قوله: العالم من عرف قدره، لان اقرب الاشياء اليه نفسه.
فمن جهل الاقرب، كان بالبعيد اجهل، سيما اذا كان القريب طريقا الى البعيد.
و قد اول بعض الماولين بهذا المعنى قول الله، تعالى، حيث قال: و من كان فى هذا اعمى، فهو فى الاخره اعمى.
اى من كان جاهلا بالدنيا، فهو بالاخره اجهل، لانه لا طريق الى الاخره الا الدنيا.
و قيل: ان الانسان انما يصير عالما بالعلوم النظريه، بعد وقوع الشك فى معلوماتها، و بعد ان عرف شكه فيها.
فمن عرف شكه، فقد عرف حاجته الى العلم، و يوشك ان يعلم، لان اول مراتب العلم الشك.
و من عرف من نفسه انه محتاج الى العلم، فهو الذى عرف قدر نفسه.
فلذلك قال: العالم من عرف قدره.
و لذلك قال: كفى بالمرء جهلا ان لا يعرف قدره.
لان من لم يعرف جعل نفسه، لم يعرف حاجته الى العلم، فيبقى جاهلا.
و قال قوم: المعروف بالمعرفه الثانيه تكون اولا مجهولا لنا، ثم نكتسب معرفته.
و انما يكتسب معرفتنا بان يكون عندنا معلومات متقدمه معلومه، و ان نسلك من ذلك المتقدم الى هذا المتاخر سلوكا موصلا اليه، فهذا فهو معرفه الانسان قدره.
قوله: كل مومن نومه، قال السيد اراد به الخامل الذكر.
و فى كتاب الصحاح رجل نومه بسكون الواو و نصبها مما لا يوبه به.
قوله: ليسوا بالمساييح (98 پ) و لا المذاييع البذر، و قال ابوعبيد: كل مومن نومه، اى خامل الذكر غامض فى الناس، الذى لا يعرف الشر و لا اهله و اما المذاييع فان واحدها مذياع، و هو الذى اذا سمع عن احد بفاحشه اوراها منه، افشاها عليه و اذاعها.
و المساييح الذين يسيحون فى الارض بالشر و النميمه و الافساد بين الناس.
و البذر ايضا نحوذلك، و انما هو ماخوذ من البذر، يقال: بذرت الحب و غيره، اذا فرقته فى الارض، فكذلك هاهنا يبذر الكلام بالنميمه و الفساد.
و الواحد منهم بذور.
فالبذور الذى يفشى السر و لا يحصل منه كمال الاسرار.