سيدة عش آل محمد

ابوالحسن هاشم

نسخه متنی
نمايش فراداده
سَيِّدةُ عُشِّ آل مُحمَّد
المقدمة 9
1 ـ ولادتها ونشأتها . . . 13
(أ) الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ينتخب اُم أولاده . . . 15
(ب) السيدة تكتم21
(ج) متى ولدت السيدة المعصومة ( عليها السلام ) ؟ 29
(د) إخوتها33
2 ـ ألقابها : 35
(أ) المعصومة37
(ب) كريمة أهل البيت37
(ج) اُخت الرضا38
3 ـ هل تزوجت السيدة المعصومة ( عليها السلام ) ؟ 41
4 ـ معاناتها : 49
(أ) فقد أبيها51
(ب) الجلودي يرعب ودائع آل محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم )53
(ج) السيدة تعايش ترحيل أخيها63
5 ـ هجرتها :65
(أ) هجرة إخوتها إلى شيراز69
(ب) ركب السيدة يحاصر في ساوة73
(1 | ب) لماذا سميت هذه البلدة بـ « قم » ؟ 74
(2 | ب) في فضل قم وأهلها77
(3 | ب) قم تستقبل السيدة المعصومة79
(4 | ب) السيدة المعصومة تفارق الحياة 79
(5 | ب) المأمون يعترف81
6 ـ الجنة لمن زارها83
7 ـ يافاطمة إشفعي لي في الجنة87
8 ـ المعصومة تحدثنا : 101
(أ) عن يوم الغدير105
(ب) بشائر لشيعة علي ( عليه السلام )107
(ج) الموت على حب آل محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )109
9 ـ معجزاتها وكراماتها : 111
10 ـ الشعراء في رحاب السيدة المعصومة127
زيارة السيدة المعصومة135
******************
سَيِّدةُ عُشِّ آل مُحمَّد
السيّد أبو الحسن هاشم
( 3 )
« قُم عُشُّ آلِ محمّد ، ومأوى شيعتهم »
الإمام الكاظم ( عليه السلام )
تاريخ قم ص98
عنه بحار الأنوار ج60 ص214 ، ح31
( 4 )
( 5 )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلٌ اللهم على خير خلقك أجمعين ، محمد سيّد المرسلين ، وخاتم النبيين ، وعلى أهل بيته الأئمة الهادين ، العلماء الصادقين ، الأبرار المتقين ، دعائم دينك ، وأركان توحيدك ، وتراجمة وحيك ، وحججك على خلقك ، وخلفائك في ارضك ، الذين اخترتهم لنفسك ، واصطفيتهم وارتضيتهم لدينك ، وخصصتهم بمعرفتك ، وجللتهم بكرامتك ، وغشيتهم برحمتك ، وربيتهم بنعمتك ، وغذيتهم بحكمتك ، والبستهم نورك ، ورفعتهم في ملكوتك ، وحففتهم بملائكتك ، وشرّفتهم بنبيك صلواتك عليه واکله . والعن اللهم أعداءهم اجمعين إلى قيام يوم الدين .
( 6 )
هذا الكتاب . . .
أيها القارىء الكريم :
هذه صفحاتٌ متلألئةٌ بذكر حياة سيدةٍ جليلةٍ عابدة زاهدة . . من فرع الشجرة المباركة ، ومن أطهر اُسرةٍ على وجه الأرض .
هي إبنة إمام . . وأختُ إمام . . وعمّة إمام . . ألا وهي سيدتنا ومولاتنا فاطمة المعصومة . . بنت الإمام موسى بن جعفر . . أختُ الإمام الرضا . . عمة الإمام الجواد ، عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأزكى السّلام .
***
سيدتي ومولاتي :
هل تأذنين لي ـ أن أكتبَ عنكِ هذه الصفحات . . . ؟
إني لاَتجاوَزُ قَدْري إذا زَعَمتُ أو تَوهَّمتُ أنني قادرٌ على إيفاء حَقِّكِ وحقِّ أبائِك وأبنائهم ( عليهم السّلام ) .
وأنْ أبلغَ القصدَ كلَّهُ ـ فأكتبُ عن بياض ذلك الطُّهْر بسواد هذه اليَد ـ مَطمَحٌ أستحي أنْ أزعُمَه .
ولكن إيماناً بقداسة الواجب ، واعترافاً بالجميل ، وتعبيراً عن الحب والولاء ، أقدّم هذه الصفحات ، راجياً منكم الصفحَ والقبول .
( 7 )
( 8 )
( 9 )
المقدمة
كثيرون هم الذين يأتون إلى هذا العالم ويذهبون الى هذا العالم ويذهبون كما جاءوا . . . لم يخلفوا سوى خمول ذكر ، وخمود اسم . .
وكثيرون هم الذين خلٌفوا لعائن الأجيال والأمم ، وان بحثت عنهم فلاتجدهم إلا في مزابل التاريخ .
وسادةُ هذه القلّة القليلة وأشرافهم هم محمد المصطفى ، وأهل بيته سادات الورى ـ ولا يُقاس بآل محمد أحد ـ ، وما أنجب هذا البيت الطاهر من شخصيات فريدة مثل السيدة زينب ، والسيدة سُكينة ، وأبي الفضل العباس ، وعلي الاكبر ، ومسلم بن عقيل ، وغيرهم ، صلوات الله عليهم اجمعين .
ومن الذين انجبهم هذا البيت المبارك السيدة الجليلة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم ( عليهما السّلام ) .
وأهل بيت الوحي وأولادهم الطاهرون هم اعظم شأناً من ان تحويهم قوالب الألفاظ أو مرابع الأفكار ، بل إن الالفاظ والأفكار لتنحسر مبهوتةً من أنوارهم ، خجلى من عمظمتهم . ولكن ما لا يُدرك
( 10 )
كله لا يُترك كله .
ومن شديد الأسف أنّ التاريخ ظلم هذه السيدة الطاهرة كما ظلم آباءها وأبناءهم ـ سلام الله عليهم ـ فلم يكتب عنهم إلا القليل القليل . ولذا كنت استنطق التاريخ ، وأبحث وأنقب في الكتب . . علٌني أجد كلمة او قصة تزيدنا معرفة بهذه السيدة المباركة . ومما تجمٌعَ عندي من معلومات ـ على قلتها ـ كان هذا الكتاب .
ومن شديد الأسف أنّ التاريخ ظلم هذه السيدة الطاهرة كما ظلم آباءها وأبناءهم ـ سلام الله عليهم ـ فلم يكتب عنهم إلا القليل القليل . ولذا كنت استنطق التاريخ ، وأبحث وأنقب في الكتب . . علٌني أجد كلمة أو قصة تزيدنا معرفةً بهذه ا لسيدة المباركة . ومما تجمٌع عندي من معلومات ـ على قلٌتها ـ كان هذا الكتاب .
ولا يفوتني أن أشكر كل من آزرني بمشورة ، أو ساعدني في فكرة أو إبداء ملاحظة ، فشكراً جزيلاً لهم ، ولكل من ساهَمَ في إخراج هذا الكتاب الى عالم النور .
لماذا عش آل محمد » ؟
قبل أن نشرع في هذه الرحلة الممتعة والقصيرة . .
فهي ممتعة لأنها عن حياة إحدى بنات الوحي والامامة . .
وهي قصيرة لان التاريخ بخل علينا فظلمها فلم يذكر عنها إلا النزر اليسير ، كما هو ديدنه مع سائر أهل ذلك البيت الطاهر .
قبل ذلك كلّه نطرح هذا السؤال :
لماذا سميت « قم » ب « عش آل محمد » ؟
الجواب : العش في اللغة هو المكان الذي تصنعه الطيور ، فتضع فيه بيضها ليفقس عن افراخ صغار ، تظل ترعاهم وتزفهم الطعام حتى يكبروا ، وعندها تستطيع الافراخ الطيران والتحليق في الجو .
كذلك « قم » بالنسبة ل « آل محمد » فهي المكان الذي كان ولا يزال يحتضن شيعة أهل البيت ويزقهم العلم الصحيح فيتربون فيها على
( 11 )
تعاليم أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ويترعرعون عليها حتى يتخرجوا من هذه المدرسة المقدسة ، عندها ينتشرون في أنحاء الأرض وأرجائها ، فيبثون ما تعلموه من علوم آل محمد ، وينشرونها .
ولذلك تخرٌج من مدينة « قم » الكثير الكثير من العلماء والمحدّثين ونحوهم .
فكانت « قم » ـ حقيقةً ـ عشا ومأوى لهذه البذور الطيبة .
فلعل هذا هو وجه تسميتها ب « عش آل محمد » .
وكانت السيدة الطاهرة فاطمة المعصومة ( عليها السلام ) سيدة هذا العش وراعيته والقائمة عليه والمأوى والملاذ فيه ، ولذلك كان عنوان هذا الكتاب الذي بين أيديكم :
« سيدة عش آل محمد » .
( 12 )
( 13 )
1 ـ ولادتها ونشأتها
1 ـ الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ينتخب ام اولاده .
ب ـ السيدة تُكتم
ج ـ متى ولدت السيدة المعصومة ؟
د ـ إخوتها
( 14 )
( 15 )
(1) الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ينتخب أم أولاده
كانت السيدة المعصومة اختاً للإمام الرضا لامه ، فأمهما واحدة (1) .
فمن كانت امهما ؟ وكيف اختارها الإمام الكاظم لتكون أمّاً لاولاده ؟
هذا ما ستقراه في الحديث التالي : ـ
قال الإمام الكاظم ( عليه السلام ) لهشام بن احمد (2) : هل علمت احدا من اهل المغرب قدم ؟
قال : لا .
فقال (عليه السّلام) : بلى قد قدم رجل أحمر (3) ، فانطلق بنا .
قال هشام : فركب وركبنا معه حتى انتهينا إلى الرجل ، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق (4) .
____________
(1) دلائل الامامة : ص 309 .
(2) هشام بن أحمد : من أصحاب الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ولعلّه هشام بن أحمر وصُحف كما في أصول الكافي : ج1 ص 486 ح1 ، حيث ذكر نفس هذا الحديث .
(3) أي رجل أحمر البشرة ، وهو عادة لون بشرة بعض أهل المغرب وما والاها من أوربا .
(4) أي عبيد أو جواري أو كليهما .
( 16 )
فقال ( عليه السلام ) : أعرض علينا (1) .
فعرض علينا تسع جوار ، كل ذلك وأبو الحسن يقول له : لا حاجة لي فيها .
ثم قال له : اعرض علينا .
قال : ما عندي شيء .
فقال ( عليه السلام ) : بلى ، اعرض علينا .
قال : لا والله ! ما عندي إلا جارية مريضة .
فقال له : ما عليك أن تعرضها ؟
فأبى عليه صاحب الرقيق ، ثم انصرف ( عليه السلام ) .
قال هشام : ثم إنه ( عليه السلام ) أرسلني من الغد إليه . .
وقال لي : قل له كم غايتك فيها ؟ فإذا قال : كذا وكذا . فقُل : قد أخذتها . ( قال هشام : ) .
فاتيتُه . . .
قلتُ : كم غايتُك فيها ؟
فقال : ما أريد أن اُنقصها من كذا (2) .
فقلت : قد أخذتها .
فقال : هي لك ، ولكن مَن الرجل الذي كان معك بالأمس ؟
فقلت : قد أخذتها .
فقال : هي لك ، ولكن من الرجل الذي كان معك بالامس ؟
فقلت : رجل من بني هاشم .
فقلت : من نقبائهم (3) .
____________
(1) أي أعرض علينا ما عندك من الرقيق .
(2) أي لا اريد أن تنقص قيمة الجارية عن المبلغ الكذائي .
(3) فلما سمع النخاس ذلك طمع في مزيد من المال .
( 17 )
فقال : أريد اكثر .
فقلت : ما عندي اكثر من هذا .
فقال : أخبرك عن هذه الوصيفة (1) ؟ إنّي اشتريتها من اقصى بلاد المغرب ، فلقيتني امرأه من أهل الكتاب . .
فقالت : ما هذه الوصيفة معك ؟
فقلت : اشتريتها لنفسي .
فقالت : ما ينبغي أن تكون هذه الوصيفة عند مثلك ! ! إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الارض ، فلا تلبث عنده إلا قليلاً حتى تلد منه علاماً يدين له شرق الارض وغربها .
قال هشام : فأتيت الإمام ( عليه السلام ) بالجارية (2) .
وكانت لهذه الجارية عدة اسماء منها : نجمة وتكتم (3) .
وقد كانت بكراً حين شرائها (4) .
والظاهر أن الإمام ( عليه السلام ) اشتراها ـ ابتداءً ـ لامّه حميدة المصفّاة .
وكانت السيدة تُكتم من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة حتى انها ما جلست بين يديها إجلالاً لها (5) .
____________
(1) قد يكون بمعنى الاستفهام وقد يكون بمعنى الإخبار ولعل الثاني اظهر . أي : أريد ان اخبرك عن هذه الوصيفة . والوصيفة هنا أي الجارية .
(2) عيون أخبار الرضا : ج1 بص 17 .
(3) المصدر السابق : ج1 ص 16 ، ص 17 .
(4) المصدر السابق : ج1 ص 17 .
(5) عيون أخبار الرضا : ج1 بص 14 .
( 18 )
ثم إن السيدة حميدة ذكرت انّها رأت في المنام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) يقول لها : يا حميدة ! هبي نجمة لابنك موسى ، فإنّه سيولد له منها خير أهل الارض (1) .
فقالت لابنها موسى ( عليه السلام ) : يا بني ! إن تُكتم جارية ما رايت جارية قط افضل منها . . . وقد وهبتها لك (2) .
فقالت لابنها موسى ( عليه السلام ) ـ لمّا أتى بها ـ قد جمع أصحابه وأخبرهم بأنّه ما اشتراها الا بامر من الله ووحيه . .
قال (عليه السّلام) : بينا انا نائم ، إذا أتاني جدّي رسول الله وأبي ( عليهما السلام ) ومعهما شقّة حرير (3) ، فنشراها فإذا قميص وفيه صورة هذه الجارية .
فقالا : يا موسى ! ليكونن لك من هذه الجارية خير اهل الارض بعدك . ثم أمراني أن أسمه عليا .
وقالا لي : إن الله تعالى يظهر به العدل والرافة ، طوبى لمن صدقه وويل لمن عاداه وجحده (4) .
ولما ولدت (السيدة تكتم) الامام الرضا ( عليه السلام ) قالت : اعينوني بمرضعة ! ! فقيل لها : انقص الدر (5) ؟
____________
(1) عيون اخبار الرضا : ص 17 .
(2) المصدر السابق : ص 14 .
(3) أي قطعة حرير .
(4) إثبات الوصيّة : ص 170 .
(5) أي : هل نقص لبن الرضاع ؟
( 19 )
قالت : ما أكذب . ما نقص الدّر ، ولكن علي ورد (1) من صلاتي وتسبيحي . وقد نقص منذ ولدت (2) .
وهذا مما يدل على حرصها على عبادتها ووردها وانقطاعها إلى الله تعالى .
____________
(1) الورد : أي المندوب والمستحب في مقابل الواجب ، وجمعه أوراد .
(2) عيون اخبار الرضا : ج1 ص15 .
( 20 )
( 21 )
(ب) السيدة تكتم
قد ذكرت للسيدة تكتم اسماء اخرى ، منها : نجمة ، أروى ، سمان ، سكن أو سكنى (1) . .
وتكتم هو ما استقر عليه اسمها حين ملكها ابو الحسن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) (2) .
فلما ولدت له الإمام الرضا ( عليه السلام ) سمّاها الطاهرة (3) .
وكانت تكنى : أم البنين (4) .
والمستفاد من الروايات أن لها أسماء أخرى نذكرها فيما يلي :
1 ـ نجمة :
روي عن أبي بصير ، قال : لمّا حضر أبا جعفر ـ محمد بن علي الباقر ( عليهما السلام ) ـ الوفاة ، دعا بابنه الصادق ( عليه السلام ) ليعهد إليه عهداً . . . ثم دعا بجابر بن عبدالله الانصاري .
____________
(1) عيون أخبار الرضا : ج1 ص 16 ، ص 17 .
(2) المصدر نفسه : ص 14 .
(3) المصدر نفسه : ص 15 ، ص 17 .
(4) أصول الكافي : ج1 ص 486 ، وعيون أخبار الرضا : ج1 ص 16 .
( 22 )
فقال : يا جابر ! حدّثنا بما عاينت من الصحيفة ؟
فقال له جابر : نعم يا أبا جعفر . دخلتُ على مولاتي فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) لاهنئها بولادة الحسين ( عليه السلام ) ، فإذا بيدها صحيفة بيضاء من درة .
فقلت : يا سيدة النسوان ! ما هذه الصحيفة التي أراها معك
. قالت : فيها أسماء الأئمة من ولدي .
قلت لها : ناوليني لانظر فيها !
قالت : يا جابر ! لولا النهي لكنت افعل ، ولكنه قد نهي أن يمسها إلا نبي أو وصي نبي أو أهل بيت نبي ، ولكنه مأذون لك أن تنظر إلى باطنها من ظاهرها .
قال جابر : فقرأت ، فإذا فيها :
أبو ا لقاسم محمد بن عبدالله المصطفى ، أمه : آمنة .
أبو الحسن علي بن أبي طالب المرتضى ، أمه : فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف .
أبو محمد الحسن بن علي البر .
أبو عبدالله الحسين بن علي ، أمهما : فاطمة بنت محمد .
أبو محمد علي بن الحسين العدل ، أمه : شهربانو (يه) بنت يزدجر .
أبو جعفر محمد بن علي الباقر ، أمّه : أم عبدالله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب .
أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق ، وأمه : أم فروة بنت القاسم ابن محمد بن أبي بكر .
( 23 )
أبو إبراهيم موسى بن جعفر ، أمه جارية إسمها : حميدة المصفاة .
أبو الحسن علي بن موسى الرضا ، أمه جارية إسمها : نجمة . . . » (1) الحديث .
فالسيدة نجمة ، نجمة تألقت في سماء بيت الإمامة حيث إنها ولدت الإمام الرضا ( عليه السلام ) .
2 ـ طاهرة :
عندما اشترت أم الإمام موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) هذه الجارية ـ نجمة ـ ، ذكرت حميدة انها رأت في المنام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لها : يا حميدة ! هبي نجمة لابنك موسى ، فإنه سيولد له منها خير أهل الارض . . . فلمّا ولدت له الرضا ( عليه السلام ) سمّاها الطاهرة (2) .
ومن قبلها كانت سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) تسمى بالطاهرة ، كما وأن أمها خديجة ( عليها السلام ) كانت أيضاً تدعى بالطاهرة .
3 ـ تُكْتَم :
وتكتم آخر أسمائها ، وعليه استقر اسمها حين ملكها أبو الحسن موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) (3) .
____________
(1) عيون أخبار الرضا : ج1 ص 40 ، وإكمال الدين : ج1 ص 305 .
(2) عيون أخبار الرضا : ج1 ص 16 .
(3) المصدر السابق : ج1 ص14 ، ص 17 .
( 24 )
قال الصولي : والدليل على أن اسمها تكتم قول الشاعر يمدح الرضا ( عليه السلام ) :
ألا إن خير الناس نفساً ووالداً * ورهطاً واجداداً (عليُّ) المعظم
أتتنا بـه للعلم والحلم ثامنـا * إمامـا يؤدي حجة الله تُكتم (1)
ولا بأس بصرف عنان الكلام إلى البحث في معنى كلمة ( تكتم ) ، ووجه تسمية السيدة بهذا الإسم الجميل : ـ
طاف الخيالان فهاجا سقما * خيال تُكنى وخيال تكتما (2)
وفي القاموس المحيط : « تكتم : ـ على ما لم يسم فاعله (3) ـ إمرأة ، واسم بئر زمزم » (4) .
وفي لسان العرب : « في حديث زمزم : أن عبد المطلب رأى في المنام قيل له : إحفر تكتم بين الفرث والدم ؛ تكتم : إسم بئر زمزم ، سميت بذلك لأنها كانت ا ندفنت بعد ( جرهم ) (5) فصارت مكتومة حتى أظهرها عبد المطلب » (6) .
____________
(1) ( تكتم ) : فاعل (أتتنا) ، والمعنى : أتننا تكتم به . عيون أخبار الرضا : ج1 ص 15 .
(2) أي مبني للمجهول ، فيضم اوله ويفتح ما قبل آخره ، وهو علم على وزن الفعل .
(3) أي مبني للمجهول ، فيضم اوله ويفتح ما قبل ~خره ، وهو على وزن الفعل .
(4) القاموس المحيط : ج4 ص 239 باب الميم فصل الكاف .
(5) أي قبيلة جرهم : إحدى القبائل العربية .
(6) لسان العرب : ج12 ص 508 باب الميم فصل الكاف .
( 25 )
فلماذا سميت السيدة بهذا الإسم ؟
هل ـ يا ترى ـ من مناسبة لذلك ؟
إن التسمية ـ عادة ـ إنما تكون لسبب أو مناسبة ، فمثلاً : الإمامان الحسن والحسين ( عليهما السلام ) إبنا وصي نبي الإسلام سميا باسم ابني هارون وصي موسى ( عليهما السلام ) ، وسيدتنا ومولاتنا الزهراء سميت بفاطمة لأن الله فطمها وولدها ومحبيهم من النار ، وهكذا فما هي المناسبة في تسمية السيدة نجمة بـ ( تكتم ) ؟
وهل هناك وجه شبه بين تسمية السيدة بـ ( تكتم ) وبين تسمية بئر زمزم بهذا الإسم ؟
الجواب : يمكن أن يكون السبب أحد الأوجه التالية :
الوجه الأوّل :
عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه قال : « ماء زمزم خير ماء على وجه الأرض . . . » (1) .
وفي حديث آخر : « خير ماء ينبع على وجه ا لأرض ماء زمزم . . » (2) .
وقد مرٌ عليكم الخبر المروي عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) أنه رأى في المنام جدّه رسول الله واباه (صلوات الله عليهما) يقولان له : « يا موسى ليكونن لك من هذه الجارية خير أهل الأرض بعدك » (3) .
والسيدة حميدة المصفّاة ذكرت أنّها رأت في المنام رسول الله
____________
(1) وسائل الشيعة : ج25 كتاب الاطعمة والاشربة : ص 260 باب 16 ح1 .
(2) مستدرك الوسائل : ج17 كتاب الأطعمة والأشربة : ص 18 باب 13 ح3 .
(3) إثبات الوصية : ص 170 .
( 27 )
( صلى الله عليه وآله وسلّم ) يقول لها : « يا حميدة هبي نجمة لابنك موسى فإنه سيولد له منها خير أهل الأرض » (1) .
فكما أن بئر زمزم ـ التي كانت تسمى تكتم ـ خير نبع على وجه الأرض لأنه ينبعُ منها خير ماء وهو شفاء من كل داء (2) ، ودواء لما شرب له (3) .
كذلك السيدة نجمة سميت بـ « تكتم » لأنّها ستلد خير اهل الارض بعد أبيه ، ومنه سيولد أربعة من أنوار أهل بيت العصمة والطهارة ، آخرهم إمامنا وسيدنا صاحب العصر والزمان ـ عجل الله ظهوره الشريف ـ ، والخير كل الخير يكون ممن « بيمنه رزق الورى ، وبوجوده ثبتت الأرض والسما » .
الوجه الثاني :
إنّ زمزم كانت خافية ومكتومة عن الجميع فأظْهَرَها عبد المطَّلب ( عليه السّلام ) ، كذلك السيدة نجمة كانت مكتومة وخافية فأظهَرَها الإمام ( عليه السلام ) ، إذ البائع كَتَمَ أمرها ، وأراد أن يدخرَها لنفسه لولا أنّ الإمام ( عليه السلام ) أظهرها .
الوجه الثالث :
قد تكون تسميتها بـ « تكتم » كناية عن العفة والطهارة ، فهي امرأه مكتومة وخافية عن الرجال ، ويؤيد هذا الوجه ما ذكره الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا : « . . . كانت نجمة بكراً لمّا
____________
(1) عيون أخبار الرضا : ج1 ص 17 .
(2) فعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « ماء زمزم شفاءٌ من كل داء » .
(3) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله ) : ماء زمزم دواء مما شرب له » .
( 27 )
اشترتها حميدة » (1) .
ولا مانع من الوجوه كلّها .
* * *
نعم . . . هذه السيدة تكتم والدة السيدة فاطمة المعصومة ( عليها السلام ) وقد عرفتم كيفية انتخاب الإمام الكاظم ( عليه السلام ) لها لتكون أما لأولاده ، فولدت له خير أهل الأرض بعده ، وهو الإمام الرضا ( عليه السلام ) .
____________
(1) عيون أخبار الرضا : ج1 ص 17 .
( 28 )
( 29 )
(ج) متى ولدت السيدة المعصومة (عليها السلام)
إن السيدة فاطمة بنت الإمام الكاظم ( عليه السلام ) هي أختُ الإمام الرضا لأمّه ، فأمّهما واحدة ، وهي من قد عرفت فضلها وعقلها ودينها .
وأبوها مثله كمثل الشمس في وسط ا لسماء ، فهو « مَعدن التنزيل ، وصاحب التأويل ، وحامل التوارة والإنجيل » (1) ، « وصي الأبرار ، وإمام الأخيار ، وعيبة (2) الأنوار ، ووارث السكينة والوقار ، والحكم والآثار ، الذي كان يحيي الليل بالسّهر إلى السٌحر بمواصلة الإستغفار ، حليف السجدة الطويلة ، والدموع الغزيرة ، والمناجاة الكثيرة ، والضرّاعات المتصلة . ومقر النهي والعدل ، والخير والفضل ، والندى والبذل ، ومألف البلوى والصبر . . . » (3) .
فالسيدة المعصومة ( عليها السلام ) قد وُلدت في بيت لا يتنفس فيه إلا عبير التقى ، ولا يُرتضعُ فيه إلا بلبان الإيمان ، ولا يتربى فيه إلا بتربية القرآن ، ولا ينهل فيه إلا من رواء العلم ، ولا يُطعم فيه إلا من رياض
____________
(1) هذا شطر من زيارة للإمام الكاظم ( عليه السلام ) .
(2) عيبة الشيء خاصته وموضع سره .
(3) شطر من زيارة أخرى للإمام الكاظم ( عليه السلام ) .
( 30 )
الخلق والأدب والطهر والعفة .
وأمّا تاريخ ولادتها : ذكروا أنّها ( سلام الله عليها ) قد ولدت في المدينة المنورة في غرة ذي القعدة من سنة 173 هـ (1) .
وعلى هذا التاريخ يكون عمرها الشريف حين وفاتها ثمان وعشرين سنة حيث توفيت في عام 201 هـ .
وعلى كل تقدير لا يمكن أن يتصور عمرها الشريف أقل من إثنين وعشرين عاماً ، أي ولادتها لا تتصور بعد عام 179 هـ .
لماذا ؟ وكيف ؟
الجواب : في أصول الكافي : « . . . قبض ( عليه السلام ) (2) ببغداد في حبس السندي بن شاهك ، وكان هارون حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوال سنة تسع وسبعين ومائة ، وقد قدم هارون المدينة منصرفة من عمرة شهر رمضان ، ثم شخص هارون إلى الحج وحمَله معه ، ثم انصرف على طريق البصرة فحبسه عند عيسى بن جعفر (3) ، ثم أشخصه إلى بغداد ، فحسبه عند السندي بن شاهك ، فتوفي ( عليه السلام ) في حبسه . . . » (4) .
فالإمام الكاظم ( عليه السلام ) قد فارق بيته ومدينة جدّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم) في شوال سنة 179 هـ . وعليه فولادة السيدة
____________
(1) مستدرك سفينة البحار : ج8 ص 257 مادة « فَطَم » .
(2) أي الإمام الكاظم ( عليه السلام ) .
(3) أي عيسى بن جعفر المنصور الدوانيقي والي هارون على البصرة ، وهو الذي حبس الإمام ( عليه السلام ) لمدة سنة . راجع الإرشاد : ج2 ص 239 .
(4) أصول الكافي : ج1 ص 476 .
( 31 )
المعصومة ( عليها السلام ) كان قبل هذا التاريخ (1) ، فيكون عمرها الشريف ـ على أقل التقادير ـ حين وفاتها إثنتين وعشرين سنة ، ولكن الأقرب أن عمرها كان اكثر من ذلك ، وخاصة إذا عرفنا أنها كبرى الفاطمتين أو الفواطم (2) ، فالظاهر أن عمرها الشريف ثمان وعشرون سنة .
____________
(1) وعلى هذا فلا يصح ما ذكر من أن ولادتها ( عليها السلام ) كانت في المدينة المنورة سنة 183 هـ ـ أي سنة وفاة أبيها ( عليه السلام ) الذي كان رهين السجون ـ .
(2) ذكر سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص : ص 351 أن للإمام ( عليه السلام ) اربعاً كل منهن تسمى فاطمة .
( 32 )
( 33 )
(د) إخوتها
ذكر الشيخ المفيد في الإرشاد أنه كان لأبي الحسن موسى ( عليه السلام ) سبعة وثلاثون ولداً ذكراً وأنثى .
فالذكور : الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، وإبراهيم ، والعباس ، والقاسم ، لأمّهات أولاد (1) .
وإسماعيل ، وجعفر ، وهارون ، والحسين لأم ولد .
وأحمد ، ومحمّد ، وحمزة ، لأمّ ولد .
وعبدالله ، وإسحاق ، وعبيد الله ، وزيد ، والحسن ، والفضل ، وسليمان ، لأمهات أولاد .
والإناث :
فاطمة الكبرى ، وفاطمة الصغرى ، ورقيّة ، ورقيّة الصغرى ، وأم أبيها ، وحكيمة وكلثم ، وأم جعفر ، ولبابة ، وزينب ، وخديجه ، وعليّة ، وآمنة ، وحسنة ، وبريهة ، وعائشة ، وأم سلمة ، وميمونة ، وأم كلثوم ، لأمهات أولاد (2) .
____________
(1) أم ولد : هي الجارية التي أولدها مالكها ، فتصبح حرة وتعتق من نصيب ولدها .
(2) الإرشاد : ج2 ص244 .
( 34 )
وذكر النوبختي أنّ للإمام ( عليه السلام ) ثلاثة وثلاثين ولداً : ثمانية عشر ذكراً وخمس عشرة بنتا (1) .
وفي تاريخ اليعقوبي أنّ له ( عليه السلام ) واحداً وأربعين ولداً : ثمانية عشر ذكراً ، وثلاث وعشرين بنتاً (2) .
وفي عمدة الطالب أن له ( عليه السلام ) ستين ولداً : ثلاثة وعشرين إبنا ، وسبع وثلاثين بنتاً (3) .
فهذه أربعة أقوال ، ولعل الاقرب هو المروي عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) نفسه في الخبر الذي ذكره الشيخ الصدوق في عيون الأخبار ، الموافق لما ذكره الشيخ المفيد والنوبختي ، أن هارون العباسي سأل الإمام الكاظم ( عليه السلام ) عن عياله فقال : « . . . أما الولد فلي نيف (4) وثلاثون . . . » (5) .
____________
(1) فرق الشيعة : ص 87 .
(2) تاريخ اليعقوبي : ج2 ص 415 .
(3) عمدة الطالب في انساب آل أبي طالب : ص 226 .
(4) نيف : هو ما زاد على العشرات من أعداد الآحاد ، فيشمل من واحد إلى تسعة .
(5) عيون أخبار الرضا : ج1 باب 7 الحديث 11 ص 89 .
( 35 )
2 ـ ألقابها
( 36 )
( 37 )
للسيدة فاطمة بنت الإمام الكاظم ( عليهما السلام ) عدة القاب ، منها :
(1) المعصومة :
وهي أكثر ما تعرف به ، وقد نقل عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) أنّه قال : « من زار المعصومة بقم [ كان ] كمن زارني » (1) .
(ب) كريمة أهل البيت :
ينقل عن آية الله السيد محمود المرعشي ( قدس سره ) انه كان قد توسل بالأئمة الطاهرين ( صولات الله وسلامه عليهم ) ، كي يبينوا له موضع قبر الصديقة الطاهرة سيدة النساء فاطمة الزهراء ( سلام الله عليها ) .
وبعد توسّلات كثيرة تلقى الجواب منهم ( صلوات الله عليهم ) أن لا تطلب منّا هذا الشيء فإنه ليس من المقدر أن نظهر قبرها المخفي ، لكن لاجل أن لا تُحرم شيعتنا ومحبونا من فيض زيارة قبرها عليكم بزيارة كريمة أهل البيت . .
فاستفسر السيد : ومن هي كريمة أهل البيت ؟
____________
(1) ناسخ التواريخ : ج7 ص 337 .
( 38 )
أجابوه : فاطمة بنت موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) المدفونة بقم .
فهذه وإن كانت رؤيا صالحة ، ولكنٌ الواقع الخارجي يصدقها ، فما نسمعه ونراه من كبير كرم ، وحسن استضافة هذه السيدة الجليلة لدليل واضح على ذلك ، ولا عجب فهي سليلة أصل الجود والكرم .
ويكفي في كرمها احتضانها لحوزة التشيع في العصر الأخير ، بل منذ العصور الغابرة ، حيث كانت قم بلد التشيع ، ومركز حفظة أحاديث وعلوم أهل البيت ( عليهم السلام ) . حتى أنه دفن في جوارها مائة الف محدث كما هو المعروف .
فببركة التمسك بحبل ولائهم ( عليهم السلام ) أفاضوا على قم وأهلها ما أفاضوا ، وذلك عبر سليتهم الكريمة ، فاطمة المعصومة .
(ج) اُخت الرضا :
. . . قال أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي (1) للإمام الجواد ( عليه السلام ) : إن قوماً من مخالفيكم يزعمون أباك إنّما سمّاه المأمون الرضا لما رضيه بولاية عهده .
فقال ( عليه السلام ) : كذبوا والله وفجروا ، بل الله تبارك وتعالى سمّاه الرضا ، لأنّه كان رضى لله عز وجل في سمائه ، ورضى لرسوله والأئمة من بعده ( صلوات الله عليهم ) في أرضه .
____________
(1) أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي : من أصحاب الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، وكان من خواص أصحاب الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، كما وأنه أدرك الإمام الجواد ( عليه السلام ) و(بزنط) موضع في العراق .
( 39 )
قال الراوي : ألم يكن كل واحد من آبائك الماضين ( عليهم السلام ) رضى لله تعالى ولرسوله والأئمة ( عليهم السلام ) ؟
فقال ( عليه السلام ) : بلى .
قال الراوي : فلم سمي أبوك من بينهم الرضا ؟
قال : لانّه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من اوليائه ، ولم يكن ذلك لأحد من آبائه ( عليهم السلام ) ، فلذلك سمي من بينهم الرضا ( عليه السلام ) » (1) .
فلأن الإمام رضي به المخالف والمؤالف ، كان كل من يتصل به نسباً يُنسب إليه ، فالإمام الجواد ( عليه السلام ) عرف بابن الرضا ، وكان من القابه (2) ، كما أن الإمام الهادي والعسكري ( عليهم السلام ) كان يعرف كل منهما في زمانه بابن الرضا (3) .
ولذلك أيضاً كانت السيدة المعصومة ( عليها السلام ) تعرف بـ ( اخت الرضا ) .
وهذا وإن لم يذكر في كتاب معتبر ، ولكن الشواهد السالفة كافية لإثبات هذا اللقب لها . فهي كانت ( عليه السلام ) اخت الرضا حقيقة ، كما عرفت به القبا .
____________
(1) عيون أخبار الرضا : ج1 ص13 .
(2) مناقب آل ابي طالب : ج4 ص 379 .
(3) المصدر السابق : ج4 ص 421 .
( 40 )
( 41 )
3 ـ هل تزوجت السيدة
المعصومة ( عليها السلام ) ؟
( 42 )
( 43 )
حتى نحصل على إجابة هذا السؤال ، لا بدّ لنا من قراءة متأنّيه في وصيٌتين لأبيها الإمام الكاظم ( عليه السلام ) وفي روايات اُخرى .
فتعالوا نستطلع الروايات والتأريخ لنحصل على الجواب ، ونعرف حقيقة الأمر .
قال اليعقوبي ـ المؤرِّخ ـ : « أوصى موسى بن جعفر ألا تتزوج بناته ، فلم تتزوّج واحدة منهن إلا اُم سلمة ، فإنها تزوجت بمصر ، تزوجها القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد ، فجرى في هذا بينه وبين أهله شيء شديد حتى حَلَف أنّه ما كشف لها كنفاً ، وأنّه ما أراد إلا أن يحج بها (1) » (2) .
ولكن عند الرجوع إلى وصية الإمام الكاظم ( عليه السلام ) التالية نرى أنّ الإمام لم يوص بذلك وإنّما اوصى أن يكون أمر زاجهن بيد أخيهن الإمام الرضا ( عليه السلام ) حيث إنه قال : « . . . وإلى علي أمر نسائي دونهم (3) . . . وإن أراد رجل منهم (4) أن يزوج أخته فليس له
____________
(1) أي ، الظاهر أن يكون لها محرماً فيستطيع أن يحجٌ بها ـ وليس بواجب عندنا ـ .
(2) تاريخ اليعقوبي : ج2 ص 415 .
(3) أي دونه بقية إخوته .
(4) أي من إخوته .
( 44)
أن يزوجها إلا بإذنه وأمره ، فإنه أعرف بمناكح قومه . . . » (1) .
ثم إنه ( عليه السلام ) يؤكد على ذلك في موضع آخر من نفس الوصية : « . . ولا يزوج بناتي أحد من إخوتهن من أمهاتهن ، ولا سلطان ، ولا عمّ ، إلا برأيه ومشورته (2) ، فإن فعلوا غير ذلك فقد خالفوا الله ورسوله ، وجاهدوه في ملكه ، وهو أعرف بمناكح قومه ، فإن أراد أن يزوج زوج ، وإن أراد أن يترك ترك » (3) .
فالإمام ـ بحسب الوصية ـ لم يمنع بناته من الزواج ـ كما ادّعى اليعقوبي ـ وإنما جعل أمر زواجهن بيد أخيهن الإمام الرضا ( عليه السلام ) .
وفي وصية أخرى له ( عليه السلام ) لتعيين أوقافه وصدقاته وكيفيّة تقسيمها ، قال : « . . . يقسم في مساكين أهل القرية من ولد موسى بن جعفر للذكر مثل حظ الانثيين ، فإن تزوجت امرأه من ولد موسى بن جعفر فلاحق لها في هذه الصدقة حتى ترجع اليها بغير زوج ، فإن رجعت كان لها مثل حظ التي لم تتزوج من بنات موسى . . . » (4) .
ويبدوا أنّ هذه الوصيّة هي التي جعلت اليعقوبي يقول بأنّ الإمام أوصى أن لا تتزوج بناته من بعده ، ولكن الظاهر منها أن التي تتزوج تكون في كفالة زوجها ، وهو ينفق عليها ، فإن مات أو طلقها رجعت وكان لها مثل حظ التي لم تتزوج .
____________
(1) أصول الكافي : ج1 ص 316 ، وعيون اخبار الرضا : ج1 ص33 .
(2) أي الا براي ومشورة الإمام الرضا ( عليه السلام ) .
(3) أصول الكافي : ج1 ص 317 .
(4) عيون أخبار الرضا : ج1 ص37 .
( 45 )
ومع ذلك كله فانه لقائل أن يقول : يشم من هذه الوصية ومن سابقتها عدم رغبة الإمام في تزويج بناته ، بل إن الواقع الخارجي يصدق ذلك ، فلا الإمام الكاظم نفسه في زمان حياته زوج واحدة منهن ، ولا الإمام الرضا ، بل كان هذا سائراً في بناتهم ، وقد أوقف الإمام الجواد ( عليه السلام ) عشر قرى في المدينة أوقفها على أخواته وبناته اللاتي لم يتزوجن ، وكان يرسل نصيب الرضائية (1) من منافع هذه القرى من المدينة إلى قم (2) .
فيستوقفنا ـ هنا ـ سؤال وهو : ـ
رغب الشرع المقدس في الزواج المقدس في الزواج وحث عليه ونفر من العزوبة وحذر منها ، وقد وردت في ذلك روايات كثيرة فكيف أوصى الإمام الكاظم ( عليه السلام ) بعدم زواج بناته مع العلم أن الزواج سنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) ومن المستحبات الأكيدة ؟
قد يجاب عن هذا السؤال بأحد الأوجه التالية :
الوجه الأول :
أنّ العزوبة وإن كانت مكروهة عند الشرع المقدس ، لكنها قد ترجح في بعض الأزمنة .
فعن إبن مسعود قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم ) : « ليأتين على الناس زمان لا يسلم لذي دينه إلا من يفر من شاهق ، ومن جُحر إلى جُحر كالثلب بأشباله .
قالوا : ومتى ذلك الزمان ؟
____________
(1) أي بنات وحفيدات الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، فهنٌ ينسبن إليه فيقال : الرضائية .
(2) تاريخ قم ـ المترجم ـ ص 221 .
( 46 )
قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إذا لم ينل المعيشة إلا بمعاصي الله ، فعند ذلك حلٌت العزوبة » (1) .
فالعزوبة تحل في بعض الأزمنة ، وعليه قد يكون الإمام ( عليه السلام ) قد مر بما يماثل تلك الأزمنة ، فلا تنافي بين ترغيب الإسلام في الزواج ، وبين عدم تزويج الإمام ( عليه السلام ) لبناته .
فالحكم الاولي للعزوبة هو الكراهة ، ولكن الحكم الثانوي المستفاد من هذه ا لرواية هو حليّة العزوبة في بعض الأوقات .
الوجه الثاني :
أنه ( عليه السلام ) لم يزوجهن لعدم الكفؤلهن ، فإنهن ودائع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكريماته ، فينبغي أن لا تزوجن إلا بمؤمن تقي يعرف مكانتهن ، ويقدر منزلتهن ، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « أنكحوا الأكفاء وانكحوا فيهم واختاروا لنطفكم » (2) .
فلو أنّ الإمام ( عليه السلام ) قد زوجهن من غير الاكفاء لما عرفت مكانتهن ، ولهدرت حقوقهن ، وما في ذلك من المهانة والإذلال لودائع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) ، وحاشا الإمام أن يفعل ذلك .
بل قد يكون تزويجهن من غير الأكفَاء عامل ضغط على الإمام ( عليه السلام ) تمارسهُ الحكومة العباسيّة لتكلبيل أشد للإمام ، وتقييد أكثر لحريّته .
____________
(1) بحار الانوار : ج14 ص 351 .
(2) فروع الكافي : ج2 ص5 .
( 47 )
ولذا نجد أن الإمام ( عليه السلام ) في وصيته قد جعل أمر تزويج بناته بيد الإمام الرضا ( عليه السلام ) معللا ذلك بأنه أعرف بمناكح قومه .
الوجه الثالث :
ما أجاب به الإمام ( عليه السلام ) هارون عندما سأله : « . . . قال : فلم لا تزوج النسوان من بني عمومتهن واكفائهن ؟ قال : اليد تقصر عن ذلك .
قال : فما حال الضيعة (1) ؟
قال : تعطي في وقت ، وتمنع في آخر . . . » (2) .
فالإمام ( عليه السلام ) علل عدم تزويجهن لقصر ذات اليد ، وضعف الإمكانات الماديّة .
الوجه الرابع :
نتيجة الضغوطات العنيفة ، والممارسات لتعسفية التي كانت السلطة العبّاسية تنتهجها تجاه الامام ( عليه السلام ) وشيعته ، ما كان أحد ليجرأ أن يتقدم من الإمام ليطلب كريمته أو أخته .
بل إن الشيعة ـ في فترات مختلفة من الزمن ـ ما كانوا ليتقربوا من دار المعصومين ( عليهم السلام ) في إستفتائاتهم ، ولذا كان بعضهم يلجأ إلى الحيلة فيلبس ثياب بائع خيار ويحمل سلة الخيار حتى يتمكن من دخول دار الإمام ، فيستفتيه ويخرج .
فإذا كان أتباع أهل البيت ( عليهم السلام ) لا يستطيعون استفتاء
____________
(1) الضيعة : العقار ، والأرض ذات الغلة .
(2) عيون أخبار الرضا : ج1 ص 88 ح11 .
( 48 )
الإمام ، فما ظنك بمن يريد مصاهرة الامام ؟ !
إنّ الراغبين لشرف مصاهرة الإمام ـ سواء أكانوا من أولاد العمومة أم من خيار الشيعة ـ كان أمرُهم دائراً بين مقتول بأيدي الغدر والعدوان ، وبين معتقل معذب في قعر السجون ، وبين مطارد من جلاوزة السلطة قد استخفى عن أعينهم . . . ! !
فمن ذا الذي يجرأ ـ بعد هذا ـ أن يطلب الوصلة بالإمام ( عليه السلام ) ؟
النتيجه :
إنّ السيدة المعصومة ( عليها السلام ) ـ كسائر أخواتها ـ لم تتزوج ، وعدم تزويج الإمام لهن لا ينافي الترغيب والأمر بالزواج .
وظاهرة عدم تزويج اكثر من إمام لبناته أو اخواته لهي ظاهرة تستحق دراسة أكثر ، وبحثاً أعم ، للتعرف على أسباب وملابسات هذه الظاهرة وتحليلها ، فهي حلقة من حلقات معناناة ومعايشة المعصومين ( عليهم السلام ) لظروف عصيبة ومختلفة . فعسى الله أن يفيض من يبحثها ويكشف عن غوامضها .
******************
4 ـ معاناتها
1 ـ فقد أبيها
ب ـ الجلودي يرعب ودائع آل محمد (صلى الله عليه وآله)
ج ـ السيدة تعايش ترحيل أخيها
( 50 )
( 51 )
(ا) فقد أبيها
سنة 183 هجرية
شهر رجب
اليوم الخامس والعشرون (1)
في بغداد ، على الجسر وضعت جنازة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) بعد أن دس له سجانه السندي بن شاهك السم في طعامه بأمر من هارون العباسي .
المنادي ينادي : هذا إمام الرافضة فاعرفوه .
ونادى جماعة آخرون من أتباع الظلمة بنداء تقشعر منه النفوس الطيبة .
وعندما رأى سليمان بن أبي جعفر (2) ذلك ، خرج من قصره ، وأمر غلمانه بأخذ نعش الإمام ( عليه السلام ) من أيدي الجلاوزة ، فاشتبكوا معهم في عراك وضرب ، ثم أخذوا النعش الشريف من
____________
(1) مصباح المتهجد : ص 812 . وقيل في اليوم الخامس من رجب ، وقيل في اليوم السادس منه .
(2) سليمان بن أبي جعفر المنصور ـ عم هارون الرشيد ـ .
( 52 )
أيديهم ، ووضعوه على مفترق أربع طرق ، أمر سليمان المنادي بان ينادي : الا ومن أراد ان يرى الطيب بن الطيب موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) فليخرج . . .
ودفن الإمام ( عليه السلام ) في مقابر قريش حيث مرقده الآن في بغداد ، رزقنا الله تعالى وإياكم زيارته .
وهكذا انطوت حياة ذلك الإمام العظيم بعد أن عانى ما عانى من ظلم واضطهاد ، ونقل من سجن إلى سجن ، ومن سجّان إلى آخر حتى قبضه الله تعالى إليه (1) .
وكان ذلك أوّل ما كابدته وعانته السيدة المعصومة في مقتبل حياتها ، فقد حرمت عطف ورعاية أبيها وهي بعد في سن السادسة حيث أخرجه هارون من المدينة إلى بغداد وسجنه . وفي سن السادسة حيث أخرجه هارون من المدينة إلى بغداد وسجنه . وفي سن العاشرة صارت ( سلام الله عليها ) يتيمة الأب (2) .
____________
(1) راجع عيون أخبار الرضا : ج1 ص 99 ، والإرشاد ج2 ص 242 .
(2) وهذا بناء على أن ولادتها كان في سنة 173 هـ .
( 53 )
(ب) الجلودي يرعب ودائع
آل محمد ( صلى الله عليه وآله وسلّم )
سنة 199 هجرية
المدينة المنوّرة
بعض العلويين يعلنون الخروج على حكم بني العباس في المدينة ، وفي مكة ، وفي اليمن .
وكان محمد بن جعفر قد خرج عليهم في مكة أيام حكومة المأمون ، فأرسل إليه المأمون جيشاً للقضاء عليه بقيادة الجلودي ، وأمره بضرب عنقه إن ظفر به .
ولم يقف أمر المأمون عند هذا الحد ، بل أوعز إليه يغير ويهجم على دور آل أبي طالب في المدينة ، ويسلب ما على نسائهم من ثياب وحلل ، ولا يدع على واحدة منهن إلا ثوباً واحداً .
وحاول الجلودي أن ينفذ الأمر بنفسه ، فهجم على دار الإمام ا لرضا ( عليه السلام ) بخيله ، فلمّا نظر إليه الإمام جعل النساء كلهنٌ في
( 54 )
بيت (1) واحد ، وكانت السيدة المعصومة ( عليها السلام ) إحداهن (2) . ووقف الإمام على باب البيت يمنع الجلودي وجنده من اقتحامه .
فقال الجلودي : لا بد من أن أدخل البيت فأسلبهن كما أمرني أمير المؤمنين .
فقال ( عليه السلام ) : أن أسلبهن لك ، وأحلف أن لا أدع عليهن شيئاً إلا أخذته .
وعلى نفس نهج أسياده العباسيين ظل الجلودي مصرا على سلب عقائل آل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقد آثر الجلودي أن يكون ناصبياً (3) من القَرن الاول الهجري يعيش على مشارف القرن الثالث ، يحمل حقد وكراهية وحسد أولئك الذين هاجموا بيت الوحي والرسالة ، وافتحموا على السيدة الزهراء ( عليها السلام ) دارها ، وأسقطوا جنينها ، وصنعوا مع إبنة صاحب الوحي ما تقشعر منه الأبدان ، ويندى له جبين التأريخ (4) .
____________
(1) أي في غرفة واحدة ، وهذا يعني أن الجلودي دخل على الإمام بخيله في ساحة الدار ، وما يواكب ذلك من إرعاب عقائل آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .
(2) حيث إن هذه الحادثة كانت قبيل وفاتها بعامين ـ كما سيأتي ـ .
(3) الناصبي : هو من نصب العداوة لآل بيت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وتظاهر ببغضهم . بل قالوا : إن الناصبي هو الذي نصب العداوة لشيعتهم وتظاهر بالوقوع فيهم ، وممن ذهب إلى ذلك الشهيد الثاني (قدس سره) في مبحث الأسآر : ص 157 من كتابه روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان .
(4) راجع إثبات الوصية : ص 124 ، وتاريخ اليعقوبي : ج2 ص 126 ، والامامة والسياسة : ص 30 و31 ، كما وتراجع المصادر التالية : لسان الميزان ، الملل والنحل ، أنساب الأشراف ، العقد الفريد ، أعلام النساء ، الوافي بالفويات ، تاريخ أبو الفداء .
( 55 )
بهذه النفسية الحاقدة ، وبهذه الروح الشريرة هاجم الجلودي دار الإمام ( عليه السلام ) ، فحقده على أهل البيت كان الهواء الذي يتنفسه ، ويحفظ عليه حياته ومقامه عند أسياده العباسيين .
ولكنّ الإمام ( عليه السلام ) يمنعه من اقتحام البيت . وليس الجلودي ـ وأشباهُهُ ـ جديراً ليستجيب للعواطف والتوسلات ، أو ليخضع للمنطق والبرهان ، فهو ممن ملئت قلوبهم بغضا وحنقاً وحسداً لأهل بيت النبوة ، ولا يعرفون إلا لغة السلاح ومنطق القوة والظلم والإضطهاد .
فلم يزل الإمام يطلب إليه ويحلف له ، حتى سكن الجلودي ووافق على طلب الإمام .
فدخل الإمام فلم يدع عليهن شيئا إلا أخذه منهن حتى اقراطهن وخلاخيلهن واُزرهن ، وجميع ما كان في الدار من قليل وكثير .
ويظهر أن هذه الحادثة هي من مسلسل ضغوط المأمون لإرغام الإمام ( عليه السلام ) وإخراجه من المدينة إلى خراسان حيث يكون تحت منظار المأمون ورقابته ، إذ إن الحادثة كانت بعد سنة من تولّي المأمون للحكم ، فقد خلص الأمر له سنة 198 هـ ، وتوصل تفكيره الشيطاني إلى القضاء على الإمام ( عليه السلام ) وتشويه سمعته بجلبه إلى خراسان ، وتسليمه الخلافة أو ولاية العهد ، وللضغط عليه لاستقدامه أنفذ إلى الجلودي بالإغارة على دار الإمام ، وسلب عقائل آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وإرعابهنٌ .
ولما رحل الإمام إلى خراسان واُدخل على المأمون قام فرحب به واظهر المحبة والإخلاص له ، وعرض عليه الخلافة فأبى الإمام ( عليه
( 56 )
السلام ) ، فعرض عليه ولاية العهد ، فقبلها الإمام مرغماً بعد تهديد المأمون له (1) . عندها أمر المأمون القواد والحجّاب والقضاة وسائر الطبقات بمبايعة الإمام ( عليه السلام ) بولاية العهد ، ولكن بعض قادة المأمون نقموا البيعة ولم يرضوا بها ، فاعتقلهم المأمون . ثم أمر بإدخالهم عليه منفردين .
وكان الجلودي أحدهم ، فلما اُدخل على المأمون ووقع نظر الإمام عليه قال ( عليه السلام ) للمأمون : هب لي هذا الشيخ (2) ! !
فقال المأمون : يا سيدي ! هذا الذي فعل ببنات محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ما فعل من سلبهن ! !
فنظر الجلودي إلى الاإمام ( عليه السلام ) وهو يكلم المأمون ويسأله أن يعفو عنه ويهبه له ، فظن أن الإمام يعين عليه لما كان قد فعله من افتحامه دار الإمام وإرعابه أهل بيته .
فقال الجلودي : يا أمير المؤمنين ! أسألك بالله وبخدمتي للرشيد أن لا تقبل قول هذا في ! !
فقال المأمون : يا أبا الحسن ! قد استعفى ، ونحن نبر قسمه .
ثم قال : لا والله لا أقبل فيك قوله . الحقوهُ بصاحبيه (3) .
____________
(1) راجع تفصيل مسألة ولاية العهد في كل مما يلي :
أصول الكافي : ج1 ص488 ، الحديث السابع .
عيون أخبار الرضا : ج2 ص 138 .
الإرشاد : ج2 ص259 .
(2) أراد الإمام ـ مع كل ما أدخَلَهُ الجلوديّ من رعب على العقائل ـ أراد أن يكافئه على استجابته له وعدم سلبه لهن بنفسه .
(3) أي علي بن أبي عمران وأبو يونس ، اللذان ضربت عنقاهما قبل الجلودي .
( 57 )
فقدم فضربت عنقه (1) .
* * *
هذه الحادثة ـ أي حادثة اقتحام دار الإمام الرضا ( عليه السلام ) ـ إنفرد بذكرها الشيخ الصدوق في كتابه « عيون أخبار الرضا » حيث يقول :
« وكان الجلودي في خلافة الرشيد لما خرج محمد بن جعفر بن محمد بالمدينة (2) ، بعثه الرشيد وأمره إن ظفر به أن يضرب عنقه ، وان يغير على دور آل أبي طالب ، وأن يسلب نساءهم ، ولا يدع على واحدة منهن إلا ثوباً واحداً . ففعل الجلودي ذلك ، وقد كان مضى أبو الحسن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) . . . » (3) .
قد تتسائل ـ أيها القارىء الكريم ـ :
إذا كان الشيخ الصدوق قد انفرد بذكر الحادثة وأنّها كانت في عهد الرشيد ، فكيف تنسب القضية إلى المأمون ؟
استميح القاريء عذرا ، وأرجوه أن يمهلني أسطراً حتى تتضح له حقيقة الأمر .
1 ـ أن الحادثة وقعت في زمان هارون .
2 ـ أن الحادثة تزامنت مع خروج محمد بن جعفر .
____________
(1) لاحظ عيون أخبار الرضا : ج2 ص 161 .
(2) سيأتي من الشيخ الصدوق أن خروج محمد بن جعفر كان بمكة ، وهذا ما ذكره غيره أيضاً .
(3) عيون أخبار الرضا : ج2 ص 161 .
( 58 )
ولكن أرباب السير والتاريخ من الفريقين اتفقوا على أن خروج محمد بن جعفر كان في عصر المأمون في سنة 199 هـ أو 200 هـ .
فالشيخ المفيد (قدس سره) يقول في الإرشاد :
« وكان محمد بن جعفر شجاعاً سخياً ، . . . وخرج على المأمون في سنة تسع وتسعين ومائة بمكة ، واتبعته الزيدية الجارودية ، فخرج لقتاله عيسى الجلودي ، ففرق جمعه وأخذه وانفذه إلى المأمون » (1) .
كما أن الطبري في تاريخه (2) وإبن الأثير في الكامل (3) ذكرا خروج محمد بن جعفر في ضمن حوادث عام 199 ـ 200 هـ ، فراجع .
والجدير بالذكر أن نفس الشيخ الصدوق ذكر ما يوافق ذلك في كتابه « عيون أخبار الرضا » حيث نقل الرواية التالية :
الورّاق ، عن سعد ، عن إبن أبي الخطّاب ، عن إسحاق بن موسى (4) .
قال : « لما خرج عمي محمد بن جعفر بمكة ، ودعا إلى نفسه ، ودعي بـ « أمير المؤمنين » ، وبويع له بالخلافة ، دخل عليه الرضا (عليه السلام ) وأنا معه .
فقال له : يا عم ! لا تُكذب أباك ولا أخاك ، فإن هذا الأمر لا يتمّ .
ثم خرج وخرجت معه (5) إلى المدينة ، فلم يلبث إلا قليلاً حتى
____________
(1) الإرشاد : ج 2 ص 211 .
(2) تاريخ الطبري : ج 5 ص 129 في حوادث سنة 200 هـ .
(3) الكامل في التاريخ : ج 4 ص 154 في حوادث سنة 200 هـ .
(4) إبن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) .
(5) أي خرج الإمام الرضا ( عليه السلام ) وخرج معه أخوه إسحق .
( 59 )
قدم الجلودي ، فلقيه فهزمه ، ثم استأمن إليه ، فلبس السواد ، وصعد المنبر فخلع نفسه .
وقال : إن هذا الأمر للمأمون ، وليس لي فيه حق » (1) .
وهذه العبارة الأخيرة تدل بكل وضوح أن خروج محمد بن جعفر كان في عهد المأمون ، فالشيخ الصدوق يذكر هنا بأنّ محمد بن جعفر قد خرج في زمان المأمون لا الرشيد (2) .
فلماذا ذكر الشيخ الصدوق في رواية الإقتحام أنّ خروجه كان في زمان الرشيد ؟
إن منشأ هذا الإشتباه قد يكون أحد أمرين :
الأمر الأول : الخلط بين هارون الرشيد وبين هارون بن المسيب أحد قادة المأمون زمن حادثة الجلودي .
ففي الكافي : « لما أراد هارون بن المسيب أن يواقع محمد بن جعفر . . . » (3) .
____________
(1) عيون أخبار الرضا : ج2 ص 207 ح8 .
(2) قد يقال : إنه لا مانع من كون خروج محمد بن جعفر في زمان الرشيد ، وكون إلقاء القبض عليه في زمان المأمون .
والجواب :
أولاً : هذا مناف لما ذكره أهل السير والتاريخ من أن محمد بن جعفر خرج في حكومة المأمون .
ثانياً : هذا لا يتناسب مع نفس الحديث الأخير الذي ذكره الصدوق ، إذ فيه : « فلم يلبث إلا قليلاً حتى قدم الجلودي » ، وقد مات الريد في عام 193 هـ ، وتولى المأمون الحكم في عام 198 هـ أي بعد ست سنوات ، وهذا لا ينسجم مع قوله : « فلم يلبث إلا قليلا » .
(3) أصول الكافي : ج1 ص 491 ح 9 .
( 60 )
وفي مقاتل الطالبيين : « أن جماعة من الطالبيين اجتمعوا مع محمد بن جعفر فقاتلوا هارون بن المسيب بمكة قتالاً شديداً . . . » (1) .
وقال إبن قتيبة : « ووجه الحسن بن سهل هارون بن المسيب إلى الحجاز لقتال العلوية ، فاقتتلوا ، فهزمهم هارون بن المسيب ، وظفر بمحمد بن جعفر ، فحمله إلى المأمون مع عدة من أهل بيته . . . » (2) .
وقد مرّ علينا أيضا (3) أن الذي قاتل محمد بن جعفر هو الجلودي ، والظاهر أنه لا تنافي في ذلك ، فالجلودي يكون قد نفذ أمر المأمون بتوجيه من هارون بن المسيب وتحت قيادته .
بل في شرح الأخبار ما يوضّح ذلك ويرفع التنافي : فقد جاء فيه :
« وقام جماعة من ا لعلويين في سنة المائتين على المأمون ، وكان من قام منهم عليه محمد بن جعفر بن محمد ، قام بمكّة ، فبايعه أهل الحجاز وتهامة على الخلافة . . . . فأنفذ [المأمون] إليه الحسن بن سهل ، وهارون بن موسى المسيب ، وعيسى بن يزيد الجلودي ، ورقا بن محمد الشيباني وهم من جملة قوّاد المأمون ، وأوقعوا على أصحابه بالمدينة ومكة وقتلوا منهم خلقاً كثيراً ، وتفرق عامتهم واستامن [محمد بن جعفر] ، واكذ نفسه فيما ادعاه من الإمامة ، فاومن وحمل إلى المأمون إلى خراسان ، فمات بها » (4) .
____________
(1) مقاتل الطالبيين : ص 359 .
(2) المعارف : ص 389 .
(3) من الإرشاد وتاريخ الطبري وتاريخ ابن الاثير .
(4) شرح الأخبار : ج3 ص 336 .
( 61 )
وعليه فقد يكون المصدر الذي استقى منه الشيخ الصدوق قد ذكر إسم هارون بن المسيب مجرداً عن الإسم واللقب التالي ، فتصوّره الرشيد ، خاصّة وأن الجلودي كان قد خدم الرشيد كما مر عليك في ثنايا حادثة الإقتحام التي نقلها الشيخ الصدوق .
الأمر الثاني : أن الشيخ الصدوق قد خلط بين محمد بن جعفر الذي خرج في زمن الرشيد ، وبين محمد بن جعفر الذي خرج في زمن المأمون فالذي خرج في زمن الرشيد هو محمد بن جعفر بن يحيى بن الحسن بن الحسن بن الحسن كما في مروج الذّهب حيث يقول : « وقد كان محمد بن جعفر بن يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي ( كرم الله وجهه ) ، سار إلى مصر ، فطلب ، فدخل المغرب ، واتصل ببلاد تاهرت السفلى ، واجتمع إليه خلق من النّاس ، فظهر فيهم بعدل وحسن استقامة ، فمات هنالك مسموماً . . . » (1) .
والذي خرج في زمن المأمون هو محمد بن جعفر بن محمد ـ كما مر آنفاً .
فنستنتج مما سبق : أنّ هذه الحادثة كانت في زمان المأمون ، وقبيل وفاة السيدة المعصومة ( عليها السلام ) بسنتين :
وعلى فرض وقوعها في عهد هارون فالسيدة تكون أيضا قد عايشت الواقعة بكل تفاصيلها ، فكما ذكر الشيخ الصدوق أن الحادثة وقعت وقد كان مضى أبو الحسن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) ، أي بعد عام 183هـ .
* * *
____________
(1) مروج الذهب : ج3 ص 353 .
( 62 )
كانت هذه صورة من صور المحن والآلام التي عاشتها سيدتنا ومولاتنا المعصومة ( عليه السلام ) .
ويكفيك أن تتخيل وتتصور أجنبياً يروم دخول دارك ، فيكشف عرضك ليسلب أمك أو زوجتك أو أختك . فما هو حالك إذا علمت أن المراد سلبهن هن بنات أهل بيت العصمة والطهارة ؟
يكفيك تصور ذلك حتى تعلم عظم الحادثة وفجاعتها .
( 63 )
(ج) السيدة تعايش ترحيل أخيها
سنه 201 هـ
يوم 10 جمادي الآخر
مدينة مرو
الإمام الرضا ( عليه السلام ) وأخوه اسماعيل ، وعمه محمد بن جعفر ، وعلي بن الحسن بن زيد ، وابن الارقط ، ومجموعة ممن كان قد خرج على المأمون ، يقدم بهم رجاء بن الضحاك على مرو ، ويدخلهم على المأمون لعشر خلون من جماي الآخر سنة إحدى ومائتين ، فقد أمر المأمون بإشخاصهم وإشخاص من كان قام عليه من الطالبيين ، فحملهم الجلودي وأخذ بهم على طريق البصرة ـ الأهواز (1) في المفاوز والبراري لا في العمران ، لئلا يراه الناس فيرغبوا فيه ، فما من منزل من منازل إلا وله فيه معجزة (2) .
وصاروا إلى فارس حيث لقيهم رجاء بن الضّحاك وتسلّمهم من
____________
(1) شرح الأخبار : ج3 ص 339 .
(2) العوالم : ج 22 ص 229 ح 3 من المستدركات .
( 64 )
الجلوديّ (1) .
وبذلك يكون الإمام قد فارق مدينة جده رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وكان ( عليه السلام ) قبل إخراجه قد دخل المسجد النبوي الشريف ليودع جده ، فودعه مراراً ، كل ذلك [وهو] يرجع الى القبر ، ويعلو صوته بالبكاء والنحيب . فتقدم إليه مخول السجستاني وسلٌم عليه ، فردّ السلام .
وقال ( عليه السلام ) : زرني ! فإنّي أخرج من جوار جدي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فاموت في غربة (2) .
كل هذا في منظر ومسمع من السيدة المعصومة وإخوتها وإخواتها حيث إن الإمام ( عليه السلام ) حينما أرادوا الخروج به من المدينة جمع عياله ، وأمرهم بالبكاء عليه ، ثم فرق فيهم إثني عشر الف دينار .
ثم قال : أما إني لا أرجع إلى عيالي أبدا (3) .
وهكذا أخرج الإمام ( عليه السلام ) من مدينة جدّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أمام أخته المصونة وسائر عياله ، وعيونهم عبرى ، وقلوبهم مملوءة بالحزن والأسى .
____________
(1) شرح الأخبار : ج3 ص 339 .
(2) عيون الأخبار : ج2 ص 217 ح 26 .
(3) عيون أخبار الرضا : ج2 ص 217 ح 28 .
( 65 )
5 ـ هجرتها
(1) هجرة إخوتها إلى « شيراز »
(ب) ركب السيدة يحاصر في « ساوة » :
(ا | ب) لماذا سميت هذه البلدة بـ « قم » ؟
(2 | ب) في فضل « قم » وأهلها
(3 | ب) « قم » تستقبل السيدة المعصومة
(4 | ب) السيدة المعصومة تفارق الحياة
(5 | ب) المأمون يعترف
( 66 )
( 67 )
5 ـ هجرتها
وتمضي الأيام والأيام على مفارقة السيدة المعصومة لأخيها الإمام الرضا ، فتتسلم منه كتاباً يأمرها أن تلحق به ، فقد كانت أثيرة عنده ، وعزيزة عليه ، ولما انتهى الكتاب إليها تجهزت للسفر إليه (1) .
وليست الهجرة مسألة جديدة في حياة أهل البيت وأولادهم ومواليهم ، فقد سعى العباسيون ومن قبلهم الأمويون لتشتيتهم في البلدان وإبادتهم ، حتى أن أبا الفرج الإصفهاني كتب كتابه « مقاتل الطالبين لبيان ذلك ، وكتب المسعودي أيضاً كتابه « حدائق الأذهان في أخبار أهل بيت النبي وتفرقهم في البلدان » .
وحتى قال دعبل الخزاعي :
____________
(1) ترجمة تاريخ قم ص 213 ، وحياة الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ج2 ص 351 نقلا عن جوهرة الكلام : ص 146 .
( 68 )
لا اضحك الله سن الدهر إن ضحكت * وآل أحمـد مظلمـون قـد قهـروا
مشردون نفـوا عـن عقـر دارهم * كأنهم قـد جـنوا مـا ليس يغـتفر
يخرج ركب السيدة المعصومة مع بعض إخوتها . .
ويخرج بعض آخر من إخوتها في ركب ثان باتجاه طوس . .
ركبان عظيمان يتجهان نحو طوس للقاء بإمامهم ( عليه السلام ) :
أحدهما يتجه إليها عن طريق الري وساوة . .
والآخر يتجه إليها عن طريق شيراز .
فالإمام الرضا ( عليه السلام ) قد استأذن المأمون في قدومهم عليه (1) .
____________
(1) شبهاي بيشاور : ص 115 .
( 69 )
(1) هجرة إخوتها إلى شيراز
كان إخوة الإمام الرضا ( عليه السلام ) : أحمد ، ومحمد ، وحسين ، على رأس هذا الركب الذي ضم عدداً كبيراً من بني أعمامهم وأولادهم وأقاربهم ومواليهم ووصل عددهم إلى ثلاثة آلاف (1) .
وفي الطريق انضم إليهم جمع كثير من موالي ومحبي أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فصار عددهم ما يقرب من خمس عشرة ألف نسمة رجالاً ونساء (2) ، يتجهون إلى طوس عن طريق شيراز ليحظوا برؤية الإمام ( عليه السلام ) ، ويرفلوا بأثواب البركة في جواره (3) .
ولما وصل خبر القافلة وهذا التجمع الكبير إلى المأمون ، حشي على ملكه وسلطانه من التزلزل إذا ما وصلت هذه القافلة العظيمة إلى خراسان ، فأمر ولاته بمنع زحف هذا الركب وإرجاعهم إلى
____________
(1) أعيان الشيعة : ج3 ص 192 .
(2) شبهاي پيشاور : ص 117 .
(3) وما نُقل عن كتاب لباب أو لبّ الأنساب من أنّهم خرجوا لطلب الثار لاخيهم ، هذا لا يساعده التاريخ ، كما أنّه لا يناسب خروج قافلة مسالمة ، وإلا لتعرض لها كل ولاة وأتباع المأمون قبل شيراز .
( 70 )
المدينة (1) .
فجهز حاكم شيراز ـ آنذاك ـ جيشاً جراراً من أربعين الف جندي وتوجه إلى الركب ، فلتقى بهم في « خان زينان » على ثمانية فراسخ (2) من شيراز .
فتوقفت قافلة بني هاشم تستطلع الأمر .
قال الحاكم لهم : إن الخليفة يأمر بإرجاعكم من حيث أتيتم .
فقال أمير الركب أحمد بن موسى : إننا لا نريد سوى زيارة أخينا الإمام الرضا . وما قصدناه إلا بعد استئذان وإجازة المأمون نفسه .
قال الحاكم : قد يكون ما ذكرت ، ولكنّه أصدر الأمر إلينا بمنعكم من إكمال سيركم .
فتشاور الإخوة فيما بينهم ، واتفقوا على إكمال مسيرتهم ، واحتاطوا لذلك بجعل النساء في آخر القافلة . .
في الصباح تحركوا من جديد . .
ولكن حاكم شيراز وجنده الأربعين ألفا قطعوا الطريق عليهم . .
فبدأت معركة دامية ، أبدى فيها إخوة الإمام وسائر أفراد القافلة شجاعة فائقة ، ولا عجب في ذلك فهم من بني هاشم أصل الشجاعة ومنبت البطولة ، وعلى أثر ذلك انكسر جيش الأعداء ، وتفرقوا . . . فلجأوا حينئذ إلى المكر والخديعة .
____________
(1) ولعل سبب استقدام الإمام لإخوته هو كشف النوايا الخبيثة للمأمون ـ كما سيظهر لك ، فليست هجرتهم مجرد لقاء إخوة باخيهم ، وليست العواطف هي الباعث عليها وإنما الأمر فوق ذلك .
(2) أي على بعد 44 كيلومتراً من شيراز (الفرسخ الشرعي = 5 | 5 كيلومتر) .
( 71 )
فنادى رجل منهم : إن كان تريدون ثمّة الوصول إلى الرضا فقد مات ! !
فسرت هذه الشائعة بين أفراد القافلة كالبرق ، وهدّت اركانهم ، وكيف لا ؟ إنهم يسمعون خبر وفاة إمامهم ( عليه السلام ) .
وكان ذلك سببا لتفرق افراد القافلة عن الإخوة الكرام .
فتوجه الإخوة الثلاثة إلى شيراز ليلاً بعد أن غيروا البستهم حتى لا يعرفوا ، وتفرقوا فيها وتفرغوا للعبادة ، ولبثوا مدة دون أن يعرفهم أو يتوصل إليهم أحد .
ولكن على أثر انتشار الجواسيس توصلوا إلى مكان أحمد بن موسى .
فارسل الحاكم جيشاً كبيرا لاعتقاله . وكان أحمد بن موسى قد اختفى في دار أحد الموالين لهم ، فخرج من الدار يقاتلهم قتالاً مستميتاً دفاعاً عن نفسه .
فماذا يا ترى يفعل فرد واحد أمام بلدة مخالفة وجيش كبير ؟ !
إنه أظهر شجاعة عظيمة ، وكان بين فترة وأخرى يدخل الدار فيستريح . وعندما لم يتمكنوا منه لجأوا إلى الجيران ، وأحدثوا فجوة إلى تلك الدار عبر دار الجيران ز غافلوه وقتلوه في الموضع الذي نراه الاآن والمعروف بـ « شاه جراغ » .
كما أنّهم قتلوا أخاه ُ حسيناً بالقرب من بستان ، وله مزار أيضاً في شيراز ويُعرف بالسيد « علاء الدين حسين » .
وأما السيد محمد فلم يتمكنوا منه ، وعرف بكثرة العبادة ، ولذا
( 72 )
كان يلقب بـ « محمد العابد » ، وتوفي ودفن في بقعته الشريفة من شيراز (1) .
***
بعد أن عرفنا ما حدث لهذا الركب ، تعالوا بنا نستطلع ما يجري على ركب السيدة المعصومة وإخواتها الآخرين .
____________
(1) شبهاي پيشاور : ص 115 ـ 122 ، تحفة العالم : ج2 ص 28 .
( 73 )
(ب) ركب السيدة يحاصر في « ساوة »
كانت هذه القافلة تضم إثنين وعشرين علوياً ، وعلى رأسها السيدة فاطمة المعصومة ( عليها السلام ) وإخوتها : هارون (1) ، وفضل ، وجعفر ، وهادي (2) ، وقاسم ، وبعض من أولاد إخوتها ، وبعض الخدم (3) .
فأرسل المأمون شرطته إلي هذه القافلة أيضاً ، فقتل ، وشرد كل من فيها ، وجرحوا هارون المذكور ، ثم هجموا عليه وهو يتناول الطعام فقتلوه (4) .
وكان ذلك نهاية اليمة ومفجعة لهذا الركب من بني هاشم ، فقدت فيها السيدة المعصومة ( عليها السلام ) سائر إخوتها ، فشابهت مثيبتها بفقدهم مصيبة عمتها زينب ( عليه السلام ) في كربلاء .
وخارت قواها وضعفت ، فسألت من حولها :
ـ كم بيننا وبين قم ؟
____________
(1) الحياة السياسية للإمام الرضا ( عليه السلام ) : ص 428 .
(2) لم يذكر أحد أن للإمام ولداً باسم هادي ولعله هارون وصحف .
(3) زندگاني حضرت معصومة ، نقلاً عن رياض الأنساب ومجمع الأعقاب .
(4) الحياة السياسية للإمام الرضا ( عليه السلام ) : ص 428 .
( 74 )
قالوا : عشرة فراسخ (1) .
فقالت : إحملوني إليها (2) .
وقبل أن نواصل معايشتنا مع السيدة المعصومة ( عليها السلام ) نتوقف قليلاً لنعرف شيئاً مما ذكره المعصومون ( عليهم السلام ) في فضل قم وأهلها .
(1 | ب) لماذا سميت هذه البلدة بـ « قم » ؟
في معجم البلدان : ـ قم ـ « قرية إسمها كمندان ، فأسقطوا بعض حروفها فسميت بتعريبهم (3) قما » (4) .
وفي دائرة المعارف ا لإسلامية الشيعية : أنّ أصل إسمها « كم » ـ بمعنى قليل بالفارسية ـ إذ كانت عبارة عن قرية صغيرة ثم عربت بعد الفتح الإسلامي فصارت « قم » (5) .
فهذان قولان مختلفان في سبب تسميتها بـ « قم » ، ولكن نفس
____________
(1) أي خمسة وخمسون كيلومتراً تقريباً .
(2) ترجمة تاريخ قم : ص 213 .
(3) أي بتعريب الأشعريين الشيعة الذين نزلوا بها في عام 83 هـ ، وهم غير الأشعريين أصحاب المذهب الكلامي .
(4) معجم البلدان : ج4 ص 397 .
(5) دائرة المعارف الإسلامية الشيعية : ج3 ص229 و230 .
( 75 )
التاريخ لا يوافقهما ، إذ إن تسميتها بذلك كان معروفاً قبل الفتح الإسلامي ، ومنذ زمن كسرى « أنوشروان » .
ففي الأخبار الطوال : « . . . ثم قسم كسرى أنوشروان المملكة أربعة أرباع ، وولى كل ربع رجلاً من ثقاته ، فأحد الأرباع : خراسان ، وسجستان ، وكرمان ، والثاني إصبهان ، وقم ، . . . إلخ » (1) .
وفي موقعة « جلولاء » التي كان من قادتها الصحابي الجليل حجر بن عدي ، هزم يزدجر فتحمل بحرمه وحشمه وما كان مع من أمواله وخزائنه حتى نزل قم (2) .
فتسميتها بـ « قم » كان معروفاً قبل الفتح الإسلامي ، وعلى هذا فليس « الأشعريون » هم الذين سموها بـ « قم » كما ادعاه صاحب معجم البلدان .
فما هو سبب تسميتها إذن ؟
وباستعراض روايات المعصومين ( عليهم السلام ) ـ الذين هم ملاذنا وملجأنا دائماً وفي كل شيء ـ نجد ثلاث روايات في سبب هذه التسمية : ـ
الرواية الاولى :
عن الإمام الصادق (عليه السلام ) قال : « حدثني أبي ، عن جدي ، عن أبيه ، قال :
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما اُسري بي إلى السماء حملني جبرئيل على كتفه الأيمن ، فنظرت إلى بقعة بأرض الجبل حمراء
____________
(1) الأخبار الطوال : ص 67 .
(2) المصدر السابق : ص 128 .
******************
أحسن لوناً من الزعفران ، وأطيب ريحاً من المسك ، فإذا فيها شيخ على رأسه برنس (1) .
فقلت لجبرئيل : ما هذه البقعة الحمراء التي أحسن لوناً من الزعفران ، وأطيب ريحاً من المسك ؟
قال : بقعة شيعتك وشيعة وصيك علي .
فقلت : من الشيخ صاحب البرنس ؟
قال : إبليس .
قلت : فما يريد منهم ؟
قال : يريد أن يصدهم عن ولاية أمير المؤمنين ، ويدعوهم إلى الفسق والفجور .
فقلت : يا جبرئيل ! أهو بنا إليهم .
فأهوى بنا إليهم أسرع من البرق الخاطف والبصر اللآمح .
فقلت : قم يا معلون ! فشارك أعداءهم في أموالهم وأولادهم ونسائهم ، فإن شيعة علي ليس لك عليهم سلطان » .
فسميت « قم » (2) .
والرواية الثانية :
عن عفان البصري ، عن أبي عبدالله الصادق ( عليه السلام ) :
قال : أتدري لم سميت « قم » ؟
قلت : الله ورسوله أعلم .
____________
(1) البرنس : قلنسوة طويلة .
(2) علل الشرائع ص 572 باب 373 .
(77)
قال : إنّما سميت « قم » لأن أهلها يجتمعون مع قائم آل محمد (صلوات الله عليه) ، ويقومون معه ، ويستقيمون عليه ، وينصرونه » (1) .
وأما الرواية الثالثة فهي :
عن أبي مقاتل الديلمي نقيب الري .
قال : سمعت أبا الحسن علي بن محمد (عليه ا لسلام) يقول :
« إنّما سميت قم به لأنّه لما وصلت السفينة إليها في طوفان نوح ( عليه السلام ) قامت » (2) .
(2 | ب) قي فضل « قم » وأهلها :
إضافة إلى ما مر من الروايات ، هناك روايات اخرى في فضل « قم » وأهلها ، نقلت عن أهل بيت العصمة والطهارة ، وإليكم باقة منها : ـ
عن الإمام الصادق جعفر بن محمد (عليهما السّلام) قال :
« إن لعلى « قم » ملكا يرفرف عليها بجناحيه ، لا يريدها جبار بسوء إلا أذابه الله كذوب الملح في الماء » (3) .
وعنه ( عليه السلام ) أنّه قال :
« إذا أصابتكم بلية وعناء فعليكم بـ « قم » ، فإنها مأوى الفاطميين ، ومستراح المؤمنين ، وسيأتي زمان ينفر أولياؤنا ومحبونا عنّا ، ويبعدون
____________
(1) ترجمة تاريخ قم : ص 100 ، والبحار : ج60 ص 216 ح38 .
(2) ترجمة تاريخ قم : ص 96 ، والبحار : ج60 ص 213 ح24 .
(3) ترجمة تاريخ قم : ص 99 ، والبحار : ج60 ص 217 ح36 .
( 78 )
منا وذلك لمصلحة لهم ، لكي لا يعرفوا بولايتنا ، ويحقنوا بذلك دماءهم وأموالهم .
وما أراد أحد بـ « قم » وأهلها سوءاً إلا أذله الله ، وأبعده من رحمته » (1) .
وعن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) أنه قال :
« قم عش آل محمد ، ومأوى شيعتهم ، ولكن سيهلك جماعة من شبابهم بمعصية آبائهم ، والإستخفاف والسخرية بكبرائهم ومشايخهم ، ومع ذلك يدفع الله عنهم شر الأعادي وكل سوء » (2) .
وعن الإمام الادق (عليه السلام ) أنه قال :
« ما أرادهم ـ يعني أهل قم ـ جبار من الجبابرة إلا قصمه الله » (3) .
عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) أيضاً :
« إذا عمت البلدان الفتن فعليكم بقم وحواليها ونواحيها ، فإن البلاء مرفوع عنها » (4) .
كما روي عنهم أنه : « لولا القميون لضاع الدين » (5) .
حيث إن الكثير من الرواة والمحدثين هم من أهل « قم » .
وكل ما ذكر في فضل « قم » وأهلها إنما هو بشرطها وشروطها ، والحديث التالي يبين ذلك .
فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام ) :
____________
(1) ترجمة تاريخ قم : ص 98 ، والبحار : ج60 ص 214 ح32 .
(2) ترجمة تاريخ قم : ص 98 ، والبحار : ج60 ص 214 ح31 .
(3) إختيار معرفة الرجال : ص 333 ح 608 .
(4) ترجمة تاريخ قم : ص 97 ، والبحار : ج60 ص 217 ح44 .
(5) بحار الأنوار : ج60 ص 217 ح43 .
( 79 )
« تربة قم مقدّسة ، وأهلها منٌا ونحن منهم ، لا يريدهم جبار بسوء إلا عجلت عقوبته ما لم يخونوا إخوانهم ، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم جبابرة سوء » (1) .
وهذا غيض من فيض روايات المعصومين ( عليهم السلام ) في شأن « قم » وأهلها .
إذن . . ليس غريباً أن تختار السيدة المعصومة مدينة « قم » ، خاصة وأنها كانت من قبل قد سمعت عن جدها الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال : « وإن لنا حرماً وهو بلدة قم ، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة . . . » (2) .
وبهذا الزخم التاريخي تخرج « قم » لاستقبالها ، وكان قدومها إيذاناً بعهد جديد لمدينة « قم » ولأهلها .
(3 | ب) « قم » تستقبل السيدة المعصومة :
عندما وصلت ( عليها السلام ) إلى « ساوة » ، ومرضت فيها بعد فقد إخوتها ، كان خبرها قد وصل إلى « قم » ، ومرضت فيها بعد فقد إخوتها ، كان خبرها قد وصل إلى « قم » فخرج أشرافها لاستقبالها ، يتقدمهم موسى بن خزرج الأشعري ، فلما وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وقادها إلى منزله (3) ، تحف بها إماؤها وجواريها .
____________
(1) ترجمة تاريخ قم : ص 93 ، البحار : ج60 ص 218 ح 49 .
(2) ت رجمة تاريخ قم : ص 215 ، وعنه في البحار : ج60 ص 216 ح41 ، ومستدرك الوسائل : ج10 ص 368 ح1 .
(3) ترجمة تاريخ قم : ص 213 .
( 80 )
(4 | ب) السيدة المعصومة تفارق الحياة :
بقيت ( لعيها السلام ) في دار موسى الأشعري سبعة عشر يوماً ، فما لبثت إلا هذه الأيام القليلة وتوفيت (1) .
ولا يبعد أن يكون سبب وفاتها أنها قد دس السم إليها في « ساوة » (2) .
وأمر موسى بن خزرج بتغسيلها وتكفينها ، وحملوها إلى مقبرة « بابلان » ووضعوها على سرداب حفر لها ، فاختلفوا في من ينزلها إلى السرداب .
ثم اتفقوا على خادم لهم صالح كبير السن يقال له « قادر » فلمّا بعثوا إليه رأوا راكبين مقبلين من جانب الرملة وعليهما لثام ، فلما قربا من الجنازة نزلا السرداب وأنزلا الجنازة ، ودفناها فيه ، ثم خرجاغ ولم يكلما أحدا ، وركبا وذهبا ولم يدر أحد من هما (3) .
ونقل أنّها ( سلام الله عليها ) توفيت في الثاني عشر من ربيع الثاني عام 201 هـ (4) .
ولكن هذا لا ينسجم مع ما نقله صاحب دعائم الإسلام في كتابه « شرح الأخبار » من أن الإمام الرضا ( عليه السلام ) ادخل على المأمون
____________
(1) ترجمة تاريخ قم : ص 213 .
(2) الحياة السياسية للإمام الرضا : ص 428 ، عن قيام سادات علوي : ص 168 .
(3) ترجمة تاريخ قم : ص 213 و214 .
(4) مستدرك سفينة البحار : ج 8 ص 257 .
( 81 )
في العاشر من جمادي الآخر سنة 201 هـ (1) ، ومن المعلوم أنّ الإمام ( عليه السلام ) أرسل في طلب أخته المعصومة ( عليها السلام ) بعد وصوله ، وما نقل من تاريخ وفاتها يكون قبل وصوله ( عليه السلام ) إلى « خراسان » ، وهذا معناه أنّ الإمام ( عليه السلام ) لم يطلبها ، وأنها لم تهاجر قاصدة أخاها ، وهذا مما تنفيه الأخبار والتاريخ . وبناءً على ذلك يمكن أن يكون تأريخ وفاتها هو الثامن من شعبان سنة 201 هـ ، كما نقله الشيخ المنصوري في « حياة الست » نقلاً عن كتاب مخطوط بإسم « رياض الأنساب ومجمع الأعقاب » الذي نقله بدوره عن « الرسالة العربية العلوية » للشيخ الحر العاملي صاحب كتاب « وسائل الشيعة » .
وعلى كل حال فقد فارقت روح السيدة المعصومة الحياة بعد أن كابدت صنوف الألم والمشقة والعذاب فسلام عليها يوم ولدت ويوم ماتت ويوم تبعث حية .
( 5 | ب ) المأمون يعترف . . . ! !
ذكرنا احتمال أن يكون وفاة السيدة المعصومة ( عليه السلام ) بسبب سم دس إليها في « ساوة » ، إما من أهلها المتعصبين ، وإما من أتباع وشرطة المأمون بأمر منه ، وكان من قبل قد قتل إخوتها في « ساوة » و « شيراز » ، ثم قتل الإمام الرضا ( عليه السلام ) فيما بعد .
وللمأمون إعتراف بجناياته وظلمه لأهل البيت ( عليهم السلام ) وأولادهم ومواليهم ، نسجله للتأريخ والأجيال بياناً لحقيقة المأمون .
____________
(1) شرح الأخبار : ج3 ص 340 .
( 82 )
يقول المأمون في كتاب له في الجواب عن بني هاشم :
« . . . حتى قضى الله تعالى بالأمر إلينا ، فأخفناهم ، وضيقنا عليهم ، وقتلناهم أكثر من قتل بني أمية إياهم .
ويحكم ! إن بني أميّة إنّما قتلوا منهم من سل سيفاً ، وإنا معشر بني العباس قتلناهم جملاً .
فلتسالن أعظم الهاشمية بأي ذنب قتلت ؟ !
ولتسألن نفوس اُلقيت في « دجلة » و « الفرات » .
ونفوس دفنت بـ « بغداد » و « الكوفة » أحياء .
هيهات إنّه من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثال ذرة شراً يره . . . » (1) .
فهل كانت الغلبة لبني العبّاس والمأمون بقتلهم هذه النفوس الزكيّة . . ؟
إنٌ الحقيقة تأبى إلا أن تسفر عن وجهها . .
فهذا قبر السيدة المعصومة وقبر أخيها الإمام الرضا محجة ومزار . .
. . . اعدالهم لا تعرف ، لا تزل
بل تصب عليهم اللعائن مدى الأيام والأعصار . .
____________
(1) بحار الأنوار : ج49 ص 210 ، عن صاحب الطرائف عن ابن مسكوية .
( 83 )
6ـ الجنة لمن زارها
( 84 )
( 85 )
ثلاثة من المعصومين ( عليهم السلام ) يبشرون من زارها بالجنة .
1 ـ فهذا الإمام الصادق ( عليه السلام ) يبشر زوارها بالجنة قبل ولادتها .
قال ( عليه السلام ) : « إن لله حرما وهو مكة ، وإن للرسول ( صلى الله عليه وآله ) حرماً وهو المدينة ، وإن لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) حرما وهو الكوفة ، وإن لنا حرماً وهو بلدة قم . وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة ، فمن زارها وجبت له الجنة » (1) .
2 ـ وعن سعد بن سعد ، قال : سألت أبا الحسن الرضا ( عليه السلام ) عن زيارة فاطمة بنت موسى ( عليه السلام ) .
فقال : من زارها فله الجنة (2) .
3 ـ وعن الإمام الجواد ( عليه السلام ) أنه قال :
____________
(1) ترجمة تاريخ قم : ص 215 ، وعنه في البحار : ج60 ص 216 ح41 ، ومستدرك الوسائل : ج10 ص 368 ح1 .
(2) كامل الزيارات : ص 324 ح1 ، وثواب الأعمال : ص 98 ، وعيون أخبار الرضا : ج2 ص 267 .
( 86 )
« من زار عمتي بقم فله الجنة » (1) .
والسؤال الآن هل : كل من زارها تجب له الجنة حتى لو كان فاسقاً فاجراً مخالفاً ؟
يجيب الإمام الرضا ( عليه السلام ) على ذلك فيقول :
يا سعد ! عندكم لنا قبر (2) . ؟
قال سعد : جعلت فداك ، قبر فاطمة بنت موسى ( عليهما السلام ) .
قال : نعم ، من زارها عارفاً بحقها فله الجنة (3) .
فليس كل من زارها تجب له الجنة ، وإنما العراف بحقها وحق آبائها وأبنائهم الطاهرين تجب له بزيارتها الجنة . وأنى يكون ذلك للمخالف لهم في العقيدة والعمل ؟ !
وقد قال الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
« . . . والذي نفسي بيده لا ينتفع عبد بعمله إلا بمعرفة حقنا » (4) .
____________
(1) كامل الزيارات : ص 324 ح2 .
(2) أي : هل عندكم لنا قبر في قم ؟ فسؤاله ( عليه السلام ) طلب للتقرير فلحن السؤال يدل على أنه ليس أستفهاماً حقيقياً بل إخبار وتقرير .
(3) بحار الأنوار : ج102 ص 265 ح4 ، ومستدرك الوسائل : ج10 ص 368 ح3 .
(4) المحاسن : ج1 ص 135 ح169 .
( 87 )
7 ـ يا فاطمة إشفعي لي في الجنة
( 88 )
( 89 )
هذه جملة شريفة من زيارة السيدة المعصومة ( عليها السلام ) (1) ، تشهد بشفاعتها يوم القيامة ، فهي تشفع كشافعة آبائها في شيعتهم .
ولكي نعرف عظمة الشفاعة ودرجة الشفيع يوم القيامة لا بدّ لنا من التحدث عن الشفاعة ولو قليلاً ، حتى يتسنى لنا معرفة شيء من عظمة السيدة المعصومة ( عليها السلام ) : ـ
الآيات القرآنية المباركة التي تتحدث عن الشفاعة يمكن تقسيمها إلى مجموعات ثلاثة .
المجموعة الأولى : آيات ترفض الشفاعة بشكل مطلق ، كقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا انفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة) (2) .
وقوله تعالى : ( ولا يقبل منها شفاعة ) (3) .
المجموعة الثانية : آيات تحصر الشفاعة في الله تعالى ، كقوله سبحانه : ( ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع ) (4) .
____________
(1) زيارة السيدة المعصومة ( عليها السلام ) مذكورة في آخر الكتاب .
(2) سورة البقرة : الآية (254) .
(3) سورة البقرة : الآية (48) .
(4) سورة السجدة : الآية (4) .
( 90 )
وقوله تعالى : ( قل لله الشفاعة جميعاً ) (1) .
والمجموعة الثالثة : آيات تثبت الشفاعة لغير الله تعالى ، ولكنها منوطة بإذنه ، كقوله تعالى : ( ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ) (2) .
وقوله سبحانه : ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) (3) .
وهذه الآية الأخيرة تشتمل على رفض وقبول .
فجملة المستثنى منه ترفض شفاعة كل أحد .
ولكن جملة المستثنى تقبل الشفاعة المقترنة بإذن من الله تعالى .
فالشفاعة أمر لا ينكر في القرآن المجيد ، إذ فيه آيات متعددة تدل أو تصرح بها .
ولا توجد أي شائبة شرك في الشفاعة ، فلسنا كأهل الجاهلية ( الذين اتخذوا من دونه أولياء ، ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) (4) ، فهم قد عبدوا أصنامهم بزعمهم أنّها تقربهم إلى الله تعالى ، ونحن لا نعبد الشفيع ، وإنّما نجعل الشفيع المأذون من قبل الله تعالى ، نجعله وسيلة لنا عند الله وإلى الله تعالى ، لمكانته ووجاهته عنده ، وفرق بين جعل الولي والشفيع معبوداً ـ كما عليه أهل الجاهلية ـ ، وبين جعله وسيلة إلى الله وحده لا شريك له .
فالشفاعة لا تكون إلا بإرادة منه تعالى ، ومنوطة بإذنه ، وليس
____________
(1) سورة الزمر : الآية (44) .
(2) سورة سبا : الآية (23) .
(3) سورة البقرة : الآية (255) .
(4) سورة الزمر : الآية (3) .
( 91 )
لأحد أن يجعل من مخلوق شفيعاً لمخلوق آخر في حضرة الله عزّ وجلّ ، وما من شفيع يحق له أن يتشفع بغير إذن من ا لله تعالى . فقل لي بربك : أين الشرك في ذلك ؟
ولا تستلزم الشفاعة تغييراً في حكم وإرادة الله تعالى كما هو حال « المشفوع عنده » من الناس ، كالسلطان الذي يحكم بقتل شخص ، فيريد قتله ، فيأتي المقرب عنده ويشفع له ، فيقبل شفاعته ، ويغير حكمه من القتل إلى العفو ، فليس الأمر كذلك في محكمة العدل الإلهي .
وللتوضيح نبسط القول أكثر .
لدينا ثلاثة أمور :
1 ـ المشفوع عنده : وهو الله سبحانه وتعالى .
2 ـ الشفيع : كالرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأهل بيته الكرام ( عليهم السلام ) .
3 ـ المشفوع له : وهو المذنب .
وموضوع الشفاعة هو ذلك المذنب الذي يستحق العقوبة بذنبه ، فيأتي الشفيع فيشفع له عند ا له تعالى فيعفوا عنه . فهل يتغير حكم الله تعالى وعلمه كما يتغير حكم سلاطين أهل الدنيا ؟ حاشا لله ذلك .
إن الشفيع عند السلطان يغير ويؤثر في إرادة وحكم السلطان ، ولكن الشفيع عند الله تعالى لا يغير ولا يؤثر في إرادة وعلم الله تعالى ، بل يكون تأثير الشفيع على المذنب ـ الذي هو موضوع علم الله وإرادته ـ ، فالمذنب حكمه العقوبة قبل الشفاعة ، ولكنه بضميمة شفاعة الشفيع يصير حكمه العفو ، فالذي تغير هو الموضوع ، وحكم الله وإرادته لم تتغير ، إذ إن إرادته كانت منذ البداية هي عقوبة المذنب غير المشفوع له ،
( 92 )
وهذا مشفوع له فلا يعاقب ، كالتّائب المقبولة توبته ، فهو قبل التوبة مستحق للعقوبة ، وبالتوبة يشمله العفو والغفران الإلهي ، فالمذنب لم يغير بتوبته علم الله تعالى ولا إرادته ، بل غير نفسه وبدل سلوكه وصار كمن لا ذنب له ، فتغير لذلك الحكم الإلهي بتغير الموضوع ، فالحكم الإلهي ثابت لم تيغير وإنما تغير الموضوع ، ولكل موضوع حكمه الخاص .
وبكلمة موجزة :
شفاعة الشَّفيع عند السلطان تغير الموضوع ، وتغير حكم السلطان ، ولكن شفاعة الشفيع عند الله تعالى تغير الموضوع فقط ، وحكمه تعالى وإرادته وعلمه ، كل ذلك ثابت لا يتغير .
ثم إن الشفاعة أمر متعارف بين الناس ، وعليه سيرة العقلاء ، وهي ما تسمى اليوم بـ « الوساطة » ، فالضعيف يجعل القوي يتوسط له في قضاء حاجته عند الحاكم والسلطان وفي الدوائر الحكومية ، ولكن هناك فرق بين شفاعة أهل الدنيا وشفاعة الأولياء الصالحين .
فالشفاعة في عالم الناس اليوم قد تكون وسيلة إصلاحية تربوية ، يعود بها المشفوع له إلى جادة الصواب ، وقد تكون وسيلة لارتكاب المزيد من المعاصي والتشجيع عليها .
ولكن الشفاعة بمفهومها الديني لا تكون إلا وسيلةً إصلاحية تدعو إلى الخير وعدم اليأس من رحمة الله بارتكاب معصية قد سولت له نفسه جنايتها في وقت من الأوقات .
فالشفاعة عامل إيجابي يدفع الخلق إلى الصلاح ، ولا يجرئهم على ارتكاب المزيد من المعاصي .
( 93 )
وعند استعراض روايات أهل بيت العصمة والطهارة تبرهن لك إيجابية الشفاعة ، فإنّ أصنافاً من الناس لا تنالهم الشفاعة ، وإنّ بعض الأعمال لتحجب الشفاعة .
وأما الأصناف التي لا تنالهم الشفاعة فمنها :
1 ـ السلطان الظالم .
2 ـ المغالي في الدين .
3 ـ الناصبي .
فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
« صنفان لا تنالهما شفاعتي :
سلطان غشوم عسوف .
وغال في الدين مارق منه غير تائب ولا نازع » (1) .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) :
« ولو أن الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين شفعوا في ناصب (2) ما شفعوا » (3) .
وسمع الإمام الباقر ( عليه السلام ) أنّه قال :
« من أبغض علياً دخل النار ، ثم جعل الله في عنقه إثنتي عشرة ألف شعبة ، على كل شعبة منها شيطان يبزق في وجهه ويكلح (4) » (5) .
____________
(1) قرب الإسناد : ص 64 ح204 .
(2) لقد مر عليك معنى الناصبي في ص 54 فراجع .
(3) يكلح : يكشر في عبوس .
(4) المحاسن : ص 297 ح202 .
( 94 )
وأما الأعمال التي تحجب الشفاعة ، ويحرم فاعلها نعمة الشافعة فمنها :
1 ـ عدم الإيمان بالشفاعة :
فعن الإمام الرضا عن أبيه عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) :
« من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي » (1) .
2 ـ التعرض لذرية الرسول الاقدس ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) بأذى وغيره :
« والله لا تشفعت فيمن آذى ذريتي » (2) .
3 ـ الإستخفاف بالصلاة :
عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) ، قال :
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« لا ينال شفاعتي من استخف بصلاته ، ولا يرد عليٌ الحوض لا والله » (3) .
وعن أبي بصير ، قال : دخلت على « أم حميدة » (4) أعزيها بأبي عبدالله ( عليه السلام ) ، فبكت وبكيت لبكائها .
____________
(1) أمالي الصدوق ، المجلس الثاني : ص 16 ح 4 .
(2) أمالي الصدوق ، المجلس التاسع والاربعون ب ص 242 ح3 .
(3) المحاسن : ج1 ص 159 ح6 .
(4) الظاهر أن المراد السيدة « حميدة المصفاة » زوجة الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، بقرينة تعزيتها بشهادة الإماء ( عليه السلام ) .
( 95 )
ثم قالت : يا أبا محمد لو رأيت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عند الموت لرأيت عجباً . فتح عينيه ، ثم قال : إجمعوا إليٌ كل من كان بيني وبينه قرابة .
قالت : فما تركنا أحداً إلا جمعناه .
قالت : فنظر إليهم .
ثم قال : إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفاً بصلاته (1) .
4 ـ شرب المسكر :
عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال :
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
« . . . لا والله لا ينال شفاعتي من شرب المسكر ولا يرد عليٌ الحوض لا والله » (2) .
أيها القارىء الكريم : تلك بعض الأصناف التي تحرم الشفاعة ، وهذه كانت بعض الأعمال التي تحجب الشفاعة . ففيمن تكون الشفاعة إذن ؟
قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) :
« إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي » (3) .
ولكن كيف يستحق أهل الكبائر (4) الشفاعة ؟ وبماذا يستوجبونها ؟
إنّما استحقوها واستوجبوها بإتيانهم عملاً أهلهم للشفاعة .
فمن ذلك :
____________
(1) المحاسن : ج1 ص 159 ح8 .
(2) الكافي : ج6 ص 400 ح19 .
(3) من لا يحضره الفقيه : ج3 ص 574 ح4963 .
(4) يستثنى منهم ما استثنته الروايات كشارب الخمر ـ مثلاً ـ والسلطان الظالم .
(96)
1 ـ زيارة المعصومين ( عليهم السلام ) :
فعن الإمام أبي عبدالله (عليه السلام ) قال :
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« من أتاني زائراً كنت شفيعة يوم القيامة » (1) .
وقال الإمام الحسين ( عليه السلام ) لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : يا أبتاه ! ما لمن زارك ؟
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : يا بني ! من زارني حيا أو ميتاً ، أو زار أباك ، أو زار أخاك ، أو زارك ، كان حقا عليٌ أن أزوره يوم القيامة ، واخلصه من ذنوبه » (2) .
وروى البزنطي عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) قال :
« ما زارني أحد من أوليائي عارفاً بحقي ، الا شفعت فيه يوم القيامة » (3) .
2 ـ مودة وإكرام ذرية الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) :
فعن الإمام أبي عبدالله الصادق (عليه السلام ) قال :
قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) :
« إنّي شافع يوم القيامة لأربعة أصناف لو جاءوا بذنوب أهل الدنيا :
رجل نصر ذريتي .
____________
(1) الكافي : ج4 ص 548 ح3 .
(2) المصدر السابق : ج4 .
(3) من لا يحضره الفقيه : ج2 ص 583 ح3184 .
( 97 )
ورجل بذل ماله لذريتي عند المضيق .
ورجل أحب ذريتي باللسان والقلب .
ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا أو شردوا » (1) .
3 ـ صنع المعروف :
عن الإمام أبي عبدالله الصادق ( عليه السلام ) . قال :
« إن المؤمن منكم يوم القيامة ليمر عليه بالرجل وقد أمر به إلى النار . فيقول له : يا فلان أغثني ، فقد كنت أصنع إليك المعروف في الدنيا .
فيقول المؤمن للملك : خل سبيله .
فيأمر الله الملك أن أجز قول المؤمن .
فيخلي الملك سبيله » (2) .
وتارة يدخل المشفوع له الجنة بسبب ذلك العمل الذي رجح علي معصيته من دون أن يرى العذاب ، وتارة لا تناله الشفاعة حتى يدخل جهنم ويذوق ألم العذاب .
فعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال :
« . . . . شفاعة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وشفاعتنا تحيط بذنوبكم يا معشر الشيعة ، فلا تعودوا ، ولا تتكلوا على شفاعتنا ، فوالله لا ينال أحد شفاعتنا إذا فعل هذا (3) حتى يصيبه ألم العذاب ،
____________
(1) الكافي : ج4 ص 60 ح9 .
(2) المحاسن : ص 294 ح 194 .
(3) فعل هذا : أي إذا زنى وفجر بجارية أخيه ، ولم يتب ، ولم يتحلل من صاحب الجارية ـ كما في الرواية ـ .
( 97 )
ويرى هول جنهم » (1) .
فبعض العصاة لا تطهرهم إلا جنهم ، ثم تنالهم الشفاعة .
وبعد هذا كله ، هل يبقى شك أو ريب في أن الشفاعة عامل إيجابي يدعو إلى الصلاح ، ويحفز على ترك الذنوب والمعاصي ؟
واتضح أن الشفاعة فيها إظهار لعظمة الخالق ، وعظمة الشافع ، وعظمة العمل المشفوع به ، فهي :
1 ـ إظهار لعظمة الخالق جل وعلا :
أرأيت الملك كيف ينصب الوزراء والقواد والحجّاب ، فيقومون بالوظائف والأعمال ، وتكون له جهة الإشراف والمراقبة ؟
فكذلك الأمر مع ملك الملوك والملك الحقيقي ، فهو تعال اسمه أوكل الوحي إلى جبرائيل ، وقبض الأرواح إلى عزرائيل ، وأمر الرياح والأمطار إلى ملائكة آخرين ، وأوكل هداية الناس إلى الرسل ، مع قدرته تعالى على كل ذلك بمجرد إرادة منه فيقول كن فيكون . ومن ذلك أن جعل الشفاعة لرسله وأوليائه ، وكله إظهاراً لعظمته ، وتجلّيا لقدرته ، وتبييناً لجلالته .
2 ـ وإظهار لعظمة العمل المشفوع به :
وقد مرّ عليكم مثل تلك الأعمال كزيارة المعصومين ( عليهم السلام ) ، وإكرام ذراريهم .
3 ـ وإظهار لعظمة الشافع :
درجة الشفاعة درجة سامية ، وكلما تعاظمت منزلة الشفيع عند الله ، كلما كانت شفاعته أكبر . فالشفعاء يوم القيامة على درجات ومراتب .
____________
(1) من لا يحضره الفقيه ج4 ص 39 ح5034 .
( 99 )
فمنهم من يشفع في جاره وحميمه .
قال الامام الصادق ( عليه السلام ) :
« إنّ الجار يشفع لجاره ، والحميم لحميمه » (1) .
وسئل الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن المؤمن هل يشفع في أهله ؟
قال : نعم المؤمن يشفع فيشفع » (2) .
وعن الإمام الباقر ( عليه السلام ) :
« . . . وإن ادنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنساناً ، فعند ذلك يقول أهل النار : « فمالنا من شافعين ولا صديق حميم (3) » (4) .
ومنهم من تصل منزلته ليشفع في مثل ربيعة ومضر .
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :
« من مات يوم الخميس بعد زوال الشمس إلى يوم الجمعة وقت الزوال ، وكان مؤمناً ، أعاذه الله عز وجل من ضغطة القبر ، وقبل شفاعته في مثل ربيعة ومضر » (5) . إلى أن تصل المنزلة إلى منزلة المقام المحمود ، وهي منزلة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وهي أعلى منزلة .
____________
(1) المحاسن : ص 294 ح192 .
(2) المصدر السابق : ح 193 .,آق .
(3) سورة الشعراء ، الآية ( 100 و101 )
(4) الكافي : ج8 ص 101 ح72 .
(5) من لا يحضره الفقيه : ج4 ص 411 ح5896 ، وقوله « في مثل ربيعة ومضر » : أي بمثل عدد قبيلتي ربيعة ومضر .
( 100 )
قال الإمام الباقر ( عليه السلام) :
« إن لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) شفاعةً في اُمته » (1) .
بل عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال :
« ما أحد من الاولين والآخرين إلا وهو يحتاج إلى شفاعة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم القيامة » (2) .
واما السيدة المعصومة ، حفيدته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هي الأخرى لها درجة مرموقة من الشفاعة .
فقد روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال :
« ألا إن قم الكوفة الصغيرة ، ألا إن للجنة ثمانية أبواب ، ثلاثة منها إلى قم ، تقبض فيها امرأة من ولدي ، إسمها فاطمة ، بنت موسى ، وتدخل بشفاعتها شيعتي الجنة بأجمعهم » (3) .
وهذا مما يدل على مدى عظمة السيدة المعصومة ( عليها السلام ) ، وعلو شأنها عند الله تعالى .
____________
(1) المحاسن : ص 294 ح 190 .
(2) المصدر السابق : ص 293 ح 188 .
(3) بحار الأنوار : ج60 ص 216 ح41 .
******************
8 ـ المعصومة تحدثنا
( 102 )
( 103 )
إن التمسك بأهل البيت ( عليهم السلام ) تمسك بالثقل الثاني بعد الكتاب المجيد ، فقد قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً ، ألا وإنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » (1) .
والتمسك بهم أي التمسك بأحاديثهم الشريفة ، فهي المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم ، والمفسرة لمبهماته ، والمبينة لمجملاته .
ولا نكون متمسكين بهم ( عليهم السلام ) وبأحاديثهم إلا بأن نتخلق بأخلاقهم ، ونترجم أقوالهم إلى أفعال ، وإلى واقع ملموس في حياتنا اليومية .
فإذا كنا كذلك فالرسول ( صلى الله عليه وآله ) يضمن لنا عدم الضلالة أبداً حيث قال : « لن تضلوا أبداً » ، فكلمة « لن » تفيد النفي إلى الأبد .
____________
(1) حديث الثفلين نقلته العامة ، والخاصة حتى كاد أن يتجاوز حد التواتر ، وممن نقله ورواه : مسلم في صحيحه ، وأحمد في مسنده ، وابن حجر في صواعقه ، والقندوزي في ينابيع المودة ، والحافظ الطبري في ذخائر العقبى ، والترمذي وإبن ماجه والطبراني والثعلبي وغيرهم .
(104)
وهذا حفيده الإمام الصادق ( عليه السلام ) كفيل بنجاتنا يوم القيامة حيث إنه قال : « . . . وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض ، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم ، وإن تركتموها ضللتم وهلكتم ، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم » (1) .
ومن هنا ندرك مدى ما تحمله نقلة الحديث والرواة ، وما كابدوه من أعباء ثقال حتى تصل إلينا هذه الكنوز المذكورة عبر الأجياء والقرون .
وفي بيان فضل الرواة قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) :
« الرواية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد » (2) .
وإن القلوب لترين كما يرين السيف ، وجلاؤها الحديث (3) ، وخير الحديث أحاديث أهل بيت العصمة والطهارة ( عليهم السلام ) .
وهذه سيدتنا ومولاتنا فاطمة المعصومة ( عليها ا لسلام ) تحدثنا عن أمها سيدة نساء العالمين بأحاديث يجدر أن تكتب بأحرف من نور ، فهي خير من الدنيا وماف يها ، فعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال :
« حديث في حلال وحرام تأخذه من صادق خير من الدنيا وما فيها من ذهب أو فضة » (4) .
ومما حفظت لنا الكتب من أحاديث السيدة المعصومة ( عليها السلام ) ، حديثها : ـ
____________
(1) الكافي : ج2 ص 186 ح2 .
(2) الكافي : ج1 ص 33 ح9 .
(3) مضمون حديث نقله في الكافي : ج1 ص 41 ح8 ، والرين : أي الصدأ والدنس .
(4) بحار الأنوار : ج1 ص 214 ح13 .
( 105 )
(1) عن يوم الغدير
. . . (1) حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضا [ عليهم السلام ] .
حدثني فاطمة وزينب وأم كلثوم بنات موسى بن جعفر [ عليهم السلام ] ، فلن : حدثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمد الصادق [ عليهم السلام ] .
حدثني فاطمة بنت محمد بن علي [ عليهم السلام ] .
____________
(1) قال في أسنى المطالب : ص 49 . . . فالطف طريق وقع بهذا الحدث [ أي حديث الغدير] وأغربه ، ما حدثنا به شيخنا خاتمة الحفاظ أبو بكر محمد بن عبدالله بن المحب المقدسي مشافهةً ، [ قال : ] أخبرتنا الشيخة أم محمد زينب إبنة أحمد بن عبد الرحيم المقدسية ، عن أبي المظفر محمد بن فتيان بن المسيني ، أخبرنا أبو موسى محمد بن أبي بكر الحافظ ، أخبرنا إبن عمّة والدي القاضي أبو القاسم عبد الواحد ابنمحمد بن عبد الواحد المديني بقرائتي عليه ، أخبرنا ظفر بن داعي العلوي بإسترآابد ، أخبرنا والدي ، وأبو أحمد بن مطرف المطرفي ، قالا : حدثنا أبو سعيد الإدريسي إجازةً ـ فيما أخرجه في تاريخ إستراباد ـ حدثني محمد بن محمد بن الحسن أبو العباس الرشيدي ـ من ولد هارون الرشيد بسمرقند ، وما كتبناه إلا عنه ـ ، حدثنا أبو الحسن محمد بن جعفر الحلواني ، حدثنا علي بن محمد بن جعفر الأهوازي ، مولى الرشيد ، حدثنا بكر بن أحمد القصري ، حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضا [ عليه السلام ] . . . .
( 106 )
حدثتني فاطمة بنت علي بن الحسين [ عليهم السلام ] .
حدثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي [ عليهم السلام ] .
عن أم كلثوم بنت فاطمة بنت النبي ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم ) ورضي عنها ، قالت : « أنسيتم قول رسول الله ( صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ) يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه .
وقوله ( صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ) :
أنت مني بمنزلة هارون من موسى عليهما السلام » .
( 107 )
(ب) بشائر لشيعة عليّ ( عليه السلام )
وكذلك تحدثنا السيدة فاطمة المعصومة ( عليها السلام ) (1) ـ بنفس السند السابق ـ عن جدتها فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) أنّها قالت سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : لما اسري بي إلى السماء ، دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من درة بيضاء مجوفة ، وعليها باب مكلّل بالدر والياقوت ، وعلى الباب ستر ، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله ، علي ولي لقوم ، وإذا مكتوب على الستر : بخ بخ (2) من مثل شيعة علي ( عليه السلام ) ؟
فدخلته فإذا أنا بقصر من عقيق أحمر مجوف ، وعليه باب من
____________
(1) حدثنا محمد بن علي بن الحسين ، قال : حدثني أحمد بن زياد بن جعفر ، قال : حدثني أبو القاسم جعفر بن محمد العلوي العرضي ، قال : قال أبو عبدالله أحمد بن محمد بن خليل ، قال : أخبرني علي بن محمد بن جعفر الأهوازي ، قال : حدثني بكير بن أحنف ، قال : حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضا [ عليهم السلام ] ، قالت : حدثتني فاطمة وزينب وأم كلثوم بنات موسى بن جعفر [ عليهم السلام ] . . .
(2) بخ بخ : كلمة تقال عند الإعجاب بشيء .
( 108 )
فضّة مكلّل بالزبرجد الأخضر ، وإذا على الباب ستر ، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب : محمد رسول الله ، علي وصي المصطفى ، وإذا على الستر مكتوب : بشر شيعة علي بطيب المولد .
فدخلته فإذا بقصر من زمرد أخضر مجوف لم أر أحسن منه ، وعليه باب من ياقوته حمراء مكللة باللؤلؤ وعلى الباب ستر ، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الستر : شيعة علي هم الفائزون .
فقلت : حبيبي جبرئيل ! لمن هذا ؟
فقال : يا محمد ! لابن عمك ووصيك علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) . يحشر الناس كلّهم يوم القيامة حفاة عراة إلا شيعة علي ( عليه السلام ) ، ويدعى الناس بأسماء أمهاتهم إلا شيعة علي ( عليه السلام ) ، فإنهم يدعون بأسماء آبائهم .
فقلت : حبيبي جبرئيل ! وكيف ذاك ؟
قال : لأنّهم أحبوا عليا ( عليه السّلام ) فطاب مولدهم (1) .
____________
(1) كتاب المسلسلات : ص 250 [ ضمن مجموعة كتب أخرى ] .
(109)
(ج) الموت على حب
آل محمد ( صلى الله عليه وآله وسلّم )
عن فاطمة بنت موسى بن جعفر ( عليهما السّلام ) (1) .
عن فاطمة بنت الصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) .
عن فاطمة بنت الباقر محمد بن علي ( عليهما السلام ) .
عن فاطمة بنت السجّاد علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) .
عن فاطمة بنت أبي عبدالله الحسين ( عليه السلام ) .
عن زينب بنت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
عن فاطمة بنت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قالت :
____________
(1) عن فاطمة بنت الحسين الرضوي ، عن فاطمة بنت محمد الرضوي ، عن فاطمة بنت إبراهيم الرضوي ، عن فاطمة بنت الحسن الرضوي ، عن فاطمة بنت محمد الموسوي ، عن فاطمة بنت عبدالله العلوي ، عن فاطمة بنت الحسن الحسيني ، عن فاطمة بنت أبي هاشم الحسيني ، عن فاطمة بنت محمد بن أحمد بن موسى المبرقع ، عن فاطمة بنت أحمد بن موسى المبرقع ، عن فاطمة بنت موسى المبرقع ، عن فاطمة بنت الإمام أبي الحسن الرضا (عليه السلام ) ، عن فاطمة بنت موسى بن جعفر (عليهما السلام ) ، . . . .
( 110 )
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« ألا من مات على حب آل محمد مات شهيداً » (1) .
وروى الزمخشري في الكشاف هذا الحديث بسند آخر وتفصيل أكثر ، نذكره إتماماً للفائدة .
قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« من مات على حب آل محمد مات شهيداً » .
ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير .
ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها .
ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة .
ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة .
ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة [ مكتوبا ] بين عينيه آيس من رحمة الله .
ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافراً .
الا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنّة » (2) .
____________
(1) عوالم العلوم : ج21 ص 354 .
(2) الكشّاف : ج 4 ص 220 في تفسير آية « قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى » .
( 111 )
9 ـ معجزاتها وكراماتها
( 112 )
( 113 )
فرق بعض بين المعجزة والكرامة بأن المعجزة تختص بالانبياء ، والكرامة بالاولياء .
وفرق آخرون بينهما بأن المعجزة هي ما ظهرت على وجه التحدي ، والكرامة ما ليس فيها تحد .
والظاهر أنه لا فرق بينهما ، والشاهد على ذلك أنه ربما يأتي الولي بما يأتي به النبي من المعجزة ، كشفاء المرضى .
فلماذا تسمى إحداهما معجزة ، والأخرى كرامة ؟ !
وقد يأتي النبي بمعجزة ليس فيها تحدي ، ولم نقرأ أو نسمع أحداًَ سماها كرامة .
فيبدو أن كلمة ( كرامة ) ليست سوى إصطلاحاً مخترعاً (1) ، ولا تفترق عن المعجزة في معناها .
فما هي المعجزة ؟ ولماذا يؤتى بها ؟
المعجز في اللغة عبارة عمّا يعجز الغير ، كالمقدر فإنّه عبارة عمن يجعل الغير قادراً .
« وأما في العُرف : فهو الخارق للعادة ، الذي يظهر من جهة الله تعالى ، الدّال على صدق من ظهر عليه » (2) .
____________
(1) ولعلها من مخترعات الصوفية ، نحلوها أولياءهم ، ثم تسربت منهم إلى غيرهم .
(2) المنقذ من التقليد والمرشد إلى التوحيد : ص 384 .
( 114 )
1 ـ فهو خارق للعادة ، فلا يشمل الحيل والسحر وما أشبه من وسائل التلبيس والتمويه ، إذ هي ليست خرقا للعادة ، وإنما المعجز هو كل ما كان ممتنعاً عادة ممكناً ذاتاً ، كطلوع الشمس من المغرب ، والخلق من غير ذكر وأنثى ، إذ لم تجر العادة بطلوع الشمس من المغرب ، ولا بخلق ولد من غير ذكر وأنثى .
وقد يهب الله تعالى لأحد ما قدرة ليست موجودة عند عامة الناس فيتوهم أنّها خارقة للعادة ، كالتي ادعت النبوة (1) ، واتخذت من قدرة إبصارها القوية لتوهم الناس بنزول الوحي عليها ، فقد كانت حادة البصر بحيث ترى لمسافة ثلاثة أيام من الطريق ، فترى القافلة والأشخاص التي فيها ، تخبر الناس بمجيئهم بعد ثلاثة أيام ، وتخبرهم بما معهم من المتاع .
فهذا ليس إعجازاً وخرقا للعادة ، وإن كانت العادة أن الإنسان لا يرى إلى هذه المسافة ، ولكن يمكن ذلك إذا امتلك قدرة حادة على الإبصار ، كالقدرة التي كانت عند هذه المرأة .
ولزيادة إيهام الناس إتخذت من شبيب بن ربعي مؤذناً لها ، إذ كان يسمع نداؤه على بعد فرسخ .
وهذا العباس بن عبد المطلب كان يسمع نداؤه على بعد ثمانية أميال (2) ، ولذا كان النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في بعض المواطن ، يطلب من عمه العبّاس أن يعينه بصوته .
____________
(1) وهي سجاح التميمية ، مثل قولك حذام .
(2) عيون الأخبار ـ لابن قتيبة ـ : ج1 ص 186 .
( 115 )
وإلى غير ذلك من أمثال هذه القدرات مما يظن أنها من خوارق العادات .
بل إن الله تعالى قد أودع أمثال هذه القدرات في بعض الحيوانات .
هل رأيت النسور كيف تحلق في السماء فترى فريستها على أبعاد شاهقة قد تبلغ مئات الأقدام ؟ (1) .
أم هل رأيت النعام كيف يبتلع الجمر ولا يبالي ؟ (2) .
أم هل سمعت أو رأيت السمندل كيف يدخل النار فلا تحرقه ؟ (3) .
أليس كل ذلك وكثير من أمثاله مما يعد في بادىء الرأي أنّه خرق للنواميس ، مع أنّه واقع محسوس ، ومعاين مشهود ؟
2 ـ وهذا الخارق للعادة يجب أن يكون من جهة الله تعالى ، ( وما كان لرسول أن يأتي بآية (4) إلا بإذن الله ) (5) .
فقد يؤتى بأمر خارق للعادة ولكنّه ليس من قبل الله تعالى .
كخوارق العادات التي يأتي بها المرتاضون على أثر تقوية النفس بالرياضة والزهد في الدنيا ، والكف عن الملاذ من ا المآكل والمشارب والمناكح والملابس .
____________
(1) في سبيل موسوعة علمية : ص 178 .
(2) حياة الحيوان الكبرى : ج2 ص 363 .
(3) المعجم الزولوجي الحديث : ج3 ص 439 ، وحياة الحيوان الكبرى : ج1 ص 573 .
(4) بآية : أي بمعجزة .
(5) سورة غافر : الآية 78 .
( 116 )
وهؤلاء لاحظ لهم في الدين ولا ثواب ، إذ هكذا رياضات تخالف جوهر الدين ، وإنما الرياضة الروحية الوحيدة في الإسلام هي التقوى ، يعني عدم اتباع هوى النفس ، والعمل على طبق الأوامر الإلهية ، فبالتقوى تسعو وتقوى الروح ، وترتقي مدارج الكمال ، فتكون مورد العناية الربانية .
3 ـ وقد يكون الأمر خارقا للعادة ، ويكون من قبل الله تعالى ، ولكنه ليس على وجه يبين صدق دعوى المدعي ، بل يأتي تكذيباً لما ادعاه .
مثل ما روي أنه قيل لمسيلمة الكذاب (1) : إن محمداً [ صلّى الله عليه وآله وسلم ] تفل في بئر فكثر الله ماءه القليل ، فاتفل أنت في بئر قليل الماء ! !
فتفل فغار ما كان فيه من الماء .
وقيل له أيضاً : إن محمداً [ صلّى الله عليه وآله وسلم ] دعا لأعور فرد الله عينه الأخرى إليه ، فافعل أنت مثله ! !
فدعا لأعور فذهبت عينه الأخرى الصحيحة (2) .
فهذه وإن كانت خرقا للعادة ، ومن قبله تعالى ، ولكنّها نقيض ما التمسه مسيلمة المدعي للنبوة ، وذلك مبالغة في تكذيبه وتقريراً لنبوة نبيا ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) وتصديقاً له .
فالمعجز إنّما يدل على صدق دعوى تطابقه ، فإن ادعى مدع
____________
(1) الذي ادعى النبوة في زمان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
(2) المنقذ من التقليد والمرشد إلى التوحيد : ص 413 .
( 117 )
النبوة فالمعجز دال على نبوته ، وإن ادعى الإمامة فهو دال على إمامته ، وإن ادعى صلاحاً وعفة وفضلاً دلّ على صدقه في ذلك (1) .
فالمعجز يظهر على الأولياء كما يظهر على الأنبياء .
ذلكم القرآن الكريم شاهد صدق على ذلك ، فقد ذكر أمثلة متعددة لذلك ، كحمل السيدة مريم بلا دنس ، وكقصة أصحاب الكهف الذين لبثوا في كهفهم أكثر من ثلاثمائة سنة ، وإتيان آصف بن برخيا بعرش بلبقيس حيث قال لسليمان النبي ( عليه السلام ) ( أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك . . . ) (2) وما إلى ذلك من خوارق العادات التي صدرت من غير الأنبياء ، وجاء ذكرها في القرآن المجيد وسائر الكتب السماوية .
الخلاصة :
إن المعجزة « فعل ربوبي ، وآية إلهية ، وحجة قاطعة ، يعجز عنها البشر ، وتنحط دونها القوى والقدر وتنحسم بها بواعث الشك والإرتياب ، وعوابث الوسوسة والإضطراب » (3) .
وبعد أن عرفنا المعجزة وشرائطها ، وكيف نميز بينها وبين ما ليس بمعجز ، بعد هذا كله يأتي السؤال التالي :
لماذا أعطى الله تعالى المعجزة لأنبيائه وأوليائه ؟
هذا أبو بصير أحد أصحاب سيدنا ومولانا الإمام الصادق ( عليه
____________
(1) الذخيرة في علم الكلام : ص 322 .
(2) سورة النمل ، الآية (40) .
(3) الدين والإسلام : ج 2 ص 275 .
( 118 )
السلام ) يسأل من الإمام عن سبب إعطاء الله تعالى المعجزة لهم وللأنبياء .
قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) لأي علّة أعطى الله عز وجل أنبياءه ورسله ، وأعطاكم المعجزة ؟ (1) .
فقال : ليكون دليلاً على صدق من أتى به ؟
والمعجزة علامة الله لا يعطيها إلا أنبياءه ورسله وحججه ، ليعرف به صدق الصادق [ من كذب الكاذب ] » (2) .
فيؤيد الله سبحانه وتعالى أولياءه والصالحين من عباده بالمعجزة ، تصديقا لهم ، وإصحاراً بحقيقة أمرهم ، وحثا للملأ على اقتفاء آثارهم .
والتعجب من هذه الخوارق والمعاجز أو الإستنكار لها ، إنّما هو بسبب غرابتها عن المشاهدة والمألوف .
ولكن لا تلبث أن تنفشع سحابة الغرابة إذا عرفنا أن هؤلاء بالطاعة اكتسبوا رضى الخالق عز وجل ، فخلق الأشياء لأجلهم ، وتحت تصرفهم ، فوهبهم الدنيا والآخرة .
ففي الحديث القدسي : « عبدي ! خلقت الأشياء لأجلك ،
____________
(1) ملاحظة حول تسمية الخوارق بالمعجزة أو الكرامة : جاء في كلام : جاء في كلام أبي بصير : « وأعطاكم المعجزة » ، فيشمل لفظ المعجزة الأنبياء والأئمة ( عليهم السلام ) ، ولم يرده الإمام بأن المعجزة تختص بالأنبياء فقط ، والكرامة لغيرهم . فتقرير الإمام دليل آخر على أن المعجزة لا تختص بالأنبياء .
(2) علل الشرائع : ج1 ص 122 ح1 .
( 119 )
وخلقتك لاجلي . وهبتك الدنيا بالإحسان ، والآخر بالإيمان » (1) .
كما و « إن لله عباداً أطاعوه فيما أراد ، فأطاعهم فيما أرادوا ، يقولون للشيء كن فيكون » (1) .
وفي حديث قدسي ثالث :
« يابن آدم ! . . .
أنا أقول للشيء كن فيكون . أطعني فيما أمرتك ، أجعلك تقول للشيء كن فيكون » (3) .
وفي حديث قدسي آخر :
« عبدي ! أطعني أجعلك مثلي . . . أنا مهما أشاء يكون ، أجعلك مهما تشاء يكون » (4) .
فمفتاح ظهور هذه المعاجز على العباد هو الطاعة التامة لله وحده وحينئذ لا يبقى مجال لأي تعجب أو إستغراب .
ومن تلك المعاجز مانراه عند مشاهد أهل بيت العصمة والطهارة ، وقباب وأضرحة أولادهم وذراريهم ( عليهم السلام ) .
ومن سيدات ذلك البيت الطاهر ، والمنبع الزاكي ، سيدتنا ومولاتنا فاطمة المعصومة ( عليها السلام ) ، حيث نجد حرمها الشريف مزدلف أرباب الحوائج ، ومأوى كل مهموم ومغموم ، وحمى كل مستجير ومضطهد .
____________
(1) الجواهر السنيّة في الأحاديث القدسية : ص 361 .
(2) المصدر السابق : ص 361 .
(3) المصدر السابق : ص 363 .
(4) المصدر نفسه : ص 361 .
( 120 )
فلا ينكفىء المحتاج إلا ثلج الفؤاد ، ولا يرجع القاصد إلا قرير العين ، ولا يلبث المريض إلا وقد شفي .
والآيات والمعجزات التي ظهرت عند مرقدها المبارك ـ على مدى الأيام والأزمان ـ كثيرة لا تعد ولا تحصى ، وفيما يلي نذكر بعضاً منها ،على سبيل التيمن والتبرك (1) : ـ
____________
(1) وللمزيد راجع كتاب « كريمة أهل البيت » ـ فارسي ـ ، فقد ذكر فيها مائة من معاجزها وكراماتها ( عليها السلام ) .
( 121 )
(1)
الناس يجتمعون عند ضريح السيٌدة المعصومة ( عليها السلام ) ، ويلتفون حول امرأة قد التصقت يداها بالضريح ، ولا تستطيع فكاكهما .
إنّها امرأة فاجرة كانت تُمسك بأطراف الضريح وتغرر بشابةٍ لتسوقها إلى الحرام .
فهي تهتك حرمة المكان الشريف ، فكان أن عاقبتها السيدة المعصومة ( عليها السلام ) بإلصاق يديها بشباك الضريح .
ولحل المشكلة لجأوا إلى أحد مراجع ذلك العصر (1) .
فأمرهم بوضع شيء من تربة الإمام الحسين ( عليه السلام ) في الماء ، ثم يصب على يدي تلك المرأة .
فصنعوا ما أمرهم به . وما أن صبوا ذلك الماء الممزوج بتربة سيد الشهداء على يديها إلا وإنفكتا عن الضريح .
ولكنّ هذه الفاجرة على أثر تلك الحادثة كانت قد فقدت عقلها ، ولهذا كانت تجوب الشوارع والأسواق والأزقّة هائمة على وجهها ، فكانت بذلك عبرةً لمن يعتبر .
إلى أن جاء يوم دهستها فيه سيارة ، فختمت حياتها السوداء بذلك (2) .
____________
(1) المرحوم آية الله السيد محمد الحجٌة المتوفى في عام 1372 هـ .
(2) كريمة أهل البيت ، المعجزة رقم (70) ص 288 ، بتصرف في العبارة فقط .
( 122 )
(2)
السيد محمد الرضوي الذي كان أحد خدّام الحرم الشريف يقول : كنت ذات ليلة نائماً ، فرأيت في عالم الرؤيا السيدة المعصومة ( عليها السلام ) تأمرني قائلة :
قم ، وأنر منارات الحرم ! !
وكان قد بقي لأذان الصبح أربع ساعات ، مما جعلني أغط في نومي مرّة اُخرى .
وإذا بالسيدة المعصومة ( عليها السلام ) تأتيني للمرة الثانية ، وتأمرني بنفس الأمر ، فأرجع فأنام .
ولكنها في المرة الثالثة صاحت بي مغضبة :
ألم أمرك بإنارة المنارات ! !
فنهضت مسرعاً وأسرجت الضياء منفذاً أمرها .
وكانت تلك الليلة ليلة شديدة البرودة ، وقد غمرت الثلوج الأبنية والأزقة والطرق ، فألبستها ثوباً أبيض .
ولكن اليوم التالي كان مشمساً .
وحينما كنت واقفاً عند باب الحرم الشريف ، سمعت مجموعة من الزوار يتحدثون ويقول أحدهم للآخر :
( 123 )
كيف نشكر السيدة المعصومة على حسن صنيعها معنا ليلة البارحة ؟
إنه لو تأخرت إضاءة المنائر لدقائق لكنا من الهالكين .
فتبين أنهم قد ضيعوا الطريق لانغمارها بالثلوج التي أخفت كل أثر لها ، فلم يشخصوا اتجاه البلدة ، فتاهوا .
وعندما أضيئت المنارات بأمر السيدة المعصومة ( عليها السلام ) عرفوا الطريق إلى البلدة ، ونجوا من هلاك محقق ، تحت وطأة الثلوج والبرد الشديد (1) .
____________
(1) كريمة أهل البيت ، المعجزة رقم (53) ص 273 .
( 124 )
(3)
بعد انحلال النظام الشيوعي في دويلات « الاتحاد السوفيتي » وانفتاح هذه الدويلات على العالم الإسلامي ، تتجه هيئة من الحوزة العلمية في « قم » إلى « أذربيجان لإنتخاب مجموعة من الأفراد المؤهلين لتحمل مسؤولية التبليغ في بلدهم ، وأخذهم إلى « قم » لدراسة العلوم الدينية .
وكان شاب من « أذربيجان » إسمه « حمزة » يرغب في دراسة العلوم الدينية إلا أن الهيئة رفضت قبوله لعيب في إحدى عينيه ، فلم تتوفر فيه إحدى شرائط القبول ، فالطالب ـ في نظر تلك الهيئة ـ يلزم أن يكون سالماً من العيوب الخلقية حتى لا يعاب وينتقص .
فيبكي « حمزة » لحرمانه من ذلك الهدف الذي كان يسعى إليه .
فيبادر أبوه ويصر على المسئولين في تلك الهيئة ليقبلوه حتى لا ينعكس ذلك على نفسيّة إبنه وحياته المستقبليّة .
ومراعاة لعواطف الأب ، ونفسية الإبن توافق الهيئة على قبول « حمزة » في ضمن أكثر من مائة شاب اُرسلوا إلى « إيران » .
وفي « طهران » يتم استقبال الشباب الأذربيجاني استقبالاً حافلاً اشتركت فيه الإذاعة والتلفيزيون ، حيث أخذت لهم الصور والأفلام .
( 125 )
وكان أحد مصوري الأفلام يسلط عدسة التصوير على عين « حمزة » المعيوبة مكرراً .
وأهديت نسخة من هذا الفيلم إلى المدرسة التي استقبلت هؤلاء الشباب في « قم » المقدسة .
وذات يوم ، وفي صالون المدرسة ، يعرض ذلك الفيلم عليهم ، كنوع من الترفيه وتغيير الأجواء .
وفي كل مرّة كانت تظهر عين « حمزة » المعيوبة ، كانت تتصاعد صيحات الضحك من رفاقه .
إظلمت الدنيا في عيني « حمزة » . . وضاقت عليه الحياة . .
فقرر الرجوع إلى بلده حتى لا يكون مورد استهزاء وتحقير رفاقه .
ولذلك توجه إلى الحرم الشريف حتى يودع السيدة المعصومة ( عليها السلام ) ويبثها ألمه وأحزانه .
وبقلب منكسر ، وعين تدمع بغزارة ، يتوجه إلى السيدة ( عليها السلام ) قائلاً : يا بنت باب الحوائج !
قد جئتك من على بعد مئات الأميال حتى أدرس تحت ظلك ورعايتك ، فأكون مبلغاً . . .
ولكنني لا استطيع تحمل كل هذا التحقير والإستهزاء . .
ولذا قررت الرجوع إلى بلدي ، فاحرم مجاورة حرمك الشريف .
وبعد أن بث « حمزة » أحزانه وآلامه لكريمة أهل البيت ( عليها السلام ) ، خرج من أحد أبواب الحرم الشريف ، وإذا به يلتقي بأحد رفاقه ، فيسلّم عليه ، فيرد رفيقه عليه السلام دون أن يعرفه .
فيناديه : « حمزة » باسمه .
( 126 )
فيلتفت إليه رفيقه قائلاً ـ وقد أمعن النظر إليه ـ :
ـ هذا أنت يا « حمزة » !
ـ نعم ، أنا « حمزة » ، ولكن لماذا تنظر إلي هكذا ، وكأنك لا تعرفني ؟
« حمزة » ! ماذا حدث لعينك ؟ كيف أصبحت سالمة ؟
عندها يتوجه « حمزة » إلى أن عينه المعيوبة قد شفيت ببركة السيدة المعصومة ( عليها السلام ) .
فلا تحقير ولا استهزاء بعد اليوم .
فكان من أسعد الطلاب لأنه وقع مورد عناية هذه السيدة الجليلة ، وصار مظهراً من مظاهر معجزات أهل بيت العصمة والطهارة في « أذربيجان » (1) .
____________
(1) كريمة أهل البيت ، المعجزة رقم (4) ص 213 .
( 127 )
10 ـ الشعراء في رحاب
السيدة المعصومة ( عليها السلام )
( 128 )
( 129 )
في مدح السيدة الجليلة
فاطمة المعصومة ( عليها السّلام ) (1)
هلل الشعر فـي المـديـح وكبـر* مـلأ الكـون بـالثنـاء المعطـر
طفحت موجـة الشعـور انـطلاقاً* مـن صميم الولاء أصلاً ومـصدر
فبـذكـر الإلـه يشـدو لسـانـي* كــل آن أقــول الله أكبـــر
وبطــه وفــاطــم وعلــي* وبـآل النبـي مـازلـت أفخــر
ولهم فـي الحيـاة أخلصت حبـي* وبنــور الــولاء قلبـي تنـور
ما تصورت فـي الوجود سـواهم* عظمــاء فلــم ولـن أتصـور
فازدهت كل بقعة من بقاع الأرض* فيهــم ومجـدهـم لـيس ينكـر
طيبـة طــاب اسمهـا وثـراها* وبمثـوى محمـد هـي تـزهـر
وقبــور البقيــع تنفـح طيبـاً* إنهـا أطـيب البقــاع وأطهـر
____________
(1) للشاعر الخطيب الشيخ محمد باقر الإيرواني .
( 130 )
فبقبر الزهراء والحسن السبط* وزيـن العبـاد خيـر موفـر
وكـذا باقـر العلـوم يليـه* صادق القول والصدوق المقدر
ثـم أم البنين بـنت حـزام* إسمها خالـد ليـوم المحشـر
واست الطُّهـرَ فاطـم ببنيها* والوفا شأنها وأحـرى وأجدر
فلديـن الإسلام دون حـسين* قـد تفانوا وقاتلوا شر عسكر
جاهدوا كالأسود حتـى أبيدوا* وفـدوا دينهـم بقطع المنحر
ذكرهم مفخر إلـى كـل جيل* ومثال الفخار فـي كل محضر
فـسلام وألف ألـف سـلام* لـك يـا بـقعة البقيع وأكثر
ـــــــــــــــ والغري أزدهـى بمثوى علي* قامع الشـرك قالع باب خيبر
نـجف أشرف إذا قيـل حقا* إنـه أشـرف البلاد وأشهـر
يتبـاهـى بــآدم وبنـوح* وبهود وصـالح بعـد حيـدر
هو حامي الجـوار حيّاً ومَيْتاً* وغدا في المعاد ساقي الكـوثر
ـــــــــــــــ قدست كربلا بمثـوى حسين* والشهيدين أكبـر ثـم أصغر
كربلا زادهـا الحسين فخاراً* باخيه العبـاس شبل الغضنفر
( 131 )
حـبيب نجـل المظاهـر أضحـى* للتفـادي وللـوفـا خيـر مظهـر
وقبـور الأنصـار ضمت ثـراهـا* شهداء ثـاروا علـى الظلـم والشر
ـــــــــــــــ وبقبـريـن للجـواديـن طـابـت* أرض بغـداد طيـب مسك وعنبر
ـــــــــــــــ وازدهت سر مـن رأى وتسـامت* واعتـزازا بـالعسكـرييـن تفخر
ـــــــــــــــ وبمثوى المولى الرضا أرض طوس* قـد تعالت مجدا على البحـر والبر
ـــــــــــــــ ولتبــاهـي بفـاطـم أرض قـم* ولهــا الفخـر والثنـاء المكـرر
أصبحـت جنـة الحيـاة وتـدعى* عش آل الـرسول فـي الدهر تذكر
حـوزة العلم فـي حماهـا تجلـت* وبالأسـاطيـن والمراجـع تزخـر
قبـرهـا صـار مـوئـلا ومـلاذا* وبهـا كــل معســر يتيســر
والكـرامــات لا تعـد وتـحصى* وبهـا صفـو كـل عيـش مكـدر
كأبيهـا بـاب الحـوائـج تقضـى* عندهـا كـل حـاجـة تــتعسر
عمهــا المجتبـى إمـام كـريـم* وعطـايـاهـا لا تحـد وتحصـر
وهـي تـدعـى كـريـمة دون شكٍّ* وعلـى فضلهـا الكـريمـةُ تُشكَرْ
واسمهـا شـاع فـي الأنـامِ بـفخر* ولهــا ينظــم المديـح ويـنثر
( 132 )
شــأنهـا قـد سمـى جـلالا* وقدراً واجتباها الاله من عالم الذر
وحباهـا حلما وقلبـا صبـورا* وجميـل العقبـى لمن قد تصبر
شأنهـا شـان فاطـم بنت طـه* فهي كالنور واضـح ليس ينكـر
فبـذي قعــدة بــأول يـوم* ولــدت والبشير صـاح وبشر
هي أخت الرضا علي بن موسى* وأبـوها الإمام مـوسى بن جعفر
***
( 133 )
ما رأت والد الجواد أخاها
لـهف نفسي لبنت « موسى » سقاها* الـدهـر كأسـا فـزاد منـه بـلاها
فــارقت والـداً شفيقـا عطـوفـاً* حـاربـت عينهـا عليـه كـراهـا
اودعتــه قعـر السجـون اُنـاس* أنكـرت ربهـا الـذي قـد براهـا
وإلى أن قضـى سميمـا فـراحـت* تـثكل النـاس فـي شديـد بكـاها
وأتــى بعــده فـراق أخــيها* حين في « مـرو » أسكنته عـداها
كـل يـوم يمـر ، كــان عـليها* مثل عـام فـأسرعت فـي سـراها
أقـبلت تقطـع الطـريق اشتيـاقـا* لأخيهـا الرضـا وحـامي حمـاهـا
ثـم لمـا بهـا الظعينـة وافــت* أرض قــم وذاك كــان منـاهـا
قام « موسى » (1) لها بحسن صنيع* إذ ولاء الـرضـا أخيهــا ولاهـا
نـزلت بيتـه فقـام بمـا اسطـاع* مـن خـدمـة لهــا أســداهــا
____________
(1) موسى بن خزرج الأشعري هو كبير قومه في قم حينذاك .
( 134 )
ما مضت غير برهة من زمان* فاعتراها من الأسى ما اعتراها
والـى جنبه سقام اذاب الجسم* منهــا وثقلــه أظنــاهـا
فـقضت نحبهـا غريبـة دار* بعدمـا قـطع الفـراق حشاها
اطبقت جفنها إلى الموت لكن* ما رأت والد الجواد أخاها (1)
***
____________
(1) القصيدة للخطيب الشيخ محمد سعيد المنصوري ـ ديوان ميراث المنبر .
******************
زيارة السيدة المعصومة ( عليها السلام )
في بعض كتب الزيارات : حدّث علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن سعد ، عن علي بن موسى الرضا ( عليهما السلام ) قال : قال : يا سعد ! عندكم لنا قبر ؟ قلت له : جعلت فداك ، قبر فاطمة بنت موسى ( عليهما السلام ) .
قال : نعم ، من زارها عارفاً بحقّها فله الجنّة . فإذا أتيت القبر فقم عند رأسها مستقبل القبلة ، وكبر أربعاً وثلاثين تسبيحة ، وسبّح ثلاثا وثلاثين تسبيحة ، واحمد الله ثلاثاً وثلاثين تسبيحة ، وسبّح ثلاثاً وثلاثين تسبيحة ، واحمد الله ثلاثاً وثلاثين تحميدة ، ثم قل :
السلام على آدم صفوة الله ، السلام على نوح نبي الله ، السلام على إبراهيم خليل الله ، السلام على موسى كليم الله ، السلام على عيسى روح الله .
السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا خير خلق الله ، السلام عليك يا صفي الله ، السلام عليك يا محمد بن عبدالله خاتم النبيين .
السلام عليك يا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصي رسول الله
( 136 )
السلام عليك يا فاطمة سيدة نساء العالمين .
السلام عليكما يا سبطي نبي الرحمة وسيدي شباب أهل الجنة .
السلام عليك يا علي بن الحسين سيد العابدين وقرة عين الناظرين .
السلام عليك يا محمد بن علي باقر العلم بعد النبي .
السلام عليك يا جعفر بن محمد الصادق البار الأمين .
السلام عليك يا موسى بن جعفر الطاهر الطهر .
السلام عليك يا علي بن موسى الرضا المرتضى .
السلام عليك يا محمد بن علي التقي .
السلام عليك يا علي بن محمد النقي الناصح الأمين .
السلام عليك يا حسن بن علي .
السلام على الوصي من بعده ، اللهم صل على نورك وسراجك وولي وليك ووصي وصيك وحجتك على خلقك .
السلام عليك يا بنت رسول الله ، السلام عليك با بنت فاطمة وخديجة ، السلام عليك با بنت أمير المؤمنين ، السلام عليك يا بنت الحسن والحسين ، السلام عليك با بنت ولي الله ، السلام عليك يا أخت ولي الله ، السلام عليك يا عمة ولي الله ، السلام عليك يا بنت موسى بن جعفر ورحمة الله وبركاته
( 137 )
السلام عليك ، عرف الله بيننا وبينكم في الجنة وحشرنا في زمرتكم وأوردنا حوض نبيكم وسقانا بكأس جدكم من يد علي بن أبي طالب صلوات الله عليكم .
اسئل الله أن يرينا فيكم السرور والفرج وأن يجمعنا وإياكم في زمرة جدكم محمد صلى الله عليه وآله وأن لا يسلبنا معرفتكم إنه ولي قدير .
أتقرب إلى الله بحبكم والبرائة من أعدائكم والتسليم إلى الله ، راضيا به غير منكر ولا مستكبر ، وعلى يقين ما أتى به محمد وبه راض ، نطلب بذلك وجهك ، يا سيدي اللهم ورضاك والدار الآخرة .
يا فاطمة ، اشفعي لي في الجنة ، فإن لك عند الله شأنا من الشأن .
اللهم إني أسئلك أن تختم لي بالسعادة ، فلا تسلب مني ما أنا فيه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
اللهم استجب لنا وتقبله بكرمك وعزتك وبرحمتك وعافيتك .
وصلى الله على محمد وآله اجمعين وسلم تسليما يا أرحم الراحمين (1) .
____________
(1) بحار الأنوار : ج102 ص 265 ح4 .
( 138 )
( 139 )
ثبت ببعض المصادر والمراجع
ـ القرآن الكريم
***
1 ـ إثبات الوصيّة
المسعودي : أبو الحسن علي بن الحسين ( ت (1) 346 هـ ) .
المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف .
2 ـ الأخبار الطوال
الدينوري : أبو حنيفة أحمد بن داود ( ت 282 هـ ) .
دار إحياء الكتب العربية ـ الطبعة الأولى ـ القاهرة 1960 م .
3 ـ إختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي )
الطوسي : أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي ( شيخ الطائفة ت 460 هـ ) .
تعليق حسن المصطفوي ـ مركز تحقيقات ومطالعات جامعة مشهد .
____________
(1) ت : إختصار لكلمة ( توفي ) .
( 140 )
4 ـ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد
المفيد : أبو عبدالله محمد بن محمد بن النعمان ( ت 413 هـ )
تحقيق مؤسسة آل البيت ( عليهم السلام ) لإحياء التراث ـ قم ـ الطبعة الاولى 1413 هـ .
5 ـ أسنى المطالب في مناقب سيدنا علي بن أبي طالب
الجزري الشافعي : أبو الخير شمس الدين محمد بن محمد ( ت 833 هـ )
تقديم وتحقيق وتعليق محمد هادي الأميني ـ مكتبة الإمام أمير المؤمنين العامة ـ إصفهان .
6 ـ أعيان الشيعة
الأمين : محسن .
دار التعارف ـ بيروت 1406 هـ .
7 ـ أمالي الصدوق
الصدوق : أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ( ت 381 هـ )
مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ـ 1400 هـ .
8 ـ الإمامة والسياسة
ابن قتيبة : أبو محمد عبدالله بن مسلم ( ت 276 هـ )
تحقيق علي شيري ـ بيروت .
( 141 )
9 ـ بحار الأنوار
المجلسي : محمد باقر ( ت 1111 هـ ) .
طبعة بيروت .
10 ـ تاريخ الأمم والملوك
الطبري : أبو جعفر محمد بن جرير ( ت 310 هـ ) .
دار الكتب العلمية ـ بيروت 1408 هـ ـ 1988 م .
11 ـ تاريخ قم
القمي : حسن بن محمد بن حسن ( من علماء القرن الرابع ) .
ترجمة : حسن بن علي بن حسن بن عبدالملك القمي في سنة 806 هـ .
12 ـ تاريخ اليعقوبي
اليعقوبي : أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح .
دار صادر ـ بيروت .
13 ـ تحفة العالم في شرح خطبة المعالم (1)
آل بحر العلوم : جعفر بن محمد بن محمد باقر بن علي بن رضا بن محمد مهدي مكتبة الصادق ـ طهران ـ الطبعة الثانية 1401 هـ .
____________
(1) أي كتاب معالم الدين للشيخ حسن بن الشهيد الثاني .
( 142 )
14 ـ تذكرة الخواص
سبط بن الجوزي : يوسف بن فرغلي بن عبد الله البغدادي ( ت 654 هـ ) .
مكتبة نينوى الحديثة ـ طهران .
15 ـ الجواهر السنيّة في الأحاديث القدسيّة
الحر العاملي : محمد بن الحسن بن علي بن الحسين ( ت 1104 هـ ) .
إنتشارات طوس ـ مشهد .
16 ـ حياة الإمام الرضا ( عليه السلام )
القرشي : باقر شريف .
إنتشارات سعيد بن جبير ـ قم ـ الطبعة الأولى 1372 هـ ش .
17 ـ حياة الحيوان الكبرى
الدَّميري : كمال الدين محمد بن موسى ( ت 808 هـ ) .
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي ـ مصر .
18 ـ الحياة السياسية للإمام الرضا ( عليه السلام )
العاملي : جعفر مرتضى .
دار الأضواء ـ بيروت 1406 ـ 1986 م .
( 143 )
19 ـ دائرة المعارف الإسلامية الشيعيّة
20 ـ دلائل الإمامة
الطبري : أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم ( من أعلام القرن الخامس الهجري ) .
تحقيق قسم الدراسات الإسلامية ـ مؤسسة البعثة ـ قم ـ الطبعة الأولى 1413 هـ .
21 ـ الدين والإسلام
كاشف الغطاء : محمد الحسين .
دار المعرفة للطباعة والنشر ـ بيروت .
22 ـ ديوان ميراث المنبر
المنصوري : محمد سعيد .
منشورات الشريف الرضي ـ قم 1414 هـ .
23 ـ الذخيرة في علم الكلام
المرتضى : علي بن الحسين ( ت 436 هـ ) .
منشورات الشريف الرضي ـ قم 1414 هـ .
( 144 )
24 ـ روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان
العاملي : زين الدين الجبعي ( الشهيد الثاني ت 965 هـ ) .
مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـ قم .
25 ـ زندگانى حضرة معصومة ( عليها السلام )
المنصوري : مهدي .
26 ـ سفينة البحار
القمي : عباس .
دار الأسوة ـ إيران 1414 هـ .
27 ـ شبهاى بيشاور در دفاع از حريم تشيع
الشيرازي : سلطان الواعظين .
دار الكتب الإسلامية الطبعة 35 .
28 ـ شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار
المغربي التميمي : القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد ( ت 363 هـ ) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرَّفة 1412 هـ .
( 145 )
29 ـ علل الشرائع
الصدوق : أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ( ت 381 هـ) .
مؤسسة الأعلمي ـ بيروت 1408 هـ .
30 ـ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب
إبن عنبة : جمال الدين أحمد بن علي الحسيني ( ت 828 هـ ) .
دار مكتبة الحياة ـ بيروت .
31 ـ عوالم العلوم
البحراني : عبدالله بن نور الله .
تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف .
32 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام )
الصدوق : أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ( ت 381 هـ ) .
عنى بتصحيحه السيد مهدي اللاجوردي ـ قم .
33 ـ عيون الأخبار
الباهلي : إبن قتيبة أبو محمد عبدالله بن مسلم ( ت 276 هـ ) مطبعة دار الكتب المصرية 1343 هـ ـ 1925 م .
( 146 )
34 ـ فرق الشيعة
النوبختي : الحسن بن موسى ( من أعلام القرن الثالث الهجري ) .
دار الأضواء ـ بيروت ـ الطبعة الثانية 1404 هـ ـ 1984 م .
35 ـ في سبيل موسوعة علمية
أحمد زكي .
دار الشروق ـ بيروت 1397 هـ ـ 1977 م .
36 ـ القاموس المحيط
الفيروزآبادي : مجد الدين محمد بن يعقوب ( ت 817 هـ ) .
دار إحياء التراث ـ بيروت .
37 ـ قرب الإسناد
الحميري : أبو العباس عبدالله بن جعفر ( من أعلام القرن الثالث الهجري ) .
تحقيق مؤسسة آل البيت ( عليهم السلام ) لإحياء التراث ـ قم 1413 هـ .
38 ـ الكافي
الكليني : أبو جعفر محمد بن يعقوب ( ت 329 هـ ) .
دار الكتب الإسلامية ـ طهران ـ الطبعة الثالثة 1388 هـ .
( 147 )
39 ـ كامل الزيارات
إبن قولويه : أبو القاسم جعفر بن محمد ( ت 367 هـ ) .
صححه وعلق عليه العلامة الشيخ عبد الحسين الأميني ـ المطبعة المرتضوية ـ النجف الأشرف 1356 هـ .
40 ـ الكامل في التاريخ
إبن الأثير : عز ا لدين أبو الحسن علي بن أبي الكرم الشيباني .
تحقيق علي شيري ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت 1408 هـ ـ 1989 م .
41 ـ كريمة أهل البيت
علي أكبر مهدي بور .
مؤسسة نشر ومطبوعات حاذق ـ قم 1415 هـ .
42 ـ الكشاف
الزمخشري : جاد الله محمود ( ت 528 هـ ) .
دار الكتاب العربي ـ بيروت .
43 ـ لسان العرب
ابن منظور : ابو الفضل جمال الدين محمد بن مكتوم ( ت 711 هـ ) .
( 148 )
44 ـ المحاسن
البرقي : أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد ( ت 274 هـ أو 280 هـ ) .
تحقيق السيد مهدي الرجاء ـ المجمع العالمي لأهل البيت ( عليهم السلام ) ـ قم 1413 هـ ) .
45 ـ مروج الذهب
المسعودي : أبو الحسن علي بن الحسين بن علي ( ت 346 هـ ) .
تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ـ الطبعة الرابعة 1384 هـ ـ 1964 م ـ طبعة مصر .
46 ـ مستدرك سفينة البحار
الشاهرودي : علي نمازي .
مؤسسة البعثة ـ طهران 1406 هـ .
47 ـ مستدرك الوسائل
النوري : حسين .
تحقيق مؤسسة آل البيت ( عليهم السلام ) لإحياء التراث ـ قم .
48 ـ المسلسلات ( في ضمن مجموعة كتب اُخرى )
القمي : أبو محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي ( من علماء القرن الرابع الهجري ) .
مجمع البحوث الإسلامية ـ مشهد ـ الطبعة الأولى 1413 هـ .
( 149 )
49 ـ مصباح المتهجد
الطوسي : أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن ( ت 460 هـ )
مؤسسة فقه الشيعة ـ بيروت ـ الطبعة الأولى 1411 هـ .
50 ـ معجم البلدان
الحمودي : شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله .
دار إحياء التراث ـ بيروت ـ 1399 هـ .
51 ـ المعجم الزولوجي الحديث
الملكي : محمد كاظم .
مطبعة النعمان ـ النجف الأشرف ـ الطبعة الأولى ( 1376 هـ 1958 م) .
52 ـ مقاتل الطالبيين
الإصفهاني : أبو الفرج علي بن الحسين .
المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف ـ ( 1385 هـ ـ 1965 م) .
53 ـ المنقذ من التقليد والمرشد إلى التوحيد
الرازي : سديد الدين محمود الحمصي ( توفي في أوائل القرن السابع الهجري ) .
تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة .
( 150 )
54 ـ من لا يحضره الفقيه
الصدوق : أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ( ت 381 هـ ) .
دار الكتب الاسلامية ـ طهران .
55 ـ ناسخ التواريخ
عباس قليخان سبهر ( ت 1297 هـ ) .
المكتبة الإسلامية ـ طهران ـ 1353 شمسي .
56 ـ وسائل الشيعة
الحر العاملي : محمد بن الحسن ( ت 1104 هـ ) .
تحقيق مؤسسة آل البيت ( عليهم السلام ) لإحياء التراث ـ قم .