيمي رآه بقلبه قال وعلى
120
هذا رأى ربه بقلبه رؤية صحيحة وهو أن الله تعالى جعل بصره في فواده أو خلق لفوائده بصرا حتى
رأى ربه رؤية صحيحة كما يرى بالعين انتهى وقال الحافظ جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة
وأخرى مقيدة أي بالفؤاد فيجب حمل مطلقها على مقيدها قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه
ابن جرير في تفسيره وأخرجه مسلم من طريق أبي العالية عن ابن عباس قال ما قال وعلى
رأى ولقد رآه نزلة أخرى قال رآه بفؤاده مرتين قوله (فقال نور أني أراه) وفي رواية لمسلم فقال
رأيت نورا قال النووي قوله صلى الله عليه وسلم نور أني أراه هو بتنوين نور وبفتح الهمزة في أنى وتشديد النون
المفتوحة وأراه بفتح الهمزة هكذا رواه جميع الرواة في جميع الأصول والروايات ومعناه حجابه نور
فكيف أراه قال الإمام أبو عبد الله المازري الضمير في أراه عائد على الله سبحانه وتعالى ومعناه
أن النور منعني من الرؤية كما جرت العادة بإغشاء الأنوار الأبصار ومنعها من إدراك ما حالت بين
الرائي وبينه وقوله صلى الله عليه وسلم رأيت نورا معناه رأيت النور فحسب ولم أر غيره قال وروى أخبرنا نور أنى أراه
يعني بفتح الراء وكسر النون وتشديد الياء ويحتمل أن يكون معناه راجعا إلى ما قلناه أي خالق
النور المانع من رؤيته فيكون من صفات الأفعال قال القاضي عياض هذه الرواية لم تقع إلينا ولا
رأيتها في شئ من الأصول قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه مسلم
قوله (أخبرنا عبيد الله بن أبي رزمة) كذا في النسخة الأحمدية قال في هامشها كذا في نسخ
وفي نسخة وابن أبي رزمه ولا يوجد في التقريب عبيد الله بن أبي رزمة انتهى قلت النسخة التي
فيها وابن أبي رزمة بزيادة الواو هي الصحيحة وأما النسخ التي فيها عبيد الله بن أبي رزمة يحذف
الواو فهي غلط لأنه ليس في الكتب الستة رأو اسمه عبيد الله بن أبي رزمة وعبيد الله هذا هو عبيد الله
بن موسى العبسي وابن أبي رزمة هو عبد العزيز بن أبي رزمة وهما من شيوخ عبد بن حميد
وأصحاب إسرائيل بن يونس (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس
النخعي (عن عبد الله) بن مسعود قوله (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرائيل في حلة من رفرف) أي
121
ديباج رقيق حسنت صنعته جمعه رفارف أو هو رفرقه وهذه هي الروية الأولى وكانت في أوائل
البعثة بعد ما جاءه جبرائيل عليه السلام أول مرة فأوحى الله إليه صدر سورة اقرأ ثم فتر الوحي فترة
ذهب أي رقيق حسنت صنعته جمعه رفارف أو هو جمع رفرفة وهذه هي الرؤية النبي صلى الله عليه وسلم فيها مرارا ليتردى من رؤوس الجبال فكلما هم بذلك ناداه جبرائيل من الهواء يا
محمد أنت رسول الله وأنا جبريل فيسكن لذلك جأشه وتقر عينه وكلما طال عليه الأمر عاد
لمثلها حتى تبدي له جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح في صورته التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح
قد سد عظم خلقه الأفق ما اقترب منه وأوحى إليه عن الله ما أمره به فعرف عند ذلك عظمة الملك
الذي جاءه بالرسالة وجلالة قدره وعلو مكانته عند خالقه الذي بعثه إليه قوله (هذا حديث
حسن صحيح) وأخرجه ابن جرير في تفسيره
قوله (حدثنا أحمد بن عثمان أبو عثمان البصري) يلقب أبا الجوفاء بالجيم والزاي ثقة من
الحادية عشرة (حدثنا أبو عاصم) اسمه الضحاك النبيل قوله الذي يجتنبون كبائر الإثم
والفواحش الكبائر كل ذنب توعد الله عليه بالنار أو ما عين له حدا أو ذم فاعله ذما شديدا
والفواحش جمع فاحشة وهي كل ذنب فيه وعيد أو مختص بالزنا إلا اللمم بفتحتين أي الصغائر
فإنهم لا يقدرون أي يجتنبوها قال الطيبي الاستثناء منقطع فإن اللمم ما قل وما صغر من الذنوب
ومنه قوله ألم بالمكان إذا قل ليلة فيه ويجوز أن يكون قوله اللمم صفة وإلا بمعنى غير فقيل هو
النظرة والغمزة والقبلة وقيل الخطرة من الذنب وقيل كل ذنب لم يذكر الله فيه حدا ولا عذابا
إن تغفر اللهم تغفر جما بفتح الجيم وتشديد الميم أي كثيرا كبيرا وأي عبد لك لا ألما فعل
ماض مفرد والألف للإطلاق أي لم يلم بمعصية يقال لم أي نزل وألم إذا فعل اللمم والبيت لأمية بن
الصلت أنشده النبي صلى الله عليه وسلم أي من شأنك غفران كثير من ذنوب عظام وأما الجرائم الصغيرة فلا
تنسب إليك لأن أحدا لا يخلو عنها وأنها مكفرة باجتناب الكبائر وإن تغفر ليس للشك بل للتعليل
نحو إن كنت سلطانا فاعط الجزيل أي لأجل أنك غفار اغفر جما واختلف أقوال أهل العلم في
تفسير اللمم فالجمهور على أنه صغائر الذنوب هو ما كان دون الزنا من القبلة والغمزة
122
والنظرة وكالكذب الذي لا حد فيه ولا ضرر وقيل غير ذلك والظاهر الراجح هو قول الجمهور
والله تعالى أعلم قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب وأخرجه ابن جرير
54 باب ومن سورة القمر
مكية إلا سيهزم الجمع الآية
وهي خمس وخمسون اية
قوله (عن إبراهيم) هو النخعي (عن أبي معمر) اسمه عبد الله بن سخبرة الأزدي قوله
(بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى فانشق القمر فلقتين) بكسر الفاء وسيكون اللام أي قطعتين وفي
حديث أنس الآتي فانشق القمر بمكة وهذا لا ينافي قول ابن مسعود بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
بمنى فانشق القمر لأن أنسا لم يصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ليلتئذ بمكة وعلى تقدير تصريحه فمنى من
جملة مكة وقد وقع عند ابن مردويه بيان المراد فأخرج من وجه آخر عن ابن مسعود قال انشق القمر
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمكة قبل أن نصير إلى المدينة فوضح أن مراده بذكر مكة الإشارة
إلى أن ذلك وقع قبل الهجرة (فلقة من وراء الجبل) أي جبل حراء وفي رواية فلقة فوق الجبل وفلقة
دونه والمراد أنهما تباينتا فإحداهما إلى جهة العلو والأخرى إلى السفل اشهدوا أي على نبوتي أو
معجزتي من الشهادة وقيل معناه احضروا وانظروا من الشهود (يعني اقتربت الساعة وانشق
القمر) أي قربت القيامة وانفلق القمر فلقتين والمعنى أن هذا الانشقاق الذي هو معجزة من
النبي صلى الله عليه وسلم هو المراد في هذه الآية لا أنه يقع يوم القيامة وقد تقدم الكلام في انشقاق القمر مبسوطا
في باب انشقاق القمر من أبواب الفتن قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
123
قوله (سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم) هذا من مراسيل الصحابة لأن أنسا لم يدرك هذه القصة
وقد جاءت القصة من حديث ابن عباس وهو أيضا ممن لم يشاهدها ومن حديث ابن مسعود
وجبير بن مطعم وحذيفة وهؤلاء شاهدوها (آية) أي علامة دالة على نبوته ورسالته (فانشق القمر
بمكة مرتين) ووقع في رواية البخاري فأراهم القمر شقتين قال الحافظ ما ملخصه وفي رواية
لمسلم مرتين وفي مصنف عبد الرزاق عن معمر بلفظ مرتين أيضا وكذلك أخرجه الإمامان أحمد
وإسحاق في مسنديهما عن عبد الرزاق وقد اتفق الشيخان عليه من رواية شعبة عن قتادة بلفظ
فرقتين قال البيهقي قد حفظ ثلاثة من أصحاب قتادة عنه مرتين قال الحافظ لكن اختلف عن
كل منهم في هذه اللفظة ولم يختلف على شعبة وهو أحفظهم ولم يقع في شئ من طرق حديث ابن
مسعود بلفظ مرتين إنما فيه فرقتين أو فلقتين بالراء أو اللام وكذا في حديث ابن عمر فلقتين
وفي حديث جبير ابن مطعم فرقتين ثم ذكر الحافظ روايات عديدة وقع في بعضها انشق باثنتين
وفي بعضها شقتين وفي بعضها قمرين ثم قال ولا أعرف من جزم من علماء الحديث بتعدد الانشقاق
في زمنه صلى الله عليه وسلم ولم يتعرض لذلك أحد من شراح الصحيحين وتكلم الحافظ ابن القيم على هذه
الرواية فقال المرات يراد بها الأفعال تارة والأعيان أخرى والأول أكثر ومن الثاني انشق القمر
مرتين وقد خفي على بعض الناس فادعى أن انشقاق القمر وقع مرتين وهذا مما يعلم أهل الحديث
والسير أنه غلط فإنه لم يقع إلا مرة واحدة وقد قال العماد بن كثير في الرواية التي فيها مرتين نظر
ولعل قائلها أراد فرقتين قال الحافظ وهذا الذي لا يتجه غيره جمعا بين الروايات انتهى (يقول
ذاهب) يعني أن المراد بقوله مستمر ذاهب مار لا يبقى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي انشق فلقتين كما في الرواية المتقدمة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
124
قوله (عن ابن عمر قال انفلق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) تقدم هذا الحديث في باب
انشقاق القمر
قوله (أخبرنا محمد بن كثير) هو العبدي البصري (أخبرنا سليمان بن كثير) العبدي
البصري (عن حصين) هو ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي قوله (حتى صار فرقتين على هذا
الجبل وعلى هذا الجبل) وفي حديث عبد الله بن مسعود عند عبد الرزاق في مصنفه قال رأيت
القمر منشقا شقتين شقة على أبي قبيس وشقة على السويداء قال الحافظ السويداء بالمهملة
والتصغير ناحية خارج مكة عندها جبل (سحرنا محمد) أي جعلنا مسحورين (فقال بعضهم لئن
كان سحرنا فما يستطيع أن يسحر الناس كلهم) وفي حديث عبد الله بن مسعود عند البيهقي فقال
كفار قريش أهل مكة هذا سحر سحركم به ابن أبي كبشة أنظروا السفار فإن كانوا رأوا ما رأيتم
فقد صدق وإن كانوا لم يروا مثل ما رأيتم فهو سحر سحركم به قال فسئل السفار قال وقدموا
من كل وجهة فقالوا رأينا وحديث جبير بن مطعم هذا أخرجه أيضا في مسنده والبيهقي في
الدلائل وابن جرير في تفسيره
قوله (عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم) مقبول من السادسة (عن أبيه عن جده جبير
بن مطعم نحوه) رواه البيهقي بهذا الوجه في الدلائل كما في تفسير ابن كثير قوله (وأبو بكر
125
بندار) أبو بكر هذا اسمه محمد بن بشار وبندار لقبه (عن سفيان) هو الثوري قوله (عن أبي
هريرة قال جاء مشركو قريش إلخ) تقدم هذا الحديث مع شرحه في أواخر أبواب القدر
55 باب ومن سورة الرحمن
مكية أو إلا يسأله من في السماوات والأر ض الآية
فمدنية وهي ست أو ثمان وسبعون اية
قوله (حدثنا عبد الرحمن بن واقد أبو مسلم) البغدادي (أخبرنا الوليد ابن مسلم) القرشي
الدمشقي (عن زهير بن محمد) التميمي قوله (فسكتوا) أي الصحابة مستمعين (ليلة الجن) أي
ليلة اجتماعهم به فكانوا أي الجن أحسن مردودا أي أحسن ردا وجوابا لما تضمنه الاستفهام
التقريري المتكرر فيها بأي منكم أيها الصحابة قال الطيبي المردود بمعنى الرد كالمخلوق
والمعقول نزل سكوتهم وإنصاتهم للاستماع منزلة حسن الرد فجاء بأفعل التفضيل ويوضحه كلام
ابن الملك حيث قال نزل سكوتهم من حيث اعترافهم بأن في الجن والإنس من هو مكذب بالإله
وكذلك في الجن من يعترف بذلك أيضا لكن نفيهم التكذيب عن أنفسهم باللفظ أيضا أدل
على الإجابة وقبول ما جاء به الرسول من سكوت الصحابة أجمعين ذكره القاري كنت أي تلك
الليلة كلما أتيت على قوله أي على قراءة قوله تعالى فبأي آلاء ربكما تكذبان الخطاب
للإنس والجن أي بأي نعمة مما أنعم الله به عليكم تكذبون وتجحدون نعمه بترك شكره وتكذيب
رسله وعصيان أمره لا بشئ متعلق بنكذب الآتي ربنا بالنصب على حذف حرف النداء
126
(نكذب) أي لا تكذب بشئ منها (فلك الحمد) أي على نعمك الظاهرة والباطنة ومن أتمها نعمة
الإيمان والقرآن قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي
والبزار (قلبوا اسمه) أي فجعلوا اسمه زهير بن محمد فالتبس بزهير بن محمد الذي يروي عنه أهل
العراق (يعني لما يروون عنه من المناكير) أي إنما جعله أحمد رجلا اخر لأن أهل الشام يروون عنه
أحاديث مناكير قال في التقريب زهير بن محمد التميمي أبو المنذر الخراساني سكن الشام ثم
الحجاز رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة نضعف بسببها قال البخاري عن أحمد كان زهير
الذي يروي عنه الشاميون آخر وقال أبو حاتم حدث بالشام من حفظه فكثر غلطه من السابعة
(وسمعت محمد بن إسماعيل يقول أهل الشام يروون عن زهير بن محمد مناكير وأهل العراق
يروون عنه أحاديث مقاربة) أي أحاديث صحيحة قال في تهذيب التهذيب قال البخاري ما
روى عنه أهل الشام فإنه مناكير وما روي عن أهل البصرة فصحيح قلت حديث جابر هذا رواه
الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد وهو من أهل الشام ففي الحديث ضعف لكن له شاهدا من
حديث ابن عمر أخرجه ابن جرير والبزار والدارقطني في الأفراد وغيرهم وصحح السيوطي
إسناده كما في فتح البيان
56 باب ومن سورة الواقعة
مكية إلا أفبهذا الحديث الآية وثلة من الأولين
هي ست أو سبع أو تسع وتسعون اية
قوله (أخبرنا عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي (وعبد الرحيم بن سليمان) أبو علي الأشل
127
(عن محمد بن عمرو) بن علقمة الليثي قوله (يقول الله أعددت إلى قوله جزاء بما كانوا
يعملون تقدم عن محمد بن عمرو) بن علقمة الليثي شرحه في تفسير سورة السجدة قوله وفي الجنة شجرة يسير الراكب إلخ تقدم شرحه
في باب صفة شجرة الجنة (وموضع سوط في الجنة إلخ) تقدم شرحه في تفسير سورة آل عمران
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرج أحمد والشيخان بعضه
قوله وماء مسكوب أي جار دائما وقيل يسكب لهم أين شاء وكيف شاء بلا تعب
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري قوله (وفي الباب عن أبي سعيد) أخرجه
الترمذي في باب صفة شجر الجنة
قوله (عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله وفرش مرفوعة إلخ) تقدم هذا الحديث مع
شرحه في باب صفة ثياب أهل الجنة قوله (وقال بعض أهل العلم معنى هذا الحديث وارتفاعها
كما بين السماء والأرض) كذا في النسخ الحاضرة وارتفاعها كما بين السماء والأرض بالواو والظاهر
128
أن يكون بغير الواو وهو بدل من هذا الحديث (قال) أي بعض أهل العلم (ارتفاع الفرش
المرفوعة في الدرجات والدرجات بين كل درجتين كما بين السماء والأرض) حاصله أن ارتفاع
الفرش المفروشة في الدرجات وبعد ما بين كل درجتين منها كما بين السماء والأرض وقد نقل الحافظ
ابن كثير في تفسير سورة الواقعة حديث أبي سعيد المذكور عن جامع الترمذي ثم نقل كلامه هذا
بلفظ فقال بعض أهل المعاني معنى هذا الحديث ارتفاع الفرش في الدرجات وبعد ما بين الدرجتين كما
بين السماء والأرض انتهى
قوله (حدثنا الحسين بن محمد) بن بهرام التميمي البغدادي (عن عبد الأعلى) بن عامر
الثعلبي الكوفي (عن أبي عبد الرحمن) اسمه عبد الله بن حبيب السلمي قوله وتجعلون رزقكم
أنكم تكذبون أي تجعلون شكر رزقكم التكذيب موضع الشكر أي وضعتم التكذيب موضع
الشكر وفي قراءة علي رضي الله عنه وهي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجعلون شكركم أنكم تكذبون
أي تجعلون شكركم لنعمة القرآن أنكم تكذبون به وقيل نزلت في الأنواء ونسيتهم السقيا إليها
والرزق المطر أي وتجعلون شكر ما يرزقكم الله من الغيث أنكم تكذبون بكونه من الله حيث
تنسبونه إلى النجوم كذا في المدارك قال شكركم أي شكر ما رزقكم من المطر تقولون مطرنا
بصيغة المجهول بنوء كذا وكذا بفتح النون وسكون الواو وبنجم كذا وكذا وذلك أنهم كانوا
إذا مطروا يقولون مطرنا بنوء كذا ولا يرون ذلك المطر من فضل الله عليهم فقيل لهم أتجعلون
رزقكم أي شكركم بما رزقكم التكذيب فمن نسب الإنزال إلى النجم فقد كذب برزق الله تعالى
ونعمه وكذب بما جاء به القرآن والمعنى أتجعلون بدل الشكر التكذيب قال النووي في شرح
مسلم قال ابن الصلاح النوء في أصله ليس هو نفس الكوكب فإنه مصدر ناء النجم ينوء نوءا
أي سقط وغاب وقيل نهض وطلع وبيان ذلك أن ثمانية وعشرين نجما معروفة المطالع في أزمنة
السنة كلها وهي المعروفة بمنازل القمر الثمانية والعشرين يسقط في كل ثلاث عشرة ليلة منها نجم
في المغرب مع طلوع الفجر ويطلع آخر يقابله في المشرق من ساعته فكان أهل الجاهلية إذا كان
عند ذلك مطر ينسبونه إلى الساقط الغارب منهما وقال الأصمعي إلى الطالع منهما قال أبو عبيد
129
ولم أسمع أن النوء السقوط إلا في هذا الموضع ثم إن النجم نفسه قد يسمى نوء تسمية للفاعل
بالمصدر قال أبو إسحاق الزجاج في بعض أماليه الساقطة في المغرب هي الأنواء والطالعة في
المشرق هي البوارح انتهى
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد بن أبي حاتم وابن جرير
قوله (حدثنا وكيع) هو ابن الجراح (عن موسى بن عبيدة) الربذي (عن يزيد بن أبان) هو
الرقاشي قوله إنا أنشأناهن إنشاء قيل هن الحور العين أنشأهن الله لم تقع عليهن الولادة ولم
يسبقن بخلق وأنهن لسن من نسل آدم عليه السلام بل مخترعات وهو ما جرى عليه أبو عبيدة
وغيره وقيل المراد نساء بني آدم والمعنى أن الله سبحانه أعادهن بعد الموت إلى حال الشباب
والنساء وإن لم يتقدم لهن ذكر لكنهن قد دخلن في أصحاب اليمين فتلخص أن نساء الدنيا يخلقهن
الله في القيامة خلقا جديدا من غير توسط ولادة خلقا يناسب البقاء والدوام وذلك يستلزم كمال
الخلق وتوفر القوى الجسمية وانتفاء صفات النقص كما أنه خلق الحور العين على ذلك الوجه
وإما على قول قال إن الفرش المرفوعة كناية عن النساء فمرجع الضمير ظاهر إن من المنشئات
جمع منشأة اسم مفعول من الإنشاء التي أي نساء الدنيا اللائي كن في الدنيا عجائز جمع
عجوز وهي المرأة الكبيرة عمشا بضم فسكون جمع عمشاء من العمش في العين محركة وهو
ضعف الرؤية مع سيلان دمعها في أكثر أوقاتها من باب طرب فهو أعمش والمرأة عمشاء رمصا
جمع رمصاء من الرمص محركة وهو وسخ أبيض يجتمع في الموق رمصت عينه كفرح والنعت أرمص
ورمصاء قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن جرير وابن المنذر والبيهقي وعبد بن حميد
قوله (عن شيبان) هو ابن عبد الرحمن النحوي (عن أبي إسحاق) هو السبيعي كما
130
صرح به البيجوري في شرح الشمائل ص 38 قوله (قد شبت) من الشيب وهو بياض الشعر
قال القاري أي ظهر عليك آثار الضعف قبل أوان الكبر وليس المراد منه ظهور كثرة الشعر
الأبيض عليه لما روى الترمذي عن أنس قال ما عددت في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحيته إلا أربع
عشرة شعرة بيضاء شيبتني من التشييب وذلك لما في هذه السور من أهوال يوم القيامة
والمثلات النوازل بالأمم الماضية أخذ مني مأخذه حتى شبت قبل أوانه قاله الطيبي هود أي سورة
هود والمرسلات بالرفع ويجوز كسرها على الحكاية قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه
الطبراني والحاكم قوله (وروى علي بن صالح) بن صالح بن حي الهمداني (عن أبي إسحاق)
هو السبيعي (عن أبي جحيفة نحو هذا) أخرج الترمذي حديث أبي جحيفة هذا في الشمائل وفي
الباب أحاديث أخرى ذكرها السيوطي في الجامع الصغير
57 باب ومن سورة الحديد
مكية أو مدنية وهي تسع وعشرون اية
قوله (أخبرنا يونس بن محمد) بن مسلم المؤدب (حدثنا شيبان بن عبد الرحمن) النحوي
(حدثنا الحسن) هو البصري قوله (وأصحابه) أي معه جلوس (إذ أتى) أي مر هذا العنان
كسحاب مبني ومعنى من عن أي ظهر هذه أي السحابة فالتعبير بالتأنيث للوحدة وبالتذكير
131
للجنس باب التفنن قاله القاري قلت الظاهر أن التعبير بالتأنيث لتأنيث الخبر روايا الأرض
جمع راوية قال في النهاية الروايا من الإبل الحوامل للماء واحدتها راوية فشبهها بها يسوقه الله أي
السحاب إلى قوم لا يشكرونه أي بل يكفرونه ولا يدعونه أي لا يعبدونه بل يعبدون غيره
وذلك لأن الله تعالى يرزق كل بر وفاجر فإنها الرقيع هو اسم لسماء الدنيا وقيل كل سماء والجمع
أرقعة وموج مكفوف أي ممنوع من الاسترسال حفظها الله أن يقع على الأرض وهي معلقة بلا
عمد كالموج المكفوف قال بينكم وبينها خمسمائة سنة أمسيرتها ومسافتها هل تدرون ما فوق
ذلك أي المحسوس أو المذكور من سماء الدنيا ما بين كل سماءين ما بين السماء والأرض أي كما
بينهما من خمسمائة عام فإن فوق ذلك خبر مقدم ن العرش بالنصب على أنه اسم مؤخر
وبينه وبين السماء أي بين العرش وبين السماء السابعة بعد ما بين السماءين أي من السماوات
السبع قال فإنها الأرض أي العليا بين كل أرضين بالتثنية أي بين كل أرضين منها لو أنكم
دليتم بتشديد اللام المفتوحة من أدليت الدلو إذا أرسلتها البئر أي لو أرسلتم لهبط بفتح
الموحدة أي لنزل على الله أي على علمه وملكه كما صرح به الترمذي في كلامه الآتي هو الأول
أي قبل كل شئ بلا بداية والاخر أي بعد كل شئ بلا نهاية والظاهر أي بالأدلة عليه
132
والباطن أي عن إدراك الحواس وهو بكل شئ عليم أي بالغ في كمال العلم به محيط علمه
بجوانبه قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد وابن أبي حاتم والبزار قال الحافظ ابن كثير
في تفسيره ورواه ابن جرير عن بشر عن يزيد عن سعيد عن قتادة هو الأول والاخر والظاهر
والباطن ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في أصحابه إذ مر عليهم سحاب فقال هل تدرون ما
هذا وذكر الحديث مثل سياق الترمذي سواء إلا أنه مرسل من هذا الوجه ولعل هذا هو المحفوظ
انتهى قوله (ويروي عن أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زيد الخ) قد صرح كثير من أئمة
الحديث بأن الحسن لم يسمع من أبي هريرة كما في كتاب المراسيل لابن أبي حاتم (فقالوا إنما هبط
على علم الله وقدرته وسلطانه) قال الطيبي أما علمه تعالى فهو في قوله وهو بكل شئ
عليم وأما قدرته فمن قوله هو الأول والاخر أي هو الأول الذي يبدئ كل شئ ويخرجهم من
العدم إلى الوجود والاخر الذي يفنى كل شئ كل من عليها فإن ويبقى وجه ربك ذو الجلال
والإكرام وأما سلطانه فمن قوله والظاهر والباطن قال الأزهري يقال ظهرت على فلان إذا
غلبته والمعنى هو الغالب الذي يغلب ولا يغلب ويتصرف في المكونات على سبيل الغلبة
والاستيلاء أوليس فوقه أحد يمنعه والباطن هو الذي لا ملجأ ولا منجا دونه كذا في المرقاة
(وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان) أي يستوي فيه العلويات والسفليات وما بينهما (وهو
على العرش كما وصف في كتابه) قال الطيبي الكاف في كما منصوب على المصدر أي هو مستو على
العرش استواء مثل ما وصف نفسه به في كتابه وهو مستأثر بعلمه باستوائه عليه وفي قول
الترمذي إشعار إلى أنه لا بد لقوله لهبط على الله من هذا التأويل المذكور ولقوله على العرش
استوى من تفويض علمه إليه تعالى والإمساك عن تأويله
133
58 سورة المجادلة
مدنية وهي اثنتان وعشرون اية
قوله (أخبرنا محمد بن إسحاق) هو صاحب المغازي (عن محمد بن عمرو ابن عطاء)
القرشي العامري المدني ثقة من الثالثة (عن سلمة بن صخر الأنصاري) الخزرجي البياضي ويقال
له سلمان صحابي ظاهر من امرأته قوله (تظاهرت من امرأتي) وفي رواية أبي داود وابن ماجة
ظاهرت منها وفي رواية الترمذي في باب كفارة الظهار جعل امرأته عليه كظهر أمه (حتى ينسلخ
رمضان) أي حتى يمضي وفيه دليل على أن الظهار المؤقت ظهار كالمطلق منه وهو إذا ظاهر من
امرأته إلى مدة ثم أصابها قبل انقضاء تلك المدة واختلفوا فيه إذا بر ولم يحنث فقال مالك وابن أبي
ليلى إذا قال لامرأته أنت علي كظهر أمي إلى الليل لزمته الكفارة وإن لم يقربها وقال أكثر أهل
العلم لا شئ عليه إذا لم يقربها وللشافعي في الظهار المؤقت قولان أحدهما أنه ليس بظهار قاله
الخطابي في العالم (فرقا) بفتحتين أي خوفا (فأتتابع في ذلك) بصيغة المضارع المتكلم أي أتوالي من
التتابع وهو التوالي (إذ تكشف) أي انكشف (فوثبت عليها) من الوثوب وهو النهوض والقيام
والطفر وفي رواية أبي دواد فلم ألبث أن نزوت عليها (غدوت على قومي) أي خرجت إليهم
وأتيتهم بالغداة (فأخبره بأمري) أي بما جرى بي (لا نفعل) أي لا ننطلق معك (نتخوف) أي
134
نخاف (ما بدا لك) أي ما ظهر لك فقال أنت بذاك أي أنت الملم بذلك أو أنت المرتكب له كذا
في المعالم (ها) كلمة تنبيه (أنا ذا) أي أنا هذا موجود (فامض في) بتشديد الياء أي أجر علي
(فضربت صفحة عنقي) قال في القاموس الصفح الجانب ومنك جنبك ومن الوجه والسيف
عرضه (لقد بتنا ليلتنا هذه وحشي) قال في القاموس بات وحشا أي جائعا وهم أوحاش وقال
الجزري في النهاية يقال رجل وحش بالسكون من قوم أوحاش إذا كان جائعا لا طعام له وقد
أوحش إذا جاع قال وفي رواية الترمذي لقد بتنا ليلتنا هذه وحشي كأنه أراد جماعة وحشي إنتهى
(ما لنا عشاء) بفتح العين أي طعام العشي إلى صاحب صدقة بني زريق بتقديم الزاي على الراء
مصغرا فاطعم عنك منها وسقا أي من تمر كما في رواية أبي داود ثم استعن بسائره أي بباقيه
وفي رواية أبي داود وكل أنت وعيالك بقيتها وقل أخذ بقوله صلى الله عليه وسلم فاطعم عنك منها وسقا ستين
مسكينا الثوري وأبو حنيفة وأصحابه فقالوا الواجب لكل مسكين صاع من تمر أو ذرة أو شعير أو
زبيب أو نصف صاع من بر وقال الشافعي إن الواجب لكل مسكين مد وتمسك بالروايات
التي فيها ذكر العرق وتقديره بخمسة عشر صاعا قلت ما تمسك به الشافعي ومن وافقه أصح
سندا لأن رواية الترمذي في باب كفارة الظهار التي وقع فيها اعطه ذلك العرق وهو مكتل يأخذ
خمسة عشر صاعا أو ستة عشر صاعا أصح من هذه الرواية التي فيها فاطعم عنك منها وسقا
ستين مسكينا وظاهر الحديث أن الكفارة لا تسقط بالعجز عن جميع أنواعها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعانه
بما يكفر به بعد أن أخبره أنه لا يجد رقبة ولا يتمكن من إطعام ولا يطيق الصوم وإليه ذهب
الشافعي وأحمد في رواية عنه وذهب قوم إلى السقوط وذهب آخرون إلى التفصيل فقالوا تسقط كفارة صوم رمضان لا
135
غيرها من الكفارات كذا في النيل قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة
والحاكم هذا حديث منقطع وفي سنده محمد بن إسحاق ورواه عن محمد بن عمرو بالعنعنة
قوله (وفي الباب عن خولة بنت ثعلبة) أخرج حديثها أبو داود
قوله (أخبرنا يونس) بن محمد بن مسلم المؤدب (عن شيبان) بن عبد الرحمن النحوي
قوله (وأصحابه) بالجر (السام عليكم) أي لم يقل السلام عليكم بل قال السام عليكم والسام
الموت (فرد عليه) أي على اليهودي (القوم) أي الصحابة ظانين أن اليهودي قال السلام عليكم ما
قال هذا أي هذا اليهودي (سلم) أي قال السلام عليكم ولكنه قال كذا وكذا أي قال السام
عليكم ردوه علي أي ارجعوا اليهودي إلي (قلت السام عليكم) بحذف حرف الاستفهام
فقولوا أي في الرد عليه قال أي قرأ وإذا جاءوك أي اليهود حيوك أيها النبي بما لم يحيك به
الله وهو قولهم السام عليكم قال القرطبي المراد بها اليهود كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون السام
عليك يريدون بذلك السلام ظاهرا وهم يعنون الموت باطنا فيقول النبي صلى الله عليه وسلم عليكم وفي رواية
وعليكم قال ابن عمر في الآية يريدون بذلك شتمه فنزلت هذه الآية انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح
136
قوله (عن علي بن علقمة الأنماري) بفتح الهمزة وسكون النون الكوفي مقبول من الثالثة
كذا في التقريب وقال في تهذيب التهذيب روى عن علي وابن مسعود وعنه سالم بن الجعد
قال ابن المديني لم يرو عنه غيره وقال البخاري في حديثه نظر وذكره ابن حبان في الثقات له عند
الترمذي حديث واحد في قوله تعالى إذا ناجيتم الرسول قال الحافظ وقال ابن عدي ما
أرى بحديثه بأسا وليس له عن علي غيره إلا اليسير وذكره العقيلي وابن الجارود في الضعفاء تبعا
للبخاري على العادة قوله يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم
صدقة أي إذا أردتم مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدموا أمام ذلك صدقة وفائدة ذلك إعظام مناجاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الإنسان إذا وجد الشئ بمشقة استعظمه وإن وجده بسهولة استحقره ونفع كثير
من الفقراء بتلك الصدقة المقدمة قبل المناجاة قال ابن عباس إن الناس سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأكثروا حتى شق عليه فأراد الله تعالى أن يخفف على نبيه صلى الله عليه وسلم ويثبطهم عن ذلك فأمرهم أن يقدموا
صدقة على مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل نزلت في الأغنياء وذلك أنهم كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيكثرون مناجاته ويغلبون الفقراء على المجالس حتى كره رسول الله صلى الله عليه وسلم طول جلوسهم ومناجاتهم
فلما أمروا بالصدقة كفوا عن مناجاته فأما الفقراء وأهل العسرة فلم يجدوا شيئا وأما الأغنياء وأهل
الميسرة فضنوا واشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الرخصة وبعده ذلك خير لكم
يعني تقديم الصدقة على المناجاة لما فيه من طاعة الله وطاعة رسوله وأطهر أي لذنوبكم فإن لم
تجدوا يعني الفقراء الذين لا يجدون ما يتصدقون به فإن الله غفور أي لمناجاتكم رحيم أي
بكم فلا عليكم في المناجاة من غير صدقة (ما ترى) أي في مقدار الصدقة التي تقدم بين يدي
النجوى (دينار) أي هل يقدم قبل النجوى دينار (قلت شعيرة) أي تقدم قبل النجوى شعيرة والمراد
بها هنا وزن شعيرة من ذهب كما فسرها الترمذي به (إنك) أي يا علي (لزهيد) أي قليل المال
قدر على حالك (قال) أي علي (فنزلت أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات) أي أخفتم
ذلك والإشفاق الخوف من المكروه والاستفهام للتقرير (الآية) بالنصب أي أتم الآية وبقيتها مع
تفسيرها هكذا فإذا لم تفعلوا أي ما أمرتم به من تقديم الصدقة وتاب الله عليكم أي تجاوز عنكم
137
ونسخ الصدقة فأقيموا الصلاة أي المفروضة وآتوا الزكاة أي الواجبة وأطيعوا الله ورسوله أي
فيما أمر ونهى والله خبير بما تعملون أي أنه محيط بأعمالكم ونياتكم (قال) أي علي (فبي) أي
بسببي ولأجلي قوله (هذا حديث حسن غريب) في سنده سفيان بن وكيع وهو صدوق إلا أنه
ابتلى بوراقة فأدخل عليه ما ليس من حديثه فنصح فلم يقبل فسقط حديثه وفيه أيضا علي بن
علقمة الأنماري وهو متكلم فيه وقال البخاري فيه نظر والحديث أخرجه أيضا أبو يعلى وابن
جرير وابن المنذر وأخرج ابن جرير بسنده عن مجاهد في قوله فقدموا بين يدي نجواكم صدقة
قال نهوا عن مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتصدقوا فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قدم
دينارا فتصدق به ثم أنزلت الرخصة في ذلك وأخرج أيضا عن ليث عن مجاهد قال قال علي رضي
الله عنه إن في كتاب الله عز وجل الآية ما عمل بها بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي يا أيها
الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة قال فرضت ثم نسخت وهاتان
الروايتان منقطعتان لأن مجاهدا لم يسمع من علي سورة الحشر
مدينة وهي أربع وعشرون آية
قوله (حرق) من التحريق (نخل بني النضير) أي أمر بقطع نخيلهم وتحريقها وهم طائفة
من اليهود وقصتهم مشهورة مذكورة في كتب السير وإنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حاصرهم
إهانة لهم وإرهابا وإرعابا لقلوبهم (وهي) أي نخيلهم (البويرة) بضم الموحدة وفتح الواو مصغرا
موضع نخل بني النضير ما قطعتم من لينة أي أي شئ قطعتم من نخلة أو تركتموها الضمير
لما وتأنيثه لأنه مفسر باللينة قائمة على أصولها أي لم تقطعوها فبإذن الله أي بأمره وحكمه يعني
138
خيركم في ذلك وليجزي أي با ذن في القطع الفاسقين يعني اليهود
قوله (هذا الحديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الصفار البصري (حدثنا حبيب ابن أبي عمرة)
القصاب قوله (قال اللينة النخلة) أي قال ابن عباس إن المراد من اللينة النخلة قال الإمام
البخاري ما قطعتم من لينة نخلة ما لم تكن عجوة أو برنية قال الحافظ قال أبو عبيدة في تفسير
هذه الآية أي من نخلة وهي من الألوان ما لم تكن عجوة أو برنية إلا أن الواو ذهبت بكسر اللام
وروى سعيد بن منصور من طريق عكرمة قال اللينة ما دون العجوة وقال سفيان هي شديدة
الصفرة تنشق عن النوى (قال) أي ابن عباس (استنزلوهم) أي أنزلوا اليهود (فحك في صدورهم
الخ) يقال حك الشئ في نفسي إذا لم تكن منشرح الصدر به وكان في قلبك منه شئ من الشك
والريب وأوهمك أنه ذنب وخطيئة وروى الحافظ أبو يعلى في مسنده قال حدثنا سفيان بن وكيع
حدثنا حفص عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن جابر وعن أبي الزبير عن جابر قال رخص
لهم في قطع النخل ثم شدد عليهم فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله علينا إثم فيما قطعنا أو علينا
وزر فيما تركنا فأنزل الله عز وجل ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله
كذا في تفسير ابن كثير (من وزر) بكسر الواو وسكون الزاي أي إثم قوله (هذا حديث حسن
139
غريب) وأخرجه النسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه (عن هارون بن معاوية) بن عبيد الله بن
يسار الأشعري صدوق من كبار العاشرة قوله (قال أبو عيسى سمع مني محمد بن إسماعيل هذا
الحديث) وقد سمع هو منه أيضا حديث أبي سعيد يا علي لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد
غيري وغيرك كما صرح به الترمذي بعد إخراجه في مناقب علي
قوله (عن أبي حازم) اسمه سلمان الأشجعي الكوفي قوله (أن رجلا من الأنصار) يقال
له أبو طلحة كما في رواية مسلم (إلا قوته وقوت صبيانه) أي طعامه وطعام صبيانه والقوت
بالضم ما يقوم به بدن الإنسان من الطعام (نومي الصبية) بكسر الصاد وسكون الموحدة جمع صبي
(ما عندك) أي من الطعام ويؤثرون على أنفسهم أي في كل شئ من أسباب المعاش وا يثار
تقديم الغير على النفس في حظوظ الدنيا رغبة في حظوظ الآخرة وذلك ينشأ عن قوة اليقين ووكيد
المحبة والصبر على المشقة يقال آثرته بكذا أي خصصته به فضلته والمعنى ويقدم الأنصار
المهاجرين على أنفسهم في حظوظ الدنيا ولو كان بهم خصاصة أي حاجة وفقر
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
60 باب سورة الممتحنة
مدنية وهي ثلاث عشرة اية
قوله (أخبرنا سفيان) هو ابن عيينة (عن الحسن بن محمد هو ابن الحنفية) قال في التقريب
140
الحسن بن محمد بن علي بن أبي علي بن أبي طالب أبو محمد المدني وأبو ابن الحنفية ثقة فقيه من
الثالثة قوله (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير) أكد الضمير المنصوب في بعثنا بلفظ أنا كما في قوله
تعالى إن ترن أنا أقل منك الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو محمد المدني وأبوه مالا وولدا ولا منافاة بين هذا وبين رواية أبي عبد الرحمن السلمي
عن علي بعثني وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام لاحتمال أن يكون البعث وقع لهم جميعا (حتى
تأتوا روضة خاخ) بمنقوطتين من فوق موضع باثني عشر ميلا من المدينة (فإن بها ظعينة) بالظاء
المعجمة أي امرأة وأصل الظعينة الهودج فيه امرأة ثم قيل للمرأة وحدها والهودج وحده (معها كتاب)
وفي رواية للبخاري تجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتابا (فأتوني به) أي بالكتاب الذي معها
(تتعادى) أي تتسابق وتتسارع من العدو (حتى أتينا الروضة) أي روضة خاخ (لتخرجن) بكسر
الجيم بصيغة المخاطبة من الإخراج (أو لتلقين) بإثبات التحتية مكسورة أو مفتوحة وكذا وقع
عند البخاري في تفسير سورة الممتحنة فإن قلت القواعد العربية تقتضي أن تحذف تلك الياء
ويقال لتلقن قلت القياس ذلك وإذا صحت الرواية بالياء فتأويل الكسرة إنها لمشاكلة لتخرجن
والفتح بالحمل على المؤنث الغائب على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة والمعنى لترمين
الثياب وتتجردن عنها ليتبين لنا الأمر (فأخرجه من عقاصها) بكسر العين المهملة جمع عقيصة أي
من ذوائبها المضفورة وفي رواية للبخاري في الجهاد فأخرجت من حجزتها بضم المهملة وسكون
الجيم بعد زاي معقد الإزار والسراويل قال الحافظ والجمع بين هاتين الروايتين بأنها أخرجته من
حجزتها فأخفته في عقاصها ثم اضطرت إلى إخراجه أو بالعكس أو بأن تكون عقيصتها طويلة
بحيث تصل إلى حجزتها فربطته في عقيصتها وغرزته في حجزتها وهذا الاحتمال أرجح انتهى
(فأتينا به) أي بالكتاب (من حاطب بن أبي بلتعة) بموحدة مفتوحة ولام ساكنة فمثناة فوقية وعين
مهملة مفتوحتين وتوفي حاطب سنة ثلاثين (يخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم) وفي مرسل عروة يخبرهم
بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا (لا
141
تعجل علي) أي في الحكم بالكفر ونحوه (إني كنت امرأ ملصقا في قريش) بفتح الصاد أي حليفا
لهم (ولم أكن من أنفسها) وعند أحمد وكنت غريبا قال السهيلي كان حاطب حليفا لعبد الله بن
حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزي يحمون بها من الحماية أي يحفظون القرابات (أن اتخذ فيهم)
مفعول لقوله أحببت (يدا) أي نعمة ومنة عليهم (يحمون بها قرابتي) في رواية ابن إسحاق وكان
لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليه صدق بتخفيف الدال أي قال الصدق (فقال عمر بن
الخطاب دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق) إنما قال ذلك عمر مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم
لحاطب فيما اعتذر به لما كان عند عمر من القوة في الدين وبغض من ينسب إلى النفاق وظن أن من
خالف ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم استحق القتل لكنه لم يجزم بذلك فلذلك استأذن في قتله وأطلق
عليه منافقا لكونه أبطن خلاف ما أظهر وعذر حاطب ما ذكره فإنه صنع ذلك متأولا أن لا ضرر
فيه إنه قد شهد بدرا فكأنه قيل وهل يسقط عنه شهوده بدرا هذا الذنب العظيم فأجاب بقوله
فما يدريك إلى آخره لعل الله اطلع على أهل بدر قال العلماء إن الترجي في كلام الله ورسوله
للوقوع وعند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة بالجزم ولفظه إن الله اطلع على
أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وعند أحمد بإسناد على شرط مسلم من حديث
جابر مرفوعا لن يدخل النار أحد شهد بدرا (فقال) تعالى مخاطبا لهم خطاب تشريف وإكرام
(اعملوا ما شئتم) في المستقبل (فقد غفرت لكم) عبر عن الآتي بالواقع مبالغة في تحققه وعند
الطبراني من طريق معمر عن الزهري عن عروة غافر لكم وفي مغازي ابن عائذ من مرسل
عروة اعملوا ما شئتم فسأغفر لكم قيل القرطبي وهذا الخطاب قد تضمن أن هؤلاء حصلت
لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السابقة وتأهلوا أن تغفر لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت منهم وما
أحسن قول بعضهم
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع
وليس المراد أنهم نجزت لهم في ذلك الوقت مغفرة الذنوب اللاحقة بل لهم صلاحية أن
142
يغفر لهم ما عساه أن يقع ولا يلزم من وجود الصلاحية لشئ وجود ذلك الشئ واتفقوا على أن
البشارة المذكورة فيما يتعلق بأحكام الآخرة لا بأحكام الدنيا عن إقامة الحدود وغيرها وفيه أنزلت
أي في حاطب بن أبي بلتعة يا أيها الذين امنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أي الكفار أولياء
أي أصدقاء وأنصارا تلقون أي توصلون إليهم بالمودة أي بأسباب المحبة وقيل معناه
تلقون إليهم أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وسره بالمودة التي بينكم وبينهم وبعده وقد كفروا أي وحالهم
أنهم كفروا بما جاءكم من الحق يعني القرآن يخرجون الرسول وإياكم أي من مكة أن
تؤمنوا أي لأن آمنتم كأنه قال يفعلون ذلك لإيمانكم بالله ربكم إن كنتم خرجتم شرط
جوابه متقدم والمعنى إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي فلا تتخذوا عدوى
وعدوكم أولياء تسرون إليهم بالمودة أي بالنصيحة وأنا أعلم بما أخفيتم أي من المودة
للكفار وما أعلنتم أي أظهرتم بألسنتكم منها ومن يفعله منكم أي الإسرار وإلقاء المودة
إليهم فقد ضل سواء السبيل أي أخطأ طريق الهدى (السورة) بالنصب أي أتم السورة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا ابن ماجة قوله (وفيه عن عمر وجابر بن
عبد الله) لينظر من أخرج حديثهما
قوله (فقالوا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب) هذا بيان لما قبله (وهذا حديث قد روي
أيضا عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب الخ) رواه الشيخان
قوله (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحن) أي يختبر (إلا بالآية التي الخ) أي بما في هذه الآية
وفي رواية البخاري في التفسير كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية بقول الله يا أيها
النبي إذا جاءك المؤمنات الخ إذا جاءك المؤمنات يبايعنك أي قاصدات لمبايعتك على الإسلام (الآية) تمامها
143
على أن لا يشركن بالله شيئا أي شيئا من الأشياء كائنا ما كان ولا يسرقن ولا
يزنين ولا يقتلن أولادهن هو ما كانت تفعله الجاهلية من وأد البنات أي دفنهن أحياء لخوف العار
والفقر ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن أي لا يلحقن بأزواجهن ولدا ليس منهم
قال الفراء كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هذا ولدي فذلك البهتان المفتري بين
أيديهن وأرجلهن وذلك أن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها وليس المراد هنا أنها
تنسب ولدها من الزنا إلى زوجها لأن ذلك قد دخل تحت النهي عن الزنا ولا يعصينك في
معروف أي في كل أمر هو طاعة لله وإحسان إلى الناس وكل ما أمر به الشرع ونهى عنه
والمعروف ما عرف حسنه من قبل الشرع فبايعهن أي إذا بايعنك على هذه الشروط فبايعهن
واستغفر لهن الله أي عما مضى إن الله غفور رحيم أي بليغ المغفرة بتمحيق ما سلف وكثير
الرحمة لعباده (قال معمر) أي بالإسناد السابق (ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي عند المبايعة وفي
رواية البخاري في التفسير قالت عائشة فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد بايعتك كلاما ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ما يبايعهن إلا بقوله قد بايعتك
على ذلك قال الحافظ وكأن عائشة أشارت بذلك إلى الرد على ما جاء عن أم عطية فعند ابن
خزيمة وابن حبان والبزار والطبري وابن مردويه من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن عن جدته أم
عطية في قصة المبايعة قال فمد يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت ثم قال اللهم
اشهد وكذا حديث أم عطية الذي فيه قبضت منا امرأة يدها فإنه يشعر بأنهن كن يبايعنه
بأيديهن ويمكن الجواب عن الأول بأن من الأيدي من وراء الحجاب إشارة إلى وقوع المبايعة وإن
لم تقع مصافحته وعن الثاني بأن المراد بقبض اليد التأخر عن القبول أو كانت المبايعة تقع بحائل
فقد روى أبو داود في المراسيل عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بايع النساء أتى ببرد قطري فوضعه في
يده وقال لا أصافح النساء وعند عبد الرزاق من طريق إبراهيم النخعي مرسلا نحوه وعند
سعيد بن منصور من طريق قيس بن أبي حازم كذلك وأخرج ابن إسحاق في المغازي من رواية
يونس بن بكير عنه عن أبان بن صالح أنه صلى الله عليه وسلم كان يغمس يده في إناء وتغمس المرأة يدها فيه
ويحتمل التعدد وقد أخرج الطبراني أنه بايعهن بواسطة عمر وروى النسائي والطبري من طريق
محمد بن المنكدر أن أميمة بنت رقيقة بقافين مصغرا أخبرته أنها دخلت في نسوة تبايع فقلن يا
رسول الله أبسط يدك نصافحك فقال إني لا أصافح النساء ولكن سآخذ عليكن فأخذ علينا حتى
بلغ ولا يعصينك في معروف فقال فيما أطقتن واستطعتن فقلن الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا
وفي رواية الطبري ما قولي لمائة امرأة إلا كقولي لامرأة واحدة وقد جاء في أخبار أخرى أنهن كن
144
يأخذن بيده عند المبايعة من فوق ثوب أخرجه يحيى بن سلام في تفسيره عن الشعبي قوله
(هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري
قوله (أخبرنا يزيد بن عبد الله الشيباني) أبو عبد الله الكوفي ثقة من كبار السابعة قوله
(ما هذا المعروف) أي الذي وقع في قوله تعالى ولا يعصينك في معروف (الذي لا ينبغي لنا) أي
لا يجوز لنا (أن نعصيك فيه) أي في هذا المعروف (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنحن من النوح
وهو البكاء على الميت وتعديد محاسنه وقيل النوح بكاء مع الصوت ومنه ناح الحمام نوحا (قد
أسعدوني على عمي) من الإسعاد وهو إسعاد النساء في المناحاة تقوم المرأة فتقوم معها أخرى من
جاراتها فتساعدها على النياحة قال الخطابي الإسعاد خاص في هذا المعنى وأما المساعدة فعامة في
كل معونة (ولا بد لي من قضائهم) أي من أن أجزيهم (فأبى) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لم يأذن لي في
قضائهم (فعاتبته) أي راجعته وعاودته (فأذن لي في قضائهن) فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لأم سلمة
الأنصارية في إسعادهن وكذلك رخص أيضا لأم عطية كما في حديثها عند الشيخين وغيرهما ولفظ
مسلم قالت لما نزلت هذه الآية يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يعصينك في معروف
قالت كان منه النياحة قالت فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا
بد لي أن أسعدهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا آل فلان قال النووي هذا محمول على الترخيص لأم
عطية في آل فلان خاصة كما هو ظاهر ولا تحل النياحة لغيرها ولا لها في غير آل فلان كما هو صريح
في الحديث وللشارع أن يخص من العموم ما شاء فهذا صواب الحكم في هذا الحديث
واستشكل القاضي عياض وغيره هذا الحديث وقالوا فيه أقوالا عجيبة ومقصودي التحذير
من الابترار بها حتى إن بعض المالكية قال النياحة ليست بحرام بها الحديث وقصد نساء جعفر
قال وإنما المحرم ما كان معه شئ من أفعال الجاهلية كشق الجيوب وخمش الخدود ودعوى
الجاهلية والصواب ما ذكرناه أولا وأن النياحة حرام مطلقا وهو مذهب العلماء كافة وليس فيما
قاله هذا القائل دليل صحيح لما ذكره انتهى
145
قلت دعوى تخصيص بأم عطية رضي الله عنها غير صحيحة فقد رخص
رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة الأنصارية كما في حديثها هذا وأخرج ابن مردويه من حديث ابن
عباس قال لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء فبايعهن أن عطية رضي الله عنها غير صحيحة فقد رخص لا يشركن بالله شيئا الآية قالت خولة
بنت حكيم يا رسول الله كان أبي وأخي ماتا في الجاهلية وإن فلانة أسعدتني وقد مات أخوها
الحديث وأخرج أحمد والطبري من طريق مصعب بن نوح قال أدركت عجوزا لنا كانت فيمن
بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فأخذ علينا ولا تنحن فقالت عجوز يا نبي الله إن ناسا كانوا أسعدونا على
مصائب أصابتنا وإنهم قد أصابتهم مصيبة فأنا أريد أن أسعدهم قال فاذهبي فكافئيهم
قالت فانطلقت فكافأتهم ثم إنها أتت فبايعته قال الحافظ والأقرب إلى الصواب أن النياحة كانت
مباحة ثم كرهت كراهة تنزيه ثم تحريم وقال العيني والجواب الذي هو أحسن الأجوبة وأقربها أن
يقال إن النهي ورد أولا للتنزيه ثم لما تمت مبايعة النساء وقع التحريم فيكون الإذن الذي وقع لمن
ذكر في الحالة الأولى ثم وقع التحريم وورد الوعيد الشديد في أحاديث كثيرة انتهى قوله وفيه
عن أم عطية) أخرج حديثها الشيخان
61 باب ومن سورة الصف فيها قولان أحدهما أنها مدنية وهو قول ابن عباس والجمهور
والثاني أنها مكية وهي أربع عشرة اية
قوله (أخبرنا محمد بن كثير) بن أبي عطاء الثقفي الصنعاني أبو يوسف نزيل المصيصة
صدوق كثير الغلط من صغار التاسعة (عن أبي سلمة) هو ابن عبد الرحمن قوله (قعدنا نفرا)
حال من ضمير قعدنا والنفر بفتحتين عدة من رجال من ثلاثة إلى عشرة
146
يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون هذا إنكار على من يعد وعدا أو يقول قولا لا يفي به ولهذا استدل بهذه الآية الكريمة
من ذهب من علماء السلف إلى أنه يجب الوفاء بالوعد مطلقا سواء ترتب عليه عزم الموعود أم لا
وذهب الإمام مالك إلى أنه إذا تعلق بالوعد عزم على الموعود وجب الوفاء به وذهب الجمهور إلى
أنه لا يجب مطلقا وحملوا الآية على أنها نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد عليهم فلما فرض نكل عنه
بعضهم عن ابن عباس قال كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون لوددنا أن الله
عز وجل دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إيمان به لا شك فيه
وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين
وشق عليهم أمره فقال الله تعالى يا أيها الذين امنوا لم تقولون ما لا تفعلون وهذا اختيار ابن
جرير هذا تلخيص ما ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره وهو الظاهر وقيل أنزلت في شأن القتال
يقول الرجل قاتلت ولم يقاتل وطعنت ولم يطعن وضربت ولم يضرب وصبرت ولم يصبر وقيل غير
ذلك قوله (قال عبد الله بن سلام فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو سلمة فقرأها علينا ابن
سلام الخ) حديث عبد الله بن سلام هذا يسمى بالمسلسل بقراءة سورة الصف قال في المنح هذا
صحيح متصل الاسناد والتسلسل ورجاله ثقات وهو أصح مسلسل روي في الدنيا انتهى وقال
الحافظ في الفتح في تفسير سورة الصف وقد وقع لنا سماع هذه السورة مسلسلا في حديث ذكر في
أوله سبب نزولها وإسناده صحيح قل إن وقع في المسلسلات مثله مع مزيد علوه قوله (وقد
خولف محمد بن كثير في إسناد هذا الحديث عن الأوزاعي فروى ابن المبارك عن الأوزاعي عن
يحيى بن أبي كثير الخ) قال الحافظ ابن كثير وهكذا رواه الإمام أحمد عن معمر عن ابن المبارك به
(وروى الوليد بن مسلم هذا الحديث عن الأوزاعي نحو رواية محمد بن كثير) قال الحافظ ابن
كثير وكذا رواه الوليد بن يزيد عن الأوزاعي كما رواه ابن كثير وحديث عبد الله بن سلام
147
هذا أخرجه أيضا أحمد وابن والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين وأبو يعلى والطبراني
والبيهقي في الشعب والسنن
62 باب ومن سورة الجمعة
مدنية وهي إحدى عشرة اية
قوله وآخرين منهم وحديث عبد الله سلام أيضا أحمد وابن حبان والحاكم مجرور عطفا على الأميين أي بعثه في الأميين الذين على عهده وبعثه
في آخرين منهم أو منصوب عطفا على الضمير المنصوب في يعلمهم أي ويعلم آخرين وكل من
يعلم شريعة محمد صلى الله عليه وسلم إلى آخر الزمان فرسول الله صلى الله عليه وسلم معلمه بالقوة لأنه أصل
ذلك الخير العظيم والفضل الجسيم أو عطفا على مفعول يزكيهم أي يزكيهم ويزكي آخرين
والمراد بالآخرين من جاء بعد الصحابة إلى يوم القيامة وقيل المراد بهم من أسلم من غير العرب
وقال عكرمة هم التابعون وقال مجاهد الناس كلهم وكذا قال ابن زيد والسدي لما يلحقوا
بهم ذلك الوقت بها أي ذلك الوقت وسيلحقون بهم من بعد وقيل في السبق إلى الإسلام والشرف والدرجة وهذا
النفي مستمر دائما لأن الصحابة لا يلحقهم ولا يساويهم في شأنهم أحد من التابعين ولا ممن
بعدهم فالمنفي هنا غير متوقع الحصول ولذلك لما ورد عليه أن لما تنفي ما هو متوقع الحصول
والمنفي هنا ليس كذلك فسرها المحلى بلم التي منفيها أعم من أن يكون متوقع الحصول أولا فلما
هنا ليست على بابها والضمير في بهم ومنهم راجع إلى الأميين وهذا يؤيد أن المراد بآخرين هم من
يأتي بعد الصحابة من العرب خاصة إلى يوم القيامة وهو صلى الله عليه وسلم وإن كان مرسلا إلى جميع الثقلين
فتخصيص العرب هنا القصد الامتنان عليهم وذلك لا ينافي عموم الرسالة ويجوز أن يراد
بالآخرين العجم لأنهم وإن لم يكونوا من العرب فقد صاروا بالإسلام مثلهم والمسلمون كلهم
أمة واحدة وإن اختلفت أجناسهم (فلم يكلمه) أي سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجبه وفي رواية
البخاري فلم يراجعه حتى سأل ثلاثا (وسلمان فينا) أي كان سلمان الفارسي موجودا فينا لو كان
148
الإيمان بالثريا بضم المثلثة وفتح الراء وشدة التحتية مقصورا كوكب معروف لتناوله رجال من
هؤلاء أي الفرس بقرينة سلمان وزاد أبو نعيم في آخره برقة قلوبهم وأخرجه من حديث سلمان
وزاد فيه يتبعون سنتي ويكثرون الصلاة علي قال القرطبي أحسن ما قيل فيهم إنهم أبناء فارس
بدليل هذا الحديث لناله رجال من هؤلاء وقد ظهر ذلك بالعيان فإنهم ظهر فيهم الدين وكثر فيهم
العلماء وكان وجودهم كذلك دليلا من أدلة صدق صلى الله عليه وسلم فاختلف أهل النسب في أصل فارس فقيل
إنهم ينتهي نسبهم إلى جيومرت وهو آدم وقيل أنه من ولد يافث بن نوح وقيل من ذرية
لاوي بن سام بن نوح وقيل هو فارس ابن ياسور بن سام وقيل غير ذلك قال الحافظ والأول
أشهر الأقوال عندهم والذي يليها أرجحها عند غيرهم وقد أطال هو الكلام في هذا المقام بما
يتعلق بأهل فارس قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه البخاري ومسلم (وقد روي هذا
الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه) أي من غير السند المذكور قوله
(وثور بن زيد مدني وثور بن يزيد شامي) يعني هما رجلان فثور بن زيد بالزاي في أوله مدني
وثور بن يزيد بالتحتية في أوله شامي
قوله (حدثنا هشيم) بالتصغير هو ابن بشير بن القاسم بن دينار السلمي (أخبرنا حصين)
هو ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي (عن أبي سفيان) اسمه طلحة بن نافع قوله (إذا قدمت عير
المدينة) بكسر المهملة وسكون التحتية هي الإبل التي تحمل التجارة طعاما كانت أو غيره وهي
مؤنثة لا واحدة لها من لفظها (فابتدرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي تسارعوا إليها (حتى لم يبق) أي
مع النبي صلى الله عليه وسلم (إلا اثني عشر رجلا فيهم أبو بكر وعمر) قال الحافظ بعد ذكر عدة روايات ما
محصله واتفقت هذه الروايات كلها على اثني عشر رجلا إلا ما رواه علي بن أبي عاصم فقال إلا
أربعين رجلا أخرجه الدارقطني وقال تفرد به علي بن أبي عاصم وهو ضعيف الحفظ وخالفه
أصحاب حصين كلهم وأما تسميتهم فوقع في رواية عند مسلم أن جابرا قال أنا فيهم وفي تفسير
149
إسماعيل بن أبي زياد الشامي أن سالما مولى أبي حذيفة منهم وروى العقيلي عن ابن عباس أن منهم
الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأناسا من الأنصار وحكى السهيلي أن منهم أسد بن عمر وروى بسند
منقطع أن الاثني عشر هم العشرة المبشرة وبلال وابن مسعود قال وفي رواية عمار بدل ابن
مسعود قال الحافظ ورواية العقيلي أقوى وأشبه بالصواب (ونزلت هذه الآية) هذا ظاهر في أنها
نزلت بسبب قدوم العير المذكورة والمراد باللهو على هذا ما ينشأ من رؤية القدمين وما معهم
ووقع عند الشافعي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة
وكانت لهم سوق كانت بنو سليم يجلبون إليها الخيل والإبل والسمن فقدموا فخرج إليهم الناس
وتركوه وكان لهم لهو يضربونه فنزلت وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها أي تفرقوا وذهبوا
إليها قيل النكتة في قوله انفضوا إليها دون قوله إليهما أو إليه أن اللهو لم يكن مقصودا لذاته وإنما
كان تبعا للتجارة وقيل التقدير وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها أو لهوا انفضوا إليه فحذف الثاني
لدلالة الأول عليه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
63 باب ومن سورة المنافقين
مدنية وهي إحدى عشرة اية
قوله (حدثنا عبيد الله بن موسى) العبسي الكوفي (عن إسرائيل) هو ابن يونس (عن أبي
إسحاق) هو السبيعي قوله (قال كنت مع عمي) قال الحافظ وقع عند الطبراني وابن مردويه
أن المراد بعمه سعد بن عبادة وليس عمه حقيقة وإنما هو سيد قومه الخزرج وعم زيد بن أرقم
الحقيقي ثابت بن قيس له صحبة وعمه زوج أمه عبد الله بن رواحة خزرجي أيضا انتهى
150
(وقد سمعت عبد الله بن أبي) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد التحتية منونا (ابن سلول) بفتح
المهملة وضم اللام وسكون الواو بعدها لام ممنوعا من الصرف للعلمية والتأنيث وهو اسم امرأة
وهي والدة عبد الله المذكور وهي خزاعية وأما هو فمن الخزرج أحد قبيلتي الأنصار وابن سلول
يقرأ بالنصب لأنه صفة عبد الله لا صفة أبيه وعبد الله بن أبي هذا هو رأس المنافقين (لا تنفقوا
على من عند رسول الله حتى ينفضوا) أي يتفرقوا من حوله صلى الله عليه وسلم ولئن رجعنا إلى المدينة الخ أي
وسمعته يقول لئن رجعنا الله بن رواحة خزرجي أيضا انتهى بن أبي) بضم الهمزة الخ وفي رواية للبخاري وقال أيضا لئن رجعنا ليخرجن الأعز يريد
نفسه منها الأذل يريد الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه (فذكرت ذلك) أي الذي قاله
عبد الله بن أبي (فحلفوا) أي سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فحلفوا أي عبد الله بن أبي وأصحابه
(ما قالوا) ما نافية أي لم يقولوا ذلك ووقع في رواية فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي فسأله
فحلف بالله ما قال من ذلك شيئا (فكذبني) من التكذيب (وصدقه) من التصديق والضمير
المنصوب لعبد الله بن أبي (فأصابني شئ) أي من الهم (لم يصبني شئ قط مثله) أي في الزمن
الماضي (فجلست في البيت) وفي رواية حتى جلست في البيت مخافة إذا رآني الناس أن يقولوا كذبت
(ما أردت إلا أن كذبك) بتشديد الذال المعجمة وفي الرواية الآتية ما أردت إلى أن مقتك
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العيني أي ما قصدت منتهيا إليه أي ما حملك عليه (ومقتك) من المقت أي
أبغضك إن الله قد صدقك أي يا زيد بن أرقم
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (عن السدي) اسمه إسماعيل بن عبد الرحمن (عن أبي سعيد الأزدي) ويقال له أبو
151
سعد قال في التقريب أبو سعد الأزدي الكوفي قاري الأزد ويقال أبو سعيد مقبول من الثالثة
قوله (فكنا نبتدر الماء) أي نسارع إليه (يسبقونا) بتشديد النون (فسبق أعرابي) كذا في النسخ
الحاضرة بصيغة الماضي ولا يستقيم المعنى إلا أن يكون بمعنى يسبق (فيسبق الأعرابي فيملأ
الحوض) هذا بيان لما يصنعه الأعرابي السابق بعد سبقه إلى الماء ويجعل حوله أي حول
الحوض (ويجعل النطع عليه) أي على الحوض والنطع بالكسر وبالفتح وبالتحريك وكعنب
بساط من الأديم (فأبى) أي الأعرابي (أن يدعه) بفتح الدال أن يترك الأنصاري (فانتزع قباض
الماء) بكسر القاف والمراد به الماء ويمسك من الحجارة وغيرها والمعنى أن الرجل الأنصاري
الذي أرخى زمام ناقته لتشرب الماء في الحوض نزع الحجارة التي جعلها الأعرابي حول الحوض
ليمسك بها الماء (فرفع الأعرابي خشبة) أي فغضب الأعرابي بانتزاع القباض فرفع الخ (بها) أي
بالخشبة (فشجه) من الشج وهو ضرب الرأس خاصة وجرحه وشقه من باب نصر وضرب
(فأتى) أي الأنصاري المشجوج (رأس المنافقين) أي رئيسهم بدل من عبد الله (وكان) أي
الأنصاري (من أصحابه) أي من أصحاب عبد الله بن أبي (حتى ينفضوا من حوله) يعني حتى
يتفرق الأعراب ويذهبوا من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم (يعني الأعراب) هذا بيان من الراوي للضمير
في ينفضوا (وكانوا) أي الأعراب (ثم قال) أي عبد الله (قال زيد) أي ابن أرقم (وأنا ردف
رسول الله صلى الله عليه وسلم) الردف بكسر الراء وسكون الدال المهملتين هو الراكب خلف الراكب
(فسمعت عبد الله) أي مقالته المذكورة (فأخبرت عمي) أي بما سمعت من عبد الله (فانطلق
152
فأخبر) أي عمي (فأرسل إليه) أي إلى عبد الله (قال فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني) أي قال زيد
بن أرقم فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثته فأرسل إلى عبد الله بن أبي فحلف وجحد فصدقه
وكذبني كما في الرواية المتقدمة (قد خفقت برأسي من الهم) يقال خفق الرجل إذا حرك رأسه
وهو ناعس والمعنى نكست من شدة الهم لا من النعاس (فعرك أذني) أي دلكها (أن لي بها) أي
بضحكة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي (الخلد في الدنيا) بالنصب على أنه اسم إن وفي بعض
النسخ الخلد في الجنة قوله (هذا حديث حسن صحيح) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره بعد
ذكر هذا الحديث إنفرد بإخراجه الترمذي وهكذا رواه الحافظ البيهقي عن الحاكم عن
عبيد الله بن موسى به وزاد بعد قوله سورة المنافقين إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك
لرسول الله حتى بلغ هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينفضوا حتى
بلغ ليخرجن الأعز منها الأذل انتهى
قوله (قال في غزوة تبوك) كذا في هذه الرواية وكذا وقع في مرسل سعيد ابن جبير عند
ابن أبي حاتم قال الحافظ ابن كثير بعد ذكر هذا المرسل قوله إن ذلك كان في غزوة تبوك فيه
نظر بل ليس بجيد فإن عبد الله بن أبي بن سلول لم يكن ممن خرج في غزوة تبوك بل رجع
بطائفة من الجيش وإنما المشهور عند أصحاب المغازي والسير أن ذلك كان في غزوة المريسيع
وهي غزوة بني المصطلق انتهى وقال الحافظ في الفتح والذي عليه أهل المغازي أنها غزوة بني
153
المصطلق (فلامني قومي) وفي رواية البخاري فلامني الأنصار (ما أردت إلى هذه) يعني ما حملك
على هذه الفعلة (فأتيت البيت) وفي رواية البخاري فرجعت إلى المنزل (ونمت كئيبا) من الكآبة
بالمد وهو سوء الحال والانكسار من الحزن وقد كئب من باب سلم فهو كئيب (فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم
أو أتيته) شك من الراوي
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري والنسائي
قوله (فسكع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار) قال في القاموس كسعه كمنعه
ضرب دبره بيده أو بصدر قدمه والرجل المهاجري هو جهجاه بن قيس ويقال ابن سعيد
الغفاري وكان مع عمر بن الخطاب يقود له فرسه والرجل الأنصاري هو سنان بن وبرة الجهني
حليف الأنصار (يا للمهاجرين) بفتح اللام وهي للاستغاثة أي أغيثوني وكذا قول الاخر يا
للأنصار ما بال دعوى الجاهلية أي ما شأنها وهو في الحقيقة إنكار ومنع عن قول يا لفلان
ونحوه دعوها أي اتركوا هذه المقالة وهي دعوى الجاهلية فإنها منتنة بضم الميم وسكون
النون وكسر الفوقية من النتن أي أنها كلمة قبيحة خبيثة وكذا ثبتت في بعض الروايات (أو قد
فعلوها) بواو العطف بين همزة الاستفهام والفعل والمعطوف عليه مقدر أي أوقعت هذه وقد
فعلوها وفي رواية البخاري قد فعلوها قال الحافظ هو استفهام بحذف الأداة أي أفعلوها أي
الأثرة شركناهم فيما نحن فيه فأرادوا الاستبداد به علينا وفي مرسل قتادة فقال رجل منهم
154
عظيم النفاق وما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل سمن كلبك يأكلك لا يتحدث برفع
يتحدث على الاستئناف ويجوز الكسر على أنه جواب قوله دعه (أن محمدا يقتل أصحابه) أي
أتباعه (وقال غير عمرو) أي غير عمرو بن دينار (فقال له) أي لعبد الله بن أبي (لا تنقلب) أي
لا ترجع (حتى تقر) من الإقرار أي حتى تعترف (ففعل) أي فأقر عبد الله بن أبي بأنه الذليل
ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي
قوله (أخبرنا أبو جناب الكلبي) بفتح الجيم وخفة النون وآخره موحدة قوله (من
كان له مال) كلمة من شرطية والجزاء قوله يسأل الرجعة (يبلغه حج بيت ربه) صفة مال (أو
يجب عليه فيه) ضمير عليه راجع إلى من وضمير فيه راجع إلى مال (فلم يفعل) عطف على قوله
كان له مال أي فلم يحج أو لم يؤد الزكاة (يسأل) بالجزم (الرجعة) أي يسأل الله أن يرجعه إلى
الدنيا ليحج أو ليؤدي زكاة ماله (اتق الله) أي فيما تقول (فإنما يسأل الرجعة الكفار) أي كما قال
الله تعالى حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلى أعمل صالحا فيما تركت الآية
(فقال) أي ابن عباس (سأتلو) أي سأقرأ (بذلك) أي بما قلت يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم
أي لا تشغلكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله أي عن الصلوات الخمس والمعنى لا
تشغلكم أموالكم ولا أولادكم كما شغلت المنافقين عن ذكر الله ومن يفعل ذلك أي ومن
شغله ماله وولده عن ذكر الله فأولئك هم الخاسرون أي في تجارتهم حيث آثروا الفاني على
الباقي وأنفقوا مما رزقناكم قال ابن عباس يريد زكاة الأموال من قبل أن يأتي أحدكم الموت
أي دلائل الموت ومقدماته وعلاماته فيسأل الرجعة فيقول رب لولا أخرتني أي هلا أخرتني
155
وقيل لو أخرت أجلى (إلى أجل قريب فأصدق) أي فأزكي مالي أي هلا أخرتني فأصدق أي فأزكي مالي وأصل أصدق أتصدق فأبدلت
التاء بالصاد وأدغمت الصاد في الضاد وتمام الآية وأكن بالجزم عطفا على موضع فأصدق كأنه
قيل إن أخرتني أصدق وأكن وقرئ وأكون بالنصب عطفا على اللفظ من الصالحين ولن يؤخر
الله نفسا عن الموت إذ جاء أجلها المكتوب في اللوح المحفوظ والله خبير بما تعملون يعني
أنه لورد إلى الدنيا وأجيب إلى ما سأل ما حج وما زكى (قال) أي الرجل (إذا بلغ المال مائتين)
أي من الدراهم
قوله (وهذا أصح من رواية عبد الرزاق) أي هذا الحديث الموقوف أصح من المرفوع
(وليس هو بالقوى) وقال الحافظ ابن كثير رواية الضحاك عن ابن عباس فيها انقطاع
64 باب ومن سورة التغابن
مدنية في قول الأكثر وقيل هي مكية إلا ثلاث آيات
من قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم
إلى آخر ثلاث آيات وهي ثماني عشرة آية
قوله (حدثنا محمد بن يحيى) الظاهر أنه الإمام الذهلي (أخبرنا محمد بن يوسف) الضبي
مولاهم الفريابي (أخبرنا إسرائيل) هو ابن يونس قوله (وسأله رجل) الواو للحال (عن هذه
156
الآية) أي عن تفسيرها أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم)
أي أن تطيعوهم في التخلف عن الخير كالجهاد والهجرة فإن سبب نزول الآية الإطاعة في ذلك
(قال) أي ابن عباس (أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم) أي مهاجرين من مكة إلى المدينة (أن يدعوهم) أي
يتركوهم (رأوا الناس) أي الذين سبقوهم بالهجرة (هموا) كذا في النسخ الحاضرة وفي رواية ابن
أبي حاتم فهموا بالفاء وهو الظاهر أي فأرادوا (أن يعاقبوهم) أي يعذبوا أزواجهم وأولادهم
الذين منعوهم عن الهجرة يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم أي إن
من الأزواج أزواجا والأولاد أولادا يعادونكم ويشغلونكم عن الخير وعن طاعة الله أو
يخاصمونكم في أمر الدين والدنيا ويدخل في ذلك سبب النزول دخولا أوليا فاحذروهم أي
أن تطيعوهم في التخلف عن الخير (الآية) بقية الآية وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله
غفور رحيم قال الخازن هذا فيمن أقام على الأهل والولد ولم يهاجر ثم هاجر فرأى الذين قد
سبقوه بالهجرة قد فقهوا في الدين فهم أن يعاقب زوجته وولده الذين ثبطوه ومنعوه عن الهجرة
لما ألحقوا به ولا ينفق عليهم ولا يصيبهم بخير فأمره الله بالعفو والصفح عنهم انتهى قوله
(هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير والطبراني
65 باب ومن سورة التحريم
مدنية وهي اثنتا عشرة اية
قوله (لم أزل حريصا أن أسأل عمر) أي على أن أسأله وفي رواية البخاري في التفسير
157
مكثت سنة أريد أن أسال عمر بن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له (اللتين قال الله) أي في حقهما
إن تتوبا إلى الله خطابا لحفصة مكثت سنة أريد أن أسأل عمر عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له وعائشة على طريقة الالتفات ليكون أبلغ في معاتبتهما وجواب
الشرط محذوف أي إن تتوبا إلى الله فهو الواجب ودل على المحذوف قوله فقد صغت قلوبكما
أي مالت عن الواجب في مخالصة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حب ما يحبه وكراهة ما يكرهه ووجد منكما ما
يوجب التوبة وهو أنهما أحبتا ما كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم (حتى حج عمر) أي خرج حاجا وفي رواية
البخاري في التفسير حتى خرج حاجا فخرجت معه فلما رجعت وكنا ببعض الطريق عدل إلى
الأراك لحاجة له (واعجبا لك) قال الحافظ يجوز في عجبا التنوين وعدمه قال ابن مالك وا في
قوله واعجبا إن كان منونا فهو اسم فعل بمعنى أعجب ومثله واها ووى وقوله بعده عجبا جئ
تعجبا وتوكيدا وإن كان بغير تنوين فالأصل فيه واعجبي فأبدلت الكسرة فتحة فصارت الياء ألفا
كقولهم يا أسفا ويا حسرتا وفيه شاهد لجواز استعمال وا في منادى غير مندوب وهو مذهب المبرد
وهو مذهب صحيح قال وتعجب عمر من ابن عباس مع شهرته بعلم التفسير كيف خفي عليه
هذا القدر مع شهرته وعظمته في نفس عمر وتقديمه في العلم على غيره ومع ما كان ابن عباس
مشهورا به من الحرص على طلب العلم ومداخلة كبار الصحابة وأمهات المؤمنين فيه وتعجب
من حرصه على طلب فنون التفسير حتى معرفة المبهم (قال الزهري وكره والله ما سأله عنه ولم
يكتمه) قال الحافظ استبعد القرطبي ما فهمه الزهري ولا بعد فيه (هي عائشة وحفصة) وفي
رواية البخاري في النكاح هما عائشة وحفصة (ثم أنشأ) أي شرع عمر (يحدثني الحديث) أي
القصة التي كانت سبب نزول الآية المسؤول عنها (معشر قريش) منصوب على الاختصاص
(نغلب النساء) أي نحكم عليهن ولا يحكمن علينا بخلاف الأنصار فكانوا بالعكس من ذلك
(فطفق) بكسر الفاء وقد تفتح أي جعل وأخذ (يتعلمن من نسائهم) وفي رواية البخاري يأخذن
من أدب نساء الأنصار قال الحافظ بأي من سيرتهن وطريقتهن (فإذا هي تراجعني) من المراجعة
158
أن تراددني في القول وتناظرني فيه (فقالت ما تنكر ذلك) وفي رواية البخاري قالت ولم تنكر أن
أراجعك (وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل) أي من أول النهار إلى أن يدخل الليل (قد خابت) من
الخيبة وهي الحرمان والخسران (وكان منزلي بالعوالي) جمع عالية وهي قرى بقرب المدينة مما يلي
المشرق وكانت منازل الأوس (في بني أمية) أي ناحية بني أمية البقعة باسم من نزلها (وكان
لي جار من الأنصار) اسمه أوس بن خولي بن عبد الله بن الحرث الأنصاري أو عتبان بن مالك
والأول هو الراجح لأنه منصوص عليه عند ابن سعد والثاني استنبطه ابن بشكوال من المواخاة
بينهما وما ثبت بالنص مقدم قاله القسطلاني (كنا نتناوب النزل) أي من العوالي أي كنا نجعله
نوبا (فينزل) أي جاري الأنصاري (ويأتيني بخبر الوحي وغيره) أي من الحوادث الكائنة عند
النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية ابن سعد لا يسمع شيئا إلا حدثه به ولا يسمع عمر شيئا إلا حدثه به (فكنا
نحدث) وفي رواية مسلم فكنا نتحدث (أن غسان) بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة غير
منصرف أي قبيلة غسان وملكهم في ذلك الوقت الحارث بن أبي شمر وهم كانوا بالشام (تنعل
الخيل) بضم التاء من الإنعال يقال نعلت وانتعلت إذا لبست النعل وأنعلت الخيل إذا ألبستها وهو
كناية عن استعدادهم للقتال مع أهل المدينة (قال) أي عمر (فجاءني) أي جاري (فضرب على
الباب) أي ضربا شديدا كما في رواية البخاري (قال أعظم من ذلك) أي بالنسبة إلى عمر لكون
حفصة بنته (طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه) إنما وقع الجرم بالطلاق لمخالفة العادة بالاعتزال فظن
الطلاق (قد كنت أظن هذا كائنا) لما كان تقدم له من أن مراجعتهن قد تفضي إلى الغضب المفضي
إلى الفرقة (شددت علي) بتشديد الياء (ثيابي) فيه استحباب التجمل بالثوب والعمامة ونحوهما عند
159
لقاء الأئمة والكبار احتراما لهم (في هذه المشربة) بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء
وفتحها وهي الغرفة (قال فانطلقت) أي فخرجت من عند حفصة (فأتيت غلاما أسود) وفي رواية
البخاري في التفسير فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربة له يرقى عليها بعجلة وغلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم
أسود على رأس الدرجة قال الحافظ اسم هذا الغلام رباح بفتح الراء وتخفيف الموحدة سماه سماك
في روايته (ثم غلبني ما أجد) أي من شغل قلبه بما بلغه من اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه وأن ذلك لا
يكون إلا عن غضب منه ولاحتمال صحة ما أشيع من تطليق نسائه ومن جملتهن حفصة بنت عمر
فتنقطع الوصلة بينهما وفي ذلك من المشقة عليه ما لا يخفى (متكئ على رمل حصير) وفي رواية
البخاري مضطجع على رمال حصير قال الحافظ بكسر الراء وقد تضم وفي رواية معمر على رمل
حصير بسكون الميم والمراد به النسج تقول رملت الحصير وأرملته إذا نسجته وحصير مرمول أي
منسوج والمراد هنا أن سريره كان مرمولا بما يرمل به الحصير ووقع في رواية أخرى على رمال
سرير ووقع في رواية سماك على حصير وقد أثر الحصير في جنبه وكأنه أطلق عليه حصيرا تغليبا
(قلت الله أكبر) قال الكرماني لما ظن الأنصاري أن الاعتزال طلاق أو ناشئ عن طلاق فأخبر عمر
بوقوع الطلاق جازما به فلما استفسر عمر عن ذلك فلم يجد له حقيقة كبر تعجبا من ذلك انتهى
قال الحافظ ويحتمل أن يكون كبر الله حامدا له على ما أنعم به عليه من عدم وقوع الطلاق (وجدنا
160
قوما) أي الأنصار (فقلت لحفصة) بدأ بها لمكانتها منه (قالت) أي حفصة (نعم) أي تراجعه (لا
تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لا ترادديه في الكلام ولا تردي عليه قوله (وسليني ما بدا لك) أي ما
ظهر لك (ولا يغرنك) بتشديد الراء والنون (أن كانت) بفتح الهمزة (صاحبتك) أي ضرتك
(أوسم) من الوسامة وهي الحسن والجمال أي أحسن وأجمل وفي رواية البخاري أوضا من
الوضاء وهو الحسن (وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) المعنى لا تغتري بكون عائشة تفعل ما نهيتك عنه
فلا يؤاخذها بذلك فإنها تدل بجمالها ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم فيها فلا تغتري أنت بذلك لاحتمال أن لا
تكوني عنده في تلك المنزلة فلا يكون لك من الإدلال مثل الذي لها (فتبسم) أي النبي صلى الله عليه وسلم
(أخرى) أي تبسمة أخرى (فقلت يا رسول الله أستأنس) بحذف همزة الاستفهام أي انبسط في
الحديث واستأذن عمر في ذلك لقرينة الحال التي كان فيها لعلمه بأن بنته كانت السبب في ذلك
فخشي أن يلحقه شئ من المعتبة فبقي كالمنقبض عن الابتداء بالحديث ث حتى استأذن فيه (إلا أهبة
ثلاثة) بضم الهمزة والهاء وبفتحهما جمع إهاب وهو الجلد وقيل إنما يقال للجلد إهاب قبل الدبغ
فأما بعده فلا فقال أفي شك أنت يا ابن الخطاب يعني أنت في شك في أن التوسع في الآخرة خير
من التوسع في الدنيا أولئك أي فارس والروم عجلت بصيغة المجهول من التعجيل (قال)
أي عمر رضي الله عنه (وكان أقسم على أن لا يدخل على نسائه شهرا فعاتبه الله في ذلك فجعل له
كفارة باليمين) وفي رواية البخاري في النكاح فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه من أجل ذلك الحديث حين
أفشته حفصة إلى عائشة تسعا وعشرين ليلة وكان قال ما أنا بداخل عليهن شهرا من شدة
161
موجدته عليهن حين عاتبه الله فقوله فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء كلام من عمر رضي الله عنه بعد
فراغه من كلامه الأول فلذلك عطفة بالفاء وقوله من أجل ذلك الحديث أي اعتزاله إنما كان من
أجل إفشاء ذلك الحديث وهو ما روى أنه صلى الله عليه وسلم خلا بمارية القبطية في بيت حفصة فجاءت فوجدتها
معه فقالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم تفعل هذا معي دون نسائك فقال لا تخبري أحدا هي علي حرام
فأخبرت عائشة والذي في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم كان يشرب عسلا عند زينب ابنة جحش ويمكث
عندها فتواطأت عائشة وحفصة على أن أيتهما دخل عليها فلتقل له أأكلت مغافير إني أجد منك
ريح مغافير فقال لا ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب ابنة جحش ولن أعود له وقد حلفت لا
تخبري بذلك أحدا فقد اختلف في الذي حرمه على نفسه وعوتب على تحريمه كما اختلف في سبب
حلفه قال الخازن في تفسيره قال العلماء الصحيح في سبب نزول الآية أنها في قصة العسل لا في
قصة مارية المروية في غير الصحيحين ولم تأت قصة مارية من طريق صحيح قال النسائي إسناد
حديث عائشة في العسل جيد صحيح غاية انتهى وقد ذكر الحافظ في سبب اعتزاله صلى الله عليه وسلم روايات
أخرى منها ما أخرجه ابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس قال دخلت حفصة على
النبي صلى الله عليه وسلم بيتها فوجدت معه مارية فقال لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة إن أباك يلي هذا
الأمر بعد أبي بكر إذا أنا مت فذهبت إلى عائشة فأخبرتها فقالت له عائشة ذلك والتمست منه أن
يحرم مارية فحرمها ثم جاء إلى حفصة فقال أمرتك أن لا تخبري عائشة فأخبرتها فعاتبها ولم يعاتبها
على أمر الخلافة فلهذا قال الله تعالى عرف بعضه وأعرض عن بعض وأخرج الطبراني في
الأوسط وفي عشرة النساء عن أبي هريرة نحوه بتمامه وفي كل منهما ضعف ثم قال ويحتمل أن
يكون مجموع هذه الأشياء كان سببا لاعتزالهن وهذا هو اللائق بمكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم وسعة صدره
وكثرة صفحة وأن ذلك لم يقع منه حتى تكرر موجبه منهن قال والراجح من الأقوال كلها قصة
مارية لاختصاص عائشة وحفصة بها بخلاف العسل فإنه اجتمع فيه جماعة منهن ويحتمل أن
تكون الأسباب جميعها اجتمعت فأشير إلى أهمها ويؤيده شمول الحلف للجميع ولو كان مثلا في
قصة مارية فقط لاختص بحفصة وعائشة انتهى وقوله حين عاتبه الله قال العيني ويروي حتى
عاتبه إنه وهذه هي الأظهر وعاتبه الله تعالى بقوله يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي
مرضات أزواجك فلما مضت تسع وعشرون أي ليلة (دخل على النبي صلى الله عليه وسلم) فيه أن من غاب عن
أزواجه ثم حضر يبدأ بمن شاء منهن ولا يلزمه أن يبدأ من حيث بلغ ولا أن يقرع كذا قيل
ويحتمل أن تكون البداءة بعائشة لكونه اتفق أنه كان يومها قاله الحافظ قال يا عائشة إني ذاكر
لك شيئا فلا تعجلي حتى تستأمري أبويك الخ سبق شرحه في تفسير سورة الأحزاب (ولم يبعثني
162
معنتا) يقال تعنته أي أدخل عليه الأذى وطلب زلته ومشقته قال الحافظ هذا منقطع بين أيوب
وعائشة ويشهد لصحته حديث جابر انتهى قلت حديث جابر هذا رواه مسلم وفي آخره
وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت قال لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها أن الله تعالى
لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي
66 باب ومن سورة نون والقلم
مكية وهي اثنتان وخمسون آية
قوله (وفي الحديث قصة) روى الترمذي هذا الحديث مع القصة في أواخر أبواب القدر
وتقدم هناك شرحه قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) في سنده عبد الواحد بن سليم
وهو ضعيف لكن أخرجه أبو داود من وجه آخر وسكت عنه هو والمنذري وأخرجه أيضا أحمد من طرق
163
عن الوليد بن عبادة عن أبيه قوله (وفيه عن ابن عباس) أخرج حديثه الطبراني كما في تفسير ابن
كثير
67 باب من سورة الحاقة
مكية وهي إحدى أو اثنتان وخمسون آية
قوله (عن عمرو بن أبي قيس) الرازي (عن عبد الله بن عميرة) بفتح العين المهملة وكسر
الميم وبالراء قال في التقريب كوفي مقبول من الثالثة وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى
عن الأحنف بن قيس عن العباس حديث الأوعال وعنه سماك بن حرب (عن الأحنف بن قيس)
بن معاوية بن حصين التميمي السعدي أبي بحر اسمه الضحاك وقيل صخر مخضرم ثقة (عن
العباس بن عبد المطلب) بن هاشم عم النبي صلى الله عليه وسلم مشهور مات سنة اثنتين وثلاثين أو بعدها وهو
ابن ثمان وثمانين قوله (زعم) أي قال (أنه) أي العباس (كان جالسا في البطحاء) أي في
المخصب وهو موضع معروف بمكة فوق مقبرة المعلا وقد تطلق على مكة وأصل البطحاء على ما في
القاموس مسيل واسع فيه دقاق الحصى (في عصابة) بكسر أوله أي مع جماعة من كفار مكة قال
الطيبي استعمال زعم ونسبته إلى عباس رمز إلى أنه لم يكن حينئذ مسلما ولا كانوا تلك العصابة
مسلمين يدل عليه البطحاء هل تدرون ما اسم هذه إشارة إلى السحابة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
والمزن أي واسم هذه المزن أيضا قال في النهاية المزن هو الغيم والسحاب واحدته مزنة وقيل
هي السحابة البيضاء (قالوا والمزن) أي اسمها أيضا المزن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والعنان كسحاب
زنة ومعنى من عن أي ظهر في النهاية العنان بالفتح السحاب والواحدة عنانة وقيل ما عن لك
164
منها أي اعترض وبدا لك إذا رفعت رأسك فإن بعد ما بينهما أي مقدار بعد مسافة ما بين السماء
والأرض إما واحدة وإما اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة قيل وإما وأو للشك من الراوي وقيل
للتنويع قال الأردبيلي الرواية في خمس مائة أكثر وأشهر فإن ثبت هذا فيحتمل أن يقال إن ذلك
باختلاف قوة الملك وضعفه وخفته وثقله فيكون بسير القوى أقل وبسير الضعيف أكثر وإليه
الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم إما واحدة وإما اثنتان وإما ثلاث وسبعون سنة انتهى قال الطيبي المراد
بالسبعون في الحديث التكثير لا التحديد لما ورد من أن ما بين السماء والأرض وبين سماء وسماء
مسيرة خمس مائة عام والسماء التي فوقها أي فوق سماء الدنيا كذلك أي في البعد وفوق ذلك
أي البحر ثمانية أوعال جمع وعل وهو العنز الوحشي ويقال له تيس شاة الجبل والمراد ملائكة على
صورة الأوعال بين أظلافهن جمع ظلف بكسر الظاء المعجمة للبقر والشاة والظبي بمنزلة الحافر
للدابة والخف للبعير وركبهن جمع ركبة ثم على ظهورهن العرش أي هو محمول عليها بين
أسفله أي العرش مثل ما بين السماء إلى السماء أي من كشرة البعد مع قطع النظر عن الحد وإلا
فجميع المخلوقات بجنب العرش كحلقة في فلاة على ما ورد به في حديث والله فوق ذلك أي
فوق العرش وفيه دليل على أن الله تعالى فوق العرش وهذا هو الحق وعليه تدل الآيات القرآنية
والأحاديث النبوية وهو مذهب السلف الصالحين من الصحابة والتابعين وغيرهم من أهل
العلم رضوان العلم رضوان الله عليهم أجمعين قالوا إن الله تعالى استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه
ولا تأويل والاستواء معلوم والكيف مجهول والجهمية قد أنكروا العرش وأن يكون الله فوقه وقالوا
إنه في كل مكان ولهم مقالات قبيحة باطلة وإن شئت الوقوف على دلائل مذهب السلف
والاطلاع على رد مقالات الجهمية الباطلة فعليك أن تطالع كتاب الأسماء والصفات للبيهقي
وكتاب أفعال العباد للبخاري وكتاب العلو للذهبي وأورد الترمذي هذا الحديث في تفسير قوله
تعالى ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية قوله (ألا) حرف التحضيض (حتى يسمع)
بصيغة المجهول (هذا الحديث) أي لم لا يحج عبد الرحمن بن سعد حتى يسمع منه في موسم الحج
165
هذا الحديث الراد على الجهمية قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود من ثلاث
طرق اثنتان منها قويتان (وروى الوليد بن ثور عن سماك نحوه ورفعه) أخرجه أبو داود وابن
ماجة من هذا الطريق قال الحافظ ابن القيم في تعليقات سنن أبي داود أما رد الحديث بالوليد بن
أبي ثور ففاسد فإن الوليد لم ينفرد به بل تابعه عليه إبراهيم بن طهمان كلاهما عن سماك ومن طريقه
رواه أبو داود ورواه أيضا عمرو بن أبي قيس عن سماك ومن حديثه رواه الترمذي عن عبد بن حميد
أخبرنا عبد الرحمن بن سعد عن عمرو بن أبي قيس انتهى ورواه ابن ماجة من طريق الوليد بن أبي
ثور عن سماك وأي ذنب للوليد في هذا وأي تعلق عليه إنما ذنبه روايته ما يخالف قول الجهمية
انتهى كلامه مختصرا
قوله (أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد الرازي أن أباه أخبره) كذا في النسخ
الحاضرة والصواب أن يكون هكذا أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد الرازي عن أبيه أن
أباه أخبره بزيادة لفظ عن أبيه بين الرازي وإن أباه فإن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد يروي
هذا الحديث عن أبيه عبد الله بن سعد وهو يرويه عن أبيه سعد أنه قال رأيت رجلا ببخارى
والدليل على ذلك أن أبا داود روى هذا الحديث هكذا قال حدثنا عثمان بن محمد الأنماطي
البصري أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله الرازي وأخبرنا أحمد بن عبد الرحمن الرازي أخبرنا أبي
قال أخبرني أبي عبد الله بن سعد عن أبيه سعد قال رأيت رجلا ببخارى الخ وكذا رواه النسائي
والحاكم وقال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة عبد الله بن خازم روى أبو داود والترمذي
والنسائي حديث عبد الله بن سعد بن عثمان الدشتكي عن أبيه قال رأيت رجلا ببخارى الخ
وعبد الله بن سعد بن عثمان الدشتكي هذا صدوق من العاشرة وأبوه سعد بن عثمان مقبول من الخامسة
(رأيت رجلا) اسمه عبد الله بن خازم روى الحاكم من طريق عبد الله بن سعد عن أبيه قال
رأيت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ببخارى عليه عمامة خز سوداء هو يقول كسانيها رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو عبد الله بن خازم انتهى وقال في الأطراف قيل إن هذا الرجل عبد الله بن خازم
166
السلمي أمير خرسان وقال الحافظ في التقريب عبد الله بن خازم بمعجمتين السلمي أبو صالح
نزل البصرة وولي إمرة خرسان وقتل بها بعد قتل مصعب بن الزبير سنة إحدى وسبعين يقال إنه
الذي روى عنه الدشتكي قال رأيت رجلا بخرسان عليه عمامة سوداء يقول كسانيها رسول الله
صلى الله عليه وسلم أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي انتهى (وعليه) أي على الرجل (عمامة سوداء) وفي أبي
داود عمامة خز سوداء (يقول كسانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم) قل استدل بهذا على جواز لبس الخف وأنت خبير
بأن غاية ما في الحديث أنه أخبر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كساه عمامة الخز وذلك لا يستلزم جواز اللبس
وقد ثبت من حديث علي عند البخاري قال كساني النبي صلى الله عليه وسلم حلة سيراء فخرجت فيها فرأيت
الغضب في وجهه فشققتها بين نسائي فلم يلزم من قول علي جواز اللبس وهكذا قال عمر لما
بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم بحلة سيراء يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لم أكسكها لتلبسها هذا لفظ أبي داود وبهذا يتبين لك أنه لا يلزم ملي
قوله كساني جواز اللبس والله أعلم
فإن قيل لم أورد الترمذي هذا الحديث في تفسير هذه الصورة لا تعلق بها قلت لعله أورده
ههنا لبيان أن عبد الرحمن بن سعد المذكور في سند الحديث المتقدم هو عبد الرحمن بن عبد الله بن
سعد الرازي وأنه من أتباع التابعين والله تعالى أعلم
68 باب من سورة سأل سائل
وتسمى المعارج مكية وهي أربع وأربعون آية
قوله (عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله كالمهل) تقدم هذا الحديث بشرحه في باب صفة
شراب أهل النار
167
69 باب من سورة الجن
مكية وهي ثمان وعشرون آية
قوله (حدثني أبو الوليد) هو الطيالسي (حدثنا أبو عوانة) الوضاح ابن عبد الله اليشكري
(عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة اسمه جعفر بن أبي وحشية قوله (ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم
على الجن ولا رآهم) أخرج البخاري في صحيحه حديث ابن عباس هذا لكن لم يذكر فيه هذه
اللفظة قال الحافظ كأن البخاري حذف هذه اللفظة عمدا لأن ابن مسعود أثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ
على الجن فكان ذلك مقدما على نفي ابن عباس وقد أشار إلى ذلك مسلم فأخرج عقب حديث ابن
عباس هذا حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتاني داعي الجن فانطلقت معه فقرأت عليهم
القرآن ويمكن الجمع بالتعدد انتهى وقال النووي قال العلماء هما قضيتان فحديث ابن
عباس في أول الأمر وأول النبوة حين أتوا فسمعوا قراءة قل أوحي واختلف المفسرون هل علم
النبي صلى الله عليه وسلم استماعهم حال استماعهم بوحي إليه أم لم يعلم بهم إلا بعد ذلك وأما حديث ابن
مسعود فقضيته أخرى جرت بعد ذلك بزمان الله أعلم بقدره وكان بعد اشتهار الإسلام (عامدين)
أي قاصدين (إلى سوق عكاظ) بضم المهملة وتخفيف الكاف وآخره ظاء معجمة بالصرف وعدمه
موسم معروف للعرب من أعظم مواسمهم وهو نخل في وديان مكة والطائف يقيمون به شوال كله
يتبايعون ويتفاخرون وكان ذلك لما خرج عليه الصلاة والسلام إلى الطائف ورجع منها سنة
عشر من المبعث لكن استشكل قوله في طائفة من أصحابه لأنه لما خرج إلى الطائف لم يكن معه من
أصحابه إلا زيد بن حارثة وأجيب بالتعدد أو أنه لما رجع لافاه بعض أصحابه في أثناء الطريق
فرافقوه (وقد حيل) بكسر الحاء المهملة وسكون التحتانية بعدها لام أي حجز ومنع على البناء
للمجهول (وأرسلت علينا الشهب) بضمتين جمع شهاب قال الحافظ ظاهر هذا أن الحيلولة
168
وإرسال الشهب وقعا في الزمان المقدم ذكره والذي تضافرت به الأخبار أن ذلك وقع لهم من
أول البعثة النبوية وهذا مما يؤيد تغاير زمن القصتين وأن مجئ الجن لاستماع القرآن كان قبل
خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف بسنتين ولا يعكر على ذلك إلا قوله في هذا الخبر أنهم رأوه يصلي بأصحابه
صلاة الفجر لأنه يحتمل أن يكون ذلك قبل فرض الصلوات ليلة الإسراء فإنه صلى الله عليه وسلم كان قبل
الإسراء يصلي قطعا وكذلك أصحابه ولكن اختلف هل افترض قبل الخمس شئ من الصلاة أم
لا فيصبح على هذا قول من قال إن الفرض أولا كان صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل
غروبها والحجة في قوله تعالى فسبح بحمد ربك قيل طلوع الشمس وقبل غروبها ونحوها
من الآيات فيكون إطلاق صلاة الفجر في حديث الباب باعتبار الزمان لا لكونها إحدى الخمس
المفترضة ليلة الإسراء فتكون قصة الجن متقدمة من أول المبعث انتهى (فاضربوا مشارق الأرض
ومغاربها) بالنصب على الظرفية أي سيروا في الأرض كلها (نحو تهامة) بكسر المثناة اسم لكل غير
عال من بلاد الحجاز سميت بذلك لشدة حرها اشتقاقا من التهم بفتحتين وهو شدة الحر وسكون
الريح وقيل من تهم الشئ إذا تغين قيل لها ذلك لتغير هوائها قال البكري حدها من جهة الشرق
ذات عرق ومن قبل الحجاز السرج بفتح المهملة وسكون الراء بعدها جيم قرية من عمل الفرع
بينها وبين المدينة اثنان وسبعون ميلا (وهو بنخلة) بفتح النون وسكون المعجمة موضع بين مكة
والطائف قال الكبرى على ليلة من مكة وهو غير منصرف للعلمية والتأنيث (استمعوا له) أي
أصغوا إليه (هذا والله الذي) أي الحدث الذي (فهنالك) ظرف مكان والعمل فيه رجعوا مقدارا
يفسره المذكور إنا سمعنا قرآن عجبا أي يتعجب منه في فصاحة لفظه وكثرة معانيه قائمة فيه
دلائل الإعجاز وعجبا مصدر ووصف به للمبالغة أو على حذف المضاف أي ذا عجب يهدي إلى
الرشد أي يدعو إلى الصواب وقيل يهدي إلى التوحيد والإيمان فآمنا به أي بالقرآن قال
الماوردي ظاهر هذا أنهم آمنوا عند سماع القرآن قال ولايمان يقع بأحد أمرين إما بأن يعلم حقيقة
169
الاعجاز وشروط المعجزة فيقع له العلم بصدق الرسول أو يكون عنده علم من الكتب الأولى فيها
دلائل على أنه النبي المبشر به وكلا الأمرين في الجن محتمل ولن نشرك أي بعد اليوم (قل)
يا محمد للناس أوحي إلي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبر قومه بواقعة الجن ويظهرها لهم ليعرفوا بذلك
وأنك مبعوث إلى الجن كالإنس ولتعلم قريش أن الجن مع تمردهم لما سمعوا القرآن وعرفوا
إعجازه آمنوا به والمعنى أخبرت بالوحي من الله أنه الضمير للشأن استمع أي لقراءتي (وإنما
أوحي إليه قول الجن) أي لقولهم إنا سمعنا الخ وهذا كلام ابن عباس كأنه تقرر فيه ما ذهب إليه
أولا أنه صلى الله عليه وسلم لم يجتمع بهم وإنما أوحى الله إليه بأنهم استمعوا ومثله قوله تعالى وإذ صرفنا إليك
نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا الآية ولكن لا يلزم من عدم ذكر
اجتماعه بهم حين استمعوا أن لا يكون اجتمع بهم بعد ذلك وحديث ابن عباس هذا أخرجه
الشيخان والنسائي أيضا لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا بكسر اللام وفتح الباء
جمع لبدة بكسر ثم سكون نحو قربة وقرب واللبدة واللبد الشئ الملبد أي المتراكم بعضه على
بعض وبه سمي اللبد الذي يفرش لتراكم صرفه (قال) أي ابن عباس (لما رأوه يصلي) أي بسبب
أن رأى الجن النبي صلى الله عليه وسلم حال كونه يصلي (تعجبوا من طواعية أصحابه له) أي من انقيادهم له
والطواعية الطاعة لما قام عبد الله أي النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه
أي يصلي ويتلو القرآن كادوا يكونون أي أصحابه صلى الله عليه وسلم عليه لبدا أي مجتمعين عليه وحديث ابن عباس هذا أخرجه أيضا عبد بن
حميد والحاكم وابن جرير في تفسيره وروي عن ابن عباس قول آخر وهو ما روى العوفي عنه يقول
لما سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن كادوا يركبونه من الحرص لما سمعوه يتلو القرآن ودنوا منه فلم يعلم
بهم حتى أتاه الرسول يقرئه قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن يستمعون القرآن أخرجه
ابن جرير وابن مردويه
قوله (حدثنا محمد بن يحيى) الظاهر أنه الإمام الذهلي (أخبرنا محمد بن يوسف) الضبي
170
الفريابي (أخبرنا أبو إسحاق) السبيعي قوله (زادوا فيها) أي في الكلمة المسموعة (تسعا) أي
تسع كلمات والمراد التكثير لا التحديد ففي رواية عشرا وفي رواية أضعافا (فأما الكلمة) أي
المسموعة (منعوا) بصيغة المجهول والضمير للجن (مقاعدهم) جمع مقعد اسم مكان أي من
الصعود إليها والقعود فيها وفي رواية أحمد كان أحدهم لا يأتي مقعده إلا يرمي بشهاب يحرق ما
أصاب (ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك) أي بهذه الكثرة والشدة قال ابن قتيبة إن الرجم
كان قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لم يكن مثل ما كان بعد مبعثه في شدة الحراسة وكانوا يسترقون في
بعض الأحوال فلما بعث منعوا من ذلك أصلا فعلى هذا القول يكون حمل الجن على الضرب في
الأرض وطلب السبب إنما كان لكثرة الرجم ومنعهم عن الاستراق بالكلية وقيل كانت الشهب
قبل مرئية ومعلومة لكن رجم الشياطين وإحراقهم لم يكن إلا بعد نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم (فبعث) أي إبليس
(أراه) بضم الهمزة أي أظنه والظاهر أن هذا قول الترمذي والضمير المنصوب راجع إلى محمد بن
يحيى وفي رواية أحمد يصلي بين جبلي نخلة (فلقوه) أي لقيت جنود إبليس (فقال) أي إبليس
لجنوده (هذا الحدث الذي حدث في الأرض) أي هذا هو الأمر الذي حال بينكم وبين خبر السماء
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي
70 باب من سور المدثر
مكية وهي خمس وخمسون آية
قوله (عن أبي سلمة) هو ابن عبد الرحمن بن عوف قوله (وهو بحدث عن فترة الوحي)
171
أي في حال التحديث عن احتباس الوحي عن النزول فإذا الملك جاءني بحراء هو جبرائيل
حين أتاه بقوله اقرأ باسم ربك الذي خلق ثم إنه حصل بعد هذا فترة ثم نزل الملك بعد هذا
جالس على كرسي خبر عن الملك الذي هو مبتدأ وقوله الذي جاءني بحراء صفته فجثثت منه
بضم الجيم وكسر المثلثة بعدها مثلثة أخرى ساكنة وفي رواية البخاري فجثثت بضم الجيم وكسر
الهمزة بعدها مثلثة ومعناهما فزعت ورعبت قال أهل اللغة جئث الرجل إذا فزع فهو مجثوث
قال الخليل والكسائي جثت وجثث فهو مجثوث ومجثوث أي مذعور فزع فقلت زملوني زملوني
أي لفوني يقال زمله في ثوبه إذا لفه فيه وفي رواية للبخاري دثر ونوصبوا على ماءا باردا
قال الحافظ وكأن الحكمة في الصب بعد التدثر طلب حصول السكون لما وقع في الباطن من
الانزعاج أو أن العادة أن الرعدة تعقبها الحمى وقد عرف من الطب النبوي معالجتها بالماء البارد
يا أيها المدثر أي النبي وأصله المتدثر أدغمت التاء في الدال أي المتلفف بثيابه عند نزول الوحي
عليه وإنما سماه مدثرا لقوله صلى الله عليه وسلم دثروني قم فأنذر أي خوف الناس وحذرهم من عذاب ربك إن
لم يؤمنوا والمعنى قم من مضجعك ودثارك وقيل قم قيام عزم واشتغل بالإنذار الذي تحملته
وبعده وربك فكبر أي عظم ربك عما يقوله عبدة الأوثان وثيابك فطهر أي من النجاسات
والمستقذرات وذلك أن المشركين لم يكونوا يحترزون عنها فأمر صلى الله عليه وسلم بصون ثيابه من النجاسات
وغيرها خلافا للمشركين وذكر في معناه وجود أخرى والرجز فاهجر أي اترك الأوثان ولا
تقربها وقال ابن عباس اترك المآثم وقيل الشرك والمعنى اترك كل ما أوجب لك العذاب من
الأعمال والأقوال وعلى كل تقدير فلا يلزم تلبسه بشئ من ذلك كقوله تعالى يا أيها النبي اتق الله
ولا تطع الكافرين والمنافقين قبل أن تفرض الصلاة كأنه أشار بهذا إلى أن تطهير الثياب كان
مأمورا به قبل أن تفرض الصلاة قاله الحافظ
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان
172
قوله الصعود جبل من نار الخ سبق هذا الحديث مع شرحه في باب صفة قعر
جهنم
قوله (عن مجالد) بن سعيد الهمداني قوله (غلب أصحابك) بصيغة المجهول أي صاروا
مغلوبين وبما غلبوا أي بأي شئ غلبوا قال فما قالوا أي قال النبي صلى الله عليه وسلم فما قال أصحابي في
جوابهم أفغلب الخ الاستفهام للإنكار لكنهم قد سألوا نبيهم أي لم يقتصر اليهود بأمثال من
هذا السؤال على أصحابي لكنهم سألوا نبيهم جهرة أي عيانا علي بتشديد الياء بأعداء الله
أي إيتني بهم وادعهم وهي الدرمك كجعفر دقيق الحواري والتراب الناعم (فلما جاؤوا) أي
اليهود (فسكتوا هنيهة) بضم هاء وفتح نون وسكون تحتية وفتح هاء أخرى أي زمانا قليلا (خبزة)
أي هي خبزة وأورد الترمذي هذا الحديث في تفسير قوله تعالى وعليها تسعة عشر قوله (هذا
حديث إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث مجالد) وكذلك قال البزار بعد إخراجه ومجالد هذا
ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره
173
قوله (أخبرنا زيد بن حباب) أبو الحسن العكلي قوله هو أهل التقوى أي هو الحقيق
بأن يتقيه المتقون بترك معاصيه والعمل بطاعته وأهل المغفرة أي هو الحقيق بأن يغفر للمؤمنين ما
فرط منهم من الذنوب والحقيق بأن يقبل توبة التائبين من العصاة فيغفر ذنوبهم (فمن اتقاني) أي
خافني (فأنا أهل أن أغفر له) أي لمن اتقاني قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد
والنسائي وابن ماجة والبزار وأبو يعلي وابن أبي حاتم وابن مردويه وأخرج ابن مردويه عن أبي
هريرة وابن عمر وابن عباس مرفوعا نحوه
71 باب من سورة القيامة
مكية وهي أربعون اية
قوله (أخبرنا سفيان) هو ابن عيينة (عن موسى بن أبي عائشة) الهمداني مولاهم أبي الحسن
الكوفي ثقة عابد من الخامسة قوله (يحرك به لسانه) وفي رواية للبخاري وكان بما يحرك به
لسانه وشفتيه (يريد) أي النبي صلى الله عليه وسلم بهذا التحريك (أن يحفظه) أي القرآن لا تحرك به بلسانك
لتعجل به أي لا تحرك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي لتأخذه على عجل مخافة أن يتفلت منك
ومثل هذا قوله تعالى ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه الآية وبعده
174
جمعه أي في صدرك حتى لا يذهب عليك منه شئ وقرآنه أي إثبات قراءته في لسانك وهو
تعليل للنهي قال الفراء القراءة القرآن مصدران فإذا قرأناه أي أتممنا قراءته عليك بلسان جبرائيل
عليه السلام وبيناه فأتبع قرآنه فاستمع قراءته وكررها حتى يرسخ في ذهنك والمعنى لا تسكن
قراءتك مقارنة لقراءة جبرائيل عليك بل أسكت حتى يتم جبرائيل ما يوحي إليك فإذا فرغ جبريل
من القراءة فخذ أنت فيها وجعل قراءة جبريل قراءته لأنه بأمره نزل الوحي ثم إن علينا بيانه
أي تفسير ما فيه من الحلال والحرام وبيان ما أشكل من معانيه (قال فكان يحرك به شفتيه وحرك
سفيان شفتيه) وفي رواية للبخاري فقال ابن عباس رضي الله عنهما فأنا أحركهما لك كما كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما وقال سعيد أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس رضي الله عنهما يحركهما فحرك
شفتيه قال العيني ومثل هذا الحديث يسمى بالمسلسل بتحريك الشفة لكن لم يتصل بسلسلة وقل
في المسلسل الصحيح قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان
قوله إن أدنى أهل الجنة منزلة الخ مضى هذا الحديث مع شرحه في باب رؤية الرب
تبارك وتعالى من أبواب صفة الجنة
175
ومن سورة عبس
وتسمى سورة السفرة وسورة الأعمى مكية وهي إحدى أو اثنان وأربعون آية
قوله (هذا ما عرضنا على هشام بن عروة) أي هذا ما قرأناه على هشام بن عروة وهو
يسمع قوله عبس أي النبي صلى (في ابن أم مكتوم) اسمه عمرو بن زائدة ويقال عمرو بن قيس بن زائدة وقيل
اسمه عبد الله والأول أكثر وأشهر وأم مكتوم أمه (أتى) أي ابن أم
مكتوم (أرشدني) أي علمني (يعرض عنه) أي عن ابن أم مكتوم
(ويقول) أي للرجل المشرك أترى بما أقول أي من التوحيد بأسا أي ضررا وحرجا (فيقول
لا) وفي رواية الموطأ ويقول يا أبا فلان هل ترى بما أقول بأسا فيقول لا والدماء ما أرى بما تقول
بأسا والدماء جمع دمية وهي الصورة يريد بها الأصنام قوله (هذا حديث حسن غريب)
وأخرجه ابن حبان وأبو يعلي وابن جرير (وروى بعضهم هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه
قال أنزل عبس وتولى الخ) رواه مالك في الموطأ
قوله (أخبرنا محمد بن الفضل) السدوسي الملقب بعارم (أخبرنا ثابت بن يزيد) الأحول
(عن هلال بن خباب) العبدي البصري قوله تحشرون حفاة بضم المهملة وتخفيف الفاء جمع
حاف أي بلا خف ولا نعل عراة بضم العين جمع عار وهي الذي لا ستر له غرلا بضم (أيبصر) بضم الياء من الإبصار (أو يرى) شك من الراوي لكل امرئ الغين
176
المعجمة وسكون الراء جمع أغرل وهو الأقلف أي غير مختونين أيبصر بضم الياء من الابصار أو
يرى شك من الراوي لكل امرى منهم يومئذ شأن يغنيه أي لكل إنسان يوم القيامة حال
يشغله عن شأن غيره ويصرفه عنه أي يشتغل كل واحد بنفسه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه النسائي وابن أبي حاتم
73 باب من سورة إذا الشمس كورت
وتسمى سورة التكوير مكية وهي تسع وعشرون آية
قوله (عن عبد الرحمن وهو ابن يزيد الصنعاني) أبو محمد القاص صدوق من الرابعة
قوله من سره أي أعجبه أن ينظر إلى يوم القيامة أي أحواله وأن يطلع في أهواله كأنه رأى
عين تقول جعلت الشئ رأى عينك وبمرأى منك أي حذاءك ومقابلك بحيث تراه وهو منصوب
على المصدر أي كأنه يراه رأى العين فليقرأ إذا الشمس كورت قال الحافظ ابن كثير قال
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس إذا الشمس كورت يعني أظلمت وقال العوفي عنه ذهبت
وقال مجاهد اضمحلت وذهبت وكذا قال الضحاك وقال قتادة ذهب ضوؤها وقال سعيد بن
جبير كورت غورت وقال الربيع بن خيثم كورت يعني رمي بها وقال أبو صالح كورت
ألقيت وعنه أيضا نكست وقال زيد بن أسلم تقع في الأرض قال ابن جرير والصواب من
القول عندنا في ذلك أن التكوير جمع الشئ بعضه على بعض ومنه تكوير العمامة وجمع الثياب
177
بعضها إلى بعض فمعنى قوله تعالى كورت بعضها إلى بعض ثم لفت فرمى بها وإذا فعل بها
ذلك ذهب ضوؤها. بعضه على بعض ومنه تكوير العمامة وجمع الثياب بعضها إلى بعض فمعنى ذلك ذهب ضوؤها انتهى كلام الحافظ ابن كثير وإذا السماء انفطرت أ ي انشقت وإذا السماء
انشقت أي انصدعت والمراد هذه السور فإنها مشتملة على ذكر أحوال يوم القيامة وأهواله
وحديث ابن عمر هذا أخرجه أيضا أحمد والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه
74 باب من سورة ويل للمطففين
مدنية في قول ومكية في قول وقيل فيها ثمان آيات مكية
وهي من قوله إن الذين أجرموا إلى آخرها وقيل فيها آية مكية
وهي قوله تعالى إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين
وقيل إنها نزلت بين مكة والمدينة زمن الهجرة وهي ست وثلاثون اية
قوله إن العبد إذا أخطأ خطيئة وفي رواية أحمد إن المؤمن إذا أذنب ذنبا نكتت في قلبه
بصيغة المجهول من النكت وهو في الأصل أن تضرب في الأرض بقضيب فيؤثر فيها نكتة سوداء
أي جعلت في قلبه نكتة سوداء أي أثر قليل كالنقطة شبه الوسخ في المرآة والسيف ونحوهما وقال
القاري أي كقطرة مداد تقطر في القرطاس ويختلف على حسب المعصية وقدرها والحمل على
الحقيقة أولى من جعله من باب التمثيل والتشبيه حيث قيل شبه القلب بثوب في غاية النقاء
والبياض والمعصية بشئ في غاية السواد أصاب ذلك الأبيض فبالضرورة أنه يذهب ذلك الجمال
منه وكذلك الانسان إذا أصاب المعصية صار كأنه حصل ذلك السواد في ذلك البياض فإذا هو
أي العبد نزع أي نفسه عن ارتكاب المعاصي واستغفر أي سأل الله المغفرة وتاب أي من
الذنب سقل قلبه بالسين المهملة على البناء للمفعول وفي رواية أحمد صقل بالصاد قال في
القاموس السقل الصقل وقال فيه صقله جلاه انتهى والمعنى نظف وصفى مرآة قلبه لأن التوبة
بمنزلة المصقلة تمحو وسخ القلب وسواده حقيقيا أو تمثيليا وإن عاد أي العبد في الذنب والخطيئة
زيد فيها أي في النكتة السوداء حتى تعلو أي للنكت قلبه أي تطفى نور قلبه فتعمى
178
بصيرته وهو الأثر الذي ذكر الله أي في كتابه وأدخل اللام على ران
وهو فعل إما لقصد حكاية اللفظ وإجرائه مجرى الاسم وإما لتنزيله منزلة المصدر كلا تطفئ نور قلبه فتعمي الأثر المستقنح المستعلي الران بل ران على
قلوبهم ما كانوا يكسبون قال الحافظ ابن كثير أي ليس الأمر كما زعموا ولا كما قالوا إن هذا
القرآن أساطير الأولين بل هو كلام الله ووحيه وتنزيله على رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما حجب قلوبهم عن
الإيمان به ما عليها من الران الذي قد لبس قلوبهم من كثرة الذنوب والخطايا والرين يعتري
قلوب الكافرين والغيم للأبرار والغين للمقربين انتهى قلت أصل الران والرين الغشاوة وهو
كالصدء على الشئ الصقيل قال الطيبي الران والرين سواء كالعاب والعيب والآية في الكفار
إلا أن المؤمن بارتكاب الذنب يشبههم في اسوداد القلب ويزداد ذلك بازدياد الذنب قال ابن
الملك هذه الآية مذكورة في حق الكفار لكن ذكرها صلى الله عليه وسلم تخويفا للمؤمنين كي يحترزوا عن كثرة
الذنب كيلا تسود قلوبهم كما اسودت قلوب الكفار ولذا قيل المعاصي بريد الكفر قوله (هذا حديث
حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط
مسلم
قوله (عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني يقومون في الرشح بفتحتين أي في العرق
وتقدم شئ من الكلام على هذا الحديث في أوائل صفة القيامة
قوله (حدثنا عيسى بن يونس) السبيعي الكوفي (عن ابن عون) هو عبد الله ابن عون بن
أرطبان قوله إلى أنصاف أذنيه هو من إضافة الجمع إلى الجمع حقيقة ومعنى لأن لكل واحد
أذنين قاله العيني قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان قوله (وفيه عن أبي
هريرة) أي وفي معنى حديث ابن عمر المذكور حديث أبي هريرة وهو ما أخرجه الشيخان عنه
179
قال: قال حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا
ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم
75 باب من سورة إذا السماء انشقت
وتسمى سورة الانشقاق مكية وهي عليه وسلم يعرق الناس يوم القيامة ثلاث أو خمس وعشرون اية
قوله (أخبرنا عبيد الله بن موسى) العبسي الكوفي قوله عن عائشة قالت سمعت النبي
صلى الله عليه وسلم يقول من نوقش الحساب الخ سبق هذا الحديث مع شرحه في باب العرض من أبواب صفة
القيامة
قوله (حدثنا محمد بن عبيد الهمداني) ضبط في النسخة الأحمدية بالقلم بفتح الهاء وسكون
الميم وبالدال المهملة وقال في التقرير محمد بن عبيد بن عبد الملك الأسدي الهمداني بالتحريك
الجلاب بالجيم كوفي الأصل ثقة من العاشرة ووقع في الخلاصة بالذال المعجمة وقال في المغنى
الهمداني بميم ومعجمة مفتوحتين منه مران بن حمويه ومحمد بن عبيد انتهى وقال الحافظ أبو محمد
عبد الغني بن سعيد المصري في كتاب مشتبه النسبة وأما الهمذاني بفتح الميم والذال المعجمة
فجماعة منهم أصرم بن حوشب والحارث بن عبد الله الخازن ومحمد بن عبيد الهمداني الذي يروي
عن الربيع بن زياد انتهى (أخبرنا علي بن أبي بكر) بن سليمان الأسفذني بفتح الهمزة وسكون
المهملة وفتح الفاء وسكون المعجمة بعدها نون قبل ياء النسبة نسبة إلى قرية بمرو صدوق ربما أخطأ
180
وكان عابدا من التاسعة (عن همام) بن يحيى الأزدي العوذي قوله من حوسب عذب بالبناء
للمفعول أي من حوسب بالمناقشة كما يدل له الحديث المتقدم قوله (وهذا حديث غريب)
وأخرجه الضياء (لا نعرفه من حديث قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الوجه) قال الحافظ
في تهذيب التهذيب في ترجمة علي بن أبي بكر أورد له ابن عدي عن همام عن قتادة عن أنس من
حوسب عذب وقال هو خطأ والصواب ما رواه عمرو بن عاصم عن همام عن أيوب عن ابن أبي
مليكة عن عائشة ثم قال لا أعرف له خطأ غير هذا الحديث الواحد ويمكن أن يكون من الراوي
عنه محمد بن عبيد الهمداني انتهى والحديث المذكور رواه الترمذي عن محمد بن عبيد واستغربه
انتهى
76 باب من سورة البروج
مكية وهي اثنتان وعشرون آية
قوله (عن موسى بن عبيدة) الربذي (عن أيوب بن خالد) بن صفوان بن أوس بن جابر
الأنصاري المدني ثم البرقي ويعرف بابن أبي أيوب لينه ابن حجر وقد احتج به مسلم وغيره كذا
قال الخزرجي في الخلاصة وأراد بابن حجر الحافظ ابن حجر العسقلاني قوله اليوم الموعود
أي المذكور في قوله تعالى واليوم الموعود وشاهد ومشهود يوم القيامة لأن الله وعد به الناس
واليوم المشهود يوم عرفة لأن الناس يشهدونه أي يحضرونه ويجتمعون فيه والشاهد يوم
181
الجمعة أي يشهد لمن حضر صلاته أفضل منه أي من يوم الجمعة من شئ وفي بعض النسخ
من شر قوله (هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث موسى الخ) وأخرجه أحمد وابن أبي حاتم
وابن خزيمة
قوله (عن صهيب) بن سنان الرومي الصحابي المشهور قوله (همس) من باب ضرب
أي تكلم بكلام خفي (والهمس في قول بعضهم يحرك شفتيه كأنه يتكلم) تفسير الهمس هذا من
بعض الرواة قال في النهاية الهمس الكلام الخفي لا يكاد يفهم كان أعجب بصيغة المجهول
من الإعجاب بأمته أي من جهة الكثرة يقال أعجب بالشئ سره الشئ وعجب منه فأوحى الله
إليه أي ذلك النبي أن خيرهم بين أن أنتقم منهم أي أعاقبهم فاختاروا النقمة بالكسر
وبالفتح وكفرحة هي المكافأة بالعقوبة اعلم أن حديث صهيب هذا رواه الترمذي هكذا مختصرا
مجملا ورواه أحمد في مسنده مطولا مفصلا فرواه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سليمان بن
المغيرة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى همس
182
شيئا لا أفهمه ولا يخبرنا به قال أفطنتم لي قلنا نعم قال إني ذكرت نبيا من الأنبياء أعطى جنودا
من قومه فقال من يكافئ هؤلاء أو من يقوم لهؤلاء أو غيرها من الكلام فأوحى إليه أن اختر
لقومك إحدى ثلاث إما أن نسلط عليهم عدوا من غيرهم أو الجوع أو الموت فاستشار قومه في
ذلك فقالوا أنت نبي الله فكل ذلك إليك خر لنا فقام إلى الصلاة وكانوا إذا فزعوا فزعوا إلى الصلاة
فصلى ما شاء الله قال ثم قال أي رب أما عدو من غيرهم فلا أو الجوع فلا ولكن الموت فسلط
عليهم الموت فمات منهم سبعون ألفا فهمسي الذي ترون أني أقول اللهم بك أقاتل وبك
أصاول ولا حول ولا قوة إلا بالله ورواه من طريق عفان عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أيام حنين يحرك شفتيه بعد صلاة الفجر
بشئ لم نكن نراه يفعله فقلنا يا رسول الله إنا نراك تفعل شيئا لم تكن تفعله فما هذا الذي تحرك
شفتيك قال إن نبيا فيمن كان قبلكم أعجبته كثرة أمته فقال لن يروم هؤلاء شئ الله إليه
أن خير أمتك بين إحدى ثلاث إما أن نسلط عليهم عدوا من غيرهم فيستبيحهم أو الجوع وإما أن
أرسل عليهم الموت فشاورهم فقالوا أما العدو فلا طاقة لنا بهم وأما الجوع فلا صبر لنا عليه
ولكن الموت فأرسل عليهم الموت فمات منهم في ثلاثة أيام سبعون ألفا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا
أقول الان حيث رأى كثرتهم اللهم بك أحاول وبك أصاول وبك أقاتل (قال وكان إذا حدث بها
الحديث حدث بهذا الحديث الاخر قال كان ملك من الملوك الخ) قال الحافظ بن كثير وهذا
السياق ليس فيه صراحة أن سياق هذه القصة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج
المزي فيحتمل أن يكون من كلام صهيب الرومي فإنه كان عنده علم من أخبار النصارى
انتهى وقال الحافظ في الفتح صرح برفع القصة بطولها حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب ومن طريقه أخرجها مسلم والنسائي وأحمد ووقفها معمر عن ثابت
ومن طريقه أخرجها الترمذي انتهى قلت في صحيح مسلم عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر الخ (غلاما فهما) أي سريع الفهم (أو قال فطنا)
أي حاذقا (لقنا) أي حسن التلقن لما يسمعه وهذه الألفاظ الثلاثة بوزن كتف بفتح الكاف وكسر
الفوقية (فنظروا له) أي للكاهن (على ما وصف) أي ذكر لهم الكاهن (فأمروه) أي فوجدوا غلاما
183
على ما وصفه فأمروه (وأن يختلف إليه) أي يتردد إليه (راهب في صومعة) الراهب واحد رهبان
النصارى وهو من اعتزل عن الناس إلى دير طلبا للعبادة والصومعة كجوهرة بيت للنصارى
ينقطع فيه رهبانهم (قال معمر أحسب أن أصحاب الصوامع كانوا يومئذ مسلمين) كما يدل عليه
سياق هذه القصة (فلم يزل به) أي الغلام بالراهب (قال فأخذ الغلام حجرا) وفي رواية مسلم
فقال اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل فأخذ حجرا (قال فسمع به أعمى) وفي رواية
مسلم فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما
أرى وإنك ستبتلي فإن ابتليت فلا تدل علي وكان الغلام يبرئ الأكمة والأبرص ويداوي الناس
من سائر الأدواء فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة (لأقتلن كل واحد منكم
قتلة) بكسر القاف أي بنوع عن القتل (لا أقتل بها صاحبه) صفة لقوله قتلة (فوضع المنشار) بكسر
الميم آلة ذات أسنان ينشر بها الخشب ونحوه (على مفرق أحدهما) المفرق كمقعد ومجلس وسط
الرأس وهو الذي يفرق فيه الشعر (وقتل الاخر بقتلة أخرى) وفي رواية مسلم فجئ بالراهب
184
فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم
جئ بجليس الملك فقيل له ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع
شقاه فرواية مسلم هذه تخالف رواية الترمذي مخالفة ظاهرة ولم يظهر لي وجه الجمع فتفكر وتأمل
(جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل) أي يتساقطون منه (ويتردون) من التردي أي يسقطون وفي
رواية مسلم فصعدوا به الجبل فقال اللهم اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا (فانطلق به
إلى البحر فغرق الله الذين كانوا معه وأنجاه) وفي رواية مسلم فذهبوا به فقال اللهم اكفنيهم بم
شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك (حتى تصلبني) أي على جذع كما في رواية
مسلم قال في القاموس صلبة كضربه جعله مصلوبا كصلبه (فوضع الغلام يده على صدغه حين
رمي ثم مات) وفي رواية مسلم ثم رماه فوضع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع
السهم فمات (أجزعت) بكسر الزاي من الجزع محركة وهو نقيض الصبر (أن خالفك ثلاثة) أي
الأعمى والراهب والغلام (فخذ) أي شق (أخدودا) بضم الهمزة وسكرن المعجمة الشق العظيم
وجمعه أخاديد (يقول الله تبارك وتعالى فيه) أي في شأن هذه القصة قتل أي لعن وهو جواب
القسم وقيل جوابه إن بطش ربك لشديد أصحاب الأخدود أي الملك الذي خد الأخدود
وأصحابه النار بدل اشتمال من الأخدود ذات الوقود وصف لها بأنها عظيمة لها ما يرتفع به
لهبها من الحطب الكثير وأبدان الناس وبعده إذ ظرف لقتل أي لعنوا حين أحرقوا
185
قاعدين حولها هم عليها أي حولها على جانب الأخدود قعود أي جلوس على الكراسي وهم
أي الذين خدوا الأخدود وهم الملك وأصحابه على ما يفعلون بالمؤمنين بالله من تعذيبهم بالإلقاء
في النار إن لم يرجعوا عن إيمانهم شهود أي حضور روى أن الله أنجى المؤمنين الملقين في النار
بقبض أرواحهم قبل وقوعهم فيها فخرجت النار إلى من ثم فأحرقتهم وما نقموا منهم إلا أن
يؤمنوا أي ما عابوا منهم وما أنكروا إلا الإيمان كقوله
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
بالله العزيز الحميد) ذكر الأوصاف التي يستحق بها أن يؤمن به وهو كونه عزيزا غالبا قادرا
يخشى عقابه حميدا منعما يجب له الحمد على نعمته ويرجى ثوابه (قال فيذكر أنه أخرج في زمن
عمر بن الخطاب الخ) قال ابن إسحاق وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم
أنه حدث أن رجلا من أهل نجران كان زمان عمر بن الخطاب حفر خربة من خرب نجران لبعض
حاجته فوجد عبد الله بن التامر تحت دفن فيها قاعدا واضعا يده على ضربة في رأسه ممسكا عليها
بيده فإذا أخذت يده عنها انبعث دما وإذا أرسلت يده دت عليها فأمسكت دمها وفي يده خاتم
مكتوب فيه ربي الله فكتب فيه إلى عمر بن الخطاب يخبره بأمره فكتب عمر إليهم أن أقروه على
حاله وردوا عليه الذي كان عليه ففعلوا قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد ومسلم
والنسائي ولم يذكروا الحديث الأول منه
77 باب من سورة الغاشية
مكية وهي ست وعشرون اية
قوله أمرت أن أقاتل الناس حتى الخ سبق في أول كتاب
186
الايمان إنما أنت مذكر أي ليس عليك إلا التذكير والوعظ لست عليهم بمصيطر شرحه في أول كتاب وفي قراءة
بالسين بدل الصاد أي بمسلط حتى تكرههم على الإيمان قال النووي قال المفسرون معناه إنما أنت
واعظ ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر إذ ذاك إلا بالتذكير ثم أمر بعد بالقتال والمسيطر المسلط
وقيل الجبار وقيل الرب انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي والحاكم
78 باب من سورة الفجر
مكية وهي ثلاثون آية وقيل تسع وعشرون
قوله (حدثنا أبو حفص عمرو بن علي) الفلاس (وأبو داود) الطيالسي (قالا أخبرنا همام) بن
يحي الأزدي العوذي (عن عمران بن عصام) الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة أبي عمارة
البصري والد أبي جمرة بالجيم قتل يوم الزاوية سنة ثلاث وثمانين من الثانية وقيل له صحبة كذا في
التقريب وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن عمران بن حصين وقيل عن رجل عنه في
ذكر الشفع والوتر وروى عنه قتادة وغيره قوله بعضها شفع كالرباعية والثنائية وبعضها وتر
كالمغرب فإنها ثلاث وهي وتر النهار وكذلك صلاة الوتر في آخر التهجد من الليل وفيه أن المراد
بقوله تعالى والشفع والوتر الشفع من الصلاة والوتر منها لكن الحديث في إسناده رجل
مجهول وهو الراوي له عن عمران بن حصين وقيل المراد شفع كل الأشياء ووترها كالكفر
والإيمان والهدى والضلال والسعادة والشقاوة والليل والنهار والسماء والأرض والبر والبحر
والشمس والقمر والجن والإنس وقيل شفع الليالي ووترها وقيل الشفع يوم عرفة ويوم النحر
والوتر ليلة يوم النحر وقيل الشفع الخلق والوتر الله الواحد الصمد وقيل الشفع عشر ذي الحجة
والوتر أيام منى الثلاثة وقيل المراد بالشفع والوتر العدد كله لأن العد لا يخلو عنهما وقيل الشفع
187
الحيوان لأنه ذكر وأنثى والوتر الجماد وفيه أقوال أخرى ذكرها صاحب فتح البيان وقال ولا يخفاك
ما في غالب هذه الأقوال من السقوط البين والضعف الظاهر والاتكال في التعيين على مجرد الرأي
الزائف والذي ينبغي التعويل عليه ويتعين المصير إليه ما يدل عليه معنى الشفع والوتر في كلام
العرب وهما معروفان واضحان فالشفع عند العرب الزوج والوتر الفرد فالمراد بالآية إما نفس
العدد أو ما يصدق عليه من المعدودات بأنه شفع أو وتر وإذا قام دليل على تعيين شئ من
المعدودات في تفسير هذه الآية فإن كان الدليل يدل على أنه المراد نفسه دون غيره فذاك وإن كان
الدليل يدل على أنه مما تناولته هذه الآية لم يكن ذلك مانعا من تناولها لغيره انتهى قوله (هذا
حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث قتادة) وأخرجه أحمد وابن جرير وفي سنده رجل مجهول
(وقد رواه خالد بن قيس الحداني أيضا عن قتادة) رواه ابن جرير من هذا الطريق قال أخبرنا نصر بن علي
حدثني أبي حدثني خالد بن قيس عن قتادة عن عمران بن عصام عن عمران بن حصين عن النبي
صلى الله عليه وسلم فأسقط ذكر الرجل المبهم وخالد بن قيس هذا هو خالد بن قيس بن رباح الأزدي الحداني
البصري صدوق يغرب من السابعة وقال الحافظ ابن كثير وعندي أن وقفه على عمران بن
حصين أشبه والله أعلم انتهى وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد هذا الحديث موقوفا على
عمران فهذا يقوي ما قاله ابن كثير
79 باب من سورة والشمس وضحاها
مكية وهي خمس عشرة آية
قوله (عن عبد الله بن زمعة) بن الأسود بن المطلب بن أسد القرشي الأسدي صحابي
مشهور استشهد يوم الدار مع عثمان قوله (يذكر الناقة) أي المذكورة في قوله تعالى فقال لهم
رسول الله ناقة وسقياها وهي ناقة صالح عليه السلام (والذي عقرها)
188
الناقة أي ضرب قوائمها بالسيف فقطعها وهو قدار بن سألف ويذكر وهو أحيمر ثمود الذي قال الله تعالى
فيه فنادوا صاحبهم فتعاطى الذي عقر سيف فقطعها وهو قدار بن سالف فعقر وذكر ابن إسحاق في المبتدأ وغير واحد أن سبب عقرهم الناقة
أنهم كانوا اقترحوها على صالح عليه السلام فأجابهم إلى ذلك بعد أن تعنتوا في وصفها فأخرج الله
له ناقة من صخرة بالصفة المطلوبة فآمن بعض وكفر بعض واتفقوا على أن يتركوا الناقة ترعى
حيث شاءت وترد الماء يوما بعد يوم وكانت إذا وردت تشرب ماء البئر كله وكانوا يرفعون
حاجتهم من الماء في يومهم للغد ثم ضاق بهم الأمر في ذلك فانتدب تسعة رهط منهم قدار المذكور
فباشر عقرها فلما بلغ ذلك صالحا عليه السلام أعلمهم بأن العذاب سيقع بهم بعد ثلاثة أيام
فوقع كذلك كما أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه وأخرج أحمد وابن أبي حاتم من حديث جابر
رفعه أن الناقة كانت ترد يومها فتشرب جميع الماء ويحتلبون منها مثل الذي كانت تشرب وفي
سنده إسماعيل بن عياش وفي روايته عن غير الشاميين ضعف وهذا منها كذا في الفتح إذا انبعثت
أي قام وأسرع أشقاها أي أشقى ثمود وهو قدار بن سالف انبعث لها أي لعقر الناقة برضائهم
رجل عارم بالعين والراء المهملتين أي صعب على من يرومه كثير الشهامة والشر عزيز أي
شديد قوي وقيل قليل المثل منيع أي قوي ذو منعة أي رهط يمنعونه من الضيم في رهطه أي
قومه مثل أبي زمعة أي في عزته ومنعته في قومه وهو الأسود المذكور جد عبد الله بن زمعة وكان
الأسود أحد المستهزئين ومات على كفره بمكة وقتل ابنه زمعة يوم بدر كافرا أيضا وفي رواية
للبخاري مثل أبي زمعة عم الزبير بن العوام قال الحافظ هو عم الزبير مجازا لأنه الأسود بن
المطلب بن أسد والعوام بن خويلد ابن أسد فنزل ابن العم منزلة الأخ فأطلق عليه عما بهذا
الاعتبار كذا جزم الدمياطي باسم أبي زمعة هنا وهو المعتمد (ثم سمعته) أي النبي صلى الله عليه وسلم (يذكر
النساء) أي ما يتعلق بهن استطرادا فذكر ما يقع من أزواجهن إلى ما يعمد بكسر الميم أي يقصد
فيجلد امرأته أي فيضربها يقال جلدته بالسيف والسوط ونحوهما إذا ضربته جلد العبد
بالنصب أي مثل جلد العبد وفي رواية للبخاري بم يضرب أحدكم امرأته ضرب الفحل
ولعله أي الذي يجلدها في أول اليوم أن يضاجعها أي يجامعها ويطؤها من آخر يومه أي في
اخره فكلمة من هنا بمعنى في إلى ما يضحك أحدكم مما يفعل يعني الضرطة وكانوا في الجاهلية إذا
189
وقع ذلك من أحد منهم في مجلس يضحكون فنهاهم عن ذلك وفي رواية للبخاري لم يضحك
أحدكم مما يفعل قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي
80 باب من سورة والليل إذا يغشى
مكية وهي إحدى وعشرون آية
قوله في الجاهلية إذا في مجلس يضحكون منهاهم عن (عن سعد بن عبيدة) السلمي (عن أبي عبد الرحمن السلمي) بضم السين وفتح
اللام اسمه عبد الله بن حبيب قوله (كنا في جنازة في البقيع) بفتح الموحدة وكسر القاف وهو
مقبرة المدينة (ومعه عود ينكت) بضم الكاف من النكت (به في الأرض) أي يضرب الأرض بطرفه
فعل المتفكر في شئ مهم ما من نفس منفوسة أي مولودة يقال نفست المرأة ونفست فهي منفوسة
ونفساء إذا ولدت إلا قد كتب مدخلها الذي تصير إليه من الجنة والنار فأما من أعطى أي حق
الله وبذل ماله في وجوه الخير واتقى أي الله فاجتنب محارمه وصدق بالحسنى قال ابن عباس
يقول لا إله إلا الله وعنه صدق بالخلف به أي أيقن أن الله سيخلف عليه ما أنفقه في طاعته
وقيل صدق بالجنة وقيل صدق بموعد الله الذي وعده أن يثيبه فسنيسره أي نهيئه لليسرى أي
للخلة اليسرى وهي العمل بما يرضاه ربه وأما من بخل أي بحق الله
190
واستغنى أي عن ثواب الله تعالى فلم يرغب فيه وكذب بالحسنى أي بلا إله إلا الله وكذب بما وعده الله عز وجل من
الجنة والثواب فسنيسره للعسرى أي للخلة المؤدية إلى النار فتكون الطاعة أعسر شئ عليه وأشد
أو سمي طريقة الخير باليسرى لأن عاقبتها اليسر وطريقة الشر بالعسرى لأن عاقبتها العسر أو
أراد بهما طريقي الجنة والنار وتقدم حديث علي هذا مختصرا في باب الشقاء والسعادة من أبواب
القدر
قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة
81 باب من سورة والضحى
مكية وهي إحدى عشرة آية
قوله (عن الأسود بن قيس) العبدي (عن جندب) بضم أوله والدال وتفتح ابن
عبد الله بن سفيان (البجلي) بموحدة وجيم مفتوحتين قوله (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار) بالغين
المعجمة وبالراء وكذا هو في صحيح مسلم قال النووي كذا هو في الأصول في غار قال القاضي
عياض قال أبو الوليد الكناني لعله غازيا فتصحف كما قال في الرواية الأخرى في بعض المشاهد وكما
جاء في رواية البخاري بينما النبي صلى الله عليه وسلم يمشي إذ أصابه حجر قال القاضي وقد يراد بالغار هنا الجمع
والجيش لا الغار الذي هو الكهف فيوافق رواية بعض المشاهد ومنه قول علي ما ظنك بامرئ
جمع بين هذين الغازين أي العسكرين والجمعين انتهى (فدميت إصبعه) يقال دمي الشئ يدمي
دما ودميا فهو دم مثل فرق يفرق فرقا فهو فرق والمعنى أن أصبعه جرحت فظهر منها الدم هل
أنت معناه ما أنت دميت بفتح الدال صفة للإصبع والمستثنى فيه أعم عام الصفة أي ما أنت يا
أصبع موصوفة بشئ إلا بأن دميت كأنها لما توجعت خاطبه على سبيل الاستعارة أو الحقيقة معجزة
تسليا لها أي تثبتي فإنك ما ابتليت بشئ من الهلاك والقطع سوى أنك دميت ولم يكن ذلك أيضا
هدرا بل كان في سبيل الله ورضاه وفي سبيل الله ما لقيت لفظ ما هنا بمعنى الذي أي الذي لقيته
محسوب في سبيل الله (وأبطأ عليه جبريل) أي تأخر واحتبس قال الحافظ والحق أن الفترة
المذكورة في سبب نزول والضحى غير الفترة المذكورة في ابتداء الوحي دامت أياما وهذه لم
191
تكن إلا ليلتين أو ثلاثا (قد ودع محمد) بصيغة المجهول من التوديع أي ترك ما ودعك ابتداء الوحي فإن تلك دامت أياما وهذه لم ودعك وما
قلى أي ما تركك وما أبغضك قاله ابن عباس والقلاء البغض يقال قلاه يقليه قلاء وقال وما قلى
ولم يقل وما قلاك لموافقة رؤوس الآي قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
والنسائي وابن أبي حاتم وابن جرير
82 باب من سورة ألم نشرح
مكية وهي ثمان آيات
قوله (أخبرنا محمد بن جعفر) المعروف بغندر (عن سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن مالك
بن صعصعة) الأنصاري المازني صحابي روى عنه أنس حديث المعراج كأنه مات قديما كذا في
التقريب وقال الحافظ في الفتح ما له في البخاري ولا في غيره سوى هذا الحديث ولا يعرف روى
عنه إلا أنس بن مالك قوله بينما أنا عند البيت بين النائم واليقظان قال النووي قد يحتج به
من يجعلها رؤيا نوم ولا حجة فيه إذ قد يكون ذلك حاله أول وصول الملك إليه وليس في الحديث
ما يدل على كونه نائما في القصة كلها انتهى وقال الحافظ هو محمول على ابتداء الحال ثم لما
خرج به إلى باب المسجد فأركبه البراق استمر في يقظته وأما ما وقع في رواية شريك الآتية في
التوحيد في اخر الحديث فلما استيقظت فإن قلنا بالتعدد فلا إشكال وإلا حمل على أن المراد
باستيقظت أفقت أي أنه أفاق مما كان فيه من شغل البال بمشاهدة الملكوت ورجع إلى العالم
الدنيوي انتهى وقال القرطبي يحتمل أن يكون استيقاظا من نومة نامها بعد الاسراء لأن إسراءه
لم يكن طول ليلة وإنما كان في بعضها انتهى
أعلم أنه وقع في هذه الرواية بينما أنا عند البيت ووقع في رواية بينما أنا في الحط 4 يم وربما
192
قال في الحجر وفي رواية الزهري عن أنس عن أبي ذر فرج سقف بيتي وأنا بمكة وفي رواية
الواقدي بأسانيده أنه أسرى به من شعب أبي طالب وفي حديث أم هانئ عند الطبراني أنه بات في
بيتها قال ففقدته من الليل فقال إن جبريل أتاني قال الحافظ والجمع بين هذه الأقوال أنه نائم في
بيت أم هانئ وبيتها عند شعب أبي طالب ففرج سقف بيته وأضاف البيت إليه لكونه كان يسكنه
فنزل منه الملك فأخرجه من البيت إلى المسجد فكان به مضجعا وبه أثر النعاس وقد وقع في
مرسل الحسن عند ابن إسحاق أن جبريل أتاه فأخرجه إلى المسجد فأركبه البراق وهو يؤيد هذا
الجمع إذ سمعت قائلا يقول أحد بين الثلاثة وفي رواية مسلم إذ سمعت قائلا يقول أحد الثلاثة
بين الرجلين قال الحافظ المراد بالرجلين حمزة وجعفر والنبي صلى الله عليه وسلم كان نائما بينهما فأتيت بصيغة
المجهول بطست بفتح الطاء وإسكان السين المهملتين إناء معروف وهي مؤنثة ويقال فيها طست
بتشديد السين وحذف التاء وطست أيضا فيها أي في الطست فشرح بالبناء المفعول من
الشرح أي شق صدري إلى كذا وكذا وفي رواية للشيخين فشق من النحر إلى مراق البطن
(ثم حشي) أي ملئ (إيمانا وحكمة) بالنصب على التمييز وهذا الملأ يحتمل أن يكون على حقيقته
وتجسيد المعاني جائز كما جاء أن سورة البقرة تجئ يوم القيامة كأنها ظلة والموت في صورة كبش
وكذلك وزن الأعمال وغير ذلك من أحوال الغيب وقال البيضاوي لعل ذلك من باب التمثيل
إذ تمثيل المعاني قد وقع كثيرا كما مثلت له الجنة والنار في عرض الحائط وفائدته كشف المعنوي
بالمحسوس وقال ابن أبي جمرة فيه أن الحكمة ليس بعد الإيمان أجل منها ولذلك قرنت معه
ويؤيده قوله تعالى ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وأصح ما قيل في الحكمة أنها وضع
الشئ في محله أو الفهم في كتاب الله فعلى التفسير الثاني قد يوجد الحكمة دون الإيمان وقد لا توجد
وعلى الأول فقد يتلازمان لأن الإيمان يدل على الحكمة وأورد الترمذي هذا الحديث في تفسير قوله
تعالى ألم تشرح لك صدرك قال الحافظ بن كثير يعني إنا شرحنا لك صدرك أي نورناه وجعلناه
فسيحا رحيبا كقوله فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام وكما شرح الله صدره كذلك
جعل شرعه فسيحا واسعا سمحا سهلا لا حرج فيه ولا إصر ولا ضيق وقيل المراد بقوله ألم نشرح لك
صدرك شرح صدره ليلة الإسراء كما تقدم من رواية مالك بن صعصعة وقد أورده الترمذي ههنا
وهذا وإن كان واقعا ليلة الإسراء كما رواه مالك بن صعصعة ولكن لا منافاة فإن من جملة شرح
صدره الذي فعل بصدره ليلة الإسراء وما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضا انتهى قوله (وفي
193
الحديث قصة طويلة) أخرج الشيخان هذا الحديث بالقصة الطويلة قوله (وفيه عن أبي ذر)
أخرج حديثه الشيخان
83 باب من سورة والتين مكية وهي ثمان آيات
قوله (عن إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي ثقة ثبت من
السادسة قوله أليس الله بأحكم الحاكمين أي أقضى القاضين يحكم بينك وبين أهل التكذيب
بك يا محمد (فليقل بلى) أي نعم (وأنا على ذلك) أي كونك أحكم الحاكمين (من الشاهدين) أي
أنتظم في سلك من له مشافهة في الشهادتين من أنبياء الله وأوليائه قال ابن حجر وهذا أبلغ من
أنا شاهد ومن ثم قالوا في وكانت من القانتين وفي إنه في الآخرة لمن الصالحين أبلغ من وكانت
قانتة ومن إنه في الآخرة صالح لأن من دخل في عداد الكامل وساهم معهم الفضائل ليس كمن
انفرد عنهم انتهى وهذا الحديث أخرجه الترمذي هكذا مختصرا وزاد أبو داود في روايته ومن
قرأ لا أقسم بيوم القيامة فانتهى إلى أليس ذلك بقادر على أن يحيى الوتى فليقل بلى ومن قرأ
والمرسلات فبلغ فبأي حديث بعده يؤمنون فليقل امنا بالله والحديث يدل على أن من يقرأ هذه
الآيات يستحب له أن يقول تلك الكلمات سواء كان في الصلاة أو خارجه وأما قولها للمقتدي
خلف الامام فلم أقف على حديث يدل عليه قوله (هذا حديث إنما يروى بهذا الإسناد الخ)
وأخرجه أحمد وأبو داود وهو حديث ضعيف لجهالة الأعرابي
194
86 باب من سورة اقرأ باسم ربك
وتسمى سورة العلق مكية وهي تسع عشرة آية
قوله عن معمر بن راشد الأزدي عن عبد الكريم الجزري هو ابن مالك قوله
قال أبو جهل هذه من مرسلات ابن عباس لأنه لم يدرك زمن قول أبي جهل ذلك لأن مولده
قبل الهجرة نحو ثلاث سنين ويحمل على أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابي آخر لئن رأيت
محمدا يصلي زاد البخاري عند الكعبة لأطأن بصيغة المضارع المتكلم مؤكد باللام والنون
الثقيلة من الوطء وهو الدوس من باب سمع يسمع لو فعل أي أبو جهل لأخذته الملائكة المراد
بالملائكة الزبانية وهم ملائكة العذاب عيانا يقال لقيه أو رآه عيانا أي مشاهدة لم يشك في رؤيته
وإنما شدد الأمر في حق أبي جهل ولم يقع مثل ذلك لعقبة بن أبي معيط حيث طرح سلى الجزور على
ظهره صلى الله عليه وسلم وهو يصلي لأنهما وإن اشتركا في نطلق الأذية حالة صلاته لكن زاد أبو جهل بالتهديد
وبدعوى أهل طاعته وبإرادة وطء العنق الشريف وفي ذلك من المبالغة ما اقتضى تعجيل العقوبة
له لو فعل ذلك ولأن سلى الجزور لم يتحقق نجاستها وقد عوقب عقبة بدعائه صلى الله عليه وسلم وعلى من شاركه
في فعله فقتلوا يوم بدر كذا في الفتح قوله هذا حديث حسن غريب صحيح وأخرجه أحمد
والبخاري والنسائي وابن جرير
قوله عبد الله بن سعيد الكندي أبو سعيد الأشج الكوفي أخبرنا أبو خالد الأحمر اسمه
سليمان بن حيان الأزدي قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي أي عند المقام كما في رواية ابن جرير
195
فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم أي عن صلاته فزبره بزاي موحدة فراء كنصر وضرب أي نهر النبي صلى الله عليه وسلم
أبا جهل وأغلظ له في القول وفي رواية ابن جرير فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره ما بها أي
بمكة ناد أكثر مني وفي رواية ابن جرير والله إني لأكثر هذا الوادي ناديا قال في النهاية النادي
مجتمع القوم وأهل المجلس فيقع على المجلس وأهله فليدع ناديه أي أهل ناديه لأن النادي هو
المجلس الذي يجلس وينتدى فيه القوم ويجتمعون فيه من الأهل والعشيرة ولا يسمى المكان ناديا
حتى يكون فيه أهله والمعنى ليدع عشيرته وأهله ليعينوه وينصروه يندع الزبانية أي الملائكة
الغلاظ الشداد وهم خزنة جهنم سموا بدلك لأنهم يدفعون أهل النار إليها بشدة مأخوذ من الزبن
وهو الدفع قيل واحدها زابن وقيل زبنية وقيل زبنى على النسب وقيل هو اسم للجمع لا واحد له
من لفظه كعباديد وأبابيل وقال قتادة هم الشرط في كلام العرب وأصل الزبن الدفع والعرب
تطلق هذا الاسم على من اشتد بطشه لو دعا أي أبو جهل لأخذته زبانية الله أي ملائكته
قوله وفيه عن أبي هريرة أخرج حديثه النسائي وفي آخره فلم يفجأهم منه إلا وهو أي أبو جهل
ينكص على عقبيه ويتقي بيديه فقيل له مالك فقال إن بيني وبينه لخنداقا من نار وهولا وأجنحة
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو دنا اختطفته الملائكة عضوا عضوا
85 باب من سورة ليلة القدر
قيل هي مكية وقيل مدنية وهي خمس آيات
قوله (عن يوسف بن سعد) الجمحي مولاهم البصري ويقال هو يوسف ابن مازن ثقة من
196
الثالثة (قال قام رجل) وفي رواية ابن جرير من طريق القاسم بن الفضل عن عيسى بن مازن قال
قلت للحسن بن علي رضي الله عنه الخ (إلى الحسن بن علي) بن أبي طالب (بعدما بايع) أي
الحسن بن علي (معاوية) أي ابن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية الأموي أبا عبد الرحمن الخليفة
صحابي أسلم قبل الفتح وكتب الوحي ومات في رجب سنة ستين وقد قارب الثمانين (أو يا مسود
وجوه المؤمنين) كلمة أو للشك (لا تؤنبني) بصيغة النهي من التأنيب وهو المبالغة في التوبيخ
والتعنيف (أري) بصيغة المجهول من الإراءة أي في المنام (بني أمية على منبره) وفي رواية ابن
جرير أري في منامه بني أمية يعلون منبره خليفة إنا أنزلناه أي القرآن جملة واحدة من
اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر أي الشرف والعظم وما أدراك أي أعلمك
يا محمد ما ليلة القدر تعظيم لشأنها وتعجيب منه ليلة القدر خير من ألف شهر أي ليس فيها
ليلة القدر فالعمل الصالح فيها خير منه في ألف شهر ليست فيها (يملكها) الضمير المنصوب
راجع إلى ألف شهر والمعنى أن ليلة القدر خير من مدة ألف شهر يملك فيها بنو أمية الولاية
والخلافة (قال القاسم) أي ابن الفضل الحداني المذكور في الإسناد (فعددناها) أي مدة خلافة بني
أمية وفي رواية ابن جرير فحسبنا ملك بني أمية (فإذا هي ألف شهر) هي ثلاث وثمانون سنة وأربعة
أشهر وكان استقلال إمارة بني أمية منذ بيعة الحسن بن علي لمعاوية وذلك على رأس أربعين سنة من
الهجرة وكان انفصال دولتهم على يد أبي مسلم الخراساني سنة اثنين وثلاثين ومائة وذلك اثنان
وتسعون سنة يسقط منها مدة خلافة ابن الزبير ثمان سنين وثمانية أشهر يبقى ثلاث وثمانون سنة
وأربعة أشهر كذا في المجمع قوله (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث
القاسم بن الفضل وقد قيل عن القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن الخ) قال الحافظ ابن
197
كثير بعد نقل كلام الترمذي هذا وقد روى هذا الحديث الحاكم في مستدركه من طريق
القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن به وقول الترمذي إن يوسف هذا مجهول فيه نظر فإنه قد
روى عنه جماعة منهم حماد بن سلمة وخالد الحذاء ويونس بن عبيد وقال فيه يحيى بن معين هو
مشهور وفي رواية عن ابن معين قال هو ثقة ورواه ابن جرير من طريق القاسم بن الفضل عن
يوسف بن مازن كذا قال وهذا يقتضي اضطرابا في هذا الحديث والله أعلم ثم هذا الحديث على
كل تقدير منكر جدا قال شيخنا الإمام الحافظ الحجة أبو الحجاج المزي هو حديث منكر قال
وقول القاسم بن الفضل الحداني أنه حسب مدة بني أمية فوجدها ألف شهر لا تزيد يوما ولا تنقص
ليس بصحيح فإن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه استقل بالملك حين سلم إليه الحسن بن علي
الإمرة سنة أربعين واجتمعت البيعة لمعاوية وسمي ذلك عام الجماعة ثم استمروا فيها متتابعين
بالشام وغيرها لم يخرج عنهم إلا مدة دولة عبد الله بن الزبير في الحرمين والأهواز وبعض البلاد
قريبا من تسع سنين لكن لم تزل يدهم عن الإمرة بالكلية بل عن بعض البلاد إلى أن أستلبهم بنو
العباس الخلافة في سنة اثنتين وثلاثين ومائة فيكون مجموع مدتهم اثنتين وتسعين سنة وذلك أزيد
من ألف شهر فإن الألف شهر عبارة عن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر وكأن القاسم ابن الفضل
أسقط من مدتهم أيام ابن الزبير وعلى هذا فتقارب ما قاله للصحة في الحساب
ومما يدل على ضعف هذا الحديث أنه سيق لذم دولة بني أمية ولو أريد ذلك لم يكن بهذا
السياق فإن تفضيل ليلة القدر على أيامهم لا يدل على ذم أيامهم فإن ليلة القدر شريفة جدا
والسورة الكريمة إنما جاءت لمدح ليلة القدر فكيف تمدح بتفضيلها على أيام بني أمية التي هي
مذمومة بمقتضى هذا الحديث وهل هذا إلا كما قال القائل
ألم تر أن السيف ينقص قدره ذا قيل إن السيف أمضى من العصا
وقال اخر
إذا أنت فضلت امرأ ذا براعة على ناقص كان المديح من النقص
ثم الذي يفهم من الآية أن الألف شهر المذكورة في الآية هي أيام بني أمية والسورة مكية
فكيف يحال على ألف شهر هي دولة بني أمية ولا يدل عليها لفظ الآية ولا معناها والمنبر إنما صنع
بالمدينة بعد مدة من الهجرة فهذا كله مما يدل على ضعف الحديث ونكارته انتهى كلام الحافظ ابن
كثير
قلت وفي قوله (ورواه ابن جرير من طريق القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن كذا
198
قال) نظر فإن ابن جرير لم يروه هكذا بل رواه من طريق القاسم بن الفضل عن عيسى بن مازن كما
في النسخة المصرية وعليه يصح قول الحافظ ابن كثير وهذا يقتضي اضطرابا في هذا الحديث
فتفكر
قوله (عن عبدة بن أبي لبابة) الأسدي مولاهم ويقال مولى قريش كنيته أبو القاسم البزار
الكوفي نزيل دمشق ثقة من الرابعة (وعاصم) بن بهدلة قوله (إن أخاك) أي في الدين والصحبة
(عبد الله بن مسعود) بدل أو بيان (من يقم الحول) أي من يقم الطاعة في بعض ساعات كل ليالي
السنة (يصب ليلة القدر) أي يدركها يقينا للإبهام في تبيينها وللاختلاف في تعيينها (قال) أي أبي
(يغفر الله لأبي عبد الرحمن) كنية لابن مسعود (لقد علم) أي أبو عبد الرحمن (أنها) أي ليلة القدر
(ولكنه أراد أن لا يتكل الناس) أي لا يعتمدوا على قول واحد وإن كان هو الصحيح الغالب على
الظن الذي مبني الفتوى عليه فلا يقوموا إلا في تلك الليلة ويتركوا قيام سائر الليالي فيفوت حكمة
الإبهام الذي نسي بسببها عليه الصلاة والسلام (ثم حلف) أي أبي بن كعب (لا يستثني) حال أي
حلف حلفا جازما من غير أن يقول عقيبه إن شاء الله تعالى قال الطيبي هو قول الرجل إن شاء
الله يقال حلف فلان يمينا ليس فيها ثنى ولا ثنو ولا ثنية ولا استثناء كلها واحد وأصلها من الثني وهو
الكف والرد وذلك أن الحالف إذا قال والله لأفعلن كذا إلا أن يشاء الله غيره فقد رد انعقاد ذلك
اليمين انتى (أنها) مفعول حلف أي أن ليلة القدر (ليلة سبع وعشرين قال) أي زر بن حبيش
(قلت له) أي لأبي بن كعب (بأي شئ) أي من الأدلة (تقول ذلك) أي القول (يا أبا المنذر) كنية
أبي بن كعب (أو بالعلامة) كلمة أو للشك أن الشمس تطلع يومئذ لاشعاع لها سبق شرحه في
باب ليلة القدر من أبواب الصيام قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم
199
86 باب من سورة لم يكن
وتسمى سورة البينة وهي مدنية قاله الجمهور
وفي رواية عن ابن عباس أنها مكية وهي ثمان آيات وقيل تسع آيات
قوله (يا خير البرية) بتشديد الياء ويجوز تسكينها وهمز بعدها ومعناها الخليفة قال في
النهاية البرية الخلق تقول براه الله يبروه بروا أي خلقه ويجمع على البرايا والبريات من البري التراب
هذا إذا لم يهمز ومن ذهب إلى أن أصله الهمز أخذه من برأ الله الخلق يبرأهم أي خلقهم ثم ترك
فيها الهمز تخفيفا ولم تستعمل مهموزة انتهى (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك أي المشار إليه
الموصوف بخير البرية هو إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام قال النووي في شرح
مسلم قال العلماء إنما قال صلى الله عليه وسلم هذا تواضعا واحتراما إبراهيم صلى الله عليه وسلم لخلته وأبوته وإلا فنبينا صلى الله عليه وسلم
أفضل كما قال صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم ولم يقصد به الافتخار ولا التطاول على من تقدمه بل قاله بيانا لما
أمر ببيانه وتبليغه ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ولا فخر لينفي ما قد يتطرق إلى بعض الأفهام السخيفة وقيل
يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قال إبراهيم خير البرية قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم 87 باب من سورة
200
إذا زلزلت
مكية وقيل مدنية وهي ثمان آيات وقيل تسع آيات
قوله (قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية يومئذ تحدث أخبارها الخ) قد تقدم هذا الحديث
مع شرحه قبل باب الصور من أبواب صفة القيامة
88 باب من سورة ألهاكم التكاثر
مكية وهي ثمان آيات
قوله (أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ ألهاكم التكاثر الخ) قد سبق هذا الحديث مع
شرحه في باب الزهادة في الدنيا من أبواب الزهد
قوله (أخبرنا حكام) بفتح الحاء وتشديد الكاف (بن سلم) بفتح المهملة وسكون
201
الا (عن عمرو بن أبي قيس) الرازي (عن الحجاج) بن أرطاة) بفتح الهمزة (عن المنهال بن
عمرو) الأسدي قوله (ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت ألهاكم التكاثر) أي السين المهملة وسكون الرازي (عن الحجاج هذه السورة
والمراد بالتكاثر التفاخر أي أشغلتكم المفاخرة والمباهاة والمكاثرة بكثرة المال والعدد والمناقب عن
طاعة الله ربكم وما ينجيكم عن سخطه حتى زرتم المقابر أي حتى متم ودفنتم في المقابر يقال
لمن مات زار قبره وزار رمسه فيكون معنى الآية ألهاكم حرصكم على تكثير أموالكم عن طاعة ربكم
حتى أتاكم الموت وأنتم على ذلك قال ابن جرير في تفسيره وفي هذا دليل على صحة القول
بعذاب القبر لأن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم الذين ألهاكم التكاثر أنهم سيعلمون ما
يلقون إذا هم زاروا القبور وعيدا منه لهم وتهددا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل فذكر
حديث علي هذا ثم قال وقوله كلا سوف تعلمون يعني تعالى ذكره بقوله كلا ما هكذا ينبغي
أن تفعلوا أن يلهيكم التكاثر وقوله سوف تعلمون يقول جل ثناؤه سوف تعلمون إذا زرتم
المقابر أيها الذين ألهاكم التكاثر غب فعلكم واشتغالكم بالتكاثر في الدنيا عن طاعة الله ربكم
وقوله ثم كلا سوف تعلمون ثم ما هكذا ينبغي أن تفعلوا أن يلهيكم التكاثر بالأموال وكثرة
العدد سوف تعلمون إذا زرتم المقابر ما تلقون إذا أنتم زرتموها من مكروه اشتغالكم عن طاعة
ربكم بالتكاثر وكرر قوله كلا سوف تعلمون مرتين لأن العرب إذا أرادت التغليظ في
التخويف والتهديد يذكروا الكلمة مرتين انتهى
تنبيه أعلم أن في القرآن المجيد آيات تدل على ثبوت عذاب القبر إحداها هذه الآية أعني
قوله تعالى ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر الخ وأصرحها وأوضحها الآية التي في سورة
المؤمن وهو قوله تعالى النار العذاب قال العلامة نظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري في تفسير يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل
فرعون أشد هذه الآية العذاب قال العلامة محمد النيسابوري في تفسير هذه الآية
ص 38 ج 24 ما لفظه وفي الآية دلالة ظاهرة على إثبات عذاب القبر لأن تعذيب يوم القيامة
يجئ في قوله ويوم تقوم الساعة انتهى وقال الحافظ ابن كثير وهذه الآية أصل كبير في
استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور وهي قوله تعالى النار يعرضون عليها غدوا
وعشيا انتهى وقال الرازي احتج أصحابنا بهذه الآية على إثبات عذاب القبر قالوا الآية
تقضي عرض النار عليهم غدوا وعشيا وليس المراد منه يوم القيامة لأنه قال ويوم تقوم الساعة
202
أدخلوا آل فرعون أشد العذاب وليس المراد منه أيضا الدنيا لأن عرض النار عليهم غدوا وعشيا
ما كان حاصلا في الدنيا فثبت أن هذا العرض إنما حصل بعد الموت وقبل يوم القيامة وذلك يدل على
إثبات عذاب القبر في حق هؤلاء وإذا ثبت في حقهم ثبت في حق غيرهم لأنه لا قائل بالفرق
فإن قيل لم لا يجوز أن يكون المراد من عرض النار عليهم غدوا وعشيا عرض النصائح عليهم في
الدنيا لأن أهل الدين إذا ذكروا لهم الترغيب والترهيب وخوفوهم بعذاب الله فقد عرضوا عليهم
النار ثم نقول في الآية ما يمنع من حملها على عذاب القبر وبيانه من وجهين الأول أن ذلك
العذاب يجب أن يكون دائما غير منقطع وقوله يعرضون عليها غدوا وعشيا يقتضي أن لا
يحصل ذلك العذاب إلا في هذين الوقتين فثبت أن هذا لا يمكن حمله على عذاب القبر الثاني أن
الغدوة والعشية إنما يحصلان في الدنيا أما في القبر فلا وجود لهما فثبت بهذين الوجهين أنه لا يمكن
حمل هذه الآية على عذاب القبر والجواب عن السؤال الأول أن في الدنيا عرض عليهم كلمات
تذكرهم أمر النار لا أنه يعرض عليهم نفس النار فعل قولهم يصير معنى الآية الكلمات المذكرة
لأمر النار كانت تعرض عليهم وذلك يفضي إلى ترك ظاهر اللفظ والعدول إلى المجاز أما قوله
الآية تدل على حصول هذا العذاب في هذين الوقتين وذلك لا يجوز قلنا لم لا يجوز أن يكتفي في
القبر بإيصال العذاب إليه في هذين الوقتين ثم عند قيام القيامة يلقى في النار فيدوم عذابه بعد
ذلك وأيضا لا يمتنع أن يكون ذكر الغدوة والعشية كناية على الدوام كقوله ولهم رزقهم فيها
بكرة وعشيا أما قوله إنه ليس في القبر والقيامة غدوة وعشية قلنا لم لا يجوز أن يقال عند حصول
هذين الوقتين لأهل الدنيا يعرض عليهم العذاب انتهى
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم
قوله ثم لتسألن يومئذ عن النعيم أي عن شكر ما أنعم الله به عليكم من الصحة والأمن
والرزق وغير ذلك (إنما هما الأسودان) أي إنما عندنا نعمتان ليستا مما نسأل عنهما لدناءتهما وهما
الأسودان (التمر والماء) بيان ل (الأسودان) أما التمر فأسود وهو الغالب على تمر المدينة فأضيف الماء
إليه ونعت بنعته أتباعا والعرب تفعل ذلك في الشيئين يصطحبان فيسميان معا باسم الأشهر منها
كالقمرين والعمرين كذا في النهاية أما بالتخفيف حرف تنبيه إنه سيكون هذا يحتمل وجهين
203
أحدهما أن النعيم الذي تسألون عنه سيكون والثاني أن السؤال سيكون عن الأسودين فإنهما نعمتان
عظيمتان من نعم الله تعالى قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وابن ماجة وابن أبي حاتم
قوله (حدثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس (عن محمد ابن عمرو) بن
علقمة (والعدو حاضر) أي ويريد أن يستأصلنا (وسيوفنا على عواتقنا) أي لقتال العدو والعواتق
جمع عاتق وهو ما بين المنكب والعنق
قوله (أخبرنا شبابة) بن سوار المدائني (عن عبد الله بن العلاء) بن زبر بفتح الزاي
وسكون الموحدة الدمشقي الربعي ثقة من السابعة (عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزم
الأشعري) قال في التقريب الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب بفتح المهملة وسكون الراء وفتح
الزاي ثم موحدة وقد تبدل ميما أبو عبد الرحمن أو أبو زرعة الطبراني ثقة من الثالثة قوله إن أول ما
يسأل عنه ما موصولة أي أول شئ يحاسب به في الآخرة (يعني العبد) تفسير لنائب الفاعل من
بعض الرواة أن يقال له خبر إن ألم نصح من الإصحاح وهو إعطاء الصحة جسمك أي
بدنك وصحته أعظم النعم بعد الإيمان ونرويك كذا في النسخ الحاضرة بالياء والظاهر حذفها
لأنه عطف على نصح وكذلك في المشكاة وهو من التروية أو من الإرواء من الري بالكسر
وهو عند العطش من الماء البارد أي الذي هو من ضرورة بقائك ولولاه لفنيت بل العالم بأسره قوله
(هذا حديث غريب) وأخرجه ابن حبان والحاكم
204
89 باب من سورة الكوثر
مكية قال ابن عباس والجمهور وقيل إنها مدنية
قاله الحسن وعكرمة وقتادة وهي ثلاث آيات
قوله (عن أنس إنا أعطيناك الكوثر) أي عن أنس في تفسير قوله تعالى إن أعطيناك
الكوثر وهو على وزن فوعل من الكثرة سمي به النهر لكثرة مائه وانيته وعظم قدره وخيره
والعرب تسمي كل شئ كثير في العدد أو القدر والخطر كوثرا حافتيه بتخفيف الفاء أي جانبيه
قال في القاموس حافتي الوادي وغيره جانباه والجمع حافات وفي بعض النسخ حافتاه بالألف على
أنه مبتدأ وخيره قباب اللؤلؤ والقباب بكسر القاف وتخفيف الباء الموحدة الأولى جمع قبة وهو بناء
سقفه مستدير مقمر قلت ما هذا أي ما هذا النهر قال هذا الكوثر الذي أعطاكه الله هذا نص
صريح في أن المراد بالكوثر في قوله تعالى إنا أعطيناك الكوثر هو هذا النهر المذكور في هذا
الحديث وروى البخاري في صحيحه عن أبي عبيدة عن عائشة قال سألتها عن قوله تعالى إنا
أعطيناك الكوثر قالت نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم الحديث وروى من طريق أبي بشر وعطاء بن
السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الكوثر الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه قال أبو
بشر قلت لسعيد إن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة فقال سعيد النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه
الله إياه قال الحافظ هذا تأويل من سعيد بن جبير جمع به بين حديثي عائشة وابن عباس
وحاصل ما قاله سعيد بن جبير أن قول ابن عباس إنه الخير الكثير لا يخالف قول غيره إن المراد به
نهر في الجنة لأن النهر فرد من أفراد الخير الكثير ولعل سعيدا أومأ إلى أن تأويل ابن عباس أولى
لعمومه لكن ثبت تخصيصه بالنهر من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فلا معدل عنه انتهى قال الحافظ ابن جرير
في تفسيره اختلف أهل التأويل في معنى الكوثر فقال بعضهم هو نهر في الجنة أعطاه الله نبيه محمدا
صلى الله عليه وسلم ثم ذكر من قال به ثم قال وقال آخرون عنى بالكوثر الخير الكثير ثم ذكر من قال به ثم قال
205
وقال آخرون هو حوض أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة ثم قال وأولى هذه الأقوال بالصواب عندي
قول من قال هو اسم النهر الذي أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة وصفه الله بالكثرة لعظمة قدره
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك لتتابع الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك كذلك انتهى
قلت الأمر كما قال الحافظ ابن جرير والحافظ بن حجر رحمهما الله تعالى وقال الحافظ ابن
جرير في تفسير قوله تعالى فصل لربك وانحر اختلف أهل التأويل في الصلاة التي أمر الله
نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصليها بهذا الخطاب ومعنى قوله وانحر فقال بعضهم حضه على المواظبة على الصلاة
المكتوبة وعلى الحفظ عليها في أوقاتها بقوله فصل لربك وانحر ثم ذكر من قال به ثم قال وقال
آخرون بل عنى بقوله فصل لربك الصلاة المكتوبة وبقوله وانحر أن يرفع يديه إلى النحر عند
افتتاح الصلاة والدخول فيها ثم ذكر من قال به ثم قال وقال آخرون عنى بقوله فصل لربك
المكتوبة وبقوله وانحر نحر البدن ثم ذكر من قال به ثم قال وقال آخرون بل عنى بذلك صل
يوم النحر صلاة العيد وانحر نسكك ثم ذكر من قال به ثم قال وقال آخرون قيل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم
لأن قوما كانوا يصلون لغير الله وينحرون لغيره فقيل له اجعل صلاتك ونحرك لله إذ كان من يكفر
بالله يجعله لغيره ثم ذكر من قال به ثم قال وقال آخرون بل أنزلت هذه الآية يوم الحديبية حين
حصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وصدوا عن البيت فأمره الله أن يصلي وينحر البدن وينصرف ففعل ثم
ذكر من قال به ثم قال وقال آخرون بل معنى ذلك فصل وادع ربك وسله ثم ذكر من
قال به ثم قال وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال معنى ذلك فاجعل صلاتك كلها لربك
خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان شكرا له على ما
أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفء له وخصك به من إعطائه إياك الكوثر وإنما قلت ذلك
أولى الأقوال بالصواب في ذلك لأن الله جل ثناؤه أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بما أكرمه به من عطيته وكرامته
وإنعامه عليه بالكوثر ثم أتبع ذلك قوله
فصل لربك وانحر فكان معلوما بذلك أنه خصه
بالصلاة له والنحر على الشكر له على ما أعلمه من النعمة التي أنعمها عليه بإعطائه إياه الكوثر
فلم يكن لخصوص بعض الصلاة بذلك دون بعض وبعض النحر دون بعض وجه إذا كان حثا
على الشكر على النعم فتأويل الكلام إذا إنا أعطيناك يا محمد الكوثر إنعاما منا عليك به وتكرمة
منا لك فأخلص لربك العبادة وأفرد له صلاتك ونسكك خلافا لما يفعله من كفر به وعبد غيره
ونحر للأوثان انتهى قلت ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى
206
قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب
العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين
قوله (هذا حديث حسن صحيح وأخرجه الشيخان)
قوله بينا أنا أسير في الجنة أي لما عرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء كما في رواية البخاري قباب
اللؤلؤ وفي رواية للبخاري قباب الدر المجوف قال هذا الكوثر الذي أعطاكه الله إشارة إلى قوله
تعالى إنا أعطيناك الكوثر ثم ضرب بيده أي ضرب الملك بيده وفي رواية البيهقي
فأهوى الملك بيده فاستخرج من طينه مسكا أذفر ثم رفعت لي سدرة المنتهى أي قربت وكشفت
وعرضت قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله حافتاه من ذهب لا
تخالف بين هذا وبين قوله حافتاه قباب اللؤلؤ لأن حافتيه تكونان من الذهب وأما القباب من اللؤلؤ
فتكون مبنية عليهما ومجراه على الدر والياقوت أي جريان مائه عليهما تربته أطيب من المسك
أي ترابه أطيب ريحا منه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وابن ماجة وابن أبي حاتم وابن جرير
90 باب من سورة الفتح
وتسمى سورة النصر أيضا مدينة وهي ثلاث آيات
قوله (حدثنا سليمان بن داود) بن الجارود أبو داود الطيالسي (عن أبي بشر) اسمه جعفر بن
207
إياس قوله (كان عمر) أي ابن الخطاب (يسألني مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم)
وفي رواية البخاري في التفسير كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر وفي روايته في علامات النبوة كان عمر بن
الخطاب يدنى ابن عباس (فقال له عبد الرحمن بن عوف) الزهري أحد المبشرة (ولنا بنون
مثله) أي مثل ابن عباس في السن لا في الفضل والقرابة من النبي صلى الله عليه وسلم (إنه من حيث تعلم) أي من
أجل أنك تعلم أنه عالم وكان ذلك ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل
(فسأله عن هذه الآية) أي فسأل عمر ابن عباس عن معنى هذه الآية (إذا جاء نصر الله) أي نبيه
صلى الله عليه وسلم على أعدائه (إنما هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه إياه) أي يجئ النصر
والفتح ودخول الناس في الدين علامة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أخير الله رسوله بذلك (ما أعلم منها) أي
من هذه السورة (إلا ما تعلم) وفي رواية البخاري في التفسير ما أعلم منها إلا ما تقول وفي
الحديث فضيلة ظاهرة لابن عباس وتأثير إجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه التأويل ويفقهه في
الدين وفيه جواز تحديث المرء عن نفسه بمثل هذا لإظهار نعمة الله عليه وإعلام من لا يعرف قدره
لينزله منزلته وغير ذلك من المقاصد الصالحة لا للمفاخرة والمباهاة وفيه جواز تأويل القرآن بما
يفهم من الإشارات وإنما يتمكن من ذلك من رسخت قدمه في العلم ولهذا قال علي رضي الله عنه
أو فهما يؤتيه الله رجلا في القرآن
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري قوله (أتسأله ولنا ابن مثله) وفي
رواية البخاري ولنا أبناء مثله
208
91 باب ومن سورة تبت يدا
وتسمى سورة أبي لهب أيضا مكية وهي خمس آيات
قوله (صعد) من التصعيد أي رقي قال في القاموس صعد في السلم كسمع صعودا
وصعد في الجبل وعليه تصعيدا رقي ولم يسمع صعد فيه يا صباحاه هذه كلمة يقولها المستغيث
وأصلها إذا صاحوا للغارة لأنهم أكثر ما كانوا يغيرون بالصباح ويسمون يوم الغارة يوم الصباح
وكأن القائل يا صباحاه يقول قد غشينا العدو إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد أي قبل نزول
عذاب عظيم وعقاب أليم والمعنى أنكم إن لم تؤمنوا بي ينزل عليكم عذاب قريب قال الطيبي
قوله بين يدي ظرف لغد نذير وهو بمعنى قدام لأن كل من يكون قدام أحد يكون بين الجهتين
المسامتتين ليمينه وشماله وفيه تمثيل مثل إنذاره لقوم بعذاب الله تعالى النازل على القوم بنذير قوم
يتقدم جيش العدو فينذرهم أرأيتم أي أخبروني ممسيكم أو مصبحكم كلاهما بصيغة اسم
الفاعل من باب تفعيل أي مغيركم في المساء أو الصباح (فقال أبو لهب) هو ابن عبد المطلب واسمه
عبد العزى وأمه خزاعية وكني أبا لهب إما لابنه لهب وإما لشدة حمرة وجنته وقد أخرج الفاكهي
من طريق عبد الله بن كثير قال إنما سمي أبا لهب لأن وجهه كان يتلهب من حسنه انتهى ووافق
ذلك ما آل إليه أمره من أنه سيصلي نارا ذات لهب ولهذا ذكر في القران بكنيته دون اسمه ولكونه
بها أشهر ولأن في اسمه إضافة إلى الصنم ومات بعد وقعة بدر ولم يحضرها بل أرسل
عنه بديلا فلما بلغه ما جرى لقريش مات عنها (ألهذا) الهمزة للاستفهام على وجه الإنكار (تبا لك) أي
خسرانا وهلاكا ونصبه بعامل مضمر قاله القاضي فهو إما نصب على المصدر والمعنى تب تبا أو
بإضمار فعل أي ألزمك الله هلاكا وخسرانا وألزم تبا تبت أي خسرت يدا أبي لهب أي جملته
وعبر عنها باليدين مجازا لأن أكثر الأفعال تزاول بهما وهذه الجملة دعاء
209
وتب أي خسر هو وهذه خبر كقولهم أهلكهم الله وقد هلك ولما خوفه النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب فقال إن كان ما يقول ابن أخي
حقا أفتدى منه بمالي وولدي نزل ما أغنى عنه ماله ما للنفي وما كسب مرفوع وما موصولة أو
مصدرية أي ومكسو به أو وكسبه أي لم ينفعه ماله الذي ورثه من أبيه والذي كسبه بنفسه أو ماله
التالد والطارف وعن ابن عباس رضي الله عنهما ما كسب ولده سيصلى أي سيدخل نارا ذات
لهب أي ذات توقد وتلهب وامرأته عطف على ضمير يصلى سوغه الفصل بالمفعول وصفته
وهي أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية بن أبي سفيان وكانت في
نهاية العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمالة الحطب قرأ الجمهور حمالة بالرفع على الخبرية على أنها جملة
مسوقة للإخبار بأن امرأة أبي لهب حمالة الحطب وأما على ما قدمنا من عطف وامرأته على الضمير
في يصلي فيكون رفع حمالة على النعت لامرأته والإضافة حقيقية لأنها بمعنى المضي أو على أنه خبر
متبدأ محذوف أي هي حمالة وقرأ عاصم بالنصب على الذم أي أعني حمالة الحطب أو على أنه حال
من امرأته واختلف أهل التأويل في معنى قوله حمالة الحطب فقيل كانت تحمل الشوك والحسك
والعضاه بالليل فتطرحه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لتؤذيهم بذلك وهي رواية عن ابن عباس
وقيل كانت تمشي بالنميمة وتنقل الحديث وتلقى العداوة بين الناس وتوقد نارها كما توقد النار
الحطب يقال فلان يحطب على فلان إذا نم به في جيدها أي عنقها حبل من مسد أي ليف
وهذه الجملة حال من الضمير المستكين في حمالة الحطب الذي هو نعت لامرأته
أو خبر مبتدأ مقدر أو خبر ثان لقوله وامرأته قال الرازي في تفسيره قوله تعالى (في جيدها حبل من مسد) قال
الواحدي المسد في كلام العرب الفتل يقال مسد الحبل يمسده مسدا إذا أجاد قتله وحبل ممدود
إذا كان مجدول الخلق والمسد ما مسد أي فتل من أي شئ كان فيقال لما فتل من جلود الإبل ومن
الليف والخوص مسد ولما فتل من الحديد أيضا مسد إذا عرفت هذا فنقول ذكر المفسرون وجوها
أحدها في جيدها حبل مما مسد من الحبال لأنها كانت تحمل تلك الحزمة من الشوك وتربطها في
جيدها كما يفعل الحطابون والمقصود بيان خساستها تشبيها لها بالحطابات إيذاء لها ولزوجها
وثانيها أن يكون المعنى أن حالها يكون في نار جهنم على الصورة التي كانت عليها حين كانت
تحمل الحزمة من الشوك فلا تزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجرة الزقوم وفي جيدها
حبل من سلاسل النار فإن قيل الحبل المتخذ من المسد كيف يبقى أبدا في النار قلنا كما يبقى
الجلد واللحم والعظم أبدا في النار ومنهم من قال ذلك المسد يكون من الحديد وظن من ظن أن
المسد لا يكون من الحديد خطأ لأن المسد هو المفتول سواء كان من الحديد أو من غيره
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي
210
92 باب ومن سورة الإخلاص
مكية وقيل مدنية وهي أربع أو خمس آيات
قوله (عن أبي جعفر الرازي) اسمه عيسى بن أبي عيسى قوله (انسب لنا ربك) بصيغة
الأمر من باب نصر وضرب أي صفه لنا يقال نسب الرجل إذا وصفه وذكر نسبه (والصمد الذي لم
يلد ولم يولد) قال الحافظ ابن كثير قال الربيع بن أنس الصمد هو الذي لم يلد ولم يولد كأنه جعل
ما بعده تفسيرا له وهو قوله لم يلد ولم يولد وهو تفسير جيد وحديث أبي بن كعب صريح فيه
انتهى وقال البخاري في صحيحه باب قوله الله الصمد والعرب تسمى أشرافها الصمد
وقال أبو وائل السيد الذي انتهى سؤدده انتهى قال العيني أشار بهذا إلى أن معنى الصمد عند
العرب الشرف ولهذا يسمون رؤساءهم الأشراف بالصمد وعن ابن عباس هو السيد الذي قد
كمل فيه أنواع الشرف والسؤدد وقيل هو السيد المقصود في الحوائج تقول العرب صمدت فلانا
أصمده صمدا بسكون الميم إذا قصدته والمصمود صمد ويقال بيت مصمود ومصمد إذا قصده
الناس في حوائجهم انتهى وقال الخازن قال ابن عباس الصمد الذي لا جوف له وبه قال
جماعة من المفسرين ووجه ذلك من حيث اللغة أن الصمد الشئ المصمد الصلب الذي ليس فيه
رطوبة ولا رخاوة ومنه يقال لسداد القارورة الصماد فإن فسر الصمد بهذا كان من صفات
الأجسام ويتعالى الله عز وجل عن صفات الجسمية وقيل وجه هذا القول أن الصمد الذي ليس
بأجوف معناه هو الذي لا يأكل ولا يشرب وهو الغني عن كل شئ فعلى هذا الاعتبار هو صفة
كمال والقصد بقوله الله الصمد التنبيه على أنه تعالى بخلاف من أثبتوا له الإلهية وإليه الإشارة
بقوله تعالى ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان
الطعام وروى البخاري في أفراده عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال الصمد هو السيد الذي
انتهى سؤدده وهي رواية عن ابن عباس أيضا قال هو السيد الذي كمل فيه جميع أوصاف
السؤدد وقيل هو السيد المقصود في جميع الحوائج المرغوب إليه صفي الرغائب المستعان به عند
211
المصائب وتفريج الكرب وقيل هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله وتلك دالة على أنه المتناهي في
السؤدد والشرف والعلو والعظمة والكمال والكرم والإحسان وقيل الصمد الدائم الباقي بعد فناء
خلقه وقيل الصمد الذي ليس فوقه أحد وهو قول علي وقيل هو الذي لا تعتريه الآفات ولا
تغيره الأوقات وقيل هو الذي لا عيب فيه وقيل الصمد هو الأول الذي ليس له زوال والاخر
الذي ليس لملكه انتقال والأولى أن يحمل لفظ الصمد على كل ما قيل فيه لأنه محتمل له فعلى
هذا يقتضي أن لا يكون في الوجود صمد سوى الله تعالى العظيم القادر على كل شئ وأنه اسم
خاص بالله تعالى انفرد به له الأسماء الحسنى والصفات العليا ليس كمثله شئ وهو السميع البصير
انتهى ما في الخازن مختصرا (لأنه ليس شئ يولد إلا سيموت الخ) هذا دليل لقوله لم يولد (ولا
عدل) بكسر العين وسكون الدال أي مثل قوله (أخبرنا عبيد الله بن موسى) العبسي الكوفي
(عن الربيع) بن أنس قوله (ذكر آلهتهم) أي آلهة المشركين قوله (وهذا أصح من حديث
أبي سعد) أي حديث عبيد الله بن موسى مرسلا أصح من حديث أبي سعد متصلا لأن عبيد الله بن
موسى ثقة وأبا سعد ضعيف وحديث أبي بن كعب هذا أخرجه أيضا أحمد وابن جرير وابن أبي
حاتم (وأبو سعد اسمه محمد بن ميسر) بوزن محمد وقد وقعت بعد هذا في بعض النسخ هذه
العبارة وأبو جعفر الرازي اسمه عيسى وأبو العالية اسمه رفيع وكان عبدا أعتقته امرأة صابئة
انتهت ووقع في بعض النسخ امرأة سايبية
212
(ومن سورتي المعوذتين)
بكسر الواو المشددة أي سورة الفلق وسورة الناس
وهما مدنيتان وقيل مكيتان والأولى خمس آيات والثانية ست آيات
قوله (عن الحارث بن عبد الرحمن) القرشي العامري خال ابن أبي ذئب صدوق من
الخامسة قوله استعيذي بالله من شر هذا أي هذا القمر فإن هذا هو الغاسق إذا وقب قال
في القاموس الغسق محركة ظلمة أول الليل وغسق الليل غسقا اشتدت ظلمته والغاسق القمر
أو الليل إذا غاب الشفق وقال فيه وقب الظلام دخل والشمس وقبا ووقوبا غابت والقمر دخل في
الخسوف ومنه غاسق إذا وقب انتهى قال الطيبي إنما استعاذ من كسوفه لأنه من آيات الله الدالة
على حدوث بلية ونزول نازلة كما قال عليه الصلاة والسلام ولكن يخوف الله به عباده ولأن اسم
الإشارة في الجيث كوضع اليدا في التعيين وتوسيط ضمير الفصل بينه وبين الخبر المعروف يدل على
أن المشار إليه هو القمر لا غير انتهى وقال الخازن في تفسيره بعد ذكره حديث عائشة هذا ما لفظه
فعلى هذا الحديث المراد به القمر إذا خسف وأسود ومعي وقب دخل في الخسوف أو أخذ في
الغيبوبة وقيل سمي به لأنه إذا خسف اسود وذهب ضوؤه وقيل إذا وقب دخل في المحاق وهو
آخر الشهر وقي ذلك الوقت يتم السحر المورث للتمريض وهذا مناسب لسبب نزول هذه
السورة وقال ابن عباس الغاسق الليل إذا وقبل أي أقبل بظلمته من المشرق وقيل سمي الليل
غسقا لأنه أبرد من النهار والغسق البرد وإنما أمر بالتعوذ من الليل لأن فيها تنشر الآفات ويقل
الغوث وفيه يتم السحر وقيل الغسق الثريا إذا سقطت وغابت وقيل إن الأسقام تكثر عند
وقوعها وترتفع عند طلوعها فلهذا أمر بالتعوذ من الثريا عند سقوطها انتهى وقال ابن جرير في
تفسيره وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال إن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شر
غاسق وهو الذي يظلم يقال قد غسق الليل يغسق غسوقا إذا أظلم إذا وقب يعني إذا دخل في
213
ظلامه والليل إذا دخل في ظلامه غاسق والنجم إذا أقل غسق والقمر غسق إذا وقب ولم
يخصص بعد ذلك بل عم الأمر بذلك فكل غاسق فإنه صلى الله عليه وسلم كان يؤمر بالاستعاذة من شره إذا وقب
انتهى قوله هذا حديث حسن صحيح وأخرجه احمد والنسائي والحاكم وصححه وابن
جرير
قوله قد أنزل الله علي آيات لم ير مثلهن الخ قد سبق هذا الحديث مع شرحه في فضائل
القرآن
94 باب
قوله (أخبرنا الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب) في التقريب الحارث ابن عبد
الرحمن بن عبد الله بن سعد بن أبي ذباب بضم المعجمة وموحدتين الدوسي بفتح الدال المدني
صدوق يهم من الخامسة قوله عطس من باب نصر وضرب فقال الحمد لله أي فأراد أن
يقول الحمد لله فحمد الله بإذنه أي بأمره وحكمه أو بقضائه وقدره أو بتيسيره وتوفيقه (إلى ملأ
منهم) يحتمل أن يكون بدلا فيكون من كلام الله تعالى ويحتمل أن يكون حالا فيكون من كلام
رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانا لكلام الله تعالى وهو إلى الحال أقرب منه إلى البدل يعني قال الله تعالى أولئك
مشيرا به إلى ملأ منهم (جلوس) بالجر صفة ملأ أي جالسين أو ذوي جلوس فقل السلام
عليكم قالوا وعليك السلام ورحمة الله هذا اختصار والتقدير فقل السلام عليكم فذهب آدم
214
إليهم فقال السلام عليكم فقال وعليك السلام ورحمة الله قال أي الرب سبحانه إن هذه أي
الكلمات المذكورة وتحية بنيك فيه تغليب أي ذريتك بينهم أي فيما بينهم عند ملاقاتهم فهذه سنة
قديمة (ويداه مقبوضتان) الجملة حال والضمير لله قال القاري مذهب السلف من نفي التشبيه
وإثبات التنزيه مع التفويض أسلم انتهى قلت بل هو الصواب (اختر أيهما) أي من اليدين
وفي المشكاة أيتهما وهو الظاهر (وكلتا يدي ربي يمين) من كلام آدم أو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقوله
(مباركة) صفة كاشفة (ثم بسطها) أي فتح الرب سبحانه وتعالى يمينه (فإذا فيها) أي موجود (آدم
وذريته) قال الطيبي يقول النبي صلى الله عليه وسلم يعني رأى آدم مثاله ومثال بنيه في عالم الغيب (هؤلاء
ذريتك) الظاهر من كونهم في اليمين اختصاصهم بالصالحين من أصحاب اليمين والمقربين ويدل
عليه أيضا قوله فإذا كل إنسان الخ (فإذا فيهم رجل أضوؤهم) فيه دلالة على أن لكلهم ضياء
لكنه يختلف فيهم بحسب نور إيمانهم (أو من أضوئهم) الظاهر أنه شك من الراوي (من هذا) قال
الطيبي ذكر أولا ما هؤلاء لأنه ما عرف ما رآه ثم لما قيل له هم ذريتك فعرفهم فقال من هذا (وقد
كتبت له عمر أربعين سنة) قال الطيبي قوله عمر أربعين مفعول كتبت ومؤدي
المكتوب لأن المكتوب عمره أربعون سنة ونصب أربعين على المصدر على تأويل كتبت له أن يعمر أربعين سنة
(قال يا رب زده في عمره) أي من عندك وفضلك (ذاك الذي كتب له) بصيغة المجهول وفي
بعض النسخ كتبت بصيغة المتكلم المعلوم قال الطيبي ذاك الذي مبتدأ وخبر معرفتان فيفيد
الحصر أي لا مزيد على ذلك ولا نقصان (قال) يعني آدم (أي رب) أي يا رب (فإني) أي إذا أبيت
من عندك فإني (قد جعلت له من عمري) أي من جملة مدة عمري وسنيه (ستين سنة) أي
تكملة للمائة والظاهر أن المراد بهذا الخبر الدعاء والاستدعاء من ربه أن يجعله سبحانه كذلك فإن
أحدا لم يقدر على هذا الجعل وقوله قد جعلت له من عمري ستين سنة هنا يخالف ما وقع في رواية
أبي هريرة في تفسير سورة الأعراف بلفظ زده من عمري أربعين سنة وقد تقدم وجه الجمع هناك
(قال أنت وذاك) قال القاري يحتمل البراءة ويحتمل الإجابة وقال الطيبي هو نحو قولهم كل
215
رجل وضيعته أي أنت مع مطلوبك مقرونان (ثم أسكن) بصيغة المجهول من الإسكان (ثم أهبط)
أي أنزل (منها) أي من الجنة (يعد لنفسه) أي يقدر له ويراعي أوقات أجله سنة فسنة (فأتاه ملك
الموت) أي امتحانا بعد تمام تسعمائة وأربعين سنة (قد عجلت) بكسر الجيم أي استعجلت وجئت
قبل أوانه (فجحد) أي أنكر آدم (فجحدت ذريته) أي بناء على أن الولد من سر أبيه (ونسي
فنسيت ذريته) لأن الولد من طينة أبيه والظاهر أن معناه أن آدم نسي هذه القضية فجحد فيكون
اعتذارا له إذا يبعد منه عليه السلام أن ينكر مع التذكر (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (أمر) بصيغة المجهول
أي أمر الناس أو الغائب (بالكتاب والشهود) أي بكتابة القضايا والشهود فيها
95 باب
قوله (أخبرنا العوام بن حوشب) بن يزيد الشيباني أبو عيسى الواسطي ثقة ثبت فاضل من
السادسة (عن سليمان بن أبي سليمان) الهاشمي مقبول من الثالثة قوله لما خلق الله
الأرض أي أرض الكعبة ودحيت وبسطت من جوانبها وبقيت كلوحة على وجه الماء جعلت تميد بالدال
المهملة أي شرعت تميل وتتحرك وتضطرب شديدة ولا تستقر حتى قالت الملائكة لا ينتفع الإنس
بها فخلق الجبال قيل أولها أبو قبيس فقال بها عليها أي أمر وأشار بكونها واستقرارها عليها
فاستقرت أي الجبال عليها أو فثبتت الأرض في مكانها أو ما مادت ولا مالت عن حالها ومحلها
قال الطيبي قد مر مرارا أن القول يعبر به عن كل فعل وقرينة اختصاصه اقتصاء المقام فالتقدير
ألقى بالجبال على الأرض كما قال تعالى وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم فالباء زائدة
على المفعول كما في قوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وإيثار القول على الإلقاء
216
والإرسال لبيان العظمة والكبرياء وأن مثل هذا الأمر العظيم يتأتى من عظيم قدرته بمجرد القول
وقيل ضمن القول معنى الأمر أي أمر الجبال قائلا ارسي عليها وقيل أي ضرب بالجبال على
الأرض حتى استقرت هل من خلقك أي مخلوقاتك قال نعم الحديد فإنه يكسر به الحجر
ويقلع به الجبال النار فإنها تلين الحديد وتذيبه قال نعم الماء لأنه يطفئ النار قال نعم الريح
من أجل أنها تفرق الماء وتنشقه وقال الطيبي فإن الريح تسوق السحاب الحامل للماء نعم ابن
آدم تصدق بصدقه الخ أي التصدق من بني آدم أشد من الريح ومن كل ما ذكر وذلك لأن فيه
مخالفة النفس وقهر الطبيعة والشيطان ولا يحصل ذلك من شئ مما ذكر أو لأن صدقته تطفئ
غضب الرب وغضب الله تعالى لا يقابله شئ في الصعوبة والشدة وإذا فرض نزول عذاب الله
بالريح على أحد وتصدق في السر على أحد تدفع العذاب المذكور فكان أشد من الريح قاله في
اللمعات وقال الطيبي فإن من جبلة ابن آدم القبض والبخل الذي هو من طبيعة الأرض ومن
جبلته الاستعلاء وطلب انتشار الصيت وهما من طبيعتي النار والريح فإذا راغم بالإعطاء جبلته
الأرضية وبالإخفاء جبلته النارية والريحية كان أشد من الكل انتهى
أعلم أن إيراد الترمذي هذين البابين في آخر التفسير كإيراده أحاديث شتى في آخر أبواب
الدعوات فحديث أبي هريرة في الباب الأول يتعلق بقوله تعالى ولقد عهدنا إلى آدم أي
وصيناه أن لا يأكل من الشجرة (من قبل) أي قبل أكله منها فنسي أي عهدنا ولم نجد له عزما
جزما وصبرا عما نهيناه عنه قال الطيبي تحت قوله ونسي فنسيت ذريته يشير إلى قوله تعالى
ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما وحديث أنس بن مالك في الباب الثاني
يتعلق بقوله تعالى وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم
217
بسم الله الرحمن الرحيم
47 كتاب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بفتح المهملتين جمع الدعوة بفتح أوله بمعنى الدعاء وهو طلب الأدنى بالقول من الأعلى شيئا
على جهة الاستكانة قال النووي أجمع أهل الفتاوي في الأمصار في جميع الأعصار على
استحباب الدعاء وذهب طائفة من الزهاد وأهل المعارف إلى أن تركه أفضل استسلاما وقال
جماعة إن دعا للمسلمين فحسن وإن خص نفسه فلا وقيل إن وجد باعثا للدعاء استجب وإلا
فلا ودليل الفقهاء ظواهر القران والسنة والأخبار الواردة عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم
أجمعين انتهى (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي المأثورة عنه (بسم الله الرحمن الرحيم) لم يقع البسملة هنا
في بعض النسخ
1 باب
ما جاء في فضل الدعاء
قوله (عن سعيد بن أبي الحسن) البصري هو أخو الحسن البصري ثقة من أوساط التابعين
واسم أبيه يسار قوله ليس شئ أي من الأذكار والعبادات فلا ينافيه قوله تعالى إن
أكرمكم عند الله أتقاكم أكرم بالنصب خبر ليس أي أفضل على الله أي عند الله من
الدعاء لأن فيه إظهار الفقر والعجز والتذلل والاعتراف بقوة الله وقدرته قوله (هذا حديث
غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عمران القطان) وأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد
218
وابن ماجة وصححه ابن حبان والحاكم وقال صحيح وأقره الذهبي (وعمران القطان هو ابن داور
ويكنى أبا العوام) لم تقع هذه العبارة في بعض النسخ
2 باب منه
قوله (عن عبيد الله بن أبي جعفر) قال في هامش النسخة الأحمدية في نسخة المنقول عنه
وأمثاله عبد الله مكبرا وفي بعض النسخ الصحيحة عبيد الله مصغرا وهو الذي يظهر من التقريب
بعد التأمل وإمعان النظر انتهى قلت عبد الله بن أبي جعفر مكبرا ليس من رجال جامع
الترمذي بل هو من رجال أبي داود وعبيد الله بن أبي جعفر مصغرا من رجال الصحاح الستة
فتعين أن النسخ التي فيها عبيد الله بالتصغير هي الصحيحة وكونه في بعض النسخ عبد الله
بالتكبير غلط صريح وعبيد الله بن أبي جعفر هذا مصري يكنى أبا بكر ثقة وقيل عن أحمد إنه لينه
وكان فقيها عابدا قال أبو حاتم هو مثل يزيد بن أبي حبيب من الخامسة قوله الدعاء مخ
العبادة المخ بالضم نقي العظم والدماغ وشحمة العين وخالص كل شئ والمعنى أن الدعاء لب
العبادة وخالصها لأن الداعي إنما يدعو الله عند انقطاع أمله مما سواه وذلك حقيقة التوحيد
والإخلاص ولا عبادة فوقهما قال ابن العربي وبالمخ تكون القوة للأعضاء فكذا الدعاء مخ
العبادة به تتقوى عبادة العابدين فإنه روح العبادة قال بعض المفسرين في قوله تعالى إن الذين
يستكبرون عن عبادتي أي عن دعائي قوله (هذا حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا
من حديث ابن لهيعة) وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره كما
219
صرح به الترمذي في باب الرخصة في استقبال القبلة بغائط أو بول ومع ضعفه فهو مدلس يدلس
عن الضعفاء
قوله (عن ذر) بن عبد الله المرهبي (عن يسيع) الكندي قوله الدعاء هو العبادة قال
ميرك أتى بضمير الفصل والخبر المعرف باللام ليدل على الحصر في أن العبادة ليست غير الدعاء
مبالغة ومعناه أن الدعاء معظم العبادة كما قال صلى الله عليه وسلم الحج عرفة أي معظم أركان الحج الوقوف
بعرفة أو المعنى أن الدعاء هو العبادة سواء استجيب أو لم يستجب لأنه إظهار العبد العجز
والاحتياج من نفسه والاعتراف بأن الله تعالى قادر على إجابته كريم لا بخل له ولا فقر ولا احتياج
له إلى شئ حتى يدخر لنفسه ويمنعه من عباده وهذه الأشياء هي العبادة بل مخها انتهى ثم قرأ
وقال ربكم ادعوني أستجب لكم قيل استدل بالآية على أن الدعاء عبادة لأنه مأمور به والمأمور
به عبادة وقال القاضي استشهد بالآية لدلالتها على أن المقصود يترتب عليه ترتب الجزاء على
الشرط والمسبب على السبب ويكون أتم العبادات ويقرب من هذا قوله مخ العبادة أي خالصها
إن الذين يستكبرون عن عبادتي أي من دعائي كذا فسره الحافظ ابن كثير وغيره من المفسرين
سيدخلون جهنم داخرين أي صاغرين ذليلين قال الشيخ تقي الدين السبكي الأولى حمل
الدعاء في الآية على ظاهره وأما قوله بعد ذلك عن عبادتي فوجه الربط أن الدعاء أخص من العبادة
فمن استكبر عن العبادة استكبر عن الدعاء وعلى هذا الوعيد إنما هو في حق من ترك الدعاء
استكبارا ومن فعل ذلك كفر وأما من تركه لمقصد من المقاصد فلا يتوجه إليه الوعيد المذكور
وإن كنا نرى أن ملازمة الدعاء والاستكثار منه أرجح من الترك لكثرة الأدر الواردة في الحث عليه
انتهى وقال الطيبي معنى حديث النعمان أن تحمل العبادة على المعنى اللغوي إذ الدعاء هو
إظهار غاية التذلل والافتقار إلى الله والاستكانة له وما شرعت العبادات إلا للخضوع للباري
وإظهار الافتقار إليه ولهذا ختم الآية بقوله إن الذين يستكبرون عن عبادتي حيث عبر عن
عدم التذلل والخضوع بالاستكبار ووضع عبادتي موضع دعائي وجعل جزاء ذلك الاستكبار
الصغار والهوان انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي
220
وابن ماجة وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد وابن أبي شيبة وأخرجه الترمذي أيضا في
تفسير سورة البقرة وفي تفسير سورة المؤمن
3 باب منه
قوله (عن أبي المليح) الفارسي المدني الخواط اسمه صبيح وقيل حميد روى عن أبي صالح
الخوزي وعنه حاتم بن إسماعيل وغيره وروى عنه أبو عاصم وسماه حميدا قال مضر بن محمد عن
ابن معين ثقة وذكره ابن حبان في الثقات كذا في تهذيب التهذيب (عن أبي صالح) الخوزي بضم
الخاء المعجمة وسكون الواو ثم زاي لين الحديث من الثالثة قوله إنه الضمير للشأن من لم
يسأل الله يغضب عليه لأن ترك السؤال تكبر واستغناء وهذا لا يجوز للعب ونعم ما قيل الله
بغضب إن تركت سؤاله وترى ابن آدم حين يسأل يغضب وقال الطيبي وذلك لأن الله يحب أن
يسأل من فضله فمن لم يسأل الله يبغضه والمبغوض مغضوب عليه لا محالة انتهى قوله (وقد
روى وكيع) هو ابن الجراح (عن غير واحد عن أبي المليح هذا الحديث) ورواه ابن ماجة في سننه
عن وكيع عن أبي المليح بغير واسطة حيث قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا حدثنا
وكيع حدثنا أبو المليح المدني سمعت أبا صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يدع
الله غضب عليه
قوله (أخبرنا أبو عاصم) اسمه الضحاك بن مخلد النبيل (عن حميد أبي المليح) بضم الحاء
مصغرا كما سماه حميدا وقيل اسمه صبيح كما تقدم وحديث الباب أخرجه أحمد والبخاري في
الأدب المفرد وابن ماجة والحاكم والبزار كلهم عن أبي هريرة كذا في الفتح
221
4 باب ما جاء في فضل الذكر
أي ذكر الله تعالى والمراد بالذكر هنا الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها والإكثار منها
مثل الباقيات الصالحات وهي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وما يلتحق بها من
الحوقلة والبسملة والحسبلة والاستغفار ونحو ذلك والدعاء بخيري الدنيا والآخرة ويطلق ذكر
الله أيضا ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه أو ندب إليه كتلاوة القرآن وقراءة الحديث
ومدارسة العلم والتنفل بالصلاة ثم الذكر يقع تارة باللسان ويؤجر عليه الناطق ولا يشترط
استحضاره لمعناه ولكن يشترط ألا يقصد به غير معناه ولمن انضاف إلى النطق الذكر بالقلب فهو
أكمل فإن انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي
النقائص عنه ازداد كمالا فإن وقع ذلك في عمل صالح مهما فرض من صلاة أو جهاد أو غيرهما
ازداد كمالا فإن صحح التوبة وأخلص لله تعالى في ذلك فهو أبلغ الكمال كذا في الفتح قوله
(عن معاوية بن صالح) بن حضير الحضرمي (عن عمرو بن قيس) الكندي السكوئي (عن
عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة المازني صحابي صغير ولأبيه صحبة مات سنة ثمان
وثمانين وقيل ست وتسعين وله مائة سنة وهو آخر من مات بالشام من الصحابة قوله (إن شرائع
الإسلام) قال الطيبي الشريعة مورد الإبل على الماء الجاري والمراد ما شرع الله وأظهره لعباده من
الفرائض والسنن انتهى قال القاري الظاهر أن المراد بها هنا النوافل لقوله (قد كثرت علي)
بضم المثلثة ويفتح أي غلبت علي بالكثرة حتى عجزت عنها لضعفي (فأخبرني بشئ) قال الطيبي
التنكير في بشئ للتقليل المتضمن لمعنى التعظيم كقوله تعالى ورضوان من الله أكبر ومعناه
أخبرني بشئ يسير مستجلب لثواب كثير قال القاري وإلا ظهر أن التنوين لمجرد التنكير انتهى
قلت بل الأظهر هو ما قال الطيبي فتأمل (أتشبث به) أي أتعلق به وأستمسك ولم يرد أنه يترك
شرائع الإسلام رأسا بل طلب ما يتشبث به بعد الفرائض عن سائر ما لم يفترض عليه قاله الطيبي
قال لا يزال أي هو أنه لا يزال (لسانك رطبا من ذكر الله) أي طريا مشتغلا قريب العهد منه وهو
222
كناية عن المداومة على الذكر أحمد وابن ماجة وابن حبان في صحيحه وابن ماجة وابن
حبان في صحيحة والحاكم وقال صحيح الإسناد
5 باب منه
قوله (أي العباد أفضل درجة) وفي رواية أحمد أي العباد أفضل وأرفع درجة قال
الذاكرون كذا في بعض النسخ بالواو وكذلك في رواية أحمد وهو الظاهر ووقع في بعضهما
الذاكرين بالياء وهو على الحكاية قال الله عز وجل إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات وهو كناية عن المداومة على الذكر قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه
والقانتين والقانتات إلى قوله والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا
عظيما قيل المراد بهم المداومون على ذكره وفكره والقائمون بالطاعة المواظبون على شكره وقيل
المراد بهم الذين يأتون بالأذكار الواردة في جميع الأحوال والأوقات (ومن الغازي في سبيل الله) أي
الذاكرون أفضل من غيرهم ومن الغازي أيضا قال ذلك تعجبا (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابه
لو ضرب أي الغازي بسيفه في الكفار هذا من قبيل يجرج في عراقيبها نصلي حيث جعل
المفعول به مفعولا فيه مبالغة أن يوجد فيهم الضرب ويجعلهم مكانا للضرب بالسيف لأن جعلهم
مكانا للضرب أبلغ من جعلهم مضروبين به فقط والمشركين تخصيص بعد تعميم اهتماما
بشأنهم فإنهم ضد الموحدين حتى ينكسر أي سيفه ويختضب أي هو أو سيفه دما وهو كناية
عن الشهادة أفضل منه أي من الغازي درجة تحتمل الوحدة أي بدرجة واحدة عظيمة وتحتمل
الجنس أي بدرجات متعددة قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد وقال المنذري في
الترغيب ورواه البيهقي مختصرا قال قيل يا رسول الله أي الناس أعظم درجة قال الذاكرون
الله
223
6 باب منه
قوله (عن زياد) هو ابن زياد ميسرة المخزومي المدني ثقة عابد من الخامسة (عن أبي
بحرية) بفتح الموحدة وسكون الحاء المهملة وتشديد التحتانية هو عبد الله بن قيس الكندي
السكوني حمصي مشهور مخضرم ثقة قوله ألا أنبئكم أي ألا أخبركم وأزكاها أي أنماها
وأنقاها والزكاء الئماء والبركة عند مليككم المليك بمعنى المالك للمبالغة وقال في القاموس
الملك ككتف وأمير وصاحب والملك وخير لكم من إنفاق الذهب والورق بكسر الراء ويسكن
أي الفضة وقال الطيبي قوله وخير مجرور عطفا على خير أعمالكم من حيث المعنى لأن المعنى ألا
أنبئكم بما هو خير لكم من بذل أموالكم وأنفسكم في سبيل الله انتهى وقيل عطف على خير
أعمالكم عطف خاص على عام لأن الأول خير الأعمال مطلقا وهذا خير من بذل الأموال والأنفس
أو عطف مغاير بأن يراد بالأعمال الأعمال اللسانية فيكون ضد هذا لأن بذل الأموال والنفوس من
الأعمال الفعلية قال ذكر الله قال شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام في قواعده هذا
الحديث مما يدل على أن الثواب لا يترتب على قدر النصب في جميع العبادات بل قد يأجر الله تعالى على
قليل الأعمال أكثر مما يأجر على كثيرها فإذا الثواب يترتب على تفاوت الرتب في الشرف انتهى
وحديث أبي الدرداء هذا أخرجه أيضا مالك في الموطأ وأحمد في المسند وابن ماجة والحاكم في
المستدرك والطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان وابن شاهين في الترغيب في الذكر كلهم
من حديث أبي الدرداء إلا أن مالكا في الموطأ وقفه عليه وقد صححه الحاكم في المستدرك قوله
(ما شئ أنجى من عذاب الله من ذكر الله) من الأولى صلة أنجى والثانية تفضيلية إعلم أن قوله
قال معاذ بن جبل متصل بما قبله ففي الموطأ مالك عن زياد بن أبي زياد قال قال أبو الدرداء ألا
أخبركم بخير أعمالكم لكم وأرفعها في درجاتكم إلى قوله قالوا بلى قال ذكر الله تعالى قال
زياد بن أبي زياد وقال أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب
224
الله من ذكر الله وروى أحمد والبيهقي وابن عبد البر قول معاذ هذا مرفوعا (وقد روى بعضهم
هذا الحديث عن عبد الله بن سعيد) كيحيى بن سعيد ومكي عند أحمد والمغيرة بن عبد الرحمن عند
ابن ماجة
باب ما جاء في القوم يجلسون فيذكرون الله ما لهم من الفضل
قوله (عن الأغر أبي مسلم) بفتح الهمزة والغين المعجمة وبالراء الثقيلة قال في التقريب
الأغر أبو مسلم المديني نزيل الكوفة ثقة من الثالثة وهو غير سلمان الأغر الذي يكنى أبا عبد الله
وقد قلبه الطبراني فقال اسمه مسلم ويكنى أبا عبد الله (أنه شهد على أبي هريرة وأبي سعيد
الخدري) ظاهر في أنه سمعه منهما قال ابن التين أراد بهذا اللفظ التأكيد للرواية انتهى قوله إلا
حفت بهم الملائكة أي أحاطت بهم الملائكة الذين يطوفون في الطريق يلتمسون أهل الذكر
وغشيتهم الرحمة أي غطتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة أي الطمأنينة والوقار لقوله تعالى
ألا بذكر الله تطمئن القلوب ومنه قوله تعالى هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين
ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ووقع في حديث عند مسلم وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون
كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة الحديث قال النووي في
شرح مسلم في شرح هذا الحديث قيل المراد بالسكينة ههنا الرحمة وهو اختاره القاضي عياض وهو
ضعيف لعطف الرحمة عليه وقيل الطمأنينة والوقار وهو أحسن قال وفي هذا دليل لفضل
الاجتماع على تلاوة القرآن في المسجد وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وقال في مالك يكره وتأوله
بعض أصحابه ويلتحق بالمسجد في تحصيل هذه الفضيلة الاجتماع في مدرسة ورباط ونحوهما
إن شاء اله تعالى ويدل عليه الحديث الذي بعده فإنه مطلق يتناوله جميع المواضع ويكون التقييد في
225
هذا الحديث خرج على الغالب لا سيما في ذلك الزمان فلا يكون له مفهوم يعمل به انتهى قلت
أراد بالحديث الذي بعده حديث الباب الذي نحن في شرحه فإنه قد أخرجه مسلم أيضا
وذكرهم الله فيمن عنده أي ذكرهم الله مباهاة وافتخارا بهم بالثناء الجميل عليهم وبوعد
الجزاء الجزيل لهم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وابن ماجة وأبو داود
الطيالسي وعبد بن حميد وأبو يعلى الموصلي وابن حبان وابن أبي شيبة وابن شاهين في الترغيب في
الذكر قوله (أخبرنا مرحوم بن عبد العزيز) بن مهران الأموي أبو محمد البصري ثقة من الثامنة
(خرج معاوية) بن أبي سفيان (إلى المسجد) وفي رواية مسلم خرج معاوية على حلقة في المسجد
(فقال ما يجلسكم) ما استفهامية وفي رواية مسلم ما أجلسكم والمعنى ما السبب الداعي إلى
جلوسكم (قال الله) بالمد والجر قال السيد جمال الدين قيل الصواب بالجر لقول المحقق
الشريف في حاشيته همزة الاستفهام وقعت بدلا عن حرف القسم ويجب الجر معها انتهى وكذا
صحح في أصل سماعنا من المشكاة ومن صحيح مسلم ووقع في بعض نسخ المشكاة بالنصب
انتهى كلامه وقال الطيبي قيل الله بالنصب أي أتقسمون بالله فحذف الجار وأوصل الفعل ثم
حذف الفعل كذا في المرقاة (قال) أي معاوية (أما) بالتخفيف للتنبيه (تهمة لكم) بسكون الهاء
ويفتح قال في النهاية التهمة وقد تفتح الهاء فعلة من الوهم والتاء بدل من الواو تهمته ظننت فيه ما
نسب إليه أي ما أستحلفكم تهمة لكم بالكذب لكني أردت المتابعة والمشابهة فيما وقع له صلى الله عليه وسلم مع
الصحابة وقدم بيان قربه منه عليه الصلاة والسلام وقلة نقلته من أحاديثه دفعا لتهمة الكذب عن
نفسه في ما ينقله فقال (وما كان أحد بمنزلتي) أي بمرتبة قربي (من رسول الله صلى الله عليه وسلم) لكونه محرما لأم
حبيبة أخته من أمهات المؤمنين ولكونه من أجلاء كتبة الوحي (أقل) خبر كان (حديثا عنه) أي عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم (منى) أي الاحتياطي في الحديث وإلا كان مقتضي منزلته أن يكون كثير الرواية
226
(ومن) قعل ماضي من المن من باب نصر أي أنعم (علينا) أي من بين الأنام كما حكى الله تعالى عن
مقول أهل دار السلام الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله (به) أي
بالإسلام (فقال الله ما أجلسكم إلا ذاك) لعله أراد به الإخلاص (قال أما إني لم أستحلفكم لتهمة
لكم) لأنه خلاف حسن الظن بالمؤمنين قال الطيبي أي فأردت أن أتحقق ما هو السبب في ذلك
فالتحليف لمزيد التقرير والتأكيد لا التهمة كما هو الأصل في وضع التحليف فإن من لا يتهم لا
يحلف انتهى (إنه) أي الشأن وفي رواية مسلم ولكنه أن الله يباهي بكم الملائكة قيل معنى
المباهاة بهم أن الله تعالى يقول لملائكته أنظروا إلى عبيدي هؤلاء كيف سلطت عليهم نفوسهم
وشهواتهم وأهويتهم والشيطان وجنوده ومع ذلك قويت همتهم على مخالفة هذه الدواعي القوية إلى
البطالة وترك العبادة والذكر فاستحقوا أن يمدحوا أكثر منكم لأنكم لا تجدون للعبادة مشقة بوجه
وإنما هي منكم كالتنفس منهم ففيها غاية الراحة والملاءمة للنفس قوله (هذا حديث حسن
غريب) وأخرجه مسلم والنسائي (وأبو نعامة السعدي اسمه عمرو بن عيسى) قال في التقريب أبو
نعامة السعدي اسمه عبد ربه وقيل عمرو ثقة من السادسة
8 باب
ما جاء في القوم يجلسون ولا يذكرون الله
قوله ولم يصلوا على نبيهم تخصيص بعد تعميم إلا كان أي ذلك المجلس عليهم
227
ترة بكسر التاء وتخفيف الراء تبعة ومعاتبة أو نقصانا وحسرة من وتره حقه نقصه وهو سبب
الحسرة ومنه قوله تعالى لن يتركم أعمالكم والهاء عوض عن الواو المحذوفة مثل عدة وهو
منصوب على الخبرية فإن شاء عذبهم أي بذنوبهم السابقة وتقصيراتهم اللاحقة وإن شاء غفر
لهم أي فضلا منه ورحمة وفيه إيماء بأنهم إذا ذكروا الله لم يعذبهم حتما بل يغفر لهم جزما ووقع
في هامش النسخة الأحمدية هذه العبارة ومعنى قوله ترة يعني حسرة وندامة وقال بعض أهل
المعرفة بالعربية الترة هو النار كذا في نسخة انتهى ما في هامشها قوله (هذا حديث حسن) قال
المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي واللفظ له وقال حديث
حسن ورواه بهذا اللفظ ابن أبي الدنيا والبيهقي
9 باب
ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة
لكن الإجابة تتنوع فروى أحمد في مسنده عن أبي سعيد مرفوعا ما من مسلم يدعو بدعوة
ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن
يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها وروى الترمذي في أواخر الدعوات
عن أبي هريرة مرفوعا ما من رجل يدعو الله بدعاء إلا استجيب له فإما أن يعجل له في الدنيا
وإما أن يدخر له في الآخرة وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا الحديث قوله إلا آتاه
الله ما سأل أي إن جرى في الأزل تقدير إعطائه ما سأل أو كف عنه من السوء مثله أي دفع عنه
من البلاء عوضا مما منع قدر مسئوله إن لم يجر التقدير ما لم يدع بإثم أي بمعصية أو قطيعة
رحم تخصيص بعد تعميم إعلم أن لإجابة الدعاء شروطا منها الإخلاص لقوله تعالى
فادعوا الله مخلصين له الدين ومنها أن لا يكون فيه إثم ولا قطيعة رحم لحديث جابر هذا
228
ومنها أن يكون طيب المطعم والملبس لحديث أبي هريرة عند مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر
الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام
وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ومنها أن لا يستعجل لحديث أبي هريرة الآتي في باب من
يستعجل في دعائه والحديث سكت عنه الترمذي وفي إسناده ابن لهيعة قوله (وفي الباب عن
أبي سعيد وعبادة بن الصامت) أما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد وصححه الحاكم وتقدم لفظه
آنفا وأما حديث عبادة بن الصامت فأخرجه الترمذي وسيأتي في أحاديث شتى
قوله (أخبرنا سعيد بن عطية الليثي) أبو سلمة مقبول من السادسة قال في تهذيب
التهذيب روى له الترمذي حديثا واحدا في الدعاء قوله من سره أي أعجبه وفرح قلبه
وجعله مسرورا أن يستجيب الله له عند الشدائد جمع الشديدة وهي الحادثة الشاقة والكرب
بضم الكاف وفتح الراء جمع الكربة وهي الغم الذي يأخذ بالنفس فليكثر الدعاء في الرخاء
بفتح الراء أي في حالة الصحة والفراغ والعافية لأن من شيمة المؤمن أن يريش السهم قبل أن يرمي
ويلتجئ إلى الله قبل الاضطرار قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الحاكم وقال
صحيح وأقره الذهبي وأخرجه الحاكم أيضا من حديث سلمان وقال صحيح الاسناد
قوله أفضل الذكر لا إله إلا الله لأنها كلمة التوحيد والتوحيد لا يماثله شئ وهي الفارقة
بين الكفر والإيمان ولأنها أجمع للقلب مع الله وأنفى للغير وأشد تزكية للنفس وتصفية للباطن
وتنقية للخاطر من خبث النفس وأطرد للشيطان وأفضل الدعاء الحمد لله لأن الدعاء عبارة عن
ذكر الله وأن تطلب منه الحاجة والحمد يشملهما فإن من حمد الله يحمده على نعمته
والحمد الله من باب التلميح والإشارة إلى قوله (اهدنا الصراط المستقيم) وأي دعاء أفضل وأكمل
229
وأجم من ذلك كذا في المرقاة وشرح على الجامع الصغير للمناوي قوله هذا حديث حسن غريب
وأخرجه النسائي وبن حبان والحاكم وقال صحيح
قوله (عن خالد بن سلمة) بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي الكوفي المعروف
بالفأفأ أصله مدني صدوق رمى بالإرجاء والنصب من الخامسة. قوله (يذكر الله على كل أحيانه)
أي في كل أوقاته متطهرا ومحدثا وجنبا وقائما وقاعدا ومضطجعا وماشيا قال النووي في شرح
هذا الحديث واعلم أنه يكره الذكر في حالة الجلوس على البول والغائط وفي حالة الجماع فيكون
الحديث مخصوصا بما سوى هذا الأحوال انتهى ملخصا وقال في آخر باب التيمم يكره للقاعد
على قضاء الحاجة أن يذكر الله تعالى بشئ من الأذكار فلا يسبح ولا يهلل ولا يرد السلام ولا
يشمت العاطس ولا يحمد الله تعالى إذا عطس ولا يقول مثل ما يقول المؤذن وكذلك لا يأتي بشئ من
هذه الأذكار في حال الجماع وإذا عطس في هذه الأحوال يحمد الله تعالى في نفسه ولا يحرك به
لسانه هذا الذي ذكرناه من كراهة الذكر في حال البول والجماع هو كراهة تنزية لا تحريم فلا إثم
على فاعله وكذلك يكره الكلام على قضاء الحاجة بأي نوع كان من أنواع الكلام ويستثنى من
هذا كله موضع الضرورة كما إذا رأى ضريرا يكاد أن يقع في بير أو رأى حية أو عقربا أو غير ذلك
يقصد إنسانا أو نحو ذلك فإن الكلام في هذه المواضع ليس بمكروه بل هو واجب وهذا الذي
ذكرنا من الكراهة في حال الاختيار هو مذهبنا ومذهب الأكثرين وحكاه ابن المنذر عن ابن عباس
وعطاء ومعبد الجهني وعكرمة رضي الله عنهم وحكى عن إبراهيم النخعي وابن سيرين أنهما قالا بأس به
انتهى كلام النووي قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن
ماجة وعلقه البخاري (والبهي اسمه عبد الله) قال في التقريب عبد الله البهي بفتح الموحدة وكسر
الهاء وتشديد التحتانية مولى مصعب بن الزبير يقال اسم أبيه يسار صدوق يخطئ من الثالثة
230
10 باب
ما جاء أن الداعي يبدأ بنفسه
قوله (حدثنا نصر بن علي الكوفي) قال الحافظ صوابه ابن عبد الرحمن وهو الوشاء (حدثنا
أبو قطن) بفتحتين اسمه عمرو بن الهيثم بن قطن القطعي البصري ثقة من صغار التاسعة مات
على رأس المائتين (عن حمزة الزيات) هو حمزة بن حبيب القاري أبو عمارة الكوفي التيمي مولاهم
صدوق زاهد ربما وهم قاله الحافظ في التقريب وقال في تهذيب التهذيب قال أبو بكر بن منجويه
كان من علماء زمانه بالقراءات وكان من خيار عباد الله فضلا وعبادة وورعا ونسكا وكان يجلب
الزيت من الكوفة قوله (فدعا له) أي فأراد أن يدعو له (بدأ بنفسه) جزاء إذا ذكر قال الحافظ في
الفتح بعد ذكر هذا الحديث وهو عند مسلم في أول قصة موسى والخضر ولفظه وكان إذا ذكر
أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه قال ويؤيد هذا القيل أنه صلى الله عليه وسلم دعا لغير نبي قلم يبدأ بنفسه كقوله في
قصة هاجر يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عينا معينا وحديث أبي هريرة اللهم
أيده بروح القداس يريد حسان بن ثابت وحديث ابن عباس اللهم فقهه في الدين وغير ذلك من
الأمثلة مع أن الذي جاء في حديث أبي لم يطرد فقد ثبت أنه دعا لبعض الأنبياء فلم يبدأ بنفسه
كحديث أبي هريرة يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد انتهى كلام الحافظ قلت
فظهر أن بداءته صلى الله عليه وسلم بنفسه عند ذكر أحد والدعاء لم يكن من عادته اللازمة قوله (هذا حديث
حسن غريب صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم كما في الجامع
الصغير
231
11 باب
ما جاء في رفع الأيدي عند الدعاء
قوله (حدثنا حماد بن عيسى الجهني) لقبه غريق الجحفة فإنه غرق بالجحفة سنة ثمان
ومائتين قال في التقريب ضعيف وقال في الميزان ضعفه أبو داود وأبو حاتم والدارقطني ولم
يتركه قوله (لم يحطهما) أي لم يضعهما (حتى يمسح بهما وجهه) قال ابن الملك وذلك على سبيل
التفاؤل فكأن كفيه قد ملئتا من البركات السماوية والأنوار الإلهية وقال في السبل وفي الحديث
دليل على مشروعية مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء وقيل وكأن المناسبة أنه تعالى لما
كان لا يردهما صفرا فكأن الرحمة أصابتهما فناسب إفاضة ذلك على الوجه الذي هو أشرف ا
لأعضاء وأحقها بالتكريم انتهى وقد ورد في رفع الأيدي عند الدعاء أحاديث كثيرة صحيحة
صريحة كما عرفت في باب ما يقول إذا سلم والجمع بين هذه الأحاديث وبين حديث أنس لم
يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في شئ من دعائه إلا في الاستسقاء رواه الشيخان بأن المنفى صيغة خاصة
لا أصل الرفع قال الحافظ ما حاصله إن الرفع في الاستسقاء يخالف غيره إما بالمبالغة إلى أن تصير
اليدان حذو الوجه مثلا وفي الدعاء إلى حذو المنكبين ولا يعكر على ذلك أنه ثبت في كل منهما حتى
يرى بياض إبطيه بل يجمع بأن تكون رواية البياض في الاستسقاء أبلغ منها في غيره وأما أن
الكفين في الاستسقاء يليان الأرض وفي الدعاء يليان السماء قال المنذري وبتقدير تعذر الجمع
فجانب الإثبات أرجح انتهى قوله (هذا حديث صحيح غريب الخ) وقد تفرد به حماد بن عيسى وهو
ضعيف كما عرفت فالحديث ضعيف قال الحافظ في بلوغ المرام وله شواهد منها حديث ابن
عباس عند أبي داود ومجموعها يقتضي أنه حديث حسن انتهى
232
12 باب
ما جاء في من يستعجل في دعائه
قوله يستجاب لأحدكم أي بعد شروط الإجابة ما لم يعجل ما ظرف يستجاب بمعنى
المدة أي مدة كونه لم يستعجل يقول دعوت فلم يستجب لي هذا بيان وتفسير للعجلة وفي رواية
مسلم يقول قد دعوت فلم أر يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء قوله (هذا
حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجة قوله (وأبو عبيد اسمه سعد)
بن عبيد الزهري ثقة من الثانية وقيل له إدراك قوله (وفي الباب عن أنس) أخرج حديثه أحمد
مرفوعا لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل قال يا بني الله وكيف يستعجل قال يقول قد دعوت ربي
فلم يستجب لي وأخرجه أبو يعلى أيضا قال المنذري في الترغيب ورواتهما محتج بهم في الصحيح
إلا أبا هلال الراسي انتهى
13 باب ما جاء في الدعاء إذا أصبح وإذا أمسى
قوله (عن أبان) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة يصرف لأنه فعال ويمنع لأنه أفعل والصحيح
233
الأشهر الصرف ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة أي في أوائلهما قال في القاموس
الصبح الفجر أو أول النهار وهو الصبيحة والصباح والإصباح والمصبح والمساء ضد الصباح بسم
الله أي أستعين أو أتحفظ من كل مؤذ باسم الله الذي لا يضر مع اسمه أي مع ذك 4 ره باعتقاد
حسن ونية خالصة ولا في السماء أي من البلاء النازل منها وهو السميع أي بأقوالنا العليم
أي بأحوالنا ثلاث مرات ظرف يقول فيضره شئ بالنصب جواب ما من عبد قال الطيبي
وبالرفع عطفا على يقول على أن الفاء هنا كهي في قوله لا يموت لمؤمن ثلاثة من الولد فتمسه النار
أي لا يجتمع هذا القول مع المضرة كما لا يجتمع مس النار مع موت ثلاثة من الولد بشرطه (وكان
أبان) بالوجهين (قد أصابه طرف فالج) أي نوع منه وهو يفتح اللام استرخاء لأحد شقي البدن
لانصباب خلط بلغمي تنسد منه مسالك الروح (فجعل الرجل) أي المستمع (ينظر إليه) أي إلى
أبان تعجبا (ما تنظر) زاد أبو داود إلى قال الطيبي ما هي استفهامية وصلتها محذوفة وتنظر إلى
حال أي مالك تنظر إلى (أما) للتنبيه وقيل بمعنى حقا (ولكني لم أقله) أي ما قدر الله لي أن أقوله
(يومئذ ليمضي الله على قدره) بفتح الدال أي مقدرة قال الطيبي قوله ليمضي الله عليه لعدم
القول وليس بغرض له كما في قعدت عن الحرب حينا وقيل اللام فيه للعاقبة كما في قوله لدوا
للموت وأبنوا للخراب ذكره القاري وفي رواية أبي داود فجعل الرجل الذي سمع منه الحديث
ينظر إليه فقال له مالك تنظر إلي فوالله ما كذبت على عثمان ولا كذب عثمان على النبي صلى الله عليه وسلم ولكن
اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني غضبت فنسيت أن أقولها قوله (هذا حديث حسن غريب
صحيح) وأخرجه النسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وابن أبي شيبة وأبو داود وفي روايته لم
تصبه فجاءة بلاء حتى يصبح ومن قالها حين يصبح لم تصبه فجاءة بلاء حتى يمسي
قوله (أخبرنا عقبة بن خالد) السكوني (عن أبي سعيد بن المرزبان) العبسي مولاهم
234
البقال الكوفي الأعور ضعيف مدلس من الخامسة (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن قوله
رضيت بالله أي بقضائه ربا وبالإسلام أي بأحكامه دينا وبمحمد أي بمتابعته نبيا والمنصوبات تمييزات
ويمكن أن تكون حالات مؤكدات وكان حقا على الله هو خبر كان أن يرضيه من الإرضاء أي
يعطيه ثوابا جزيلا حتى يرضى وهو اسم كان قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد
قوله (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد (عن الحسن بن عبيد الله) النخعي (عن إبراهيم بن
سويد) النخعي ثقة لم يثبت أن النسائي ضعفه من السادسة (عن عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس
النخعي قوله أمسينا وأمسى الملك لله أي دخلنا في المساء ودخل فيه الملك كائنا لله ومختصا به أو
الجملة حالية بتقدير قد أو بدونه أي أمسينا وقد صار بمعنى كان ودام الملك لله والحمد لله قال
الطيبي عطف على أمسينا وأمسى الملك أي صرنا نحن وجميع الملك وجميع الحمد لله انتهى قال
القاري أي عرفنا فيه أن الملك لله وأن الحمد لله لا لغيره ويمكن أن يكون جملة الحمد لله مستقلة
والتقدير والحمد لله على ذلك وحده حال مؤكدة أي منفردا بالألوهية أراه قال له الملك وله
الحمد وهو على كل شئ قدير أي أظن إبراهيم بن سويد أنه قال له الملك وله الحمد الخ وقائل
أراه الحسن بن عبيد الله وفي رواية لمسلم قال الحسن فحدثني الزبيد أنه حفظ عن إبراهيم في هذا
له الملك وله الحمد الخ وفي رواية أخرى له قال الحسن بن عبيد الله وزادني فيه زبيد عن
إبراهيم بن سويد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله رفعه أنه قال لا إله إلا الله وحده لا
شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير أسألك خير ما في هذه الليلة قال الطيبي
أي خير ما ينشأ فيها وخير ما يسكن فيها قال تعالى وله ما سكن في الليل وقال ابن حجر أي
ما أردت وقوعه فيها لخواص خلقك من الكمالات الظاهرة والباطنة وخير ما يقع فيها من العبادات
التي أمرنا بها فيها أو المراد خير الموجودات التي قارن وجودها هذه الليلة وخير كل موجود الان
235
وخير ما بعدها أي من الليالي أو مطلقا وأعوذ بك من الكسل بفتحتين أي التثاقل في الطاعة
مع الاستطاعة قال الطيبي الكسل التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه ويكون ذلك لعدم انبعاث
النفس للخير مع ظهور الاستطاعة وسوء الكبر قال النووي قال القاضي رويناه الكبر بإسكان
الباء وفتحها فاسكان بمعنى التعاظم على الناس والفتح بمعنى الهرم والخوف والرد إلى أر ذل العمر
كما في الحديث الاخر قال القاضي وهذا أظهر وأشهر بما قبله قال وبالفتح ذكره الهروي وبالوجهين
ذكره الخطابي وصوب الفتح وتعضده رواية النسائي وسوء العمر انتهى وإذا أصبح أي دخل صلى الله عليه وسلم
في الصباح قال ذلك أي ما يقول في المساء أيضا أي لكن يقول بدل أمسينا وأمسى الملك لله
أصبحنا وأصبح الملك لله ويبدل اليوم بالليلة فيقول أسألك خير هذا اليوم ويذكر الضمائر بعده
قوله (هذا الحديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن أبي شيبة
قوله (حدثنا عبد الله بن جعفر) بن نجبح السعدي قوله إذا أصبح أحدكم أي دخل
في الصباح اللهم بك أصبحنا الباء متعلق بمحذوف وهو خبر أصبحنا ولا بد من تقدير مضاف
أي أصبحنا ملتبسين بحفظك أو مغمورين بنعمتك أو مشتغلين بذكرك أو مستعينين باسمك أو
مشمولين بتوفيتك أو متحركين بحولك وقوتك أو متقلبين بإرادتك وقدرتك وبك نحي وبك
نموت أي أنت تحيينا وأنت تميتنا يعني يستمر حالنا على هذا في جميع الأوقات وسائر الأحوال
وإليك لا إلى غيرك المصير أي المرجع بالبعث وإذا أمسى عطف على إذا أصبح بك أمسينا
وبك أصبحنا بتقديم أمسينا وإليك النشور قال في النهاية بقال نشر الميت ينشر نشورا إذا عاش
بعد الموت أو نشره الله أي أحياه قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي
وابن ماجة وابن حبان في صحيحه وأبو عوانة
236
14 باب منه
قوله (عن يعلى بن عطاء) العامري الطائفي (سمعت عمرو بن عاصم) بن سفيان بن
عبد الله بن ربيعة بن الحارث الثقفي الحجازي ثقة من الثالثة قوله اللهم عالم الغيب والشهادة أي ما
غاب من العباد وظهر لهم فاطر السماوات والأرض أي مخترعهما وموجدهما على غير مثال سبق
رب كل شئ مليكه فعيل بمعنى فاعل للمبالغة كالتقدير بمعنى القادر أعوذ بك من شر نفسي
أي من ظهور السيئات الباطنية التي جبلت النفس عليها ومن شر الشيطان أي وسوسته وإغوائه
وإضلاله وشركه بكسر الشين وسكون الراء أي ما يدعو إليه من الإشراك بالله ويروى بفتحتين
أي مصائده وحبائله التي يفتتن بها الناس والإضافة على الأول إضافة المصدر إلى الفاعل وعلى
الثاني معنوية والعطف على التقديرين للتخصيص بعد التعميم للاهتمام به قله أي قل هذا
القول قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي والدارمي وابن حبان
والحاكم وابن أبي شيبة
15 باب منه
قوله (عن كثير بن زيد) الأسلمي المدني (عن عثمان بن ربيعة) بن عبد الله ابن الهدير
التيمي المدني مقبول من الرابعة قوله ألا أدلك على سيد الاستغفار قال الطيبي لما كان هذا
الدعاء جامعا لمعاني التوبة كلها استعير له اسم السيد وهو في الأصل الرئيس الذي يقصد في
237
الحوائج ويرجع إليه في الأمور خلقتني استئناف بيان للتربى وأنا عبدك أي مخلوقك ومملوكك
وهو حال كقوله (وأنا على عهدك ووعدك) أي أنا مقيم على الوفاء بعهد الميثاق وأنا موقن بوعدك
يوم الحشر والتلاق ما استطعت أي بقدر طاقتي وقيل أي أنا على ما عاهدتك ووعدتك من
الإيمان بك والإخلاص من طاعتك أو أنا مقيم على ما عاهدت إلى من أمرك ومتمسك به ومتنجز
وعدك في المثوبة والأجر عليه واشتراط الاستطاعة اعتراف بالعجز والقصور عن كنه الواجب في
حقه تعالى أي لا أقدر أن أعبدك حق عبادتك ولكن أجتهد بقدر طاقتي وأبوء لك بنعمتك على أي
أعترف بها من قولهم باء بحقه أي أقربه وأصله البواء ومعناه اللزوم ومنه بوأه الله منزلا إذا أسكنه
فكأنه ألزمه به وأعترف بذنوبي قال الطيبي أعترف أولا بأنه تعالى أنعم عليه ولم يقيده ليشمل
جميع أنواع النعم ثم أعترف بالتقصير وأنه لم يقم بأداء شكرها ثم بالغ فعده ذنبا مبالغة في هضم
النفس تعليما للأمة انتهى قال الحافظ ويحتمل أن يكون قوله أبوء لك بذنبي اعتراف بوقوع
الذنب مطلقا ليصح الاستغفار منه لا أنه عد ما قصر فيه من أداء شكر النعم ذنبا لا يغفر
الذنوب أي ما عدا الشرك لا يقولها أي هذه الكلمات فيأتي عليه قدر الخ المراد من القدر
الموت وفي رواية البخاري قال ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من
أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة فإن قيل
المؤمن وإن لم يقلها فهو من أهل الجنة وأجيب بأنه يدخلها ابتداء من غير دخول النار لأن الغالب
أن الموقن بحقيقتها المؤمن بمضمونها لا يعصي الله تعالى أو لأن الله يعفو عنه ببركة هذا الاستغفار
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وابن عمر وابن مسعود وابن أبزى وبريدة) أما حديث بريدة
فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان والحاكم وأما أحاديث الباقين
فلينظر من أخرجها
قوله (هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه) وأخرجه أحمد والبخاري والنسائي
238
16 باب
ما جاء في الدعاء إذا أوى إلى فراشه
قوله (عن أبي إسحاق الهمداني) السبيعي قوله إذا أويت إلى فراشك أي إذا أتيت
إلى فراشك للنوم أصبت خيرا أي خيرا كثيرا أو خيرا في الدارين أسلمت أي أخلصت
نفسي أي ذاتي إليك أي مائلة إلى حكمك ووجهت وجهي أي وجهتي وتوجهي وقصد
قلبي وسيأتي هذا الحديث مع شرحه في أحاديث شتى
قوله (وفي الباب عن رافع بن خديج) أخرجه الترمذي بعد هذا
قوله (أخبرنا عثمان بن عمر) العبدي البصري (عن يحيى بن أبي كثير) الطائي اليمامي
(عن يحيى بن إسحاق بن أخي رافع بن خديج) قال الحافظ يحيى بن إسحاق ويقال ابن أبي
239
إسحاق الأنصاري روى عن عمه رافع بن خديج في الاضطجاع على الشق الأيمن وعنه يحيى بن
أبي كثير ثقة من الرابعة قوله اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وألجأت ظهري
إليك الخ سيأتي شرح ألفاظ هذا الحديث في شرح حديث البراء الآتي في أحاديث شتى
قوله (أخبرنا عفان بن مسلم) الصفار البصري (أخبرنا حماد) بن سلمة قوله (كان إذا
أوى إلى فراشه) أي انضم إليه ودخل فيه قال النووي إذا أوى إلى فراشه وأويت مقصور وأما
آوانا فمدود هذا هو الصحيح الفصيح المشهور وحكى القصر فيهما وحكى المد فيهما انتهى
وكفانا أي دفع عنا شر المؤذيات أو كفى مهماتنا وقضى حاجاتنا وآوانا أي رزقنا مساكن وهيأ لنا
الماوي فكم ممن لا كافي بفتح الياء ولا مؤوي بصيغة اسم الفاعل وله مقدر أي فكم شخص
لا يكفيهم الله شر الأشرار بل تركهم وشرهم حتى غلب عليهم الأعداء ولا يهئ لهم مأوى بل
تركهم يهيمون في البوادي ويتأذون بالحر والبرد قال الطيبي ذلك قليل نادر فلا يناسب كم
المقتضى لكثرة على أنه افتتح بقوله أطعمنا وسقانا ويمكن أن ينزل هذا على معنى قوله تعالى ذلك
بأن الله مولى الذين امنوا وأن الكافرين لا مولى لهم فالمعنى أنا نحمد الله على أن عرفنا نعمه
ووفقنا لأداء شكره فكم من منعم عليه لا يعرفون ذلك ولا يشكرون وكذلك الله مولى الخلق
كلهم بمعنى أنه ربهم ومالكهم لكنه ناصر للمؤمنين ومحب لهم فالفاء في فكم للتعليل
قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي
17 باب منه
قوله (حدثنا صالح بن عبد الله) بن ذكران الباهلي (عن عطية) هو العوفي قوله
240
أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم يجوز فيهما النصب صفة لله أو مدحا والرفع بدلا من
الضمير أو على أنه خبر مبتدأ محذوف وأتوب إليه أي أطلب المغفرة وأريد التوبة فكأنه قال اللهم
اغفر لي ووفقني للتوبة وإن كانت أي ولو كانت ذنوبه في الكثرة مثل زبد البحر الزبد محركة ما
يعلو الماء وغيره من الرغوة وإن كانت عدد رمل عالج بفتح اللام وكسرها قال الطيبي موضع
بالبادية فيه رمل كثير ونهايته العالج وتراكمهم من الرمل ودخل بعضه في بعض فعلى هذا لا يضاف
الرمل إلى عالج لأنه صفة له أي رمل يتراكم وفي التحرير عالج موضع مخصوص فيضاف قال
ميرك الرواية بالإضافة فعلى قول صاحب النهاية وجهه أن يقال إنه من قبيل إضافة الموصوف إلى
الصفة أو الإضافة بيانية كذا في المرقاة وفي الحديث فضيلة عظيمة ومنقبة جليلة في مغفرة ذنوب
القائل بهذا الذكر ثلاث مرات وإن كانت بالغة إلى هذا الحد الذي لا يحيط به عدد وفضل الله
واسع وعطاؤه جم
18 باب منه
قوله (وضع يده) أي اليمنى كما في رواية أحمد اللهم قني أي أحفظني يوم تجمع أو
تبعث عبادك أي يوم القيامة وأو للشك من الراوي ولما كان النوم في حكم الموت والاستيقاظ
كالبعث دعا بهذا الدعاء تذكرا لتلك الحالة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد
241
قوله (أخبرنا إسحاق بن منصور) السلولي (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن أبي بردة) أي
ابن أبي موسى الأشعري قوله (يتوسد يمينه) أي ينام عليها ويجعلها كالوسادة له قوله (هذا
حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد والنسائي وسنده صحيح كما في الفتح (وروى الثوري هذا
الحديث عن أبي إسحاق عن البراء لم يذكر بينهما أحدا) أي لا أبا بردة ولا غيره ورواية الثوري
هذه أخرجها أحمد في مسنده (ورواه شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة ورجل آخر عن البراء)
فذكر شعبة بين أبي إسحاق والبراء أبا عبيدة ورجلا اخر وهذه الرواية أخرجها أيضا أحمد
(ورواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن يزيد عن البراء) أي بذكر عبد الله بن يزيد
بينهما وهذه الرواية أيضا أخرجها أحمد (وعن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله عن
النبي صلى الله عليه وسلم مثله) أخرج هذه الرواية ابن ماجة في سننه
19 باب منه
قوله (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) هو الدارمي (أخبرنا عمرو بن عون) هو أبو عثمان
الواسطي (أخبرنا خالد بن عبد الله) المزني الواسطي قوله اللهم رب السماوات ورب
الأرضين أي خالقهما ومربي أهلهما ورب كل شئ تعميم بعد تخصيص فالق الحب الفلق
242
بمعنى الشق والنوى جمع النواة وهي عظم النخل وفي معناه عظم غيرها والتخصيص لفضلها أو
لكثرة وجودها في ديار العرب يعني يا من شقهما فأخرج منهما الزرع والنخيل ومنزل التوراة من
الإنزال وقيل من التنزيل والإنجيل والقران لعل ترك الزبور لأنه مندرج في التوراة أو لكونه
مواعظ ليس فيه أحكام قال الطيبي فإن قلت ما وجه النظم بين هذه القرائن قلت وجهه أنه
صلى الله عليه وسلم لما ذكر أنه تعالى رب السماوات والأرض أي مالكهما ومدبر أهلهما عقبه بقوله فالق الحب
والنوى لينتظم معنى الخالقية والمالكية لأن قوله تعالى يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من
الحي تفسير لفالق الحب والنوى ومعناه يخرج الحيوان النامي من النطفة والحب من النوى ويخرج
الميت من الحي أي يخرج هذه الأشياء من الحيوان النامي ثم عقب ذلك بقوله منزل التوراة
ليؤذن بأنه لم يكن إخراج الأشياء من كتم العدم إلى فضاء الوجود إلا ليعلم ويعبد ولا يحصل ذلك
إلا بكتاب ينزله ورسول يبعثه كأنه قيل يا مالك يا مدبر يا هادي أعوذ بك أعوذ أي اعتصم
وألوذ من شر كل ذي شر وفي رواية لمسلم من شر كل شئ أنت اخذ بناصيته أي من شر كل
شئ من المخلوقات لأنها كلها في سلطانه وهو اخذ بنواصيها وفي رواية لمسلم من شر كل دابة
أنت آخذ بنواصيها وفي رواية لمسلم من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها أنت الأول أي
القديم بلا ابتداء فليس قبلك شئ قيل هذا تقرير للمعنى السابق وذلك أن قوله أنت الأول
مفيد للحصر بقرينة الخبر باللام فكأنه قيل أنت مختص بالأولية فليس قبلك شئ وأنت الاخر
فليس بعدك شئ أي الباقي بعد فناء خلقك لا انتهاء لك ولا انقضاء لوجودك والظاهر فليس
فوقك أي فوق ظهورك شئ يعني ليس شئ أظهر منك لدلالة الآيات الباهرة عليك
والباطن أي الذي حجب أبصار الخلائق عن إدراكك فليس دونك شئ أي لا يحجبك شئ
عن إدراك مخلوقاتك أقض عني الدين قال النووي يحتمل أن المراد بالدين هنا حقوق الله تعالى
وحقوق العباد كلها من جميع الأنواع وأما معنى الظاهر من أسماء الله فقيل هو من الظهور بمعنى
القهر والغلبة وكمال القدرة ومنه ظهر فلان على فلان وقيل الظاهر بالدلائل القطعية والباطن
المحتجب عن خلقه وقيل العالم بالخفيات وأما تسميته سبحانه وتعالى بالاخر فقال الإمام أبو بكر
الباقلاني معناه الباقي بصفاته من العلم والقدرة وغيرهما التي كان عليها في الأزل ويكون كذلك
243
بعد موت الخلائق وذهاب علومهم وقدرهم وحواسهم وتفرق أجسامهم انتهى قوله (هذا
حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن أبي شيبة
20 باب منه
قوله إذا قام أحدكم عن فراشه ثم رجع إليه وفي رواية الشيخان إذا أوى أحدكم إلى
فراشه فلينفضه بضم الفاء أي فليحركه (بصنفة إزاره) قال في القاموس صنفة الثوب كفرحة
وصنفه وصنفته بكسرهما حاشيته أي جانب كان أو جانبه الذي لا هدب له أو الذي فيه الهدب
انتهى وفي رواية البخاري فلينفض فراشه بداخلة إزاره وفي رواية مسلم فليأخذ داخلة إزاره
فلينفض بها فراشه قال الجزري في النهاية داخلة الإزار طرفه وحاشيته من داخل وإنما أمره
بداخلته دون خارجته لأن المؤتزر يأخذ إزاره بيمينه وشماله فيلزق ما بشماله على جسده وهي داخلة
إزاره ثم يضع ما بيمينه فوق داخلته فمتى عاجله أمر أو خشي سقوط إزاره مسكه بشماله ودفع عن
نفسه بيمينه فإذا صار إلى فراشه فحل إزاره فإنما يحل بيمينه خارجة الإزار وتبقى الداخلة معلقة
وبها يقع النفض لأنها غير مشغولة باليد انتهى قال القاري قيل النفض بإزاره لأن الغالب في
العرب أنه لم يكن لهم ثوب غير ما هو عليهم من إزار ورداء وقيد بداخل الإزار ليبقى الخارج
نظيفا ولأن هذا أيسر ولكشف العورة أقل وأستر وإنما قال هذا لأن رسم العرب ترك الفراش في
موضعه ليلا ونهارا ولذا علله وقال فإنه أي الشأن والمريد للنوم لا يدر ما خلفه بالفتحات
والتخفيف عليه أي على الفراش بعده أي ما صار بعده خلفا وبدلا عنه إذا غاب قال
الطيبي معناه لا يدري ما وقع في فراشه بعدما خرج منه من تراب أو قذاة أو هوام وقال
النووي معناه أنه يستحب أن ينفض فراشه قبل أن يدخل فيه لئلا يكون قد دخل فيه حية أو
عقرب أو غيرهما من المؤذيات وهو لا يشعر ولينفض ويده مستورة بطرف إزاره لئلا يحصل في يده
مكروه إن كان شئ هناك باسمك ربي وضعت جنبي أي مستعينا باسمك يا ربي وبك أرفعه أي
244
باسمك أو بحولك وقوتك أرفعه فلا أستغني عنك بحال فإن أمسكت نفسي أي قبضت روحي
في النوم (فإرحمها) أي بالمغفرة والتجاوز عنها وإن أرسلتها بأن رددت الحياة إلي وأيقظتني من
النوم فاحفظها أي من المعصية والمخالفة بما تحفظ به أي من التوفيق والعصمة والأمانة (عبادك
الصالحين) أي القائمين بحقوق الله وعباده والباء في بما تحفظ مثلها في كتبت بالقلم وما موصولة
مبهمة وبيانها ما دل عليها صلتها لأن الله تعالى إنما يحفظ عباده الصالحين من المعاصي ومن أن لا
يتهاونوا في طاعته وعبادته بتوفيقه ولطفه ورعايته ورد علي روحي أي روحي المميزة برد تمييزها
الزائل عنها بنومها قال الطيبي الحكمة في إطلاق الموت على النوم أن انتفاع الإنسان بالحياة إنما
هو لتحري رضا الله عنه وقصد طاعته واجتناب سخطه وعقابه فمن نام زال عنه الانتفاع
فكان كالميت فحمدا لله تعالى على هذه النعمة وزوال ذلك المانع انتهى قوله (وفي الباب عن
جابر وعائشة) لينظر من أخرج حديثهما قوله (وحديث أبي هريرة حديث حسن) وأخرجه
الشيخان وأبو داود والنسائي
21 باب ما جاء فيمن يقرأ من القرآن عند المنام
قوله (حدثنا المفضل بن فضالة) المصري أبو معاوية القتباني (عن عقيل) بضم العين
مصغرا هو ابن خالد بن عقيل الأيلي (ثم نفث فيهما) من النفث بفتح النون وسكون الفاء بعدها
مثلثة وهو إخراج الريح من الفم مع شئ من الريق (فقرأ فيهما) قال العيني قال المظهري في شرح
المصابيح ظاهر الحديث يدل على أنه نفث في كفه أولا ثم قرأ وهذا لم يقل به أحد ولا فائدة فيه
ولعله سهو من الراوي والنفث ينبغي أن يكون بعد التلاوة ليوصل بركة القرآن إلى
بشرة القارئ
والمقروء له وأجاب الطيبي عنه بأن الطعن فيما صحت روايته لا يجوز وكيف والفاء فيه مثل ما في
245
قوله تعالى إذا قرأت القرآن فاستعذ فالمعنى جمع كفيه ثم عزم على النفث أو لعل السر في تقديم
النفث فيه مخالفة السحرة انتهى وفي رواية البخاري كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نفث
في كفيه ب قل هو الله أحد وبالمعوذتين جميعا قال الحافظ أي يقرأها وينفث حالة القراءة (يبدأ) بيان
أو بدل ليمسح (بهما) أي بمسحهما (وما أقبل من جسده) وعند البخاري في الطب ثم يمسح بهما
وجهه وما بلغت يداه من جسده
قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي
22 باب منه
قوله (أخبرنا أبو داود) أي الطيالسي (عن أبي إسحاق) هو السبيعي (عن فروة بن نوفل)
الأشجعي مختلف في صحبته والصواب أن الصحبة لأبيه وهو من الثالثة ذكره ابن حبان في الثقات
قتل في خلافة معاوية قوله اقرأ قل يا أيها الكافرون أي إلى آخرها زاد أبو داود في روايته ثم
نم على خاتمتها فإنها أي هذه السورة براءة من الشرك أي ومفيدة للتوحيد قوله (قال شعبة
أحيانا يقول مرة وأحيانا لا يقولها) يعني قال شعبة إن أبا إسحاق أحيانا يزيد كلمة مرة بعد قوله
قل يا أيها الكافرون وأحيانا لا يزيدها رح
قوله (حدثنا موسى بن حزام) بكسر الحاء المهملة وبالزاي أبو عمران الترمذي (عن أبيه)
أي نوفل الأشجعي صحابي نزل الكوفة (وهذا أصح) أي حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن
246
فروة عن أبيه متصلا أصح من حديث شعبة عن أبي إسحاق عن رجل عن فروة مرسلا لأن
إسرائيل لم يتفرد بروايته هكذا بل تابعه زهير كما بينه الترمذي بقوله وروى زهير هذا الحديث عن
أبي إسحاق الخ وحديث فروة بن نوفل عن أبيه هذا ذكره الحافظ في الفتح وقال أخرجه أصحاب
السنن الثلاثة وابن حبان والحاكم انتهى وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الشوكاني في تحفة
الذاكرين
قوله (أخبرنا المحاربي) هو عبد الرحمن بن محمد بن زياد (عن ليث) هو ابن أبي سليم
قوله (كأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ ب تنزيل السجدة) أي سورة السجدة وب تبارك أي سورة
الملك قال الطيبي حتى غاية لا ينام ويحتمل أن يكون المعنى إذا دخل وقت النوم لا ينام حتى
يقرأهما وأن يكون لا ينام مطلقا حتى يقرأهما والمعنى لم يكن من عادته النوم قبل القراءة فتقع
القراءة قبل دخول وقت النوم أي وقت كان ولو قيل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأهما بالليل لم يفد هذه
الفائدة انتهى قال القاري والفائدة هي إفادة القبلية ولا يشك أن الاحتمال الثاني أظهر لعدم
احتياجه إلى تقدير يفضي إلى تضييق انتهى وحديث جابر هذا أخرجه أيضا أحمد والبخاري في
الأدب المفرد والنسائي والدارمي وابن أبي شيبة والحاكم وقال صحيح قال المناوي وتعقب بأن فيه
اضطرابا قوله (إنما سمعته من صفوان أو ابن صفوان) كلمة أو للشك وصفوان هذا هو
صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية القرشي والمراد من ابن صفوان هو صفوان هذا قال
الحافظ في التقريب ابن صفوان شيخ أبي الزبير هو صفوان بن عبد الله بن صفوان نسب لجده
247
وقد ذكر الترمذي حديث جابر هذا في باب ما جاء في سورة الملك من أبواب فضائل القرآن وذكر
هناك هذا الكلام وزاد وكأن زهيرا أنكر أن يكون هذا الحديث عن أبي الزبير عن جابر (وقد روى
شبابة) بن سوار المدائني (عن مغيرة بن مسلم) القسملي السراج قوله (لا ينام حتى يقرأ الزمر
وبني إسرائيل) أي لم يكن عادته النوم قبل قراءتهما وحديث عائشة هذا قد تقدم بهذا السند والمتن
في أواخر فضائل القرآن
قوله (عن عبد الله بن أبي بلال) الخزاعي الشامي مقبول من الرابعة قال الذهبي في
الميزان عبد الله بن أبي بلال عن العرباض ما روى عنه سوى خالد بن معدان انتهى وقد وقع
في النسخة الأحمدية عن عبد الرحمن بن أبي بلال وهو غلط فإنه ليس في الكتب الستة راو يسمى
بعبد الرحمن بن أبي بلال وقد أورد الترمذي هذا الحديث في أواخر فضائل القرآن بهذا السند
وفيه عن عبد الله بن أبي بلال لا عن عبد الرحمن بن أبي بلال وتقدم شرحه هناك
23 باب منه
قوله (ألا أعلمك ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن نقول) وفي رواية أحمد كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات ندعو بهن في صلاتنا أو قال في دبر صلاتنا اللهم إني 4 أسألك الثبات في الأمر
248
أي الدوام على الدين ولزوم الاستقامة عليه وأسألك عزيمة الرشد هي الجد في الأمر بحيث ينجز
كل ما هو رشد من أموره والرشد بضم الراء المهملة وإسكان الشين المعجمة هو الصلاح
والفلاح والصواب وفي رواية لأحمد أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد أي عقد القلب
على إمضاء الأمر وأسألك شكر نعمتك أي التوفيق لشكر إنعامك وحسن عبادتك أي إيقاعها
على الوجه الحسن المرضي وأسألك لسانا صادقا أي محفوظا من الكذب وقلبا سليما أي عن
عقائد فاسدة وعن الشهوات وأعوذ بك من شر ما تعلم أي ما تعلمه أنت ولا أعمله أنا
وأستغفرك مما تعلم مني من تفريط إنك أنت علام الغيوب أي الأشياء الخفية التي لا ينفذ فيها
ابتداء إلا علم اللطيف الخبير ما من مسلم يأخذ مضجعه يقرأ سورة وفي رواية أحمد ما من
رجل يأوي إلى فراشه فيقرأ سورة إلا وكل الله به ملكا أي أمره بأن يحرسه من المضار وهو استثناء
مفرغ فلا يقربه بفتح الراء شئ يؤذيه وفي رواية أحمد إلا بعث الله عز وجل إليه ملكا يحفظه
من كل شئ يؤذيه حتى يهب بضم الهاء متى هب أي يستيقظ متى استيقظ بعد طول الزمان أو
قربه من النوم قوله (هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه) في سنده رجل من بني حنظلة وهو
مجهول وأخرجه أحمد أيضا من طريقه
24 باب ما جاء في التسبيح والتكبير والتحميد عند المنام
قوله (عن ابن عون) اسمه عبد الله بن عون بن أرطبان (عن عبيدة) هو ابن عمر
249
السلماني المرادي قوله (شكت إلي فاطمة مجل يديها) قال في القاموس مجلت يده كنصر وفرح
مجلا ومجلا ومجولا نفطت من العمل فمرنت كأمجلت وقال في النهاية يقال مجلت يده تمجل مجلا
ومجلت تمجل مجلا إذا ثخن جلدها وتعجر وظهر فيها ما يشبه البتر من العمل بالأشياء الصلبة
الخشنة (من الطحين) أي بسبب الطحين وهو الدقيق وفي بعض النسخ من الطحن (فقلت لو
أتيت أباك فسألتيه خادما) أي جارية تخدمك وهو يطلق على الذكر والأنثى (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم
ألا أدلكما على ما هو خير لكما من الخادمة وفي رواية للبخاري فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما فلم
تجده فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته قال فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت أقوم فقال
مكانك فجلس بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري فقال ألا أدلكما على ما هو خير لكما من
خادم قال العيني وجه الخيرية إما أن يراد به أنه يتعلق بالآخرة والخادم بالدنيا والآخرة خير
وأبقى وإما أن يراد بالنسبة إلى ما طلبته بأن يحصل لها بسبب هذه الأذكار قوة تقدر على الخدمة
أكثر مما يقدر الخادم تقولان ثلاثا وثلاثين وثلاثا وثلاثين وأربعا وثلاثين من تحميد وتسبيح
وتكبير وفي الرواية المتفق عليها كما في المشكاة فسبحا ثلاثا وثلاثين وأحمد ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا
وثلاثين (وفي الحديث قصة) أخرج الشيخان وغيرهما هذا الحديث بالقصة مطولا
قوله (حدثنا محمد بن يحيى) هو الذهلي (عن محمد) هو ابن سيرين
25 باب منه
قوله خلتان بفتح الخاء أي خصلتان لا يحصيهما رجل مسلم أي لا يحافظ عليهما كما
250
في رواية أبي داود (إلا دخل الجنة) أي مع الناجين وهو استثناء مفرع ألا بالتخفيف حرف تنبيه
وهما أي الخصلتان وهما الوصفان كل واحد منهما يسير أي سهل خفيف لعدم صعوبة العمل
بهما على من يسره الله ومن يعمل بهما أي على وصف المداومة قليل أي نادر لغرة التوفيق وجملة
التنبيه معترضة لتأكيد التحضيض على الإتيان بهما والترغيب في المداومة عليهما والظاهر أن الواو
في وهما للحال والعامل فيه معنى التنبيه قاله القاري يسبح الله بأن يقول سبحان الله وهو بيان
لإحدى الخلتين والضمير للرجل المسلم في دبر بضمتين أي عقب كل صلاة أي مكتوبة كما
رواية أحمد عشرا من المرات ويحمده بأن يقول الحمد لله ويكبره بأن يقول الله أكبر قال
أي ابن عمرو (يعقدها) أي العشرات وفي بعض النسخ يعدها (بيده) أي بأصابعها أو بأناملها أو
بعقدها (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم فتلك أي العشرات الثلاث دبر كل صلاة من الصلوات الخمس
خمسون ومائة أي في يوم وليلة حاصلة من ضرب ثلاثين في خمسة أي مائة وخمسون حسنة
باللسان أي بمقتضى نطقه في العدد وألف وخمسمائة في الميزان لأن كل حسنة بعشر أمثالها على
أقل مراتب المضاعفة الموعودة في الكتاب والسنة وإذا أخذت مضجعك بيان للخلة الثانية
تسبحه وتكبره وتحمده مائة وفي رواية أبي داود ويكبر أربعا وثلاثين إذا أخذ مضجعه ويحمد ثلاثا
وثلاثين ويسبح ثلاثا وثلاثين فتلك أي المائة من أنواع الذكر مائة أي مائة حسنة وألف أي
ألف حسنة على جهة المضاعفة فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفي وخمسمائة سيئة وفي المشكاة
ألفين وخمسمائة سيئة والفاء جواب شرط محذوف وفي الاستفهام نوع إنكار يعني إذا حافظ على
الخصلتين وحصل ألفان وخمسمائة حسنة في يوم وليلة فيعفى عنه بعدد كل حسنة سيئة كما قال
تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات فأيكم يأتي بأكثر من هذا من السيئات في يومه وليلته حتى
لا يصير معفوا عنه فما لكم لا تأتون بهما ولا تحصونهما فكيف لا تحصيها أي المذكورات قال
الطيبي أي كيف لا نحصي المذكورات في الخصلتين وأي شئ يصرفنا فهو استبعاد لإهمالهم في
الإحصاء فرد استبعادهم بأن الشيطان يوسوس له في الصلاة حتى يغفل عن الذكر عقيبها وينومه
عند الاضطجاع كذلك وهذا معنى قوله (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم يأتي أحدكم مفعول مقدم
251
فيقول أو يوسوس له أو يلقي في خاطره أذكر كذا أذكر كذا من الأشغال الدنيوية والأحوال
النفسية الشهوية أو ما لا تعلق لها بالصلاة ولو من الأمور الأخروية حتى ينفتل أي ينصرف عن
الصلاة فلعله أي فعسى أن لا يفعل أي الإحصاء قيل الفاء في فلعله جزاء شرط محذوف
يعني إذا كان الشيطان يفعل كذا فعسى الرجل ألا يفعل وإدخال أن في خبره دليل على أن لعل هنا
بمعنى عسى وفيه إيماء إلى أنه إذا كان يغلبه الشيطان عن الحضور المطلوب المؤكد في صلاته فكيف
لا يغلبه ولا يمنعه عن الأذكار المعدودة من السنن في حال انصرافه عن طاعته ويأتيه أي الشيطان
أحدكم فلا يزال ينومه بتشديد الواو أي يلقى عليه النوم حتى ينام أي بدون الذكر قوله
(هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن
ماجة وصححه ابن حبان (وقد روى شعبة والثوري عن عطاء بن السائب هذا الحديث) يعني
بطوله من غير اختصار كما رواه إسماعيل بن علية عن عطاء بن السائب (وروى الأعمش هذا
الحديث عن عطاء بن السائب مختصرا) وقد أخرج الترمذي رواية الأعمش المختصرة بعد هذا
وأخرجها أيضا في باب عقد التسبيح باليد وقال هناك بعد إخراجها وروى شعبة والثوري هذا
الحديث عن عطاء بن السائب بطوله قوله (وفي الباب عن زيد بن ثابت وأنس وابن عباس)
أما حديث زيد بن ثابت (1) فأخرجه أحمد والنسائي والدارمي وأما حديث أنس فأخرجه البزار كما
في الترغيب وأما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي في باب التسبيح في أدبار الصلاة من كتاب
الصلاة
قوله (يعقد التسبيح) يأتي هذا الحديث مع شرحه في عقد باب التسبيح باليد
252
قوله (أخبرنا عمرو بن قيس الملائي) بضم الميم وتخفيف اللام والمد أبو عبد الله الكوفي
ثقة متقن عابد من السادسة قوله معقبات بضم الميم وفتح المهملة وكسر القاف المشددة أي
كلمات معقبات قال في النهاية سميت معقبات لأنها عادت مرة بعد أخرى أو لأنها تقال عقيب
الصلاة والمعقب من كل شئ ما جاء عقب ما قبله انتهى لا يخيب قائلهن أي لا يحرم من الجنة
والجزاء تسبح الله الخ بيان لمعقبات قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه مسلم والنسائي
(وروى شعبة هذا الحديث عن الحكم ولم يرفعه ورواه منصور بن المعتمر عن الحكم فرفعه)
قال النووي في شرح مسلم إعلم أن حديث كعب بن عجرة هذا ذكره الدارقطني في استدراكاته
على مسلم وقال الصواب أنه موقوف على كعب لأن من رفعه لا يقاومون من وقفه في الحفظ
وهذا الذي قاله الدارقطني مردود لأن مسلما رواه من طرق كلها مرفوعة وذكره الدارقطني أيضا
من طرق أخرى مرفوعة وإنما روي موقوفا من جهة منصور وشعبة وقد اختلفوا عليهما أيضا في
رفعه ووقفه وبين الدارقطني ذلك وقد قدمنا في الفصول السابقة في أول هذا الشرح أن الحديث
الذي روي موقوفا ومرفوعا يحكم بأنه مرفوع على المذهب الصحيح الذي عليه الأصوليون
والفقهاء والمحققون من المحدثين منهم البخاري وآخرون حتى لو كان الواقفون أكثر من الرافعين
حكم بالرفع كيف والأمر هنا بالعكس ودليله ما سبق أن هذه زيادة ثقة فوجب قبولها ولا ترد
لنسيان أو تقصير حصل ممن وقفه انتهى
26 باب ما جاء في الدعاء إذا انتبه من الليل
قوله (حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة) بكسر الراء وسكون الزاي غزوان أبو
253
عمرو المروزي ثقة من العاشرة (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الدمشقي (حدثني عمير بن
هانئ) العنسي أبو الوليد الدمشقي الداراني ثقة من كبار الرابعة (حدثني جنادة بن أبي أمية) بضم
جيم وتخفيف نون وإهمال دال الأزدي أبو عبد الله الشامي يقال اسم أبي أمية كثير قال في
التقريب مختلف في صحبته فقال العجلي تابعي ثقة والحق أنهما اثنان صحابي وتابعي متفقان في
الاسم وكنية الأدب وقد بينت ذلك كتابي في الصحابة ورواية جنادة الأزدي عن النبي صلى الله عليه وسلم في
سنن النسائي ورواية جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت في الكتب الستة قوله من
تعار بعين مهملة وراء مشددة أي انتبه من النوم واستيقظ ولا يكون إلا يقظة مع كلام وقيل هو
تمطي وأن كذا في النهاية وقال الحافظ في الفتح وقال الأكثر التعار اليقظة مع صوت وقال ابن
التين ظاهر الحديث أن معنى تعار استيقظ لأنه قال من تعار فقال فعطف القول على التعار
انتهى ويحتمل أن تكون الفاء تفسيرية لما صوت به المستيقظ لأنه قد يصوت بغير ذكر فخص
الفضل المذكور عن صوت بما ذكر من ذكر الله تعالى وهذا هو السر في اختيار لفظ تعار دون
استيقظ أو انتبه وإنما يتفق ذلك لمن تعوذ الذكر واستأنس به وغلب عليه حتى صار حديث نفسه
في نومه ويقظته فأكرم من اتصف بذلك بإجابة دعوته وقبول صلاته ثم قال رب اغفر لي أو قال
ثم دعا كلمة أو للشك والشك من الوليد ففي رواية الإسماعيلي ثم قال رب اغفر لي غفر له أو قال فدعا
استجيب له شك الوليد وكذا في رواية أبي داود وابن ماجة غفر له قال الوليد أو قال دعا استجيب له
استجيب له قال ابن الملك المراد بها الاستجابة اليقينية لأن الاحتمالية ثابتة في غير
هذا الدعاء وقال بعض أهل العلم استجابة الدعاء في هذا الموطن وكذا مقبولية الصلاة فيه
أرجى منهما في غيره فإن عزم قال في القاموس عزم على الأمر يعزم عزما ويضم ومعزما وعزمانا
وعزيما وعزيمة وعزمه واعتزمه وعليه وتعزم أراد فعله وقطع عليه وجد في الأمر قبلت صلاته قال ابن
مالك وهذه المقبولية اليقينية على الصلاة المتعقبة على الدعوة الحقيقية كما قبلها قوله (هذا
حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة
254
قوله (حدثنا مسلمة بن عمر) الشامي أبو عمرو مجهول من الثامنة كذا في التقريب
قلت وذكره ابن حبان في الثقات قوله (ألف سجدة) أي ألف ركعة
27 باب منه
قوله (حدثنا إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج (عن أبي سلمة) ابن عبد الرحمن بن
عوف الزهري (حدثني ربيعة بن كعب) بن مالك الأسلمي أبو فران المدني صحابي من أهل
الصفة ومنهم من فرق بين ربيعة وأبي فراس الأسلمي مات ربيعة سنة ثلاث وسبعين بعد الحرة
قوله (كنت أبيت) وفي رواية لأحمد كنت أنام (عند باب النبي صلى الله عليه وسلم) وفي رواية النسائي عند حجرة
النبي صلى الله عليه وسلم (فأعطيه وضوءه) بفتح الواو أي ماء وضوئه (فأسمعه) بصيغة المتكلم والضمير
المنصوب للنبي صلى الله عليه وسلم (الهويصس من الليل) بفتح الهاء وكسر الواو ونصب الياء المشددة قال الطيبي
الحين الطويل من الزمان وقيل مختص بالليل والتعريف هنا لاستغراق الحين الطويل بالذكر
بحيث لا يفتر عنه بعضه والتنكير لا يفيده نصا كما تقول قال زيد اليوم أي كله أو يوما أي بعضه
ومنه قوله تعالى أسرى بعبده ليلا
أي بعضا منه يقول سمع الله لمن حمده الخ وفي رواية
النسائي فكنت أسمعه أي إذا أقام من الليل يقول سبحان رب العالمين الهوي ثم يقول سبحان الله
وبحمده الهوي وفي رواية لأحمد فكنت أسمعه إذا قام من الليل يصلي يقول الحمد لله رب
العالمين الهوي قال ثم يقول سبحان الله العظيم وبحمده الهوي
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي
255
28 باب منه
قوله (حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد بن الهمداني) الكوفي متروك من صغار
العاشرة ووقع في النسخة الأحمدية عمرو بن إسماعيل بالواو وهو غلط (عن ربعي) بن حراش
قوله اللهم باسمك أموت وأحيى أي بذكر اسمك أحيى ما حييت وعليه أموت ويسقط بهذا
سؤال من يقول بالله الحياة والموت لا باسمه ويحتمل أن يكون لفظ الاسم هنا زائدا كما في قول
الشاعر إلى الحول ثم اسم السلام عليكما قال الحمد لله الذي أحيا نفسي بعد ما أماتها قيل هذا
ليس إحياء ولا إماتة بل إيقاظ وإنامة وأجيب بأن الموت عبارة عن انقطاع تعلق الروح بالبدن
وذلك قد يكون ظاهرا فقط وهو النوم ولهذا يقال إنه آخر الموت أو ظاهرا وباطنا وهو الموت المتعارف
أو أطلق الإحياء والإماتة على سبيل التشبيه وهو استعارة مصرحة وقال أبو إسحاق الزجاج
النفس التي تفارق الإنسان عند النوم هي التي للتمييز والتي تفارقه عند الموت هي التي للحياة وهي
التي تزول معها النفس وسمي النوم موتا لأنه يزول معه العقل والحركة تمثيلا وتشبيها وإليه
النشور أي البعث يوم القيامة والإحياء بعد الإماتة يقال نشر الله الموتى فنشروا أي أحياهم
فحيوا قاله الحافظ وقال في النهاية يقال نشر الميت نشورا إذا عاش بعد الموت وأنشره الله أي
أحياه قوله (هذا حديث حسن صحيح) في إسناده عمر بن إسماعيل بن مجالد وهو متروك كما
عرفت فتصحيحه لمجيئه من طرق أخرى صحيحة والحديث أخرجه أيضا البخاري وأبو داود
والنسائي وابن ماجة وأخرجه مسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه
256
29 باب
ما جاء ما يقال إذا قام من الليل إلى الصلاة
قوله (كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل) قال الحافظ ظاهر السياق أنه كان يقوله
أول ما يقوم إلى الصلاة وترجم عليه ابن خزيمة الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول هذا التحميد
بعد أن يكبر ثم ساقه من طريق قيس بن سعد عن طاؤس عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا قام للتهجد قال بعدما يكبر اللهم لك الحمد انتهى لك الحمد تقديم الخبر يدل على
التخصيص أنت نور السماوات والأرض أي منورهما وخالق نورهما وقال ابن عباس هادي
أهلهما وقيل منزه في السماوات والأرض من كل عيب ومبرؤ من كل ريبة وقيل هو اسم مدح
يقال فلان نور البلد وشمس الزمان وقال أبو العالية مزين السماوات بالشمس والقمر والنجوم
ومزين الأرض بالأنبياء والعلماء والأولياء وقال ابن بطال أنت نور السماوات والأرض أي بنورك
يهتدي من في السماوات والأرض وقيل معناه ذو نور السماوات والأرض يأنت قيام السماوات
والأرض وفي رواية قيم وفي أخرى قيوم وهي من أبنية المبالغة وهي من صفات الله تعالى ومعناها
القائم بأمور الخلق ومدبر العالم في جميع أحواله وأصلها من الواو قيوام وقيوم وقيووم بوزن فيعال
فيعول والقيوم من أسماء الله تعالى المعدودة وهو القائم بنفسه مطلقا لا بغيره وهو مع ذلك يقوم به
كل موجود حتى لا يتصور وجود شئ ولا دوام وجوده إلا به كذا في النهاية أنت رب السماوات
والأرض ومن فيهن قال في النهاية الرب يطلق في المغة على المالك والسيد والمدبر والمربى
والمنعم والقيم ولا يطلق غير مضاف إلا على الله تعالى وإذا أطلق على غيره أضيف فيقال رب كذا وقد
جاء في الشعر مطلقا على غير الله تعالى وليس بالكثير أنت الحق أي المتحقق الوجود الثابت بلا
شك فيه قال القرطبي هذا الوصف له سبحانه وتعالى بالحقيقة خاص به لا ينبغي لغيره إذ
257
وجوده لنفسه فلم يسبقه عدم ولا يلحقه عدم بخلاف غيره وقال ابن التين يحتمل أن يكون
معناه أنت الحق بالنسبة إلى من يدعى فيه أنه إله أو بمعنى أن من سماك إلها فقد قال الحق ووعدك
الحق أي الثابت قال الطيبي عرف الحق في أنت الحق ووعدك الحق ونكر في البواقي لأنه منكر
سلفا وخلفا أن الله هو الثابت الدائم الباقي وما سواه في معرض الزوال وكذا وعده مختص
بالإنجاز دون وعد غيره إما قصدا وإما عجزا تعالى الله عنهما والتنكير في البواقي للتفخيم ولقاؤك
حق اللقاء البعث أو رؤية الله تعالى وقيل الموت وأبطله النووي واللقاء وما ذكر بعده داخل
تحت الوعد لكن الوعد مصدر وما ذكر بعده هو الموعود به ويحتمل أن يكون من الخاص بعد العام
والساعة حق أي يوم القيامة وأصل الساعة القطعة من الزمان وإطلاق الحق على ما ذكر
من الأمور معناه أنه لا بد من كونها وأنها مما يجب أن يصدق بها وتكرار لفظ حق للمبالغة في التأكيد
اللهم لك أسلمت أي استسلمت وانقدت لأمرك ونهيك وبك آمنت أي صدقت بك وبكل
ما أخبرت وأمرت ونهيت وعليك توكلت أي فوضت الأمر إليك تاركا للنظر في الأسباب العادية
وإليك أتيت أي أطعت ورجعت إلى عبادتك أي أقبلت عليها وقيل معناه رجعت إليك في
تدبير أمري أي فوضت إليك وبك خاصمت أي بما أعطيتني من البراهين والقوة خاصمت من
عاند فيك وكفر بك وقمعته بالحجة وبالسيف وإليك حاكمت أي كل من جحد الحق حاكمته
إليك وجعلتك الحاكم بيني وبينه لا غيرك مما كانت تحاكم إليه الجاهلية وغيرهم من صنم وكاهن
ونار وشيطان وغيرها فلا أرضى إلا بحكمك ولا أعتمد غيره وقدم مجموع صلات هذه الأفعال
عليها إشعارا بالتخصيص وإفادة للحصر ما قدمت أي قبل هذا الوقت وما أخرت عنه وما
أسررت وما أعلنت أي أخفيت وأظهرت أو ما حدثت به نفسي وما تحرك به لساني قال النووي
ومعنى سؤاله صلى الله عليه وسلم المغفرة مع أنه مغفور له أنه يسأل ذلك تواضعا وخضوعا وإشفاقا وإجلالا
وليقتدى به في أصل الدعاء والخضوع وحسن التضرع في هذا الدعاء المعين وفي هذا الحديث
وغيره مواظبته صلى الله عليه وسلم في الليل على الذكر والدعاء والاعتراف لله تعالى بحقوقه والإقرار بصدقه
ووعده ووعيده والبعث والجنة والنار وغير ذلك انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه
الشيخان والنسائي وابن ماجة
258
30 باب منه
قوله (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) هو الدارمي (أخبرنا محمد بن عمران ابن أبي ليلى)
هو محمد بن عمران بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري أبو عبد الرحمن الكوفي صدوق
من العاشرة (حدثني أبي) أي عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى مقبول من الثامنة
(حدثني ابن أبي ليلى) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي القاضي صدوق سئ
الحفظ جدا من السابعة (عن داود بن علي هو ابن عبد الله بن عباس) قال في التقريب داود بن
علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي أبو سلمان أمير مكة وغيرها مقبول من
السادسة (عن أبيه) أي علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي ثقة عابد من الثالثة قوله اللهم إني
أسألك أي أطلب منك (رحمة) أي عظيمة كما أفاده تنكيره من عندك أي ابتداء من غير سبب
تهدي أي ترشد بها قلبي إليك وتقربه لديك وخصه لأنه محل العقل ومناط التجلي وتجمع بها أمري أي
أمري المتفرق وفي رواية محمد بن نصر تجمع بها شملي أي ما تشتت من أمري وتفرق
وهو من الأضداد يقال جمع الله شملهم أي ما تشتت من أمرهم وفرق الله شملهم أي ما اجتمع
من أمرهم وتلم بفتح التاء وضم اللام أي تجمع شعثي بفتحتين أي ما تفرق من أمري
يقال لم الله شعث فلان أي قارب بين شتيت أموره وأصلح من حاله ما تشعث غائبي أي ما
غاب عني أي باطني بكمال الإيمان والأخلاق الحسان والملكات الفاضلة شاهدي
أي ظاهري بالعمل الصالح والخلال الحميدة وتزكي بها عملي أي تزيده وتنميه
وتطهره من الرياء والسمعة وتلهمني بها رشدي أي تهديني بها ما يرضيك ويقربني إليك
وترد بها ألفتي بضم الهمزة وتكسر أي أليفي أو مألوفي أي ما كنت آلفه وتعصمني أي
تمنعني وتحفظني بها من كل سوء أي تصرفني عنه وتصرفه عني ليس بعده كفر فإن القلب إذا
259
تمكن منه نور اليقين انزاح عنه ظلام الشك وغيم الريب ورحمة أي عظيمة أنال بها شرف
كرامتك في الدنيا والآخرة أي علو القدر فيهما الفوز في القضاء أي الفوز باللطف فيه نزل
الشهداء النزل بضمتين وقد تسكن الزاي أي منزلهم في الجنة أو درجتهم في القرب منك لأنه محل
المنعم عليهم وهو صلى الله عليه وسلم وإن كان أعظم ومنزله أوفي وأفخم لكنه ذكره للتشريع قاله المناوي وقال
في المجمع أصله قرى الضيف يريد ما للشهداء من الأجر وعيش السعداء الذين قدرت
لهم السعادة الأخروية إني أنزل بصيغة المتكلم من باب الأفعال أي أحل بك حاجتي أي
أسألك قضاء ما أحتاجه من أمر الدارين وإن قصر رأيي بتشديد الصاد من التقصير أي عجز
عن إدراك ما هو أنجح وأصله قاله المناوي وضعف عملي أي عبادتي عن بلوغ مراتب الكمال
فأسألك أي فبسبب ضعفي وافتقاري إليك أطلب منك يا قاضي الأمور حاكمها ومحكمها
ويا شافي الصدور أي مداوي القلوب من أمراضها التي إن توالت عليها أهلكتها هلاك العبد
كما تجير أي تفصل وتحجز بين البحور أي تمنع أحدها من الاختلاط بالآخر مع الاتصال أن
تجيرني أي تمنعني (من عذاب السعير) بأن تحجزه عني وتمنعه مني ومن دعوة الثبور بضم المثلثة
هو الهلاك أي أجرني من أن أدعو ثبورا قال الله تعالى عن أهل النار إذا ألقوا منها مكانا ضيقا
مقرنين دعوا هنالك ثبورا ومن فتنة القبور بأن ترزقني الثبات عند سؤال منكر ونكير وما قصر عنه
رأيي أي اجتهادي في تدبيري ولم تبلغه نيتي أي تصحيحها في ذلك المطلوب ولم تبلغه مسألتي
إياك أو خير أنت معطيه أحدا من عبادك أي من غير سابقه وعدله بخصوصه فلا يعد مع ما قبله
تكرارا فإني أرغب إليك فيه أي في حصوله منك لي برحمتك التي لا نهاية لسعتها اللهم ذا
الحبل الشديد قال في النهاية هكذا يرويه المحدثون بالباء والمراد به القرآن أو الدين أو السبب ومنه
قوله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا وصفه بالشدة لأنها من صفات الحبال والشدة في
الدين الثبات والاستقامة قال الأزهري الصواب الحيل بالياء وهو القوة يقال حول وحيل بمعنى
260
انتهى والأمر الرشيد أي السديد الموافق لغاية الصواب أسألك الأمن من الفزع والأهوال يوم
الوعيد للكفار بالعذاب وهو يوم القيامة يوم الخلود أي خلود أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار
الشهود جمع الشاهد أي الناظرين إلى ربهم الركع السجود المكثرين للصلاة ذات الركوع
والسجود في الدنيا الموفين بالعهود بما عاهدوا الله عليه ودود أي شديد الحب لمن والاك
وإنك تفعل ما تريد فتعطي من تشاء مسؤوله وإن عظم هادين أي دالين للخلق على ما
يوصلهم إلى الحق مهتدين أي إلى إصابة الصواب قولا وعملا ير ضالين عن الحق ولا
مضلين لأحد من الخلق سلما بكسر السين المهملة وفتحها وسكون اللام أي صلحا
لأوليائك أي حزبك لأعدائك ممن اتخذ لك شريكا أو ندا نحب بحبك أي بسبب حبنا لك
بعداوتك أي بسبب عداوتك من خالفك أي خالف أمرك اللهم هذا الدعاء أي ما أمكننا
منه قد أتينا به ولم نأل جهدا وهو مقدورنا وعليك الإجابة فضلا منك لا وجوبا وهذا الجهد
بالضم وتفتح الوسع والطاقة وعليك التكلان بضم التاء أي الاعتماد اللهم اجعل لي نورا أي
عظيما فالتنوين للتعظيم ونورا في قبري أستضئ به في ظلمة اللحد ونورا من بين يدي أي
يسعى أمامي ونورا من خلفي أي من ورائي ليتبعني أتباعي ويقتدي بي أشياعي ونورا عن
يميني ونورا عن شمالي ونورا من فوقي ونورا من تحتي يعني اجعل النور يحفني من جميع الجهات
الست ونورا في سمعي ونورا في بصري وبزيادة ذلك تزداد المعارف ونورا في بشري بفتح
الباء والشين المعجمة أي ظاهر جلدي ونورا في لحمي الظاهر والباطن ونورا في دمي ونورا في
عظامي نص على المذكورات كلها لأن إبليس يأتي الإنسان من هذه الأعضاء فيوسوسهم فدعا
بإثبات النور فيها ليدفع ظلمته اللهم أعظم لي نورا وأعطني نورا واجعل لي نورا عطف عام
على خاص خاص أي اجعل لي نورا شاملا للأنوار المتقدمة وغيرها قال القرطبي هذه الأنوار التي دعا بها
261
رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكن حملها على ظاهرها فيكون سأل الله تعالى أن يجعل له في كل عضو من أعضائه
نورا يستضئ به يوم القيامة في تلك الظلم هو ومن تبعه أو من شاء الله منهم قال والأولى أن يقال هي
مستعارة للعلم والهداية كما قال تعالى فهو على نور من ربه وقوله تعالى وجعلنا له نورا
يمشي به في الناس ثم قال والتحقيق في معناه أن النور مظهر ما نسب إليه وهو يختلف بحسبه فنور
السمع مظهر للمسموعات ونور البصر كاشف للمبصرات ونور القلب كاشف عن المعلومات
ونور الجوارح ما يبدو عليها من أعمال الطاعات قال الطيبي معنى طلب النور للأعضاء عضوا
عضوا أن يتحلى بأنوار المعرفة والطاعات ويتعرى عما عدهما فإن الشياطين تحيط بالجهات الست
بالوساوس فكان التخلص منها بالأنوار السادة لتلك الجهات قال وكل هذه الأمور راجعة إلى
الهداية والبيان وضياء الحق وإلى ذلك يرشد قوله تعالى الله نور السماوات والأرض إلى قوله
تعالى نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء انتهى ملخصا تعطف العز قال الجزري في
النهاية أي التردي بالعز العطاف والمعطف الرداء وقد تعطف به واعتطف وتعطفه واعتطفه وسمي
عطافا لوقوعه على عطفي الرجل وهما ناحيتا عنقه والتعطف في حق الله تعالى مجاز يراد به الاتصاف كأن
العز شمله شمول الرداء (وقال به) أي أحبه واختصه لنفسه كما يقال فلان يقول بفلان أي بمحبته
واختصاصه وقيل معناه حكم به فإن القول يستعمل معنى الحكم وقال الأزهري معناه غلب
به وأصله من القيل الملك لأنه ينفذ قوله كذا في النهاية (لبس المجد) أي ارتدى بالعظمة والكبرياء
وتكرم به أي تفضل وأنعم على عباده لا ينبغي التسبيح إلا له أي لا ينبغي التنزيه المطلق إلا
لجلاله تقدس ذي الفضل أي الزيادة في الخير والنعم جمع نعمة بمعنى إنعام ذي الجلال
والإكرام أي الذي يجله الموحدون عن التشبيه بخلقه وعن أفعالهم أو الذي يقال له ما أجلك وما
أكرمك قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه محمد بن نصر المروزي في قيام الليل والطبراني في
عجمه الكبير والبيهقي في كتاب الدعوات قال المناوي وفي أسانيده مقال لكنها تعاضدت (لا
نعرف مثل هذا) أي مطولا (وقد روى شعبة وسفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن كريب عن
ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بعض الحديث) أي مختصرا (ولم يذكره) أي لم يذكر أحد منهما
ورواية شعبة والثوري هذه أخرجها الشيخان وغيرهما
262
(باب ما جاء في الدعاء عند افتتاح الصلاة بالليل)
قوله (حدثنا يحيى بن موسى) البلخي المعروف بخط (حدثني أبو سلمة) ابن عبد
الرحمن بن عوف. قوله: (اللهم رب جبرئيل وميكائل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض) أي
مبدعهما و مخترعهما. قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء خصهم بالذكر وإن كان الله تعالى
رب كل المخلوقات كما تقرر في القرآن والسنة من نظائره من الإضافة إلى كل عظيم المرتبة وكبير
الشأن دون ما يستحقر ويستصغر فيقال له سبحانه وتعالى رب السماوات ورب الأرض ورب
العرش الكرى ورب الملائكة والروح، ورب المشرقين ورب المغربين، رب الناس ملك الناس إله
الناس رب العالمين، فكل ذلك وشبهه وصف له سبحانه بدلائل العظمة وعظيم القدرة والملك،
ولم يستعمل ذلك فيما يحتقر ويستصغر فلا يقال رب الحشرات وخالق القردة والخنازير وشبه ذلك
على الإفراد وإنما يقال خالق المخلوقات وخالق كل شئ وحينئذ تدخل هذه في العموم انتهى (عالم
الغيب والشهادة أي بما غاب وظهر غيره (أنت تحكم بين عبادك) يوم القيامة (فيما كانوا فيه
يختلفون أنى من أمر الدين في في أيام الدنيا (اهدني لما اختلف فيه) أي ثبتني عليه كقوله تعالى (اهدنا
الصراط المستقيم) (من الخق) بيان لما (بإذنك) أي بتوفيقك وتيسيرك (إنك على صراط المستقيم
أي على طريق الحق والعدل، وفي رواية مسلم وغيره إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان.
263
32 باب منه
قوله (أخبرنا يوسف بن الماجشون) هو يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون أبو
سلمة المدني ثقة من الثامنة والماجشون بكسر الجيم وضم المدني ثقة من وأبيض الوجه مورده
لفظ أعجمي قاله النووي وقال في المعنى بفتح جيم وقيل بكسرها وبشين معجمة مضمومة وبنون وهو
معرب ما كون أي شبه القمر سمي به لحمرة وجنتيه يوسف الماجشون وفي بعضها ابن الماجشون
وكلاهما صحيح وهو أبو سلمة يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة وهو لقب يعقوب وجرى على
أولاده وأولاد أخيه ولذا وقع في بعض الروايات عبد العزيز الماجشون وفي بعضها ابنه انتهى (أخبرني أبي)
أي يعقوب بن لقب يعقوب في بعض الماجشون والتيمي مولاهم أبو يوسف المدني صدوق من الرابعة قوله
(كان إذا قام في الصلاة الصلاة المكتوبة وفي الرواية الثالثة الآتية إذا قام إلى الصلاة المكتوبة وفيها
ويقول حين يفتتح الصلاة بعد التكبير وجهت الخ وجهت وجهي بسكون الياء وفتحها أي
توجهت بالعبادة بمعنى أخلصت عبادتي لله وقيل صرفت وجهي وعملي ونيتي أو أخلصت وجهتي
وقصدي للذي فطر السماوات والأرض أي إلى الذي ابتدأ خلقهما حنيفا حال عبادتي لله وقيل صرفت وجهي وعملي رض أي إلى الذي ابتدأ خلقهما حنيفا حال من ضمير
وجهت أي مائلا إلى الدين الحق ثابتا عليه قال في الثابت عليه
والحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم عليه السلام وأصل الحنف الميل وما أنا من
المشركين بيان للحنيف وإيضاح لمعناه والمشرك يطلق على كل كافر من عابد وثن وصنم ويهودي
ونصراني ومجوسي ومرتد على فتح ياء محياي وإسكان مماتي لله أي هو خالقهما لطاعة والعبادة وكل ما
تقرب به إلى الله ومقدر لي ومحياي ومماتي أي حياتي وموتي ويجوز فتح الياء فيهما وإسكانهما والأكثرون
على فتح ياء محياي وإسكان مماتي لله أي هو خالقهما ومقدرهما وقيل طاعات الحياة والخيرات
المضافة إلى الممات كالوصية والتدبير أو ح ياء محياي أو ما أنا عليه من
العبادة في حياتي وما أموت خالصة لوجه الله (رب العالمين) بدل أو عطف بيان أي مالكهم
264
ومربيهم وهم ما سوى الله على الأصح وبذلك أمرت أي بالتوحيد الكامل الشامل للإخلاص
قولا واعتقادا وأنا من المسلمين وفي بعض النسخ وأنا أول المسلمين وكذا في رواية لمسلم قال
النووي أي من هذه الأمة وفي أخرى له ود الكامل الشامل للإخلاص قولا واعتقادا وأنا من وكذا في رواية أبي داود وأنا أول
المسلمين قال أبو داود في سننه حدثنا عمرو بن عثمان أخبرنا شريح بن يزيد حدثني شعيب بن أبي
حمزة قال قال لي ابن المنكدر ووفي رواية أبي فقهاء أهل المدينة فإذا قلت أنت فقل وأنا من
المسلمين يعني قوله وأنا أول الشوكاني في النيل قال في الانتصار إن غير
النبي إنما يقول وأنا من المسلمين وهو وهو وهم منشوء توهم أن معنى وأنا أول المسلمين أني أول شخص
اتصف بذلك بعد أن كان الناس بمعزل عنه وليس كذلك بل معناه بيان المسارعة الامتثال لما أمر
به ونظيره قل إن كان للرحمن ولد للرحمن ولد فأنا أول العابدين وقال موسى (وأنا أول المؤمنين) وظاهر
الإطلاق أنه لا فرق في قوله وأنا من المسلمين وقوله وما أنا من المشركين بين الرجل والمرأة وهو
صحيح على إرادة الشخص وفي المستدرك للحاكم من رواية عمر والإطلاق أنه لا فرق في وأنا من المسلمين فدل على ه بخلقه وعن أفعالهم أو الذي يقال النبي صلى الله عليه وسلم قال
لفاطمة قومي فاشهدي أضحيتك وقولي إن صلاتي ونسكي إلى قوله وأنا من المسلمين فدل
على ما ذكرناه انتهى اللهم أي يا الله والميم وقولي إن صلاتي ونسكي إلى ولذا لا يجمع بينهما إلا في الشعر
أنت الملك أي القادر على كل شئ المالك الحقيقي لجميع المخلوقات وأنا عبدك أي معترف
بأنك مالكي ومدبري وحكمك نافذ في ظلمت نفسي أين اعترف بالتقصير قدمه على سوال
المغفرة أدبا كما قال آدم وحواء ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
إنه بالكسر استئناف فيه معنى التعليل والضمير للشأن لا يغفر الذنوب إلا أنت فإنك أنت
الغفار الغفور واهدني لأحسن الأخلاق) أي أرشدني لأكملها وأفضلها ووفقني للتخلق بها
(واصرف عني سيئها) أي قبيحها (تباركت) أي استحققت الثناء، وقيل ثبت الخير عندك وقيل
جئت بالبركات أو تكاثر خيرك، وأصل الكلمة للدوام والثبوت (وتعاليت) أي ارتفعت عظمتك
وظهر قهرك وقدرتك على من في الكونين وقيل أي عن مشابهة كل شئ (اللهم لك ركعت وبك
آمنت) في تقديم الجار إشارة إلى التخصيص (ولك أسلمت) أي لك ذللت وانقدت أو لك
265
أخلصت وجهي خشع أي خضع وتواضع أو سكن (لك سمعي) فلا يسمع إلا منك وبصرى)
فلا ينظر إلا بك وإليك وتخصيصها من بين الحواس لأن أكثر الآفات بهما فإذا خشعتا قلت
الوساوس قاله ابن الملك ومخي قال ابن رسلان المراد به هنا الدماع وأصله المودك الذي في العظم
وخالس كل شئ مخه وعظمي وعصبي) فلا يقومان ولا يتحركان إلا بك في طاعتك وهن عمد
الحيوان وأطنابه واللحم والشحم غاد ورائح فإذا رفع رأسه أي من الركوع قال أي بعد قوله
سمع الله لمن حمده كما في الرواية الثالثة الآتية ملء السماوات والأرضين بكسر الميم ونصب
الهمزة بعد اللام ورفعها والنصب أشهر ومعناه حمدا لو كان أجساما لملأ السماوات والأرض
لعظمه قاله النووي سجد وجهي أي خضع وذل وانقاد فصوره زاد مسلم وأبو داود فأحسن
صوره وهو الموافق لقوله تعالى فأحسن صوركم أحسن الخالقين أي المصورين والمقدرين فإنه
الخالق الحقيقي المنفرد بالإيجاد والإمداد وغيره إنما يوجد صورا مموهة ليس فيها شئ من حقيقة
الخلق مع أنه تعالى خالق كل صانع وصنعته والله خلقكم وما تعملون ثم يكون أي بعد فراغه
من ركوعه وسجوده ما قدمت من سيئة وما أخرت من عمل أي جميع ما فرط مني قاله
الطيبي وقال الشوكاني في النيل المراد بقوله ما أخرت إنما هو بالنسبة إلى ما وقع من ذنوبه
المتأخرة لأن الاستغفار قبل الذنب محال كذا قال أبو الوليد النيسابوري قال الأسنوي ولقائل أن
يقول المحال إنما هو طلب مغفرته قبل وقوعه وأما الطلب قبل الوقوع أن يغفر إذا وقع فلا استحالة فيه
وما أسررت وما أعلنت أي جميع
الذنوب لأنها إما سر أو علن أنت المقدم وأنت المؤخر قال
البيهقي قدم من شاء بالتوفيق إلى مقدمات السابقين وآخر من شاء عن مراتبهم وقيل قدم من
أحب من أوليائه على غيرهم من عبيده وأخر من أبعده عن غيره فلا مقدم لما أخر ولا مؤخر لما قدم
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي مطولا وابن ماجة
مختصرا وابن حبان في صحيحه
266
قوله (أخبرنا عبد العزيز بن أبي سلمة) هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون
(حدثني عمي) هو يعقوب الماجشون والد يوسف بن الماجشون قوله لبيك قال العلماء معناه أنا
مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة يقال لب بالمكان لبا وألب إلبابا أي أقام به وأصل لبيك لبين
فحذفت النون للإضافة وسعديك قال الأزهري وغيره معناه مساعدة لأمرك بعد مساعدة
ومتابعة لدينك بعد متابعة والخير كله في يديك قال الخطابي وغيره فيه الإرشاد إلى الأدب في
الثناء على الله تعالى ومدحه بأن يضاف إليه محاسن الأمور دون مساويها على جهة الأدب والشر
ليس إليك قال النووي هذا مما يجب تأويله لأن مذهب أهل الحق أن كل محدثات فعل الله تعالى
وخلقه سواء خيرها وشرها وحينئذ يجب تأويله وفيه خمسة أقوال فذكرها منها أن معناه لا يتقرب به
إليك ومنها أنه لا يضاف الشر إليك على انفراده لا يقال يا خالق القردة والخنازير ويا رب الشر
ونحو هذا وإن كان خالق كل شئ ورب كل شئ أو رب كل شئ وحينئذ يدخل الشر في العموم ومنها أن الشر لا يصعد
إليك وإنما يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح ومنها أن معناه والشر ليس شرا بالنسبة إليك فإنك
خلقته بحكمة بالغة وإنما هو شر بالنسبة إلى المخلوقين أنا بك وإليك أي التجائي وانتمائي إليك
وتوفيقي بك قاله النووي وعصبي العصب طنب المفاصل وهو ألطف من العظم وملء ما شئت من
شئ بعد بالبناء على الضم أي بعد السماوات والأرض كالعرش والكرسي وغيرهما مما لم يعلمه إلا الله
267
والمراد الاعتناء في تكثير الحمد ما أسررت أي أخفيت وما أسرفت أي جاوزت الحد وما أنت أعلم
به مني أي من ذنوبي وإسرافي في أموري وغير ذلك (أنت المقدم وأنت المؤخر) أي تقدم من شئت بطاعتك
وغيرها وتؤخر من شئت عن ذلك كما تقتضيه حكمتك وتعز من تشاء وتذل من تشاء
قوله (أخبرنا سليمان بن داود) بن داود بن علي بن عبد الله بن عباس أبو أيوب البغدادي
الهاشمي الفقيه ثقة جليل قال أحمد بن حنبل يصلح للخلافة من العاشرة قوله لا منجا منك
ولا ملجأ إلا إليك يأتي شرحه في الباب الذي بعد باب انتظار الفرج قوله (والعمل على هذا
268
الحديث عند الشافعي وبعض أصحابنا) قال النووي في شرح مسلم في هذا الحديث استحباب
دعاء الافتتاح في كل الصلوات حتى في النافلة وهو مذهبنا ومذهب كثيرين وفيه استحباب
الاستفتاح بما في هذا الحديث إلا أن يكون إماما لقوم لا يؤثرون التطويل وفيه استحباب الذكر في
الركوع والسجود والاعتدال والدعاء قبل السلام انتهى
قلت القول الراجع المعول عليه هو ما ذهب إليه الشافعي ومن تبعه من العمل على هذا
الحديث والله أعلم (وقال بعض أهل العلم من أهل الكوفة وغيرهم يقول هذا في صلاة التطوع
ولا يقوله في المكتوبة) وهو مذهب الحنفية وأجاب بعضهم عن هذا الحديث بأنه كان في أول
الأمر قلت القول بأنه كان في أول الأمر ادعاء محض لا دليل عليه فهو مما لا يلتفت إليه وقد تقدم
الكلام في هذا مفصلا في باب ما يقول عند افتتاح الصلاة (سمعت أبا إسماعيل يعني الترمذي)
اسمه محمد بن إسماعيل بن يوسف (فقال هذا عندنا مثل حديث الزهري عن سالم عن أبيه) يعني
أن حديث على هذا من أصح الأحاديث سندا وأقواها مثل حديث الزهري عن سالم عن أبيه
إعلم أن أهل العلم بالحديث قد اختلفوا في تعيين أصح الأسانيد قال الحافظ ابن الصلاح
في مقدمته روينا عن إسحاق بن راهويه أنه قال أصح الأسانيد كلها الزهري عن سالم عن أبيه
وروينا نحوه عن أحمد بن حنبل وروينا عن عمرو بن علي الفلاس أنه قال أصح الأسانيد كلها
269
محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي وروينا نحوه عن علي بن المديني وروى ذلك عن غيرهما ثم
منهم من عين الراوي عن محمد وجعله أيوب الستختياني ومنهم من جعله ابن عون وفيما نرويه
عن يحي بن معين أنه قال أجودها الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله وروينا عن
أبي بكر بن أبي شيبة أنه قال أصح الأسانيد كلها الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي
روينا عن أبي عبد الله البخاري صاحب الصحيح أنه قال أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع
عن ابن عمر وبني الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التيمي على ذلك أن أجل الأسانيد
الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر واحتج بإجماع أصحاب الحديث على أنه لم يكن في
الرواة عن مالك أجل من الشافعي رضي الله عنهم انتهى
33 باب ما جاء ما يقول في سجود القرآن
تقدم هذا الباب مع حديثيه بعد باب السجدة في الحج
270
34 باب ما يقول إذا خرج من بيته
قوله (يعني إذا خرج من بيته) هذا قول الراوي وفي رواية أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
إذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله الخ (يقال له) أي يناديه ملك يا عبد الله كفيت بصيغة
المجهول أي مهماتك وفي رواية أبو داود هديت وكفيت ووقيت من الوقاية أي حفظت من شر
أعدائك وتنحى عنه الشيطان أي تبعد زاد أبو داود في روايته فيقول شيطان آخر كيف لك
برجل قد هدى وكفى ووقي قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرج أبو داود
والنسائي وابن حبان وابن السني
35 باب منه
قوله (قال باسم الله) أي خرجت مستعينا باسم الله توكلت على الله أي في جميع أموري
من أن نزل أي عن الحق وهو بفتح النون وكسر الزاي وتشديد اللام من الزلة وهي ذنب من غير
قصد تشبيها بزلة الرجل أو نضل من الضلالة أي عن الهدى أو نظلم على بناء المعلوم أي
أحدا أو نظلم على بناء المجهول أي من أحد أو نجهل على بناء والمعروف أي أمور الدين أو
271
حقوق الله أو حقوق الناس أو في المعاشر والمخالطة مع الأصحاب أو نفعل بالناس فعل الجهال
من الإيذاء وإيصال الضرر إليهم أو يجهل علينا بصيغة المجهول أي يفعل الناس بنا أفعال
الجهال من إيصال الضرر إلينا قال الطيبي الزلة السيئة بلا قصد استعاذ من أن يصدر عنه ذنب
بغير قصد أو قصد ومن أن يظلم الناس في المعاملات أو يؤذيهم في المخالطات أو يجهل أي يفعل
بالناس فعل الجهال من الإيذاء انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو
داود والنسائي وابن ماجة والحاكم وابن السني ولفظ أبي داود قالت ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من
بيتي قط إلا رفع طرفه إلى السماء فقال اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل
أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي قال الطيبي إن الإنسان إذا خرج من منزله لا بد أن يعاشر
الناس ويزاول الأمر فيخاف أن يعدل عن الصراط المستقيم فإما أن يكون في أمر الدين فلا يخلو من
أن يضل أو يضل وإما أن يكون في أمر الدنيا فإما بسبب جريان المعاملة معهم بأن يظلم أو يظلم
وإما بسبب الاختلاط والمصاحبة فإما أن يجهل أو يجهل فاستعيذ من هذه الأحوال كلها بلفظ سلس
موجز وروعي المطابقة المعنوية والمشاكلة اللفظية كقول الشاعر
لا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلين
36 باب ما يقول إذا دخل السوق
قوله (أخبرنا أزهر بن سنان) بكسر سين مهملة وخفة نون أولى البصري أبو خالد القرشي
ضعيف من السابعة قوله (فلقيني) أخي أي في الدين من دخل السوق قال الطيبي خصه
بالذكر لأنه مكان لأنه مكان الغفلة عن ذكر الله والاشتغال بالتجارة فهو موضع سلطنة الشيطان ومجمع جنوده
فالذاكر هناك يحارب الشيطان ويهزم جنوده فهو خليق بما ذكر من الثواب انتهى فقال أي سرا
أو جهرا بيده الخير وكذا الشر لقوله تعالى قل كل من عند الله فهو من باب الاكتفاء أو من
272
طريق الأدب فإن الشر لا ينسب إليه وهو على كل شئ أي مشئ قدير تام القدرة قال
الطيبي فمن ذكر الله فيه دخل في زمرة من قال تعالى في حقهم رجال لا تلهيهم تجارة
ولا بيع عن ذكر الله كتب الله له أي أثبت له أوامر بالكتابة لأجله ومحى عنه أي بالمغفرة
أو أمر بالمحو عن صحيفته قوله (هذا حديث غريب) قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا
الحديث وكلام الترمذي هذا ما لفظه إسناده متصل حسن ورواته ثقات أثبات وفي أزهر بن سنان
خلاف وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به وقال الترمذي في رواية له مكان ورفع له ألف ألف
درجة وبني له بيتا في الجنة ورواه بهذا اللفظ ابن ماجة وابن أبي الدنيا والحاكم وصححه كلهم
من رواية عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن جده ورواه الحاكم
أيضا من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا أيضا وقال صحيح الإسناد كذا قال وفي إسناده
مسروق بن المرزبان يأتي الكلام عليه انتهى
قلت قد ذكر في آخر كتابه مسروق بن المرزبان وقال قال أبو حاتم ليس بالقوي ووثقه غيره
وذكر أيضا أزهر بن سنان وقال قال ابن معين ليس بشئ وقال ابن عدي ليست أحاديثه بالمنكرة
جدا أرجو أنه لا بأس به انتهى وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين والحديث أقل أحواله أن يكون
حسنا وإن كان في ذكر العدد على هذه الصفة نكارة
قوله (أخبرنا عمرو بن دينار) البصري الأعور يكنى أبا يحيى ضعيف من السادسة (وهو
قهرمان ال الزبير) بفتح قاف وسكون هاء وفتح راء قال الجزري في النهاية وهو كالخازن والوكيل
والحافظ لما تحت يده والقائم بأمور الرجل بلغة الفرس انتهى
273
37 باب
ما يقول العبد إذا مرض
قوله (حدثنا إسماعيل بن محمد بن جحادة) بضم جيم وخفة هاء مهملة وإهمال دال
العطار الكوفي في المكفوف صدوق يهم من التاسعة (حدثنا عبد الجبار بن عباس) الشامي (عن
أبي إسحاق) السبيعي (أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة) ظاهر في أنه سمعه منهما قال ابن التين
أراد بهذا اللفظ التأكيد للرواية انتهى قلت هو من ألفاظ تحمل الحديث قال السيوطي في
تدريب الراوي عقد الرامهرمزي بابا في تنويع ألفاظ التحمل منهما الإتيان بلفظ الشهادة كقول أبي
سعيد أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الجران ينتبذ فيه وقول عبد الله بن طاؤس أشهد على
والدي أنه قال أشهد على جابر بن عبد الله أنه قال أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أمرت أن
أقاتل الناس الحديث انتهى
قوله (صدقه ربه وقال) أي وقال الرب بيانا لتصديقه أي قرره بأن قال لا إله إلا أنا وأنا
أكبر وهذا أبلغ من أن يقول صدقت وإذا قال أي العبد قال يقول الله أي قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول
الله تصديقا لعبده وحذف صدقه ربه هنا للعلم به مما قبله وعبر هنا بيقول وممة وفيما يأتي يقال تفننا
وكان يقول أي النبي صلى الله عليه وسلم من قالها أي هذه الكلمات من دون الجوابات ثم مات أي من ذلك
المرض لم تطعمه النار قال الطيبي أي لم تأكله استعار الطعم للإحراق مبالغة
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه النسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححاه
274
38 باب
ما يقول إذا رأى مبتلى
قوله من رأى صاحب بلاء أي مبتلي في أمر بدني كبرص وقصر فاحش أو طول مفرط أو
عمى أو عرج أو اعوجاج يد ونحوها أو ديني بنحو فسق وظلم وبدعة وكفر وغيرها الحمد لله
الذي عافاني مما ابتلاك به فإن العافية أوسع من البلية لأنها مظنة الجزع والفتنة وحينئذ تكون محنة
أي محنة والمؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف كما ورد وفضلني على كثير ممن خلق
تفضيلا أي في الدين والدنيا والقلب والقالب إلا عوفي من ذلك البلاء أي لم ير أحد صاحب
بلاء فقال الحمد لله الذي عافاني الخ إلا عوفي من ذلك البلاء أو إلا زائدة كما في قول الشاعر
حراجيج ما تنفك إلا مناخة على الخسف أو ترمي بها بلدا قفرا
كائنا ما كان أي حال كون ذلك البلاء أي بلاء كان ما عاش أي مدة بقائه في الدنيا
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه الترمذي بعد هذا قوله (يقول ذلك في نفسه
275
صاحب البلاء) قال الطيبي في شرح قوله الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به هذا إذا كان مبتلى
بالمعاصي والفسوق وأما إذا كان مريضا أو ناقص الخلقة لا يحسن الخطاب قال القاري
الصواب أنه يأتي به لورود الحديث بذلك وإنما يعدل عن رفع الصوت إلى إخفائه في غير الفاسق
بل في حقه أيضا إذا كان يترتب عليه مفسدة ويسمع صاحب البلاء الديني إذا أراد زجره ويرجو
انزجاره انتهى
قوله (حدثنا مطرف) بضم أوله وفتح ثانيه وتشديد الراء المكسورة (بن عبد الله) بن
مطرف اليساري أبو مصعب المدني ابن أخت مالك ثقة لم يصب ابن عدي في تضعيفه من كبار
العاشرة قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه البزار والطبراني في الصغير وقال فيه فإذا
شكر ذلك شكر تلك النعمة وإسناده حسن كذا في الترغيب
39 باب
ما يقول إذا قام من مجلسه
قوله (حدثنا الحجاج بن محمد) المصيصي الأعور قوله فكثر بضم الثاء لغطه
بفتحتين أي تكلم بما فيه إثم لقوله غفر له وقال الطيبي اللغط بالتحريك الصوت والمراد به الهزء
من القول وما لا طائل تحته فكأنه مجرد الصوت العرى عن المعنى فقال قبل أن يقوم من مجلسه
ذلك سبحانك اللهم وبحمدك ولعله مقتبس من قوله تعالى وسبح بحمد ربك حين تقوم
276
واللهم معترض لأن قوله وبحمدك متصل بقوله سبحانك إما بالعطف أي أسبح وأحمد أو بالحال
أي أسبح حامدا لك إلا غفر له أي ما حبس شخصا مجلس فكثر لغطه فيه فقال ذلك إلا غفر له
ما كان أي من اللغط قوله (وفي الباب عن أبي برزة وعائشة) أما حديث أبي برزة فأخرجه أبو
داود والنسائي والحاكم في المستدرك وأما حديث عائشة فأخرجه النسائي والحاكم في المستدرك
وصححه وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الشوكاني في تحفة الذاكرين وقد أفرد الحافظ ابن كثير
لأحاديث الباب جزءا بذكر طرقها وألفاظها وعللها وما يتعلق بها قوله (هذا حديث حسن
صحيح غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي والحاكم في مستدركه والبيهقي في الدعوات الكبير
وابن حبان
قوله (حدثنا المحاربي) هو عبد الرحمن بن محمد قوله (تعد) بضم الفوقية بصيغة
المجهول ونائب الفاعل قوله رب اغفر لي الخ وفي بعض النسخ يعد بالتحتية وفي رواية أبي داود
إن كنا لنعد (لرسول الله صلى الله عليه وسلم) متعلق بتعد (مائة مرة) مفعول مطلق لتعد وتب علي أي ارجع
علي بالرحمة أو وفقني للتوبة أو اقبل توبتي إنك أنت التواب الغفور صيغتا مبالغة قوله (هذا
حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان
40 باب
ما جاء ما يقال عند الكرب
قوله (حدثني أبي) أي هشام الدستوائي (عن أبي العالية) هو الرياحي قوله (كان يدعو
277
عند الكرب) أي عند حلول الكرب وهو بفتح الكاف وسكون الراء بعدها موحدة أي الغم الذي
يأخذ النفس كذا في الصحاح وقيل الكرب أشد الغم وقال الحافظ هو ما يدهم المرء مما يأخذ
بنفسه فيغمه ويحزنه لا إله إلا الله الحليم هو الذي يؤخر العقوبة مع القدرة الحكيم أي ذو
الحكمة وهي كمال العلم وإتقان العمل أو فعيل بمعنى الفاعل فهو مبالغة الحاكم فإنه يفعل ما يشاء
ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه أو بمعنى المفعل أي الذي يحكم الأشياء ويتقنها لا إله إلا الله رب
العرش العظيم بالجر على أنه نعت للعرش عند الجمهور ونقل ابن التين عن الداودي أنه رواه
برفع العظيم على أنه نعت للرب وكذا الكريم في قوله رب العرش الكريم ووصف العرش
بالكريم أي الحسن من جهة الكيفية فهو ممدوح ذاتا وصفة وفي قوله رب العرش العظيم وصفه
بالعظمة من جهة الكمية قال النووي هذا حديث جليل ينبغي الاعتناء به والإكثار عنه عند
الكرب والأمور العظيمة قال الطبري كان السلف يدعون به ويسمونه دعاء الكرب فإن قيل
هذا ذكر وليس فيه دعاء فجوابه من وجهين مشهورين أحدهما أن هذا الذكر يستفتح به الدعاء ثم
يدعو بما شاء والثاني جواب سفيان بن عيينة فقال أما علمت قوله تعالى من شغله ذكر عن مسألتي
أفضل ما أعطى السائلين وقال الشاعر
إذا أثنى عليك المرء يوما كفاه عن تعرضه الثناء
انتهى
قلت ويؤيد الأول رواية أبي عوانة فإنه زاد في مسنده الصحيح ثم يدعو بعد ذلك قوله
(وفي الباب عن علي) أخرجه النسائي وصححه الحاكم
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة
278
قوله (عن إبراهيم بن الفضل) المخزومي المدني (عن المقبري) هو سعيد ابن أبي سعيد
المقبري قوله (إذا أهمه الأمر) أي أحزنه وأقلقه (رفع رأسه إلى السماء) مستغيثا مستعينا متضرعا
(وإذا اجتهد في الدعاء) أي بذل الوسع فيه
41 باب
ما جاء ما يقول إذا نزل منزلا
قوله (أخبرنا الليث) هو ابن سعد (عن الحارث بن يعقوب) الأنصاري مولاهم المصري
ثقة عابد من الخامسة (عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج) أبي يوسف المدني مولى قريش ثقة من
الخامسة قوله أعوذ بكلمات الله التامات قال الهروي وغيره الكلمات هي القران والتامات
قيل هي الكاملات والمعنى أنه لا يدخلها نقص ولا عيب كما يدخل في كلام الناس وقيل هي
النافعات الكافيات الشافيات من كل ما يتعوذ منه حتى يرتحل أي ينتقل وفيه رد على ما كان
يفعله أهل الجاهلية من كونهم إذا نزلوا منزلا قالوا نعوذ بسيد هذا الوادي ويعنون به كبير الجن ومنه
قوله تعالى في سورة الجن وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا
قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجة وابن أبي
شيبة وابن خزيمة في صحيحه (وروى مالك بن أنس هذا الحديث أنه بلغه عن يعقوب بن
الأشج الخ) وفي موطأ مالك عن الثقة عنده عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد
279
الخ (وروى عن ابن عجلان هذا الحديث عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج ويقول عن
سعيد بن المسيب عن خلولة) رواه أحمد من هذا الطريق ففي مسنده حدثنا عبد الله حدثني أبي
حدثنا عفان حدثنا وهيب بن خالد قال حدثنا محمد بن عجلان عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج
عن سعيد بن المسيب عن سعد عن خولة بنت حكيم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو أن أحدكم إذا نزل
منزلا الحديث (وحديث الليث أصح من رواية ابن عجلان) لأن الحارث بن يعقوب أحفظ من
ابن عجلان
42 باب
ما يقول إذا خرج مسافرا
قوله (أخبرنا ابن أبي عدي) هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي (عن عبد الله ابن بشر
الخثعمي) أبي عمير الكاتب الكوفي صدوق من الرابعة (عن أبي زرعة) بن عمرو بن جرير
قوله (قال بإصبعه) أي أشار بها (ومد شعبة أصبعه) بيانا لقوله قال بأصبعه اللهم أنت الصاحب
في السفر أي الحافظ والمعين والصاحب في الأصل الملازم والمراد مصاحبة الله إياه بالعناية والحفظ
والرعاية فنبة بهذا القول على الاعتماد عليه والاكتفاء به عن كل مصاحب سواه والخليفة في
الأهل الخليفة من يقوم مقام أحد في إصلاح أمره قال التوربشتي المعنى أنت الذي أرجوه
وأعتمد عليه في سفري بأن يكون معيني وحافظي وفي غيبتي عن أهلي أن تلم شعثهم وتداوي
سقمهم وتحفظ عليهم دينهم وأمانتهم اللهم اصحبنا بفتح الحاء من باب سمع يسمع بنصحك أي احفظنا
بحفظك في سفرنا واقلبنا بكسر اللام من باب ضرب يضرب بذمة
وفي بعض النسخ بذمتك أي وارجعنا بأمانك وعهدك إلى بلدنا اللهم ازو لنا الأرض أي اجمعها
280
واطوها من زاوي يزوي زيا وهون أمر من التهوين أي يسر من وعثاء السفر بفتح الواو
وإسكان العين المهملة وبالثاء المثلثة بالمد أي شدته ومشقته وأصله من الوعث وهو الرمل والمشي
فيه يشتد على صاحبه ويشق يقال رمل أوعث وعثاء وكآبة المنقلب الكآبة بفتح الكاف
وبالمد وهي تغير النفس بالانكسار من شدة الهم والحزن يقال كئب كآبة واكئب فهو مكتئب وكئيب
المعنى أنه يرجع من سفره بأمر يحزنه إما إصابة في سفره وإما قدم عليه مثل أن يعود غير مقضي
الحاجة أو أصابت ماله آفة أو يقدم على أهله فيجدهم مرضى أو قد فقد بعضهم كذا في النهاية
والمنقلب بفتح اللام المرجع قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي
والحاكم في مستدركه قوله وأخلفنا بضم اللام من باب نصر أي كن خليفتنا ومن الحور بعد
الكور أي من النقصان بعد الزيادة وقيل من فساد الأمور بعد صلاحها وأصل الحور نقض
العمامة بعد لفها وأصل الكور من تكوير العامة وهو لفها وجمعها ومن دعوة المظلوم أي أعوذ بك
من الظلم فإنه يترتب عليه دعاء المظلوم ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب ففيه التحذير
من الظلم ومن التعرض لأسبابه قال الطيبي فإن قلت دعوة المظلوم يحترز عنها سواء كانت في
الحضر أو السفر قلت كذلك الحور بعد الكور لكن السفر مظنة البلايا والمصائب والمشقة فيه أكثر
فخصت به انتهى ويريد به أنه حينئذ مظنة للنقصان في الدين والدنيا وباعث على التعدي في حق
الرفقة وغيرهم لا سيما في مضيق الماء كما هو مشاهد في سفر الحج فضلا عن غيره ومن سوء
المنظر بفتح الظاء في الأهل والمال أي من أن يطمع ظالم أو فاجر في المال والأهل قاله القاري
وقال في المجمع سوء المنظر في الأهل والمال أن يصيبهما آفة بسوء النظر إليه قوله (هذا حديث
281
حسن صحيح) وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة (ويروي الحور بعد الكون أيضا) كذا رواه
مسلم في صحيحه بالنون قال النووي هكذا هو في معظم النسخ من صحيح مسلم بعد الكون
بالنون بل لا يكاد يوجد في نسخ بلادنا إلا بالنون وكذا ضبطه الحفاظ المتقنون في صحيح مسلم
(ومعنى قوله الحور بعد الكون أو الكور الخ) قال النووي بعد ذكر كلام الترمذي هذا وكذا قال
غيره من العلماء معناه بالراء والنون جميعا الرجوع من الاستقامة أو الزيادة إلى النقص قالوا ورواية
الراء مأخوذة من تكوير العمامة وهو لفها وجمعها ورواية النون مأخوذة من الكون مصدر كان
يكون كونا إذا وجد واستقر أي أعوذ بك من النقص بعد الوجود والثبات قال المازري في رواية
الراء قيل أيضا معناه أعوذ بك من الرجوع عن الجماعة بعد أن كنا فيها يقال كان عمامته إذا
لفها وحارها إذا نقضها وقيل نعوذ بك من أن تفسد أمورنا بعد صلاحها كفساد العمامة بعد
استقامتها على الرأس وعلى رواية النون قال أبو عبيد سئل عاصم عن معناه فقال ألم تسمع
قولهم (حار بعد ما كان) أي أنه كان على حالة جميلة فرجع عنها انتهى
43 باب
ما يقول إذا قدم من السفر
قوله (حدثنا أبو داود) هو الطيالسي (سمعت الربيع بن البراء بن عازب) الأنصاري
الكوفي ثقة من الثالثة قوله آئبون أي نحن راجعون جمع آئب من آب إذا رجع قال الحافظ
وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي
تلبسهم بالعبادة المخصوصة والاتصاف بالأوصاف المذكورة يعني في حديث ابن عمر الذي أشار
إليه الترمذي في الباب تائبون فيه إشارة إلى التقصير في العبادة وقال صلى الله عليه وسلم على سبيل التواضع أو
282
تعليما لأمته والمراد أمته وقد تستعمل التوبة لإرادة الاستمرار على الطاعة فيكون أن لا يقع
منهم ذنب لربنا حامدون أي لا لغيره لأنه هو المنعم علينا قوله (هذا حديث حسن صحيح)
وأخرجه أحمد في مسنده (وروى الثوري هذا الحديث عن أبي إسحاق عن البراء ولم يذكر فيه عن
الربيع بن البراء) ورواية الثوري هذه أخرجها أحمد في مسنده (ورواية شعبة أصح لا يظهر
وجه الأصحية فتفكر) قوله (وفي الباب عن ابن عمر وأنس وجابر بن عبد الله) أما حديث ابن
عمر فأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ولفظ البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا
قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول لا إله إلا الله
وحده لا شريك له له الملك وهو على كل شئ قدير آئبون الحديث وأما حديث أنس فأخرجه
الشيخان والنسائي وأما حديث جابر بن عبد الله فلينظر من أخرجه
44 باب منه
قوله (أخبرنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري الزرقي قوله (فنظر إلى جدران المدينة)
بضم الجيم وسكون الدال وفي آخره نون جمع جدار (أوضع راحلته) أي أسرعها يقال وضع
البعير أي أسرع في مشيه وأوضعه راكبه أي حمله على السير السريع والإيضاع مخصوص بالبعير
والراحلة النجيب والنجيبة من الإبل في الحديث الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة (وإن كان
على دابة) كالبغل والفرس (حركها) جواب إن (من حبها) تنازع فيه الفعلان أي من أجل حبه صلى الله عليه وسلم
إياها أو أهلها وفي الحديث دلالة على فضل المدينة وعلى مشرعية حب الوطن والحنين إليه
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد والبخاري في الحج
283
45 باب م
ا جار ما يقول إذا ودع إنسانا
قوله (حدثنا أحمد بن أبي عبيد الله) اسم أبي عبيد الله هذا بشر ووقع في النسخة الأحمدية
أحمد بن عبيد الله بغير لفظ أبي وهو غلط (عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن يزيد بن أمية) المدني
مجهول من السابعة قوله (إذا ودع رجلا) أي مسافرا (أخذ بيده فلا يدعها) أي فلا يترك يد
ذلك الرجل من غاية التواضع ونهاية إظهار المحبة والرحمة (ويقول) أي للمودع أستودع الله
دينك أي أستحفظ وأطلب منه حفظ دينك وأمانتك أي حفظ أمانتك فيما تزاوله من الأخذ
والإعطاء ومعاشرة الناس في السفر إذ قد يقع منك هناك خيانة وقيل أريد بالأمانة الأهل والأولاد
الذين خلفهم وقيل المراد بالأمانة التكاليف كلها كما فسر بها قوله تعالى إنا عرضنا الأمانة على
السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما
جهولا الآية وآخر عملك أي في سفرك أو مطلقا كذا قيل قال القاري والأظهر أن المراد به
حسن الخاتمة لأن المدار عليها في أمر الآخرة وأن التقصير في مقبلها مجبور بحسنها ويؤيده قوله
وخواتيم عملك في الرواية الآتية قال الطيبي قوله أستودع الله هو طلب حفظ الوديعة وفيه نوع
مشاكلة للتوديع وجعل دينه وأمانته من الودائع لأن السفر يصيب الإنسان فيه المشقة والخوف
فيكون ذلك سببا لإهمال بعض أمور الدين فدعا له صلى الله عليه وسلم بالمعونة والتوفيق ولا يخل الرجل في سفره
ذلك من الاشتغال بما يحتاج فيه إلى الأخذ والإعطاء والمعاشرة مع الناس فدعا له بحفظ الأمانة
والاجتناب عن الخيانة ثم إذا انقلب إلى أهله يكون مأمون العاقبة عما يسوءه في الدين والدنيا
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن ماجة
قوله (حدثنا سعيد بن خثيم) بمعجمة ومثلثة مصغر بن رشد الهلالي أبي معمر الكوفي
صدوق رمي بالتشيع له أغاليط من التاسعة (عن حنظلة) بن أبي سفيان الجمحي قوله (أن
284
أدن) أي أقرب أمر من دنا يدنو وخواتيم عملك جمع خاتم أي ما يختم به عملك أي أخبره
والجمع لإفادة عموم أعماله قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أبو داود
والنسائي والحاكم وابن حبان في صحيحهما
46 باب منه
قوله (حدثنا عبد الله بن أبي زياد) القطواني الكوفي (أخبرنا سيار) بن حاتم العنزي أبو
سلمة البصري (حدثنا جعفر بن سليمان) الضبعي قوله (فزودني) أمر من التزويد وهو إعطاء
الزاد والزاد طعام يتخذ للسفر يعني ادع لي دعاء يكون بركته معي في سفري كالزاد زودك الله التقوى
أي الاستغناء عن المخلوق أي امتثال الأوامر واجتناب النواهي (قال زدني) أي من الزاد أو من
الدعاء (قال زدني بأبي أنت وأمي) أي أفديك بهما وأجعلهما فداءك فضلا عن غيرهما ويسر لك
الخير أي سهل لك خير الدارين حيث ما كنت أي في أي مكان حللت ومن لازمه في أي زمان
نزلت قال الطيبي يحتمل أن الرجل طلب الزاد المتعارف فأجابه عليه الصلاة والسلام بما أجابه
على طريقة أسلوب الحكيم أي زادك أن تتقي محارمه وتجتنب معاصيه ومن ثم لما طلب الزيادة قال
وغفر ذنبك فإن الزيادة من جنس المزيد عليه وربما زعم الرجل أن يتقي الله وفي الحقيقة لا يكون
تقوى تترتب عليه المغفرة فأشار بقوله وغفر ذنبك أن يكون ذلك الاتقاء بحيث يترتب عليه المغفرة
ثم توقي منه إلى قوله ويسر لك الخير فإن التعريف في الخير للجنس فيتناول خير الدنيا والآخرة
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه النسائي والحاكم في مستدركه
285
47 باب
قوله (حدثنا زيد بن حباب) أبو الحسين العكلي (أخبرني أسامة بن زيد) الليثي قوله
عليك بتقوى الله أي بمخافته والحذر من عصيانه والتكبير أي قول الله أكبر ومناسبة التكبير
عند الصعود إلى المكان المرتفع أن الاستعلاء والارتفاع محبوب للنفوس لما فيه من استشعار الكبرياء
فشرع لمن تلبس به أن يذكر كبرياء الله تعالى وأنه أكبر من كل شئ فيكبره ليشكر له ذلك فيزيده
من فضله قاله الحافظ على كل شرف بالتحريك أي مكان عال (فلما أن ولى الرجل) أي أدبر
وأن زائدة (قال) أي دعا له بظهر الغيب فإنه أقرب إلى الإجابة اللهم اطو له البعد أمر من الطي
أي قربه له وسهل له والمعنى ارفع عنه مشقة السفر بتقريب المسافة البعيدة له حسا أو معنى وهون
عليه السفر أي أموره ومتاعبه وهو تعميم بعد تخصيص
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه النسائي وابن ماجة
48 باب
ما ذكر في دعوة المسافر
قوله (أخبرنا أبو عاصم) اسمه الضحاك بن مخلد النبيل قوله دعوة المظلوم أي لمن
يعينه وينصره أو يسليه ويهون عليه أو على من ظلمه بأي نوع من أنواع الظلم ودعوة المسافر
286
يحتمل أن تكون دعوته لمن أحسن إليه وبالشر لمن آذاه وأساء إليه لأن دعاءه لا يخلو عن الرقة
ودعوة الوالد على ولده لم تذكر الوالدة لأن حقها أكثر فدعاؤها أولى بالإجابة
قوله (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم المعروف بابن علية (بهذا الإسناد نحوه وزاد
فيه مستجابات لا شك فيهن) أخرج الترمذي هذا الحديث بهذا السند في باب دعاء الوالدين في
أوائل البر والصلة
49 باب
ما جاء ما يقول إذا ركب الناقلة
قوله (حدثنا أبو الأحوص) اسمه سلام بن سلم الحنفي (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن
علي بن ربيعة) الوالي الأسدي الكوفي قوله (أتى) بصيغة المجهول أي جئ (فلما وضع رجله)
أي أراد وضع رجله (فلما استوى على ظهرها) أي استقر على ظهرها (قال الحمد لله) أي على نعمة
الركوب وغيرها (ثم قال) أي قرأ وما كنا له مقرنين أي مطيقين من أقرن للأمر إذا أطاقه وقوى
عليه أي ما كنا نطيق قهره واستعماله لولا تسخير الله تعالى إياه لنا وإنا إلى ربنا لمنقلبون أي
لصائرون إليه بعد مماتنا وإليه سيرنا الأكبر وهذا من باب التنبيه بسير الدنيا على سير الآخرة كما نبه
بالزاد الدنيوي على الزاد الأخروي في قوله تعالى وتزودوا فإن خير الزاد التقوى
287
وباللباس الدنيوي على الأخروي في قوله تعالى وريشا ولباس التقوى ذلك خير (ثم ضحك) أي علي
رضي الله عنه (صنع كما صنعت) أي كصنعي المذكور (ثم ضحك) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعجب
بفتح الجيم من عباده إذا قال رب اغفر لي ذنوبي الخ قال الطيبي أن يرتضي هذا القول
ويستحسنه استحسان المتعجب انتهى وقال الجزري في النهاية في معنى قوله صلى الله عليه وسلم عجب ربك
من قوم يساقون إلى الجنة في السلاسل أي عظم ذلك عنده وكبر لديه أعلم الله أنه إنما يتعجب
الآدمي من الشئ إذا عظم موقعه عنده وخفي عليه سببه فأخبرهم بما يعرفون ليعلموا موقع هذه
الأشياء عنده وقيل معنى عجب ربك أي رضي وأثاب فسماه عجبا مجازا وليس بعجب في
الحقيقة والأول الوجه واطلاق التعجب على الله مجاز لأنه لا تخفي على الله أسباب الأشياء
والتعجب مما خفي سببه ولم يعلم انتهى قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه الترمذي بعد
هذا قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم في
مستدركه قوله (عن علي بن عبد الله البارقي) الأزدي قوله سبحان الذي سخر أي ذلل
لنا هذا أي المركوب وإنا إلى ربنا لمنقلبون أي راجعون واللام للتأكيد وهذا الدعاء يسن عند
ركوب أي دابة كانت لسفر أو غيره من البر أي الطاعة والتقوى أي عن المعصية أو المراد من
البر الإحسان إلى الناس أو من الله إلينا ومن التقوى ارتكاب الأوامر واجتناب النواهي ومن
العمل أي جنسه ما ترضى أي به عنا (وكان يقول إذا رجع إلى أهله آئبون) أي نحن راجعون
من السفر بالسلامة إلى الوطن وفي رواية مسلم وأبي داود وإذا رجع قالهن وزاد فيهن آئبون الخ
288
إن شاء الله الظاهر أن هذه الكلمة ههنا للتبرك لربنا حامدون قال الطيبي لربنا يجوز أن
يتعلق بقوله عابدون لأن عمل اسم الفاعل ضعيف فيقوى به أو بحامدون ليفيد التخصيص أي
نحمد ربنا لا نحمد غيره وهذا أولى لأنه كالخاتمة للدعاء انتهى وفي هذا الحديث استجاب هذا
الذكر عند ابتداء الأسفار كلها وقد جاءت فيه أذكار كثيرة
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي
50 باب
ما يقول إذا هاجت الريح
من هاج الشئ يهيج هيجا وهياجا وهيجانا إذا ثار والمعنى إذا اشتد هبوبها
قوله (أخبرنا محمد بن ربيعة) الكلابي وقوله اللهم إني أسألك من خيرها وفي رواية
مسلم خيرها بغير من أي أسألك خير ذاتها وخير ما فيها أي من منافعها وخير ما أرسلت به
أي بخصوصها في وقتها وهو بصيغة المفعول ويجوز أن يكون بصيغة الفاعل قال الطيبي يحتمل
الفتح على الخطاب وشر ما أرسلت على بناء المفعول ليكون من قيل أنعمت عليهم غير المغضوب
عليهم وقوله صلى الله عليه وسلم الخير كله بيدك والشر ليس إليك انتهى قوله (وفي الباب عن أبي بن كعب)
أخرجه الترمذي في باب النهي عن سب الرياح من أبواب الفتن
قوله (وهذا حديث حسن) وأخرجه مسلم مطولا
289
51 باب
ما يقول إذا سمع الرعد
قوله (حدثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي البصري (عن أبي
مطر) قال في التقريب أبو مطر شيخ الحجاج بن أرطاة مجهول من السادسة وفي تهذيب التهذيب في ترجمته ذكره ابن حبان
في الثقات قوله (كان إذا سمع صوت الرعد) بإضافة العام إلى الخاص للبيان فالرعد هو
الصوت الذي يسمع من السحاب كذا قال ابن الملك والصحيح أن الرعد ملك مؤكل
بالسحاب وقد نقل الشافعي عن الثقة عن مجاهد أن الرعد ملك والبرق أجنحته يسوق السحاب
بها ثم قال وما أشبه ما قاله بظاهر القرآن قال بعضهم وعليه فيكون المسموع صوته أو صوت
سوقه على اختلاف فيه ونقل البغوي عن أكثر المفسرين أن الرعد ملك يسوق السحاب
والمسموع تسبيحه والصواعق قال القاري بالنصب فيكون التقدير وأحسن الصواعق من باب
علفتها تبنا وماءا باردا أو أطلق السمع وأريد به الحسن من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل وفي
نسخة يعني من المشكاة بالجر عطفا على الرعد وهو إنما يصح على بعض الأقوال في تفسير
الصاعقة قال بعضهم قيل هي نار تسقط من السماء في رعد شديد فعلى هذا لا يصح عطفه على
شئ مما قبله وقيل الصاعقة صيحة العذاب أيضا وتطلق على صوت شديد غاية الشدة يسمع من الرعد
وعلى هذا يصح عطفه على صوت الرعد أي صوت السحاب فالمراد بالرعد السحاب بالقرينة
إضافة الصوت إليه أو الرعد صوت السحاب ففيه تجريد وقال الطيبي هي قعقعة رعد ينقض
معها قطعة من نار يقال صعقته الصاعقة إذا أهلكته فصعق أي مات إما لشدة الصوت وإما
بالإحراق انتهى لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك قال القاري الغضب استعارة والمشبه به
الحالة التي تعرض للملك عند انفعاله وغليان دمه ثم الانتقام من المغضوب عليه وأكبر ما ينتقم به
القتل فلذلك ذكره ورشح الاستعارة به عرفا وأما الإهلاك والعذاب فجاريان على الحقيقة في حق
الله تعالى انتهى
290
قلت لا حاجة إلى تأويل الغضب بما ذكره القاري بل هو محمول على ظاهره كما تقدم مرارا
في شرح أحاديث الصفات وعافنا أي أمتنا بالعافية قبل ذلك أي قبل نزول عذابك قوله
(هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي في اليوم والليلة والحاكم
في مستدركه
52 باب
ما يقول عند رؤية الهلال
قوله (حدثني بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله) التيمي المدني لين من السابعة (عن
أبيه) أي يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني ثقة من الثالثة قوله (كان إذا رأى الهلال)
وهو يكون من الليلة الأولى والثانية والثالثة ثم هو قمر اللهم أهلله بصيغة الأمر من الإهلال قال
الطيبي يروي مدغما ومفكوكا أي أطلعه علينا مقترنا باليمن أي البركة وفي بعض النسخ
بالأمن والإيمان أي بدوامه والسلامة أي عن كل مضرة وسوء والإسلام أي دوامه قال
القاري قال بعض المحققين من علمائنا الإهلال في الأصل رفع الصوت نقل منه إلى رؤية الهلال
لأن الناس يرفعون أصواتهم إذا رأوه بالإخبار عنه ولذلك سمي الهلال هلالا نقل منه إلى طلوعه
لأنه سبب لرؤيته ومنه إلى اطلاعه وفي الحديث بهذا المعنى أي أطلعه علينا وأرنا إياه مقترنا
بالأمن والإيمان أي باطنا والسلامة والإسلام أي ظاهرا ونبه بذكر الأمن والسلامة على طلب دفع
كل مضرة وبالإيمان والإسلام على جلب كل منفعة على أبلغ وجه وأوجز عبارة انتهى ربي وربك
الله خطاب للهلال على طريق الالتفات ولما توسل به لطلب الأمن والإيمان دل على عظم شأن
الهلال فقال ملتفتا إليه ربي وربك الله تنزيها للخالق أن يشارك في تدبير ما خلق ورد الأقاويل
داحضة في الآثار العلوية قوله (هذا
حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد والدارمي والحاكم
وابن حبان وزاد والتوفيق لما تحب وترضى
291
53 باب
ما يقول عند الغضب
قوله (استب رجلان) أي سب أحدهما الآخر (حتى عرف) بصيغة المجهول (الغضب في
وجه أحدهما) وفي رواية أبي داود فغضب أحدهما غضبا شديدا حتى خيل إلى أن أنفه يتمزع من
شدة غضبه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بدل من كلمة وفي الحديث أنه ينبغي لصاحب
الغضب أن يستعيذ فيقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأنه سبب لزوال الغضب وحديث
معاذ بن جبل هذا أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي
قوله (وفي الباب عن سليمان بن صرد) أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي
قوله (أخبرنا عبد الرحمن) بن مهدي (وهذا حديث مرسل) أي منقطع وبين وجه
الانقطاع بقوله عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع الخ (وعبد الرحمن بن أبي ليلى غلام ابن ست سنين)
الواو للحال قال المنذري في الترغيب بعد نقل كلام الترمذي من قوله هذا حديث مرسل إلى هنا
ما لفظه والذي قاله الترمذي واضح فإن البخاري ذكر ما يدل على أن مولد عبد الرحمن بن أبي
ليلى سنة سبع عشرة وذكر غير واحد أن معاذ بن جبل توفي في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة
وقيل سنة سبع عشرة وقد روى النسائي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن
كعب وهذا متصل انتهى (هكذا روى شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) قال ابن أبي
حاتم في كتاب المراسيل حدثنا علي بن الحسن حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي حدثنا النضر حدثنا
292
شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى قال ولدت لست يقين من خلافة عمر (وقد روى عبد
الرحمن بن أبي ليلى عن عمر بن الخطاب) أي غير هذا الحديث (ورآه) وقال الدوري عن ابن
معين لم يره وقال الخليلي في الإرشاد الحفاظ لا يثبتون سماعه من عمر كذا في تهذيب التهذيب
54 باب
ما يقول إذا رأى رؤيا يكرهها
قوله (أخبرنا بكر بن مضر) المصري (عن عبد الله بن خباب) بفتح معجمة وشدة موحدة
أولى الأنصاري البخاري مولاهم المدني ثقة من الثالثة قوله يحبها حال من الرؤيا فإنما هي
الرؤيا المحبوبة من الله إضافة الرؤيا المحبوبة إلى الله إضافة تشريف فليحمد الله وليحدث بما
رأى وفي حديث أبي سلمة عن أبي قتادة عند الشيخين فلا يحدث به إلا من يحب قال الحافظ
الحكمة فيه أنه إذا حدث بالرؤيا الحسنة من لا يحب قد يفسرها له بما لا يحب إما بغضا وإما حسدا
فقد تقع على تلك الصفة أو يتعجل لنفسه من ذلك حزنا ونكدا فأمر بترك تحديث من لا يحب
بسبب ذلك انتهى قلت قد تقدم في باب تعبير الرؤيا حديث أبي رزين العقيلي وفيه لا تحدث
بها إلا لبيبا أو حبيبا وحديث أبي هريرة وفيه لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح فينبغي أن
يحمل أبي سعيد المطلق على هذه الأحاديث المقيدة قيل لأن العالم يأولها على الخير مهما أمكنه
والناصح يرشد إلى ما ينفع واللبيب العارف بتأويلها والحبيب إن عرف خيرا قاله وإن جهل أو شك
سكت فإنما هي من الشيطان أضيفت إليه لكونها على هواه ومراده وقيل لأنه الذي يخيل بها ولا
حقيقة لها في نفس الأمر فليستعذ بالله من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره حاصل ما ذكر
293
من أدب الرؤيا الصالحة ثلاثة أشياء أن يحمد الله عليها وأن يستبشر بها وأن يتحدث بها
لكن لمن يحب دون من يكره وحاصل ما ذكر من أدب الرؤيا المكروهة ستة أشياء أن يتعوذ بالله من
شرها وشر الشيطان وأن يتفل حين يهب من نومه عن يساره ثلاثا ولا يذكرها لأحد أصلا وأن
يصلي وأن يتحول عن جنبه الذي كان عليه وقد تقدم بقية الكلام في هذا في باب إذا رأى في
المنام ما يكره ما يصنع قوله (وفي الباب عن أبي قتادة) أخرج حديثه الترمذي في الباب المذكور
قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه البخاري والنسائي
55 باب
ما يقول إذا رأى الباكورة من الثمر
الباكورة أول ما يدرك من الفاكهة
قوله (إذا رأوا أول الثمر) وهو الذي يسمى الباكورة (جاءوا به) أي بأول الثمر (إلى النبي
صلى الله عليه وسلم) قال العلماء كانوا يفعلون ذلك رغبة في دعائه صلى الله عليه وسلم في الثمر والمدينة والصاع والمد وإعلاما له
صلى الله عليه وسلم بابتداء صلاحها لما يتعلق بها من الزكاة وغيرها وتوجيه الخارصين وبارك لنا في مدينتنا أي في
ذاتها من جهة سعتها ووسعة أهلها وقد استجاب الله دعاءه عليه الصلاة والسلام بأن وسع نفس
المسجد وما حوله من المدينة وكثر الخلق فيها حتى عد من الفرس المعد للقتال المهيأ بها في زمن عمر
أربعون ألف فرس والحاصل أن المراد بالبركة هنا ما يشمل الدنيوية والأخروية والحسية وبارك
لنا في صاعنا ومدنا قال القاضي البركة هنا بمعنى النماء والزيادة وتكون بمعنى الثبات واللزوم
قال فقيل يحتمل أن تكون هذه البركة دينية وهي ما تتعلق بهذه المقادير من حقوق الله تعالى في
294
الزكاة والكفارة فتكون بمعنى الثبات والبقاء لها كبقاء الحكم بها ببقاء الشريعة وثباتها ويحتمل أن
تكون دنيوية من تكثير الكيل والقدرة بهذه الأكيال حتى يكفي منه ما لا يكفي من غيره في غير
المدينة أو ترجع البركة إلى التصرف بها في التجارة وأرباحها وإلى كثرة ما يكال بها من غلاتها
وثمارها أو تكون الزيادة فيما يكال بها لاتساع عيشهم وكثرته بعد ضيقه لما فتح الله عليهم ووسع
من فضله لهم وملكهم من بلاد الخصب والريف بالشام والعراق ومصر وغيرها حتى كثر الحمل إلى
المدينة واتسع عيشهم حتى صارت هذه البركة في الكيل نفسه فزاد مدهم وصار هاشميا مثل مد
النبي صلى الله عليه وسلم مرتين أو مرة ونصفا وفي هذا كله إجابة دعوته صلى الله عليه وسلم وقبولها انتهى كلام القاضي قال
النووي والظاهر من هذا كله أن المراد البركة في نفس المكيل في المدينة بحيث يكفي المد فيها لمن
لا يكفيه في غيرها انتهى وإنه دعا لمكة أي بقوله فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم
وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون بمثل ما دعاك به لمكة ومثله أي يمثل ذلك المثل معه
والمعنى بضعف ما دعا إبراهيم عليه الصلاة والسلام (قال) أي أبو هريرة (ثم يدعو) أي النبي صلى الله عليه وسلم
(أصغر وليد) أي مولود (يراه) وفي رواية لمسلم ثم يعطيه أصغر من أن يحضره من الولدان وفي
أخرى له ثم يدعو أصغر وليد له فيعطيه ذلك الثمر قال القاري التحقيق أن الروايتين يعني
الرواية المطلقة والمقيدة وحمولتان على الحالتين والمعنى أنه إذا كان عنده أو قريبا منه وليد له أعطاه
أو وليد آخر من غير أهله أعطاه إذ لا شك أنهما لو اجتمعا لشارك بينهما نعم إذا لم يكن أحد حاضرا
عنده فلا شبهة أنه ينادي أحدا من أولاد أهله لأنه أحق ببره من غيره انتهى (فيعطيه ذلك الثمر)
فيه بيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق وكمال الشفقة والرحمة وملاطفة الكبار والصغار
وخص بهذا الصغير لكونه أرغب فيه وأكثر تطلعا إليه وحرصا عليه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وابن ماجة
56 باب
ما يقول إذا أكل طعاما أي إذا أراد أن يأكل طعاما
قوله (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) هو المعروف بابن علية (حدثنا علي ابن زيد) هو ابن
295
جدعان قوله الشربة لك أي أنت مستحق لها لأنك على جهة يميني فإن شئت آثرت بها
خالدا أي اخترت بالشربة على نفسك خالدا على سؤرك السؤر بضم السين وسكون الهمزة
البقية والفضلة والمعنى ما كنت لأختار على نفسي بفضل منك أحدا من أطعمة الله وفي رواية أبي
داود إذا أكل أحدكم قال المناوي أي أراد أن يأكل طعاما أي غير لبن بارك لنا فيه من البركة
وهي زيادة الخير ونموه ودوامه وأطعمنا خيرا منه من طعام الجنة أو أعم (وزدنا منه) ولا يقول
خيرا منه لأنه ليس في الأطعمة خير منه ليس شئ يجزئ بضم الياء وكسر الزاي بعدها همز أي
يكفي في دفع الجوع والعطش معا مكان الطعام والشراب أي مكان جنس المأكول والمشروب
وبدلهما غير اللبن بالرفع على أنه بدل من الضمير في يجزئ قوله (هذا حديث حسن)
وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقي في شعب الإيمان (وقد روى بعضهم هذا الحديث عن
علي بن زيد فقال عن عمر بن حرملة الخ) قال الحافظ في تهذيب التهذيب عمر بن حرملة ويقال
ابن أبي حرملة ويقال عمرو البصري روى عن ابن عباس حديث الضب كل يعني حديث الباب ففي
أوله عند أبي داود فجاءوا بضبين مشويين على ثمامتين فتبزق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خالد أخالك
تقذره يا رسول الله فقال أجل ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن الحديث وعنه علي بن زيد بن جدعان
وقال أبو زرعة لا أعرفه إلا في هذا الحديث وذكره ابن حبان في الثقات قال وصحح أنه عمر بضم
العين وتبع في ذلك البخاري انتهى
296
57 باب
ما يقول إذا فرغ من الطعام
قال ابن بطال اتفقوا على استحباب الحمد بعد الطعام ووردت في ذلك أنواع يعني لا يتعين
شئ منها
قوله القطان (أخبرنا ثور بن يزيد) أبو خالد الحمصي قوله
(إذا رفعت المائدة من بين يديه) قد تقدم في الأطعمة من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم لم يأكل على خوان
قط وهنا يقول إذا رفعت مائدته وقد فسروا المائدة بأنها خوان عليه طعام فأجاب بعضهم عن
هذا بأن أنسا ما رأى ذلك ورآه غيره والمثبت مقدم على النافي أو المراد بالخوان صفة مخصوصة
والمائدة تطلق على كل ما يوضع عليه الطعام لأنها مشتقة من ماد يميد إذا تحرك أو أطعم ولا يختص
ذلك بصفة مخصوصة وقد تطلق المائدة ويراد بها نفس الطعام أو بقيته أو إناؤه وقد نقل عن
البخاري أنه قال إذا أكل الطعام على شئ ثم رفع قيل رفعت المائدة حمدا مفعول مطلق
للحمد إما باعتبار ذاته أو باعتبار تضمنه معنى الفعل أو لفعل مقدر طيبا أي خالصا من الرياء
والسمعة مباركا هو وما قبله صفات لحمدا فيه الضمير راجع إلى الحمد أي حمدا ذا بركة دائما لا ينقطع لأن نعمه
لا تنقطع عنا فينبغي أن يكون حمدنا غير منقطع أيضا ولو نية واعتقادا غير مودع بنصب غير على
أنه حال من الحمد ومودع اسم مفعول من التوديع أي غير متروك أو من الطعام يعني لا يكون آخر
طعامنا أو من الله تعالى أي غير متروك الطلب منه والرغبة إليه ويجوز رفع غير على أنه خبر مبتدأ
محذوف أي هو غير مودع ولا مستغنى عنه أي هو محتاج إليه غير مستغني عنه وفي رواية
البخاري غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه قال الحافظ قوله غير مكفي بفتح الميم وسكون
الكاف وكسر الفاء وتشديد التحتانية قال ابن بطال يحتمل أن يكون من كفأت الإناء فالمعنى غير
مردود عليه إنعامه ويحتمل أن يكون من الكفاية أي أن الله غير مكفي رزق عباده لأنه لا يكفيهم
أحد غيره وقال ابن التين أي غير محتاج إلى أحد لكنه هو الذي يطعم عباده ويكفيهم وهذا قول
297
الخطابي وقال القزاز معناه أنه غير مكتف بنفسي عن كفايته وقال الداودي معناه لم أكتف من
فضل الله ونعمته قال ابن التين وقول الخطابي أولى لأن مفعولا بمعنى مفتعل فيه بعد وخروج
عن الظاهر وهذا كله على أن الضمير لله ويحتمل أن يكون الضمير للحمد وقال إبراهيم الحربي
الضمير للطعام ومكفي بمعنى مقلوب من الإكفاء وهو القلب غير أنه لا يكفي الإناء للاستغناء عنه
انتهى ربنا روى بالرفع والنصب والجر فالرفع على تقدير هو ربنا أو أنت ربنا إسمع حمدنا
ودعاءنا أو على أنه مبتدأ وخبره غير بالرفع مقدم عليه والنصب على أنه منادي حذف منه حرف
النداء أو على المدح أو الاختصاص أو إضمارا عني والجر على أنه بدل من الله وقيل على أنه بدل
من الضمير في عنه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري وأبو داود
والنسائي وابن ماجة
قوله (عن رياح) بكسر أوله ثم تحتانية (بن عبيدة) بفتح العين المهملة وكسر الموحدة
السلمي الكوفي ثقة من الرابعة (قال حفص عن ابن أخي أبي سعيد وقال أبو خالد عن مولى لأبي
سعيد عن أبي سعيد) قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة رياح بن عبيدة روى عن أبي سعيد
الخدري وقيل عن ابن أخي أبي سعيد وقيل عن مولى لأبي سعيد وقيل عن عبد الرحمن بن أبي
سعيد في القول عند الفراغ من الطعام انتهى ولم أقف على ترجمة ابن أخي أبي سعيد ولا مولى لأبي
سعيد قوله الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا الخ فائدة الحمد بعد الطعام أداء شكر المنعم
وطلب زيادة النعمة لقوله تعالى لئن شكرتم لأزيدنكم وفيه استحباب تجديد حمد الله عند
تجدد النعمة من حصول ما كان الإنسان يتوقع حصوله واندفاع ما كان يخاف وقوعه ثم لما كان
الباعث هنا هو الطعام ذكره أولا لزيادة الاهتمام به وكان السقي من تتمته لكونه مقارنا له في
التحقيق غالبا ثم استطرد من ذكر النعمة الظاهرة إلى النعم الباطنة فذكر ما هو أشرفها وختم به لأن
المدار على حسن الخاتمة مع ما فيه من الإشارة إلى كمال الانقياد في الأكل والشرب وغيرهما قدرا
ووصفا ووقتا احتياجا واستغناء بحسب ما قدره وقضاه وحديث أبي سعيد هذا أخرجه أحمد وأبو
داود والنسائي وابن ماجة وذكره البخاري في تاريخه الكبير وساق اختلاف الرواة فيه
298
قوله (حدثنا محد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري (حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ) أبو
عبد الرحمن المكي (حدثنا سعيد بن أبي أيوب) الخزاعي قوله الحمد لله الذي أطعمني هذا
أي هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني أي من غير حركة وحيلة مني
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وابن ماجة
58 باب
ما يقول إذا سمع نهيق الحمار
قوله (أخبرنا الليث) بن سعد (عن جعفر بن ربيعة) بن
شرحبيل بن حسنة الكندي أبي شرحبيل المصري ثقة من الخامسة قوله إذا سمعتم صياح الديكة بكسر الدال المهملة وفتح
التحتانية جمع ديك وهو ذكر الدجاج وللديك خصيصته ليست لغيره من معرفته الوقت الليلي فإنه
يقسط أصواته فيها تقسيطا لا يكاد يتفاوت ويوالي صياحه قبل الفجر وبعده لا يكاد يخطئ سواء
طال الليل أم قصر فاسألوا بالهمزة ونقله فإنها رأت ملكا بفتح اللام قال عياض كأن السبب
فيه جاء تأمين الملائكة على دعائه واستغفارهم له وشهادتهم له بالإخلاص والتضرع وصحح
ابن حبان وأخرجه أحمد وأبو داود من حديث زيد بن خالد رفعه لا تسبوا الديك فإنه يدعو إلى
الصلاة وعند البزار من هذا الوجه سبب قوله صلى الله عليه وسلم ذلك وأن ديكا صرخ فلعنه رجل فقال ذلك
قال الحليمي يؤخذ منه أن كل من استفيد منه الخير لا ينبغي أن يسب ولا أن يستهان به بل يكرم
ويحسن إليه قال وليس معنى قوله فإنه يدعو إلى الصلاة أن يقول بصوته حقيقة صلوا أو حانت الصلاة
بل معناه أن العادة جرت بأنه يصرخ عند طلوع الفجر فطرة فطره الله عليها وإذا سمعتم
299
نهيق الحمار أي صوته المنكر وزاد أبو داود والنسائي والحاكم من حديث جابر ونباح الكلاب
فتعوذوا بالله من الشيطان أي اعتصموا به منه بأن يقول أحدكم أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم أو نحو ذلك من صيغ التعوذ فإنه أي الحمار رأى شيطانا روى الطبراني من حديث
أبي رافع رفعه لا ينهق الحمار حتى يرى شيطانا أو يتمثل له شيطان فإذا كان ذلك فاذكروا الله
وصلوا علي قال عياض وفائدة الأمر بالتعوذ لما يخشى من شر الشيطان وشر وسوسته فيلجأ إلى الله
في ذلك قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري في أواخر بدء الخلق ومسلم
في الدعوات وأبو داود في الأدب والنسائي في التفسير وفي اليوم والليلة
59 باب
ما جاء في فضل التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد
قوله (حدثنا عبد الله بن أبي زياد) القطواني الكوفي (عن حاتم بن أبي صغيرة) بفتح الصاد
المهملة وكسر الغين المعجمة (عن أبي بلج) بفتح أو وسكون اللام بعدها جيم (عن عمرو بن
ميمون) الأودي قوله إلا كفرت من التكفير أي محيت وأزيلت ولو كانت مثل زبد البحر
بفتح الزاي والموحدة هو ما يعلو الماء ونحوه من الرغوة والمراد به الكناية عن المبالغة في الكثرة وفي
رواية أحمد ولو كانت أكثر من زبد البحر قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد
والنسائي وابن أبي الدنيا والحاكم (وأبو بلج اسمه يحيى بن أبي سليم ويقال ابن سليم أيضا) يأتي
300
ترجمته في مناقب علي ووقع هنا في بعض النسخ وحاتم يكنى أبا يونس القشيري قال الحافظ في
تهذيب التهذيب حاتم ابن أبي صغيرة وهو ابن مسلم أبو يونس القشيري وقيل الباهلي مولاهم
البصري وأبو صغيرة أبو أمه وقيل زوج أمه وقال ابن معين وأبو حاتم والنسائي ثقة انتهى قوله (كنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة) هذه الغزوة هي غزوة خيبر كما صرح به الحافظ في الفتح في كتاب
القدر (فلما قفلنا) أي رجعنا (أشرفنا) أي أطلعنا من قولهم أشرفت عليه إذا أطلعت عليه إن
ربكم ليس بأصم ولا غائب بل هو سميع بصير قريب فلا حاجة إلى رفع الصوت بالتكبير هو
بينكم وبين رؤوس رحالكم بكسر الراء جمع رحل بالفتح وهو ما يجعل على ظهر البعير كالسرج
وقال في المجمع هو ما يوضع على البعير ثم بعير به عن البعير انتهى والظاهر أن المراد بالرحال هنا
الرواحل وفي رواية لمسلم والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلة أحدكم قال النووي
أي بالعلم والإحاطة فهو يجاز كقوله تعالى ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ألا أعلمك كنزا من
كنوز الجنة لا حول ولا قوة إلا بالله قال النووي قال العلماء سبب ذلك أنها كلمة استسلام
وتفويض إلى الله تعالى واعتراف بالإذعان له وأنه لا صانع غيره ولا راد لأمره وأن العبد لا يملك
شيئا في الأمر ومعنى الكنز هنا أنه ثواب مدخر في الجنة وهو ثواب نفيس كما أن الكنز أنفس
أموالكم قال أهل اللغة الحول الحركة والحيلة أي لا حركة ولا استطاعة ولا حيلة إلا بمشيئة الله
تعالى وقيل معناه لا حول في دفع شر ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله وقيل لا حول عن معصية
الله إلا بعصمته ولا قوة على طاعته إلا بمعونته وحكى هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه ولكنه
301
مقارب انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن
ماجة ومعنى قوله هو بينكم وبين رؤوس رواحلكم إنما يعني علمه وقدرته وكذلك يأولون قوله
تعالى ونحن أقرب إليه من حبل الوريد أي نحن وكله مقارب انتهى أقرب إليه بالعلم من حبل وريده لا يخفى
علينا شئ من خفياته فكأن ذاته قريبة منه وحاصله أنه تجوز بقرب الذات عن قرب العلم
ونقل الذهبي في كتاب العلو ص 144 عن الإمام أبي الحسن الأشعري أنه قال إن الله يقرب من
خلقه كيف شاء كما قال ونحن أقرب إليه من حبل الوريد
60 باب
قوله (أخبرنا سيار) بن حاتم العنزي (أخبرنا عبد الواحد بن زياد) العبدي البصري
(عن عبد الرحمن بن إسحاق) أبي شيبة الواسطي الكوفي (عن القاسم بن عبد الرحمن) بن
عبد الله بن مسعود قوله لقيت إبراهيم) أي الخليل عليه الصلاة والسلام ليلة أسرى بي قال
القاري بالإضافة وفي نسخة يعني من المشكاة بتنوين ليلة أي ليلة أسري فيها بي وهي ليلة المعراج (فقال)
أي إبراهيم وهو في محله من السماء السابعة مسندا ظهره إلى البيت المعمور أقرئ أمر من الإقراء
أو من قرأ يقرأ أمتك مني السلام أي بلغهم مني السلام طيبة التربة بضم الفوقية وسكون الراء
هي التراب من قرابها المسك والزعفران ولا أطيب منهما عذبة الماء أي ماؤها طيب لا ملوحة فيه
وأنها بالفتح ويكسر أي الجنة قيعان بكسر القاف جمع قاع وهي الأرض المستوية الخالية من
الشجر وأن بالوجهين غراسها بكسر الغين المعجمة جمع غرس بالفتح وهو ما يغرس أي
يستره تراب الأرض من نحو البذر لينبت بعد ذلك وإذا كانت تلك التربة طيبة وماؤها عذابا
302
كان والغرس الكلمات الطيبات وهن الباقيات الصالحات والمعنى أعلمهم
بأن هذه الكلمات ونحوها سبب لدخول قائلها الجنة ولكثرة أشجار منزلة فيها لأنه كلما كررها نبت
له أشجار بعددها وقال الطيبي في هذا الحديث إشكال لأنه يدل على أن أرض الجنة خالية عن
الأشجار والقصور ويدل قوله تعالى جنات تجري من تحتها الأنهار وإذا كانت تلك التربة طيبة وماؤها عذبا كان الغراس أطيب لا سيما على أنها غير خالية عنها
لأنها إنما سميت جنة لأشجارها المتكاثفة المظلة بالتفاف أغصانها والجواب أنها كانت قيعانا ثم إن
الله تعالى أوجد بفضله فيها أشجارا وقصورا بحسب أعمال العاملين لكل عامل ما يختص به بسبب
عمله ثم إنه تعالى لما بسره لما خلق له من العمل لينال بذلك الثواب جعله كالغارس لتلك
الأشجار مجازا إطلاقا للسبب على المسبب انتهى قال القاري وأجيب أيضا بأنه لا دلالة في
الحديث على الخلو الكلي من الأشجار والقصور لأن معنى كونها قيعانا أن أكثرها مغروس وما عداه
منها أمكنة واسعة بلا غرس لينغرس بتلك الكلمات ويتميز غرسها الأصلي الذي بلا سبب وغرسها
المسبب عن تلك الكلمات انتهى قوله (وفي الباب عن أبي أيوب) أخرجه أحمد بإسناد حسن
وابن أبي الدنيا وابن حبان في صحيحه كذا في الترغيب قوله (هذا حديث حسن غريب) قال
المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث رواه الترمذي والطبراني في الصغير والأوسط وزاد ولا
حول ولا قوة إلا بالله روياه عن عبد الواحد بن زياد عن عبد الرحمن بن إسحاق عن القاسم عن
أبيه عن ابن مسعود وقال الترمذي حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود
قال المنذري أبو القاسم هو عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود وعبد الرحمن هذا لم يسمع من
أبيه وعبد الرحمن بن إسحاق هو أبو شيبة الكوفي واه ورواه الطبراني أيضا بإسناد واه من حديث
سلمان الفارسي ولفظه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن في الجنة قيعانا فأكثروا من غرسها
قالوا يا رسول الله وما غرسها قال سبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر انتهى
كلام المنذري
قوله (أخبرنا يحيى بن سعيد) القطان (أخبرنا موسى الجهني) في التقريب موسى بن
عبد الله ويقال ابن عبد الرحمن الجهني أبو سلمة الكوفي ثقة عابد لم يصح أن القطان طعن فيه من
السادسة (عن أبيه) أي سعد بن أبي وقاص قوله: (أيعجز) بكسر الجيم أن يكسب أي
303
يحصل تكتب له ألف الحسنة الواحدة بعشر أمثالها وهو أقل المضاعفة الموعودة في
القرآن بقوله من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها والله يضاعف لمن قوله أيعجز بكسر الجيم أن يكسب أي يحصل تكتب له ألف حسنة يشاء وتحط بالواو وفي رواية
مسلم أو تحط بأو قال النووي هكذا هو في عامة نسخ صحيح مسلم أو يحيط بأو وفي بعضها
ويحط بالواو وقال الحميدي في الجمع بين الصحيحين كذا هو في كتاب مسلم أو يحط بأو قال
أبو بكر البرقاني ورواه شعبة وأبو عوانة ويحيى بن سعيد القطان عن موسى الذي رواه مسلم من
جهته فقالوا ويحط بالواو انتهى قال القاري قد تأتي الواو بمعنى أو فلا منافاة بين الروايتين وكأن
المعنى أن من قالها يكتب له ألف حسنة إن لم يكن عليه فيحط بعض ويكتسب بعض ويمكن أن
تكون أو بمعنى الواو أو بمعنى بل فحينئذ بجمع له بينهما وفضل الله أوسع من ذلك انتهى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم والنسائي وابن حبان
61 باب
قوله سبحان الله العظيم وبحمده قيل الواو زائدة أي تسبيحا مقرونا بحمده غرست
له بصيغة المجهول يقال غرست الشجرة غرسا وغراسا إذا نصبتها في الأرض نخلة أي غرست
له بكل مرة نخلة في الجنة أي المعدة لقائلها خصت لكثرة منفعتها وطيب ثمرتها ولذلك ضرب
الله تعالى مثل المؤمن وإيمانه بها وثمرتها في قوله تعالى ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة
وهي كلمة التوحيد كشجرة طيبة وهي النخلة قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح)
وأخرجه النسائي إلا أنه قال غرست له شجرة وابن حبان في صحيحه والحاكم في موضعين
بإسنادين قال في أحدهما على شرط مسلم وقال في الآخر على شرط البخاري كذا في الترغيب للمنذري
304
قوله (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا المؤمل) بن إسماعيل قوله
(حدثنا المحاربي) هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن زياد (عن سمي) مولى أبي بكر بن عبد الرحمن
قوله من قال سبحان الله وبحمده أي في يوم كما في رواية الشيخين مائة مرة قال الطيبي سواء
كانت متفرقة أو مجتمعة في مجلس أو مجالس في أول النهار أو آخره إلا أن الأولى جمعها في أول النهار وإن
كانت مثل زبد البحر كناية عن المبالغة في الكثرة
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان وابن ماجة
قوله (حدثنا يوسف بن عيسى) المروزي (أخبرنا محمد بن فضيل) بضم الفاء وفتح
المعجمة وسكون التحتانية ابن عزوان الضبي مولاهم الكوفي (عن عمارة) بضم العين المهملة
وخفة الميم (بن القعقاع) بفتح قافين وبعينين مهملتين عن أبي زرعة) بن عمرو بن جرير قوله
كلمتان أي جملتان مفيدتان وفيه إطلاق الكلمة على الكلام وهو مثل كلمة الإخلاص وكلمة
الشهادة وهو خبر وخفيفتان وما بعده صفة والمبتدأ سبحان الله إلى آخره والنكتة في تقديم الخبر
تشويق السامع إلى المبتدأ وكلما طال الكلام في وصف الخبر حسن تقديمه لأن كثرة الأوصاف
الجميلة تزيد السامع شوقا خفيفتان على اللسان أي يجريان عليه بالسهولة ثقيلتان في الميزان
أي بالمثوبة قال الحافظ وصفهما بالخفة والثقل لبيان قلة العمل وكثرة الثواب وقال الطيبي الخفة
مستعارة للسهولة شبه سهولة جريان هذا الكلام بما يخف على الحامل من بعض الحمولات فلا
يشق عليه فذكر المشبه وأراد المشبه به وأما الثقل فعلى حقيقته لأن الأعمال تتجسم عند الميزان
305
انتهى وقيل توزن صحائف الأعمال ويدل عليه حديث البطاقة والسجلات وقال الحافظ
الصحيح أن الأعمال هي التي توزن وقد أخرج أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان عن أبي
الدرداء مرفوعا ما يوضع في الميزان يوم القيامة أثقل من خلق حسن قال وقد سئل بعض
السلف عن سبب ثقل الحسنة وخفة السيئة فقال لأن الحسنة حضرت مرارتها وغابت حلاوتها
فثقلت فلا يحملنك ثقلها على تركها والسيئة حضرت حلاوتها وغابت مرارتها فلذلك خفت فلا
يحملنك خفتها على ارتكابها انتهى حبيبتان إلى الرحمن تثنية حبيبة وهي المحبوبة لأن فيهما
المدح بالصفات السلبية التي يدل عليها التنزيه وبالصفات الثبوتية التي يدل عليها الحمد وقيل
المراد أن قائلها محبوب الله تعالى ومحبة الله للعبد إرادة إيصال الخير له والتكريم وخص الرحمن من
الأسماء الحسنى للتنبيه على سعة رحمة الله حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل فإن
قيل فعيل بمعنى مفعول يستوي المذكر والمؤنث ولا سيما إذا كان موصوفه معه فلم عدل عن
التذكير إلى التأنيث فالجواب أن ذلك جائز لا واجب وقيل أنث لمناسبة الثقيلتين والخفيفتين
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم هكذا وقع في هذا الكتاب بتقديم سبحان الله العظيم
على سبحان الله وبحمده وكذا وقع عند البخاري في الدعوات ووقع عنده في الإيمان والنذور
والتوحيد بتقديم سبحان الله وبحمده على سبحان الله العظيم وكذلك وقع عند مسلم وابن
ماجة قال الحافظ قيل الواو في قوله وبحمده للحال والتقدير أسبح الله متلبسا بحمدي له من
أجل توفيقه وقيل عاطفة والتقدير أسبح الله وأتلبس بحمده ويحتمل أن تكون الباء متعلقة
بمحذوف متقدم والتقدير وأثنى عليه بحمده فيكون سبحان الله جملة مستقلة وبحمده جملة أخرى
انتهى
قلت الواو إذا كانت للحال فالظاهر أن التقدير نسبح الله ونحن متلبسون بحمده قوله
(هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة وابن حبان
كلهم من طريق محمد بن فضيل بن غزوان عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة
قال الحافظ وجه الغرابة فيه هو تفرد محمد بن فضيل وشيخه وشيخ شيخه وصحابيه انتهى
قوله في يوم مائة مرة مجتمعة أو متفرقة كان أي ما ذكر له أي للقائل به عدل عشر
306
رقاب بكسر العين وفتحها بمعنى المثل أي ثواب عتق عشر رقاب وهو جمع رقبة وهي في الأصل
العنق فجعلته كناية عن جميع ذات الإنسان تسمية للشئ ببعضه أي يضاعف ثوابه حتى يصير مثل
ثواب العتق المذكور وكتبت أي ثبتت مائة حسنة بالرفع ومحيت أي أزيلت وكان حرزا
أي حفظا ومعنى من الشيطان أي من غوائله ووساوسه يومه ذلك أي في اليوم الذي
قاله فيه حتى يمسي ظاهر التقابل أنه إذا قال في الليل كان له حرزا منه ليلة ذلك حتى يصبح
فيحتمل أن يكون اختصارا من الراوي أو ترك لوضوح المقابلة وتخصيص النهار لأنه أحوج فيه
إلى الحفظ قاله القاري قلت قال الحافظ في الفتح قوله كانت له حرزا من الشيطان في رواية
عبد الله بن سعيد وحفظ يومه حتى يمسي وزاد من قال مثل ذلك حين يمسي كان له مثل ذلك و
مثل ذلك في طريق أخرى يأتي التنبيه عليها بعد انتهى قال النووي ظاهر إطلاق الحديث أنه
يحصل هذا الأجر المذكور في الحديث لمن قال هذا التهليل مائة مرة في يومه سواء قاله متوالية أو
متفرقة في مجالس أو بعضها أول النهار وبعضها آخره لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية في أول النهار
ليكون حرزا له في جميع نهاره وكذا في أول الليل ليكون حرزا له في جميع ليلة ولم يأت أحد أي
يوم القيامة بأفضل مما جاء به أي بأي عمل كان من الحسنات إلا أحد عمل أكثر من ذلك أي
من جنسه أو غيره قال النووي فيه دليل أنه لو قال هذا التهليل أكثر من مائة مرة في اليوم كان له
هذا الأجر المذكور في الحديث على المائة ويكون له ثواب آخر على الزيادة وليس هذا من الحدود
التي نهى عن اعتدائها ومجاوزة أعدادها وأن زيادتها لا فضل فيها أو تبطلها كالزيادة في عدد الطهارة
وعدد ركعات الصلاة ويحتمل أن يكون المراد الزيادة من أعمال الخير لا من نفس التهليل
ويحتمل أن يكون المراد مطلق الزيادة سواء كانت من التهليل أو من غيره أو منه ومن غيره وهذا
الاحتمال أظهر والله أعلم انتهى حطت خطاياه وإن كانت أكثر من زبد البحر ظاهره مع قوله في
التهليل محيت عنه مائة سيئة أن التسبيح أفضل من التهليل لأن عدد زبد البحر أضعاف أضعاف
المائة وقد قال في التهليل ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به قال القاضي في الجواب عن هذا إن
التهليل المذكور أفضل ويكون ما فيه من زيادة الحسنات ومحو السيئات وما فيه من فضل عتق
الرقاب وكونه حرزا من الشيطان زائدا على فضل التسبيح وتكفير الخطايا لأنه قد ثبت أن من أعتق
رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار وقد حصل بعتق رقبة واحدة تكفير جميع الخطايا
307
مع ما يبقى له من زيادة عتق الرقاب الزائدة على الواحدة ومع ما فيه من زيادة مائة درجة وكونه
حرزا من الشيطان ويؤيده ما جاء في الحديث الآخر أن أفضل الذكر التهليل مع الحديث الآخر
أفضل ما قلته أنا والنبيون قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحديث وقيل إنه اسم الله
الأعظم وهي كلمة الإخلاص كذا في شرح مسلم للنووي
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة وأبو عوانة
62 باب
قوله من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة قال القاري أي فيهما
بأي يأتي ببعضها في هذا أو في كل واحد منهما وهو الأظهر لم يأت أحد يوم القيامة
بأفضل مما جاء أي القائل به وهو قول المائة المذكورة إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه وأجيب
أن الاعتراض المشهور بأن الاستثناء منقطع أو كلمة أو بمعنى الواو قال الطيبي أن
يكون ما جاء به أفضل من كل ما جاء به غيره إلا مما جاء به من قال مثله أو زاد عليه قيل الاستثناء
منقطع والتقدير لم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل قال مثل ما قاله فإنه يأتي بمساواته فلا
يستقيم أن يكون متصلا إلا على تأويل نحو قوله وبلدة ليس بها أنيس وقيل بتقدير لم يأت أحد
بمثل ما جاء به أو بأفضل مما جاء به الخ والاستثناء متصل كذا في المرقاة
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه مسلم
قوله (حدثنا إسماعيل بن موسى) الفزاري (أخبرنا داود بن الزبرقان) بكسر زاي وسكون
موحدة وكسر راء وبقاف (عن مطر) بفتحتين (الوراق) هو مطر بن طهمان الوراق أبو رجاء السلمي
مولاهم الخرساني سكن البصرة صدوق كثير الخطأ وحديثه عن عطاء ضعيف من السادسة
308
قوله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم) كلمة ذات مقحمة أي قال يوما
قوله (هذا حديث حسن غريب) في سنده داود بن الزبرقان وهو متروك وكذبه الأزدي
63 باب
قوله (أخبرنا أبو سفيان الحميري) بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وفتح التحتانية اسمه
سعيد بن يحيى بن مهدي بن عبد الرحمن الحذاء الواسطي صدوق وسط من التاسعة (عن
الضحاك بن حمرة) بضم الحاء المهملة وسكون الميم وفتح الراء المهملة الأملوكي الواسطي ضعيف
من السادسة ووقع في النسخة الأحمدية عن الضحاك بن حمزة بالحاء والميم والزاي المنقوطة وهو
غلط قوله من سبح الله مائة أي من قال سبحان الله مائة مرة بالغداة ومائة بالعشي أي أول
النهار وأول الليل أو في الملوين 2 (1) كان كمن حج مائة حجة أي نافلة دل الحديث على أن الذكر
بشرط الحضور مع الله بسهولته أفضل من العبادات الشاقة بغفلته ويمكن أن يكون الحديث من
باب إلحاق الناقص بالكامل مبالغة في الترغيب أو يراد التساوي بين التسبيح المضاعف بالحجج
الغير المضاعفة كان كمن حمل بالتخفيف أي أركب مائة نفس على مائة فرس في سبيل الله أي
في نحو الجهاد إما صدقة أو عارية أو قال غزا مائة غزوة شك من الراوي ومن هلل الله أي قال
309
لا إله إلا الله كان كمن أعتق مائة رقبة فيه تسلية للذاكرين من الفقراء العاجزين عن العبادات
المالية المختصة بها الأغنياء من ولد إسماعيل بضم الواو وسكون اللام وبفتحهما يقع على الواحد
والتثنية والجمع فإن قلت ما وجه تخصيص الذكر من ولد إسماعيل عليه السلام قلت لأن عتق من
كان من والده له فضل على عتق غيره وذلك أن محمدا وإسماعيل وإبراهيم صلوات الله عليهم
وسلامه بعضهم من بعض لم يأت في ذلك اليوم أحد أي يوم القيامة بأكثر أي بثواب أكثر أو
المراد بعمل أفضل وإنما عبر بأكثر لأنه معنى أفضل مما أتى به أي جاء به أو بمثله قيل ظاهره أن
هذا أفضل من جميع ما قبله والذي دلت الأحاديث الصحيحة الكثيرة أن أفضل هذا التهليل
فالتحميد فالتكبير فالتسبيح فحينئذ يؤول بأن يقال لم يأت في ذلك اليوم أحد غير المهلل والحامد
المذكورين أكثر مما أتى به قوله (هذا حديث حسن غريب) في سنده الضحاك بن حمرة وهو
ضعيف وأخرجه النسائي أيضا
قوله (حدثنا الحسين بن الأسود العجلي البغدادي) هو الحسين بن علي ابن الأسود العجلي
البغدادي (عن الحسن بن صالح) بن صالح بن حي الهمداني (عن أبي بشر) قال في الميزان أبو
بشر عن الزهري لا يعرف تفرد عنه الحسن بن صالح بن حي قوله تسبيحة في رمضان أفضل
من ألف تسبيحة من غيره هذا قول الزهري ولم أقف على حديث مرفوع يدل على ذلك
64 باب
قوله (أخبرنا الليث) بن سعد (عن أزهر بن عبد الله) الحرازي الحمصي يقال هو أزهر بن
سعيد تابعي حسن الحديث لكنه ناصبي ينال من علي رضي الله عنه كذا في الميزان قوله إلها
310
واحدا أحدا الواحد والأحد هنا بمعنى فذكر الأحد بعد الواحد للتأكيد ومما يفيد الفرق بينهما ما
قاله الأزهري أنه لا يوصف بالأحدية غير الله تعالى لا يقال رجل أحد ولا درهم أحد كما يقال رجل
واحد ودرهم واحد قيل والواحد يدخل في الأحد والأحد لا يدخل فيه فإذا قلت لا يقاومه
واحد جاز أن يقال لكنه يقاومه اثنان بخلاف قولك لا يقاومه أحد وذكر أحد في الإثبات مع أن
المشهور أنه يستعمل بعد النفي كما أن الواحد لا يستعمل إلا بعد الإثبات يقال في الدار واحد وما
في الدار أحد فالجواب عنه ما قال ابن عباس أنه لا فرق بينهما في المعنى واختاره أبو عبيدة ويؤيده
قوله تعالى فابعثوا أحدكم بورقكم عليه فلا يختص أحدهما بحمل دون آخر وإن اشتهر
استعمال أحدهما في النفي والآخر في الإثبات صمدا الصمد هو الذي يصمد إليه في الحاجات
أي يقصد لكونه قادرا على قضائها فهو فعل بمعنى مفعول كالقبض بمعنى المقبوض لأنه مصمود إليه
أي مقصود إليه قال الزجاج الصمد السيد الذي انتهى إليه السؤدد فلا سيد فوقه وقيل هو
المستغني عن كل أحد والمحتاج إليه كل أحد لم يتخذ صاحبة أي زوجة ولا ولدا لأن الصاحبة
تتخذ للحاجة والولد للاستئناس به والله تعالى منزه عن كل نقص ولم يكن له كفوا أحد أي
مكافيا ومماثلا قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد (والخليل بن مرة ليس بالقوي عند
أصحاب الحديث الخ) فالحديث ضعيف ومع ضعفه منقطع قال الحافظ في تهذيب التهذيب في
ترجمة أزهر بن عبد الله روى عن تميم الداري مرسلا
قوله (حدثنا إسحاق بن منصور) الكوسج (أخبرنا علي بن معبد) ابن شداد الرقي نزيل
مصر ثقة فقيه من كبار العاشرة (عن عبد الرحمن بن غنم) بفتح المعجمة وسكون النون
الأشعري قوله من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجليه أي عاطف رجليه في التشهد قبل
311
أن ينهض وفي رواية أحمد من قال قبل أن ينصرف ويثني رجله من صلاة المغرب والصبح أي قبل
أن ينصرف من مكان صلاته وقبل أن يعطف رجله ويغيرها عن هيئة التشهد قال في النهاية هذا ضد
الأول في اللفظ ومثله في المعنى لأنه أراد قبل أن يصرف رجله عن حالتها التي هي عليها في التشهد
كتبت له عشر حسنات يجوز في مثل هذا تذكير الفعل وتأنيثه ولذلك ذكر الفعل في القرينتين
الآتيتين أما التأنيث فلا كتاب لفظ عشر التأنيث من الإضافة وأما التذكير فبظاهر اللفظ
وكان أي القائل يومه بالنصب على الظرفية في حرز أي حفظ من كل مكروه أي من الآفات
وحرس بفتح المهملة وسكون الراء هو بمعنى الحرز والحفظ من الشيطان تخصيص بعد تعميم
لكمال الاعتناء ولم ينبغ أي لم يجز وفي رواية أحمد لم يحل أن يدركه أي يهلكه ويبطل عمله إلا
الشرك بالله أي إن وقع منه قال الطيبي فيه استعارة ما أحسن موقعها فإن الداعي إذا دعا بكلمة
التوحيد فقد أدخل نفسه حرما آمنا فلا يستقيم للذنب أن يحل ويهتك حرمة الله فإذا خرج عن
حرم التوحيد أدركه الشرك لا محالة والمعنى لا ينبغي لذنب أي ذنب أن يدرك القائل ويحيط به
ويستأصله سوى الشرك قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه النسائي والطبراني
في الأوسط وأخرجه أحمد من طريق شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن النبي صلى الله عليه وسلم من
غير ذكر أبي ذر
تنبيه ظاهر هذه الأحاديث أن هذه الفضائل لكل ذاكر وذكر القاضي عن بعض العلماء
أن الفضل الوارد في مثل هذه الأعمال الصالحة والأذكار إنما هو لأهل الفضل في الدين والطهارة من
الجرائم العظام وليس من أصر على شهواته وانتهك دين الله وحرماته بلا حق بالأفاضل المطهرين
من ذلك ويشهد له قوله تعالى أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا
وعملوا الصالحات الآية
312
65 باب جامع الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
هو من إضافة الصفة إلى الموصوف أي الدعوات الجامعة لمعان كثيرة في ألفاظ يسيرة
قوله (الثعلبي) بفتح المثلثة وسكون المهملة وفتح اللام وكسر الموحدة اللهم إني أسألك
لم يذكر المسؤول لعدم الحاجة إليه بأني أشهد الباء للسببية أي بسبب أني أشهد أنك أنت الله الخ
الأحد أي بالذات والصفات الصمد أي المقصود في الحوائج على الدوام الذي لم يلد لانتفاء
مجانسته ولم يولد لانتفاء الحدوث عنه ولم يكن له كفوا أحد أي مكافيا ومماثلا فله متعلق
بكفوا وقدم عليه لأنه محط القصد بالنفي وأخر أحد وهو اسم يكن عن خبرها رعاية للفاصلة
(قال) أي بريدة (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم لقد سأل الله باسمه الأعظم قال الطيبي فيه دلالة على
أن لله تعالى اسما أعظم إذا دعي به أجاب وأن ذلك مذكور ههنا وفيه حجة على من قال كل اسم
ذكر بإخلاص تام مع الإعراض عما سواه هو الاسم الأعظم إذ لا شرف للحروف وقد ذكر في
أحاديث أخر مثل ذلك وفيها أسماء ليست في هذا الحديث إلا أن لفظ الله مذكور في الكل فيستدل
بذلك على أنه الاسم الأعظم انتهى الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى السؤال أن
يقول العبد أعطني الشئ الفلاني فيعطي والدعاء أن ينادي ويقول يا رب فيجيب الرب تعالى
ويقول لبيك يا عبدي ففي مقابلة السؤال الإعطاء وفي مقابلة الدعاء الإجابة وهذا هو الفرق
بينهما ويذكر أحدهما مقام الآخر أيضا وقال الطيبي إجابة الدعاء وتدل على وجاهة الداعي
عند المجيب فيتضمن قضاء الحاجة بخلاف الإعطاء فالأخير أبلغ (قال زيد) أي ابن حباب (
فذكرته) أي هذا الحديث (بعد ذلك) أي بعد ما سمعه من مالك بن مغول (فقال) أي زهير
(حدثني) أي هذا الحديث (أبو إسحاق) هو السبيعي قوله (هذا حديث حسن غريب)
313
وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرطهما
قال المنذري في تلخيص السنن قال شيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي رضي الله عنه وهو إسناد لا
مطعن فيه ولا أعلم أنه روى في هذا الباب حديث أجود إسنادا منه وهو يدل على بطلان مذهب
من ذهب إلى نفي القول بأن لله اسما هو الاسم الأعظم وهو حديث حسن انتهى (وروى
شريك) هو ابن عبد الله النخعي القاضي (وإنما أخذه أبو إسحاق عن مالك بن مغول) كما رواه
زهير بن معاوية
قوله (عن عبيد الله بن أبي زياد القداح) المكي كنيته أبو الحصين ليس بالقوى قوله
وفاتحة آل عمران بالجر على أنها وما قبلها بدلان ويجوز الرفع والنصب ووجههما ظاهر ألم الله
الخ بدل مما قبله قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة قال
المنذري في تلخيص السنن ما لفظه وأخرجه الترمذي وقال حديث حسن هذا آخر كلامه
وشهر بن حوشب وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وتكلم فيه غير واحد وفي إسناده أيضا
عبيد الله بن أبي زياد القداح المكي وقد تكلم فيه غير واحد انتهى
إعلم أن هذا الحديث والذي قبله يدلان على أن لله تعالى اسما أعظم إذا دعي به أجاب
وفي الباب أحاديث أخرى وقد أنكره بعض أهل العلم والقول الراجح قول من أثبته وأحاديث
الباب حجة على المنكرين قال الحافظ في الفتح وقد أنكره قوم كأبي جعفر
الطبري وأبي الحسن الأشعري وجماعة بعدهما كأبي حاتم بن حبان والقاضي أبي بكر الباقلاني فقالوا
لا يجوز تفضيل بعض الأسماء على بعض ونسب ذلك بعضهم لمالك لكراهيته أن تعاد سورة أو
ترددون غيرها من السور لئلا يظن أن بعض القرآن أفضل من بعض فيؤذن ذلك باعتقاد نقصان
المفضول عن الأفضل وحملوا ما ورد من ذلك على أن المراد بالأعظم العظيم وأن أسماء الله كلها
عظيمة وقال ابن حبان الأعظمية الواردة في الأخبار إنما يراد بها مزيد ثواب الداعي بذلك كما
314
أطلق ذلك في القرآن والمراد به مزيد ثواب القاري وقال آخرون استأثر الله تعالى بعلم الاسم
الأعظم ولم يطلع عليه أحدا من خلقه وأثبته آخرون معينا واضطربوا في ذلك قال وجملة ما وقفت
عليه في ذلك أربعة عشر قولا فذكرها ومنها الله لأنه اسم لم يطلق على غيره ولأنه الأصل في الأسماء
الحسنى ومن ثم أضيفت إليه ومنها الرحمن الرحيم الحي القيوم لما أخرج الترمذي من حديث
أسماء بنت يزيد يعني حديثها المذكور في هذا الباب ومنها الحي القيوم أخرج ابن ماجة من حديث أبي
أمامة الاسم الأعظم في ثلاث سورة البقرة وآل عمران وطه قال القاسم الراوي عن أبي أمامة
التمسته منها فعرفت أنه الحي القيوم وقواه الفخر الرازي واحتج بأنهما يدلان من صفات العظمة
بالربوبية ما لا يدل على ذلك غيرهما كدلالتهما ومنها الحنان المنان بديع السماوات والأرض ذو
الجلال والإكرام الحي القيوم ورد ذلك مجموعا في حديث أنس عند أحمد والحاكم وأصله عند أبي
داود والنسائي وصححه ابن حبان ومنها الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم
يكن له كفوا أحد أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم من حديث بريدة
قال الحافظ وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك انتهى وإن شئت الوقوف على
الأقوال الباقية فارجع إلى الفتح وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين قد اختلف في تعيين الاسم
الأعظم على نحو أربعين قولا قد أفردها السيوطي بالتصنيف قال ابن حجر وأرجحها من حيث
السند الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وقال الجزري
في شرح الحصن الحصين وعندي أن الاسم الأعظم لا إله إلا هو الحي القيوم وذكر ابن القيم
في الهدى أنه الحي القيوم فينظر في وجه ذلك انتهى
66 باب
قوله (بينا) وفي رواية بينما (فقال) أي في آخر صلاته أو بعدها عجلت بكسر الجيم
ويجوز الفتح والتشديد قاله الأبهري فقعدت قال الطيبي إما عطف على مقدر أي إذا صليت
وفرغت فقعدت للدعاء فاحمد الله وإما عطف على المذكور أي إذا كنت مصليا فقعدت للتشهد
فاحمد الله أي اثن عليه بقولك التحيات لله إلخ قال القاري ويؤيد الأول إطلاق قوله فاحمد الله
315
بما هو أهله أي من كل ثناء جميل قلت ويؤيد الاحتمال الثاني الرواية الآتية فإن فيها يدعو في
صلاته والروايات بعضها يفسر بعضا ثم ادعه بهاء الضمير وقيل بهاء السكت (فحمد الله وصلى
على النبي صلى الله عليه وسلم) أي ولم يدع أدع تجب على بناء المجهول مجزوما على جواب الأمر دلهما عليه السلام
على الكمال قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي
قوله وأنتم موقنون بالإجابة أي والحال أنكم موقنون بها أي كونوا عند الدعاء على حالة
تستحقون بها الإجابة من إتيان المعروف واجتناب المنكر ورعاية شروط الدعاء كحضور القلب
وترصد الأزمنة الشريفة والأمكنة المنيفة واغتنام الأحوال اللطيفة كالسجود إلى غير ذلك حتى
تكون الإجابة على قلوبكم أغلب من الرد أو أراد وأنتم معتقدون أن الله لا يخيبكم لسعة كرمه
وكمال قدرته وإحاطة علمه لتحقق صدق الرجاء وخلوص الدعاء لأن الداعي ما لم يكن رجاؤه
واثنا لم يكن دعاؤه صادقا من قلب غافل بالإضافة وتركها أي معرض عن الله أو عما سأله لاه
من اللهو أي لاعب بما سأله أو مشتغل بغير الله تعالى وهذا عمدة آداب الدعاء ولذا خص
بالذكر قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه الحاكم وقال مستقيم الإسناد تفرد به صالح المري
وهو أحد زهاد البصرة قال المنذري صالح المري لا شك في زهده لكن تركه أبو داود والنسائي
انتهى قلت وللحديث شاهد من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال القلوب أوعية وبعضها أوعى من بعض فإذا سألتم الله عز وجل يا أيها الناس فاسألوه وأنتم
موقنون بالإجابة فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل أخرجه أحمد وحسن المنذري
إسناده
قوله (حدثنا المقرئ) اسمه عبد الله بن يزيد المكي أبو عبد الرحمن (حدثنا حياة) بن
316
شريح بن صفوان قوله (فلم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم) وفي رواية أبي داود لم يمجد الله ولم يصل على
النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بعد أي بعد التحميد والصلاة ما شاء أي من دين أو دنيا مما يجوز طلبه
قوله (هذا حديث حسن صحيح) تقدم تخريجه
67 باب
قوله اللهم عافني في جسدي أي في بدني وعافني في بصري أي في عيني والمعنى
احفظهما عن جميع الأسقام والأمراض واجعله الوارث مني قال الجزري في النهاية أي إبق
البصر صحيحا سليما إلى أن أموت وقيل أراد بقاءه وقوته عند الكبر وانحلال القوى النفسانية
فيكون البصر وارث سائر القوى والباقي بعدها انتهى لا إله إلا الله الحليم أي الذي لا يعجل
بالعقوبة فلا يعاجل بنقمته على من قصر في طاعته الكريم هو الجواد المعطي الذي لا ينفد عطاؤه
وهو الكريم المطلق قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الحاكم قوله (سمعت محمدا
يقول حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير شيئا) قال الحافظ في تهذيب التهذيب بعد
نقل كلام الترمذي هذا وقال ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل عن أبيه أهل الحديث اتفقوا على
ذلك يعني على عدم سماعه منه قال واتفاقهم على شئ يكون حجة انتهى
317
68 باب
قوله (أخبرنا أبو أسامة) اسمه حماد بن أسامة قوله (تسأله خادما) هو واحد الخدم
ويقع على الذكر والأنثى لأنه جرى مجرى اسم غير مشتق اللهم رب السماوات السبع ورب
العرش العظيم ربنا ورب كل شئ الخ سبق شرحه قبل باب ما جاء فيمن يقرأ من القرآن عند
المنام
69 باب
قوله (عن عبد الله بن الحارث) الزبيدي بضم الزاي النجراني بنون وجيم الكوفي المعروف
بالمكتب ثقة من الثالثة (عن زهير بن الأقمر) كنيته أبو كثير الزبيدي بالتصغير الكوفي مقبول من الثالثة
قوله اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع أي لا يسكن ولا يطمئن بذكر الله ومن
318
دعاء لا يسمع بصيغة المجهول أي لا يستجاب ومن نفس لا تشبع أي بما آتاها الله ولا تقنع بما
رزقها ولا تفتر عن جمع المال لما فيها من شدة الحرص أو من نفس تأكل كثيرا قال ابن الملك أي
حريصة على جمع المال وتحصيل المناصب ومن علم لا ينفع أي علم لا أعمل به ولا أعلم الناس
ولا يهذب الأخلاق والأقوال والأفعال أو علم لا يحتاج إليه أو لم يرد في تعلمه إذن شرعي قال
الطيبي إعلم أن في كل من القرائن الأربع ما يشعر بأن وجوده مبني على غايته وأن الغرض منه
تلك الغاية وذلك أن تحصيل العلوم إنما هو للانتفاع بها فإذا لم ينتفع به لم يخلص منه كفافا بل يكون
وبالا ولذلك استعاذ وأن القلب إنما خلق لأن يتخشع لبارئه وينشرح لذلك الصدر ويقذف النور
فيه فإذا لم يكن كذلك كان قاسيا فيجب أن يستعاذ منه قال تعالى فويل للقاسية قلوبهم من ذكر
الله وأن النفس يعتد بها إذا تجافت عن دار الغرور وأنابت إلى دار الخلود وهي إذا كانت منهومة
لا تشبع حريصة على الدنيا كانت أعدى عدو المرء فأولى الشئ الذي يستعاذ منه هي أي النفس
وعدم استجابة الدعاء دليل على أن الداعي لم ينتفع بعلمه وعمله ولم يخشع قلبه ولم تشبع نفسه
انتهى قوله (وفي الباب عن جابر وأبي هريرة وابن مسعود) أما حديث جابر فأخرجه ابن حبان
عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول اللهم إني أسألك علما نافعا وأعوذ بك من علم لا ينفع
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم وأما حديث ابن مسعود
فأخرجه الحاكم في مستدركه وابن أبي شيبة في مصنفه قوله (وهذا حديث حسن صحيح
غريب) وأخرجه النسائي وأخرجه مسلم من حديث زيد بن أرقم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه أتم
منه
70 باب
قوله (عن شبيب بن شيبة) بن عبد الله التميمي المنقري أبي معمر البصري الخطيب
البليغ أخباري صدوق يهم في الحديث من السابعة عن عمران بن حصين بن عبيد الخزاعي
319
كنيته أبو نجيد بنون وجيم مصغرا أسل عام خيبر وصحت مصغرا أسلم عام خيبر وصحب وكان فاضلا وقضي بالكوفة (لأبي) أي
لوالدي حال كفره يا حصين كم تعبد اليوم اللام للمعهود الحاضري نحو قوله تعالى اليوم
أكملت لكم دينكم إلها قال ابن حجر المكي هو تمييز (عن عمران بن حصين) ابن عبيد نجيد بنون وجيم لكم الاستفهامية ولا يضره الفصل لأنه
غير أجنبي (قال أبي سبعة) أي أعبد سبعة من الآلهة (ستة في الأرض وواحدا في السماء) أي ستة
آلهة في الأرض وإلها واحدا في السماء فأيهم تعد بفتح التاء وضم العين لرغبتك ورهبتك قال
الطيبي الفاء جزاء شرط محذوف أي إذا كان كذلك فأيهم تخصه وتلتجئ إليه إذا نابتك نائبة أما
بالتخفيف للتنبيه إنك بكسر الهمزة كلمتين أي دعوتين تنفعانك أي في الدارين اللهم
ألهمني رشدي بضم فسكون وبفتحتين أي وفقني إلى الرشد وهو الاهتداء إلى الصلاح وأعذني
من شر نفسي أي أجرني واحفظني من شرها فإنها منبع الفساد وهذا الحديث من جوامع الكلم
النبوية لأن طلب إلهام الرشد يكون به السلامة من كل ضلال والاستعاذة من شر النفس يكون بها
السلامة من غالب معاصي الله سبحانه فإن أكثرها من جهة النفس الأمارة بالسوء
71 باب
قوله (أخبرنا أبو عامر) هو العقدي (أخبرنا أبو مصعب) اسمه عبد السلام ابن حفص
ويقال ابن مصعب الليثي أو السلمي المدني وثقه ابن معين من السابعة قال في تهذيب التهذيب
في ترجمته روي عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب وغيره وعنه أبو عامر العقدي وغيره قوله
من الهم والحزن الحزن خشونة في النفس لحصول غم والهم حزن يذيب الإنسان فهو أخص
320
من الحزن وقيل هو بالآتي والحزن بالماضي وقيل هما بمعنى والعجز بفتح العين وسكون الجيم
والكسل بفتح الكاف والسين قال النووي العجز هو عدم القدرة على الخير وقيل هو ترك ما
يجب فعله والتسويف به أما الكسل فهو عدم انبعاث النفس س للخير وقلة الرغبة مع إمكانه
انتهى والبخل بضم الباء وسكون الخاء وبفتحهما وهو ضد السخاوة وضلع الدين أصل
الضلع هو بفتح المعجمة واللام الاعوجاج يقال ضلع بفتح اللام يضلع والمراد به هنا ثقل الدين
وشدته وذلك حيث لا يجد من عليه الدين وفاء ولا سيما مع المطالبة وقال بعض السلف ما دخل
هم الدين قلبا إلا أذهب من العقل ما لا يعود إليه وقهر الرجال وفي بعض النسخ غلبة الرجال
أي شدة تسلطهم كاستيلاء الرعاع هرجا ومرجا قال الكرماني هذا الدعاء من جوامع الكلم
لأن أنواع الرذائل ثلاثة نفسانية وبدنية وخارجية فالأولى بحسب القوى التي للإنسان وهي
ثلاثة العقلية والغضبية والشهوانية فالهم والحزن يتعلق بالعقلية والجبن بالغضبية والبخل
بالشهوانية والعجز والكسل بالبدنية والثاني يكون عند سلامة الأعضاء وتمام الآلات والقوى
والأول عند نقصان عضو ونحوه والضلع والغلبة بالخارجية فالأول مائي والثاني جاهي والدعاء
مشتمل على جميع ذلك
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي
قوله والهرم بفتحتين أي من كبر سن يؤدي إلى تساقط بعض القوى وضعفها والجبن
بضم الجيم وسكون الموحدة أي عدم الإقدام على مخالفة النفس والشيطان وفتنة المسيح أي
الدجال يعني من ابتلائه وامتحانه ويأتي وجه تلقيب الدجال بالمسيح بعد خمسة أبواب
72 باب ما جاء في عقد التسبيح باليد
قوله (أخبرنا عثام) بفتح العين المهملة وتشديد المثلثة (بن علي) بن هجير بجيم مصغرا
321
العامري الكلابي أبو علي الكوفي صدوق من كبار التاسعة قوله (يعقد التسبيح بيده) وفي رواية
أبي داود قال ابن قدامة بيمينه وأبو قدامة هذا هو شيخ أبي داود واسمه محمد وفي الحديث
مشروعية عقد التسبيح بالأنامل وعلل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يسيرة الذي أشار إليه
الترمذي بأن الأنامل مسؤولات مستنطقات يعني أنهن يشهدن بذلك فكان عقدهن بالتسبيح من
هذه الحيثية أولى من السبحة والحصى ويدل على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى حديث
سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به
الحديث وحديث صفية قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بها
الحديث أخرجهما الترمذي فيما بعد قال الشوكاني في النيل ص 211 ج 2 هذان الحديثان يدلان
على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى وكذا بالسبحة لعدم الفارق لتقريره صلى الله عليه وسلم للمرتين على
ذلك وعدم إنكاره والإرشاد إلى ما هو أفضل لا ينافي الجواز وقد وردت بذلك اثار ففي جزء هلال
الحفار من طريق معتمر بن سليمان عن أبي صفية مولى النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يوضع له نطع ويجاء
بزنبيل فيه حصى فيسبح به إلى نصف النهار ثم يرفع فإذا صلى أتى به فيسبح حتى يمسح وأخرجه
الإمام أحمد في الزهد وأخرج ابن سعد عن حكيم بن الديلمي أن سعد بن أبي وقاص كان يسبح
بالحصى وقال ابن سعد في الطبقات أخبرنا عبد الله بن موسى أخبرنا إسماعيل عن جابر عن
امرأة خدمته عن فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب أنها كانت تسبح بخيط معقود فيها
وأخرج عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد الزهد عن أبي هريرة أنه كان له خيط فيه ألف عقدة فلا
ينام حتى يسبح وأخرج أحمد في الزهد عن القاسم بن عبد الرحمن قال لأبي الدرداء نوى عن
العجوة في كيس فكان إذا صلى الغداة أخرجها واحدة يسبح بهن حتى ينفذهن وأخرج ابن
سعد عن أبي هريرة أنه كان يسبح بالنوى المجموع وأخرج الديلمي في مسند الفردوس من طريق
زينب بنت سليمان بن علي عن أم الحسن بنت جعفر عن أبيها عن جدها عن علي رضي الله عنه
مرفوعا نعم المذكر السبحة وقد ساق السيوطي آثارا في الجزء الذي سماه المنحة في السبحة وهو
من جملة كتابه المجموع في الفتاوى وقال في آخره ولو ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع
من جواز عد الذكر بالسبحة بل كان أكثرهم يعدونه بها ولا يرون ذلك مكروها انتهى قوله
(هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود وسكت عنه ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقر
322
وأخرجه النسائي والحاكم وصححه قوله (وفي الباب عن يسيرة بنت ياسر) أخرج حديثها
الترمذي في أحاديث شتى
قوله (عاد) من العيادة (رجلا) أي مريضا (قد جهد) بصيغة المجهول قال في القاموس
جهد المرض فلانا هزله (مثل فرخ) هو ولد الطير أي مثله في كثرة النحافة وقلة القوة أما كنت
تدعو أما كنت تسأل ربك العافية بهمزة الاستفهام وما النافية في الجملتين وفي رواية مسلم هل
كنت تدعو الله بشئ أو تسأله إياه (ما كنت معاقبي به) ما موصولة أو شرطية إنك لا تطيقه أي
في الدنيا أو لا تستطيعه أو للشك من الراوي قال النووي في هذا الحديث النهي عن الدعاء
بتعجيل العقوبة وفيه فضل الدعاء باللهم اتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
وفيه جواز التعجب يقول سبحان الله وقد سبقت نظائره وفيه استحباب عيادة المريض والدعاء
له وفيه كراهة تمني البلاء لئلا يتضجر منه ويسخطه وربما شكا وأظهر الأقوال في تفسير الحسنة
في الدنيا أنها العبادة والعافية وفي الآخرة الجنة والمغفرة وقيل الحسنة نعم الدنيا والآخرة ولا
مناسبة لحديث أنس
هذا بالباب فلعله كان قبل هذا الحديث باب بغير ترجمة فسقط
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه مسلم
323
73 باب
قوله (أخبرنا أبو داود) الطيالسي (عن أبي إسحاق) السبيعي (س أبا الأحوص)
اسمه عوف بن مالك بن نضلة الجشمي قوله اللهم إني أسألك الهدى والتقى أي الهداية
والتقوى قال الطيبي أطلق الهدى والتقى ليتناول كل ما ينبغي أن يهتدي إليه من أمر المعاش
والمعاد ومكارم الأخلاق وكل ما يجب أن يتقي منه من الشرك والمعاصي ورذائل الأخلاق وطلب
العفاف والغنى تخصيص بعد تعميم انتهى العفاف والغنى العفاف والعفة هو التنزه عما لا يباح
والكف عنه والغنى ههنا غنى النفس والاستغناء عن الناس وعما في أيديهم
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وابن ماجة
74 باب
قوله (عن محمد بن سعد الأنصاري) الشامي صدوق من السادسة (عن عبد الله بن ربيعة) بن
يزيد الدمشقي وقيل ابن يزيد بن ربيعة مجهول من السادسة قوله (يقول) اسم كان بحذف إن أي
قوله اللهم إني أسألك حبك من إضافة المصدر إلى الفاعل أو المفعول والأول
أظهر إذ فيه تلميح إلى قوله تعالى يحبهم ويحبونه وحب من يحبك كما سبق إما الإضافة إلى
المفعول فهو ظاهر كمحبتك للعلماء والصلحاء وإما الإضافة إلى الفاعل فهو مطلوب أيضا كما
ورد في الدعاء حببنا إلى أهلها وحبب صالحي أهلها إلينا وأما ما ورد في الدعاء من سؤال حب
324
المساكين فمحتمل والعمل بالنصب عطف على المفعول الثاني الذي يبلغني بتشديد اللام أي
يوصلني ويحصل لي حبك يحتمل الاحتمالين اللهم اجعل حبك أي حبي إياك من نفسي
ومالي أي من حبهما حتى أوثره عليهما ومن الماء البارد أعاد من ههنا ليدل على استقلال الماء البارد
في كونه محبوبا وذلك في بعض الأحيان فإنه يعدل بالروح (قال) أي أبو الدرداء (إذا ذكر داود)
بالنصب على المفعولية (يحدث عنه) أي يحكى عنه قال الطيبي قوله يحدث يروي مرفوعا جزاء
للشرط إذا كان ماضيا والجزاء مضارعا يسوغ فيه الوجهان انتهى قال القاري ومراده أن الرفع
متعين ولو قيل إن إذا يجزم كما ذكروا في قوله وإذا تصبك خصاصة فتجمل فإن الشرط الجازم
المتفق عليه إذا كان ماضيا والجزاء مضارعا يسوغ فيه الوجهان فكيف إذا كان الشرط جازما مختلفا
فيه فيتعين على كل تقدير ولا يجوز الجزم لعدم وروده رواية لكن لو ورد له وجه في الدراية (كان)
أي داود (أعبد البشر) أي في زمانه كذا قيد الطيبي قال القاري وعلى تقدير الإطلاق لا محذور
فيه إذ لا يلزم من الأعبدية الأعلمية فضلا عن الأفضلية
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الحاكم في مستدركه
75 باب
قوله (عن أبي جعفر الخطمي) بفتح المعجمة وسكون الطاء اسمه عمير بن يزيد بن
عمير بن حبيب بن خماشة الأنصاري المدني نزيل البصرة صدوق من السادسة قوله اللهم
ارزقني حبك أي لأنه لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح إلا بأن يكون الله أحب إليه مما
سواه اللهم ما رزقتني مما أحب أي الذي أعطيتني من الأشياء التي أحبها من صحة البدن وقوته
وأمتعة الدنيا من المال والجاه والأولاد والفراغ فاجعله قوة لي أي عدة لي فيما تحب أي بأن
325
أصرفه فيما تحبه وترضاه من الطاعة والعبادة اللهم وما زويت من الزي بمعنى القبض والجمع
ومنه قوله عليه الصلاة والسلام اللهم ازو لنا الأرض وهون علينا السفر أي اطوها كما في رواية
أخرى أي وما قبضته ونحيته عني أي بأن منعتني ولم تعطني مما أحب أي مما أشتهيه من المال
والجاه والأولاد وأمثال ذلك فاجعله فراغا لي أي سبب فراغ خاطري فيما تحب أي من الذكر
والفكر والطاعة والعبادة قال القاضي يعني ما صرفت عني من محابي فنحه عن قلبي واجعله
سببا لفراغي لطاعتك ولا تشغل به قلبي فيشغل عن عبادتك وقال الطيبي أي اجعل ما نحيته
عني من محابي عونا لي على شغلي بمحابك وذلك أن الفراغ خلاف الشغل فإذا ذوي عنه الدنيا
ليتفرغ بمحاب ربه كان ذلك الفراغ عونا له على الاشتغال بطاعة الله كذا في المرقاة قوله (اسمه
عمير) بالتصغير (بن يزيد بن خماشة) بضم خاء معجمة وخفة ميم وإعجام شين
76 باب
قوله (حدثنا سعد بن أوس) العبسي أبو محمد الكاتب الكوفي ثقة لم يصب الأزدي في
تضعيفه من السابعة (عن شتير) بضم الشين المعجمة وفتح الفوقية مصغرا (بن شكل) بشين
معجمة وكاف مفتوحتين وباللام العبسي بموحدة الكوفي ثقة من الثالثة (من أبيه شكل بن حميد)
العبسي الكوفي صحابي له هذا الحديث قوله (علمني تعوذا) أي ما يتعوذ به قال الطيبي
العوذ والمعاذ والتعويذ بمعنى (أتعوذ به) أي لخاصة نفسي (قال فأخذ بكفي) كان أخذه صلى الله عليه وسلم كفه
لمزيد الاعتناء والاهتمام بالتعليم وقد تقدم بيانه في باب المصافحة اللهم إني أعوذ بك من شر
سمعي أي حتى لا أسمع به ما تكرهه ومن شر بصري أي حتى لا أرى شيئا لا ترضاه ومن شر
لساني أي حتى لا أتكلم بما لا يعنيني ومن شر قلبي أي حتى لا أعتقد اعتقادا فاسدا ولا يكون
326
فيه نحو أحد حقد وحسد وتصميم فعل مذموم أبدا ومن شر منيي وهو أن يغلب عليه حتى يقع
في الزنا أو مقدماته (يعني فرجه) هذا تفسير من بعض الرواة لقوله منيى أي يريد شر فرجه قوله
(هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره
77 باب
قوله (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم) أي أصحابه أو أهل بيته (هذه الدعاء) أي الذي
يأتي قال النووي ذهب طاؤس إلى وجوبه وأمر ابنه بإعادة الصلاة حين لم يدع بهذا الدعاء
فيها والجمهور على أنه مستحب اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم فيه إشارة إلى أنه لا
مخلص من عذابها إلا بالالتجاء إلى بارئها ومن عذاب القبر فيه استعاذة للأمة أو تعليم لهم لأن
الأنبياء لا يعذبون وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال أي على تقدير لقبه قال أهل اللغة الفتنة
الامتحان والاختبار وقال عياض واستعمالها في العرف لكشف ما يكره والمسيح يطلق على
الدجال وعلى عيسى بن مريم عليه السلام لكن إذا أريد الدجال قيدوبه واختلف في تلقيب
الدجال بذلك تقيل لأنه مسموع العين وقيل لأنه أحد شقي وجهه خلق ممسوحا لا عين فيه ولا
حاجب وقيل لأنه يمسح الأرض إذا خرج وأما عيسى فقيل سمي بذلك لأنه خرج من بطن أمه
ممسوحا بالدهن وقيل لأن زكريا مسحه وقيل لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ وقيل لأنه
كان يمسح الأرض بسياحته وقيل لأن رجله كانت لا إخمص لها وقيل لليسه المسوح وأعوذ بك
من فتنة المحيا والممات هذا تعميم بعد تخصيص قال ابن دقيق العيد فتنة المحيا ما يعرض للإنسان
مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت
327
وفتنة الممات يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت أضيفت إليه لقربها منه ويكون المراد بفتنة المحيا على
هذا ما قيل ذلك ويجوز أن يراد بها فتنة القبر وقد صح في حديث أسماء أنكم تفتنون في قبوركم
مثل أو قريبا من فتنة الدجال ولا يكون مع هذا فالوجه متكررا مع قوله عذاب القبر لأن العذاب
مرتب عن الفتنة والسبب غير المسيب انتهى
قوله (هذا حديث صحيح غريب) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي
قوله اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار أي فتنة تؤدي إلى النار لئلا يتكرر ويحتمل أن
يراد بفتنة النار سؤال الخزنة على سبيل التوبيخ وإليه الإشارة بقوله تعالى كلما ألقي فيها فوج
سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير وعذاب النار أي من أن أكون من أهل النار وهم الكفار فإنهم
هم المعذبون وأما الموحدون فإنهم مؤدبون ومهذبون بالنار لا معذبون بها وعذاب القبر وهو
ضرب من لم يوفق للجواب بمقامع من الحديد وغيره من العذاب والمراد بالقبر البرزخ والتعبير به
للغالب أو كل ما استقر أجزاؤه فيه فهو قبره وفتنة القبر أي التحير في جواب الملكين ومن شر
فتنة الغني وهي البطر والطغيان وتحصيل المال من الحرام وصرفه في العصيان والتفاخر بالمال
والجاه ومن شر فتنة الفقر وهي الحسد على الأغنياء والطمع في أموالهم والتذلل بما يدنس
العرض ويثلم الدين وعدم الرضا بما قسم الله له وغير ذلك مما لا تحمد عاقبته قال الغزالي فتنة
الغني الحرص على جمع المال والحب على أن يكسبه من غير حله ويمنعه من واجبات إنفاقه
وحقوقه وفتنة الفقر يراد به الفقر الذي لا يصحبه صبر ولا ورع حتى يتورط صاحبه بسببه فيما لا
يليق بأهل الدين والمروءة ولا يبالي بسبب فاقته على أي حرام وثب اللهم اغسل خطاياي أي
أزلها عني والبرد بفتحتين وهو حب الغمام جمع بينهما مبالغة لأن ما غسل بالثلاثة أنقى مما غسل
بالماء وحده فسأل بأن يطهره التطهير الأعلى الموجب لجنة المأوى والمراد طهرني بأنواع مغفرتك
وانق من الإنقاء وفي رواية مسلم نق من التنقية من الدنس أي الوسخ وباعد أي أبعد
وعبر بالمفاعلة مبالغة والمراد بالمباعدة محرما ما حصل منها والعصمة عما سيأتي منها وهو مجاز لأن
حقيقة المباعدة إنما هي في الزمان والمكان وموقع التشبيه أن النقاء المشرق والمغرب مستحيل فكأنه
328
أراد أن لا يبقى لها منه اقتراب بالكلية والمأثم أي مما يأثم به الإنسان أو مما فيه إثم أو مما يوجب
الإثم أو الإثم نفسه والمغروم هو مصدر وضع موضع الاسم يريد به مغرم الذنوب والمعاصي وقيل
المغرم كالغرم وهو الدين ويريد به ما استدين فيما يكرهه الله أو فيما يجوز ثم عجز عن أدائه فأما
دين احتاج إليه وهو قادر على أدائه فلا يستعاذ منه قاله الجزري في النهاية
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة
قوله (حدثنا هارون) هو ابن إسحاق الهمداني (أخبرنا عبده) هو ابن سليمان الكلابي
قوله وألحقني بالرفيق الأعلى المراد بالرفيق الأعلى هنا جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين
وهو اسم جاء على فعيل ومعناه الجماعة كالصديق والخليط يقع على الواحد والجمع والمراد هنا
الجمع كقوله تعالى وحسن أولئك رفيقا كذا قال الجزري وغيره وعند البخاري من طريق
سعد عن عروة عن عائشة قالت كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والآخرة فسمعت
النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه وأخذته بحة يقول مع الذين أنعم الله عليهم الآية
فظننت أنه خير قال الحافظ وفي رواية المطلب عن عائشة عند أحمد فقال مع الرفيق الأعلى مع
الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء إلى قوله رفيقا
قال (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان سعد عن عروة عن عائشة قالت كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والآخرة فسمعت
النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه وأخذته بحة يقول مع الذين أنعم الله عليهم الآية
فظننت أنه خير قال الحافظ وفي رواية المطلب عن عائشة عند أحمد فقال مع الرفيق الأعلى مع
الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء إلى قوله رفيقا
قال (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
78 باب
قوله اللهم إني أعوذ بك برضاك من سخطك الخ يأتي شرحه في أحاديث شتى في باب دعاء الوتر
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
329
79 باب قوله ليعزم المسألة المراد بالمسألة الدعاء قال العلماء عزم المسألة الشدة في طلبها والحزم
به من غير ضعف في الطلب ولا تعليق على مشيئة ونحوها وقيل هو حسن الظن بالله تعالى في
الإجابة ومعنى الحديث استحباب الجزم في الطلب وكراهة التعليق على المشيئة قال العلماء
سبب كراهته أنه لا يتحقق استعمال المشيئة إلا في حق من يتوجه عليه الإكراه والله تعالى منزه عن
ذلك وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث فإنه لا مستكره له وقيل سبب الكراهة أن في هذا اللفظ
صورة الاستغناء عن المطلوب والمطلوب منه قال النووي فإنه لا مكره له بضم الميم وسكون
الكاف وكسر الراء من الإكراه وفي رواية للشيخين لا مستكره له وهما بمعنى
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود
80 باب
قوله قال ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا الخ قد تقدم هذا الحديث في باب نزول
الرب تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا من أبواب الصلاة وتقدم هناك شرحه
330
قوله (حدثنا محمد بن يحيى) بن أيوب بن إبراهيم الثقفي أبو يحيى المروزي القصري
المعلم ثقة حافظ من العاشرة قوله (أي الدعاء أسمع) أي أوفق إلى السماء أو أقرب إلى الإجابة
جوف الليل روى بالرفع وهو الأكثر على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف على حذف
مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه مرفوعا أي دعاء جوف الليل أسمع وروى بنصب جوف على
الظرفية أي في جوفه الآخر صفة جوف فيتبعه في الإعراب قيل والجوف الآخر هو وسط
النصف الآخر من الليل بسكون السين لا بالتحريك ودبر الصلوات المكتوبات عطف على
جوف تابع له في الإعراب
81 باب
قوله (أخبرنا حياة بن شريح) بن يزيد الحضرمي أبو العباس الحمصي ثقة من العاشرة
قال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن أبيه وبقية وغيرهما وروى عنه إسحاق بن منصور
الكوسج وعبد الله الدارمي وغيرهما (عن مسلم بن زياد) الحمصي مقبول من الرابعة قوله
نشهدك من الإشهاد أن نجعلك شاهدا على إقرارنا بوحدانيتك في الألوهية والربوبية وهو إقرار
331
للشهادة وتأكيد لها وتجديد لها في كل صباح ومساء وعرض من أنفسهم أنهم ليسوا عنها غافلين
وملائكتك بالنصب عطف على ما قبله تعميما بعد تخصيص وجميع خلقك أي مخلوقاتك
تعميم آخر إلا غفر الله له ما أصاب في يومه ذلك أي من ذنب قال القاري استثناء مفرغ مما هو
جواب للشرط المذكور أي الذي قال فيه ذلك الذكر تقديره ما قال قائل هذا الدعاء إلا غفر الله
له أو يقدر نفي أي من قال ذلك لم يحصل له شئ من الأحوال إلا هذه الحالة العظيمة من المغفرة
الجسيمة فعلى هذا من في من قال بمعنى ما النافية ويمكن أن تكون إلا زائدة انتهى قلت كون إلا
ههنا زائدة هو الظاهر وقد صرح صاحب القاموس بأنها قد تكون زائدة من ذنب أي أي ذنب كان
واستثنى الكبائر وكذا ما يتعلق بحقوق العباد والإطلاق للترغيب مع أن الله يغفر ما دون الشرك لمن
يشاء قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة
82 باب
قوله (أخبرنا عبد الحميد بن عمر الهلالي) قال الحافظ في تهذيب التهذيب عبد
الحميد بن الحسن الهلالي أبو عمرو وقيل أبو أمية الكوفي سكن الري روى له الترمذي حديثا
واحدا في الدعاء في الليل إلا أنه سمى أباه فيه عمر وقال في التقريب صدوق يخطئ من الثامنة
(عن أبي السليل) بفتح المهملة وكسر اللام اسمه ضريب بضم الضاد المعجمة وفتح الراء المهملة
آخره موحدة مصغرا ابن نقير بنون وقاف مصغرا القيسي الجريري بضم الجيم مصغرا ثقة
الثالثة قوله اللهم اغفر لي ذنبي أو ما لا يليق أو إن وقع ووسع لي في داري أي وسع لي في
مسكني في الدنيا لأن ضيق مرافق الدار يضيق الصدر ويجلب الهم ويشغل البال ويغم الروح أو
المراد القبر فإنه الدار الحقيقية ووقع في بعض النسخ وسع لي في رأيي أي اجعل رأيي واسعا لا
332
ضيق فيه وبارك لي في رزقي أي إجعله مباركا محفوفا بالخير ووفقني للرضا بالمقسوم منه وعدم
الالتفات لغيره (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم فهل تراهن أي هذه الكلمات المذكورة والاستفهام للإنكار
تركن شيئا أي من خير الدنيا والآخرة قوله (اسمه ضريب بن نقير) أي بالقاف (ويقال نفير)
أي بالفاء قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد والطبراني من حديث رجل من الصحابة
رضي الله عنهم وأخرجه النسائي وابن السني من حديث أبي موسى قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بوضوء
فتوضأ فسمعته يدعو يقول اللهم أصلح لي الخ قال في الأذكار إسناده صحيح
83 باب
قوله (أخبرنا يحيى بن أيوب) الغافقي (عن خالد بن أبي عمران) التجيبي أبي عمر قاضي
أفريقية فقيه صدوق من الخامسة قوله (قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد
تتصل ما بقل فيقال قلما جئتك وتكون ما كافة عن عمل الرفع فلا اقتضاء للفاعل وتستعمل قلما
لمعنيين أحدهما النفي الصرف والثاني إثبات الشئ القليل اللهم أقسم لنا أي اجعل لنا من
خشيتك أي من خوفك ما أي قسما ونصيبا يحول من حال يحول حيلولة أي يحجب ويمنع
بيننا وبين معاصيك لأن القلب إذا امتلأ من الخوف أحجمت الأعضاء عن المعاصي ومن
طاعتك أي بإعطاء القدرة عليها والتوفيق لها ما تبلغنا بالتشديد أي توصلنا أنت به جنتك أي
مع شمولنا برحمتك وليست الطاعة وحدها مبلغة ومن اليقين أي اليقين بك وبأن لا مرد
لقضائك وبأنه لا يصيبنا إلا ما كتبته علينا وبأن ما قدرته لا يخلو عن حكمة ومصلحة مع ما فيه
من مزيد المثوبة ما تهون به أي تسهل أنت بذلك اليقين مصيبات الدنيا فإن من علم يقينا أن
333
مصيبات الدنيا مثوبات الأخرى لا يغتم بما أصابه ولا يحزن بما نابه ومتعنا من التمتيع أي اجعلنا
متمتعين ومنتفعين بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أي بأن نستعملها في طاعتك قال ابن الملك التمتع
بالسمع والبصر إبقاؤهما صحيحين إلى الموت ما أحييتنا أي مدة حياتنا وإنما خص السمع
والبصر بالتمتيع من الحواس لأن الدلائل الموصلة إلى معرفة الله وتوحيده إنما تحصل من طريقهما
لأن البراهين إنما تكون مأخوذة من الآيات وذلك بطريق السمع أو من الآيات المنصوبة في الأفاق
والأنفس فذلك بطريق البصر فسأل التمتيع بهما حذرا من الانخراط في سلك الذين ختم الله
على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولما حصلت المعرفة بالأولين يترتب عليها العبادة
فسأل القوة ليتمكن بها من عبادة ربه قاله الطيبي والمراد بالقوة قوة سائر الأعضاء والحواس أو
جميعها فيكون تعميما بعد تخصيص واجعله أي المذكور من الأسماع والأبصار والقوة الوارث
أي الباقي منا أي بأن يبقى إلى الموت قال في اللمعات الضمير في قوله اجعله للمصدر الذي
هو الجعل أي اجعل الجعل وعلى هذا الوارث مفعول أول ومنا مفعول ثان أي اجعل الوارث من
نسلنا لا كلالة خارجة منا والكلالة قرابة ليست من جهة الولادة وهذا الوجه قد ذكره بعض
النحاة في قولهم إن المفعول المطلق قد يضمر ولكن لا يتبادر إلى الفهم من اللفظ ولا ينساق الذهن
إليه كما لا يخفى والثاني أن الضمير فيه للتمتع الذي هو مدلول متعنا والمعنى اجعل تمتعنا بها باقيا
مأثورا فيمن بعدنا لأن وارث المرء لا يكون إلا الذي يبقى بعده فالمفعول الثاني الوارث وهو المعنى
يشبه سؤال خليل الرحمن على نبينا عليه الصلاة والسلام واجعل لي لسان صدق في الآخرين
وقيل معنى وراثته دوامه إلى يوم الحاجة إليه يعني يوم القيامة والأول أوجه لأن الوارث إنما يكون
باقيا في الدنيا والثالث أن الضمير للأسماع والأبصار والقوى بتأويل المذكور ومثل هذا شائع في
العبارات لا كثير تكلف فيها وإنما التكلف فيما قيل إن الضمير راجع إلى أحد المذكورات ويدل
على ذلك على وجود الحكم في الباقي لأن كل شيئين تقاربا في معنييهما فإن الدلالة على أحدهما
دلالة على الآخر والمعنى بوراثتها لزومها إلى موته لأن الوارث من يلزم إلى موته انتهى (واجعل
ثأرنا) بالهمز بعد المثلثة المفتوحة أي إدراك ثأرنا على من ظلمنا أي مقصورا عليه ولا تجعلنا ممن
تعدى في طلب ثأره فأخذ به غير الجاني كما كان معهودا في الجاهلية فنرجع ظالمين بعد أن كنا
مظلومين وأصل الثأر الحقد والغضب يقال ثأرت القتيل وبالقتيل أي قتلت قاتله ولا تجعل
مصيبتنا في ديننا أي لا تصبنا بما ينقص ديننا من اعتقاد السوء وأكل الحرام والفترة في العبادة وغيرها
ولا تجعل الدنيا أكبر همنا أي لا تجعل طلب المال والجاه أكبر قصدنا أو حزننا بل اجعل أكبر
334
قصدنا أو حزننا مصروفا في عمل الآخرة وفيه أن قليلا من الهم فيما لا بد منه في أمر المعاش
مرخص فيه بل مستحب بل واجب ولا مبلغ علمنا أي غاية علمنا أي لا تجعلنا حيث لا نعلم ولا
نتفكر إلا في أمور الدنيا بل اجعلنا متفكرين في أحوال الآخرة متفحصين من العلوم التي تتعلق
بالله تعالى وبالدار الآخرة والمبلغ الغاية التي يبلغه الماشي والمحاسب فيقف عنده ولا تسلط علينا
من لا يرحمنا أي لا تجعلنا مغلوبين للكفار والظلمة أو لا تجعل الظالمين علينا حاكمين فإن الظالم لا
يرحم الرعية قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه النسائي والحاكم وقال صحيح على
شرط البخاري
قوله (أخبرنا أبو عاصم) النبيل (أخبرنا عثمان الشحام) العدوي أبو سلمة البصري يقال
اسم أبيه ميمون أو عبد الله لا بأس به من السادسة (حدثنا مسلم بن أبي بكرة) بن الحارث
الثقفي البصري صدوق من الثالثة قوله اللهم إني أعوذ بك من الهم والكسل تقدم معناهما
الزمهن أي هذه الكلمات قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرج أحمد في مسنده بنحوه
84 باب
قوله (عن الحارث) هو الأعور قوله غفر الله لك أي الصغائر وإن كنت مغفورا
لك أي الكبائر كذا في التيسير فعلى هذا كلمة إن للشرط والواو للموصل وقيل يحتمل أن تكون
335
جملة مستقلة معطوفة على السابقة وجزاؤه محذوف أي إن كنت مغفورا فيرفع الله به الدرجات وإن
تكون كلمة إن مخففة من المثقلة فالجملة تأكيد للأولى العلى هو الذي ليس فوقه شئ في المرتبة
والحكم فعيل بمعنى فاعل من علا يعلو العظيم هو الذي جاوز قدره وجل عن حدود العقول
حتى لا تتصور الإحاطة بكنهه وحقيقته والعظم في صفات الأجسام كبر الطول والعرض والعمق
والله تعالى جل قدره من ذلك الحليم أي الذي لا يعجل بالعقوبة (الكريم) هو الجواد المعطي
الذي لا ينفذ عطاؤه وهو الكريم المطلق
85 باب
قوله (حدثنا محمد بن يحيى) هو الإمام الذهلي (أخبرنا محمد بن يوسف) الضبي الفريابي
(عن إبراهيم بن محمد بن سعد) بن أبي وقاص المدني ثم الكوفي ثقة قال ابن حبان لم يسمع من
صحابي من السادسة قوله دعوة ذي النون أي دعاء صاحب الحوت وهو يونس عليه الصلاة
والسلام إذ دعا أي ربه وهو ظرف دعوة وهو في بطن الحوت جملة حالية لا إله إلا أنت
سبحانك إني كنت من الظالمين خبر لقوله دعوة ذي النون فإنه الضمير للشأن لم يدع بها أي
بتلك الدعوة أو بهذه الكلمات في شئ أي من الحاجات والتقدير فعليك أن تدعو بهذه الدعوة
فإنه لم يدع بها الخ وحديث سعد هذا أخرجه أيضا النسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد وزاد
في طريق عنده فقال رجل يا رسول الله هل كانت ليونس خاصة أم للمؤمنين عامة فقال
336
رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تسمع إلى قول الله عز وجل ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين كذا في
الترغيب
86 باب
قوله (أخبرنا عبد الأعلى) هو ابن عبد الأعلى (عن سعيد) بن أبي عروبة (عن أبي رافع)
اسمه نفيع الصائغ المدني نزيل البصرة ثقة ثبت مشهور بكنيته من الثانية قوله إن لله تسعة
وتسعين اسما فيه دليل على أن أشهر أسمائه سبحانه وتعالى الله لإضافة هذه الأسماء إليه وقد
روى أن الله هو اسمه الأعظم قال أبو القاسم الطبري وعليه ينسب كل اسم له فيقال الرؤوف
والكريم من أسماء الله تعالى ولا يقال من أسماء الرؤوف أو الكريم الله واتفق العلماء على أن هذا
الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة
والتسعين وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة فالمراد الإخبار
عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء ولهذا جاء في الحديث الآخر أسألك بكل
اسم سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك كذا في شرح مسلم للنووي قلت
الحديث الآخر الذي ذكره النووي أخرجه أحمد وصححه ابن حبان من حديث ابن مسعود ومائة
غير واحدة اختلفت الروايات في لفظ واحدة ففي بعضها بالتأنيث كما هنا وفي بعضها بالتذكير
قال الحافظ في الفتح خرج التأنيث على إرادة التسمية وقال السهيلي بل أنث الاسم لأنه كلمة
واحتج بقول سيبويه الكلمة اسم أو فعل أو حرف فسمي الاسم كلمة وقال ابن مالك أنث
باعتبار معنى التسمية أو الصفة أو الكلمة وقال جماعة من العلماء الحكمة في قوله مائة غير واحد
بعد قوله تسعة وتسعون أن يتقرر ذلك في نفس السامع جمعا بين جهتي الإجمال والتفصيل أو دفعا
للتصحيف الخطي والسمعي من أحصاها وفي رواية لمسلم من حفظها وفي رواية للبخاري
337
لا يحفظها أحد وهذا اللفظ يفسر معنى قوله أحصاها فالإحصاء هو الحفظ وقيل أحصاها قرأها
كلمة كلمة كأنه يعدها وقيل أحصاها علمها وتدبر معانيها واطلع على حقائقها وقيل أطاق
القيام بحقها والعمل بمقتضاها قال الشوكاني التفسير الأول هو الراجح المطابق للمعنى اللغوي
وقد فسرته الرواية المصرحة بالحفظ وقال النووي قال البخاري وغيره من المحققين معناه حفظها
وهذا هو الأظهر لثبوته نصا في الخير وقال في الأذكار هو قول الأكثرين دخل الجنة ذكر الجزاء
بلفظ الماضي تحقيقا له لأنه كائن لا محالة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
والنسائي وابن ماجة والحاكم في مستدركه وابن حبان
قوله (حدثنا إبراهيم بن يعقوب) الجوزجاني (أخبرنا الوليد بن مسلم) القرشي
الدمشقي قوله هو الله الذي لا إله إلا هو الاسم المعدود في هذه الجملة من أسمائه هو الله لا
غيره من هو وإله والجملة تفيد الحصر والتحقيق لإلهيته ونفي ما عداه عنها قال الطيبي الجملة
مستأنفة إما بيان لكمية تلك الأعداد أرقاما هي في قوله إن لله تسعة وتسعين اسما وذكر
الضمير نظرا إلى الخبر وإما بيان لكيفية الإحصاء في قوله من أحصاها دخل الجنة فإنه كيف
يحصي فالضمير راجع إلى المسمى الدال عليه قوله لله كأنه لما قيل ولله الأسماء الحسنى سئل وما
تلك الأسماء فأجيب هو الله أو لما قيل من أحصاها دخل الجنة سئل كيف أحصاها فأجاب قل
هو الله فعلى هذا الضمير ضمير الشأن مبتدأ والله مبتدأ ثان وقوله الذي لا إله إلا هو خبره
والجملة خبر الأول والموصول مع الصلة صفة الله انتهى والله علم دال على المعبود بحق دلالة
جامعة لجميع معاني الأسماء الآتية (الرحمن الرحيم) هما اسمان مشتقان من الرحمة مثل ندمان ونديم
وهما من أبنية المبالغة ورحمان أبلغ من رحيم والرحمن خاص لله لا يسمى به غيره ولا يوصف
338
والرحيم يوصف به غير الله تعالى فيقال رجل رحيم ولا يقال رحمن الملك أي ذو الملك التام
والمراد به القدرة على الإيجاد والاختراع من قولهم فلان يملك الانتفاع بكذا إذا تمكن منه فيكون من
أسماء الصفات وقيل المتصرف في الأشياء بالإيجاد والإفناء والإماتة والإحياء فيكون من أسماء
الأفعال كالخالق القدوس أي الطاهر المنزه من العيوب وفعول من أبنية المبالغة السلام مصدر
نعت به للمبالغة قيل سلامته مما يلحق الخلق من العيب والفناء والسلام في الأصل السلامة يقال
سلم يسلم سلامة وسلاما ومنه قيل للجنة دار السلام لأنها دار السلامة من الآفات وقيل معناه
المسلم عباده عن المهالك المؤمن أي الذي يصدق عباده وعده فهو من الإيمان التصديق أو يؤمنهم
في القيامة من عذابه فهو من الأمان والأمن ضد الخوف كذا في النهاية المهيمن الرقيب المبالغ في
المراقبة والحفظ ومنه هيمن الطائر إذا نشر جناحه على فراخه صيانة لها وقيل الشاهد أي العالم
الذي لا يعرب عنه مثقال ذرة وقيل الذي يشهد على كل نفس بما كسبت ومنه قوله تعالى
ومهيمنا عليه أي شاهدا وقيل القائم بأمور الخلق وقيل أصله مؤيمن أبدلت الهاء من الهمزة
فهو مفتعل من الأمانة بمعنى الأمين الصادق الوعد العزيز أي الغالب القوي الذي لا يغلب
والعزة في الأصل القوة والشدة والغلبة تقول عز يعز بالكسر إذا صار عزيزا وعز يعز بالفتح إذا
اشتد الجبار معناه الذي يقهر العباد على ما أراد من أمر ونهي يقال جبر الخلق وأجبرهم فأجبر
أكثر وقيل هو العالي فوق خلقه وفعال 4 من أبنية المبالغة ومنه قولهم نخلة جبارة وهي العظيمة
التي تفوت يد المتناول المتكبر أي العظيم ذو الكبرياء وقيل المتعالي عن صفات الخلق وقيل
المتكبر على عتاة خلقه والتاء فيه للتفرد والتخصيص لا تاء التعاطي والتكلف والكبرياء العظمة
والملك وقيل هي عبارة عن كمال الذات وكمال الوجود ولا يوصف بها إلا الله تعالى وهو من الكبر
وهو العظمة الخالق أي الذي أوجد الأشياء جميعها بعد أن لم تكن موجودة وأصل الخلق
التقدير فهو باعتبار تقدير ما منه وجودها وباعتبار الإيجاد على وفق التقدير خالق البارئ أي
الذي خلق الخلق لا عن مثال ولهذه اللفظة من الاختصاص بخلق الحيوان ما ليس لها بغيره من
المخلوقات وقلما تستعمل في غير الحيوان فيقال برأ الله النسمة وخلق السماوات والأرض
المصور أي الذي صور جميع الموجودات ورتبها فأعطى كل شئ منها صورة خاصة وهيئة منفردة
يتميز بها على اختلافها وكثرتها الغفار قال الجزري في النهاية في أسماء الله الغفار الغفور وهما من
أبنية المبالغة ومعناهما الساتر لذنوب عباده وعيوبهم المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم وأصل الغفر
التغطية يقال غفر الله لك غفرا وغفرانا ومغفرة والمغفرة إلباس الله تعالى العفو المذنبين القهار
أي الغالب جميع الخلائق يقال قهره يقهره قهرا فهو قاهر وقهار للمبالغة الوهاب الهبة العطية
339
الخالية عن الأعواض والأغراض فإذا كثرت سمي صاحبها وهابا الرزاق أي الذي خلق
الأرزاق وأعطى الخلائق أرزاقها وأوصلها إليهم والأرزاق نوعان ظاهرة للأبدان كالأقوات
وباطنة للقلوب والنفوس كالمعارف والعلوم الفتاح أي الذي بفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده
وقيل معناه الحاكم بينهم يقال فتح الحاكم بين الخصمين إذا فصل بينهما الفاتح والحاكم والفتاح
من أبنية المبالغة العليم أي العالم المحيط علمه بجميع الأشياء ظاهرها وباطنها دقيقها وجليلها
على أتم الإمكان وفعيل من أبنية المبالغة القابض أي الذي يمسك الرزق وغيره من الأشياء عن
العباد بلطفه وحكمته ويقبض الأرواح عند الممات الباسط أي الذي يبسط الرزق لعباده ويوسعه
عليهم بجوده ورحمته ويبسط الأرواح في الأجساد عند الحياة الخافض أي الذي يخفض الجبارين
والفراعنة أي يضعفهم ويهينهم ويخفض كل شئ يريد خفضه والخفض ضد الرفع الرافع أي
الذي يرفع المؤمنين بالإسعاد وأولياءه بالتقريب وهو ضد الخفض المعز الذي يهب العز لمن بشاء
من عباده المذل الذي يلحق الذل بمن يشاء من عباده وينفي عنه أنواع العز جميعها السميع
المدرك لكل مسموع البصير المدرك لكل مبصر الحكم أي الحاكم الذي لا راد لقضائه ولا
معقب لحكمه العدل أي الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم وهو في الأصل مصدر سمي به
فوضع موضع العادل وهو أبلغ منه لأنه جعل المسمى نفسه عدلا اللطيف أي الذي اجتمع له الرفق في
الفعل والعلم بدقائق المصالح وإيصالها إلى من قدرها له من خلقه يقال لطف به وله بالفتح
يلطف لطفا إذا رفق به فأما لطف بالضم يلطف فمعناه صغر ودق الخبير أي العالم ببواطن
الأشياء من الخبرة وهي العلم بالخفايا الباطنة الحليم الذي لا يستخفه شئ من عصيان العباد
ولا يستفزه الغضب عليهم ولكنه جعل لكل شئ مقدار فهو منته إليه العظيم أي الذي جاوز
قدره وجل عن حدود العقول حتى لا تتصور الإحاطة بكنهه وحقيقته والعظم في صفات الأجسام
كبر الطول والعرض والعمق والله تعالى جل قدره عن ذلك الغفور تقدم معناه الشكور الذي
يعطي الثواب الجزيل على العمل القليل أو المثنى على عباده المطيعين العلى فعيل من العلو وهو
البالغ في علو الرتبة بحيث لا رتبة إلا وهي منحطة عن رتبته وقال بعضهم هو الذي علا عن
الإدراك ذاته وكبر عن التصور صفاته الكبير وضده الصغير يستعملان باعتبار مقادير الأجسام
باعتبار الرتب وهو المراد هنا إما باعتبار أنه أكمل الموجودات وأشرفها من حيث أنه قديم أزلي غني
على الاطلاق وما سواه حادث مفتقر إليه في الإيجاد والإمداد بالاتفاق وإما باعتبار أنه كبير عن
مشاهدة الحواس وإدراك العقول الحفيظ أي البالغ في الحفظ يحفظ الموجودات من الزوال
340
والاختلال مدة ما شاء المقيت أي الحفيظ وقيل المقتدر وقيل الذي يعطي أقوات الخلائق وهو
من أقاته يقيته إذا أعطاه قوته وهي لغة في قاته يقوته وأقاته أيضا إذا حفظه الحسيب أي الكافي
فعيل بمعنى مفعل من أحسبني الشئ إذا كفاني وأحسبته بالتشديد أعطيته ما يرضيه حتى
يقول حسبي وقيل إنه مأخوذ من الحسبان أي هو المحاسب للخلائق يوم القيامة فعيل بمعنى
مفاعل الجليل أي الموصوف بنعوت الجلال والحاوي جميعها هو الجليل المطلق الكريم أي كثير
الجود والعطاء الذي لا ينفد عطاؤه ولا تفني خزائنه وهو الكريم المطلق الرقيب أي الحافظ الذي
لا يغيب عنه شئ فعيل بمعنى فاعل المجيب أي الذي يقابل الدعاء والسؤال بالقبول والعطاء
وهو اسم فاعل من أجاب يجيب الواسع أي الذي وسع غناه كل فقير ورحمته كل شئ يقال
وسعة الشئ يسعه سعة فهو واسع ووسع بالضم وساعة فهو وسيع والوسع والسعة الجدة
والطاقة الحكيم أي الحاكم بمعنى القاضي فعيل بمعنى فاعل أو هو الذي يحكم الأشياء ويتقنها فهو
فعيل بمعنى مفعل وقيل الحكيم ذو الحكمة والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل
العلوم ويقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويتقنها حكيم الودود هو فعول بمعنى مفعول من الود
المحبة يقال وددت الرجل أوده ودا إذا أحببته فالله تعالى مودود أي محبوب في قلوب أوليائه أو هو
فعول بمعنى فاعل أي أنه يحب عباده الصالحين بمعنى أنه يرضى عنهم المجيد هو مبالغة الماجد من
المجد وهو سعة الكرم فهو الذي لا تدرك سعة كرمه الباعث أي الذي يبعث الخلق أي يحييهم
بعد الموت يوم القيامة وقيل أي باعث الرسل إلى الأمم الشهيد أي الذي لا يغيب عنه شئ
والشاهد الحاضر وفعيل من أبنية المبالغة في فاعل فإذا اعتبر العلم مطلقا فهو العليم وإذا
أضيف إلى الأمور الباطنة فهو الخير وإذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فهو الشهيد وقد يعتبر مع
هذا أن يشهد على الخلق يوم القيامة بما علم الحق أي الموجود حقيقة المتحقق وجوده وإلهيته
والحق ضد الباطل الوكيل أي القائم بأمور عباده المتكفل بمصالحهم القوي أي ذو القدرة
التامة البالغة إلى الكمال الذي لا يلحقه ضعف المتين أي القوي الشديد الذي لا يلحقه في أفعاله
مشقة ولا كلفة ولا تعب والمتانة الشدة
والقوة فهو من حيث أنه بالغ القدرة تامها قوي ومن حيث
أنه شديد القوة متين (الولي) أي الناصر وقيل المتولي لأمور العالم والخلائق القائم بها وقيل المحب
لأوليائه (الحميد) أي المحمود المستحق للثناء على كل حال فعيل بمعنى مفعول (المحصى) أي
الذي أحصى كل شئ بعلمه وأحاط به فلا يفوته دقيق منها ولا جليل والإحصاء العد والحفظ
المبدئ أي الذي أنشأ الأشياء واخترعها ابتداء من غير سابق مثال المعيد أي الذي يعيد الخلق
341
بعد الحياة إلى الممات في الدنيا وبعد الممات إلى الحياة يوم القيامة المحيي أي معطي الحياة (المميت)
أي خالق الموت ومسلطه على من شاء الحي أي الدائم البقاء القيوم أي القائم بنفسه والمقيم
لغيره الواجد بالجيم أي الغني الذي لا يفتقر وقد وجد يجد جدة أي استغنى غنى لا فقر بعده
وقيل الذي يجد كل ما يريده ويطلبه ولا يفوته شئ الماجد بمعنى المجيد لكن المجيد للمبالغة
الواحد أي الفرد الذي لم يزل وحده لم يكن معه آخر (الصمد) هو السيد الذي انتهى إله
السؤدد وقيل هو الدائم الباقي وقيل هو الذي لا جوف له وقيل الذي يصمد في الحوائج إليه
أي يقصد القادر المقتدر معناهما ذو القدرة إلا أن المقتدر أبلغ في البناء من معنى التكلف
والاكتساب فإن ذلك وإن امتنع في حقه تعالى حقيقة لكنه يفيد المعنى مبالغة (المقدم) أي الذي
يقدم الأشياء ويضعها في مواضعها فمن استحق التقديم قدمه المؤخر الذي يؤخر الأشياء
فيضعها في مواضعها وهضد المقدم الأول أي الذي لا بداية لأوليته الآخر أي الباقي بعد
فناء خليقته ولا نهاية لآخريته الظاهر أي الذي ظهر فوق كل شئ وعلا عليه وقيل هو الذي
عرف بطرق الاستدلال العقلي بما ظهر لهم من آثار أفعاله وأوصافه الباطن أي المحتجب عن
أبصار الخلائق وأوهامهم فلا يدركه بصر ولا يحيط به وهم الوالي أي مالك الأشياء جميعها
المتصرف فيها المتعالى الذي جل عن إفك المفترين وعلا شأنه وقيل جل عن كل وصف وثناء
وهو متفاعل من العلو البر أي العطوف على عباده ببره ولطفه والبر بالكسر الإحسان التواب
الذي يقبل توبة عباده مرة بعد أخرى المنتقم أي المبالغ في العقوبة لمن يشاء وهو مفتعل من نقم
ينقم إذا بلغت به الكراهة حد السخط العفو فعول من العفو وهو الذي يمحو السيئات ويتجاوز
عن المعاصي وهو أبلغ من الغفور لأن الغفران ينبئ عن الستر والعفو ينبئ عن المحو وأصل
العفو المحو والطمس وهو من أبنية المبالغة يقال عفا يعفو عفوا فهو عاف وعفو الرؤوف أي ذو
الرأفة وهي شدة الرحمة مالك الملك أي الذي تنفذ مشيئته في ملكه يجري الأمور فيه على ما يشاء
أو الذي له التصرف المطلق ذو الجلال والإكرام أي ذو العظمة والكبرياء وذو الإكرام لأوليائه
بإنعامه عليهم المقسط أي العادل يقال أقسط يقسط فهو مقسط إذا عدل وقسط يقسط فهو
قاسط إذا جار فكأن الهمزة في أقسط للسلب كما يقال شكا إليه فأشكاه الجامع أي الذي يجمع
الخلائق ليوم الحساب وقيل هو المؤلف بين المتماثلات والمتباينات والمتضادات في الوجود الغني
أي الذي لا يحتاج إلى أحد في شئ وكل أحد يحتاج إليه وهذا هو الغني المطلق ولا يشارك الله فيه غيره
342
المغني أي الذي يغني من يشاء من عباده المانع أي الذي يمنع عن أهل طاعته ويحوطهم
وينصرهم وقيل يمنع من يريد من خلقه ما يريد ويعطيه ما يريد الضار أي الذي يضر من يشاء
من خلقه حيث هو خالق الأشياء كلها خيرها وشرها ونفعها وضرها النافع أي الذي يوصل
النفع إلى من يشاء من خلقه حيث هو خالق النفع والضر والخير والشر النور أي الذي يبصر
بنوره ذو العماية ويرشد بهداه ذو الغواية وقيل هو الظاهر الذي به كل ظهور فالظاهر في نفسه
المظهر لغيره يسمى نورا الهادي أي الذي بصر عباده وعرفهم طريق معرفته حتى أقروا بربوبيته
وهدى كل مخلوق إلى ما لا بد له منه في بقائه ودوام وجوده البديع أي الخالق المخترع لا عن مثال
سابق فعيل بمعنى مفعل يقال أبدع فهو مبدع الباقي أي الدائم الوجود الذي لا يقبل الفناء الوارث
أي الذي يرث الخلائق ويبقى بعد فنائم الرشيد أي الذي أرشد الخلق إلى مصالحهم أي
هداهم ودلهم عليها فعيل بمعنى مفعل وقبل هو الذي تنساق تدبيراته إلى غاياتها على سننن السداد
من غير إشارة مشير ولا تسديد مسدد الصبور أي الذي لا يعاجل العصاة بالانتقام وهو من أبنية
المبالغة ومعناه قريب من معنى الحليم والفرق بينهما أن المذنب لا يأمن العقوبة في صفة الصبور كما
يأمنها في صفة الحليم
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن ماجة وابن حبان والحاكم في مستدركه والبيهقي
في الدعوات الكبير قوله (ولا نعرفه إلا من حديث) صفوان بن صالح وهو ثقة عند أهل
الحديث قال الحافظ ولم ينفرد به صفوان فقد أخرجه البيهقي من طريق موسى بن أيوب
النصيبي وهو ثقة عن الوليد أيضا وقد اختلف في سنده على الوليد ثم ذكر الحافظ الاختلاف
وبسط الكلام ههنا (وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي ولا نعلم في
كبير شئ من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث) المراد بكبير شئ من الروايات أي في كثير
منها واختلف العلماء في سرد الأسماء هل هو مرفوع أو مدرج في الخبر من بعض الرواة فمشى كثير منهم
على الأول واستدلوا به على جواز تسمية الله تعالى بما لم يرد في القرآن بصيغة الاسم لأن كثيرا من
هذه الأسماء كذلك وذهب آخرون إلى أن التعين مدرج لخلو أكثر الروايات عنه ونقله عبد العزيز
اليخشبي عن كثير من العلماء قال الحاكم بعد تخريج الحديث من طريق صفوان بن صالح عن
343
الوليد بن مسلم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بسياق الأسماء الحسنى والعلة فيه
عندهما تفرد الوليد بن مسلم قال ولا أعلم خلافا عند أهل الحديث أن الوليد أوثق وأحفظ وأجل
وأعظم من بشر بن شعيب وعلي بن عياش وغيرهما من أصحاب شعيب يشير إلى أن بشرا وعليا
وأبا اليمان رووه عن شعيب بدون سياق الأسماء فرواية أبي السيمان عند البخاري ورواية علي عند
النسائي ورواية بشر عند البيهقي قال الحافظ وليست العلة عند الشيخين تفرد الوليد فقط بل
الاختلاف فيه والاضطراب وتدليسه واحتمال الإدراج (وقد روى آدم بن أبي إياس هذا الحديث
بإسناد غير هذا إلى قوله وليس له إسناد صحيح) قال الحافظ في التلخيص بعد نقل كلام الترمذي
هذا ما لفظه الطريق الذي أشار إليها الترمذي رواها الحاكم في المستدرك من طريق عبد العزيز
بن الحصين عن أيوب وعن هشام بن حسان جميعا عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة وفيها زيادة
ونقصان وقال محفوظ عن أيوب وهشام بدون ذكر الأسامي قال الحاكم وعبد العزيز ثقة قال
الحافظ بل متفق على ضعفه وهاه البخاري ومسلم وابن معين وقال البيهقي هو ضعيف عند أهل
النقل انتهى
قوله (حدثنا زيد بن حباب) العكلي (أن حميد المكي مولى ابن علقمة) في التقريب مجهول
في الخلاصة قال البخاري لا يتابع وفي تهذيب التهذيب له في الترمذي حديث واحد إذا مررتم
برياض الجنة فارتعوا قوله إذا مررتم برياض الجنة الرياض جمع الروضة وهي أرض مخضرة
بأنواع النبات يقال لها بالفارسية مرغزار فارتعوا في القاموس رتع كمنع رتعا ورتوعا ورتاعا
بالكسر أكل وشرب ما شاء في خصب وسعة أو هو الأكل والشرب رغدا في الريف قال المساجد
وفي حديث أنس الآتي حلق الذكر ولا تنافي بينهما لأن حلق الذكر تصدق بالمساجد وغيرها فهي
344
أعم وخصت المساجد هنا لأنها أفضل وجعل المساجد رياض الجنة بناء على أن العبادة سبب
للحصول في رياض الجنة قلت وما الرتع يا رسول الله قال سبحان الله والحمد الله الخ وضع
الرتع موضع القول لرعاية المناسبة لفظا ومعنى لأن هذا القول سبب لنيل الثواب الجزيل والرتع
هنا كما في قوله تعالى يرتع وهو أن يتسع في أكل الفواكه والمستلذات والخروج إلى التنزه في
الأرياف والمياه كما هو عادة الناس إذا خرجوا إلى الرياض ثم اتسع واستعمل في الفوز بالثواب
الجزيل وتلخيص معنى الحديث إذا مررتم بالمساجد فقولوا هذا القول قاله الطيبي
قوله (هذا حديث غريب) في سنده حميد المكي وهو مجهول كما عرفت
قوله حلق الذكر أي هي حلق الذكر قال في النهاية الحلق بكسر الحاء وفتح اللام جمع
الحلقة مثل قصعة وقصع ومر الجماعة من الناس مستديرون كحلقة الباب وغيره والتحلق تفعل
منها وهو أن يتعمدوا ذلك وقال الجوهري جمع الحلق حلق بفتح الحاء على غير قياس وحكي
عن أبي عمرو أن الواحد حلقه بالتحريك والجمع حلق بالفتح وقال ثعلب كلهم يجيزه على
ضعفه قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد والبيهقي في شعب الإيمان
87 باب منه
قوله (أخبرنا عمرو بن عاصم) بن عبيد الله الكلابي (عن ثابت) البناني (عن عمر بن أبي
345
سلمة) هو ربيب النبي صلى الله عليه وسلم قوله إنا لله أي ملكا وخلقا وإنا إليه راجعون أي في الآخرة
اللهم عندك احتسب مصيبتي قال الجزري في النهاية الاحتساب من الحسب كالاعتداد من العد وإنما قيل لمن
ينوي بعمله وجه الله احتسب لأن له حينئذ أن يعتد عمله فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد
به والحسبة اسم من الاحتساب كالعدة من الاعتداد وهو لاحتساب في الأعمال الصالحة وعند
المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر وباستعمال أنواع البر والقيام بها
على الوجه المرسوم فيها طلبا للثواب المرجو منها فأجرني بسكون الهمزة وضم الجيم وبالمد وكسر
الجيم قال في النهاية آجره يؤجره إذا أثابه وأعطاه الأجر والجزاء وكذلك أجره يأجره والأمر منهما
اجرني وأبدلني منها أي من مصيبتي خيرا مفعول ثان لأبدلني (فلما احتضر أبو سلمة) بصيغة
المجهول أي دنا موته يقال حضر فلان واحتضر إذا دنا موته (قال اللهم اخلف في أهلي خيرا مني)
يقال خلف الله لك خلفا بخير وأخلف عليك خيرا أي أبدلك بما ذهب منك وعوضك عنه وقيل
إذا ذهب للرجل ما يخلفه مثل المال والولد قيل أخلف الله لك وعليك وإذا ذهب له ما لا يخلفه
غالبا كالأب والأم قيل خلف الله عليك وقد يقال خلف الله عليك إذا مات لك ميت أي كان الله
خليفة عليك وأخلف الله عليك أي أبدلك كذا في النهاية (فلما قبض) أي قبض روحه ومات
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن ماجة (وروي هذا الحديث من غير هذا الوجه
عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة (وأبو
سلمة اسمه عبد الله بن عبد الأسد) بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي أخو النبي صلى الله عليه وسلم
من الرضاعة وابن عمته برة بنت عبد المطلب كان من السابقين شهدا بدرا ومات في حياة النبي
صلى الله عليه وسلم مات في جمادي الآخرة سنة أربع بعد أحد فتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعده بزوجته أم سلمة
346
88 باب
قوله (حدثنا يوسف بن عيسى) بن دينار المروزي (أخبرنا الفضل بن موسى) السيناني
المروزي (حدثنا سلمة بن وردان) الليثي المدني قوله سل ربك العافية والمعافاة قال الجزري
في النهاية العافية أن تسلم من الأسقام والبلايا وهي الصحة وضد المرض والمعافاة هي أن
يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك أي يغنيك عنهم ويغنيهم عنك ويصرف أذاهم عنك وأذاك
عنهم وقيل هي مفاعلة من العفو وهو أن يعفوا عن الناس ويعفوهم عنه انتهى وقال في
القاموس والعافية دفاع الله عن العبد عافاه الله من المكروه معافاة وعافية وهب له العافية من
العلل والبلاء كاعفاء (فقال له مثل ذلك) أي مثل ذلك القول فنصبه على المصدرية (ثم أتاه يوم
الثالث) وفي رواية ابن ماجة ثم أتاه في اليوم الثالث فقد أفلحت أي فزت بمرادك وظفرت
بمقصودك وفي الحديث التصريح بأن الدعاء بالعافية أفضل الدعاء ولا سيما بعد تكريره للسائل في
ثلاثة أيام حين أن يأتيه للسؤال عن أفضل الدعاء فأفاد هذا أن الدعاء بالعافية أفضل من غيره
من الأدعية ثم في قوله فإذا أعطيت العافية في الدنيا الخ دليل ظاهر واضح بأن الدعاء
بالعافية يشمل أمور الدنيا والآخرة لأنه قال هذه المقالة بعد أن قال له سل ربك العافية ثلاث
مرات فكان ذلك كالبيان لعموم بركة هذه الدعوة بالعافية لمصالح الدنيا والآخرة ثم رتب على
ذلك الفلاح الذي هو المقصد الأسنى والمطلوب الأكبر قوله (هذا حديث حسن غريب)
وأخرجه ابن ماجة (إنما نعرفه من حديث سلمة بن وردان) وهو ضعيف
قوله (عن عبد الله بن بريدة) الأسلمي المروزي قوله (أرأيت) أي أخبرني (إن علمت)
347
جوابه محذوف يدل عليه ما قبله (أي ليلة) مبتدأ وخبره (ليلة القدر) والجملة سدت مسد المفعولين
لعلمت تعليقا قيل القياس أية ليلة فذكر باعتبار الزمان كما ذكر في قوله صلى الله عليه وسلم أي آية من كتاب الله
معك أعظم باعتبار الكلام واللفظ (ما أقول) متعلق بأرأيت (فيها) أي في تلك الليلة قال
الطيبي ما أقول فيها جواب الشرط وكان حق الجواب أن يؤتى بالفاء ولعله سقط من قلم الناسخ
وتعقب عليه القاري بأن دعوى السقوط من قلم الناسخ ليست بصحيحة وقد جاء حذف الفاء
على القلة اللهم إنك عفو أي كثير العفو
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة والحاكم
قوله (عن يزيد بن أبي زياد) القرشي الهاشمي الكوفي (عن عبد الله بن الحارث) بن
نوفل الهاشمي المدني قوله (أسأله الله) أي اطلبه من الله تعالى سل الله العافية في أمره صلى الله عليه وسلم
للعباس بالدعاء بالعافية بعد تكرير العباس سؤاله بأن يعلمه شيئا يسأل الله به دليل جلى بأن
الدعاء بالعافية لا يساويه شئ من الأدعية ولا يقوم مقامه شئ من الكلام الذي يدعى به ذو
الجلال والإكرام وقد تقدم تحقيق معنى العافية أنها دفاع الله عن العبد فالداعي بها قد سأل ربه
دفاعه عن كل ما ينويه وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عمه العباس منزلة أبيه
ويرى له من الحق ما يرى الولد لوالده ففي تخصيصه بهذا الدعاء وقصره على مجرد الدعاء بالعافية تحريك لهمم الراغبين
على ملازمته وأن يجعلوه من أعظم ما يتوسلون به إلى ربهم سبحانه وتعالى ويستدفعون به في كل ما
يهمهم ثم كلمه صلى الله عليه وسلم بقوله سل الله العافية في الدنيا والآخرة فكان هذا الدعاء من هذه الحيثية
قد صار عدة لدفع كل ضر وجلب كل خير والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا قال الجزري في
عدة الحصن الحصين لقد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم دعاءه بالعافية وورد عنه صلى الله عليه وسلم لفظا ومعنى من تحو من
348
خمسين طريقا قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه الطبراني بأسانيد ورجال بعضها رجال
الصحيح غير يزيد بن أبي زياد وهو حسن الحديث كذا في مجمع الزوائد وأخرجه أحمد أيضا
89 باب
قوله اللهم خر لي واختر لي أي اجعل أمري خيرا وألهمني فعله واختر لي أصلح
الأمرين قوله (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زنفل) بفتح الزاي وسكون النون
وبالفاء بوزن جعفر (وهو ضعيف عند أهل الحديث) قال الحافظ في تهذيب التهذيب بعد نقل
كلام الترمذي هذا وقال ابن حبان كان قليل الحديث وفي قلته مناكير لا يحتج به وفي تاريخ
البخاري كان به خبل (ويقال له زنفل بن عبد الله العرفي) بفتح العين المهملة والراء
قوله (أخبرنا يحيى) هو ابن أبي كثير الطائي (أن زيد بن سلام) بن أبي سلام الحبشي (أن
أبا سلام) اسمه ممطور الحبشي (عن أبي مالك الأشعري) اسمه الحارث بن الحارث صحابي تفرد بالرواية عند
أبو سلام قوله الوضوء بضم أوله شطر الإيمان وفي رواية مسلم الطهور شطر الإيمان
وفي الحديث جرى النهدي الآتي الطهور نصف الإيمان قال النووي اختلف العلماء في معناه
349
فقيل معناه أن الأجر فيه ينتهي تضعيفه إلى نصف أجر الإيمان وقيل معناه أن الإيمان يجب ما قبله من
الخطايا وكذلك الوضوء إلا أن الوضوء لا يصح إلا مع الإيمان فصار لتوقفه على الإيمان في معنى
الشطر وقيل المراد بالإيمان هنا الصلاة كما قال الله تعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم
والطهارة شرط في صحة الصلاة فصارت كالشطر وليس يلزم في الشطر أن يكون نصفا حقيقيا
وهذا القول أقرب الأقوال ويحتمل أن يكون معناه أن الإيمان تصديق بالقلب وانقياد بالظاهر وهما
شطران للإيمان والطهارة متضمنة الصلاة فهي انقياد في الظاهر انتهى والحمد لله تملأ
الميزان معناه عظم أجرها وأنه يملأ الميزان وقد تظاهرت نصوص القرآن والسنة على وزن الإيمان
وثقل الموازين وخفتها تملآن أو تملأ شك من الراوي قال النووي ضبطناهما بالتاء المشاة من
فوق وقال صاحب التحرير يجوز يملآن بالتأنيث والتذكير جميعا قال الطيبي فالأول أي تملآن
ظاهر والثاني فيها ضمير الجملة أي الجملة الشاملة لهما ويمكن أن يكون الإفراد بتقدير كل واحدة
منهما ما بين السماوات والأرض معناه أنه لو قدر ثوابهما جسما لملآ ما بين السماوات والأرض
وسبب عظم فضلهما ما اشتملتا عليه من التنزيه لله بقوله سبحان الله والتفويض والافتقار إلى الله
تعالى بقوله الحمد لله والصلاة نور معناه أنها تمنع من المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر
وتهدي إلى الصواب كما أن النور يستضاء به وقيل معناه أنه يكون أجرها نورا لصاحبها يوم
القيامة وقيل لأنها سبب لإشراق أنوار المعارف وانشراح القلب ومكاشفات الحقائق لفراغ القلب
فيها وإقباله إلى الله تعالى بظاهره وباطنه وقد قال الله تعالى واستعينوا بالصبر والصلاة وقيل
معناه أنها تكون نورا ظاهرا على وجهه يوم القيامة ويكون في الدنيا أيضا على وجهه البهاء بخلاف
من لم يصل والصدقة برهان معناه يفزع إليها كما يفزع إلى البراهين كأن العبد إذا سئل يوم
القيامة عن مصرف ماله كانت صدقاته براهين في جواب هذا السؤال فيقول تصدقت به ويجوز
أن يوسم المتصدق بسيما يعرف بها فيكون برهانا له على حاله ولا يسأل عن مصرف ماله وقيل
معناه الصدقة حجة على إيمان فاعلها فإن المنافق يمتنع منها لكونه لا يعتقدها فمن تصدق استدل
بصدقته على صدق إيمانه والصبر ضياء معناه الصبر المحبوب في الشرع وهو الصبر على طاعة الله
تعالى والصبر عن معصيته والصبر أيضا على النائبات وأنواع المكاره في الدنيا والمراد أن الصبر
المحمود لا يزال صاحبه مستضيئا مهتديا مستمرا على الصواب قال إبراهيم الخواص الصبر
هو الثبات على الكتاب والسنة والقرآن حجة لك أو عليك معناه ظاهر أي تنتفع به إن تلوته
350
وعملت به وإلا فهو حجة عليك كل الناس يغدو أي يصبح فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها
أي كل إنسان يسعى بنفسه فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب ومنهم من يبيعها
للشيطان والهوى باتباعهما فيوبقها أي يهلكها
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي
90 باب
قوله (عن عبد الرحمن بن زياد) بن أنعم الأفريقي (عن عبد الله بن يزيد) هو أبو عبد
الرحمن الجبلي المصري المعافري قوله التسبيح نصف الميزان أي ثوابه بعد تجسمه يملأ نصف
الميزان والمراد به إحدى كفتيه الموضوعة لوضع الحسنات فيها والحمد لله يملؤه أي الميزان أو نصفه
وهو أظهر لأن ذكار تنحصر في نوعين التنزيه والتحميد قال الطيبي فيكون الحمد نصفه الآخر فهما
متساويان ويلائمه حديث ثقيلتان في الميزان ويحتمل تفضيل الحمد بأنه يملأ الميزان وحده
لاشتماله على التنزيه ضمنا لأن الوصف بالكمال متضمن نفي النقصان ويؤيده قوله ولا إله إلا
الله ليس لها دون الله حجاب فإنها تتضمن التحميد والتنزيه ولذا صارت موجبة للقرب وهو معنى
قوله حتى تخلص بضم اللام إليه أي تصل عنده وتنتهي إلى محل القبول بالمراد بهذا وأمثاله
سرعة القبول والإجابة وكثرة الأجر والإثابة وفيه دلالة ظاهرة على أن لا إله إلا الله أفضل من
سبحان الله والحمد لله قوله (وليس إسناده بالقوي) لأن فيه عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وهو
ضعيف وإسماعيل بن عياش وهو صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم
قوله (أخبرنا أبو الأحوص) اسمه سلام بن سليم الحنفي (عن أبي إسحاق) السبيعي
(عن جري) بضم الجيم وفتح الراء وتشديد التحتية تصغير جرو بن كليب النهدي الكوفي مقبول
351
من الثالثة (عن رجل من بني سليم) بالتصغي قوله عدهن أي الخصال الآتية فهو ضمير مبهم
يفسره ما بعده كقوله تعالى فسواهن سبع سماوات والمفسر هنا قوله التسبيح الخ في يدي
أي أخذ أصابع يدي وجعل يعقدها في الكف خمس مرات على عد الخصال لمزيد التفهيم
والاستحضار أو في يده شك من الراوي والصوم نصف الصبر وهو الصبر على الطاعة فبقي
النصف الآخر عن المعصية أو المصيبة أو الصوم صبر عن الحلق والفرج فبقي نصفه الآخر من
الصبر عن سائر الأعضاء والطهور بضم أوله نصف الإيمان لأن الإيمان تطهير السر عن دنس
الشرك فمن طهر جوارحه فقد طهر ظاهره وهو ات بنصف الإيمان فإن طهر باطنه استكمل
الإيمان قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن جري
النهدي
91 باب
قوله (أخبرنا علي بن ثابت) الجزري الهاشمي (عن الأغر بن الصباح) التميمي المنقري
(عن خليفة بن حصين) بن قيس التميمي المنقري قوله كالذي تقول بالفوقية أي كالحمد
الذي تحمد به نفسك وخيرا مما نقول بالنون أي وخيرا مما نحمدك به من المحامد (اللهم لك)
أي لا لغيرك ونسكي وسائر عباداتي أو تقربي بالذبح ومحياي ومماتي أي حياتي وموتي وقال
الطيبي أي وما آتيه في حياتي وما أموت عليه من الإيمان والعمل الصالح وإليك مابي أي مرجعي
352
ولك رب أي يا رب ترائي بضم الفوقية وبالراء وبالمثلثة قال المناوي هو ما يخلفه الإنسان
لورثته فبين أنه لا يورث وأن ما يخلفه صدقه لله ووسوسة الصدر أي حديث النفس بما لا ينبغي
وشتات الأمر بفتح المعجمة وخفة المثناة الفوقية أي تفرقه وعدم انضباطه وذلك هو من أعظم
أسباب الضرر اللاحق لمن لا تنضبط له الأمور قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه البيهقي في
شعب الإيمان (وليس إسناده بالقوي) لأن فيه قيس بن الربيع وهو صدوق تغير لما كبر وأدخل عليه
ابنه ما ليس من حديثه فحدث به
92 باب
قوله على ما يجمع ذلك كله أي على دعاء يجمع كل ما دعوت به من الدعاء الكثير
وعليك البلاغ قال في النهاية البلاغ ما يتبلغ ويتوصل به إلى الشئ المطلوب وقال في
المجمع وحديث فلا بلاغ اليوم إلا بك أي لا كفاية قال الشوكاني ولا شئ أجمع ولا أنفع من
هذا الدعاء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صح عنه من الأدعية الكثير الطيب وصح عنه من التعوذ مما
ينبغي التعوذ منه الكثير الطيب حتى لم يبق خير في الدنيا والآخرة إلا قد سأله من ربه ولم يبق شر
في الدنيا والآخرة إلا وقد استعاذ ربه منه فمن سأل الله عز وجل من خير ما سأله منه نبيه صلى الله عليه وسلم
واستعاذ من شر ما استعاذ منه نبيه صلى الله عليه وسلم فقد جاء في دعائه بما لا يحتاج بعد إلى غيره وسأله الخير على
353
اختلاف أنواعه واستعاذ من الشر على اختلاف أنواعه وحظي بالعمل بإرشاده صلى الله عليه وسلم إلى هذا القول
الجامع والدعاء النافع انتهى
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الطبراني في الكبير
93 باب
قوله (حدثنا أبو موسى الأنصاري) هو إسحاق بن موسى (أخبرنا معاذ ابن معاذ) العنبري
التميمي البصري (عن أبي كعب صاحب الحرير) اسمه عبد ربه بن عبيد الأزدي مولاهم ثقة من
السابعة قال في تهذيب التهذيب روى له الترمذي حديثا واحدا يا مقلب القلوب ثبت قلبي على
دينك قوله يا مقلب القلوب الخ تقدم شرحه في باب ما جاء أن القلوب بين إصبعي الرحمن
من أبواب القدر (قالت) أي أم سلمة (ما لأكثر دعائك) أي ما السبب في إكثارك هذا الدعاء (قال)
أي النبي صلى الله عليه وسلم إنه الضمير للشأن فمن شاء أقام أي فمن شاء الله أقام قلبه وثبته على دينه
وطاعته ومن شاء أزاغ أي ومن شاء الله أمال قلبه وصرفه عن دينه وطاعته (فتلا معاذ) أي ابن
معاذ المذكور قوله (وفي الباب عن عائشة والنواس بن سمعان الخ) أما حديث النواس
فأخرجه أحمد وأما حديث أنس فأخرجه أحمد وابن ماجة والحاكم وأخرجه الترمذي أيضا في
القدر وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد ومسلم وأما أحاديث بقية الصحابة فلينظر
من أخرجها
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد
354
94 باب
قوله (أخبرنا الحكم بن ظهير) بالمعجمة مصغرا الفزاري أبو محمد وكنية أبيه أبو ليلى
ويقال أبو خالد متروك رمي بالرفض واتهمه ابن معين من الثامنة (عن أبيه) هو بريدة بن الحصيب
الأسلمي قوله (فقال يا رسول الله ما أنام الليل من الأرق) هذا بيان لقوله شكا والأرق
بفتحتين أي من أجل السهر وهو مفارقة الرجل النوم من وسواس أو حزن أو غير ذلك إذا أويت
بالقصر وما أظلت أي وما أوقعت ظلها عليه وما أقلت أي حملت ورفعت من المخلوقات وما
أضلت أي وما أضلت الشياطين من الإنس والجن فما هنا بمعنى من وفيما قبل غلب فيها غير
العاقل ويمكن أن ما هنا للمشاكلة كن لي جارا من استجرت فلانا فأجارني ومنه قوله تعالى
وهو يجير ولا يجار عليه أي كن لي معينا ومانعا ومجيرا وحافظا أن يفرط على أحد منهم أي
من أن يفرط على أنه بدل اشتمال من شر خلقك أو لئلا يفرط أو كراهة أن يفرط يقال فرط عليه
أي عدا عليه ومنه قوله تعالى أن يفرط علينا أو أن يبغي بكسر الغين أي يظلم على أحد
عز جارك أي غلب مستجيرك وصار عزيزا وجل أي عظم ثناؤك يحتمل إضافته إلى الفاعل
والمفعول ويحتمل أن يكون المثنى غيره أو ذاته فيكون كقوله صلى الله عليه وسلم أنت كما أثنيت على نفسك قوله
(هذا حديث ليس إسناده بالقوي الخ) والحديث أخرجه الطبراني وابن أبي شيبة من حديث
خالد بن الوليد
355
قوله إذا فزع بكسر الزاي أي خاف في النوم أي في حال النوم أو عند إرادته أعوذ
بكلمات الله التامة أي الكاملة الشاملة الفاضلة وهي أسماؤه وصفاته وآيات كتبه وعقابه أي
عذابه شر عباده من الظلم والمعصية ونحوهما ومن همزات الشياطين أي نزغاتهم وخطراتهم
ووساوسهم وإلقائهم الفتنة والعقائد الفاسدة في القلب وهو تخصيص بعد تعميم وأن يحضرون
بحذف الياء وإبقاء الكسرة دليلا عليها أي ومن أن يحضروني في أموري كالصلاة وقراءة القرآن
وغير ذلك لأنهم إنما يحضرون بسوء فإنها أي الهمزات لن تضره أي إذا دعا بهذا الدعاء وفيه
دليل على أن الفزع إنما هو من الشيطان (يلقنها) أي هذه الكلمات وهو من التلقين وفي بعض
النسخ يعلمها من التعليم (من بلغ من ولده) أي ليتعوذ بها (في صك) أي في ورقة (ثم علقها) أي
علق الورقة التي هي فيها (في عنقه) أي في رقبة ولده الذي لم يبلغ قال الشيخ عبد الحق الدهلوي
في اللمعات هذا هو السند في ما يعلق في أعناق الصبيان من التعويذات وفيه كلام وأما تعليق
الحرز والتمائم مما كان من رسوم الجاهلية فحرام بلا خلاف انتهى قلت تقدم الكلام في تعليق
التعويذات في باب كراهية التعليق من أبواب الطب قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه
أبو داود والنسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد وليس عنده تخصيصها بالنوم
99 باب
قوله (حدثنا محمد بن جعفر) المعروف بغندر (عن عمر بن مرة) الجملي المرادي (قلت
له) أي لأبي وائل وهذا قول عمرو بن مرة (قال نعم) أي قال أبو وائل نعم قد سمعت هذا الحديث
356
من عبد الله بن مسعود (ورفعه) أي رفع ابن مسعود الحديث يعني رواه مرفوعا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قوله لا أحد أغير أفعل التفضيل من الغيرة بفتح الغين وهي الأنفة والحمية قال النحاس هو أن
يحمي الرجل زوجته وغيرها من قرابته ويمنع أن يدخل عليهن أو يراهن غير ذي محرم والغيور
ضد الديوث والقندع بضم الدال وفتحها الديوث هذا في حق الآدميين وأما في حق الله فقد جاء
مفسرا في الحديث وغيرة الله تعالى أن يأتي المؤمن ما حرمه الله عليه أي أن غيرته منعه وتحريمه ولما
حرم الله الفواحش وتواعد عليها وصفه صلى الله عليه وسلم بالغيرة وقال صلى الله عليه وسلم من غيرته أن حرم الفواحش
ولذلك أي لأجل الغيرة حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن قال الله تعالى قل إنما حرم
ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن قال ابن جرير إن أهل التأويل اختلفوا في المراد بالفواحش
فمنهم من حملها على العموم وساق ذلك عن قنادة قال المراد سر الفواحش وعلانيتها ومنهم من
حملها على نوع خاص وساق عن ابن عباس قال كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأسا في السر
ويستقبحونه في العلانية فحرم الله الزنا في السر والعلانية ومن طريق سعيد بن جبير ومجاهد ما
ظهر نكاح الأمهات وما بطن الزنا ثم اختار ابن جرير القول الأول قال وليس ما روى عن ابن عباس
وغيره بمدفوع ولكن الأولى الحمل على العموم انتهى ولا أحد أحب إليه المدح من الله يجوز في
أحب الرفع والنصب وهو أفعل التفضيل بمعنى المفعول وقوله المدح بالرفع فاعله وحب الله المدح
ليس من جنس ما يعقل من حب المدح وإنما الرب أحب الطاعات ومن جملتها مدحه ليثيب على
ذلك فينتفع المكلف لا لينتفع هو بالمدح ونحن نحب المدح لننتفع ويرتفع قدرنا في قومنا فظهر
من غلط العامة قولهم إذا أحب الله المدح فكيف لا نحبه نحن فافهم ولذلك أي ولأجل حبه
المدح قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
100 باب
قوله (عن أبي الخير) اسمه مرثد بن عبد الله اليزني بفتح التحتانية والزاي بعدها نون (عن
عبد الله بن عمرو) بن العاص السهمي قوله (أدعو به في صلاتي) أي عقب التشهد كما قيده
357
بعض علمائنا قاله القاري قلت وإلى هذا احتج البخاري في صحيحه فقال باب الدعاء قبل
السلام ثم ذكر حديث أبي بكر هذا وقال ابن دقيق العيد في الكلام على هذا الحديث هذا يقتضي
الأمر بهذا الدعاء في الصلاة من غير تعيين محله ولعل الأولى أن يكون في أحد موطنين السجود
والتشهد لأنهما أمر فيهما بالدعاء ظلمت نفسي أي بملابسة ما يستوجب العقوبة أو ينقص الحظ وفيه
أن الإنسان لا يعري عن تقصير ولو كان صديقا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فيه إقرار بالوحدانية
واستجلاب للمغفرة وهو كقوله تعالى والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم
الآية فأثنى على المستغفرين وفي ضمن ثنائه عليهم بالاستغفار لوح بالأمر به كما قيل إن كل شئ
أثنى الله على فاعله فهو آمر به وكل شئ ذم فاعله فهو ناه عنه مغفرة من عندك قال الطيبي دل
التنكير على أن المطلوب غفران عظيم لا يدرك كنهه ووصفه بكونه من عنده سبحانه وتعالى مريدا
لذلك لأن العظم الذي يكون من عند الله لا يحيط به وصف إنك أنت الغفور الرحيم هما
صفتان ذكرتا ختما للكلام على جهة المقابلة لما تقدم فالغفور مقابل لقوله اغفر لي والرحيم
مقابل ارحمني وهي مقابلة مرتبة
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة
101 قوله (عن الرحيل) بضم الراء وفتح الهاء المهملة مصغرا (ابن معاوية) بن حديج بضم
المهملة وآخره جيم الجعفي الكوفي صدوق من السابعة (عن الرقاشي) بفتح الراء وتخفيف القاف
اسمه يزيد بن أبان قوله (إذا كربه أمر) أي أصابه كرب وشدة (يا حي) أي الدائم البقاء (يا
قيوم) أي المبالغ في القيام بتدبير خلقه (برحمتك أستغيث) أي أطلب الإغاثة وأطلب الإعانة
358
قوله (وبإسناده) أي بإسناد الحديث المذكور (ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام) أي الزموه وأثبتوا عليه
وأكثروا من قوله والتلفظ به في دعائكم يقال ألظ بالشئ يلظ إلظاظا إذا لزمه وثابر عليه كذا في
النهاية
قوله (أخبرنا مؤمل) هو ابن إسماعيل العدوي (عن حماد بن سلمة) بن دينار البصري
قوله (هذا حديث غريب) قال السيوطي في الجامع الصغير بعد ذكر حديث ألظوا بيا ذا الجلال
والإكرام رواه الترمذي عن أنس وأحمد والنسائي والحاكم عن ربيعة بن عامر هو الطويل قوله
(أخبرنا سفيان) هو الثوري (عن الجريري) بالتصغير هو سعيد بن إياس (عن أبي الورد) هو ابن
ثمامة بن حزن القشيري البصري مقبول من السادسة (عن اللجلاج) العامري صحابي سكن
دمشق قوله (يقول) بدل أو حال (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم سؤال امتحان (دعوة) أي مستجابة ذكره
الطيبي أو هو دعوة أو مسألة دعوة (أرجو بها الخير) وفي المشكاة أرجو بها خيرا قال القاري أي
أسأله دعوة مستجابة فيحصل مطلوبي منها ولما صرح بقوله خيرا فكان غرضه المال الكثير كما في
قوله تعالى إن ترك خيرا فرده صلى الله عليه وسلم بقوله إن من تمام النعمة الخ وأشار إلى قوله تعالى فمن
زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز انتهى قال القاري والأظهر أن الرجل حمل النعمة على
النعم الدنيوية الفانية وتمامها على مدعاه في دعائه فرده صلى الله عليه وسلم عن ذلك ودله على أنه لا نعمة إلا النعمة
الباقية الأخروية (فإن من تمام النعمة دخول الجنة) أي ابتداء (والفوز) أي الخلاص والنجاة (من
359
النار) أي ولو انتهاء (وسمع) أي النبي صلى الله عليه وسلم (يا ذا الجلال
والإكرام) أي يا ذا العظمة والكبرياء والإكرام لأوليائه (قد استجيب لك فسل) أي ما تريد وفيه دليل على أن استفتاح الدعاء بقوله
الداعي يا ذا الجلال والإكرام يكون سببا في الإجابة وفضل الله واسع (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم
(سألت الله البلاء) أي لأنه يترتب عليه (فاسأله العافية) أي فإنها أوسع وكل أحد لا يقدر ان يصبر
على البلاء ومحل هذا إنما هو قبل وقوع البلاء وأما بعده فلا منع من سؤال الصبر بل مستحب
لقوله ربنا أفرغ علينا صبرا
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد
102 باب
قوله (من أوى إلى فراشه) أي لينام (طاهرا) أي متوضئا (يذكر الله) جملة حالية (حتى
يدركه النعاس) بضم النون يعني حتى ينام (لم ينقلب) من الانقلاب وفي بعض النصح لم يتقلب
من التقلب والمراد من الانقلاب هنا الاستيقاظ والانتباه
قوله (عن أبي ظبية) بفتح المعجمة وسكون الموحدة بعدها تحتانية ويقال بالمهملة وتقديم
التحتانية والأول أصح السلفي بضم المهملة الكلاعي بفتح الكاف نزل حمص مقبول من الثامنة
(عن عمرو بن عبسة عن النبي صلى الله عليه وسلم) حديث عمرو بن عبسة هذا أخرجه أحمد في مسنده
360
103 باب
قوله (عن محمد بن زياد) الألهاني (عن أبي راشد الحبراني) بضم المهملة وسكون الموحدة
الشامي قيل اسمه أخضر وقيل النعمان ثقة من الثالثة قوله (فألقى) أي عبد الله بن عمرو (إلي)
بتشديد الياء (صحيفة أي كتابا (هذا) أي الذي ألقيت إليك (اللهم فاطر السماوات والأرض) إلى
قوله (ومن شر الشيطان وشركه) تقدم شرحه بعد باب الدعاء إذا أصبح وإذا أمسى (وإن
اقترف) أي أكتسب وأعمل (أو أجره) من الجر والضمير المنصوب راجع إلى قوله سوء قوله
(فضربها) أي أغصان الشجرة (فتناثر الورق) أي تساقط (إن الحمد لله وسبحان الله الخ) قال
الطيبي هذه الكلمات كلها بالنصب على اسم إن وخبرها قوله (لتساقط بضم التاء من باب
المفاعلة (من ذنوب العبد) أي المتكلم بهذه الكلمات (كما تساقط أوراق الشجرة هذا) بصيغة
الماضي المعلوم ومن باب التفاعل والمعني أن هذا الكلمات تساقط ذنوب العبد فتتساقط كما تساقط
ورق هذا الشجرة قوله (هذا حديث غريب ولا نعرف للأعمش سماعا من أنس الخ) قال
المنذري وأخرجه أحمد من غير طريق الأعمش ورجاله رجال الصحيح
361
قوله (عن الجلاح) بضم الجيم وخفة اللام وبالحاء المهملة (أبي كثير) المصري مولى
الأمويين صدوق من السادسة (عن عمارة) بضم العين وتخفيف الميم (بن شبيب) بفتح المعجمة
وكسر الموحدة الأولى (السبائي) بفتح المهملة والموحدة وبالهمزة المقصورة ويقال فيه عمار يقال له
صحبة وقال ابن حبان في ثقاته من زعم أن له صحبة فقد وهم قال في تهذيب التهذيب
روى حديثا واحدا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا إله إلا الله وقيل عن رجل من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم
قوله على أثر المغرب بفتح الهمزة والمثلثة أو بكسر الهمزة وسكون المثلثة أي بعده بعث الله له
مسلحة قال في النهاية المسلحة القوم الذين يحفظون الثغور من العدو وسموا مسلحة لأنهم
يكونون ذوي سلاح أو لأنهم يسكنون المسلحة وهي كالثغر والمرقب يكون فيه أقوام يرقبون
العدو لئلا يطرقهم على غفلة فإذا رأوه أعلموا أصحابهم ليتأهبوا له وجمع المسلح مسالح عشر
حسنات موجبات أي للجنة موبقات بكسر الموحدة أي مهلكات وكانت له بعدل عشر
رقبات أي مثل عتقها والعدل بفتح العين وكسرها بمعنى المثل وقيل بالفتح المثل من غير الجنس
وبالكسر من الجنس وقيل بالعكس قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه النسائي
102 باب في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده
قوله (فقلت ابتغاء العلم) أي جاء بي عندك طلب العلم (فقال إن الملائكة لتضع
362
أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب) تقدم شرحه في باب فضل الفقه على العبادة من أبواب
العلم (قلت إنه) الضمير للشأن (حك في صدري) قال في النهاية حك الشئ في نفسي إذا لم تكن
منشرح الصدر به وكان في قلبك منه شئ من الشك والريب (المسح على الخفين) بالرفع على أنه
فاعل حك (وكنت) بصيغة الخطاب (هل سمعته) أي النبي صلى الله عليه وسلم (قال كان يأمرنا إذا كنا سفرا أو
مسافرين إلى قوله لكن غائط وبول ونوم) تقدم شرح في باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم
(يذكر في الهوى شيئا) بفتح الهاء والواو وهو الحب قال في القاموس هويه كرضيه هوى فهو
أي أحبه (بصوت له جهوري) بفتح الجيم وسكون الهاء ثم واو مفتوحة ثم راء مكسورة ثم ياء
مشددة أي عال هاؤم قال في النهاية هاؤم بمعنى تعال وبمعنى خذ ويقال للجماعة كقوله تعالى
هاؤم اقرءوا كتابيه وإنما رفع صوته عليه الصلاة والسلام من طريق الشفقة عليه لئلا يحبط عمله
من قوله تعالى لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي فعذره لجهله ورفع النبي صلى الله عليه وسلم صوته
حتى كان مثل صوته أو فوقه لفرط رأفته به انتهى (أغضض من صوتك) أي اخفضه (وقد نهيت
عن هذا) أي عن رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم (فقال والله لا أغضض) إنما قال هذا لأنه كان
أعرابيا جلفا جافيا كما في الرواية الآتية (ولما يحلق بهم) جملة حالية أي والحال أنه لم يلحق بهم
ووقع في حديث أنس عند مسلم ولم يلحق بعملهم وفي حديث أبي ذر ولا يستطيع أن يعمل
بعملهم وفي بعض طرق حديث صفوان بن عسال عند أبي نعيم ولم يعمل بمثل عملهم وهو يفسر
363
المراد المرء مع من أحب يوم القيامة قال النووي ولا يلزم من كونه معهم أن تكون منزلته وجزاؤه
مثلهم من كل وجه (فما زال يحدثنا) هذا قول زر بن حبيش (من قبل المغرب) بكسر القاف وفتح
الموحدة أي من جانبه (مسيرة عرضه أو يسير الراكب في عرضه) كلمة أو للشك من الراوي
وكذلك في قوله أربعين أو سبعين عاما وفي الرواية الآتية سبعين عاما من غير شك (حتى تطلع
الشمس منه) أي من المغرب قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن ماجة وابن حبان
والحاكم وقال صحيح الإسناد
قوله (حاك أو حك) شك من الراوي وقد تقدم تفسير حك وأما معنى حاك فقال في
القاموس حاك الثوب حوكا وحياكا وحياكة نسجه وحاك الشئ في صدري رسخ وقال حاك القول
في القلب حيكا أخذ (أعرابي جلف جاف) هذه الثلاثة صفات لقوله رجل فالجلف بكسر الجيم
وسكون اللام الأحمق وأصله من الجلف وهي الشاة المسلوخة التي قطع رأسها وقوائمها ويقال
للدن أيضا شبه الأحمق بهما لضعف عقله وجاف مشتق من الجفاء قال في النهاية من بدا جفا
364
أي من سكن البادية غلظ طبعه لقلة مخالطة الناس والجفاء غلظ الطبع انتهى (مه) هو اسم
مبنى على السكون بمعنى أسكت (قال زر) أي ابن حبيش (فما برح) أي فما زال (يحدثني) أي
صفوان بن عسال يوم يأتي بعض آيات ربك هو طلوع الشمس من مغربها لا ينفع نفسا
إيمانها الآية تمامها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا
منتظرون
قوله (حدثنا إبراهيم بن يعقوب) الجوزجاني (أخبرنا علي بن عياش) بفتح المهملة وشدة
التحتانية وبالمعجمة (الحمصي) الألهاني بفتح الهمزة وسكون اللام ثقة ثبت من التاسعة قوله
إن الله يقبل توبة العبد ظاهره الإطلاق وقيده بعض الحنفية بالكافر قاله القاري قلت
الظاهر المعول عليه هو الأول ما لم يغرغر من الغرغرة أي ما لم تبلغ الروح إلى الحلقوم يعني ما
لم يتيقن بالموت فإن التوبة بعد التيقن بالموت لم يعتد بها لقوله تعالى وليست التوبة للذين
يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار
قيل وأما تفسير ابن عباس حضوره بمعاينة ملك الموت فحكم أغلبي لأن كثيرا من الناس لا يراه
وكثيرا يراه قبل الغرغرة قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وابن ماجة وابن حبان
والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان
365
قوله لله أفرح بلام التأكيد المفتوحة وفي حديث ابن مسعود عند مسلم لله أشد
فرحا قال النووي قال العلماء فرح الله تعالى هو رضاه وقال المازري الفرح ينقسم على وجوه
منها السرور والسرور يقارنه الرضا بالمسرور به قال فالمراد هنا أن الله تعالى يرضى بتوبة عبده
أشد مما يرضى واجد ضالته بالفلاة فعبر عن الرضا بالفرح تأكيدا لمعنى الرضا في نفس السامع
ومبالغة في تقريره انتهى قلت لا حاجة إلى التأويل ومذهب السلف في أمثال هذا الحديث
إمرارها على ظواهرها من غير تكييف ولا تشبيه ولا تأويل وقد سبق بيانه في باب فضل الصدقة
من أحدكم بضالته قال في النهاية الضالة هي الضائعة من كل ما يقتني من الحيوان وغيره يقال
ضل الشئ إذا ضاع وهي في الأصل فاعلة ثم اتسع فيها فصارت من الصفات الغالبة وتقع على
الذكر والأنثى والاثنين والجمع قوله (وفي الباب عن ابن مسعود والنعمان بن بشير وأنس) أما
حديث ابن مسعود وحديث أنس فأخرجهما الشيخان وأما حديث النعمان بن بشير فأخرجه
مسلم قوله (وهذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه الشيخان
قوله (عن محمد بن قيس قاص عمر بن عبد العزيز) قال في التقريب محمد ابن قيس المدني
366
القاص ثقة من السادسة وحديثه عن الصحابة مرسل (عن أبي صرمة) بكسر الصاد المهملة
وسكون الراء الأنصاري (عن أبي أيوب) الأنصاري قوله (قد كتمت عنكم شيئا سمعته من
رسول الله صلى الله عليه وسلم) إنما كتمه أولا مخافة اتكالهم على سعة رحمه الله تعالى وانهماكهم في المعاصي وإنما
حدث به عند وفاته لئلا يكون كاتما للعلم وربما لم يكن أحد يحفظه غيره فتعين علته أداؤه لولا
أنكم تذنبون أي أيها المؤمنون لخلق الله خلقا أي قوما آخرين من جنسكم أو من غيركم
يذنبون فيغفر لهم وفي رواية مسلم لجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم قال الطيبي
ليس في الحديث تسلية للمنهمكين في الذنوب كما يتوهمه أهل الغرة بالله تعالى فإن الأنبياء صلوات
الله وسلامه عليهم إنما بعثوا ليردعوا الناس عن غشيان الذنوب بل بيان لعفو الله تعالى وتجاوزه عن
المذنبين ليرغبوا في التوبة والمعنى المراد من الحديث هو أن الله كما أحب أن يعطي المحسنين أحب أن
يتجاوز عن المسيئين وقد دل على ذلك غير واحد من أسمائه الغفار الحليم التواب العفو أو لم
يكن ليجعل العباد شأنا واحدا كالملائكة مجبولين على التنزه من الذنوب بل يخلق فيهم من يكون
بطبعه ميالا إلى الهوى متلبسا بما يقتضيه ثم يكلفه التوقي عنه ويحذره عن مداناته ويعرفه التوبة بعد
الابتلاء فإن وفي فأجره على الله وإن أخطأ الطريق فالتوبة بين يديه كذا في المرقاة
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد ومسلم
قوله (أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الرجال) بكسر الراء ثم جيم واسمه محمد ابن عبد
الرحمن بن عبد الله بن حارثة بن النعمان الأنصاري المدني نزيل الثغور صدوق ربما أخطأ من الثامنة (عن
عمر) بن عبد الله المدني كنيته أبو حفص (مولى غفرة) بضم الغين المعجمة وسكون الفاء ضعيف
وكان كثير الإرسال من الخامسة
367
قوله (حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري) البصري مستملي أبي عاصم يلقب بدعة
بكسر الموحدة وسكون المهملة ثقة حافظ من الحادية عشرة (حدثنا أبو عاصم) اسمه الضحاك
النبيل (أخبرنا كثير بن فائد) بالفاء البصري مقبول من السابعة (أخبرنا سعيد بن عبيد) الهنائي
البصري قوله إنك ما دعوتني ورجوتني ما مصدرية ظرفية أي ما دمت تدعوني وترجوني يعني
في مدة دعائك ورجائك غفرت لك على ما كان فيك أي من المعاصي وإن تكررت وكثرت ولا
أبالي أي والحال أني لا أتعظم مغفرتك على وإن كان ذنبا كبيرا أو كثيرا قال الطيبي في قوله ولا
أبالي معنى لا يسأل عما يفعل عنان السماء يفتح العين أي سحابها وقيل ما علا منها أي ظهر لك
منها إذا رفعت رأسك إلى السماء قال الطيبي العنان السحاب وإضافتها إلى السماء تصوير
لارتفاعه وأنه بلغ مبلغ المساء بقراب الأرض بضم القاف ويكسر أي بما يقارب ملؤها (خطايا)
تمييز قراب أي بتقدير تجسمها لا تشرك بي شيئا الجملة حال من الفاعل أو المفعول على حكاية
الحال الماضية لعدم الشرك وقت اللقي بقرابها مغفرة قال الطيبي ثم
هذه للتراخي في الإخبار
وأن عدم الشرك مطلوب أولى ولذلك قال لقيتني وقيد به وإلا لكان يكفي أن يقال خطايا لا تشرك
بي قال القاري فائدة القيد أن يكون موته على التوحيد
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد والدارمي عن أبي ذر
368
103 باب
خلق الله مائة رحمة قوله خلق الله أي يوم خلق السماوات والأرض كما في حديث سلمان عند مسلم قال
القرطبي يجوز أن يكون معنى خلق اخترع وأوجد ويجوز أن يكون بمعنى قدر وقد ورد خلق بمعنى قدر في
لغة العرب فيكون المعنى أن الله أظهر تقديره لذلك يوم أظهر تقديره السماوات والأرض فوضع
رحمة واحدة بين خلقه أي من جملة المائة وفي رواية لمسلم إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة
واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على
ولدها وعند الله تسعة وتسعون رحمة وفي رواية لمسلم وأخر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها
عباده يوم القيامة قال الطيبي رحمة الله تعالى لا نهاية لها فلم يرد بما ذكره تحديدا بل تصويرا
للتفاوت بين قسط أهل الإيمان منها في الآخرة وقسط كافة المربوبين في الدنيا قوله (وفي الباب
عن سلمان وجندب بن عبد الله بن سفيان البجلي) أما حديث سلمان فأخرجه مسلم وأما حديث
جندب بن عبد الله فأخرجه أحمد في مسنده
قوله (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله من العقوبة بيان لما ما طمع من باب سمع أي ما رجا أحد أي من المؤمنين
فضلا عن الكافرين ولا بعد أن يكون أحد على إطلاقه من إفادة العموم إذ تصور ذلك وحده
369
يوجب اليأس من رحمته وفيه بيان كثرة عقوبته لئلا يغتر مؤمن بطاعته أو اعتمادا على رحمته فيقع في
الأمن ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ما قنط من القنوط هو اليأس من باب نصر وضرب
وسمع أحد أي من الكافرين قال الطيبي الحديث في بيان صفتي القهر والرحمة لله تعالى فكما
أن صفات الله تعالى غير متناهية لا يبلغ كنه معرفتها أحد كذلك عقوبته ورحمته فلو 4 فرض أن
المؤمن وقف على كنه صفته القهارية لظهر منها ما يقنط من ذلك الخواطر فلا يطمع بجنته أحد
وهذا معنى وضع أحد موضع ضمير المؤمن ويجوز أن يراد بالمؤمن الجنس على سبيل الاستغراق
فالتقدير أحد منهم ويجوز أن يكون المعنى على وجه اخر وهو أن المؤمن قد اختص بأن يطمع بالجنة
فإذا انتفي الطمع منه فقد انتفى عن الكل وورد الحديث في بيان كثرة رحمته وعقوبته كيلا يغتر
مؤمن برحمته فيأمن من عذابه ولا ييأس كافر من رحمته ويترك بابه كذا في المرقاة
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه الشيخان
قوله (عن ابن عجلان) اسمه محمد (عن أبيه) هو عجلان المدني مولى فاطمة بنت عتبة لا
بأس به من الرابعة قوله إن الله حين خلق الخلق أي المخلوقات كتب بيده على نفسه أن
رحمتي تغلب غضبي بفتح الهمزة وتكسر على حكايته مضمون الكتاب وفي رواية للبخاري في
التوحيد أن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه أن رحمتي سبقت غضبي قال الجزري
قوله إن رحمتي تغلب غضبي هو إشارة إلى سعة الرحمة وشمولها الخلق كما يقال غلب على فلان
الكرم أي هو أكثر خصاله وإلا فرحمة الله وغضبه صفتان راجعتان إلى إرادته للثواب والعقاب
وصفاته لا توصف بغلبة إحداهما الأخرى وإنما وعلى سبيل المجاز للمبالغة انتهى وقال الطيبي
أي لما خلق الخلق حكم حكما جازما ووعد وعدا لازما لا خلف فيه بأن رحمتي سبقت غضبي فإن
المبالغ في حكمه إذا أراد إحكامه عقد عليه سجلا وحفظه ووجه المناسبة بين قضاء الخلق وسبق
370
الرحمة أنهم مخلوقون للعبادة شكرا للنعم الفائضة عليهم ولا يقدر أحد على أداء حق الشكر
وبعضهم يقصرون فيه فسبقت رحمته في حق الشاكر بأن وفي جزاءه وزاد عليه ما لا يدخل تحت
الحصر وفي حق المقصر إذا تاب ورجع بالمغفرة والتجاوز ومعنى سبقت رحمتي تمثيل لكثرتها
وغلبتها على الغضب بفرسي رهان تسابقتا فسبقت إحداهما الأخرى قوله (هذا حديث حسن
صحيح) وأخرجه الشيخان
قوله (حدثنا يونس بن محمد) المؤدب (أخبرنا سعيد بن زربي) بفتح الزاي وسكون الراء
بعدها موحدة مكسورة الخزاعي البصري العباداني أبو عبيدة أو أبو معاوية منكر الحديث من
السابعة قوله (اللهم لا إله إلا أنت المنان) قال في النهاية المنان هو المنعم المعطي من المن
العطاء لا من المنة وكثيرا ما يرد المن في كلامهم بمعنى الإحسان إلى من لا يستثيبه ولا يطلب الجزاء
عليه فالمنان من أبنية المبالغة كالسفاك والوهاب (ذا الجلال والإكرام) أي يا ذا العظمة والكبرياء وذا
الإكرام لأوليائه أتدرون بما دعا الله أي تعلمون بالاسم الذي دعا الله به هذا الرجل دعا الله
باسمه الأعظم جملة مستأنفة بيان لما دعا الله به وقد تقدم الكلام في ما يتعلق بالاسم الأعظم في
باب جامع الدعوات الذي إذا دعي به أجاب الخ تقدم شرحه في الباب المذكور قوله (هذا
حديث غريب) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم
104 باب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم أنف رجل
قوله (أخبرنا ربعي) بكسر الراء المهملة وسكون الموحدة وكسر العين المهملة وشدة
371
التحتية (بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي أبو الحسن البصري أخو إسماعيل بن عليه وهو أصغر
منه ثقة صالح من التاسعة (عن عبد الرحمن بن إسحاق) القرشي المدني قوله رغم أنف رجل
أي لصق أنفه بالتراب كناية عن حصول الذل قال في النهاية رغم برغم ورغم يرغم رغما
ورغما ورغما وأرغم الله أنفه أي ألصقه بالرغام وهو التراب هذا هو الأصل ثم استعمل في الذل
والعجز عن الانتصاف والانقياد على كره انتهى وهذا إخبار أو دعاء ذكرت بالبناء للمفعول فلم
يصل علي قال الطيبي الفاء استبعادية والمعنى بعيد على العاقل أن يتمكن من إجراء كلمات
معدودة على لسانه فيفوز بها فلم يغتنمه فحقيق أن يذله الله وقيل إنها للتعقيب فتقيد به ذم
التراخي عن الصلاة عليه عند ذكره صلى الله عليه وسلم ثم انسلخ أي انقضى قبل أن يغفر له أي بأن لم يتب
أو لم يعظمه بالمبالغة في الطاعة حتى يغفر له فلم يدخلاه الجنة لعقوقه وتقصيره في حقهما
والإسناد مجازي فإن المدخل حقيقة هو الله يعني لم يخدوهما حتى يدخل بسببهما الجنة قوله (وفي
الباب عن جابر وأنس) أما حديث جابر يعني ابن سمرة فأخرجه الطبراني بأسانيد أحدها حسن
وأما حديث أنس فأخرجه أحمد والنسائي والطبراني في الأوسط وابن حبان في صحيحه وغيرهم
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن حبان في صحيحه والبزار في مسنده والحاكم في
مستدركه وقال صحيح (وهو ابن علية) أي إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية وعلية اسم أمه
(ويروى عن بعض أهل العلم قال إذا صلى الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم مرة في المجلس أجزأ عنه ما
كان في ذلك المجلس) أي ما دام كان في ذلك المجلس
قوله (عن عبد الله بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب) مقبول من الخامسة (عن أبيه)
372
هو المعروف بزين العابدين قوله البخيل أي الكامل في البخل الذي من قال الطيبي
الموصول الثاني مقحم بين الموصول الأول وصلته تأكيدا كما في قراءة زيد بن علي الذي خلقكم
والذين من قبلكم أي بفتح الميم انتهى وقيل يمكن أن تكون شرطية والجملة صلة والجزاء فلم
يصل على ذكرت عنده أي ذكر اسمي بمسمع منه فلم يصل علي لأنه بخل على نفسه حيث
حرمها صلاة الله عليه عشرا إذا هو صلى واحدة قاله المناوي وقال القاري فمن لم يصل عليه فقد
بخل ومنع نفسه من أن يكتال بالمكيال الأوفى فلا يكون أحد أبخل منه كما تدل عليه رواية البخيل
كل البخيل انتهى قلت أشار القاري بقوله ومنع نفسه من أن يكتال بالمكيال الأوفى إلى حديث
أبي هريرة من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل اللهم صلى على محمد
النبي الأمي الحديث رواه أبو داود قال الحافظ ابن كثير بعد ذكر حديث علي وحديث أبي هريرة
المذكورين فيهما دليل على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر وهو مذهب طائفة من العلماء
منهم الطحاوي والحليمي ويتقوى بالحديث الآخر الذي رواه ابن ماجة حدثنا جبارة بن المغلس
حدثنا حماد بن زيد حدثنا عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من نسي الصلاة علي أخطأ طريق الجنة جبارة ضعيف ولكن رواه إسماعيل القاضي من غير وجه
عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسي الصلاة علي أخطأ طريق
الجنة وهذا مرسل يتقوى بالذي قبله وذهب آخرون إلى أنه تجب الصلاة عليه في المجلس مرة
واحدة ثم لا تجب في بقية ذلك المجلس بل يستحب نقله الترمذي عن بعضهم ويتأيد بالحديث
الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم
يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة يوم القيامة فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم انتهى قوله
(هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم عن الحسين بن
علي عن النبي صلى الله عليه وسلم
105 باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم
قوله (عن الحسن بن عبيد الله) بن عروة النخعي قوله اللهم برد قلبي أي اجعله
373
باردا (والبرد) بفتحتين هو حب الغمام
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد بنحوه
قوله من فتح له منكم باب الدعاء أي بأن وفق لأن يدعو الله كثيرا مع وجود شرائطه
وحصول آدابه فتحت له أبواب الرحمة يعني أنه يجاب لمسئوله تارة ويدفع عنه مثله من السوء
أخرى كما في بعض الروايات فتحت له أبواب الإجابة وفي بعضها فتحت له أبواب الجنة وما
سئل الله شيئا يعني أحب إليه قال الطيبي أحب إليه تقييد للمطلق بيعني وفي الحقيقة صفة شيئا
من أن يسأل العافية أن مصدرية والمعنى ما سئل الله سؤالا أحب إليه من سؤال العافية إن
الدعاء ينفع مما نزل أي من بلاء نزل بالرفع إن كان معلقا وبالصبر إن كان محكما فيسهل عليه
تحمل ما نزل به فيصبره عليه أو يرضيه به حتى لا يكون في نزوله متمنيا خلاف ما كان بل يتلذذ
بالبلاء كما يتلذذ أهل الدنيا بالنعماء ومما لم ينزل أي بأن يصرفه عنه ويدفعه منه أو يمده قبل النزول
بتأييد من يخف معه أعباء ذلك إذا نزل به فعليكم عباد الله بالدعاء أي إذا كان هذا شأن الدعاء
فالزموا يا عباد الله الدعاء قوله (هذا حديث غريب) قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا
الحديث رواه الترمذي والحاكم كلاهما من رواية عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي وهو ذاهب
الحديث عن موسى بن عقبة عن نافع عنه وقال الترمذي حديث غريب وقال الحاكم صحيح
الإسناد
374
قوله (أخبرنا إسحاق بن منصور الكوفي) السلولي (عن إسرائيل) بن يونس قوله
(أخبرنا أبو النضر) اسمه هاشم بن القاسم البغدادي (عن بلال) بن رباح المؤذن وهو ابن حمامة
وهي أمه كنيته أبو عبد الله مولى أبي بكر من السابقين الأولين شهد بدرا والمشاهد مات بالشام سنة
سبع عشرة أو ثمان عشرة وقيل سنة عشرين وله بضع وستون سنة قوله عليكم بقيام الليل أي
التهجد فيه فإنه دأب الصالحين بسكون الهمزة ويبدل ويحرك أي عادتهم وشأنهم قال الطيبي
الدأب العادة والشأن وقد يحرك وأصله من دأب في العمل إذا جد وتعب وإن قيام الليل قربة إلى
الله أي مما يتقرب به إلى الله تعالى ومنهاة مصدر ميمي بمعنى اسم الفاعل أي ناهية عن الإثم
أي عن ارتكابه قال الله تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات وقال إن الصلاة تنهي عن
الفحشاء والمنكر وتكفير للسيئات أي مكفرة للسيئات وساترة لها ومطردة للداء عن الجسد
أي طارد ومبعد للداء عن البدن قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد والحاكم والبيهقي في
السنن الكبرى (وسمعت محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري (يقول محمد القرشي هو محمد
بن سعيد الشامي وهو ابن أبي قيس وهو محمد بن حسان وقد ترك حديثه) قال في التقريب
375
محمد بن سعيد بن حسان بن قيس الأسدي الشامي المصلوب ويقال له ابن سعيد ابن عبد العزيز
أو ابن أبي عتبة أو ابن قيس أو ابن أبي حسان ويقال له ابن الطبري أبو عبد الرحمن وأبو
عبد الله أو أبو قيس وقد ينسب لجده وقيل إنهم قلبوا اسمه على مائة وجه ليخفى كذبوه وقال
أحمد بن صالح وضع أربعة آلاف حديث وقال أحمد قتله المنصور على الزندقة وصلبه من
السادسة
قوله (حدثنا بذلك محمد بن إسماعيل) هو محمد بن إسماعيل الترمذي أو هو الإمام
البخاري لم يتعين لي (أخبرنا عبد الله ابن صالح) الجهني (حدثني معاوية بن صالح) الحضرمي
قوله ومكفرة للسيئات مصدر ميمي بمعنى اسم الفاعل أي مكفرة للذنوب قوله (وهذا أصح
من حديث أبي إدريس عن بلال) لأن في سند حديث بلال محمد القرشي وقد عرفت حالة
وحديث أبي أمامة هذا أخرجه أيضا ابن أبي الدنيا في كتاب التهجد وابن خزيمة في صحيحه والحاكم
كلهم من رواية عبد الله بن صالح وقال الحاكم صحيح على شرط البخاري كذا في الترغيب وفي
الباب عن أبي الدرداء عند ابن عساكر وعن سلمان الفارسي عند الطبراني وعن جابر عند ابن
السني
قوله (حدثني عبد الرحمن بن محمد) بن زياد المحاربي أبو محمد الكوفي لا بأس به كان
يدلس قاله أحمد من التاسعة (عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الميثي قوله أعمار
أمتي ما بين الستين إلى السبعين أي نهاية أكثر أعمار أمتي غالبا ما بينهما وأقلهم من يجوز ذلك أي
376
يتجاوز السبعين فيصل إلى المائة فما فوقها قال القاري وأكثر ما اطلعنا على طول العمر في هذه
الأمة من المعمرين في الصحابة والأئمة سن أنس بن مالك فإنه مات وله من العمر مائة وثلاث
سنين وأسماء بنت أبي بكر ماتت ولها مائة سنة ولم يقع لها سن ولم ينكر في عقلها شئ وأزيد منهما
عمر حسان بن ثابت مات وله مائة وعشرون سنة عاش منها ستين في الجاهلية وستين في الإسلام
وأكثر منه عمرا سلمان الفارسي فقيل عاش مائتين وخمسين سنة وقيل ثلاثمائة وخمسين سنة والأول
أصح قوله (هذا حديث غريب حسن) وأخرجه ابن ماجة (وقد روي عن أبي هريرة من غير
هذا الوجه) أخرجه الترمذي في باب أعمار هذه الأمة من أبواب الزهد
106 باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم
قوله (عن عمر بن مرة) الجملي المرادي (عن عبد الله بن الحارث) الزبيدي المكتب (عن
طليق) بالتصغير بن قيس الحنفي الكوفي ثقة من الثالثة قوله (يقول) بدل من يدعو أو حال
رب أعني أي على أعدائي في الدين والدنيا من النفس والشيطان والجن والإنس وامكر لي ولا
تمكر علي قال الطيبي المكر الخداع وهو من الله إيقاع بلائه بأعدائه من حيث لا يشعرون وقيل
هو استدراج العبد بالطاعة فيتوهم أنها مقبولة وهي مردودة وقال ابن الملك المكر الحيلة والفكر في
دفع عدو بحيث لا يشعر به العدو فالمعنى اللهم اهدني إلى طريق دفع أعدائي عني ولا تهد
عدوي إلى طريق دفعه إياه عن نفسه كذا في المرقاة (واهدني) أي دلني على الخيرات ويسر لي
الهدي أي وسهل اتباع الهداية أو طرق الدلالة حتى لا أستثقل الطاعة ولا أشتغل عن الطاعة
وانصرني على من بغا علي أي ظلمني وتعدى علي رب اجعلني لك شكارا أي كثير الشكر
377
على النعماء والآلاء وتقديم الجار والمجرور للاهتمام والاختصاص أو لتحقيق مقام الاخلاص لك
ذكارا أي كثير الذكر لك رهابا أي كثير الخوف لك مطواعا بكسر الميم مفعال للمبالغة أي
كثير الطوع وهو الانقياد والطاعة لك مخبتا أي خاضعا خاشعا متواضعا من الإخبات قال في القاموس
أخبت خشع إليك أواها أي متضرعا فعال للمبالغة من أوه تأويها وتاوه تأوها إذا قال أوه أي قائلا
كثيرا لفظ أوه وهو صوت الحزين أي اجعلني حزينا ومتفجعا على التفريط أو هو قول النادم من
معصيته المقصر في طاعته وقيل الأواه البكاء (منيبا) أي راجعا قيل التوبة رجوع من المعصية إلى
الطاعة والإنابة من الغفلة إلى الذكر والفكرة والأوبة من الغيبة إلى الحضور والمشاهدة قال الطيبي
وإنما اكتفى في قوله أواها منيبا بصلة واحدة لكون الإنابة لازمة للتأوه ورديفا له فكأنه شئ واحد
ومن قوله إن إبراهيم لحليم أواه منيب رب تقبل توبتي أي بجعلها صحيحة بشرائطها
واستجماع آدابها فإنها لا تتخلف عن حيز القبول قال الله تعالى وهو الذي يقبل التوبة عن
عباده واغسل حوبتي بفتح الحاء ويضم أي امح ذنبي وأجب دعوتي أي دعاني وثبت
حجتي أي على أعدائك في الدنيا والعقبي وثبت قولي وتصديقي في الدنيا وعند جواب الملكين
وسدد لساني أي صوبه وقومه حتى لا ينطق إلا بالصدق ولا يتكلم إلا بالحق واهد قلبي أي
إلى الصراط المستقيم واسلل بضم اللام الأولى أي أخرج من سل السيف إذا أخرجه من الغمد
سخيمة صدري أي غشه وغله وحقده قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود
والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وابن أبي شيبة
قوله (أخبرنا أبو الأحوص) اسمه سلام بن سليم (عن أبي حمزة) الأعور القصاب اسمه
ميمون قوله من دعا على من ظلمه فقد انتصر أي انتقم منه قال المناوي أي أخذ من عرض
378
الظالم فنقص من اثمه ثواب المظلوم بحسبه
قوله (هذا حديث غريب) في سنده أبو حمزة الأعور وهو ضعيف
107 باب
قوله (حدثنا زيد بن حباب) أبو الحسين العكلي (عن محمد بن عبد الرحمن) لسفيان
الثوري عدة شيوخ أسماؤهم محمد بن عبد الرحمن ولم يتعين لي أن محمد بن عبد الرحمن هذا من
هو قوله كانت له عدل أربع رقاب قال في النهاية العدل والعدل بالكسر والفتح وهما بمعنى
المثل وقيل هو بالفتح ما عاد له من جنسه وبالكسر ما ليس من جنسه وقيل بالعكس من ولد
إسماعيل بفتح الواو واللام وبضم الأول وسكون الثاني خصص بني إسماعيل لشرفهم وإنافتهم
على غيرهم من العرب والعرب أفضل الأمم ولقربهم منه عليه السلام ومزيد اهتمامه بهم ويستفاد
منه جواز استرقاق العرب خلافا لمن منع ذلك وحديث أبي أيوب هذا أخرجه الشيخان أيضا
379
108 باب
قوله (حدثنا كنانة) بكسر الكاف وخفة النون الأولى (مولى صفية) يقال اسم أبيه نبيه
مقبول ضعفه الأزدي بلا حجة من الثالثة (قال سمعت صفية) بنت حي بن أخطب الإسرائيلية
أم المؤمنين تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد خيبر ماتت سنة ست وثلاثين وقيل في ولاية معاوية وهو
الصحيح قوله (وبين يدي) أي قدامي والواو للحال (أربعة آلاف نواة) بفتح النون وهي عظم
التمر لقد سبحت بهذه أي بهذه النواة عدد خلقه منصوب صفة مصدر محذوف تقديره أسبحه
تسبيحا عدد خلقه قال القاري هذا الحديث أصل صحيح لتجويز السبحة بتقريره صلى الله عليه وسلم فإنه في
معناها إذ لا فرق بين المنظومة والمنثورة فيما بعد به ولا يعتد بقول من عدها بدعة انتهى قلت
تقدم الكلام في هذه المسألة في باب عقد التسبيح باليد قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه
الحاكم قوله (وليس إسناده بمعروف) تفرد به هاشم بن سعيد وهو ضعيف قوله (وفي الباب
عن ابن عباس) أخرج حديثه أبو داود
قوله (عن محمد بن عبد الرحمن) بن عبيد القرشي التيمي (عن جويرية) بالتصغير (بنت
الحارث) بن أبي ضرار الخزاعية من بني المصطلق أم المؤمنين كان اسمها برة فغيرها النبي صلى الله عليه وسلم
وسباها في غزوة المريسيع ثم تزوجها وماتت سنة خمسين على الصحيح قوله وهي في مسجدها
380
بفتح الجيم وبكسر أي موضع سجودها للصلاة ما زلت بكسر التاء على حالك أي على الحال التي
فارقتك عليها عدد خلقه منصوب على نزع الخافض أي بعدد كل واحد من مخلوقاته وقال
السيوطي نصب على الظرف أي قدر عدد خلقه سبحان الله رضي نفسه أي أسبحه قدر ما يرضاه
سبحان الله زنة عرشه أي أسبحه بمقدار وزن عرشه ولا يعلم وزنه إلا الله تبارك وتعالى سبحان
الله مداد كلماته بكسر الميم أي مثل عددها وقيل قدر ما يوازيها في الكثرة عيار كيل أو وزن أو عدد
أو ما أشبهه من وجوه الحصر والتقدير وهذا تمثيل يراد به التقريب لأن الكلام لا يدخل في الكيل
والوزن وإنما يدخل في العدد والمداد مصدر كالمدد يقال مددت الشئ مدا ومدادا وهو ما يكثر به
ويزاد كذا في النهاية والحديث دليل على فضل هذه الكلمات وأن قائلها يدرك فضيلة تكرار القول
بالعدد المذكور ولا يتجه أن يقال إن مشقة من قال هكذا أخف من مشقة من كرر لفظ الذكر حتى
يبلغ إلى مثل ذلك العدد فإن هذا باب منحه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعباد الله وأرشدهم ودلهم عليه تخفيفا
لهم وتكثيرا لأجورهم من دون تعب ولا نصب فلله الحمد
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة
109 باب
قوله إن الله حي فعيل من الحياء أي كثير الحياء ووصفه تعالى بالحياء يحمل على ما يليق
381
له كسائر صفاته نؤمن بها ولا نكيفها كريم هو الذي يعطي من غير سؤال فكيف بعده صفرا
بكسر الصاد المهملة وسكون الفاء أي خاليتين قال الطيبي يستوي فيه المذكر والمؤنث والتثنية
والجمع خائبتين من الخيبة وهو الحرمان وفي الحديث دلالة على استحباب رفع اليدين في
الدعاء والأحاديث فيه كثيرة وأما حديث أنس لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في شئ من الدعاء إلا
في الاستسقاء فالمراد به المبالغة في الرفع قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود وابن
ماجة والبيهقي في الدعوات الكبير وصححه الحاكم
قوله (عن القعقاع) بن حكيم قوله (كان يدعوا) أي يشير (بأصبعيه) الظاهر أنهم
الممبحتان (أحد أحد) كرر للتأكيد في التوحيد أي أشر بأصبع واحدة لأن الذي تدعوه واحد
سبحانه وأصله وحد أمر مخاطب من التوحيد وهو القول بأن الله واحد قلبت الواو همزة
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه النسائي والبيهقي في الدعوات الكبير
تم - بحمد الله - الجزء التاسع ويليه الجزء العاشر وأوله " أحاديث شتى " من أبواب الدعوات
382