قوله: خذ الحكمه انى كانت، فان الحكمه يكون فى صدر المنافق، فيختلج فى صدره حتى يخرج الى صواحبها فى صدر المومن.
قال: لان الحكمه كالضاله عند المنافق لا يسكن نفسه الا باظهارها.
فان الجاهل اذا علم شيئا، صار العلم عنده كالنادر، فيعجب بنفسه، و يكاد يعجز عن الامساك عنه، حتى يظهره.
فاذا تكلم بالحكمه، و سمعها المومن، ازداد علم المومن بها الى علمه، فيسكن عنده، ثم اذا احتيح الى عله، بثه.
و من اخلاق المومن الوقار و عادته الاصطبار.
قوله: قيمه كل امرء ما يحسن، المعنى ان جميع ما خلقه الله (انما خلقه) كاملا على وجه الحكمه.
و قيمه كل شى ء تبع لمقصوده.
و اذا كان المقصود من خلق العاقل العمل الصالح و التقوى من القبايح، فانه لا سبيل له اليها الا بالعلم، فكان المقصود من خلقه حصول معرفته و علمه.
فمتى ازداد علمه، ازدادت قيمته.
و قيمه الانسان يظهر بامرين: حسن الثناء فى العباده، و حصول الثواب فى المعاد.
فمجموعهما يظهر قيمته، و يقضى حقه.
و قال قوم: من فاز بالعلم، انتفع بكل ما سمعه و شاهده، و من كان جاهلا، استبصر بكل ما سمعه و شاهده.
و لذلك قال: و البلد الطيب يخرج نباته باذن ربه، و الذى خبث لا يخرج الانكدا.
فالخبيث من الارض، و ان طاب بذره، و عذب ماوه، لم ينبت الا خبيثا، و الطيب من الارض، و ان فسد بذره، و ملح ماوه لم ينبت الا طيبا.
و لذلك قال الله، تعالى: يسقى بماء واحد و يفضل بعضها على بعض فى الاكل.
و قال فى صفه القرآن: قل هو للذين آمنوا هدى و شفاء و الذين لا يومنون بالاخره فى آذانهم وقر و هو عليهم عمى.
و من لم يتخصص بالعلم و العمل، فليس (194 ر) بانسان و لا قيمه له.
فان القيمه للانسان بقوله، تعالى: و لقد كرمنا بنى آدم.
و لو توهمنا سلب ال عقل عن الانسان، لما كان الا بهيمه مرسله، او صوره ممثله.
و لا انتفاع بالعقل، الا بعد تحصيل العلم.
و لذلك نفى الله، تعالى، العقل عن اقوام لا ينتفعون به.
و لا انتفاع بالعلم الا بعد الاهتداء بالشرع.
لذلك قال الله، تعالى: و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون.
فلا قيمه لسرير لا يمكن الجلوس عليه، و لا لطعام لا يمكن التغذى به، و لا للباس لا يمكن ستر العوره و دفع اذى الحر و البردبه، و للفرس الذى لا يمكن ركوبه و قطع المسافه به، فكذلك لا قيمه لامرء لا علم له و لا هدايه له.
و قال الله، تعالى: الرحمن، علم القرآن، خلق الانسان، علمه البيان، فابتدا بتعليم القرآن، ثم بخلق الانسان، ثم بتعليم البيان.
و لم يدخل الواو ما بينهما.
و كان الوجه على متعارف الناس ان يقول: خلق الانسان، و علمه البيان، و علمه القرآن، فان ايجاد الانسان مقدم على تعليم البيان، و تعليم البيان مقدم على تعليم القرآن.
لكن الله لما لم يعد المخلوق انسانا ما لم يتخصص بالقرآن، ابتدا بالقرآن، ثم قال: خلق الانسان.
نبه على ان تعليم القرآن هو الذى جعله انسانا على الحقيقه.
ثم قال: علمه البيان نبه على ان البيان الحقيقى المختص بالانسان يحصل بعد معرفه علم القرآن.
و ترك حرف ا لعطف، و جعل كل جمله بدلا مما قبله لا عطفا.
و الانسان لفظ المدح، فلا يقال للكافر: انسان، و للجاهل: انسان، الا من طريق التوسع و كونه مستعدا للانسانيه التى ذكرناها، كما يقال للقطن انه ثوب اى مستعد ان يتخذ منه ثوب.