اقول:
حمد الله تعالى باعتبار احاطه علمه بالسماوات و الارضين، و استلزم ذلك تنزيهه تعالى عن وصف المخلوقين. اذ كانوا فى ادراكهم لبعض الاجرام السماويه و الارضيه محجوبين عما ورائها، و علمه تعالى هو المحيط بالكل الذى لايحجبه السواتر و لاتخفى عليه السرائر.
اقول:
هذا الفصل من خطبه يذكر فيها عليه السلام ما جرى له يوم الشورى بعد مقتل عمر، و الذى قال له هذا القول هو سعد بن ابى وقاص مع روايته فيه:
انت منى بمنزله هرون من موسى. و هو محل التعجب. فاجابه بقوله:
بل انتم و الله احرص و ابعد:
اى احرص على هذا الامر و ابعد من استحقاقه. و هو فى صوره احتجاج بقياس ضمير من الشكل الاول مسكت للقائل صغراه ما ذكر، و تقدير كبراء:
و كل من كان احرص على هذا الامر و ابعد منه فليس له ان يعير الاقرب اليه بالحرص عليه. و قوله:
و انا اخص و اقرب. صغرى قياس ضمير احتج به على اولويته بطلب هذا الامر، و تقدير كبراه:
و كل من كان اخص و اقرب الى هذا الامر فهو اول بطلبه، و روى ان هذا الكلام قال يوم السقيفه، و ان الذى قال له:
انك على هذا الامر لحريص. هو ابى عبيده بن الجراح، و الروايه الاولى اظهر و اشهر. و روى عوض بهت هب:
اى انبته كانه كان غافلا ذاهلا عن الحجه فاستيقظ من غفلته. ثم اخذ فى استعانه الله تعالى على قريش و من اعانهم عليه، و شكا امورا:
منها قطع رحمه فانهم لم يراعو قربه من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، و منها تصغير عظيم منزلته بعدم التفاتهم الى ما ورد من النصوص النبويه فى ح قه، و منها اتفاقهم على منازعته امر الخلافه الذى يرى انه احق به منهم. و قوله:
ثم قالوا:
الى آخره. اى انهم لم يقتصروا على اخذ حقى ساكتين عن دعوى كونه حقا لهم و لكنهم اخذوه مع دعواهم ان الحق لهم، و انه يجب على ان اترك المنازعه فيه. فليتهم اخذوه معترفين انه حق لى فكانت المصيبه اهون، و روى ناخذه و نتركه بالنون فى الكلمتين، و عليه نسخه الرضى- رضوان الله عليه- و المراد انا نتصرف فيه كما نشاء بالاخذ و الترك دونك، و هذه شكايه ظاهره لا تاويل فيها.
اقول:
جره:
جناه. و مقصود الفصل اظهار عذره فى قتال اصحاب الجمل. و ذكر لهم ثلاث كبائر من الذنوب تستلزم اباحه قتالهم و قتلهم:
الاولى:
خروجهم بحرمه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و حبيسه يجرونها كما تجر الامه عند شرائها مع حبسهما لنسائهما و محافظتهما عليهن، و ضمير التثنيه فى حبسا لطلحه و الزبير، و وجه الشبه انتهاك الحرمه و نقصانها فى اخراجها، و فى ذلك جراه على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. و روى عكرمه عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال يوما لنسائه و هن عنده جميعا:
ليت شعرى ايتكن صاحبه الجمل الارب تنبحها كلاب الحووب يقتل عن يمينها و شمالها قتلى كثير كلهم فى النار و تنجو بعد ما كادت، و روى حبيب بن عمير قال:
لما خرجت عايشه و طلحه و الزبير من مكه الى البصره طرقت ماء الحووب- و هو ماء لبنى عامر بن صعصعه- فنبحتهم الكلاب فنفرت صعاب ابلهم. فقال قائل منهم:
لعن الله الحووب فما اكثر كلابها. فلما سمعت عايشه ذكر الحووب قالت:
اهذا ماء الحووب؟ قال:
نعم. قالت:
ردونى. فسئلوها ما شانها و ما بدءلها. قالت:
انى سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول:
كانى بكلاب الحووب قد نبحت بعض نسائى ثم قال لى:
يا حميراء اياك ان تكونيها. فقال الزبير:
مهلا يرحمك الله فانا قد جزنا ماء الحووب بفراسخ كثيره. فقالت:
اعندك من يشهد بان هذه الكلاب النابحه ليست على ماء الحووب؟ فلفف لها الزبير و طلحه و طلبا خمسين اعرابيا جعلا لهم جعلا فحلفوا لها و شهدوا ان هذا الماء ليس بماء الحووب. فكانت هذه اول شهاده زور علمت فى الاسلام. فسارت عايشه لوجهها. فاما قوله فى الخبر:
و تنجو بعد ما كادت. فقالت الاماميه:
معناه تنجو من القتل بعد ما كادت ان تقتل، و قال المعتذرون لها معناه تنجو من النار بالتوبه بعد ما كادت ان تدخلها بما فعلت. الثانيه:
نكثهم لبيعته و خروجهم عليه بعد الطاعه فى جماعه ما منهم الا من اخذ بيعته. الثالثه:
قتلهم لعامله بالبصره و خزان بيت مال المسلمين بها بعض صبرا:
اى بعد الاسر و بعض غدرا:
اى بعد اعطائهم الامان. و خلاصه القصه ما روى ان طلحه و الزبير و عايشه لما انتهوا فى مسيرهم الى حفر ابى موسى قريب البصره كتبوا الى عثمان بن حنيف الانصارى، و هو يومئذ عامل على على البصره:
ان اخل لنا دار الاماره. فلما قرا كتابهم بعث الى الاحنف بن قيس و الى حكيم بن جبله العبدى فاقرءهما الكتاب. فقال الاحنف:
انهم ان حاولوا بهذا الطل ب بدم عثمان و هم الذين اكبوا على عثمان و سفكوا دمه فاراهم و الله لايزايلونا حتى يلقوا العداوه بيننا و يسفكوا دماءنا، و اظنهم سير كبون منك خاصه ما لا قبل لك به، و الراى ان تتاهب لهم بالنهوض اليهم فى من معك من اهل البصره فانك اليوم الوالى عليهم و انت فيهم مطاع فسر اليهم بالناس و بادرهم قبل ان يكونوا معك فى دار واحده فيكون الناس لهم اطوع منهم لك. و قال حكيم:
مثل ذلك. فقال عثمان بن حنيف:
الراى ما رايتما لكنى اكره الشر و ان ابداهم به و ارجو العافيه و السلامه الى ان ياتينى كتاب اميرالمومنين و رايه فاعمل به. فقال له حكيم: